الشيخ محمّد حسن النّجفي
المحقق: الشيخ محمود القوچاني
الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٧
الصفحات: ٦٩٦
نبي ، فقال : إن سمعته يقول ذلك فاقتله ، قال : فجلست إلى جنبه غير مرة فلم يمكني ذلك » وخبر أبي بصير (١) عن أبي جعفر عليهالسلام في حديث « قال النبي صلىاللهعليهوآله أيها الناس إنه لا نبي بعدي ولا سنة بعد سنتي ، فمن ادعى ذلك فدعواه وبدعته في النار ، فاقتلوه ».
وفيخبر ابن فضال عن أبيه المروي عن العيون (٢) عن الرضا عليهالسلام في حديث شريعة محمد صلىاللهعليهوآله لا تنتهي إلى يوم القيامة « ولا نبي بعده إلى يوم القيامة ، فمن ادعى بعده نبيا أوتي بكتاب بعده فدمه مباح لكل من سمع منه » إلى غير ذلك.
( وكذا من قال : لا أدري محمد بن عبد الله (ص) صادق أو لا وكان على ظاهر الإسلام ) بلا خلاف أجده فيه أيضا لقول الصادق عليهالسلام في صحيح ابن سنان (٣) المروي عن المحاسن « من شك في الله وفي رسوله فهو كافر ».
وقال له عليهالسلام الحارث (٤) أيضا : « أرأيت لو أن رجلا أتى إلى النبي صلىاللهعليهوآله فقال : والله ما أدري أنبي أنت أم لا كان يقبل منه؟ قال : لا ، ولكن كان يقتله ، أنه لو قبل منه ذلك ما أسلم منافق ».
لكن في المسالك الاستدلال عليهما بالعلم بانتفاء دعوى الأول من دين الإسلام ضرورة فيكون ذلك ارتدادا من المسلم وخروجا من الملل التي تقر أهلها ، فيقتل لذلك ، وأما الشك في صدق النبي صلىاللهعليهوآله فان وقع من المسلم فهو ارتداد ، وتبعه على ذلك الأردبيلي.
وفيه أن مقتضى ذلك جريان حكم المرتد عليهما لا القتل مطلقا كما هو
__________________
(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب حد المرتد ـ الحديث ٣.
(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب حد المرتد ـ الحديث ٤.
(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب حد المرتد ـ الحديث ٢٢.
(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب حد المرتد ـ الحديث ٤.
ظاهر النص والفتوى. نعم لو وقع الشك المزبور من الكافر لا يقتل به ، ولعله لذا قيد الحكم بوقوعه ممن كان على ظاهر الإسلام.
وقد يلحق مدعي الإمامة بمدعي النبوة ، وكذا من شك فيه وكان على ظاهر التشيع كي يكون بذلك منكرا لضرورة الدين بعد أن كان عنده من الدين هو ما عليه من المذهب ، فهو حينئذ كمن أنكر المتعة ممن كان على مذهب التشيع ، وفي جملة منالنصوص « أن الشاك في علي كافر » (١) ولكن الانصاف بعد ذلك كله عدم خلو الحكم المزبور من إشكال ، ويجري الكلام في من أنكر أحد الأئمة عليهمالسلام من أهل التشيع ، والله العالم.
المسألة ( الثالثة : )
( من عمل بالسحر يقتل إن كان مسلما ويؤدب إن كان كافرا ) بلا خلاف أجده فيه ، لخبر السكوني (٢) عن أبي عبد الله عليهالسلام « قال رسول الله (ص) : إن ساحر المسلمين يقتل ، وساحر الكفار لا يقتل ، قيل يا رسول الله : لم لا يقتل ساحر الكفار؟ فقال : لأن الكفر أعظم من السحر ، ولأن السحر والشرك مقرونان » وعلى ذلك ينزل إطلاق باقي النصوص ، منهاخبر زيد بن علي (٣) عن أبيه عن آبائه عليهمالسلام قال : « سئل رسول الله صلىاللهعليهوآله عن الساحر ، فقال : إذا جاء رجلان عدلان فشهدا بذلك فقد حل دمه »
__________________
(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب حد المرتد ـ الحديث ١٣ و ١٤ و ٢١ و ٤٨ و ٤٩.
(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب بقية الحدود ـ الحديث ١.
(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب بقية الحدود ـ الحديث ١.
ومنهاخبر إسحاق بن عمار (١) عن جعفر عن أبيه عليهماالسلام « ان عليا عليهالسلام كان يقول : من تعلم شيئا من السحر كان آخر عهده بربه وحده القتل إلا أن يتوب » ومنهاخبر زيد الشحام (٢) عن أبي عبد الله عليهالسلام « الساحر يضرب بالسيف ضربة واحدة على رأسه ».
نعم في الأول دلالة على رد من قال بانحصار ثبوته بالإقرار ، لأن الشاهد لا يعرف قصده ، ولا يشاهد التأثير ، وفي الثاني دلالة على قاتل متعلم السحر ، لكن ظاهر العبارة بل هو المحكي عن جماعة اختصاصه بالعامل ولعله للأصل وتبادر العامل مما دل على قتله بقول مطلق ، والخبر المزبور لا جابر له ، مع أنه محتمل للبناء على الغالب من العمل للمتعلم ، وقد يقال : إن المراد بالساحر هو متخذ السحر صنعة وعملا له وإن لم يقع منه لصدق اسم الساحر عليه كغيره من أرباب الصنائع ، نعم لا قتل على معرفة السحر لا لذلك بل لإبطال مدعي النبوة مثلا به ، فإنه ربما يجب تعلمه لذلك.
ثم إن إطلاق النص والفتوى يقتضي عدم الفرق بين المستحل وغيره فما عن بعض متأخر من القول باختصاصه بالأول لم نتحققه ، وعلى تقديره غير واضح الوجه.
ولا إشكال في ثبوته بالبينة ولو اثنان ، أما الإقرار فمقتضى دليله الاكتفاء بالمرة فيه ، لكن يمكن اعتبار الاثنين فيه ، لما سمعته في نظائره.
__________________
(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب بقية الحدود ـ الحديث ٢.
(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب بقية الحدود ـ الحديث ٣.
المسألة ( الرابعة : )
قد ذكر أنه ( يكره أن يزاد في تأديب الصبي على عشرة أسواط وكذا المملوك ) لكن لم أجد دليلا واضحا عليه ، نعم فيخبر حماد بن عثمان (١) « قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : في أدب الصبي والمملوك فقال : خمسة أو ستة ، وأرفق » وفيخبر السكوني (٢) عن أبي عبد الله عليهالسلام « ان أمير المؤمنين عليهالسلام ألقى صبيان الكتاب ألواحهم بين يديه ليخير بينهم ، فقال : أما أنها حكومة والجور فيها كالجور في الحكم ، أبلغوا معلمكم إن ضربكم فوق ثلاث ضربات في الأدب اقتص منه » وفيخبر زرارة بن أعين (٣) المروي عن المحاسن « قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : ما ترى في ضرب المملوك؟ قال : ما أتى منه على بدنه فلا شيء عليه ، وأما ما عصاك فيه فلا بأس ، قلت : كم أضربه؟ قال : ثلاثة أربعة خمسة » وقال إسحاق بن عمار (٤) للصادق عليهالسلام : « ربما ضربت الغلام في بعض ما يحرم ، فقال : وكم تضربه؟ فقال : ربما ضربته مائة ، فقال : مائة مائة؟! فأعاد ذلك مرتين ، ثم قال : توق حد الزاني ، اتق الله ، فقال : جعلت فداك فكم ينبغي لي أن أضربه؟ فقال : واحد ، فقال : والله لو علم أني لا أضربه إلا واحدا ما ترك لي شيئا إلا أفسده ، فقال : فاثنتين ، فقال : جعلت فداك هذا هلاكي إذا ، قال : فلم أزل أماكسه حتى بلغ
__________________
(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب بقية الحدود ـ الحديث ١.
(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب بقية الحدود ـ الحديث ٢.
(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب بقية الحدود ـ الحديث ٣ وفيه« ما أتى فيه على يديه فلا شيء عليه ». (٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب مقدمات الحدود ـ الحديث ٢.
خمسا ثم غضب ، فقال : يا إسحاق إن كنت تدري حد ما أجرم فأقم الحد فيه ولا تتعد حدود الله » بلفي مسائل إسماعيل بن عيسى (١) على ما عن الكافي وموضع من التهذيب « في مملوك لا يزال يعصي صاحبه بعد ضربه ، فقال : لا يحل أن تضربه إن وافقك فأمسك وإلا فخل عنه ».
نعم فيمرسل الفقيه (٢) « قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « لا يحل لوال يؤمن بالله واليوم الآخر أن يجلد أكثر من عشرة أسواط إلا في حد ، وأذن في المملوك من ثلاثة إلى خمسة » مع أنه ليس في خصوص ما نحن فيه ، بل هو معارض بما دل (٣) على أن التعزير دون الحد ، وأنه على قدر ما يراه الوالي من ذنب الرجل وقوة بدنه ، وما دل (٤) على أنه بضعة عشرة ما بين العشرة إلى العشرين ، ولكن يسهل الخطب أن الحكم على الكراهة التي يتسامح فيها ، والنصوص المزبورة وإن اقتضى ظاهرها الحرمة إلا أنها ضعيفة ولا جابر ومعارضة بما هو أقوى.
ومن هنا حملت على الكراهة على تفاوت مراتبها ، ولعل حملها على تفاوت مراتب التعزير والتأديب المختلف زمانا ومكانا وفعلا وقابلية أولى.
كل ذلك مع عدم تنقيح أصل وجوب التأديب ، والظاهر أنه كذلك مع فرض ترتب الفساد على تركه ، وقد ورد الأمر بالتأديب (٥) نعم قد يرجح العفو لو تعلق الأمر بحق السيد كما وقع من الامام العفو بعد أن عاهد على التأديب معللا ذلك بأن العفو أحسن.
وأيضا لم ينقحوا وجه الجواز في الزيادة ولكن على جهة المرجوحية ضرورة أنه بعد أن كان مقدار ذلك راجعا إليه ، فمع فرض توقف
__________________
(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب مقدمات الحدود ـ الحديث ٢.
(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب بقية الحدود ـ الحديث ٢.
(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب بقية الحدود ـ الحديث ٣.
(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب بقية الحدود ـ الحديث ١.
(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب مقدمات الحدود ـ الحديث ٤.
الأدب عليها لا يجوز له تركها إذا وجب وإذا لم يتوقف لم يجز له فعلها ، فلا بد من حمل ذلك على حال عدم العلم بالحال ، وبالجملة لا يخلو المقام من نوع غش.
وأيضا ينبغي أن يعلم أن مفروض الكلام في التأديب الراجع إلى مصلحة الصبي مثلا لا ما يثيره الغضب النفساني ، فان المؤدب حينئذ قد يؤدب ، والله العالم.
( و ) على كل حال فقد ( قيل ) والقائل الشيخ في المحكي من نهايته ( إن ضرب عبده في غير حد حدا لزمه إعتاقه ) ولفظه « من ضرب عبده فوق الحد كان كفارته أن يعتقه » ونحوه عن الجامع ( و ) لكن ( هو على الاستحباب ) كصحيح أبي بصير (١) عن أبي جعفر عليهالسلام الذي قد قيل إنه الدليل له « من ضرب مملوكا حدا من الحدود من غير حد أوجبه المملوك على نفسه لم يكن لضاربه كفارة إلا عتقه » إلا أنه كما ترى لم يعتبر فوق الحد الذي ذكره الشيخ فلا دليل له حينئذ على ما ذكره ، كما لا عامل بالصحيح المزبور ، فيتجه حمله حينئذ على الندب ، بل في النافع الاستحباب المزبور لمن زاد في تأديبه على العشرة وإن لم أجد له شاهدا بل ولا موافقا ، والظاهر أن الاستحباب المزبور للمولى ، وربما احتمل استحبابه أيضا لغيره بأن يشتريه ويعتقه لكنه ليس بشيء ، والله العالم.
__________________
(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب مقدمات الحدود ـ الحديث ١.
المسألة ( الخامسة : )
( كل ما فيه التعزير من حقوق الله سبحانه وتعالى يثبت بشاهدين ) بلا خلاف ولا إشكال ، لإطلاق أو عموم ما دل على اعتبارهما ( أو الإقرار مرتين على قول ) محكي عن الحلي وغيره ، ولكن قد عرفت الاشكال فيه غير مرةلعموم « إقرار العقلاء » (١) المقتضي للاكتفاء به مرة ولعله لذلك نسبه المصنف إلى القول مشعرا بالتردد فيه إلا أنه قد ذكرنا أيضا غير مرة وجه تقريبه ، والله العالم.
( ومن قذف عبده أو أمته عزر كالأجنبي ) بلا خلاف لحرمته وعمومقول الصادق عليهالسلام في خبر أبي بصير (٢) « من افترى على مملوك عزر لحرمة الإسلام » وخصوصخبر غياث (٣) عن الصادق عليهالسلام « إن امرأة جاءت رسول الله صلىاللهعليهوآله إني قلت لأمتي : يا زانية ، فقال : هل رأيت عليها الزناء؟ فقالت : لا ، فقال : أما إنها ستقاد منك يوم القيامة ، فرجعت إلى أمتها فأعطتها سوطا ثم قالت : اجلديني ، فأبت الأمة فأعتقتها ، ثم أتت النبي صلىاللهعليهوآله فأخبرته ، فقال : عسى أن يكون هذا بهذا » ولعل ترك النبي صلىاللهعليهوآله تعزيرها لعدم إقرارها مرتين ، والله العالم.
__________________
(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من كتاب الإقرار ـ الحديث ٢.
(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب حد القذف ـ الحديث ١٢.
(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب حد القذف ـ الحديث ٤.
المسألة ( السادسة : )
لا خلاف ولا إشكال نصا وفتوى في أن ( كل من فعل محرما أو ترك واجبا ) وكان من الكبائر ( فللإمام تعزيره بما لا يبلغ الحد وتقديره إلى الامام و ) لكن ( لا يبلغ به حد الحر في الحر ) وهو المائة ( ولا حد العبد في العبد ) وهو الأربعون ، بل قد يقال بعدم بلوغه أدنى الحد في العبد مطلقا ، كما أنه قيل : يجب أن لا يبلغ به أقل الحد ، ففي الحر خمسة وسبعون ، وفي العبد أربعون ، وقيل : إنه في ما ناسب الزناء يجب أن لا يبلغ حده ، وفي ما ناسب القذف أو الشرب يجب أن لا يبلغ حده ، وفي ما لا مناسب له ان لا يبلغ أقل الحدود وهو خمسة وسبعون حد القواد ، وحكاه في المسالك عن الشيخ والفاضل في المختلف ، نعم ينبغي ان يكون ذلك في غير ماله مقدر مما عرفت الكلام فيه سابقا.
هذا وفي كشف اللثام ان وجوب التعزير على ذلك إن لم ينته بالنهي والتوبيخ ونحوهما ، واما إذا انتهى بدون الضرب فلا دليل عليه إلا في مواضع مخصوصة ورد النص فيها بالتأديب والتعزير ، ويمكن تعميم التعزير في كلامه وكلام غيره لما دون الضرب من مراتب الإنكار » قلت : قد يستفاد التعميم ممادل (١) على ان لكل شيء حدا ولمن تجاوز الحد حد » بناء على ان المراد من الحد فيه التعزير الفعلي ، مضافا إلى إمكان استفادته أيضا من استقراء النصوص (٢) ، كما لا يخفى على من تدبرها ، نعم قد يقال باختصاص التعزير بالكبائر دون الصغائر ممن كان يجتنب الكبائر
__________________
(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب مقدمات الحدود.
(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب مقدمات الحدود.
فإنها حينئذ مكفرة لا شيء عليها ، اما إذا لم يكن مجتنبا لها فلا يبعد التعزير لها أيضا ، والله العالم.
الباب ( الرابع )
( في حد المسكر )
الذي يرجع فيه إلى العرف كغيره من الألفاظ وإن قيل هو ما يحصل معه اختلال الكلام المنظوم وظهور السر المكتوم أو ما يغير العقل ويحصل معه سرور وقوة النفس في غالب المتناولين ، أما ما يغير العقل لا غير فهو المرقد إن حصل معه تغيب الحواس الخمس ، وإلا فهو المفسد للعقل كما في البنج والشوكران ، ولكن التحقيق ما عرفته ، فإنه الفارق بينه وبين المرقد والمخدر ونحوهما مما لا يعد مسكرا عرفا. ( و ) أما ( الفقاع ) فقد مر البحث في موضوعه مكررا.
( و ) كيف كان فـ ( ـمباحثه ثلاثة : )
( الأول في الموجب )
(وهو ) بلا خلاف يوجد فيه عندنا ، بل الإجماع بقسميه عليه ( تناول المسكر أو الفقاع ) ولو القليل منهما وإن لم يكن به إسكار ، لدوران الحرمة في الثاني على مسماه وإن لم يسكر ، وفي الأول على إسكار الكثير منه فان ما أسكر كثيره حرم قليله ، وعلى كل حال فالمدار على التناول منهما
( اختيارا مع العلم بالتحريم إذا كان المتناول كاملا ) بالبلوغ والعقل ( فهذه قيود أربعة ) التناول والاختيار والعلم بالتحريم وكمال المتناول.
و ( شرطنا التناول ليعم الشرب والاصطباغ وأخذه ممزوجا بالأغذية والأدوية ) وإن لم يبق مع المزج متميزا فان المحرم ذاتا لا ترتفع حرمته بعدم تمييزه ، نعم يخرج استعماله بالاحتقان كما صرح به في القواعد والتضميد والإطلاء ونحوهما ، بل في المسالك والسعوط حيث لا يدخل الحلق ، لأنه لا يعد تناولا فلا يحد به وإن حرم ، مع احتمال حده على تقدير إفساده الصوم وإن كان هو كما ترى ، ضرورة عدم اقتضاء فساد الصوم بعد فرض عدم دخوله الحلق الحد المزبور ، نعم قد يدخل في التناول ما يستعمل من المسكرات في القليان ونحوها ، نعم في القواعد « ولو تسعط به حد » ولكن علله في كشف اللثام بأنه يصل إلى باطنه من حلقه ، وبالنهي عن الاكتحال به ، والاستعاط أقرب منه وصولا إلى الجوف.
قلت : ولو فرض عدم وصوله أو عدم العلم بالوصول لم يحد ، للأصل وغيره وإن عزر.
ولو عجن بالخمر مثلا عجينا فالأقرب كما في القواعد وجوب الحد لكن عن التحرير سقوطه ، لأن النار أكلت أجزاء الخمر ، قال : نعم يعزر ، ولعله للنجاسة ، ولاحتمال البقاء ، وفيه أن الأصل بقاؤه ، اللهم إلا أن يمنع ثبوت الحد بالأصل المزبور ، بل لا بد فيه من العلم ببقاء أجزائه.
( و ) كيف كان فـ ( ـنعني بالمسكر ما من شأنه أن يسكر فان الحكم يتعلق بتناول القطرة منه ) وإن لم تسكر بلا خلاف معتد به بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى النصوص (١) المستفيضة أو المتواترة
__________________
(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ و ٤ ـ من أبواب حد المسكر.
المصرحة باستواء القليل والكثير منه في إيجاب الحد شربه ، نعم عن المقنع « إذا شرب حسوة من خمر جلد ثمانين ، وإن أخذ شارب النبيذ ولم يسكر لم يجلد حتى يرى سكرانا » وظاهره الفرق بين الخمر والنبيذ ، ولعله لخبر إسحاق بن عمار (١) سأل الصادق عليهالسلام « عن رجل شرب حسوة خمر ، قال : يجلد ثمانين ، قليلها وكثيرها حرام » في الأولو صحيح الحلبي (٢) « قال له أرأيت إن أخذ شارب النبيذ ولم يسكر أيجلد ثمانين؟ قال : لا وكل مسكر حرام » في الثاني ونحوه صحيح أبي الصباح عنه عليهالسلام (٣) « إلا أنهما موافقان للعامة ومحتملان لعود الضمير على النبيذ ، فيكون حلالا ، بل يمكن ذلك أيضا في كلام الصدوق ، وقوله : « حتى يرى سكرانا » يجوز أن يكون عند اشتباه ما شربه وإلا فلا إشكال نصا ( و ) فتوى في أنه ( يستوي في ذلك الخمر وجميع المسكرات التمرية والزبيبية والعسلية ) المسماة بالنبيذ والنقيع والبتع ( والمزر المعمول من الشعير أو الحنطة أو الذرة ) بل ( وكذا لو عمل من شيئين أو ما زاد ) خلافا لأبي حنيفة في بعضها.
نعم في كشف اللثام بعد ذكر الحكم بالحد عندنا بتناول قطرة من المسكر أو مزجها بالغذاء أو الدواء قال : « وإن لم يتناوله ما في النصوص من لفظ الشرب فكأنه إجماعي » وسبقه إلى ذلك الأردبيلي ، فإنه أشكل امتزاج قطرة من خمر مثلا بحب من ماء بعدم صدق اسم شربها ، ولذا لم يحنث من حلف أن لا يشرب الخل أو يأكل الدهن أو التمر بشرب الكباح وأكل الطبيخ الذي فيه دهن غير متميز وأكل الحلوى التي فيها التمر.
__________________
(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب حد المسكر ـ الحديث ٧.
(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب حد المسكر ـ الحديث ٥.
(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب حد المسكر ـ الحديث ٤.
وفيه أن المحرم ذاتا لا من حيث الاسم لا يتفاوت الحال بين قليله وكثيره ، بخلاف متعلق اليمين الذي مدار الحكم فيه على صدق الفعل كما أوضحنا ذلك في كتاب الأطعمة والأشربة (١) بل قوله عليهالسلام : « قليلها وكثيرها حرام » قاض بذلك ، ضرورة عدم التقييد بالشرب وعدم تحديد القليل بشيء ، فيشمل الجزء ولو يسيرا ، وكذا ما اشتمل من النصوص (٢) على ضرب الثمانين بالنبيذ والخمر القليل والكثير من غير تقييد بالشرب. وبالجملة فالمسألة خالية عن الاشكال. ومن هنا يثبت الحد على من تناول شيئا من الترياق الذي فيه جزء من الخمر ولو يسيرا وكذا غيره من الأدوية إلا أن يكون مضطرا لمرض مثلا بناء على ما حققناه سابقا (٣) والله العالم.
( ويتعلق الحكم بالعصير ) العنبي ( إذا غلا ) بنفسه أو بالنار أو بالشمس ( وإن لم يقذف بالزبد ) خلافا لأبي حنيفة بل وإن لم يتحقق فيه الإسكار ( إلا أن يذهب بالغليان ثلثاه أو ينقلب خلا ) بلا خلاف أجده فيه ، بل في المسالك مذهب الأصحاب أن العصير العنبي إذا غلى بأن صار أسفله أعلاه يحرم ويصير بمنزلة الخمر في الأحكام ، ويستمر حكمه كذلك إلى أن يذهب ثلثاه أو ينقلب إلى حقيقة أخرى بأن يصير خلا أو دبسا على قول وإن بعد الفرض ، لأن صيرورته دبسا لا يحصل غالبا إلا بعد ذهاب أزيد من ثلثيه ، وفي الرياض وكأنه إجماع بينهم كما صرح به في التنقيح وغيره ، ولم أقف على حجة معتد به سواه وفي كشف اللثام « لم أظفر بدليل على حد شاربه ثمانين ولا بقائل قبل
__________________
(١) راجع ج ٣٦ ص ٣٧٤ ـ ٣٧٦.
(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب حد المسكر ـ الحديث ٢.
(٣) راجع ج ٣٦ ص ٣٧١ ـ ٣٧٢.
الفاضل سوى المحقق » قلت : لعل دليله ظهور النصوص أو صريحها المتقدمة في محلها في أنه بحكم الخمر في الحرمة وغيرها ، فلاحظ وتأمل.
ولو طبخ العنب نفسه ففي المسالك وغيرها « في إلحاقه بالعصير وجهان من عدم صدق اسم العصير عليه ومن كونه في معناه » قلت : لعل الثاني لا يخلو من قوة بملاحظة النصوص.
( و ) كيف كان فيتعلق الحكم أيضا ( بما عداه ) أي العصير العنبي ( إذا حصلت فيه الشدة المسكرة ) وإلا فلا.
و ( أما التمر إذا غلى ولم يبلغ حد الإسكار في تحريمه تردد ، والأشبه بقاؤه على التحليل حتى يبلغ ، وكذا البحث في الزبيب إذا نقع في الماء فغلى من نفسه أو بالنار ، فالأشبه أنه لا يحرم ما لم يبلغ الشدة المسكرة ) كما أشبعنا الكلام فيه في كتاب الطهارة (١) فلاحظ.
( والفقاع كالنبيذ المسكر في التحريم وإن لم يكن مسكرا ) بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلىالنصوص الدالة على أنه « خمر استصغره الناس » (٢) وأن فيه حد شارب الخمر (٣) وقد تقدم في الطهارة (٤) وكتاب الأطعمة (٥) تمام الكلام في موضوعه وحكمه والله العالم.
بل ( و ) كذا الكلام في مساواته للخمر ( في وجوب الامتناع
__________________
(١) راجع : ج ٦ ص ١٣ ـ ٣٧.
(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الأشربة المحرمة ـ الحديث ١ من كتاب الأطعمة والأشربة.
(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب حد المسكر ـ الحديث ١ و ٣.
(٤) راجع ج ٦ ص ٣٨ ـ ٤٠.
(٥) راجع ج ٣٦ ص ٣٧٤ ـ ٣٧٦.
من التداوي به والاصطباغ ) لأنه من الخمر وإن لم يعرفه الناس ، فيجري فيه البحث السابق الذي عرفت تحقيق الحال فيه في كتاب الأطعمة (١) فلاحظ وتأمل.
( واشترطنا الاختيار تفصيا من المكره ، فإنه لا حد عليه ) بلا خلاف ولا إشكال ، بل الإجماع بقسميه عليه سواء كان بايجار في حلقه أو بتخويف على وجه يدخل به في المكره ، والأخبار الواردة في نفي التقية (٢) فيه يراد منها عدم التقية في بيان حكمه لا التقية بمعنى فعله للإكراه عليه ، كما هو واضح. بل وكذا المضطر إليه لحفظ نفسه مثلا كما تقدم الكلام فيه ، بل لو قلنا بحرمته معه أمكن منع الحد المزبور عليه ، لظهور ما دل عليه في غيره ، اللهم إلا أن يمنع ذلك ( ولا يتعلق الحكم بالشارب ما لم يكن بالغا عاقلا ) بلا خلاف ولا إشكال وإن أدبا مع التمييز.
( وكما يسقط الحد عن المكره يسقط عمن جهل التحريم ) لقرب عهد بالإسلام أو لبعد بلاده على وجه يمكن في حقه ذلك ، قال الصادق عليهالسلام : فيخبر ابن بكير (٣) « شرب رجل الخمر على عهد أبي بكر فرفع إلى أبي بكر ، فقال له : أشربت خمرا؟ قال : نعم قال : ولم وهي محرمة؟ فقال له الرجل : إني أسلمت وحسن إسلامي ومنزلي بين ظهراني قوم يشربون الخمر ويستحلون ذلك ، ولو علمت أنها حرام اجتنبتها فالتفت أبو بكر إلى عمر وقال : ما تقول في أمر هذا الرجل؟ فقال عمر : معضلة وليس لها إلا أبو الحسن ، فقال أبو بكر :
__________________
(١) راجع ج ٣٦ ص ٤٤٥ ـ ٤٤٦.
(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الأشربة المحرمة من كتاب الأطعمة والأشربة.
(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب حد المسكر ـ الحديث ١.
ادعوا لنا عليا فقال عمر : يؤتى الحكم في بيته ، فقاما والرجل معهما ومن حضرهما من الناس حتى أتوا أمير المؤمنين عليهالسلام فأخبراه بقصة الرجل وقص الرجل قصته ، فقال : ابعثوا معه من يدور به على مجالس المهاجرين والأنصار من كان تلا عليه آية التحريم فليشهد عليه ، ففعلوا ذلك ، فلم يشهد عليه أحد بأنه قرأ عليه آية التحريم ، فخلى عنه ، وقال : إن شربت بعدها أقمنا عليك الحد ».
( أو جهل المشروب ) أنه من المحرم بل ظن أنه ماء أو شراب محلل بلا خلاف ولا إشكال في شيء من ذلك ، نعم لو علم الأول التحريم ولم يعلم أن فيه حدا لم يعذر ، كما لا يعذر الثاني لو علم أنه من جنس المسكر ، ولكن ظن أن ذلك القدر لا يسكر ، إلا أن يكون من الجهل بالحكم ، ويختص التحريم بالقدر الذي يسكر بالفعل فيدرأ عنه بذلك للشبهة وكذا لو شربه بظن أنه من جنس آخر محرم غير مسكر ، والله العالم.
( و ) لا خلاف ولا إشكال في أنه ( يثبت بشهادة عدلين مسلمين ) للإطلاق ( ولا تقبل فيه شهادة النساء منفردات ولا منضمات ) كغيره من الحدود إلا ما خرج بدليله ، كما سمعته مكررا هنا وفي كتاب الشهادات ، ويكفي في الشاهد أن يقول : شرب مسكرا وإن لم يعين جنس ما شربه ، نعم إن ادعى الإكراه أو الجهل واحتمل ذلك في حقه قبل فلا حد ، وكذا لو شهد أحدهما في وقت والآخر في آخر أو شهد به أحدهما مطاوعا والآخر مكرها أو عالما والآخر جاهلا.
( و ) كذا يثبت ( بالإقرار دفعتين ) قطعا ( و ) لكن الإشكال في أنه ( لا تكفي ) فيه ( المرة ) التي هي مقتضى إطلاق ما دل (١) على جواز الإقرار. ( و ) قد عرفت الكلام فيه مكررا
__________________
(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من كتاب الإقرار ـ الحديث ٢.
بل عن ظاهر المبسوط الإجماع عليه هنا.
كما أنك عرفته في أنه ( يشترط في المقر البلوغ وكمال العقل والحرية والاختيار ) والقصد ، وفيالمرسل (١) عن أمير المؤمنين عليهالسلام « من أقر عند تجريد أو حبس أو تخويف فلا حد عليه » هذا وفي محكي المقنعة « وسكره بينة عليه أنه شرب المخمور ، ولا يرتقب لذلك إقرار منه في حال صحوه به ولا شهادة من غيره عليه » ولا يخلو من نظر مع احتمال الإكراه والتداوي وغيرهما ، ومن هنا لا تكفي في ثبوته الرائحة والنكهة لاحتمال الإكراه والجهل وغيرهما ، خلافا للمحكي عن أبي حنيفة من الاكتفاء بالرائحة ، وهو واضح الضعف. نعم قد يشهد لما ذكره الشيخ خبر الحسين بن يزيد (٢) عن أبي عبد الله عن أبيه عليهماالسلام الذي رواه المشايخ الثلاثة الآتي في المسألة الأولى التي ستسمع الكلام فيها إن شاء الله.
( الثاني في كيفية الحد وهو ثمانون جلدة ) بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منهما مستفيض أو متواتر كالنصوص ، لكن فيحسن الحلبي (٣) سأل الصادق عليهالسلام « أرأيت النبي صلىاللهعليهوآله كيف يضرب بالخمر؟ قال : كان يضرب بالنعال وبزيد إذا أتي بالشارب ، ثم لم يزل الناس يزيدون حتى وقف ذلك على ثمانين أشار
__________________
(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب حد السرقة ـ الحديث ٢ وهو خبر البختري.
(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب حد المسكر ـ الحديث ١.
(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب حد المسكر ـ الحديث ٣.
بذلك علي عليهالسلام على عمر » ونحوهخبر أبي بصير (١) عنه عليهالسلام عن أمير المؤمنين عليهالسلام معللا له (٢) بأنه « إذا شرب سكر ، وإذا سكر هذى ، وإذا هذى افترى ، فإذا فعل ذلك فاجلدوه حد المفتري ثمانين ».
بل في المسالك « روى العامة (٣) والخاصة (٤) « أن النبي صلىاللهعليهوآله كان يضرب الشارب بالأيدي والنعال ولم يقدره بعدد ، فلما كان في زمن عمر استشار أمير المؤمنين عليهالسلام في حده فأشار عليه بأن يضرب ثمانين معللا له بأنه إذا شرب سكر ، وإذا سكر هذى ، وإذا هذى افترى ، فجلده عمر ثمانين » وعمل بمضمونه أكثر العامة ، وذهب بعضهم إلى أربعين مطلقا لماروي (٥) أن الصحابة قد رووا ما فعل في زمانه صلىاللهعليهوآله بأربعين وكان التقدير المزبور عن أمير المؤمنين عليهالسلام من التفويض الجائز لهم ».
ومن الغريب ما في كتاب الاستغاثة في بدع الثلاثة من أن جلد الشارب الثمانين من بدع الثاني وأن الرسول صلىاللهعليهوآله جعل حده أربعين بالنعال العربية وجرائد النخل بإجماع أهل الرواية ، وأن الثاني قال : إذا سكر افترى ، وإذا افترى حد حد المفتري » وفي كشف اللثام « ولعله أراد إلزامهم باعترافهم كما في الطرائف من قوله : ومن طريف ما شهدوا به أيضا على خليفتهم عمر من تغييره لشريعة نبيهم صلىاللهعليهوآله وقلة معرفته بمقام الأنبياء وخلفائهم ما ذكره
__________________
(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب حد المسكر ـ الحديث ١.
(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب حد المسكر ـ الحديث ٧.
(٣) سنن البيهقي ـ ج ٨ ص ٣٢١.
(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب حد المسكر.
(٥) سنن البيهقي ـ ج ٨ ص ٣١٨.
الحميدي في الجمع بين الصحيحين من مسند أنس بن مالك في الحديث الحادي والتسعين (١) من المتفق عليه قال : « إن النبي صلىاللهعليهوآله ضرب في الخمر بالجرائد والنعال ، وجلد أبو بكر أربعين فلما كان عمر استشار الناس ، فقال عبد الرحمن أخف الحدود ثمانون فأمر به عمر » وذكر الحميدي أيضا في كتاب الجمع بين الصحيحين في مسند السائب بن يزيد في الحديث الرابع من أفراد البخاري (٢) قال : « كنا نؤتى بالشارب على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله وإمرة أبي بكر وصدر من خلافة عمر فنتقدم إليه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا حتى كان آخر إمرة عمر فجلد أربعين حتى إذا عتوا وفسقوا جلد ثمانين » انتهى.
ثم إن ظاهر النص والفتوى اعتبار الثمانين مترتبة لكن فيخبر زرارة (٣) « سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول : إن الوليد بن عقبة حين شهد عليه بشرب الخمر قال عثمان لعلي عليهالسلام : اقض بينه وبين هؤلاء الذين زعموا أنه شرب الخمر ، قال : فأمر علي عليهالسلام فجلد بسوط له شعبتان أربعين جلدة فصارت ثمانين » وفي خبره الآخر (٤) « سمعته أيضا يقول : أقيم عبيد الله بن عمر وقد شرب الخمر فأمر عمر أن يضرب فلم يتقدم عليه أحد يضربه حتى قام علي عليهالسلام بتبعة مثنية لها طرفان فضربه أربعين » ويمكن حملهما على جواز ذلك لمصلحة ، والله العالم.
وكيف كان فالمشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا كون الحد الثمانين مطلقا ( رجلا كان الشارب أو امرأة حرا كان )
__________________
(١) سنن البيهقي ج ٨ ص ٣١٩.
(٢) سنن البيهقي ج ٨ ص ٣١٩.
(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب حد المسكر ـ الحديث ١.
(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب حد المسكر ـ الحديث ٢.
( أو عبدا ) بل عن صريح الغنية وظاهر غيرها الإجماع عليه ، بل لعل قول المصنف ( وفي رواية ) (١) ( يحد العبد أربعين ، وهي متروكة ) مشعر به أيضا ، كقول غيره مطروحة وآخر شاذة ، لإطلاق النصوص وخصوصا المشتملة منها على التعليل المزبور بناء على عدم الفرق بين العبد والحر في حد القذف ، وخصوص المعتبرة المستفيضة المصرحة بذلك ، ففيموثق أبي بصير (٢) « كان علي عليهالسلام يجلد الحر والعبد واليهودي والنصراني في الخمر والنبيذ ثمانين » بل فيصحيح آخر له مضمر (٣) « حد اليهودي والنصراني والمملوك في الخمر والفرية سواء ، وإنما صولح أهل الذمة على أن يشربوها في بيوتهم » وإن كان محتملا لإرادة تسويا حدي الشرب والفرية في العدد ، أي حد كل منهم في الشرب كحدة في الفرية ، وهو يعم الثمانين والأربعين ، نعم أصرح منهآخر (٤) « يجلد الحر والعبد واليهودي والنصراني في الخمر ثمانين » إلى غير ذلك مما لا يقدح ما فيه من الضعف سندا لو كان بعد الانجبار بما عرفت.
خلافا لما عن الصدوق من التنصيف في العبد لخبر الحضرمي (٥) « سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن عبد مملوك قذف حرا ، قال : يجلد ثمانين ، هذا من حقوق المسلمين ، فأما ما كان من حقوق الله تعالى فإنه يضرب نصف الحد ، قلت : الذي من حقوق الله ما هو؟ قال : إذا زنى أو شرب الخمر فهذا من الحدود التي يضرب فيها نصف الحد » مؤيدا بالأصل وبقاعدة التنصيف فيه ، وباشتماله على التعليل ، وبما مر منخبر حماد بن عثمان (٦) عنه عليهالسلام « في التعزير أنه دون الأربعين
__________________
(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب حد المسكر ـ الحديث ٦ و ٧ و ٩.
(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب حد المسكر ـ الحديث ـ ٢.
(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب حد المسكر ـ الحديث ـ ٥.
(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب حد المسكر ـ الحديث ـ ٤.
(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب حد المسكر ـ الحديث ـ ٧.
(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب حد المسكر ـ الحديث ـ ٦.
فإنها حد المملوك » وببناء الحد على التخفيف ، ولا أقل من أن يكون ذلك من الشبهة ، ومن هنا مال الشهيدان والفاضل في المختلف إلى ذلك ، إلا أن ذلك كله كما ترى ، ضرورة عدم المكافئة لما سمعته من وجوه ، منها موافقة العامة ومخالفة الشهرة المزبورة ، بل الصدوق نفسه لم يعمل بالخبر المزبور في العبد في القذف ، كما أنه لا قائل بتحديد التعزير في الثاني بذلك فلا ريب في أن الأصح الثمانون مطلقا ، والله العالم. هذا كله في المسلم.
( أما الكافر فـ ) ـالذمي منه ومن في معناه ( إن تظاهر به حد وإن استتر لم يحد ) بلا خلاف أجده فيه نصا (١) وفتوى ، بل ولا إشكال لاستفاضة النصوص به ، منها ما سمعته في بعضها (٢) سابقا هذا ، وفي القواعد وشرحها للأصبهاني « ولا حد على الحربي وإن تظاهر بشربها ، لأن الكفر أعظم منه ، نعم إن أفسد بذلك أدب بما يراه الحاكم » وفيه أن الأدلة هنا عامة فضلا عما دل على تكليفهم بالفروع ، وعدم إقامتها على الذمي المتستر باعتبار اقتضاء عقد الذمة ذلك لا لعدم الحد عليه ، فتأمل جيدا.
( و ) لا خلاف معتد به في أنه ( يضرب الشارب ) غير المرأة ( عريانا ) مستور العورة عن الناظر المحترم أو مع الغض عنها ( على ظهره وكتفيه ويتقى وجهه وفرجه ) ومقاتله كما سمعته في الزناء نعم عن المبسوط لا يجرد عن ثيابه لأن النبي صلىاللهعليهوآله أمر بالضرب ولم يأمر بالتجريد ، وهو في غاية الضعف ،للصحيح (٣) المعتضد بما سمعته « سألته عن السكران والزاني ، قال : يجلدان بالسياط
__________________
(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب حد المسكر.
(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب حد المسكر ـ الحديث ١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥.
(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب حد المسكر ـ الحديث ١.