الدرّ النظيم في مناقب الأئمّة اللهاميم

الشيخ جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي

الدرّ النظيم في مناقب الأئمّة اللهاميم

المؤلف:

الشيخ جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-064-3
الصفحات: ٨٣٢

الإجلال والإعظام ، فعظم قدره عندي إذ لم أر له وليّا ولا عدوّا إلاّ وهو يحسن القول فيه والثناء عليه (١).

وقال محمّد بن الحسن بن ميمون : كتبت إلى مولاي العسكري عليه‌السلام اشكو الفقر ، ثمّ قلت في نفسي : أليس قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « الفقر معنا خير من الغنى مع عدوّنا ، والقتل معنا خير من الحياة مع عدوّنا ».

فرجع الجواب : إنّ الله جلّ وعزّ يمحّص ذنوب أوليائنا إذا تكاثفت بالفقر ، وقد يعفو عن كثير ، وهو كما حدّثتك نفسك : الفقر معنا خير من الغنى مع عدوّنا ، ونحن كنف لمن التجأ إلينا ، ونور لمن استبصر بنا ، وعصمة لمن اعتصم بنا ، من أحبّنا كان معنا في السنام الأعلى ، ومن انحرف عنّا فإلى النار هوى (٢).

وقال عليّ بن محمّد بن إبراهيم المعروف بابن الكردي ، عن محمّد بن عليّ بن إبراهيم بن موسى بن جعفر ، قال : ضاق بنا الأمر فقال لي أبي : امض بنا حتى نصير الى هذا الرجل ـ يعني أبا محمّد عليه‌السلام ـ فإنّه قد وصف عنه سماحة فقلت : تعرفه؟

فقال : ما أعرفه ولا رأيته قطّ.

قال : فقصدناه ، فقال أبي وهو في طريقه : ما أحوجنا الى أن يأمر لنا بخمسمائة درهم : مائتي درهم للكسوة ، ومائتي درهم للدقيق ، ومائة درهم للنفقة : وقلت في نفسى : ليته أمر لي بثلاثمائة درهم : مائة اشتري بها حمارا ، ومائة للنفقة ، ومائة اشتري بها كسوة فأخرج الى الجبل.

قال : فلمّا وافينا الباب خرج إلينا غلامه وقال : يدخل عليّ بن إبراهيم ومحمّد ابنه ، فلمّا دخلنا عليه وسلّمنا قال لأبي : يا عليّ ما خلّفك عنّا إلى هذا الوقت؟ قال : يا سيّدي استحييت أن ألقاك على هذه الحال. فلمّا خرجنا من عنده جاءنا غلامه فناول أبي صرّة وقال : هذه خمسمائة : مائتان للكسوة ومائتان للدقيق ومائة للنفقة ، وأعطاني صرّة وقال : هذه ثلاثمائة درهم فاجعل مائة في ثمن حمار ومائة للكسوة ومائة للنفقة ولا تخرج الى الجبل وصر إلى سوراء.

__________________

(١) الكافي : ج ١ ص ٥٠٣ ـ ٥٠٦ ح ١.

(٢) المناقب لابن شهرآشوب : ج ٤ ص ٤٣٥.

٧٤١

قال : فصار إلى سوراء وتزوّج امرأة منها فصار دخله أربعة ألاف درهم ، ومع هذا يقول بالوقف.

وقال أحمد بن الحارث القزويني : كنت مع أبي بسرّمن رأى ، وكان أبي يتعاطى البيطار في مربط أبي محمّد عليه‌السلام ، قال : وكان عند المستعين بغل لم ير مثله حسنا وكبرا ، وكان يمنع ظهره واللجام ، وقد كان جمع عليه الرّواض فلم يكن لهم حيلة في ركوبه.

قال : فقال له بعض ندمائه : يا أمير المؤمنين ألا تبعث الى الحسن ابن الرضا حتى يجيء فإمّا أن يركبه وإمّا أن يقتله. قال : فبعث الى أبي محمّد عليه‌السلام ومضى معه أبي ، قال : فلمّا دخل أبو محمّد الدار كنت مع أبي فنظر أبو محمّد البغل واقفا في صحن الدار فعدل إليه فوضع يده على كفله ، قال : فنظرت الى البغل وقد عرق حتى سال العرق منه ثمّ صار الى المستعين فسلّم عليه ، فرحّب به وقرّب مجلسه ، وقال : يا أبا محمّد ألجم هذا البغل. فقال أبو محمّد لأبي : الجمه يا غلام. فقال له المستعين : الجمه أنت. فوضع طيلسانه ، ثمّ قام فألجمه ، ثمّ رجع إلى مجلسه. فقال له : يا أبا محمّد أسرجه أنت. فقام ثانية فأسرجه ورجع. فقال له : ترى أن تركبه. فقال أبو محمّد : نعم. فركبه من غير أن يمتنع عليه ، فمشى تحته أحسن مشي يكون ، ثمّ رجع فنزل ، فقال له المستعين : يا أبا محمّد كيف رأيته؟ فقال : ما رأيت مثله حسنا وفراهة. فقال له المستعين : فإنّ أمير المؤمنين قد حملك عليه. فقال أبو محمّد لأبي : يا غلام خذه ، فأخذه أبي فقاده (١).

فصل

في ذكر شيء من معجزات الحسن العسكري عليه‌السلام

قال أبو جعفر الهاشمي (٢) : كنت في الحبس مع جماعة ، فجلس أبو محمّد

__________________

(١) المناقب لابن شهرآشوب : ج ٤ ص ٤٣٨.

(٢) في المصدر : أبو هاشم الجعفري.

٧٤٢

وأخوه جعفر ، فخففنا له ، وقبّلت وجه الحسن وأجلسته على مضربة كانت تحتي ، وجلس جعفر قريبا منه ، وكان المتولّي لحبسه صالح بن وصيف ، وكان معنا في الحبس رجل جمحي يقول انّه علوي ، فالتفت أبو محمّد عليه‌السلام وقال : لو لا أنّ فيكم من ليس منكم لأعلمتكم متى يفرّج الله عنكم. وأومأ الى الجمحي ، فخرج فقال أبو محمّد : هذا الرجل ليس منكم فاحذروه وأنّ في ثيابه قصّة قد كتبها الى السلطان يخبره بما تقولون فيه. فقام بعضهم ففتش ثيابه ، فوجد فيها القصّة قد ذكرنا فيها بكلّ عظيمة ويعلمه أنّنا نريد ننقب ونهرب (١).

وقال أبو هاشم : كان أبو محمّد عليه‌السلام يصوم ، فإذا أفطر أكلنا معه ما كان يحمله إليه غلامه في خونة مختومة ، وكنت أصوم معه ، فلمّا كان بعض الأيّام ضعفت فأفطرت في بيت آخر على كعكة وما شعر بي أحد ، ثمّ جئت فجلست معه ، فقال لغلامه : أطعم أبا هاشم شيئا فإنّه مفطر ، فتبسّمت ، فقال : ما يضحكك يا با هاشم ، إذا أردت القوّة فكل اللحم فإنّ الكعك لا قوّة فيه. فقلت : صدق الله ورسوله وأنتم عليكم السلام ، فأكلت. فقال : أفطر ثلاثا فإنّ المنّة لا ترجع إذا نهكه الصوم في أقلّ من ثلاث.

فلمّا كان في اليوم الذي أراد الله أن يفرّج عنّا جاءه الغلام فقال : يا سيّدي احمل. فقال : أحمل وما أحسبنا نأكل منه. فحمل الطعام الظهر واطلق عنه عند العصر وهو صائم ، فقال : كلوا هداكم الله (٢).

وقال يوسف بن محمّد بن زياد وعليّ بن سيّار ، قالا : حضرنا ليلة على عرفة لأبي محمّد الحسن بن عليّ الزكيّ ، وقد كان الوالي في ذلك الوقت معظّما له ، إذ جاء الى البلد ومعه رجل مكتوف فقال : يا ابن رسول الله أخذت هذا على باب حانوت صيرفي فلمّا هممت بضربه قال : إنّي من شيعة عليّ وشيعتك فكففت عنه ، فهل هو كذلك؟ فقال عليه‌السلام : معاذ الله ما هذا من شيعة عليّ؟ فنحّاه وقال : ابطحوه ، فبطحوه فأقام عليه جلاّدين وقال : أوجعاه ، فأهويا بعصيهما ، فكان لا يصيبانه

__________________

(١) الخرائج والجرائح : ج ٢ ص ٦٨٢ ح ١.

(٢) الخرائج والجرائح : ج ٢ ص ٦٨٣ ح ٢.

٧٤٣

وإنّما يصيبان الأرض. قال : فردّه الوالي الى الإمام أبي محمّد عليه‌السلام فقال : عجبا لقد رأيت له من المعجزات ما لا يكون إلاّ للأنبياء فقال الحسن بن عليّ : أو للأوصياء. فقال : خلّ عنه إنّما هي لنا وهو لنا محبّ. فقال الوالي : ما الفرق بين الشيعة والمحبّين؟ فقال : شيعتنا هم الذين يتبعون آثارنا ويطيعوننا في جميع امورنا وأوامرنا ونواهينا ، ومن خالفنا في كثير ممّا فرض الله فليس من شيعتنا (١).

وقال أبو هاشم : إنّي قلت في نفسي : أشتهي أن أعلم ما يقول أبو محمّد في القرآن مخلوق أو غير مخلوق؟ والقرآن سوى الله؟ فأقبل عليّ فقال : أما بلغك ما روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : لمّا نزلت ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) خلق الله لها أربعة آلاف جناح ، فما كانت تمر بملإ من الملائكة إلاّ خشعوا لها ، وقال : هذه نسبة الربّ تبارك وتعالى (٢).

وقال أبو هاشم : سمعت أبا محمّد عليه‌السلام يقول : إنّ الله ليعفو يوم القيامة عفوا لا يخطر على بال العباد حتى يقول أهل الشرك : ( وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ ) (٣) فذكرت في نفسي حديثا حدّثني به رجل من أصحابنا من أهل مكّة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرأ ( إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ) (٤) فقال رجل : ومن أشرك ، فأنكرت ذلك وتنمّرت في قلبي وأنا أقوله في نفسي ، إذ أقبل عليّ فقال : ( إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ) (٥) بئس ما قال هذا وبئس ما روى (٦).

وقال أبو هاشم : سأل محمّد بن صالح الأرمني أبا محمّد عليه‌السلام عن قوله تعالى : ( لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ) (٧). قال : له الأمر من قبل أن يأمر به ، وله الأمر من بعد أن يأمر به بما شاء. فقلت في نفسي : هذا مثل قول الله : ( أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ) (٨)

__________________

(١) الخرائج والجرائح : ج ٢ ص ٦٨٣ ـ ٦٨٤ ح ٣.

(٢) الخرائج والجرائح : ج ٢ ص ٦٨٦ ح ٦.

(٣) الأنعام : ٢٣.

(٤) الزمر : ٥٣.

(٥) النساء : ٤٨.

(٦) الخرائج والجرائح : ج ٢ ص ٦٨٦ ح ٧.

(٧) الروم : ٤.

(٨) الأعراف : ٥٤.

٧٤٤

وأقبل عليّ فقال : هو كما أسررت في نفسك ( أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ) قلت : أشهد أنّك حجّة الله وابن حججه في عباده (١).

وقال أبو هاشم أنّه سأله عن قوله تعالى : ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ ) (٢) قال : كلّهم من آل محمّد ، الظالم لنفسه : الذي لا يقرّ بالإمام ، والمقتصد : العارف بالإمام ، والسابق بالخيرات : الإمام.

فجعلت افكّر في نفسي عظم ما أعطى الله آل محمّد وبكيت. فنظر إليّ فقال : الأمر أعظم ممّا حدّثتك به نفسك من عظم شأن آل محمّد ، فاحمد الله فقد جعلك متمسّكا بحبلهم ، تدعى يوم القيامة بهم إذا دعي كلّ اناس بإمامهم ، إنّك على خير (٣).

وقال أبو هاشم : سأله محمّد بن صالح الأرمني عن قوله تعالى : ( يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ ) (٤) فقال : هل يمحو إلاّ ما كان؟ وهل يثبت إلاّ ما لم يكن؟ فقلت في نفسي : هذا خلاف قول هشام بن الحكم أنّه لا يعلم بالشيء حتى يكون. فنظر إليّ وقال : تعالى الجبّار العالم بالأشياء قبل كونها. قلت : أشهد أنّك حجّة الله (٥).

وقال أبو هاشم : سمعته يقول : الذنوب التي لا تغفر قول الرجل ليتني لا او آخذ إلاّ بهذا. فقلت في نفسي : إنّ هذا لهو التدقيق ، وينبغي للرجل أن يتفقّد من نفسه كلّ شيء. فقال : صدقت يا با هاشم الزم ما حدّثتك به نفسك ، فإنّ الشرك في الناس أخفى من دبيب الذرّ على الصفاء في الليلة الظلماء (٦).

وقال أبو جعفر : دخل على الحسن بن عليّ عليهما‌السلام قوم من سواد العراق يشكون قلّة الأمطار ، فكتب لهم كتابا فأمطروا. ثمّ جاءوا يشكون كثرته ، فختم في الأرض فأمسك المطر.

__________________

(١) المناقب لابن شهرآشوب : ج ٤ ص ٤٣٦.

(٢) فاطر : ٣٢.

(٣) الخرائج والجرائح : ج ٢ ص ٦٨٧ ح ١٠.

(٤) الرعد : ٣٩.

(٥) الخرائج والجرائح : ج ٢ ص ٦٨٧ ح ١٠.

(٦) المناقب لابن شهرآشوب : ج ٤ ص ٤٣٩.

٧٤٥

وقال عليّ بن محمّد الصيمري : كتب إليّ أبو محمّد عليه‌السلام : فتنة تظلّكم فكونوا على هبة (١) منها. قال : فلمّا كان بعد ثلاثة أيّام وقع بين بني هاشم ما وقع وكانت فتنة ، فكتبت إليه : هي هي. قال : لا ولكن غير هذه ، فاحترسوا. فلمّا كان بعد ثلاثة أيّام كان من أمر المعتزّ ما كان (٢).

فصل

في ذكر شيء من كلام العسكري عليه‌السلام

لو عقل أهل الدنيا خربت (٣).

من مدح غير المستحقّ للمدح قام مقام المتهم (٤).

الخبائث بيت مفتاحه الكذب (٥).

ومن مناجاته عليه‌السلام : اللهمّ إن كان وجهي قد أخلق عندك بكثرة ذنوبي فبجدّة وجهك اعف عنّي.

وقال عليه‌السلام : ادفع المسألة ما وجدت التحمّل يمكنك ، فإنّ لكلّ يوم خيرا جديدا. والإلحاح في المطالب يسلب البهاء ، إلاّ أن يفتح لك باب يحسن الدخول فيه ، واعلم أنّ للجود مقدارا فإذا زاد عليه فهو سرف ، وللحزم مقدارا فإذا زاد عليه فهو جبن. وللاقتصاد مقدارا فإذا زاد فهو بخل ، وللشجاعة مقدارا فإذا زاد عليه فهو التهور (٦).

وقال عليه‌السلام : الشهوات خواطر من الهوى ، والعقول تزجر وتروّي ، وفي التجارب علم مستأنف ، والاعتبار يفيدك الرشاد ، وكفاك أدبا لنفسك تجنّبك ما تكره من غيرك.

وقال عليه‌السلام : احذر كلّ ذكي ساكن الطرف (٧).

__________________

(١) كذا ، والظاهر : اهبة

(٢) كشف الغمة : ج ٢ ص ٤١٧.

(٣ ـ ٤ ـ ٥) أعلام الدين : ص ٣١٣.

(٦) أعلام الدين : ص ٣١٣.

(٧) أعلام الدين : ص ٣١٣.

٧٤٦

وقال العمري : سمعت مولانا العسكري عليه‌السلام يقول : خير اخوانك من نسى ذنبك إليه (١).

وقال : أضعف الأعداء كيدا من أظهر عداوته (٢).

وقال عليه‌السلام : حسن الصورة جمال ظاهر ، وحسن العقل جمال باطن (٣).

وقال : أولى الناس بالمحبّة من أمّلوه (٤).

وقال : من آنس بالله استوحش من الناس (٥).

وقال : من لم يتّق الناس لم يتّق الله (٦).

وقال عليه‌السلام : إذا نشطت القلوب فأودعوها ، وإذا نفرت فودّعوها (٧).

وقال : اللحاق بمن ترجو خيره خير من المقام مع من لا تأمن شرّه (٨).

وقال عليه‌السلام : من أكثر المنام رأى الأحلام (٩) يعني أنّ طالب الدنيا كالنائم وما يظفر به كالحلم.

وقال : الجهل خصم ، والحلم حكم ، ولم يعرف راحة القلب من لم يجرّعه الحلم غصص الغيظ (١٠).

وقال عليه‌السلام : ما أدري ما خوف امرئ ورجاؤه ما لم يمنعاه من ركوب شهوة إن عرضت له ولم يصبر على مصيبة إن نزلت به.

وقال : من ركب ظهر الباطل نزل به دار الندامة (١١).

وقال : المقادير الغالبة لا تدفع بالمغالبة ، والأرزاق المكتوبة لا تنال بالشره والمطالبة ، تذلّل للمقادير نفسك ، واعلم انّك غير نائل بالحرص إلاّ ما كتب لك (١٢).

وقال : إذا كان المقضي كائنا فالضراعة لما ذا؟

وقال : نائل الكريم يحبّبك إليه ، ونائل البخيل يبغّضك إليه (١٣).

وقال عليه‌السلام : من كان الورع سجيّته والأفعال الحسنة خبيّته انتصر من أعدائه

__________________

(١ ـ ٢ ـ ٣ ـ ٤ ـ ٥) أعلام الدين : ص ٣١٣.

(٦ ـ ٧ ـ ٨ ـ ٩ ـ ١٠) بحار الأنوار : ج ٧٨ ص ٣٧٧ ب ٢٩ جزء من ح ٣ نقلا عن كتاب « الدرّة الباهرة ».

(١١ ـ ١٢) أعلام الدين : ص ٣١٤.

(١٣) بحار الأنوار : ج ٧٨ ص ٣٧٨ ب ٢٩ جزء من ح ٣ نقلا عن كتاب « الدرّة الباهرة ».

٧٤٧

بحسن الثناء عليه ، وتحصّن بالذكر الجميل من وصول نقص إليه (١).

وكتب إلى مواليه :

بسم الله الرحمن الرحيم

أستوهب الله لكم زهادة في الدنيا ، وتوفيقا لما يرضى ، ومعونة على طاعته ، وعصمة عن معصيته ، وهداية من الزيغ وكفاية ، فجمع لنا ولأوليائنا خير الدارين. أمّا بعد فقد بلغني ما أنتم عليه من اختلاف قلوبكم ، وتشتت أهوائكم ، ونزغ الشيطان بينكم حتّى أحدث لكم الفرقة والإلحاد في الدين ، والسعي في هدم ما مضى عليه أوّلكم من إشادة دين الله وإثبات حقّ أوليائه ، وأمالكم إلى سبيل الضلالة ، وصدق بكم عن قصد الحقّ ، فرجع أكثركم القهقرى على أعقابكم تنكصون ، كأنّكم لم تقرءوا كتاب الله جلّ وعزّ ، ولم تعنوا بشيء من أمره ونهيه. ولعمري لئن كان الأمر في اتّكال سفهائكم على أساطيرهم لأنفسهم وتأليفهم روايات الزور بينهم لقد حقّت كلمة العذاب عليهم. ولئن رضيتم بذلك منهم ولم تنكروه بأيديكم وألسنتكم وقلوبكم ونيّاتكم إنّكم لشركائهم فيما اجترحوه من الافتراء على الله تعالى وعلى رسوله وعلى ولاة الأمر من بعده. ولئن كان الأمر كذلك لما كذب أهل التزيد في دعواهم ، ولا المغيّرة في اختلافهم ، ولا الكيسانيّة في صاحبهم ، ولا من سواهم من المنتحلين ودّنا والمنحرفين عنّا ، بل أنتم شرّ منهم قليلا ، وما شيء يمنعني من وسم الباطل فيكم بدعوة تكونوا فيها شامتا لأهل الحقّ إلاّ انتظار فيهم ، وسيفيء أكثرهم الى أمر الله إلاّ طائفة لو شئت لأسميتها ونسبتها استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله ، ومن نسي ذكر الله تبرأ منه ، فسيصليه جهنم وساءت مصيرا ، وكتابي هذا حجّة عليهم ، وحجّة لغائبكم على شاهدكم إلاّ من بلغه فأدّى الأمانة ، وأنا أسأل الله أن يجمع قلوبكم على الهدى ، ويعصمكم بالتقوى ، ويوفّقكم للقول بما يرضى ، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٧٨ ص ٣٧٨ ب ٢٩ جزء من ح ٣ نقلا عن كتاب « الدرّة الباهرة » وفيه « والإفضال حليته » بدل « والأفعال الحسنة خبيّته ».

٧٤٨

ومن كتاب له إلى بعض مواليه : كلّ مقدور كائن ، فتوكّل على الله جلّ وعزّ يكفيك ، وثق به لا يخيّبك ، وشكوت أخاك فاعلم يقينا أنّ الله جلّ وعزّ لا يعين على قطيعة رحم ، وهو جلّ ثناؤه من وراء ظلم كلّ ظالم ، ومن بغي عليه لينصرنّه الله ، إنّ الله قوي عزيز. وسألت الدعاء إنّ الله جلّ وعزّ لك حافظ وناصر وساتر ، وأرجو من الله الكريم الذي عرّفك من حقّه وحقّ أوليائه ما أعمى عنه غيرك أن لا يزيل عنك نعمة أنعم بها عليك إنّه وليّ حميد.

وقال عليه‌السلام : ونحن نستكفي الله جلّ وعزّ في هذا اليوم مؤونة كلّ ظالم وكلّ باغ وحاسد ، وويل لمن قال ما يعلم الله جلّ وعزّ خلافه ما ذا يلقى من ديّان يوم الدين ، فإنّ الله جلّ وعزّ للمظلومين ناصر وكافي وعضد فثق به جلّ ثناؤه ، وتوكّل عليه ، واستغن به يريك محبّتك ويبلّغك أملك ويكفيك شرّ كلّ ذى شرّ ، فعل الله جلّ وعزّ ذلك بك ومنّ به علينا فيك ، إنّه على كلّ شيء قدير ، واستدرك الله كلّ ظالم في هذه الساعة ، ما أحد ظلم وبغى فأفلح ، الويل لمن أخذته أصابع المظلومين ، فلا تغتم وثق بالله وتوكّل عليه ، فما أسرع فرحك ، إنّ الله عزّ وجلّ مع الذين صبروا والذين هم محسنون.

وقال عليه‌السلام وقد سئل لم فرض الله الصوم ، فقال : ليجد الغني مسّ الجوع فيحنو على الفقير (١).

وقال عليه‌السلام : إنّ في الجنّة بابا يقال له المعروف ، لا يدخله إلاّ أهل المعروف ، فإنّ أهل المعروف في دنياهم هم أهل المعروف في آخرتهم (٢).

فصل

في ذكر وفاة العسكري عليه‌السلام ومقدار عمره وموضع قبره

توفّي عليه‌السلام أيّام المعتمد بسرّمن رأى يوم الجمعة لثمان ليال خلون من

__________________

(١) الأمالي للصدوق : ص ٤٤ ص ٢.

(٢) المناقب لابن شهرآشوب : ج ٤ ص ٤٣٢.

٧٤٩

شهر ربيع الأوّل (١).

وقال بعض الرواة : في يوم الأربعاء لثلاث خلون من ربيع الأوّل من سنة ستين ومائتين ، وله ثمان وعشرون سنة. وقيل : تسع وعشرون سنة.

ودفن في داره بسرّمن رأى الى جنب أبيه عليه‌السلام.

ولم يترك من الولد سوى الخلف الصالح القائم صاحب الزمان الإمام المنتظر لأمر الله صلوات الله عليه وعلى آبائه وسلامه.

وكان نقش خاتمه : ( قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ ) (٢)

__________________

(١) الكافي : ج ١ ص ٥٠٣.

(٢) الأنبياء : ٤٢.

٧٥٠

الباب الرابع عشر

في ذكر الحجّة صاحب الزمان

صلوات الله عليه

وذكر مولده وشيء من دلائله

٧٥١
٧٥٢

فصل

في ذكر مولد الحجّة عليه‌السلام وغير ذلك

وكان مولده عليه‌السلام بسرّمن رأى ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين. وقيل : لثمان خلون من شعبان. وقيل : من ربيع الأوّل. وقيل : من شهر رمضان. وقيل : سنة ثمان وخمسين ومائتين.

وامّه أمّ ولد يقال لها نرجس ، وقيل : سوسن.

وكان سنّه عند وفاة أبيه عليهما‌السلام خمس سنين ، وقيل : سنتين وأربعة أشهر.

وأمّا نسبه فأبوه أبو محمّد الحسن الخالص بن عليّ المتوكّل بن محمّد القانع بن عليّ الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن عليّ زين العابدين بن الحسين الزكي بن عليّ المرتضى أمير المؤمنين.

وأمّا ما ورد عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المهدي من الأحاديث الصحيحة :

فمنها : ما نقله أبو داود والترمذي كلّ واحد منهما بسنده في صحيحه يرفعه الى أبي سعيد الخدري ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : المهدي منّي ، أجلى الجبهة ، أقنى الأنف ، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ، ويملك سبع سنين (١).

ومنها : ما أخرجه أبو داود بسنده في صحيحه يرفعه الى عليّ عليه‌السلام ، قال :

__________________

(١) سنن أبي داود : ج ٤ ص ١٠٧ ح ٤٢٨٦.

٧٥٣

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو لم يبق من الدهر إلاّ يوم لبعث الله رجلا من أهل بيتي يملأها عدلا كما ملئت جورا (١).

ومنها : ما رواه القاضي أبو محمّد الحسين بن مسعود البغوي في كتابه المسمّى بشرح السنّة ، وأخرجه البخاري ومسلم ، وكلّ واحد منهما بسنده في صحيحه يرفعه الى أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم (٢).

ومنها : ما أخرجه أبو داود والترمذي بسنديهما في صحيحيهما يرفعه كلّ واحد منهما بسنده إلى عبد الله بن مسعود أنّه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث الله رجلا منّي أو من أهل بيتي ، يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي ، يملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا (٣).

وفي رواية اخرى : لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي (٤) وفي رواية اخرى : إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي (٥).

هذه الروايات عن أبي داود والترمذي.

__________________

(١) سنن أبي داود : ج ٤ ص ١٠٧ ح ٤٢٨٣.

(٢) صحيح البخاري : ج ٤ ص ٢٠٥ كتاب بدء الخلق باب ٦٣ نزول عيسى بن مريم عليهما‌السلام ح ٢ ، صحيح مسلم : ج ١ ص ١٣٦ باب ٧١ ح ٢٤٥.

(٣) سنن أبي داود : ج ٤ ص ١٠٦ ح ٤٢٨٢ ، صحيح الترمذي : ج ٤ ص ٥٠٥ باب ٥٢ من كتاب الفتن ذيل ح ٢٢٣١.

(٤) سنن أبي داود : ج ٤ ص ١٠٧ ذيل ح ٤٢٨٢ ، صحيح الترمذي : ج ٤ ص ٥٠٥ باب ٥٢ من كتاب الفتن ح ٢٢٣٠.

(٥) سنن أبي داود : ج ٤ ص ١٠٧ ذيل ح ٤٢٨٢ ، صحيح الترمذي : ج ٤ ص ٥٠٥ باب ٥٢ من كتاب الفتن ح ٢٢٣١.

٧٥٤

ومنها : ما نقله أبو إسحاق أحمد بن محمّد الثعلبي في تفسيره يرفعه بإسناده الى أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نحن ولد عبد المطّلب سادة أهل الجنّة ، أنا وحمزة وجعفر وعليّ والحسن والحسين والمهدي (١).

ومنها : ما رواه أبو داود أيضا في صحيحه يرفعه بسنده الى أمّ سلمة زوج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورضي عنها ، قالت : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : المهدي من عترتي من ولد فاطمة (٢).

فإن قال معترض : هذه الأحاديث النبويّة متّفق على صحّتها ومجمع على نقلها عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهي صحيحة صرحية في كون المهدي عليه‌السلام من ولد فاطمة عليها‌السلام ، وأنّه من رسول الله ، وأنّه من عترته ، وأنّه من أهل بيته ، وأنّ اسمه يواطئ اسمه ، وأنّه يملأ الأرض قسطا وعدلا ، وأنّه من ولد عبد المطلب ، وأنّه اسمه يواطئ اسمه ، وأنّه يملأ الأرض قسطا وعدلا ، وأنّه من ولد عبد المطلب ، وأنّه من سادات الجنّة ، وذلك ممّا لا نزاع فيه ، غير أنّ ذلك لا يدلّ على أنّ المهدي الموصوف بما ذكره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الصفات والعلامات هو هذا أبو القاسم محمّد بن الحسن الحجّة الخلف الصالح عليه‌السلام ، فإنّ ولد فاطمة كثير ، وكلّ من يولد من ذرّيّتها إلى يوم القيامة يصدق عليه أنّه من ولد فاطمة وأنّه من العترة الطاهرة وأنّه من أهل البيت عليهم‌السلام ، فتحتاجون مع هذه الأحاديث المذكورة إلى زيادة دليل يدلّ على أنّ المهدي المراد هو الحجّة المذكور ليتمّ مرامكم.

فجوابه : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا وصف المهدي عليه‌السلام بصفات متعدّدة من ذكر اسمه ونسبه ومرجعه الى فاطمة عليها‌السلام وإلى عبد المطّلب وأنّه أجلى الجبهة أقنى الأنف وعدّد من الأوصاف الكثيرة التي جمعته الأحاديث المذكورة آنفا وجعلها علامة ودلالة على أنّ الشخص الذي يسمّى بالمهدي وثبتت له الأحكام المذكورة هو الشخص الذي اجتمعت تلك الصفات فيه ، ثمّ وجدنا تلك الصفات المجعولة علامة ودلالة مجتمعة في أبي القاسم محمّد الخلف الصالح دون غيره ، فلزم القول

__________________

(١) تفسير الثعلبي ( مخطوط ).

(٢) سنن أبي داود : ج ٤ ص ١٠٧ ح ٤٢٨٤.

٧٥٥

بثبوت تلك الأحكام له وأنّه صاحبها ، وإلاّ فلو جاز وجود ما هو علامة ودليل ولا يثبت ما هو مدلوله قدح ذلك في تعيّنها ( نصبها ) علامة ودلالة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذلك ممتنع.

وأمّا ولده فلم يكن له ولد يذكر.

وأمّا عمره فانّه في أيّام المعتمد على الله تعالى خاف فاختفى الى الآن ، فلم يمكن ذكر ذلك ، إذ من غاب فانقطع خبره لا يوجب غيبته وانقطاع خبره الحكم بمقدار عمره ولا انقضاء حياته وليس ببدع ولا مستغرب تعمير بعض عباد الله الصالحين ولا امتداد عمره ، فقد مدّ الله سبحانه وتعالى في أعمار جمع كثير من خلقه من أصفيائه وأوليائه ومن مطروديه وأعدائه ، فمن الأصفياء عيسى عليه‌السلام والخضر ولقمان وخلق آخرون من الأنبياء عليهم‌السلام طالت أعمارهم حتى جاز كلّ واحد منهم ألف سنة أو قاربها كنوح عليه‌السلام وغيره ، وأمّا من الأعداء المطرودين فإبليس والدجال ومن غيرهم كعاد الاولى كان فيهم من عمره ما يقارب الألف ، وكلّ ذلك لبيان اتساع القدرة الربانيّة في تعمير بعض خلقه ، فأيّ مانع يمنع من امتداد عمر الخلف الصالح الى أن يظهر فيعمل ما حكم الله له به.

فصل

قال أبو الجارود ، قال أبو جعفر عليه‌السلام : يقوم قائمنا بالحقّ بعد إياس من الشيعة ، يدعو الناس ثلاثا فلا يجيبه أحد ، فإذا كان اليوم الرابع تعلّق بأستار الكعبة فقال : يا ربّ انصرني ، ودعوته لا تسقط ، فيقول الله تبارك وتعالى للملائكة الذين نصروا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم بدر [ بايعوه ] فيبايعونه ، ثم يبايعه من الناس ثلاثمائة وثلاث عشر رجلا ، ثمّ يسير الى المدينة فيقتل ألف وخمسمائة قرشي ليس فيهم إلاّ فرخ زنية ، ثمّ يدخل المسجد فينقض الحائط حتى يضعه الى الأرض.

وقال عبد الله بن أبي يعفور : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : ويل لطغاة العرب من

٧٥٦

أمر قد اقترب. قلت : جعلت فداك كم مع القائم من العرب؟ قال : نفر يسير. فقلت : والله إنّ من تصف هذا الأمر فيهم لكثير. قال : لا بدّ للناس أن يمحّصوا ويميّزوا ويغربلوا ، وسيخرج الغربال خلقا كثيرا (١).

وقال عبد الله بن عمرو بن أبان الكلبي بن تغلب ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : كأنّي بالقائم على ظهر النجف لابس درع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتقلص عليه ، ثمّ ينتفض لها فتستدير عليه ، ثمّ يغشي الدرع بثوب استبرق ، ثمّ يركب فرسا له أبلق بين عينيه شمراخ ، ينتفض به ، لا يبقى أهل بلد إلاّ أتاهم نور ذلك الشمراخ حتى تكون آية له ، ثمّ ينشر راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إذا نشرها أضاء لها ما بين المشرق والمغرب (٢). وقال أحمد بن جعفر ، حدّثني عليّ بن محمّد يرفعه الى أمير المؤمنين عليه‌السلام : كأنّني به قد عبر من وادي السلام الى سبيل السهلة على فرس محجّل له شمراخ يزهر ، ويدعو ويقول في دعائه : لا إله إلاّ الله حقّا حقّا ، لا إله إلاّ الله إيمانا وصدقا ، لا إله إلاّ الله تعبّدا ورقّا ، اللهمّ معزّ كلّ مؤمن وحيد ، ومذلّ كلّ جبار عنيد ، أنت كهفي حين تعييني المذاهب ، وتضيق عليّ الأرض بما رحبت ، اللهمّ خلقتني وكنت غنيّا عن خلقي ، ولو لا نصرك إيّاي لكنت من المغلوبين ، يا منشر الرحمة من مواضعها ، ومخرج البركات من معادنها ، ويا من خصّ نفسه بشموخ الرفعة ، وأولياؤه بعزّه يتعزّزون ، يا من وضعت له الملوك نير المذلّة على أعناقها فهم من سطوته خائفون ، أسألك باسمك الذي فطرت به خلقك ، فكلّ لك مذعنون ، أسألك أن تصلّي على محمّد وآل محمد ، وأن تنجز لي أمري ، وتعجّل لي في الفرج ، وتكفيني وتعافيني وتقضي حوائجي ، الساعة الساعة ، الليلة الليلة ، إنّك على كلّ شيء قدير (٣).

وقال أبو جعفر العرجي ، عن محمّد بن يزيد ، عن سعيد بن عيانة ، قال : قال

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٥٢ ص ١١٤ ب ٢١ ح ٣١.

(٢) بحار الأنوار : ج ٥٢ ص ٣٩١ ب ٢٧ ح ٢١٤ نقلا عن كتاب « العدد القوية ».

(٣) بحار الأنوار : ج ٥٢ ص ٣٩١ ب ٢٧ ح ٢١٤ نقلا عن كتاب « العدد القوية ».

٧٥٧

سلمان الفارسي رضي‌الله‌عنه : أتيت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام خاليا فقلت : يا أمير المؤمنين متى يظهر القائم من ولدك؟ فتنفّس الصعداء وقال : لا يظهر القائم حتى تكون امور الصبيان وتضيع حقوق الرحمن ، ويتغنّى بالقرآن ، فإذا قتلت ملوك بني العباس اولي العمى والالتباس ، أصحاب الرمي عن الأقواس بوجوه كالتراس ، وخربت البصرة ، هناك يقوم القائم من ولد الحسين.

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إذا اختلف رمحان بالشام. فهو آية من آيات الله قيل : ثمّ ما ذا؟ قال : ثمّ رجفة تكون بالشام يهلك فيها مائة ألف يجعلها الله رحمة للمؤمنين وعذابا للكافرين ، فإذا كان ذلك فانظروا إلى أصحاب البراذين الشهب والرايات الصفر تقبل من المغرب حتى تحلّ بالشام ، فإذا كان ذلك فانتظروا خسفا بقرية من قرى الشام يقال لها حرستا ، فإذا كان ذلك فانتظروا ابن آكلة الأكباد بالوادي اليابس ، ثمّ تظلّكم فتنة مظلمة عمياء منكشفة لا ينجو منها إلاّ النومة. قيل : وما النومة؟ قال : الذي لا يعرف الناس ما في نفسه.

وقال عليه‌السلام : يكون بين يدي القائم موت أحمر ، وموت أبيض ، وجراد في حينه ، وجراد في غير حينه ، أحمر كألوان الدم. وأمّا الموت الأحمر فالسيف ، وأمّا الموت الأبيض فالطاعون (١).

وقال الصادق عليه‌السلام : لا يخرج القائم إلاّ في وتر من السنين : تسع وثلاث وخمس وإحدى (٢).

وقال : إذا هدم حائط مسجد الكوفة مؤخّره ممّا يلي دار عبد الله بن مسعود فعند ذلك زوال ملك بني العبّاس ، أما أنّ هادمه لا يبنيه (٣).

وقال عليه‌السلام : من يضمن لي موت عبد الله أضمن له قيام القائم ، لا يجتمع الناس بعده على أحد (٤).

__________________

(١) الغيبة للنعماني : ص ١٨٥ ، الغيبة للطوسي : ص ٢٦٧.

(٢) الإرشاد : ص ٣٦١ وفيه : « سنة إحدى أو ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع ».

(٣ ـ ٤) الغيبة للطوسي : ص ٢٧١.

٧٥٨

وقال : إنّ قدّام القائم لستة غيداقة تفسد الثمر في النخل فلا تشكّوا في ذلك (١).

وقال : عام الفتح ينشق الفرات حتى يدخل على أزقّة الكوفة (٢).

وقال الحسن العسكري عليه‌السلام لأحمد بن إسحاق وقد أتاه يسأله عن الخلف بعده ، فأراه ثمّ قال مبتدئا : مثله مثل الخضر ، ومثله مثل ذو القرنين ، إنّ الخضر شرب من ماء الحياة فهو حيّ لا يموت حتى ينفخ في الصور ، وأنّه ليحضر الموسم في كلّ سنة ويقف بعرفة فيؤمّن على دعاء المؤمنين ، وسيؤنس الله به وحشة قائمنا في غيبته ، ويصل به وحدته ، فله البقاء في الدنيا مع الغيبة عن الأبصار (٣).

حدّثني بعض أصحابنا ، قال : حدّثني بعض مشايخي : إنّ ظهور القائم في سنة أربعين وستمائة من فروردين ماه. وأمثال هذه العلامات لا تعدّ كثرة.

وقد ظهر من العلامات عدّة كثيرة مثل : خراب حائط مسجد الكوفة ، وقتل أهل مصر أميرهم ، وزوال ملك بني العباس على يد رجل خرج عليهم من حيث بدأ ملكهم ، وموت عبد الله آخر ملوك بني العبّاس ، وخراب الشامات ، ومدّ الجسر ممّا يلي الكرخ ببغداد ، كلّ ذلك في مدّة يسيرة ، وغير ذلك ممّا لم تذكره واختصرنا أخباره ، وأهملنا ذكر من شاهده عليه‌السلام وذكر وكلائه ورجاله وتوقيعاته لئلاّ يطول به الكتاب.

والحمد لله ربّ العالمين.

* * *

__________________

(١) الغيبة للطوسي : ص ٢٧٢.

(٢) الغيبة للطوسي : ص ٢٧٣ ـ ٢٧٤.

(٣) كمال الدين : ص ٣٩٠ ب ٣٨ ح ٤.

٧٥٩
٧٦٠