الدرّ النظيم في مناقب الأئمّة اللهاميم

الشيخ جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي

الدرّ النظيم في مناقب الأئمّة اللهاميم

المؤلف:

الشيخ جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-064-3
الصفحات: ٨٣٢

موسى بن بابويه في كتابه المعروف بمولد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

وفي الكتاب المذكور : روى سليمان الديلمي ، عن عبد الرحمن بن سالم ، عن أبيه : قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ الناس يزعمون أنّ أبا طالب في ضحضاح من نار يغلي دماغه. فقال : كذبوا والله ، لو أنّ إيمان أبي طالب وضع في كفّة ميزان وإيمان هذا الخلق في كفّة لرجح إيمان أبي طالب على إيمانهم.

وفي الكتاب المذكور : عن الأصبغ بن نباتة قال : سمعت أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : والله ما عبد أبي ولا جدّي عبد المطلب ولا هاشم ولا عبد مناف صنما قطّ. قيل : فما كانوا يعبدون؟ قال : كانوا يصلّون إلى البيت الحرام على دين إبراهيم عليه‌السلام متمسّكين به.

وعن سلمة ، عن محمّد ، عن الحسين بن موفّق ، عن أحمد بن الفضل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : مثل أبي طالب رضي‌الله‌عنه في هذه الامّة مثل أصحاب الكهف. أسرّوا الإيمان فأعطاهم الله اجورهم مرّتين.

ولم يتمكّن أبو طالب رضي‌الله‌عنه من نصر النبيّ عليه‌السلام والذبّ عنه إلاّ حيث تخيّل لقريش أنّه لم يخالف دينهم ولم يرغب عن ملّتهم ، ولو ظهر منه الإيمان لعجز عن القيام فيما قام فيه ، ولجرى له مثل ما جرى لغيره ممّن أسلم من الطرد والتشريد والمهاجرة وغير ذلك.

قال عبيد الله بن أبي رافع ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام قال : أخبرت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بموت أبي طالب فبكى ، ثمّ قال : اذهب فغسّله وكفّنه وواره ، غفر الله له ورحمه ، ففعلت ، ثمّ أمرني فاغتسلت ونزلت في قبره ، وجعل صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يستغفر له ، وبقي أيّاما لا يخرج من بيته.

وعن سلمة ، عن الحسين بن حسين بن موفّق ، عن حسين محمّد بن موسى بن جعفر يرفعه إلى أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لمّا مات أبو طالب رضي‌الله‌عنه وقف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على قبره فقال : جزاك الله من عمّ خيرا ، فقد ربّيتني يتيما ، ونصرتني كبيرا.

__________________

(١) لم يصل إلينا ذلك السفر الشريف.

٢٢١

وأمّا أمّ أمير المؤمنين عليه‌السلام فهي فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصيّ ، وهي ابنة عمّ أبي طالب ، وهي أوّل هاشميّة ولدت بهاشميّ ، وكان عليّا عليه‌السلام أصغر ولدها ، والعرب تقول أكرم قريش عجزتاها ، وهما عبد الله أبو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان أصغر بني امّه المخزومية وأمير المؤمنين عليه‌السلام أصغر بني امّه فاطمة بنت أسد الهاشميّة.

والفواطم : فاطمة بنت سعد أم قصيّ ، وفاطمة بنت عمرو جرول بن مالك أم أسد بن هاشم ، فاطمة بنت أسد بن هاشم أمّ عليّ وامّها فاطمة بنت رواحة ، وفاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

والعرب تقول لأكبر ولد الرجل بكرا ، ولأصغر ولده عجزة.

ويقول العرب : محضا قريش لا قذى فيهما ، فالأول ولد أبي طالب هم لأوّل هاشميّة ولدت لهاشمي ، والثاني الشفاء بنت هاشم الأكبر ابن عبد مناف بن قصيّ كانت عند هاشم بن المطّلب بن عبد مناف بن قصيّ فولدت له عبد يزيد ، والشفاء هذه أوّل منافية ولدت لمنافي ، وعبد يزيد المحض جدّ محمّد بن إدريس الشافعي الفقيه المكّي.

قال أبو الحسين النسابة : بلغ فاطمة بنت أسد رضي الله عنها عن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس إيعاد وتهديد لبني هاشم في أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت لأخيه شيبة :

تقدّم إليه وبيّن له

ألم تنه شيبة عنّا عتب

تطيع هصيصا (١) وأتباعها

وتشتمنا سادرا (٢) كاللعب

فانّكم والذي تزعمون

كاشفا ثمود وعاد ندب

يدبّ إلى ناقة للمليك

ليعقرها ويله ما حسب

__________________

(١) هصيص ، مصغّر : اسم رجل ، وقيل : أبو بطن من قريش وهو هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب ( لسان العرب ٧ / ١٠٤ ).

(٢) السادر : الذي لا يهتمّ لشيء ولا يبالي ما صنع ( لسان العرب ٤ / ٣٥٥ ).

٢٢٢

أيوعدنا هبلت امّه

لقد جنّ عتبة أو قد كذب

لنا البيت عالي على كلّ بيت

فهل مثله في جميع العرب

أتشتمنا خاليا لاهيا

فأولى فأولى فأعتب عتب

وأسلمت فاطمة بنت أسد رضي الله عنها وهاجرت وبايعت ، وماتت بالمدينة.

حدّث أحمد بن حمّاد ، عن نوح بن صلاح ، قال : حدّثنا سفيان الثوري ، عن عاصم الأحول ، عن أنس بن مالك ، قال : لمّا ماتت فاطمة بنت أسد دخل إليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجلس عند رأسها وقال : رحمك الله يا امّي كنت امّي بعد امّي ، تجوعين وتشبعيني ، وتعرين وتكسيني ، وتمنعين نفسك طيّب الطعام وتطعميني ، تريدين بذلك وجه الله والدار الآخرة. وغمّضها ، ثمّ أمر أن تغسّل بالماء ثلاثا ، فلمّا بلغ الماء الذي فيه الكافور سكبه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيده ، ثم خلع قميصه فألبسه إيّاها ، وكفّنت ، ودعا لها اسامة بن زيد مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبا أيّوب الأنصاري وعمر بن الخطّاب وغلاما أسود فحفروا قبرها ، فلمّا بلغوا اللّحد حفره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيده وأخرج ترابه ، ودخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبرها فاضطجع فيه ثم قال : الله الذي يحيي ويميت وهو حيّ لا يموت ، اللهمّ اغفر لامّي فاطمة بنت أسد بن هاشم ، ولقّنها حجّتها ، ووسّع عليها مدخلها بحقّ نبيّك والأنبياء من قبلي فإنّك أرحم الراحمين. فأدخلها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اللّحد والعبّاس وأبو بكر (١).

وقال جابر بن عبد الله الأنصاري رضي‌الله‌عنه : لمّا توفّيت فاطمة بنت أسد رضي الله عنها غمّضها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخلع قميصا له فقال : اجعلوه شعارها دون كفنها ، ثمّ صلّى عليها فرأيناه قد احمرّ وجهه ، فقلت : يا رسول الله نفديك بآبائنا وامّهاتنا رأيناك قد احمرّ وجهك. قال : نعم لازدحام الملائكة على جنازتها ، ولقد صلّيت بهم فما رأيت طرفهم ، ثمّ نزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قبرها وخلع ثيابه وتمرّغ فيه وقال : اللهمّ اجعله عليها روضة من رياض الجنّة. ثمّ وضعها في لحدها ولقّنها ،

__________________

(١) المناقب للخوارزمي : ص ٤٧.

٢٢٣

ثمّ قال : اليوم ماتت امّي ، اليوم مات أبي ، اليوم مات عمّي ، جزاك الله عنّي خيرا ، ثمّ دمعت عيناه ، وخرج من القبر وحثا عليها التراب.

ثمّ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأصحابه : تفرّقوا عنّي. ثمّ وقف على قبرها فقال : يا فاطمة هل آمنك الله ممّا خفت؟ فسمعناه يقول : الحمد لله. ثمّ قال : يا فاطمة هل أنجز لك ربّي ما ضمنت أن ينجزه لك؟ فسمعناه يقول : الحمد لله. ثمّ قال : يا فاطمة هل كفيت ما ضمنت لك أن يكفيك إيّاه؟ فسمعناه يقول : الحمد لله.

فقلنا : يا رسول الله سمعناك تقول كيت وكيت.

فقال : نعم كنت عندها فحدّثتها بما أعطاني الله عزّ وجلّ في الجنّة ، فقالت : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني معك في دارك ، فضمنت لها ذلك على الله عزّ وجلّ ، فقلت لها : هل أنجز الله لك ما ضمنت لك عنه؟ فقالت : نعم ، فقلت : الحمد لله. وكنت قد قلت لها يوما وحدّثتها حديث منكر ونكير فقالت : يا رسول الله ادع الله أن يثبّتني بالقول الثابت وأن يكفينيهما ، فقلت لها : هل آمنت ممّا خفت؟ فقالت : نعم ، فقلت : الحمد لله. وكنت قد قلت لها يوما وحدّثتها بضغطة القبر وهول المطلع ، فقالت : يا رسول الله ادع الله أن يكفيني هول المطلع ويقوّيني على ضغطة القبر ، فقلت لها : هل أنجز الله لك ما سألت؟ قالت : نعم ، فقلت : الحمد لله (١).

وروي أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقف على شفير قبرها فقال : يا فاطمة قولي ابني ابني ، فقيل له في ذلك ، فقال : يأتي القبر ملكان فأوّل ما يسألان عن شهادة أن لا إله إلاّ الله وهي شهادة الحقّ التي قامت بها السماوات والأرض ، ثمّ عن الإقرار بالشهادة لي التي لا تفتح لشيء أبواب السماء إلاّ بها ، ثمّ عن ولاية هذا ـ وأشار إلى عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ـ ثمّ قال إنّ الملكين سألاها عن الشهادة فأدّتها ، وعن الإقرار بي فأدّته ، وارتجّ عليها حين قيل لها فمن وليّك ، فقلت : قولي ابني ابني علي بن أبي طالب ، قال : ففتح لها باب من أبواب الجنّة ، ومهّد لها مهاد من مهاد الجنّة ، وبعث إليها بريحان من رياحين الجنّة ، وهي في روح وريحان وجنّة نعيم ، وقبرها روضة

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٣٥ ص ١٧٩ مختصرا.

٢٢٤

من رياض الجنّة ، ثمّ ما خرجت من قبرها حتى رأيت مصباحين من نور عند يديها ومصباحين من نور عند رجليها ؛ وملكاها الموكّلان بها يستغفران لها إلى يوم القيامة.

فصل

في مولد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام

قال محمّد بن سعيد الدارمي : حدّثني موسى بن جعفر ، عن أبيه ، عن محمّد ابن عليّ ، عن أبيه ، عن عليّ بن الحسين عليه‌السلام : قال : كنت جالسا مع أبي ونحن زائرون قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهناك نسوة كثيرة إذ أقبلت امرأة منهنّ ، فقلت لها : من أنت يرحمك الله؟

فقالت : زندة بنت قريبة بن العجلان من بني ساعد.

فقلت لها : هل عندك شيء تحدّثينا؟

فقالت : اي والله ، حدّثتني امّي أمّ عمّارة بنت عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان الساعديّ أنّها كانت ذات يوم في نساء من العرب إذ أقبل أبو طالب كئيبا حزينا ، فقلت له : ما شأنك يا أبا طالب؟

فقال : إنّ فاطمة بنت أسد في شدّة المخاض. ثمّ وضع يده على وجهه. فبينا هو كذلك إذ أقبل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له : ما شأنك يا عمّ؟

فقال : إنّ فاطمة بنت أسد تشتكي المخاض. فأخذ بيده وقام وقمن معه ، فجاء بها إلى الكعبة فأجلسها فيها ، ثمّ قال لها : اجلسي على اسم الله تعالى.

قالت : فطلقت طلقة فولدت غلاما مسرورا نظيفا منظفا لم أر كحسن وجهه ، فسمّاه أبو طالب عليّا ، وحمله النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى أدّاه إلى منزلها (١).

وقيل : كان أبو طالب كثيرا ما يهجع في الحجر ، وكان لا يرقد حتى يطوف

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٣٥ ص ٣٠ باب ١ ح ٢٦.

٢٢٥

بالبيت ، وأنّه رقد ذات يوم فرأى في منامه كأنّ بابا انفتح عليه من السماء فنزل منه نور فشمله ، فانتبه لذلك مسرورا ومنه ذعرا. ثمّ نهض إلى منزله ، فركب فرسه وخرج في عدّة من مواليه حتّى أتى راهب الجحفة ، فقصّ عليه رؤياه ، فتأوّلها الراهب له فقال : أمّا السماء التي رأيتها فهي زوجة تملكها من كرائم النساء ، وأمّا النور الذي شملك فهو ولد يفتح الله الأرض على يديه ويكون وصيّ نبيّه وناموس زمانه ، ووصف له صفة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وأنعته وعلامة ولادته فسرّ بذلك أبو طالب وأمر له ببكرة وحلّة يمانية ومائة درهم ، وقفل راجعا إلى مكّة.

فلمّا كان من الغد أقبل في رهطه وولد أبيه إلى الكعبة وطاف حولها ، ثمّ عاد إلى الحجر فرقد فيه ، فرأى في منامه كأنّه البس اكليلا من ياقوت وسربالا من عبقر (١) وكأنّ قائلا يقول : أبا طالب قرّت عيناك وظفرت يداك وحسنت رؤياك ، فأنالك بالولد ومالك التلد وعظيم البلد على رغم الحسد. فانتبه فرحا وبرؤياه معجبا ، وخرج من الحجر فطاف حول الكعبة.

ثمّ عاد إلى الحجر فرقد فيه فرأى في منامه كأنّ رجالا غرّ الوجوه كالبروق ينادونه : عبد مناف ما يثنيك عن ابنة عمّك أسد بن هاشم ، فعمّا قليل تحوي منها شرفا طيبا وذكرا عاليا ، أكرم به كنزا ، ولك عزّا يبلغ المشارق والمغارب ، ويقمع الجبت والطاغوت. فاستوى جالسا ، وخرج من الحجر ماضيا لا يعرج على شيء حتى أتى أهله فخبّرهم بما رأى.

ثمّ أقبل وأخواه حمزة والزبير إلى منزل أسد ، فلم يبرحوا حتى عقدوا النكاح وأجمعوا على شهر يجتمعون فيه ، ثمّ دلف القوم إلى منازلهم ، وأقبل أبو طالب إلى الكعبة فطاف حولها ، ثمّ دلف إلى منزله وبعث إلى القوم بكلّ ما عقدوا من المهر وغيره ، وأعدّ في منزله الذبائح والطعام ، فلمّا بلغ الوقت أقبل رهطه وولد أبيه إلى الكعبة وقريش مجتمعة وجماجم العرب مختلفة فسلّم وجلس.

__________________

(١) قال ابن سيدة : عبقر قرية باليمن توشّى فيها الثياب والسبط ، فثيابها أجود الثياب ، فصارت مثلا لكلّ منسوب إلى شيء رفيع. ( لسان العرب : ج ٤ ص ٥٣٥ مادة « عبقر » ).

٢٢٦

فلمّا استقرّ بهم المجلس ابتدأ أبو طالب خطيبا وقال : الحمد لله ربّ البيت العظيم ، والمقام الكريم ، والمشعر والحطيم ، الذي اصطفانا أعلاما ، وسدنة ، وعربا خلّصا ، وحجبة ، وبهاليل أطهارا من الخناء والريب ، والأذى والعيب ، وأقام لنا المشاعر ، وفضّلنا على العشائر ، نجيّة آل إبراهيم ، وصفوة زرع اسماعيل.

ثمّ قال : معاشر قريش إنّني ممّن طاب محتده (١) ، وطهر مقعده ، وعرف مولده ، وعزّت جرثومته ، وطابت ارومته ، ذؤابة الذوائب ، وسيّد الأعارب ، وقد تزوّجت فاطمة بنت أسد ، وسقت إليها المهر ، وثبت الأمر ، فيلوه (٢) واشهدوا.

فقال أسد بن هاشم بن عبد مناف : أنت أبا طالب بحيث المنصب الذي ذكرت ، والفضل الذي وصفت ، وقد زوّجناك ورضيناك.

ثمّ زفّت إليه ، فما مضت أيّام حتى اشتملت منه على حمل ، فجعل أبو طالب يتأمّل الصفة ويطلب العلامة فلم يجدها ، فوضعت بغلام فسمّاه طالبا.

ثمّ بقي على ذلك عشر سنين فاشتملت منه على حمل فتأمّل أبو طالب العلامة فلم يجدها ، وتأمّل الصفة فلم يرها ، فوضعت غلاما سمّاه عقيلا.

ثمّ مضى على ذلك عشر سنين ، فاشتملت منه على حمل ، فتأمّل أبو طالب العلامة فلم يجدها ، فوضعت غلاما سمّاه جعفرا.

ثمّ مضى على ذلك عشر سنين ، فاشتملت على حمل ، فتأمّل أبو طالب العلامة فوجدها ، والصفة فرآها ، فوضعت عليّا عليه‌السلام. وكان بين مولد طالب بن أبي طالب ومولد أمير المؤمنين عليه‌السلام ثلاثون سنة.

وكانت فاطمة بنت أسد عليها‌السلام لمّا تبيّن حملها بأمير المؤمنين تزداد حسنا وجمالا وبهاء ، وكانت الهاشميّات يتعجّبن من حسنها وما تلبسها من البهاء والجمال ، إلى أن شغفن بها وعظم الثناء بحسنها ، وأنّها خرجت ذات يوم في نساء أهلها وولائد عبد المطّلب حتى وافت الحجر ، وبسط لها تكاء ، وأحدق النساء بها ، فتجلّلها بهاء راق العيون ، ووجّت منه القلوب ، وقالت النساء : هنيئا لك ما حييت ،

__________________

(١) كريم الأصل ، المنجد : مادة حتد.

(٢) كذا ، وفي المناقب : فاسألوه.

٢٢٧

لقد كرّمك الله وفضّلك علينا ، فما ينقضي يوم إلاّ وأنت تزدادين فيه بهاء وجمالا. ثمّ خرجن من الحجر وهي في وسطهنّ تزف ، وانصرفن عنها وهنّ يتحدّثن بحديثها.

فلمّا استكملت شهورها وقربت ولادتها ، خفقت فرأت كأنّ قنديلا نزل من السماء فوقع قبالها ، ثمّ قال : يا فاطمة لقد طبت وطاب ولدك ، وعظم رشدك. ثمّ استيقظت فخبّرت أبا طالب بذلك فسرّ بما نبأته به ، وقال : يا فاطمة جاءك والله الناموس الأكبر ، واخدود الجوهر.

فلمّا كان من الغد وضعته صلّى الله عليه طاهرا نظيفا رافعا طرفه إلى السماء يومي بسبّابته ويقول : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنّ محمّدا عبده ورسوله ونبيّه المبعوث بالحقّ. فتعجّبت النساء منه وقلن ما رأينا مثل هذا المولود ولا سمعنا بمثله ، إلاّ ما كان قبله من ابن عمّه ، يعنين محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وخبّرت بذلك أبا طالب فقال : صدق راهب الجحفة ولقيله ما صدق عبد المطّلب حيث قال : منّا نظير موسى وهارون ، بل اللذان منّا أكرم منهما.

وأقبل الزبير بن عبد المطّلب يوما إلى الكعبة فقال : يا معشر قريش علن الخفاء ، وباح السرار رأيت الليلة في المنام أخي عبد مناف قائما على الصفا قد البس اكليلا ، وإذا ولدا له كالشهاب المتوقّد وصارخ من الطريق يقول : إنّ الله جلّ وعزّ أطلع برأفته إلى العرب فاصطفى منها محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الرسل والأنبياء رسولا نبيّا ، واختار له من أهله حبيبا وصفيّا ووصيّا ، فبينا أنا لذلك جذل إذ رأيت محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والملك الذي يعرف بجبرائيل يعانقه على رفرف أخضر يختطف نورهما البصر تحفّهما جيش لهما وولد أبي طالب يؤمّ ذلك الجيش ويقدمه ، فاخترعت في النوم فانتبهت وأنا حافظها.

ثمّ قال :

رأيت في النوم أخا جميلا

عبد مناف لابسا اكليلا

فوق الصفا يكثّر التهليلا

وابنا له مهذّبا بهلولا

يقود جيشا هيضما نبيلا

امام من أكرم به وسيلا

٢٢٨

محمّدا منبعثا رسولا

ورفرفا تحتهما قنديلا

فلم أقل كذبا ولا تضليلا

انّ الرسول عانق الرسولا

محمّد معانق جبريلا

وابن أبي طالب نال السولا

فقالت قريش : يا بني عبد المطّلب إنّا من أساطيركم في أمر مختلف ، واحد يدّعي النبوّة ، وآخر يتكهّن ، وآخر يتصدّى للرئاسة ، وهيهات هيهات ، كثرت أفانينكم ، وتطاولت أمانيكم ، وعمّا قليل كلّ يعلم مستقرّه.

فقال الزبير : أي والله ذلك على رغم الحسد ، ورغم المعطس ، وعند هبوط روح القدس ، تذوقون الوبال وتلبسون الجلباب ، فتعاينوا الزلازل ، ألا انّا النجباء المصطفون من الأفانين ، معادن النور وحكّام الامور.

فكان قول الزبير ممّا ارتجت [ له ] القلوب وضيّق الصدور وهيّج الكروب إلى أن أظهر الله جلّ جلاله أمر نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فاختار الله جلّ وعزّ له عليّا وليّا وحبيبا ووزيرا ، فأنار الله بهما الحقّ وأخمد بهما الباطل.

وحدّث جابر بن عبد الله رضي‌الله‌عنه : سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ميلاد علي عليه‌السلام ، فقال : آه آه لقد سألتني عن خير مولود ولد بعدي على سنّة المسيح عليه‌السلام ، إنّ الله عزّ وجلّ خلقني وعليّا من نور واحد قبل أن يخلق الخلق بخمسمائة ألف عام ، وكنّا نسبّح الله ونقدّسه ونمجّده ، فلمّا خلق الله تبارك وتعالى آدم عليه‌السلام قذف بنا في صلبه ، فاستقررت أنا في جنبه الأيمن وعليّ في الأيسر ، ثم نقلنا من صلبه في الأصلاب الطاهرة والأرحام الطيّبة ، فلم نزل كذلك حتى أطلعني الله تبارك وتعالى من ظهر طاهر وهو عبد الله بن عبد المطّلب ، فاستودعني خير رحم وهي آمنة ثم أطلع الله جلّت عظمته عليّا من ظهر طاهر وهو أبو طالب ، واستودعه خير رحم وهي فاطمة بنت أسد.

ثم قال : يا جابر ومن قبل أن وقع علي في بطن امّه كان في زمانه رجل راهب عابد يقال له المثرم بن دعيب بن الشيقبان ، وكان مذكورا في العبّاد قد عبد الله جلّ وعزّ مائة وسبعين سنة ، ولم يسأله حاجة ، فسأل ربّه جلّ وعزّ أن يريه وليّا له ،

٢٢٩

فبعث الله بأبي طالب إليه ، فلمّا أن بصر به المثرم قام إليه فقبّل رأسه وأجلسه بين يديه ، فقال له : من أنت يرحمك الله؟ فقال : رجل من تهامة. قال : من أيّ تهامة؟

قال : من مكّة. قال : ممّن؟ قال : من عبد مناف. قال : من أيّ عبد مناف؟ قال : من بني هاشم. فوثب إليه العابد فقبّل رأسه ثانية وقال : الحمد لله الذي أعطاني مسألتي ولم يمتني حتى أراني وليّه.

ثمّ قال : ابشر يا هذا فإنّ العليّ الأعلى قد ألهمني إلهاما فيه بشارتك. قال أبو طالب : وما هو؟ قال : ولد يخرج من صلبك هو وليّ الله تعالى ذكره ، وهو إمام المتّقين ووصيّ رسول ربّ العالمين ، فإن أنت أدركت ذلك الولد فاقرئه منّي السلام وقل له : إنّ المثرم يقرؤك السلام وهو يشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأنّ محمّدا عبده ورسوله وأنّك وصيّه حقّا ، بمحمّد تتمّ النبوّة ، وبك تتمّ الوصيّة.

قال : فبكى أبو طالب وقال : ما اسم هذا المولود؟ قال : اسمه علي.

قال أبو طالب : إنّي لا أعلم حقيقة ما تقول إلاّ ببرهان بيّن ودلالة واضحة. قال المثرم : فما تريد أن اسأل الله تعالى لك ليعطيك في مكانك ما يكون دلالة لك؟

قال أبو طالب : اريد طعاما من الجنّة في وقتي هذا.

فدعا الراهب بذلك ، فما استتمّ دعاءه حتى اتي بطبق عليه من فاكهة الجنّة رطب وعنب ورمّان ، فتناول أبو طالب منه رمّانة ونهض فرحا من ساعته حتى رجع الى منزله ، فواقع فاطمة بنت أسد ، فحملت بعلي ، فارتجت الأرض وزلزلت بهم أيّاما حتى لقيت قريش من ذلك شدّة ففزعوا وقالوا : قوموا بآلهتكم التي في ذروة جبل أبي قبيس حتى تسألوهم أن يسكنوا ما نزل بكم وحلّ بساحتكم.

فلمّا اجتمعوا على ذروة جبل أبي قبيس جعل يرتجّ ارتجاجا حتى تدكدكت منه صمّ الصخور وتناثرت وتساقطت الآلهة على وجوههم ، فلمّا بصروا بذلك قالوا : لا طاقة لنا بما حلّ بنا. فصعد أبو طالب الجبل وهو غير مكترث بما هم فيه ، فقال : أيّها الناس إنّ الله تبارك وتعالى أحدث في هذه الليلة حادثة وخلق فيها خلقا إن لم تطيعوه وتقرّوا بولايته وتشهدوا بإمامته لم يسكن ما بكم فلا تكن لكم

٢٣٠

تهامة مسكنا. وقالوا : يا أبا طالب إنّا نقول بمقالتك.

فبكى أبو طالب ثمّ رفع يده الى الله (١) جلّ جلاله وقال : إلهي وسيّدي أسألك بالمحمّديّة المحمودة وبالعلويّة العالية وبالفاطمية البيضاء إلاّ تفضّلت على تهامة بالرأفة والرحمة. فو الذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لقد كانت العرب تكتب هذه الكلمات فتدعوا بها عند شدائدها في الجاهلية ، وهي لا تعلمها ولا تعرف حقيقتها.

فلمّا كانت الليلة التي ولد فيها أمير المؤمنين عليه‌السلام أشرقت السماء بضيائها ، وتضاعف نور نجومها ، وأبصرت قريش من ذلك عجبا عجيبا ، فماج بعضها في بعض وقالوا : قد حدث في السماء حادث. فخرج أبو طالب وهو يتخلّل بسكك مكّة وأسواقها ويقول : يا أيّها الناس تمّت حجّة الله. فأقبل الناس يسألونه عن علّة ما يرون من إشراق السماء وتضاعف نور النجوم.

فقال لهم : ابشروا فقد ظهر في هذه الليلة وليّ من أولياء الله تعالى ، يكمل الله فيه جميع الخير ، ويختم به الوصيّين ، وهو إمام المتّقين ، وأمير المؤمنين ، وناصر الدين ، وقامع المشركين ، وغيظ المنافقين ، وزين العابدين ، ووصيّ رسول ربّ العالمين ، إمام هدى ، ونجم على ، ومصباح دجى ، يتجلبب بالجود ، ويهجر الكفر ، ويجتنب الشرك والشبهات ، فهو نفس اليقين ، ورأس الدين. فلم يزل يكرّر هذه الكلمات والألفاظ الى أن أصبح. فلمّا أصبح غاب عن قومه أربعين صباحا.

قال جابر : فقلت : يا رسول الله الى أين غاب؟

قال : إنّه مضى يطلب المثرم ليبشّره بمولد أمير المؤمنين ، وكان المثرم قد مات في جبل لكام ، فاكتم يا جابر ما تسمع فانّه من سرائر الله المكنونة وعلومه المخزونة. إنّ المثرم كان وصف لأبي طالب كهفا في جبل لكام وقال له : إنّك تجدني هناك حيّا أو ميّتا. فلمّا مضى أبو طالب الى ذلك الكهف ودخل إليه وجد المثرم ميّتا ، جسدا ملفوفا في مدرعته ، مسجّى بها الى قبلته ، وإذا هناك حيّتان

__________________

(١) السماء ، خ ل.

٢٣١

إحداهما بيضاء والاخرى سوداء ، وهما يدفعان عنه الأذى ، فلمّا بصرتا بأبي طالب غربتا في الكهف.

ودخل أبو طالب إليه وقال : السلام عليك يا وليّ الله ورحمة الله وبركاته.

فأحيا الله جلّت عظمته بقدرته المثرم. فقام قائما يمسح وجهه ويقول : أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأنّ محمّدا رسول الله وأنّ عليّا وليّ الله والإمام بعد نبيّ الله.

فقال أبو طالب : ابشر فإنّ عليّا قد طلع الى الأرض.

قال له المثرم : فما كان علامة الليلة التي طلع فيها؟

قال أبو طالب : لمّا مضى من الليل الثلث أخذ فاطمة ما يأخذ النساء عند الولادة ، فقلت لها : ما لك يا سيّدة النساء؟ قالت : إنّي أجد وهجا ، فقرأت عليه الاسم الذي فيه النجاة ، فسكنت. فقلت لها : إنّي أنهض فآتيك بنسوة من صواحباتك يعنّك على أمرك في هذه الليلة. فقالت : رأيك يا أبا طالب.

فلمّا قمت لذلك فإذا أنا بهاتف قد هتف بي من زاوية البيت وهو يقول : أمسك أبا طالب فانّ وليّ الله لا تمسّه يد نجسة ، فإذا أنا بأربع نسوة قد دخلن عليها ، عليهنّ ثياب بيض كهيئة الحرير الأبيض ، وإذا رائحتهنّ أطيب من المسك الأذفر ، فقلن لها : السلام عليك يا وليّة الله ، فأجابتهنّ ، ثمّ جلسن بين يديها ومعهن جونة من فضة ، فآنسنها حتى ولد علي. فلمّا ولد انتهيت إليه فإذا هو كالشمس الطالعة قد سجد على الأرض وهو يقول : أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمّدا رسول الله وأشهد أنّي علي وصيّ محمّد رسول الله ، بمحمّد يختم الله النبوّة وبي تتمّ الوصيّة ، وأنا أمير المؤمنين. فتقدّمت إليه امرأة من تلك النسوة فأخذته من الأرض فوضعته في حجرها ، فلمّا نظر عليّ في وجهها ناداها بلسان طلق ذلق : السلام عليك يا امّاه.

فقالت : وعليك السلام يا بنيّ.

فقال لها : ما خبر والدي؟

٢٣٢

فقالت : في نعم الله يتقلّب ، وفي جنّته يتنعّم. فلمّا سمعت ذلك لم أتمالك أن قلت : يا بنيّ ألست بأبيك؟

قال : بلى ولكنّي وإيّاك من صلب آدم عليه‌السلام ، هذه امّي حوّاء : فلمّا سمعت ذلك غطّيت رأسي بردائي وألقيت نفسي في زاوية البيت حياء منها. ثمّ دنت اخرى ومعها الجونة فأخذت عليّا ، فلمّا نظر في وجهها قال : السلام عليك يا اختي.

قالت : وعليك السلام يا اخي.

ثمّ قال لها : ما خبر عمّي؟

قالت : خير ، وهو يقرأ عليك السلام.

فقلت : يا بنيّ أي اخت هذه؟ وأيّ عمّ هذا؟

قال : هذه مريم بنت عمران ، وعمّي عيسى بن مريم ، فضمّخته بطيب كان في الجونة. فأخذته اخرى منهنّ فأدرجته في ثوب كان معها.

قال أبو طالب : فقلت : لو طهّرناه كان أخفّ عليه ، وذلك أنّ العرب كانت تطهّر أولادها.

فقلن : يا أبا طالب فإنّه ولد طاهر مطهّر لا يذيقه الله حرّ الحديد في الدنيا إلاّ على يد رجل يبغضه الله ورسوله وملائكته والسماوات والأرض والجبال والبحار وتشتاق إليه النار.

فقلت : من هذا الرجل؟

فقلن : هو ابن ملجم المرادي لعنه الله ، وهو قاتله بالكوفة سنة ثلاثين من وفاة محمّد.

قال أبو طالب : ثمّ غابت النسوة فلم أرهنّ ، فقلت في نفسي : لو عرفت المرأتين الأخريين ، فألهم الله عليّا فقال : يا أبي أمّا المرأة الاولى فكانت حوّاء امّي ، وأمّا التي احتضنتني فهي مريم بنت عمران التي أحصنت فرجها ، وأمّا التي أدرجتني في الثوب فهي آسية ، وأمّا صاحبة الجونة فهي أمّ موسى بن عمران ، فالحق بالمثرم الآن وبشّره وخبّره بما رأيت ، فإنّه في كهف كذا في موضع كذا حتى

٢٣٣

أنّه وصف الحيّتين فأتيتك وبشّرتك بما عاينت وشاهدت من ابني عليّ.

قال : فبكى المثرم ثمّ سجد شكرا لله تعالى ، ثم تمطّا فقال : غطّني بمدرعتي ، فغطّيته ، فإذا أنا به ميّت كما كان ، فأقمت عنده ثلاثا اكلّم فلا اجاب ، فاستوحشت لذلك ، وخرجت الحيّتان فقالتا لي : السلام عليك يا أبا طالب ، فأجبتهما ، ثمّ قالتا لي : الحق بوليّ الله فأنت أحقّ بصيانته وحفظه من غيرك. فقلت لهما : من أنتما؟ قالتا : نحن عمله الصالح خلقنا الله من ميراث عمله ، فنحن نذبّ عنه الأذى الى أن تقوم الساعة ، فإذا قامت الساعة كان أحدنا قائده والآخر سائقه ودليله الى الجنّة ، ثمّ انصرف أبو طالب الى مكّة.

قال جابر : فقلت : يا رسول الله ، الله اكبر ، إنّ الناس يقولون إنّ أبا طالب مات كافرا.

قال : يا جابر ربّك أعلم بالغيب ، انّه لمّا كانت الليلة التي اسري بي فيها الى السماء انتهيت الى العرش فرأيت أربعة أنوار فقلت : ما هذه الأنوار؟

فقيل : هذا عبد المطّلب ، وهذا عمّك أبو طالب ، وهذا أبوك عبد الله ، وهذا أخوك طالب.

فقلت : إلهي وسيّدي فبما نالوا هذه الدرجة؟

قال : بكتمانهم الإيمان وإظهارهم الكفر وصبرهم على ذلك حتى ماتوا (١).

حدّث محمّد بن علي العبّاسي ، قال : حدّثنا علي بن علي البصري نزيل شيراز ، قال : حدّثنا محمّد بن أحمد بن داود ، قال : حدّثنا الحسين بن أحمد بن علي الرياحي ، عن الحسين بن زيد ، عن أبيه يزيد بن قعيب الرياحي ، قال : كنت أنا والعبّاس بن عبد المطّلب يوما جلوسا بإزاء بيت الله الحرام إذ أتت فاطمة بنت أسد أمّ أمير المؤمنين عليه‌السلام وكانت حاملة بعليّ لتسعة أشهر إلاّ يوما ، فأصابها الطلق وكان يوم التمام ، فوقعت (٢) بإزاء بيت الله الحرام ، ثمّ رمت بطرفها نحو السماء ثمّ قالت : ربيّ إنّي مؤمنة بك وبما جاء من عندك الى رسول أو نبيّ وبكلّ كتاب أنزلته ،

__________________

(١) روضة الواعظين : ج ١ ص ٧٦ ـ ٨١.

(٢) كذا ، وفي البحار : وقفت.

٢٣٤

وإنّي مصدّقة بكلمات جدّي إبراهيم الخليل ، وانّه بنى بيتك العتيق ، فبحقّ هذا البيت ومن بناه إلاّ يسّرت ولادتي ، وبحقّ هذا المولود الذي في أحشائي.

قال العبّاس ويزيد بن قعيب : فانفتح البيت وغابت عن أبصارنا ، فاجتهدنا أن تصل إليها واحدة من النساء فما قدرنا عليه ، فبقيت في هذا البيت ثلاثة أيّام ثمّ أخذت عليّا عليه‌السلام على يديها ، ثمّ قالت : معاشر الناس إنّ الله عزّ وجلّ اختارني من نساء خلقه وفضّلني على جميع المختارات اللواتي مضين من قبلي ، اختار الله تعالى آسية بنت مزاحم وأنّها عبدت الله تعالى في موضع لم يحبّ أن يعبد إلاّ اضطرارا ، واختار الله عزّ وجلّ مريم بنت عمران في ولادة عيسى عليهما‌السلام فهزّت إليها بالجذع اليابس من النخلة في فلاة حتى تساقط رطبا جنيّا ، وأنّ الله عزّ وجلّ اختارني وفضّلني بابني ، ولدت في بيته العتيق ، وبقيت فيه ثلاثة أيّام آكل من ثمار الجنّة ، فلمّا خرجت ومعي ولدي هتف بي هاتف : يا فاطمة سميه عليّا فهو عليّ وأنّا العليّ الأعلى ، خلقته من قدرتي وقسط عدلي وعزّة جلالي ، وشققت اسمه من اسمي ، وأدّبته بأدبي ، وفوّضت إليه أمر ديني ، ووقفته على غامض علمي ، وولد في بيتي ، وهو أوّل من يؤذّن فوق بيتي ، ويكسر الأصنام ويرميها على وجوهها ، ويعظّمني ويمجّدني ويهلّلني ويقدّسني ، وهو الإمام بعد حبيبي ونبيّي وخيرتي من خلقي محمّد رسولي ، وهو وصيّه ، فطوبى لمن أطاعه ، والويل لمن عصاه (١).

قال أبو وهب البختري القرشيّ : سألت أبا عبد الله جعفر بن محمّد الصادق عليهما‌السلام عما قمطه به. فقال : إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعمد الى الجلود الطائفيّة فيبشرها (٢) ويقمّط بها عليّا عليه‌السلام ، وهي مبطّنة بالحيش الأبيض مخروزة بخيوط الكتان ، فكان يتمطّى في القمط فيقطعها ، حتّى أنّه قطع في نفاسه ثلاثة وسبعين قماطا (٣).

* * *

__________________

(١) معاني الأخبار : ص ٦٢ ح ١٠ ، بحار الأنوار : ج ٣٥ ص ٨ باب ١ ح ١١ ، روضة الواعظين :

ص ٧٦ ـ ٧٧.

(٢) كذا ، والصواب : فينترها.

(٣) روى نظيره في بحار الأنوار : ج ٣٥ ص ٣٨ باب ١ قطعة من ح ٣٧ وج ٤١ ص ٢٧٤ باب ١١٣ ح ١.

٢٣٥

فصل

في صفة أمير المؤمنين عليه‌السلام ووصف أخلاقه الرضيّة

قال حكيم بن جبير ، قال : قيل لحبّة بن جوين العرني رضي‌الله‌عنه : ألا تصف لنا أخلاق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام؟

قال لهم : نعم ، كان والله بشره في وجهه ، وحزنه في قلبه ، أوسع شيء صدرا ، وأذلّ شيء نفسا ، لا حقود ولا حسود ، ولا وثّاب ولا سبّاب ، ولا عيّاب ولا مغتاب ، يكره الوقيعة ، طويل الغم ، بعيد الهمّ ، وقورا ، ذكورا صبورا ، شكورا ، مغمورا ، مسرورا بفقره ، سهل الخليقة ، ليّن العريكة ، رصين الوقار (١) ، قليل الأذى ، لا متأفّك ولا متهتّك ، إن ضحك لم يخرق ، وإن غضب لم ينزق ، كان ضحكه تبسّما ، واستفهامه تعلّما ، ومراجعته تفهّما ، كثيرا علمه ، عظيما حلمه ، كثيرة رحمته ، لا يبخل ، ولا يضجر ، ولا يسخر ، ولا يحيف في حكمه ، ولا يحول في علمه ، نفسه أصلب من الصلد ، ومكادحته أحلى من الشهد ، لا جشع ولا هلع ، ولا عنف ولا صلف ، ولا متعمّق ولا متكلّف ، وصولا في غير عنف ، وبذولا في غير سرف ، جميل المنازعة ، كريم المراجعة ، عدلا إن غضب ، رفيقا إن طلب ، خليص الودّ ، وثيق العهد ، وفيّ الوعد ، شفيقا ، وصولا ، حليما ، حمولا ، قليل الفضول ، راضيا عن الله عزّ وجلّ ، مخالفا لهواه ، لا يغلظ على من يؤدّبه ، ولا يخوض فيما لا يعنيه ، كثير الفضل ، صدوق اللسان ، عفيف الطعمة ، خفيف المئونة ، قليلا شرّه ، كثيرا خيره ، إن سئل أعطى ، وإن ظلم عفا ، إن قطع وصل ، مستهترا بعلمه ، مستأنسا بربّه ، يأنس الى البلاء كما يستوحش منه أهل الدنيا ، أمّارا بالحقّ ، لهجا بالصدق ، مسارعا في أمر الله ، قد عرف قدر نفسه فثنى كبرها ، ومقت فخرها ، وألزمها كلّ ذلّة ، وبذلها لكلّ مهينة ، ناصر الله عزّ وجلّ ، محاميا عن المؤمنين ، كهفا للمسلمين ، لا يخرق النبأ (٢) سمعه ، ولا ينكأ الطمع قلبه ، ولا يصرف الغيب حكمه ، قوّالا ، عمّالا ، عالما ، حازما ،

__________________

(١) كذا ، والصواب : الوفاء.

(٢) في الكافي : الثناء.

٢٣٦

ليس بفحّاش ولا طيّاش ، ولا يقتفي أثر شرار الناس ، رفيقا بالحقّ ، مسارعا في عون الضعيف ، غوثا للهيف ، لا يهتك سترا ، ولا يكشف سرّا ، كثير الهدى ، قليل الشكوى ، إن رأى خيرا ذكره ، وإن رأى شرّا ستره ، يحفظ الغيب ، ويقيل العثرة ، ويقبل المعذرة ، ويغتفر الزلّة ، لا يطّلع على نصح فيذره ، ولا يرى من عليه حيف إلاّ أعانه ، رضيّا ، تقيّا ، نقيّا ، رعيّا ، يقبل العذر ، ويجمل الذكر ، ويحسن بالناس ظنّه ، ويتّهم على الغيب نفسه ، يحبّ في الله بفهم وعلم ، ويقطع في الله عزّ وجلّ بحزم وعذر ، خلطته فرحة ، ورويّته حجّة ، صفّاه العلم من كلّ كدر كما تصفّي النار خبث الحديد ، مذاكرا للعالم ، معلّما للجاهل ، كلّ سعي عنده أحمد من سعيه ، وكلّ نفس عنده أخلص من نفسه ، عالما بالغيب ، متشاغلا بالغمّ ، لا يفيق لغير ربّه ، فريدا ، وحيدا ، يحبّ الله ويجاهد في مرضاته ، ولا ينتقم لنفسه ، ولا يوالي أحدا في مسخطة ، مجالسا لأهل الفقر ، مؤازرا لأهل الحقّ ، عونا للغريب ، أبا لليتيم ، بعلا للأرملة ، حفيّا بأهل المسكنة ، مأمولا لكلّ كربة ، مرجوّا لكلّ شدّة ، هشّاشا بشاشا ، ليس بعبّاس ، ولا جسّاس ، دقيق النظر ، عظيم الحظر ، لا يبخل ، وإن بخل أعانه الله على أمره ، واستشعر الخوف ، وغلبه الحزن ، وأضمر اليقين ، وتجنّب الشكّ والشبهات ، وتوهّم الزوال ، مصابيح الهدى في قلبه ، يقرّب البعيد ، ويهون عليه الشديد ، نظر فأبصر ، وبكى فاستكثر ، حتى إذا روى من عذب فرات وقد سهلت موارده فشرب نهلا ، وسلك سبيلا سهلا ، لم ير مظلمة إلاّ أبصر خلالها ، ولا مبهمة إلاّ عرف مداها ، قد خلع سرابيل الشهوات من قلبه ، وردّ كلّ فرع الى أصله ، فالأرض التي هو فيها مشرقة بضيائه ، ساكنة الى قضائه ، سراجا ، مصباح ظلمات ، دليل فلوات ، لم يجد الى الخير مسلكا إلاّ سلكه ، فالعلم ثمرة قلبه ، يضع رجله حيث تقلّه ، والناس عن سراطهم ناكبون ، وفي حيرتهم يعمهون ، وهذه والله كانت أخلاق أمير المؤمنين عليه‌السلام.

قال مجاهد ، عن ضرار بن الخطّاب ، قال : قال لي معاوية : صف عليّا. فقال ضرار : كان والله سيّدي أمير المؤمنين بعيد المدى ، قليل الهوى ، يقول فصلا ،

٢٣٧

ويحكم عدلا يتفجّر العلم من جوانبه ، وتنطق الحكمة من فيه ، يستوحش من الدنيا وزهراتها ، ويستأنس بحنادس الليالي وظلماتها ، وكان والله غزير الدمعة ، كثير الفكرة ، يقلّب كفّه ، ويخاطب نفسه ، يعجبه من اللباس ما غلظ وقصر ، ومن الطعام ما خشن ، كان والله كأحدنا وأفضل ، يجيبنا إذا سألناه ، ويبتدئنا إذا استحييناه ، ويعظّم الدين ، ويحبّ المساكين ، لا يطمع القويّ في باطله ، ولا ييأس الضعيف من عدله ، فاشهد بالله لقد أتيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله ، واشتبكت نجومه ، وقد مثل في محرابه قائما ، قابضا على لحيته ، يتململ تململ السليم ، ويبكي بكاء الحزين ، وكأنّي أسمعه وهو يقول : يا دنيا إليّ تعرّضت أم إليّ تشوّقت ، هيهات هيهات ، غرّي غيري ، قد طلّقتك ثلاثا لا رجعة عليك ، لأنّ عمرك قصير ، وشأنك حقير ، وخطرك يسير ، وحسابك كثير ، ثم بدا واجدا باكيا قائلا : آه من قلّة الزاد ، وبعد السفر ، وخشونة الطريق.

قال ضرار : فبكى معاوية حتى ابتلت لحيته من دموعه بما يملكها وهو يشهق حتى انتحب الحاضرون بالبكاء ، وقال معاوية : رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك ، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟

قال : حزن والدة ذبح ولدها في حجرها ، فما ترقى عبرتها ، ولا تسكن حرارتها (١).

حدّث جابر الجعفي ، عن أبي جعفر محمّد بن علي عليه‌السلام ، قال : خطب أمير المؤمنين عليه‌السلام بالكوفة عند منصرفه من النهروان وبلغه أنّ معاوية يسبّه ويعيبه ويقتل أصحابه ، فقام خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصلّى على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذكر ما أنعم الله عزّ وجلّ على نبيّه وعليه. ثمّ قال : لو لا آية في كتاب الله ما ذكرت ما أنا ذاكر في مقامي هذا ، يقول الله عزّ وجلّ : ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) (٢) اللهمّ لك الحمد على نعمك التي لا تحصى ، وفضلك الذي لا ينسى.

__________________

(١) لم نقف على مصدره بالسند والمتن المذكورين ، وقد ورد بعض عباراته في نهج البلاغة : ص ٤٨٠ ، قصار الحكم : ٧٧. ورواه الصدوق مسندا عن أصبغ بن نباته باختلاف في المتن ، راجع الأمالي : ٤٩٩ ، المجلس ٩١ ، ح ٦.

(٢) الضحى : ١١.

٢٣٨

يا أيّها الناس إنّه قد بلغني ما يعتمده معاوية وإنّي أراني قد اقترب أجلي ، وكأنّي بكم وقد جهلتم أمري ، وإنّي تارك فيكم ما تركه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كتاب الله وعترتي ، وهي عترة الهادي الى النجاة خاتم الأنبياء وسيّد النجباء والنبيّ المصطفى.

يا أيّها الناس لعلّكم لا تسمعون قائلا يقول مثل قولي بعدي إلاّ مفتريا ، أنا أخو رسول الله ، وابن عمّه ، وسيف نقمته ، وعماد نصرته وبأسه وشدّته. أنا رحى جهنّم الدائرة ، وأضراسها الطاحنة. أنا مؤتمّ النبيّين. أنا قابض الأرواح ، وبأس الله الذي لا يردّه عن القوم المجرمين. أنا مجدّل الأبطال ، وقاتل الفرسان ، ومبير من كفر بالرحمن ، وصهر خير الأنام. أنا سيّد الأوصياء ، ووصيّ خير الأنبياء. أنا باب مدينة العلم ، وخازن علم رسول الله ووارثه. أنا زوج البتول سيّدة نساء العالمين ، فاطمة التقيّة الزكيّة ، البرّة المهديّة ، حبيبة حبيب الله وخير بناته ، وسلالته ، وريحانة رسول الله ، سبطاه خير الأسباط ، وولدي خير الأولاد ، هل أحد ينكر ما أقول؟! أين مسلمو أهل الكتاب ، أنا اسمي في الإنجيل « إليا » ، وفي التوراة « بريّ » ، وفي الزبور « أري » ، وعند الهند « كبكر » ، وعند الروم « بطريسا » ، وعند الفرس « جبير » ، وعند الترك « تبير » وعند الزنج « حبتر » ، وعند الكهنة « بويّ » وعند الحبشة « بتريك » ، وعند امّي « حيدرة » ، وعند ظئري « ميمون » ، وعند العرب « عليّ » ، وعند الأرمن « فريق » ، وعند أبي « ظهير ».

ألا وإنّي مخصوص في القرآن بأسماء ، احذروا أن تغلبوا عليها فتضلّوا في دينكم ، يقول الله عزّ وجلّ : ( اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) (١) أنا ذلك الصادق. وأنا المؤذّن في الدنيا والآخرة ، قال الله عزّ وجلّ : ( فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) (٢) أنا ذلك المؤذّن. وأنا المحسن ، يقول الله عزّ وجلّ : ( إِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) (٣) وأنا ذو القلب ، يقول الله عزّ وجلّ : ( إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ

__________________

(١) التوبة : ١١٩.

(٢) الأعراف : ٤٣.

(٣) العنكبوت : ٦٩.

٢٣٩

قَلْبٌ ) (١) وأنا الذاكر ، يقول الله عزّ وجلّ : ( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً ) (٢) ونحن أصحاب الأعراف أنا وعمّي وأخي وابن عمّي. والله فالق الحب والنوى لا يلج النار لنا محبّ ، ولا يدخل الجنّة لنا مبغض ، يقول الله عزّ وجلّ : ( وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ ) (٣) وأنا الصهر ، يقول الله عزّ وجلّ : ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً ) (٤) وأنا الاذن الواعية ، يقول الله عزّ وجلّ : ( وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ ) (٥) وأنا السليم لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يقول الله عزّ وجلّ : ( وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ ) (٦) ومن ولدي مهديّ هذه الامّة.

ألا وقد جعلت محنتكم ، ببغضي يعرف المنافقون ، وبمحبّتي امتحن الله المؤمنين ، هذا عهد النبيّ الامّي إليّ أنّه لا يحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق ، وأنا صاحب لواء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الدنيا والآخرة ، ورسول الله فرطي وأنا فرط شيعتي ، والله لا عطش لمحبّي ، ولا خاف مواليّ ، أنا وليّ المؤمنين والله وليّي بحسب محبّي أن يحبّوا ما أحبّ الله ، وبحسب مبغضي أن يبغضوا ما أحبّ الله.

ألا وانّه بلغني أنّ معاوية سبّني ولعنني ، اللهمّ اشدد وطاءك عليه ، وأنزل اللعنة على المستحقّ ، آمين ربّ العالمين ، وربّ اسماعيل ، وباعث إبراهيم ، إنّك حميد مجيد. ونزل عن أعواده ، فما عاد إليها حتى قتله ابن ملجم لعنه الله تعالى (٧).

وروي عن موسى بن المغيرة ، عن الضحّاك بن مزاحم ، قال : ذكر علي عليه‌السلام عند ابن عبّاس بعد وفاته فقال : وا أسفاه على أبي الحسن ، مضى والله ما غيّر ، ولا بدّل ولا قصّر ، ولا جمع ، ولا ضيّع ، ولا آثر إلاّ الله. والله لقد كانت الدنيا أهون عليه من شسع نعله ، ليث في الوغى ، بحر في المجالس ، حكيم في الحكماء ، هيهات قد مضى الى الدرجات العلى (٨).

__________________

(١) ق : ٣٦.

(٢) آل عمران : ١٨٨.

(٣) الأعراف : ٤٤.

(٤) الفرقان : ٥٦.

(٥) الحاقة : ١٢.

(٦) الزمر : ٣٠.

(٧) معاني الأخبار : ص ٥٨.

(٨) بحار الأنوار : ج ٤١ ص ١٠٣ باب ١٠٧ ح ٣.

٢٤٠