جواهر الكلام - ج ٤١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

من الأرحية والحمامات والمواضع المأذون في غشيانها كالمساجد ) وفاقا للفاضل في جملة من كتبه والمحكي عن الحلي والديلمي وابن حمزة وظاهر المفيد.

( وقيل ) والقائل الشيخ في محكي المبسوط والخلاف ( إذا كان المالك مراعيا له كان محرزا ، كما قطع ) به ( النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله سارق مئزر صفوان في المسجد ) (١) ( و ) لكن ( فيه تردد ) بل منع ضرورة عدم صدق الحرز عرفا على ذلك ، بل لعله من المختلس الذي لا يقطع كما سمعته في النصوص (٢) السابقة ولا أقل من الشك في كونه سارقا أو مختلسا فيدرأ الحد عنه ، مضافا إلى خبر السكوني (٣) السابق وإلى ما قيل من أن السارق إن أخذ المال مع نظر المالك إليه لتحقق المراعاة لم يحصل الشرط ، وهو أخذه سرا ، وإنما يكون مستلبا غاصبا ، وهو لا يقطع ، وان كان مع الغفلة عنه لم يكن محرزا بالمراعاة.

ولا ينافي ذلك قصة صفوان المحكية بطرق عديدة ( منها ) حسن الحلبي (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن الرجل يأخذ اللص يرفعه أو يتركه قال : إن صفوان بن أمية كان مضطجعا في المسجد الحرام فوضع رداءه وخرج يهريق الماء فوجد رداءه قد سرق حين رجع إليه ، فقال : من ذهب بردائي ، فذهب يطلبه فأخذ صاحبه ، فرفعه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : اقطعوا يده ، فقال صفوان : تقطع يده من أجل ردائي يا رسول الله؟ قال : نعم ، قال : فأنا أهبه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب مقدمات الحدود ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب حد السرقة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب حد السرقة ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب مقدمات الحدود ـ الحديث ٢.

٥٠١

له ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : فهلا كان هذا قبل أن ترفعه إلى؟ قلت : فالإمام بمنزلته إذا رفع إليه؟ قال : نعم » ‌وهو صريح في غيبة صفوان لا مراعاته ، و ( منها ) أن صفوان نائم فأخذ من تحته (١) وهو كالأول في عدم المراعاة وإن كان النوم عليه أقرب إلى المراعاة من الغيبة عنه ، ويمكن حمله على أنه قد أحرزه حال خروجه لإراقة الماء ( ومنها ) أنه نام وجعله تحت رأسه وسرق منه وقد كان متوسدا له (٢) ومن هنا كان المحكي عن المبسوط فرض المسألة على هذا الوجه والاكتفاء في حرز الثوب بالنوم عليه أو الاتكاء عليه أو توسده.

نعم رواية صفوان على الوجه المروي تصلح دليلا للمحكي عن ابن أبي عقيل من قطع السارق في أي موضع سرق من بيت أو سوق أو مسجد أو غير ذلك محتجا عليه بالرواية المزبورة ، لكن فيه أنه مناف لاعتبار الحرز نصا وفتوى.

وعن الصدوق لا قطع في المواضع التي يدخل إليها بغير إذن كالحمامات والأرحية والمساجد وإنما قطعه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لأنه سرق الرداء فأخفاه ، ولا خفائه قطعه ولو لم يخفه لعزره.

وفي الرياض « وهو راجع إلى التفسير الأخير ، أي ما عن بعض العلماء من تفسير الحرز بما على سارقه خطر ، لكونه ملحوظا غير مضيع إما بلحاظ دائم أو بلحاظ معتادة » وفيه أن ذلك لا مدخلية له في الإخفاء بل الظاهر أن ذلك عملا بما في جملة من نصوص الدغارة المشتملة على عدم القطع بها ، وإنما هو على من أخذ ما خفي وإن لم أجد العمل بها لأحد غيره.

وأما التفسير المزبور فأجنبي عن ذلك ، نعم بعد أن ذكره في‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٨ ص ٢٦٥.

(٢) سنن البيهقي ج ٨ ص ٢٦٥.

٥٠٢

المسالك قال : « وعلى هذا يتوجه الحكم في الرواية بقطع السارق لأن سارقه في المسجد على خطر من أن يطلع عليه أحد ، وهذا التفسير متوجه ومناسب لما يقتضيه النظر من كون المراعاة بالعين حرزا في مجامعته لإمكان سرقته بمغافلة المالك ، إذ لا يشترط فيه دوام النظر ، بل المعتاد منه المجامع للغفلة على وجه يمكن سرقته منه ، وإلى هذا ذهب الشيخ في موضع من المبسوط وإن اختار الأول في مواضع » قلت : هو مختلس عرفا لا سارق بقطع.

وفي الرياض بعد أن حكى التفسير للحرز بما سمعت قال : « وعليه يختلف الحرز باختلاف الأموال وفاقا للأكثر ، فحرز الأثمان والجواهر الصناديق المقفلة والأغلاف الوثيقة في العمران ، وحرز الثياب وما خف من المتاع وآلات النحاس الدكاكين والبيوت المقفلة في العمران وخزائنها المقفلة وإن كانت هي مفتوحة ، والاسطبل حرز للدواب مع الغلق ، وحرز الماشية في المرعى عين الراعي على ما تقرر ، ومثله متاع البائع في الأسواق والطرقات ».

قلت : هو بعينه ما في الروضة لكن يمكن منع الحرز لكل شي‌ء بحيث يترتب عليه القطع ، فلا حرز للماشية ولا للثمرة على الشجرة مثلا وإن كان لها مراقب وحافظ ، فإنه لا يعد لها حرزا عرفا ، إذ هو الشي‌ء المعد لحفظ الشي‌ء في نفسه ، والمراقبة ونحوها إنما هي حراسة للشي‌ء لا حرز له عرفا ، وهو الذي أشير إليه في النصوص (١) السابقة بكسر القفل ونقب البيت وحواه وأحرزه ونحو ذلك ولا أقل من الشك في تحقق شرط القطع بذلك ، والأصل عدمه ، ولا يجدي إطلاق السارق بعد العلم بتقييده بالحرز ، فيكون ذلك حينئذ شكا في حصول الشرط ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب حد السرقة.

٥٠٣

كما هو واضح.

هذا وقد أطلق الدفن هنا في المتن وقيده بعض بالعمران محترزا به عما لو دفن في خارجه لا يعد حرزا وإن كان في داخل بيت مغلق ، لعدم قضاء العرف به مع عدم الخطر على سارقه ، وفيه منع عدم الصدق عرفا مع عدم العلم بالدفن ، فتأمل.

( وهل يقطع سارق ستارة الكعبة؟ قال في المبسوط والخلاف : نعم بل عن ظاهر الأول الإجماع عليه ، لإطلاق الأدلة ول‌ما رواه أصحابنا (١) « من أن القائم عليه‌السلام إذا قام قطع أيدي بني شيبة وعلق أيديهم على البيت ، ونادى مناديه هؤلاء سراق الله » ‌بل عن الخلاف لا يختلفون في ذلك يعني في الرواية.

( و ) لكن ( فيه إشكال ) بل عن ابن إدريس الجزم بالعدم ( لأن الناس في غشيانها شرع ) كالحمامات ، فلا تكون السرقة من حرز ، واحتمال الرواية كون القطع لفسادهم لا للسرقة ، بل في المسالك أن إحراز مال البيت من مبدإ الإسلام إلى يومنا هذا بأيديهم دائما ، فهم حينئذ من الخائنين لا السارقين ، بل قد يشك في ذلك من وجه آخر ، وهو عدم كون الستارة لمالك معين ، اللهم إلا أن يمنع اعتبار ذلك بإطلاق الأدلة ، فيتجه حينئذ القطع مع فرض إحراز الشرائط التي يمكن فرضها في ستارة الكعبة ومعلقات الحضرات المشرفة ، بأن يهتك حرزها المغلق عليها أو يثقب أو يتسلق إليها ، كما وقع في زماننا في روضة أمير المؤمنين وسيد الوصيين عليه‌السلام.

( ولا يقطع من سرق من جيب إنسان أو كمه الظاهرين ، ويقطع لو كانا باطنين ) على المشهور بين الأصحاب ، بل في كشف اللثام‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب مقدمات الطواف ـ الحديث ٢ من كتاب الحج.

٥٠٤

أنهم قاطعون بالتفصيل المزبور ، كما عن غيره نفي الخلاف فيه ، بل عن الشيخ وابن زهرة الإجماع عليه ، ولعله لصدق الحرز عرفا ، مضافا إلى‌قوي السكوني (١) عن الصادق عليه‌السلام : قد أتي أمير المؤمنين عليه‌السلام بطرار قد طر دراهم من كم رجل ، فقال : إن كان طر من قميصه الأعلى لم أقطعه ، وإن كان طر من قميصه الداخل قطعته » وخبر مسمع بن سيار (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « ان أمير المؤمنين عليه‌السلام قد أتي بطرار قد طر من رجل ، فقال : إن كان طر من قميصه الأعلى لم أقطعه ، وإن كان طر من قميصه الأسفل قطعناه » ‌وبهما بعد انجبارهما واعتضادهما بما سمعت يقيد إطلاق القطع وعدمه في غيرهما من النصوص.

نعم في المسالك « مقتضاهما أن المراد بالظاهر ما في الثوب الخارج سواء كان بابه في ظاهره أم باطنه ، وسواء كان الشد على تقديره من داخله أو خارجه » ولعله الذي تسمعه من الخلاف.

وفي كشف اللثام « ويظهر منهما أن المراد بالظاهر ما على الثوب الأعلى ، وباطن ما على تحته ، ولا يختلف الحال فيهما بأن يكون المال مشدودا أو لا ، كان الشد من خارج أو داخل ».

وقال الشيخ في الخلاف : « وقال جميع الفقهاء : عليه القطع ، ولم يعتبروا قميصا فوق قميص ، إلا أن أبا حنيفة قال : إذا شده فعليه القطع ، والشافعي لم يفصل ».

وفي المبسوط بعد التفصيل بالظاهر والباطن « فإذا أدخل الطرار يده‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب حد السرقة ـ الحديث ٢.

(٢) أشرنا إليه في الوسائل ـ في الباب ـ ١٣ ـ من أبواب حد السرقة ـ الحديث ٢ وذكره في الكافي ج ٧ ص ٢٢٧ والتهذيب ج ١٠ ص ١١٥.

٥٠٥

في جيبه فأخذه أو بط الجيب والطرة معا فأخذه فعليه في كل هذا القطع والكم مثله على ما قلناه إن أدخل يده فأخذه أو خرق الكم أو بطة فأخذه أو بط الخرقة والكم فأخذه فعليه القطع ، وأما إن شده في كمه كالصرة ففيه القطع عند قوم ، سواء جعله في جوف كمه وشده كالصرة من خارج الكم أو شده من داخل حتى صارت الصرة في جوف كمه ، وقال قوم : إن جعلها في جوف الكم وشدها من خارج فعليه القطع ، وإن جعلها من خارج وشدها من داخل فلا قطع ، وهو الذي يقتضيه مذهبنا ».

قلت : لعل من الباطن الجيب في باطن القميص الأعلى ، ومن هنا قال في الروضة : « والمراد بالجيب الظاهر ما كان في ظاهر الثوب الأعلى والباطن ما كان في باطنه أو في ثوب داخل مطلقا » ثم حكى عن الخلاف والمبسوط ما سمعت في الكم والجيب قال : « والأخبار في ذلك مطلقة في اعتبار الثوب الأعلى والأسفل فيقطع في الثاني دون الأول » وهو موافق للخلاف ومال إليه في المختلف ، وجعله المشهور ، وهو في الكم حسن ، أما في الجيب فلا ينحصر الباطن منه في ما كان فوقه ثوب آخر ، بل يصدق به وبما كان في باطن الثوب الأعلى كما قلناه.

قلت : قد يقال بنحو ذلك في الكم أيضا ، بل قد يقال : إن معنى الخبرين إن طر الأعلى من قميصه فلا قطع ، وإن طر الأسفل من قميصه قطع على جعل من الأعلى والأسفل مفعولين لطر ، وربما يؤيد ذلك العرف.

( ولا قطع في ثمرة على شجرها ) عند المشهور على ما في المسالك للنصوص المستفيضة (١) التي تقدم بعضها المصرحة بذلك ( و ) بأنه ( يقطع لو سرق بعد إحرازها ) الذي لا خلاف فيه ولا إشكال ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب حد السرقة.

٥٠٦

إنما الإشكال في إطلاق عدم القطع بالأول الذي مقتضاه ذلك حتى مع الإحراز بغلق ونحوه بقوة انصراف الإطلاق نصا بل وفتوى إلى ما هو الغالب من عدم الحرز لها في حال كونها على الشجرة ، ومن هنا قال في القواعد وتبعه ولده : « ولو كانت الشجرة في موضع محرز كالدار فالأولى القطع بسرقة ثمرها مطلقا » وربما يؤيده مضافا إلى عموم الأدلة خصوص‌خبر إسحاق (١) عن الصادق عليه‌السلام « في رجل سرق من بستان عذقا قيمته درهمان ، قال : يقطع » ‌بناء على أنهما ربع دينار وقد سرق من الحرز ، مضافا إلى ضعف سند النصوص المطلقة ، ولا شهرة محققة جابرة على وجه يخص بها إطلاق ما دل على القطع بسرقة ما في الحرز كتابا (٢) وسنة (٣) فالأولى حينئذ التفصيل كما في المسالك والروضة وغيرهما ، وأما ما عن الصدوق من أنه إذا أكل الرجل من بستان غيره بقيمة ربع دينار أو أكثر لم يكن عليه قطع ما لم يحمل منه شيئا ، فلعله لأنه مع الإحراز إنما أتلف في الحرز.

( و ) كذا ( لا ) قطع ( على من سرق مأكولا في عام مجاعة ) بلا خلاف أجده كما عن بعضهم الاعتراف به ، بل عن الغنية والسرائر نسبته إلى روايات الأصحاب ، وهو كذلك ، ففي‌خبر السكوني (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « لا يقطع السارق في عام مسنت ، يعني عام مجاعة » ‌وفي‌مرسل عاصم بن حميد (٥) « كان أمير المؤمنين عليه‌السلام « لا يقطع السارق في أيام المجاعة » وفي مرسل زياد القندي (٦)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب حد السرقة ـ الحديث ٧.

(٢) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٣٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب حد السرقة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب حد السرقة ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب حد السرقة ـ الحديث ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب حد السرقة ـ الحديث ١.

٥٠٧

« لا يقطع السارق سنة المحل في شي‌ء يؤكل مثل اللحم والخبز وأشباهه ».

ولعل الاختصاص بالمجاعة لأنه مظنة الاضطرار المسوغ أو الموجب للسرقة الذي لا إشكال في عدم القطع فيه مع العلم بكون السرقة له مع عدم إمكان إرضاء صاحبه بعوضه ، فيكون حينئذ كالشبهة الدارية.

وعن المبسوط « إن سرق في عام المجاعة والقحط فان كان الطعام موجودا والقوت مقدورا عليه ولكن بالأثمان الغالية فعليه القطع ، وإن كان القوت متعذرا لا يقدر عليه فسرق سارق فأخذ الطعام فلا قطع عليه » وبعينه حكي في محكي الخلاف عن الشافعي ، قال : « روى أصحابنا أن السارق إذا سرق في عام المجاعة لا قطع عليه ، ولم يفصلوا وقال الشافعي : إذا كان الطعام موجودا مقدورا عليه ولكن بالثمن الغالي فعليه القطع ، وإن كان القوت متعذرا لا يقدر عليه فسرق سارق طعاما فلا قطع عليه ، دليلنا ما رواه أصحابنا‌عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) « لا قطع في عام مجاعة » ‌إلى آخره.

وعلى كل حال فلا ريب في اقتضاء إطلاق النص والفتوى الأعم من ذلك ، نعم في المسالك « حملوا ما في إطلاق الروايتين من المسروق على المقيد في الآخر وهو المأكول » وفيه أنه لا يتأتى على وجه يقتضي التقييد ، اللهم إلا أن يدعى الاتفاق على ذلك كما ادعاه في الرياض محتجا به على ذلك وبظاهر الخبر المزبور قال : وأظهر منه آخر‌مروي (٢) في الفقيه « لا يقطع السارق في عام مجدبة يعني في المأكول دون غيره ».

قلت : الظاهر أن ذلك من الصدوق لتخيل كونه المستفاد من النصوص لا أنه رواية عن الامام عليه‌السلام وحينئذ فالتعميم أولى ، بل قيل : إن مقتضى إطلاق المصنف وغيره بل والنصوص عدم الفرق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب حد السرقة ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب حد السرقة ـ الحديث ٤.

٥٠٨

بين المضطر وغيره وإن كان قد يناقش بعدم انسياق الثاني منه ، نعم يدخل فيه المشتبه حاله ، كعدم انسياق غير المأكول فعلا من الخبز لو قلنا بالتقييد به كالحبوب ونحوها بدعوى كون المراد الصالح للأكل قوة أو فعلا كما في المسالك وغيرها ، بل ظاهر قوله عليه‌السلام « كالخبز واللحم وأشباهه » خلافه ، والأصل في ذلك أن الحكم مخالف لإطلاق الأدلة ، فالمناسب الاقتصار فيه على المتيقن ، وما في الروضة من دعوى تنبيه التمثيل في الخبر على إرادة الأعم يمكن منعه.

( ومن سرق ) إنسانا ( صغيرا ) لا تمييز له بحيث يعرف سيده من غيره ( فان كان مملوكا قطع ) بلا خلاف بل ولا إشكال مع جمعه ما سمعته من الشرائط السابقة كالحرز ونحوه ، ضرورة كونه كغيره من الأموال.

ولو كان كبيرا مميزا ففي القواعد والمسالك وغيرها لا قطع ، لأنه متحفظ بنفسه إلا أن يكون نائما أو في حكمه ، أو لا يعرف سيده من غيره ، فإنه حينئذ كالصغير ، بل في الرياض بعد نسبته إلى جماعة « لم أجد فيه خلافا إلا من إطلاق العبارة » قلت : لعله المتجه بعد فرض صدق اسم السرقة ولو بإكراهه خصوصا في المميز المزبور ، ودعوى أن الصغير المذكور يسرق بخلاف الكبير فإنه يخدع يمكن منع إطلاقها.

ولا فرق في ذلك بين القن والمدبر وأم الولد والمبعض بل والمكاتب وإن استشكل فيه الفاضل في القواعد ، ولعله من عدم خروجه عن المالية ومن عدم تمامية ملك السيد له ، لانقطاع تصرفه عنه ، ولا يملك منافعه ولا استخدامه ولا أرش الجناية عليه ، وهو يملك ما يكتسبه لكن يمكن منع الأخير ، بل عنه في التحرير القطع بكون المشروط كالقن ، مع أنه لا فرق بينه وبين المطلق بالنسبة إلى الملكية ، ومن الغريب قوله بلا فصل‌

٥٠٩

عما سمعت : « ولو سرق من مال المكاتب قطع إن لم يكن سيده ، ولو سرق نفس المكاتب فلا قطع عليه ، لأن ملك سيده ليس بتام عليه ، فإنه لا يملك منافعه ولا استخدامه ولا أخذ أرش الجناية عليه ، إذ هو على فرض إرادته المطلق لا فرق بينه وبين المشروط في ذلك.

( ولو كان ) المسروق ( حرا فباعه لم يقطع حدا ) قطعا ، لعدم كونه مالا يبلغ النصاب ( وقيل ) والقائل الشيخ في النهاية وجماعة ، بل في التنقيح أنه المشهور ( يقطع دفعا لفساده ) لا حدا للسرقة ، لقول الصادق عليه‌السلام في خبر السكوني (١) « إن أمير المؤمنين عليه‌السلام أتي برجل قد باع حرا فقطع يده » وخبر عبد الله بن طلحة (٢) « سأله عن الرجل يبيع الرجل وهما حران فيبيع هذا هذا وهذا هذا ، ويفران من بلد إلى بلد يبيعان أنفسهما ، ويفران بأموال الناس ، قال : تقطع أيديهما ، لأنهما سارقا أنفسهما وأموال الناس » وخبري سنان بن طريف (٣) « سأله عن رجل باع امرأته ، قال : على الرجل أن يقطع يده ».

وخبر طريف بن سنان (٤) « سألت جعفر بن محمد عليهما‌السلام عن رجل سرق حرة فباعها ، فقال : فيها أربعة حدود : أما أولها فسارق تقطع يده ».

ومن المعلوم إرادة حكم السرقة من إطلاقها عليه في النصوص المزبورة كما أن ظاهر الأول منها عدم الفرق بين الصغير والكبير ، بل صريح غيره الكبير ، لكن عن الشيخ تقييد ذلك بالصغير ، بل في المسالك تبعه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب حد السرقة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب حد السرقة ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب حد الزناء ـ الحديث ١ و ٢. لكن الأول عن ظريف بن سنان.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب حد السرقة ـ الحديث ١ وهو بسند الشيخ والصدوق قدس‌سرهما.

٥١٠

على ذلك الأكثر معللين له بأن الكبير غالبا متحفظ على نفسه لا يمكن بيعه ، إلا أنه كما ترى ، ولذا نص على عدم الفرق في محكي التحرير ، إذ لا فرق بينهما بعد أن كان القطع للفساد لا للسرقة وإن استدل في محكي المبسوط عليه بآيتها ، لكنه في غير محله ، ومن هنا قال في محكي خلافه : « لا قطع عليه ، للإجماع على أنه لا قطع إلا في ما قيمته ربع دينار فصاعدا ، والحر لا قيمة له ، وقال مالك : عليه القطع ، وقد روى ذلك أصحابنا » وإن كان قد يناقش بأن القطع للنصوص المزبورة لا للسرقة وإن وجه بأن القطع في سرقة المال إنما جاء لحراسته ، وحراسة النفس أولى ، إلا أنه لا يوافق مذهبنا ، خصوصا بعد تعليق الحكم بسرقة المال على وجه مخصوص لا يتم في الحر على وجه تتحقق به الأولوية المزبورة بحيث تصلح مدركا للحكم ، ودعوى ضعف النصوص المزبورة ـ ولا جابر لها سوى الشهرة المحكية وفي حصوله بها نوع مناقشة ، سيما مع رجوع الشيخ الذي هو أصلها عما في النهاية ـ واضحة الفساد بعد تحقق الشهرة المزبورة على القطع ، كوضوح فساد المناقشة بأن القطع المزبور إن كان للفساد لا للسرقة فالمتجه جريان الحكم المفسد عليه لا خصوص القطع المزبور ، ضرورة كونها كالاجتهاد في مقابلة النص الذي ذكرنا أن وجه الحكمة فيه ذلك ، على أنه قابل لتخصيص ذلك الإطلاق ، وحينئذ فالتردد الظاهر من المصنف وغيره في الحكم المزبور في غير محله.

ولو سرقه ولم يبعه أدب بما يراه الحاكم ، للأصل بعد اختصاص النصوص بالبيع ، خلافا للمحكي عن ظاهر المبسوط والسرائر.

ولو كان عليه ثياب أو حلي يبلغ النصاب لم يقطع وإن كان صغيرا لثبوت يده عليها ، ولذا يحكم بأن ما في يد اللقيط له ، نعم لو فرض سرقته للمال معه على وجه لم تكن يده عليه اتجه حينئذ القطع.

٥١١

ولو كان الحر كبيرا نائما على متاع فسرقه ومتاع قطع لسرقة المتاع بناء على أن نوم الكبير عليه حرز له ولسرقة الحر إن باعه ، للنصوص السابقة ، بل في القواعد وكذا السكران والمغمى عليه والمجنون ، ولعله لعدم خروجهم بذلك عن الإحراز ، إذ ليسوا كالجماد ، لكنه لا يخلو من نظر.

( ولو أعار بيتا ) مثلا ( فنقبه المعير فسرق منه مالا للمستعير قطع ) بلا خلاف أجده ، بل ولا إشكال ، للعمومات وإن ذكر في المسالك وجها للعدم باعتبار عدم لزوم العارية ، فلا يحصل الإحراز ، ولكن فيه أن له الدخول إذا رجع ، مع أن عليه حينئذ أن يمهل المعير بقدر نقل أمتعته لا مطلقا.

( وكذا ) لا إشكال ولا خلاف في القطع ( لو آجر بيتا وسرق منه مالا للمستأجر ) المالك للمنفعة بعقد الإجارة التي منها الإحراز ، فما عن أبي حنيفة من عدم القطع واضح الفساد ، خصوصا بعد المحكي عنه من القطع لو آجر عبده لحفظ متاع ثم سرق المؤجر من المتاع الذي كان يحفظه العبد وإن ضعف احتمال عدم القطع فيه باعتبار أن الإحراز فيه بملاحظة العبد لا بنفس العبد المملوك للسارق ، فنفس الحرز ليس بمملوك له.

ولو كان الحرز مغصوبا منه لم يقطع بسرقة مالكه الذي له هتكه ، فلا يكون المال في حرز ، بل في القواعد والمسالك ومحكي المبسوط أن الدار المغصوبة ليست حرزا عن غير المالك ، لأنه إحراز بغير حق فكان كغير المحرز ، لكن قد يقال بصدق العمومات.

ولو كان في الحرز مال مغصوب للسارق فهتكه وأخذ ماله خاصة لم يقطع قطعا ، بل هو كذلك وان اختلط المالان بحيث لا يتميزان من‌

٥١٢

نحو الطعام والدهن فلم يأخذ إلا قدر ماله أو أزيد بما لا يبلغ النصاب.

وإن أخذ غير المغصوب المميز عنه وحده أو معه بقدر النصاب ، فعن المبسوط إطلاق قطعه ، والأقرب القطع إن هتك لغير المغصوب خاصة بل أولهما ، للعمومات بعد حرمة الهتك المزبور المراد به السرقة.

وإن هتك لأخذ ماله فلا قطع ، للرخصة فيه وبعد يكون أخذ مالا غير محرز ، ولو جوزنا للأجنبي انتزاع المغصوب حسبة فهتك الحرز وأخرجه فلا قطع ، ولو سرق معه بقدر النصاب من مال الغاصب ففيه التفصيل المزبور ، ولو لم نجوز ذلك له قطع بسرقة المغصوب فضلا عن غيره والمطالب به الغاصب كما عن المبسوط أو المالك.

( ويقطع من سرق مالا موقوفا ) على محصور ( مع مطالبة الموقوف عليه لأنه ) مندرج في العموم بناء على أنه ( مملوك ) له بل وغير المحصور بناء على أنه المالك أيضا ، للعموم فضلا عن سرقة ثمرته التي لا شك في أنها للموقوف عليه ، نعم لو قلنا إن المالك فيه الله تعالى شأنه أمكن عدم القطع ، بل في المسالك أنه الأظهر بعد أن احتمله لو طالب به الحاكم لكن قد عرفت سابقا أن مقتضى العموم القطع أيضا ، بل قد يؤيده خبر محمد بن قيس (١) المتقدم المشتمل على قطع السارق من مال الله تعالى.

ولو كان السارق بعض الموقوف عليهم فالحكم فيه ما سمعته حتى لو كان فقيرا وكان الوقف على الفقراء ، إلا أنه مع فرض كونهم مصرفا يشكل مراعاة الزائد على نصيبه لعدم النصيب له حينئذ اللهم إلا أن يراد به ما يعم ذلك كما سمعته في الزكاة وبيت المال ونحوهما.

( ولا تصير الجمال ) مثلا ( محرزة بمراعاة صاحبها ولا الغنم

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب حد السرقة ـ الحديث ٤.

٥١٣

بإشراف الراعي عليها ) كما تقدم الكلام فيه سابقا ( و ) لكن ( فيه قول آخر للشيخ رحمه‌الله ) في محكي الخلاف والمبسوط إنها تكون محرزة بذلك ، وتبعه عليه غير واحد ممن تأخر عنه ، ولكن قد عرفت ضعفه قال في الأخير : « الإبل إن كانت راتعة فحرزها أن ينظر الراعي إليها مراعيا لها وإن كان ينظر إلى جميعها مثل أن كان على نشر أو مستو من الأرض فهي في حرز ،لأن الناس هكذا يحرزون أموالهم عند الراعي ، وإن كان لا ينظر إليها أو كان ينظر إليها فنام عنها فليست في حرز ، وإن كان النظر إلى بعضها دون بعض فالتي ينظر إليها في حرز والتي لا ينظر إليها في غير حرز ، وإن كانت باركة ينظر إليها فهي في حرز وإن كان لا ينظر إليها فهي في حرز بشرطين : أن تكون معقولة وأن يكون معها نائما أو غير نائم لأن الإبل الباركة هكذا حرزها ، وإن كانت مقطرة فإن كان سائقا ينظر إليها فهي في حرز ، وإن كان قائدا فإنما تكون في حرز بشرطين : أن تكون بحيث إذا التفت إليها شاهدها كلها وأن يكثر الالتفات إليها مراعيا لها ، وكذا البغال والخيل والحمير والبقر والغنم ، فإذا أوت إلى حظيرة كالمراح والدين والإصطبل ، فإن كان في البر دون البلد فما لم يكن صاحبها معها في المكان فليس بحرز ، وإن كان معها فيه فهو حرز ، فان كان الباب مفتوحا فليس بحرز إلا أن يكون معها مراعيا لها غير نائم ، وإن كان الباب مغلقا فهو حرز نائما كان أو غير نائم ، ولو كانت في جوف البلد فالحرز أن يغلق الباب سواء كان معها صاحبها أو لا » وهو كما ترى خصوصا فرقه بين الراتعة والسائرة وإن كان الأصح عدم كون المراعاة من أصلها حرزا عرفا.

( ولو سرق باب الحرز أو ) شيئا ( من أبنيته ) المثبتة فيه ( قال في المبسوط ) وتبعه غيره ( يقطع ، لأنه محرز بالعادة ، وكذا

٥١٤

إذا كان الإنسان في داره وأبوابها مفتحة ، ولو نام زال الحرز و ) لكن ( فيه تردد ) للتردد في أن الحرز هو ما ليس لغير المالك دخوله ، أو أنه ما كان السارق منه على خطر وخوف من الاطلاع عليه ، أو أنه عرفي وقلنا بأن مثل ذلك محرز فيه فيقطع حينئذ أو هو ما كان مغلقا أو مقفلا أو مدفونا فلا يقطع لانتفائه ، ولو قلنا بأن منه المراعاة بنى على حصولها وعدمه ، وقد عرفت سابقا أن الحرز عرفا الشي‌ء المعد لحفظ الشي‌ء في نفسه ، فلا قطع في شي‌ء من ذلك لا أقل من الشبهة الدارأة ، وحينئذ فيسقط البحث عن سرقة باب المسجد وعن سرقة دقاقة الباب ونحو ذلك ، ضرورة عدم الحرز في الجميع بناء على ما ذكرناه ، نعم لو كان باب الحرز على بيت داخل في الدار التي لها باب مغلق على ذلك أو داخل في بيت آخر كذلك كباب الخزينة اتجه حينئذ القطع بسرقتها ، لكونها حينئذ في حرز.

( ويقطع سارق الكفن ) من القبر ولو بعض أجزائه المندوبة ( لأن القبر حرز له ) إجماعا في صريح المحكي عن الإيضاح والكنز والتنقيح وظاهر الديلمي ، وما عن المقنع والفقيه من عدم القطع على النباش إلا أن يؤخذ وقد نبش مرارا مع شذوذه يمكن حمله كمستنده على النباش غير السارق ، لا على أن القبر غير حرز كما استظهره منه في المسالك تبعا لغاية المراد ، وعلى تقديره فهو محجوج بما عرفت وبالعرف وظاهر النصوص حتى‌خبر حفص البختري (١) « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : حد النباش حد السارق » ‌باعتبار ظهوره في كونه منه ، و‌خبر الجعفي (٢) « كنت عند أبي جعفر عليه‌السلام وجاءه كتاب هشام ابن عبد الملك في رجل نبش امرأة فسلبها ثيابها ونكحها فان الناس قد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب حد السرقة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب حد السرقة ـ الحديث ٢.

٥١٥

اختلفوا علينا ، طائفة قالوا : اقتلوه وطائفة قالوا : أحرقوه فكتب إليه أبو جعفر عليه‌السلام إن حرمة الميت كحرمة الحي ، تقطع يده لنبشه وسلبه الثياب ، ويقام عليه الحد في الزناء ، إن أحصن رجم ، وإن لم يكن أحصن جلد ماءة » وخبر أبي الجارود (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : يقطع سارق الموتى كما يقطع سارق الأحياء » وخبر زيد الشحام (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « أخذ نباش في زمن معاوية فقال لأصحابه : ما ترون؟فقالوا : تعاقبه وتخلي سبيله ، فقال رجل من القوم : ما هكذا فعل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، فقال : وما فعل؟ قال : فقال : يقطع النباش ، وقال : هو سارق هنالك للموتى » ومن قضايا أمير المؤمنين عليه‌السلام المروية مسندة في الفقيه (٣) « أنه قطع نباش القبر ، فقيل له : أتقطع في الموتى؟ فقال : إنا لنقطع لأمواتنا كما نقطع لأحيائنا » ‌قال (٤) : « وأتي بنباش فأخذ بشعره وجلد به الأرض ، وقال : طئوا عباد الله ، فوطئ حتى مات » ‌ونحوه في الأول خبر إسحاق بن عمار (٥) كل ذلك مضافا إلى الإجماع في محكي الغنية والسرائر على القطع بسرقته ، وإلى ما تسمعه من إطلاق النصوص الآتية في قطع النباش ، فالحكم حينئذ مفروغ منه.

( و ) إنما الكلام في أنه ( هل يشترط بلوغ قيمته نصابا؟ قيل ) والقائل المفيد وسلار وابنا زهرة وحمزة ، بل نسب إلى الأكثر ( نعم ) يشترط ذلك ، لإطلاق ما دل عليه بعد ما سمعته من ظهور النص والفتوى في كونه من السارقين من الحرز ، فيشترط فيه حينئذ ما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب حد السرقة ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب حد السرقة ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب حد السرقة ـ الحديث ٨.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب حد السرقة ـ الحديث ٨.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب حد السرقة ـ الحديث ١٢.

٥١٦

يشترط فيه ، وعليه ينزل إطلاق القطع بسرقته فيها ، بل لعله الظاهر منهما مضافا إلى الأصل ودرء الحد بالشبهة.

( وقيل ) والقائل ابن إدريس في أول كلامه ( يشترط في المرة الأولى ) لما سمعته من الأدلة ( دون الثانية والثالثة ) فإنه لا يشترط بل يقطع مطلقا ، لأنه مفسد ، ولكنه لم نجده لغيره ، بل هو قد رجع عنه في آخر كلامه ، على أنه كما ترى غير واضح الوجه ولا المستند.

( وقيل ) كما عن الشيخ والقاضي وابن إدريس في آخر كلامه والفاضل في الإرشاد ( لا يشترط ) فيقطع مطلقا ، لإطلاق الأدلة الذي عرفت تنزيله على المقيد ، وقيل كما سمعته عن الصدوق : لا يقطع مطلقا إلا مع النبش مرارا ، ولعله لما ورد من قطع النباش الذي تكرر منه الفعل.

قال الصادق عليه‌السلام في صحيح منصور بن حازم (١) : « يقطع النباش والطرار ، ولا يقطع المختلس ».

وسأله عليه‌السلام أيضا عيسى بن صبيح (٢) « عن الطرار والنباش والمختلس فقال : يقطع الطرار والنباش ، ولا يقطع المختلس ».

وفي‌خبر عبد الرحمن العزرمي (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « أن عليا عليه‌السلام قطع نباشا ».

بل‌سأله عليه‌السلام علي بن سعيد (٤) أيضا عن النباش فقال : « إذا لم يكن النبش له بعادة لم يقطع ويعزر ».

وفي خبره الآخر (٥) عنه عليه‌السلام أيضا « سألته عن رجل أخذ وهو ينبش ، قال : لا أرى عليه قطعا إلا أن يؤخذ وقد نبش‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب حد السرقة ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب حد السرقة ـ الحديث ١٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب حد السرقة ـ الحديث ٩.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب حد السرقة ـ الحديث ١٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب حد السرقة ـ الحديث ١١.

٥١٧

مرارا فأقطعه ».

وفي‌خبر الفضيل (١) عنه عليه‌السلام أيضا « النباش إذا كان معروفا بذلك قطع ».

وفي مرسل ابن بكير (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « في النباش إذا أخذ أول مرة عزر ، فان عاد قطع » ‌بناء على أن المراد منه العود مكررا.

وكذا‌خبر علي بن إبراهيم عن أبيه (٣) المروي عن كتاب الاختصاص قال : « لما مات الرضا عليه‌السلام حججنا فدخلنا على أبي جعفر عليه‌السلام وقد حضر خلق من الشيعة ـ إلى أن قال ـ : فقال أبو جعفر عليه‌السلام سئل أبي عن رجل نبش قبر امرأة فنكحها ، فقال أبي : يقطع يمينه للنبش ، ويضرب حد الزناء فإن حرمة الميتة كحرمة الحية ، فقالوا : يا سيدنا تأذن لنا أن نسألك؟ قال : نعم ، فسألوه في مجلس عن ثلاثين ألف مسألة فأجابهم فيها وله تسع سنين » ‌بناء على إرادة النبش المعتاد منه إلى غير ذلك مما يمكن الاستدلال به لما سمعته من الصدوق.

ويقرب منه ما عن المصنف في النكت من أنه « لا قطع عليه حتى يصير ذلك عادة له وقد أخذ كل مرة نصابا فما فوقه ، لاختلاف الأخبار وحصول الشبهة » وكأنه أشار باختلاف الأخبار إلى ما سمعته وإلى خصوص‌خبر الفضيل (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « عن الطرار والنباش والمختلس قال : لا يقطع » ‌لكن فيه أن الأخبار النافية للحد إنما نفته عن النباش ، فلعله من لم يأخذ شيئا ، كما أن في ما سمعته من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب حد السرقة ـ الحديث ١٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب حد السرقة ـ الحديث ١٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب حد السرقة ـ الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب حد السرقة ـ الحديث ١٤.

٥١٨

الصدوق قصور دليله عن معارضة إطلاق النصوص المزبورة وغيرها مما دل على القطع بسرقة الكفن. ومن هنا قال في الرياض : « قد حملها الأصحاب على مجرد النبش الخالي عن أخذ الكفن جمعا بينها وبين النصوص السابقة بحملها على سرقة الكفن كما هو ظاهرها ، ولا سيما الأخبار المشبهة منها بالسرقة بناء على ما سبق ، وحمل هذه على ما عرفته » والجمع بينها وإن أمكن بما يوافق قوله إلا أن كثرة تلك الأخبار وشهرتها شهرة قريبة من الإجماع المحتمل الظهور المصرح به في ما مر من الكتب يرجح الجمع الأول ، فالقول به متعين وإن كنت لم أتحقق ما نسبه إلى الأصحاب من القطع باعتبار النبش المجرد ، نعم احتمله في المسالك جمعا بين الأدلة وجزم به في كشف اللثام ، وإلا فالمصنف وغيره على التعزير كما ستسمعه.

( و ) على كل حال فلا ريب في أن ( الأول أشبه ) بأصول المذهب وقواعده التي منها درء الحد بالشبهة واحترام دماء الناس ، والأصل عدم القطع ، ومنها إطلاق قطع السارق للنصاب من الحرز ، وغير ذلك مما سمعته على وجه يرجح على غيره ، فيجب إرجاع ما نافاه إليه أو طرحه.

ولا يشكل بعدم ملك الميت له ، لإمكان كونه باقيا على حكم ماله أو لعدم توقف القطع على ذلك ، بل يكفي فيه القول بكونه ملكا للوارث بل يمكن القطع مع عدم القول بكونه ملكا لأحد وإن كان المطالب به على الأولين الوارث والحاكم على الأخير أو غيره حسبة ، ولو كان الميت عبدا فالكفن للسيد فيطالب به ، ولو قلنا بعدم ملكه لأحد كان المطالب به الحاكم ، ولو مات ولم يخلف شيئا وكفنه الامام من بيت المال فعن المبسوط لا يقطع بلا خلاف ، ولكن لا يخلو من نظر ولو كفنه أجنبي فالمطالب هو ، وعن التحرير الوارث ، وفيه منع.

٥١٩

( ولو نبش ولم يأخذ ) الكفن ( عزر ) كما سمعته في المرسل (١) وغيره (٢) ( ولو تكرر منه الفعل وفات السلطان ) كما عن المقنعة والمراسم والنهاية أو وأقيم عليه الحد كما عن التهذيب والاستبصار والجامع ( كان له قتله للردع ) لغيره عن الفساد ، ولكن لم أقف عليه كذلك في شي‌ء مما حضرني من النصوص ، نعم قد سمعت المروي عن قضايا علي عليه‌السلام من قتل نباش بالوطء بالأقدام (٣) ونحوه‌مرسل ابن أبي عمير عن غير واحد من أصحابنا (٤) قال : « أتي أمير المؤمنين عليه‌السلام برجل نباش فأخذ بشعره فضرب به الأرض ثم أمر الناس أن يطؤوه بأرجلهم فوطؤوه حتى مات » ومرسل أبي يحيى الواسطي (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « أتي أمير المؤمنين عليه‌السلام بنباش فأخر عذابه إلى يوم الجمعة ، فلما كان يوم الجمعة ألقاه حتى تحت أقدام الناس فما زالوا يتوطؤونه بأرجلهم حتى مات » ‌ولكن ليس في شي‌ء منها فوت السلطان ، وأما التكرار فلعله استفيد من الصيغة ، كما أن عدم وجوب القتل على ما هو ظاهر المتن وغيره بل هو المحكي عن المفيد وسلار للتخيير في المفسد بينه وبين غيره وعن الشيخ إيجابه ، ولعله للاقتصار على ما سمعته من النصوص.

وليس القبر حرزا لغير الكفن إذا لم يكن في حرز آخر كدار عليها غلق مثلا للعرف ، فلو ألبس الميت من غير الكفن أو وضع معه شي‌ء فسرق لم يقطع ، بل في القواعد وكذا العمامة بناء منه على أنها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب حد السرقة ـ الحديث ١٦ إلا انه ليس نص فيما ذكره.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب حد السرقة ـ الحديث ١٣ إلا انه ليس نص فيما ذكره.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب حد السرقة ـ الحديث ٨.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب حد السرقة ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب حد السرقة ـ الحديث ١٧.

٥٢٠