أيها الناس إن المنية قبل الدنية والتجلد قبل التبلد والحساب قبل العقاب والقبر خير من الفقر وغض البصر خير من كثير من النظر والدهر يوم لك ويوم عليك فإذا كان لك فلا تبطر وإذا كان عليك فاصبر فبكليهما تمتحن [ وفي نسخة وكلاهما سيختبر ].
أيها الناس أعجب ما في الإنسان قلبه وله مواد من الحكمة وأضداد من
______________________________________________________
قوله عليهالسلام : « إن المنية قبل الدنية » الدنيئة مهموزا ، وقد يخفف النقيصة والحالة الخسيسة أي ينبغي تحمل الموت ، والمنية قبل أن تنتهي الحال إلى الدنية كما إذا أرادك العدو فتترك الجهاد وتصير له أسيرا فالجهاد والموت قبله أفضل من تركه إلى أن يرد عليك الدنيئة ، وقيل : المراد أن المنية متقدم وخير من الدنية ، فالمراد القبلية في الشرف ، وفيه بعد ، ويؤيد أحد المعنيين ما في نسخ نهج البلاغة (١) « المنية ولا الدنية » كما يقولون : النار ، ولا العار ، وقيل : المراد أن المنية ينبغي أن يكون قبل الموت الاضطراري الذي هو الدنية ، لقوله : « موتوا قبل أن تموتوا ، ومنهم من قرأ المنية بالتخفيف بمعنى الأمنية أي ينبغي أن تكون المني قبل العجز عن تحصيلها ، وما ذكرنا أو لا هو الظاهر كما لا يخفى.
قوله عليهالسلام : « والتجلد قبل التبلد » التبلد : التردد والتحير والعجز والتجلد ضده أي ينبغي أن يكون السعي في الطاعات قبل العجز والتحير ، وكذا الحساب ينبغي أن يكون في الدنيا ، أي محاسبة النفس قبل حلول العقاب في الآخرة.
قوله عليهالسلام : « والقبر خير من الفقر » أي الافتقار إلى الناس ، لا قلة المال ، فإنه ممدوح.
قوله عليهالسلام : « وغض البصر » وفي بعض النسخ « وعمى البصر » ولعله أظهر.
قوله عليهالسلام : « فلا تبطر » البطر الطغيان عند النعمة.
قوله عليهالسلام : « وله مواد من الحكمة » إلخ. قال ابن أبي الحديد (٢) : ليست الأمور التي عدها شرحا للكلام المجمل المتقدم ، وإن ظن قوم أنه أراد ذلك ، ألا ترى أن
__________________
(١) نهج البلاغة تحقيق صبحي الصالح : ص ٥٤٦ « المختار من الحكم ـ ٣٩٦ » وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ١٩ ص ٣٦٢ « المختار من الحكم ـ ٤٠٤ ».
(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ١٨ ص ٢٧١ « المختار من الحكم ـ ١٠٥ » باختلاف يسير وتليخص.