قطع مادة الفساد الذي يحدثه هذا الرجل يتوقف على حبس مجموعة من الرجال وتعذيبهم لغرض التعرّف على الجاني منهم ولم يكن ثمة وسيلة اخرى لقطع مادة الفساد.
فهنا يكون حبس هؤلاء الرجال وتعذيبهم متناسبا مع المصلحة العامة إلاّ انّه مناف للعدل ، إذ لا إشكال انّ حبس غير الجاني وتعذيبه من الظلم ، فهذه الحالة لا يجيب عليها التعريف المذكور أيضا.
على انّه يمكن الإيراد على التعريف بأن الاستحسان لا يكون ـ بناء عليه ـ دليلا مستقلا بل هو راجع الى المصالح المرسلة والى ما يدركه العقل من حسن العدل وقبح الظلم ، وحينئذ لا يكون الاستحسان إلاّ تكثيرا للمصطلحات بلا مغزى ، وهذا يتنافى مع الصناعة العلمية ، هذا بالإضافة الى انّ الظاهر من كلمات الاصوليين وفقهاء القوم انّ الاستحسان دليل مستقل في عرض الأدلة كالمصالح المرسلة والدليل العقلي وليس هو مصطلح ثان للمصالح المرسلة والدليل العقلي. ومن هنا يكون التشكيك في دقة هذا التعريف كبيرا جدا.
هذا تمام الكلام في معنى الاستحسان ، ولا بأس ببيان الأدلة التي استدلّ بها على حجية الاستحسان.
ذكر السيد الحكيم في كتابه الاصول العامة انّه استدلّ على ذلك بآيتين من الكتاب المجيد وبرواية من السنة الشريفة وبالإجماع ، ونحن نعرض لهذه الأدلة تباعا.
الدليل الاول : قوله تعالى ( الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ) (٨).
وتقريب الاستدلال بهذه الآية الكريمة لصالح القول بحجية الاستحسان ، انّ الله تعالى امتدح عباده اللذين يتبعون أحسن القول ، وهذا ما يعبّر عن حجية الاستحسان