ظاهر التعريف ، إذ انّ هذه القاعدة لا تعدو إما ان تكون قاعدة عقلية منشؤها إدراك العقل لاستحالة ترجيح المرجوح واستحالة التخيير بين المرجوح والراجح ، وإمّا انّها قاعدة مستفادة من الشرع أو من دليل آخر ، وإطلاق عنوان الاستحسان عليها مجرّد اصطلاح وهو ينافي دعوى دليليته على الحكم الشرعي ، ولو سلمنا استفادتها من الاستحسان فهذا لا يقتضي أكثر من كونها من موارد ما يكشف عنه الاستحسان لا أنها هي الاستحسان نفسه ، وحينئذ لا يصلح تعريف الاستحسان بها فلا بدّ من التماس تعريف للاستحسان لو كان هذا الاحتمال هو المتعيّن ، وهذا ما يؤكد سقوط هذا الاحتمال ، على انّه لا معنى محصّل من هذا الاحتمال ، وذلك لأن الظاهر من التعريف انّ المجتهد إنّما يلجأ للاستحسان في حالة تعارض الأدلة مع إحراز دليلية كل واحد منهما على الحكم الشرعي لو لا التعارض ، وحينئذ لا معنى لأن يقال خذ بما هو الأقوى منهما ، لان ذلك لا يعالج المشكلة ، فهو أشبه بما لو سألك سائل عن أي الطرقين أسلك وكان غرضه التعرّف على الطريق الاقرب فتجيبه بقولك « اسلك أقرب الطريقين » فهنا لا يكون السائل قد تحصّل على الجواب الناجع ، لأنّه انّما يسأل عن الطريق الأقرب.
نعم لو كان يعلم بالطريق الأقرب إلاّ انّه لا يعلم أهو ملزم بسلوك الطريق الاقرب أو هو مخير مثلا فإنّ الجواب بالقول « اسلك الطريق الأقرب » يكون ناجعا ، إلاّ انّ ذلك خلاف الظاهر من مرجعية الاستحسان في ظرف التعارض ، لأن الظاهر انّه لا يلجأ للاستحسان للتعرّف على هذه القاعدة فحسب بل يلجأ اليه لتشخيص الدليل الأقوى من الدليل الأضعف.