جواهر الكلام - ج ٤١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

التجدد بعد الحكم ) وهو غير ناقض له ( ولو تعين الوقت وهو متقدم على الشهادة نقض ) بناء على ظهور اختلال ميزان الحكم بذلك ، كما تقدم الكلام فيه سابقا ( و ) كذا تقدم الكلام في ما ( لو كان ) الفسق ( بعد الشهادة وقبل الحكم ) وأنه ( لم ينقض ) الحكم بذلك عند بعض.

( و ) كيف كان فـ ( ـإذا نقض الحكم ) وقد استوفي المحكوم به ( فان كان ) حدا ( قتلا أو جرحا فلا قود ) على الحاكم قطعا ولا على من وكله في إقامته ( و ) إنما تكون للمحدود ( الدية في بيت المال ) لأن خطأ الحاكم في ذلك فيه ، كما هو المروي عندنا ،قال أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) : في خبر الأصبغ « إن ما أخطأت القضاة في دم أو قطع فهو على بيت مال المسلمين » ‌وما روي من تضمين أمير المؤمنين عليه‌السلام عاقلة عمر بن الخطاب لأنه ليس حاكم شرع ، إذ الكلام في حاكم العدل أو المنصوب من قبله الذي هو كالوكيل عن المسلمين بل وليهم ، وخطأ الوكيل في حق موكله عليه ، فخطأ الوكيل عن المسلمين في حقهم على بيت مالهم المعد للمصالح التي لا ريب في أن ذلك منها ، وإلا لأدى إلى ترك الحكم بالشهادة تحرزا عن ضرر الدرك ، فما عن ظاهر الحلبي من أن الضمان في ماله واضح الضعف ، بل مناف لقاعدة الإحسان وغيرها ( ولو ) كان المحكوم به القصاص و ( كان المباشر ل ) ه‍ أي ( القصاص هو الولي ففي ضمانه ) أي الولي ( تردد ) من مباشرته للفعل ، ومن قوة سببية حكم الحاكم في ذلك ( والأشبه ) عند المصنف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب آداب القاضي ـ الحديث ١ من كتاب القضاء.

٢٤١

وتبعه الفاضل ( أنه لا يضمن مع حكم الحاكم وإذنه و ) لكن ( لو قتل بعد الحكم وقبل الاذن ضمن الدية ) فضلا عما لو كان قبل الحكم.

وقد يناقش أولا بعدم ما يدل على اعتبار الاذن في الاستيفاء بعد الحكم ، بل لعل ظاهر الأدلة كتابا (١) وسنة (٢) عدمه ، وقياس القصاص على الحد أو دعوى أنه منه كما ترى ، ولو سلم فلا مدخلية لها في قوة المباشرة على التسبيب ، بل لو سلم تساويهما كان الضمان على المباشر ، لأنه هو القاتل حقيقة ، ولعله لذا يحكى عن قول للعامة بأن على الولي الدية وإن كان مأذونا ، بل هو ظاهر إطلاق تردد المصنف أيضا وإن اختار التفصيل بعده ، وهو لا يخلو من قوة إن لم يكن إجماعا.

بل قد يؤيده ما ذكره المصنف رحمه‌الله وغيره في حكم المال قال ( أما لو كان ) المحكوم به ( مالا فإنه يستعاد إن كانت العين باقية ، وإن كانت تالفة فعلى المشهود له ) وإن قال ( لأنه ضمن بالقبض بخلاف القصاص ) مشيرا بذلك إلى ما يحكى عن الشيخ من الفرق بينه وبين الدية بأن الحكم إن كان بالمال حصل في يد المشهود له ما يضمن باليد ، وضمان الإتلاف ليس بضمان اليد ، فلهذا كان الضمان على الامام ، لكنه كما ترى ، إذ الإتلاف وإن لم يكن ضمان يد لكنه ضمان لمباشرة الإتلاف المندرج في قاعدة من أتلف ومن قتل مؤمنا خطأ وغير ذلك.

( و ) على كل حال فـ ( ـلو كان ) المشهود له المتلف للمال ( معسرا قال الشيخ : ضمن الامام ، ويرجع به على المحكوم له

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ١٧٨ و ١٧٩ و ١٩٤ وسورة المائدة : ٥ ـ الآية ٣٢ و ٤٥ وسورة الأنعام : ٦ ـ الآية ١٥١ وسورة شورى : ٤٢ ـ الآية ٤٠ وسورة النحل : ١٦ ـ الآية ١٢٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب القصاص في النفس من كتاب القصاص.

٢٤٢

إذا أيسر ) لأنه تسبب إلى إتلافه ، وللزوم الحرج على المشهود عليه بالصبر.

( و ) لكن ( فيه إشكال من حيث ) القول السابق ب ( استقرار الضمان على المحكوم له بتلف المال في يده فلا وجه ) مع ذلك ( لضمان الحاكم ) الذي فرضنا تقديم المباشر عليه في أصل الضمان على وجه لم يكن لصاحب المال رجوع عليه ، بل المتجه إنظاره لعموم أدلته ، مضافا إلى أصالة عدم الانتقال إلى ذمة الحاكم أو بيت المال ، كما هو واضح.

( مسائل : )

( الأولى )

إذا شهد اثنان أن الميت أعتق أحد مماليكه ) المعين ( وقيمته الثلث وشهد آخران أو ) جميع ( الورثة أن العتق لغيره ) المعين ( وقيمته الثلث ) أيضا على وجه لا يقتضي نفي العتق عن الأول ( فإن قلنا : المنجزات من الأصل عتقا ) معا بلا خلاف ولا إشكال ( وإن قلنا : تخرج من الثلث ) كما هو الأصح ( فقد انعتق أحدهما ) قطعا ( فان عرفنا السابق ) بتأريخ البينتين ( صح عتقه وبطل الآخر ) إن لم يجز الوارث ( وإن جهل ) لإطلاق البينتين أو إحداهما ولم نقل بتأخر مجهول التأريخ عن معلومه ( استخرج بالقرعة ) وإن احتمل التقارن ( و ) ذلك لأنه ( لو اتفق عتقهما في حالة واحدة قال الشيخ : يقرع بينهما ويعتق المقروع ) فالمحتمل أولى بذلك ، والأصل فيه فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالعبيد الذين أعتقهم الأنصاري ولا يملك‌

٢٤٣

سواهم (١) كما سمعته في كتاب الوصايا (٢) وأولى من ذلك بالقرعة ما لو علم سبق أحدهما ولكن لم يعلم عينه ضرورة أنها لإخراج المشتبه.

لكن في المسالك جعل فيه وجهين ، هذا أحدهما ، والثاني أنه بعتق من كل واحد نصفه ، لأنه لو أقرعنا لم يؤمن خروج الرق على السابق ، وللسابق حق الحرية ، فيلزم منه إرقاق حر وتحرير رقيق.

وهو من غرائب الكلام ، ضرورة جريانه في كثير من موارد القرعة التي استفاضت بها النصوص (٣) المصرحة بعدم خطأها لو فوض القارع فيها الأمر إلى الله تعالى الذي لا تخفى عليه خافية ، ولذا لم يحتمله أحد من أصحابنا ، نعم هو أحد قولي الشافعية كما حكاه الرافعي.

( و ) كذا قال الشيخ ( لو اختلفت قيمتها ) بأن كانت قيمة أحدهما السدس والآخر الثلث أو أزيد وقد أعتقهما معا أو جهل السابق ( أعتق المقروع ) أيضا ( فإن كان بقدر الثلث صح وبطل الآخر ، وإن كان أزيد صح العتق منه في القدر الذي يحتمله الثلث ، وإن نقص أكملنا الثلث من الآخر ).

وكأنه أشار بذلك إلى ما ذكروه تفريعا على القولين في ما لو قامت البينتان كذلك لكن أحد العبدين سدس المال والآخر ثلثه ، فان قلنا بالقرعة وأخرجت للعبد الخسيس عتق وعتق نصف من الآخر ليكمل الثلث وإن أخرجت للنفيس انحصر العتق فيه.

وأما على القول الثاني فقد ذكروا فيه وجهين أحدهما أنه يعتق من كل واحد ثلثاه لأن ما زاد على الثلث من المتبرع ينسب إلى جميع التبرع‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ١٠ ص ٢٨٥.

(٢) راجع ج ٢٨ ص ٣٥٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب كيفية الحكم من كتاب القضاء.

٢٤٤

وينقص بتلك النسبة من كل واحد منهم ، وإذا نسبنا الزائد على الثلث وهو السدس هنا إلى جميع التبرع وهو النصف كان ثلثه ، فيرد العتق في ثلث كل واحد منهما وينفذ في ثلثيه. وبعبارة أخرى أنه كما لو أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بسدسه فإنه يعطى كل واحد ثلثي ما أوصى له به ، وذلك لأن نسبة السدس مع الثلث ثلثان وثلث ، فيقسم الثلث حينئذ بينهما ثلثان منه لمن أوصى له بالثلث ، وثلث منه لمن أوصى له بالسدس لأن النقص الحاصل عليه على نسبة مالهما من الوصية ، كما هو واضح.

وثانيهما عتق ثلاثة أرباع النفيس ومن الخسيس نصفه ، لأنه إن سبق إعتاق النفيس فجميعه حر ، وإن سبق إعتاق الآخر فنصفه حر ، فنصفه على التقديرين حر ، وإنما النزاع والازدحام في النصف الثاني الذي هو قدر سدس المال ، فيقسم بينهما ، فيعتق من النفيس ربعه مضافا إلى النصف ، ومن الخسيس نصفه.

إلا أنه كما ترى لا ينطبق على قاعدة قسمة ما تعارضت فيه البينتان من الأعيان بين المتخاصمين ، ضرورة عدم كون العتق كذلك ، ومن هنا قال الرافعي : إن الصحيح وبه قطع الأكثرون الوجه الأول.

هذا وفي المسالك ونبه المصنف بقوله : وشهد آخران أو الورثة إلى آخره على أنه لا فرق هنا بين شهادة الوارث وغيره ، إذ لا تهمة للوارث تمنع شهادته هنا وإن كانت واردة في غير هذه الصورة ، كما سيأتي في ما لو شهدوا بالرجوع عن الأول ، ويزيد الورثة عن الأجانب أنه لا يشترط هنا كونهم عدولا ، لأن شهادتهم بعتق الثاني مع عدم تعرضهم للأول بمنزلة الإقرار بعتقه مضافا إلى ما ثبت بالبينة ، نعم يشترط كون الشاهد جميع الورثة ، كما يرشد إليه قول المصنف : أو الورثة ، وقال في المسألة الثانية : وشهد من ورثته عدلان ، ولو كانوا عدولا كفى‌

٢٤٥

منهم اثنان كالأجانب ».

قلت : لا تهمة في المسألتين ، لكن إشكال المصنف في الثانية يأتي هنا ، ضرورة كون الورثة هم المدعى عليهم في المسألتين ، وإقرارهم في أحدهما لا يعارض البينة في الآخر ، فلا تحمل عليه عبارة المصنف المتضمنة للقرعة ، نعم الوجه في عبارة المصنف أنه ذكرها على مذهب الشيخ على معنى عدم الفرق بين كون الشاهدين من الورثة أو أجنبيين لعدم التهمة فتتجه حينئذ القرعة ، والله العالم.

المسألة ( الثانية : )

( إذا شهد شاهدان بالوصية لزيد وشهد من ورثته عدلان أنه رجع عن ذلك وأوصى لخالد ) بعين ما أوصى به للأول أو بغيره ( قال الشيخ : تقبل شهادة الرجوع ، لأنهما لا يجران نفعا ) لأنهما أثبتا للرجوع عنه بدلا يساويه فارتفعت التهمة ، فلا فرق حينئذ بين الوارث وغيره ، وهو المحكي عن الشافعية.

( و ) لكن ( فيه إشكال من حيث أن المال يؤخذ من يدهما فهما غريمان للمدعي ) فلا تقبل شهادتهما عليه ، إذ البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه فلا وجه لقبول شهادته عليه ، مع أن الخصومة معه في المشهود عليه ، فترد شهادتهم من هذه الجهة.

قال في المسالك : « وإنما اعتبر كون الورثة عدلين ليثبت بهما الرجوع على تقديره ، ولو كانا فاسقين لم يثبت بقولهما الرجوع ، ويحكم بالأولى بشهادة الأجنبيين ، لأن الثلث يحتملها كما هو المفروض ، ويصح من الثانية قدر ما يحتمله ثلث الباقي من المال بعد الأول ، وبهذا افترق‌

٢٤٦

حكم العدالة وعدمها في هذه المسألة والسابقة ، لأن الوارث لو لم يتعرض للسابقة كان الحكم كالمسألة الأولى ».

قلت : وفيه ما ذكرناه من الاشكال مع فرض المزاحمة كما في المسألة السابقة وإلا فمع فرض عدم المزاحمة يعمل بمقتضى البينة وبمقتضى الإقرار ، بل لو فرض تكذيب الورثة للبينة التي شهدت بعتق سالم وقالوا : إنما أعتق غانما وفرض أن كل واحد منهما قدر الثلث أعتق الأول بالبينة والثاني بالإقرار الذي لا يصلح معارضا للبينة الأولى وليس شهادة ، لأن الفرض فسقهم ، ولو قالوا : لا نعلم أنه أعتق سالما ولكنه أعتق غانما فعن بعض الشافعية القرعة وفيه منع واضح بعد الإحاطة بما ذكرنا ، بل منه يعلم ما في جملة من كلماتهم المحكية في الروضة للرافعي.

المسألة ( الثالثة : )

( إذا شهد شاهدان لزيد بالوصية وشهد شاهد بالرجوع وأنه أوصى ) بما أوصى به أولا ( لعمرو كان لعمرو أن يحلف مع شاهده ) وإن قلنا سابقا : إن الشاهد واليمين لا يعارض البينة لكن ذلك مع اتحاد المشهود به بخلاف الفرض ( لأنها شهادة منفردة لا تعارض الأولى ) فيعمل بكل منهما في مورده ، كما هو واضح.

المسألة ( الرابعة : )

( لو أوصى بوصيتين منفردتين فشهد آخران أنه رجع عن إحداهما قال الشيخ : لا يقبل ، لعدم التعيين ) الذي هو شرط في صحة الشهادة‌

٢٤٧

ولو للشك في حجيتها مع عدمه ، كنفس الدعوى إذا لم تكن محررة ( فهي ) حينئذ ( كما لو شهدت ) البينة ( بدار لزيد أو عمرو ) ويحتمل الرجوع إلى القرعة التي هي لكل أمر مشكل ، إذ المستحق في نفس الأمر أحدهما ، ونسبته إليهما على السواء ، وقد تعذر علمه بموت الموصى ، والفرض حجية شهادة العدلين ، لإطلاق دليلها ، ويحتمل القسمة بينهما ، لأنه مال قد انحصر فيهما ونسبتهما إليه على السواء ، فيقسم بينهما ، ويجعل كأنه رد كل وصية إلى نصفها ، والوسط لا يخلو من قوة ، كما مال إليه في المسالك.

المسألة ( الخامسة : )

( إذا ادعى العبد العتق وأقام بينة تفتقر إلى البحث ) عن التزكية مثلا ( وسأل ) العبد ( التفريق ) بينه وبين المولى ( حتى تثبت التزكية قال في المبسوط يفرق ).

ووجهه في المسالك بأن العبد قد فعل ما هو الواجب عليه حيث أتى ببينة كاملة ، وليس عليه البحث عن حالها لأن الظاهر العدالة حتى يثبت الجرح ، وإنما البحث وظيفة الحاكم ، ولأن المدعي ربما كان أمة فلو لا التفرقة لم يؤمن أن يواقعها ، وهو ضرر عظيم.

وفيه أن المحكي عن الشيخ في المتن الافتقار إلى البحث عن التزكية لا الجرح ، فليس وجهه إلا الاكتفاء بما يمكن صحته ، كما يشهد له قوله ( وكذا لو أقام مدعي المال شاهدا واحدا وادعى أن له ) شاهدا ( آخر وسأل حبس الغريم ، لأنه متمكن من إثبات حقه باليمين ، و ) لكن ( في الكل إشكال ، لأنه تعجيل العقوبة قبل ثبوت الدعوى ) كما‌

٢٤٨

تقدم الكلام فيه في كتاب القضاء ولا مانع من تمكينه من النظر إلى الأمة بل المواقعة لأن الناس مسلطون على أموالهم ، نعم قد تحصل مصلحة في بعض المقامات تقتضي جواز الحبس للحاكم.

المسألة ( السادسة : )

( لا فرق في الضمان بين شهود الشي‌ء وشهود التزكية ، ) كما صرح به الفاضل وغيره ، فلو زكى اثنان شهود الزناء كذبا فالضمان عليهما ، لأنهما السبب في الحكم بالقتل ، لكن في التحرير تردد فيه من ذلك ومن كون التزكية شرطا لا سببا ، بل السبب هو الحكم ، وفيه أنها سبب عرفا كالشهادة ، نعم إنما يكون عليهما الدية ، لاحتمال حقية المشهود به ، وكذا لو رجعوا عن التزكية سواء قالوا تعمدنا أو أخطأنا ، لأنهم إنما تعمدوا الكذب في التزكية ، وهو ليس من الكذب في الشهادة ، بل قد يقال بضمانهما نصف الدية ، لجريانهما مجرى شاهد واحد بالنسبة إلى الحكم المستند إلى شهادة الشهود وإلى التزكية ، ولو فرض علمهم بكذب الشهود وقد كذبوا في التزكية أمكن القول بالقصاص عليهم ، لاشتراكهم حينئذ مع الشهود في سبب القتل ، ولو ظهر فسق المزكين فالضمان على الحاكم في بيت المال كظهور فسق الشهود حتى أثر الضرب في الجلد.

وإذا رجع الشاهد أو المزكي اختص الضمان بالراجع دون الآخر ، إذ ( لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ).

ولو رجعا معا ضمنا ، لما عرفت من أن الشهادة والتزكية معا سبب للحكم ، وكل منهما جزء لسببه ، لا أن السبب الشهادة والتزكية شرط أو‌

٢٤٩

سبب بعيد مع احتماله ، فيختص الضمان حينئذ بالشاهد ، فان رجع الولي على الشاهد كان له قتله مع اعترافه بتعمد الكذب ، ولو طالب المزكي لم يكن عليه القصاص بل الدية ، لما سمعت إلا في صورة الاعتراف بالعلم بكون القتل عدوانا ، ولكن ليس للولي جمعهما في الطلب وإلا اجتمع له القصاص والدية ، بل في كشف اللثام ليس له توزيعهما عليهما ، حتى إن اقتص من الشاهد أعطاه نصف الدية وأخذه من المزكي ، لأنهما وإن تساويا في سببية الحكم لكن تباينا في المشهود به ، فكل منهما مستقل في جنايته ، والله العالم.

المسألة ( السابعة : )

( لو شهد أربعة بالزناء واثنان بالإحصان فرجم ثم رجعا ) دون شهود الزناء اقتص منهما خاصة إن اعترفا بالعمد ، وإلا فالدية على الوجه الذي ستعرفه ، نعم من اقتص منهم يرجع إليهما من الدية بقدر نصيب شهود الزناء من الغرم ، وكذا لو رجع شهود الزناء خاصة لم يجب على شهود الإحصان شي‌ء ، بل يختصون بالضمان ، فلو اقتص منهم يرجع إليهم من الدية بقدر نصيب شهود الإحصان.

ولو رجع الجميع ضمنوا أجمع ، لاشتراكهم في التسبيب. وفي التحرير احتمال سقوط ضمان شهود الإحصان ، لنحو ما سمعته في التزكية من كون شهادتهم بالشرط دون السبب ، والسبب للقتل هو الزناء ، فتضمن شهوده خاصة ، وفيه ما عرفت.

نعم في كيفية الضمان إشكال ، فيحتمل ضمان شاهدي الإحصان النصف وشهود الزناء النصف ، ويحتمل التوزيع عليهم بالسوية ، وحينئذ‌

٢٥٠

فلو شهد أربعة بالزناء واثنان منهم بالإحصان فعلى الأول على شاهدي الإحصان ثلاثة أرباع : نصف للشهادة بالإحصان ونصف النصف الآخر الذي هو ربع ، لأنهما نصف شهود الزناء ، وعلى الثاني على شاهدي الإحصان الثلثان : ثلث منهما للشهادة بالزناء والثلث الآخر للشهادة بالإحصان وعلى الآخرين الثلث ، ويحتمل تساويهم في الغرم على كل تقدير ، فلا يضمنان إلا النصف ، لأن شاهدي الإحصان وإن تعددت جنايتهم فإنهم يساوون من اتحدت جنايته ، لأن الدية تسقط على عدد الرؤوس لا الجناية ، كما لو جرحه أحدهما مائة والآخر واحد ثم مات من الجميع ، والله العالم.

المسألة ( الثامنة : )

( لو رجع المعرفان ضمنا ما شهد به الشاهدان ، ) وفي تضمينهما الجميع أو النصف نظر ، من أن التفويت حصل بأمرين : شهادة الشاهدين وتعريفهما المشهود عليه ، وبعبارة أخرى بشهادتين شهادة بالشي‌ء المشهود به وشهادة بالنسب ، فكان عليهما نصف الغرم مع أصل البراءة ، ومن أنهما المثبتان لشهادة الشاهدين بحيث عينا المشهود عليهما.

المسألة ( التاسعة : )

( لو ثبت الحكم بشهادة الفرع ثم رجع ) فإن كذبه شاهد الأصل في الرجوع فالأقرب عدم الضمان ، ويحتمل أخذا بإقراره ، نعم لو صدقه أو جهل حاله ضمن ، فلو شهد اثنان على الاثنين ثم رجعا ضمن كل النصف ، ويقتص منهما لو تعمدا ، ولو رجع أحدهما ضمن نصيبه خاصة‌

٢٥١

ولو رجعا عن الشهادة على أحد الأصلين احتمل إلحاقهما برجوع شاهدي الأصل في ضمان الجميع وبرجوع أحدهما ، فعليهما جميعا نصف الضمان. ولو رجع أحدهما عن الشهادة على أحد الأصلين والآخر عن الشهادة على الآخر ضمنا الجميع ، لاختلال شهادتي الأصلين جميعا ، فإنه لا يثبت أحدهما إلا بشهادة الفرعين جميعا. ولو رجع أحدهما عن الشهادة على أحد الأصلين احتمل تضمين النصف ، لعدم الفرق بين الرجوع عن شهادة الأصلين كليهما أو عن شهادة أحدهما ، لاختلال الشهادة بكل منهما من غير فرق ، واحتمل ضمان الربع بناء على أنهما إن رجعا جميعا عن شهادة أحد الأصلين ضمنا النصف.

ولو شهد على كل شاهد اثنان ورجع الجميع ضمن كل الربع ، ويقتص منهم لو اعترفوا بالعمد ، والله العالم.

المسألة العاشرة :

( يجب تعزير شاهد الزور ) بلا خلاف أجده فيه بما يراه الحاكم من الجلد والنداء في قبيلته ومحلته بأنه كذلك ليرتدع غيره بل هو فيما يأتي ، قال الصادق عليه‌السلام : في موثق سماعة (١) و‌خبر عبد الله بن سنان (٢) : « إن شهود الزور يجلدون جلدا ليس له وقت ، وذلك إلى الامام ، ويطاف بهم حتى يعرفهم الناس » ‌وفي‌خبر غياث بن إبراهيم (٣) « إن عليا عليه‌السلام كان إذا أخذ شاهد الزور فان كان غريبا بعث به إلى حيه ، وإن كان سوقيا بعث به إلى سوقه فطيف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب بقية الحدود والتعزيرات ـ الحديث ٢ من كتاب الحدود.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من كتاب الشهادات ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من كتاب الشهادات ـ الحديث ٣.

٢٥٢

به ، ثم يحبسه أياما ثم يخلي سبيله » وقال أيضا في شاهدي زور فرا من يد علي عليه‌السلام : « إن علي هذين حتى أنكلهما » ‌إلى غير ذلك ، وليس منه الغالط في شهادته ولا من ردت لمعارضة بينة أخرى بل ولفسقه.

المسألة الحادية عشر :

( الظاهر عدم الضمان بكتمان الشهادة وإن أثم ، ) للأصل وغيره ، لكن في القواعد في التضمين بترك الشهادة مع ضعف المباشرة إشكال ، كما لو علما ببيع المورث عينا من زيد فباع الوارث من عمرو ولم يعلم بذلك البيع وتعذر الرجوع على المشتري ، ولعله من تسبيبه للتلف بكتمانها على وجه يقوى على المباشر الجاهل بالحال ، ولكن الأقوى ما عرفت.

هذا وبقيت مسائل مذكورة في كتب العامة والخاصة تركنا التعرض لها ترجيحا للاشتغال بالأهم منها ومخافة التطويل ، ولكن الأمر فيها هين ، لأن المرجع فيها القواعد العامة ولا نص فيها بالخصوص ، والله هو العالم والمؤيد والموفق والمسدد.

٢٥٣

بسم الله الرحمن الرحيم‌

كتاب الحدود والتعزيرات

جمع حد وتعزير ، وهما لغة كما في المسالك وغيرها المنع والتأديب ، بل فيها « ومنه الحد الشرعي ، لكونه ذريعة إلى منع الناس عن فعل معصية خشية من وقوعه ، وشرعا عقوبة خاصة تتعلق بإيلام البدن بواسطة تلبس المكلف بمعصية خاصة عين الشارع كميتها في جميع أفراده ، وعقوبة أو إهانة لا تقدير لها بأصل الشرع غالبا » ونحوه في التنقيح والرياض ، إلا أنهما لم يذكر فيهما قيد الغلبة في الأخير. ولعله إلى ذلك يرجع قول المصنف ( كل ما له عقوبة مقدرة يسمى حدا ، وما ليس كذلك يسمى تعزيرا ).

لكن في المسالك في شرحها « تقدير الحد شرعا واقع في جميع أفراده كما أشرنا إليه سابقا ، وأما التعزير فالأصل فيه عدم التقدير ، والأغلب من أفراده كذلك ، ولكن قد وردت الروايات بتقدير بعض أفراده وذلك في خمسة مواضع : الأول : تعزير المجامع زوجته في نهار رمضان مقدر بخمسة وعشرين سوطا (١) الثاني : من تزوج أمة على حرة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب بقية الحدود والتعزيرات.

٢٥٤

ودخل بها قبل الاذن ضرب اثنا عشر سوطا ونصفا ثمن حد الزاني (١) الثالث : المجتمعان تحت إزار واحد مجردين مقدر بثلاثين إلى تسعة وتسعين على قول (٢) الرابع : من افتض بكرا بإصبعه (٣) قال الشيخ : يجلد من ثلاثين إلى سبعة وسبعين ، وقال المفيد : من ثلاثين إلى ثمانين وقال ابن إدريس : من ثلاثين إلى تسعة وتسعين ، الخامس : الرجل والمرأة يوجدان في لحاف واحد وإزار مجردين يعزران من عشرة إلى تسعة وتسعين (٤) قاله المفيد ، وأطلق الشيخ التعزير ، وقال في الخلاف : روى أصحابنا فيه الحد ، ولقائل أن يقول : ليس من هذه مقدر سوى الأولين ، والباقي يرجع في ما بين الطرفين إلى رأي الحاكم ، كما يرجع إليه في تقدير غيره وإن تحدد في طرفيه بما ذكر ».

قلت : كأن الذي دعاه إلى تسمية المقدر المزبور تعزيرا مع أن له مقدرا هو اشتمال النص على إطلاق التعزير عليه ، وفيه بعد تسليمه في الجميع إمكان منع إرادة ما يقابل الحد منه ، ولعله لذا ذكرها بعضهم في الحدود ، والأمر سهل.

ثم قال المصنف ( وأسباب الأول ستة : الزناء ، وما يتبعه ، والقذف ، وشرب الخمر ، والسرقة ، وقطع الطريق ، والثاني أربعة : البغي ، والردة ، وإتيان البهيمة ، وارتكاب ما سوى ذلك من المحارم ، فلنفرد لكل قسم بابا عدا ما يتداخل أو سبق ) وفي المسالك في شرح‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب حد الزناء والباب ـ ٤٧ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة من كتاب النكاح.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب حد الزناء ـ الحديث ٢١ و ١٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب حد الزناء.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب حد الزناء ـ الحديث ٣ و ١٨.

٢٥٥

الأخير « جعل عقوبة الباغي ـ وهو المحارب ومن في معناه والمرتد ـ تعزيرا غير معهود والمعروف بين الفقهاء تسميته حدا ، ولا ينافي كون الحد مقدرا ، لأن القتل أيضا مقدر بإزهاق الروح إما مطلقا أو على وجه مخصوص ، وجعل ارتكاب المحارم قسيما للثلاثة نظرا إلى أن الثلاثة الأول منصوصة بخصوصها من الشارع ، والرابع داخل من حيث العموم ، والأولى جعل سبب التعزير أمرا واحدا وهو ارتكاب المحرم الذي لم ينصب الشارع له حدا مخصوصا ».

قلت : قد ترك ذكر التعزير في عنوان الكتاب في القواعد والتحرير واللمعة ، بل جعل في الأول مقاصده ثمانية والسابع والثامن المحارب والمرتد.

وفي كشف اللثام « الحد في الأصل المنع ، ومنه الحديد ، لامتناعه وصلابته ، ويقال للبواب : حداد لمنعه الناس ، سميت بها الأمور المقررة في الشرع لمنع الناس عن معاص معينة ،عن سدير (١) قال : « قال أبو جعفر عليه‌السلام : حد يقام في الأرض أزكى فيها من مطر أربعين ليلة وأيامها » وعن عبد الرحمن بن الحجاج (٢) عن أبي إبراهيم عليه‌السلام في قول الله عز وجل (٣) ( يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها ) قال : « ليس يحييها ، ولكن يبعث الله رجلا فيحيون العدل ، فتحيي الأرض لإحياء العدل ، ولإقامة حد فيه أنفع في الأرض من القطر أربعين صباحا » ... ».

قلت : لا كلام في كون المقدرات المزبورة حدودا ، إنما الكلام في اندراج ما لا مقدر له شرعا تحت اسم الحد الذي هو عنوان أحكام كثيرة في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب مقدمات الحدود ـ الحديث ٢ والأول عن حنان بن سدير.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب مقدمات الحدود ـ الحديث ٣ والأول عن حنان بن سدير.

(٣) سورة الروم : ٣٠ ـ الآية ١٩.

٢٥٦

النصوص كدرء الحد بالشبهة (١) وعدم اليمين في الحد (٢) وعدم الكفالة فيه (٣) وللإمام العفو عن الحد الثابت بالإقرار دون البينة (٤) وعدم الشفاعة في الحد (٥) وغير ذلك وعدم اندراجه ، يحتمل ذلك لإطلاقه على مطلق العقوبة في كثير من النصوص نحو‌« إن الله جعل لكل شي‌ء حدا ولمن جاوز الحد حدا » (٦) ‌ويحتمل العدم كما هو ظاهر الأصحاب هنا وفي ما لو اعترف بحد ولم يبينه ، لظهور لفظ الحد عرفا في المحدود ، ولنحو‌خبر حماد بن عثمان (٧) « قلت له : كم التعزير؟ فقال : دون الحد ، قلت له : دون ثمانين ، قال : لا ، ولكن دون أربعين ، فإنها حد المملوك ، قلت : وكم ذاك؟ فقال : على قدر ما يراه الوالي من ذنب الرجل وقوة بدنه » وخبر معاوية بن عمار (٨) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الامرأتان ينامان في ثوب واحد فقال : يضربان ، قلت : حدا؟ فقال : لا ، قلت : الرجلان ينامان في ثوب واحد ، قال : يضربان ، قلت : الحد؟ قال : لا » ‌وغير ذلك مما يدل على مغايرة التعزير للحد في المفهوم ، بل فيها ما هو كالصريح في ذلك ، نعم لا ينكر إطلاق الحد على ما يشمل التعزير أيضا ، فلعل الاقتصار في الأحكام المخالفة للأصول والعمومات على الحد بالمعنى الأخص دون غيره‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب مقدمات الحدود ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب مقدمات الحدود ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب مقدمات الحدود.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب مقدمات الحدود.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب مقدمات الحدود.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢ و ٣ ـ من أبواب مقدمات الحدود.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب بقية الحدود والتعزيرات ـ الحديث ٣.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب حد الزناء الحديث ١٦.

٢٥٧

إلا ما يفهم من فحوى أو غيرها لا يخلو من قوة ، ومن هنا يقوى عدم اندراج القصاص في إطلاق الحد ، والله العالم.

( الباب الأول )

( في الزناء )

الذي يقصر فيكتب بالياء ، ويمد فيكتب بالألف المجمع على تحريمه في كل ملة حفظا للنسب ، ولذا كان من الأصول الخمسة التي يجب تقريرها في كل شريعة ، وهو من الكبائر المعلومة قطعا من الكتاب والسنة والإجماع إن لم يكن ضرورة من الدين.

( و ) كيف كان فـ ( ـالنظر في الموجب والحد واللواحق )

( أما الموجب فهو ) تحقق حقيقته مع الشرائط المشار إليها بقول المصنف : « ويشترط » إلى آخره ، ومقتضاه تحقق ماهية الزناء التي هي الموجب بمعنى السبب المصطلح ب ( إيلاج الإنسان ذكره في فرج امرأة محرمة ) أصالة لا لحيض ونحوه ( من غير عقد ولا شبهة ) عقد ( ولا ملك ) للعين أو المنفعة ولا شبهة ملك لهما ، فما في المسالك من أنه « يدخل في الحد الإنسان الكبير والصغير والعاقل والمجنون ، فلو زاد فيه « المكلف » ‌

٢٥٨

كان أجود ، ويمكن تكلف إخراجهما بقوله في فرج امرأة محرمة ، فإنه لا تحريم في حقهما ، وكذا يدخل فيه المختار والمكره ، ويجب إخراج المكره إلا أن يخرج بما خرج به الأولان » ـ في غير محله ، لأنها على التقدير المزبور شرائط في الحد لا في تحقق حقيقة الزناء.

وكذا لا يدخل فيه إيلاج ذكر الخنثى المشكل ، لعدم العلم بكون ذكرها ذكرا ، وفي المسالك لعدم مبادرة المعنى عند إطلاقه إليه وجواز سلبه عنه ، وفيه نظر ، وربما زيد الأصلي لإخراجه ، ولا بأس به توضيحا وإلا فالمنساق من التعريف الذكر من الإنسان.

وكذا الكلام في فرجها الذي لم يعلم كونه فرج امرأة وربما زيد أيضا أصلي أو يقينا لإخراجها ، ولا بأس به أيضا.

وكأن قول المصنف : وغيره « من غير عقد » إلى آخره ، تفسير للمحرمة ، ولعله لذا ترك قول « محرمة » في النافع ، وهو المناسب للتعريف ، وكأنه في ذكره تبع به ما تسمعه من عبارتي المقنعة والتهذيب المحتمل لتعليق « من » فيه بمحرمة وإن كان يشكل بصدقه على الزوجة حينئذ أو المراد بالتحريم ما يعم العرضي ، وهذا قيد يخرجه.

هذا وفي الرياض « أما الزناء الموجب للحد فهو إيلاج الإنسان ، وإدخاله فرجه وذكره الأصلي في فرج امرأة محرمة عليه أصالة من غير عقد نكاح ولو متعة بينهما ولا ملك من الفاعل القابل ولا شبهة دارئة ، وضابطها ما أوجب ظن الإباحة بلا خلاف أجده ، وبه صرح في الغنية ، ولعله المفهوم منه عرفا ولغة ، وإطلاق العبارة وإن شمل غير المكلف إلا أنه خارج مما ذكرناه من قيد التحريم ، مع احتمال أن يقال : إن التكليف من شرائط ثبوت الحد بالزناء لا أنه جزء من مفهومه ، فلا يحتاج إلى ازدياد التحريم من هذا الوجه وإن احتيج إليه لتحقيق معنى الزناء لعدم‌

٢٥٩

تحققه عرفا ولغة إلا به ، وإلا فدخول المجنون بامرأة مثلا لا يعد فيهما زناء ما لم تكن المدخول بها محرمة عليه أصالة ».

وفيه أن ذلك لا يوجب الزيادة المزبورة ، ضرورة تحقق الإيلاج بامرأة بلا عقد ولا ملك ولا شبهة وإن لم يكن في ذلك حرمة عليه ، لعدم التكليف الذي فرض عدم مدخليته في تحقق معنى الزناء الذي هو على التقدير المزبور وطء الأجنبية التي هي غير الزوجة والمملوكة عينا أو منفعة ، ومقتضاه أن وطء الشبهة زناء لغة وعرفا لكنه لا يوجب الحد وهو مناف لمقابلته به في النكاح المقتضية لكونه وطء الأجنبية على أنها أجنبية ، وربما يظهر بذلك ثمرة في غير الحد من الأحكام المعلقة على الزناء كالعرف ونحوه » إن لم يكن قرينة على إرادة الخاص منه ، ولعل إيكاله إلى العرف أولى من التعرض لكشف مفهومه كغيره من الألفاظ ، ضرورة تحقق وصف الزناء في المرأة والرجل على وجه يتحقق في أحدهما دون الآخر ، ولا ريب في عدم صدق التعريف المزبور على إيلاج المرأة ذكر الغير فيها مع تحقق وصف الزناء فيها ، ولعل ذكر الأصحاب بعض القيود في التعريف من حيث ثبوت الحد به وعدمه ولو للشرائط الشرعية لذلك لا لكشف مفهومه ، و‌قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لماعز بعد إقراره بالزناء أربعا (١) : « أتعرف الزناء؟ فقال : هو أن يأتي الرجل حراما كما يأتي أهله حلالا ».

( و ) كيف كان فـ ( ـيتحقق ذلك ) عرفا ( بغيبوبة الحشفة قبلا أو دبرا ) كما نص عليه غير واحد بل هو المشهور كما عن المختلف ، بل لم أجد فيه خلافا ، كما اعترف به في الرياض ، نعم في الوسيلة في الوطء في دبر المرأة قولان : أحدهما أن يكون زناء وهو‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٨ ص ٢٢٧.

٢٦٠