الدرّ النظيم في مناقب الأئمّة اللهاميم

الشيخ جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي

الدرّ النظيم في مناقب الأئمّة اللهاميم

المؤلف:

الشيخ جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-064-3
الصفحات: ٨٣٢

وفي رواية : فاحتضنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : لو لم احتضنه لحنّ الى يوم القيامة (١).

وفي رواية : فدعاه النبيّ عليه‌السلام فأقبل يخدّ الأرض والتزمه وقال : عد الى مكانك ، فمرّ كأحد أسرع الخيل (٢).

وفي مسند الأنصار عن أحمد قال : قال ابيّ بن كعب : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اسكن إن تشأ غرستك في الجنّة فيأكل منك الصالحون ، وإن تشأ اعيدك كما كنت رطبا ، فاختار الآخرة على الدنيا (٣).

وفي سنن ابن ماجة : إنّه لمّا هدم المسجد وغيّر أخذ ابيّ بن كعب الجذع الحنّانة ، وكان عنده في بيته حتى بلي فأكلته الأرضة وعاد رفاتا (٤).

خطيب منبح :

ومن أضحى عليه الجذع لمّا

تولّى عنه مكتئبا حزينا

وحنّ إليه من كلف وشوق

فاظهر معلنا منه الحنينا (٥).

تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : في قوله تعالى ( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ ) (٦).

قالت اليهود : زعمت أنّ الأحجار ألين من قلوبنا وأطوع منّا لله فاستشهد هذه الجبال على تصديقك ، فأمر عليه‌السلام فتحرّك الجبل وتزلزل وفاض عنه الماء ونادى : أشهد أنّك رسول ربّ العالمين وسيّد الخلق أجمعين. ثمّ أمره أن ينقطع بنصفين وترتفع السفلى وتنخفض العليا ، وتباعد عليه‌السلام الى فضاء واسع. ثمّ نادى : أيّها الجبل بحقّ محمّد وآله الطيّبين في كلام له ، فتزلزل الجبل وسار كالقارح الهملاج (٧).

__________________

(١) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ٩٠.

(٢) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ٩٠.

(٣) مسند أحمد بن حنبل : ج ٥ ص ١٣٩ ، المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ٩٠.

(٤) سنن ابن ماجة : ج ١ ص ٤٥٤ كتاب إقامة الصلاة باب ١٩٩ ، المناقب لابن شهرآشوب :

ج ١ ص ٩١.

(٥) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ٩١.

(٦) البقرة : ٧٤.

(٧) القارح : ذو الحافر من الدواب الذي انتهى به السن. ودابة هملاج : حسنة السير في سرعة وتبختر.

١٢١

حتى وقف بين يديه. فقالوا : هذا رجل منحوت (١).

وفيه : إنّ قريشا رمت الأحجار على محمّد وعليّ عليهما‌السلام فرأوا كلّ حجر منها يسلّم عليهما فوجموا ، فقال عشرة من مردتهم : ما هذه الأحجار تكلّمهما ولكنّهم رجال في حفرة يحضره الأحجار قد خبأهم محمّد تحت الأرض ، فتحلّق (٢) عشرة أحجار ورضّت رءوس المتكلّمين بهذا الكلام. فجاء عشائرهم يبكون ويضجّون ويقولون : قتل أصحابنا محمّد بسحره ، فأنطق الله جنائزهم : صدق محمّد وكذبتم ، واضطربت الجنائز وأسقطت من عليها ، ونادت : ما كنّا لنحمل أعداء الله. فقال أبو جهل : إنّ ذلك سحر عظيم. ثمّ دعا الله تعالى فنشروا ثمّ نادى المحيون : إنّ لمحمّد ولعليّ لشأنا عظيما في الممالك التي كنّا فيها (٣).

وفيه : في تفسير قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ ... ) الآية (٤) أنّه قال مالك بن الصيف : اريد أن يشهد بساطي بنبوّتك ، وقال أبو لبابة بن عبد المنذر : اريد أن يشهد سوطي بها ، وقال كعب بن الأشرف : اريد أن يؤمن بك هذا الحمار.

فأنطق الله البساط فقال : أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أنّك يا محمّد عبده ورسوله ، وأشهد أنّ علي بن أبي طالب وصيّك. فقالوا : ما هذا إلاّ سحر مبين. فارتفع البساط ونكس مالكا وأصحابه.

ثمّ نطق سوط أبي لبابة بالنبوّة والإمامة ، ثمّ انجذب من يده وجذب أبا لبابة فخرّ لوجهه ، ثمّ قال له : لا أزال كذلك حتى أثخنك ثمّ أقتلك أو تسلم ، فأسلم أبو لبابة.

وجاء كعب يركب حماره فشبّ به وصرعه على رأسه ، ثمّ قال : بئس العبد أنت شاهدت آيات الله وكفرت بها. فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حمارك خير منك قد أبى

__________________

(١) التفسير المنسوب للإمام العسكري ٧ : ص ٢٨٩ ، المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ٩٢.

وفيهما بدل « منحوت » مبخوت.

(٢) تحلق : أي تجمع.

(٣) التفسير المنسوب للعسكري ( ع ) : ص ٣٧٤ ، المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ٩٣.

(٤) البقرة : ٥.

١٢٢

أن تركبه أبدا. فاشتراه منه ثابت بن قيس (١).

وفيه : أنّه أتاه الحارث بن كلدة الثقفي وسأل معجزة وقال : ادع لي تلك الشجرة ، فدعاها النبيّ عليه‌السلام فجعلت تخدّ في الأرض اخدودا عظيما كالنهر حتى وقفت بين يديه ونادت : أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّك يا محمّد عبده ورسوله ، وأنّ عليّا ابن عمّك هو أخوك في دينك. فأسلم الحارث (٢).

أبو هريرة وعائشة : جاء أعرابي الى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي يده ضبّ فقال : يا محمّد لا اسلم بك حتى تسلم هذه الحيّة.

فقال لها النبي عليه‌السلام : من ربّك؟

فقالت : الذي في السماء ملكه ، وفي الأرض سلطانه ، وفي البحر عجائبه ، وفي البرّ بدائعه ، وفي الأرحام علمه.

ثمّ قال : يا ضبّ من أنا؟

قال : أنت رسول ربّ العالمين ، وزين الخلق يوم القيامة أجمعين ، وقائد الغرّ المحجّلين ، قد أفلح من آمن بك وسعد.

فقال الأعرابي : أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أنّ محمّدا رسول الله. ثمّ ضحك وقال : دخلت عليك وكنت أبغض الخلق إليّ ، وأخرج وأنت أحبّهم إليّ. وانصرف الأعرابي.

فلمّا وصل منزله واجتمع بأصحابه وأخبرهم بما رأى ، فقصدوا نحو النبيّ عليه‌السلام بأجمعهم ، فاستقبلهم عليه‌السلام فأنشأ الأعرابي يقول :

ألا يا رسول الله إنّك صادق

فبوركت مهديّا وبوركت هاديا

شرعت لنا الدين الحنيفي بعد ما

عبدنا كأمثال الحمير الطواغيا

فيا خير مدعوّ ويا خير مرسل

الى الجنّ ثمّ الإنس لبّيك داعيا

__________________

(١) التفسير المنسوب للعسكري ٧ : ص ٩٢ ـ ٩٣ ، المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ٩٣.

(٢) التفسير المنسوب للعسكري ٧ : ص ١٦٨ ، المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ٩٣.

١٢٣

أتيت ببرهان من الله واضح

فأصبحت فينا صادق القول راضيا

فبوركت في الأقوام حيّا وميتا

وبوركت مولودا وبوركت ناشيا

فسرّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمّر الأعرابي عليهم. وروي : أنّ اسم الأعرابي سعد بن معاد السّلمي (١).

عروة بن الزبير : لمّا فتح خيبر كان في سهم النبيّ عليه‌السلام أربعة أزواج نعالا وأربعة ازواج خفافا وعشرة أواقي ذهبا وفضّة وحمار أقمر (٢). فلمّا ركبه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نطق وقال : يا رسول الله أنا غفير ملكني ملك اليهود ، وكنت جموحا غير طائع.

فقال له : هل لك من إرب؟

قال : لا لأنّه كان منّا سبعون مركبا للأنبياء والآن نسلها منقطع لم يبق منها غيري ، ولم يبق من الأنبياء غيرك ، وبشّرنا بذلك زكريّا عليه‌السلام.

فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبعثه الى باب الرجل فيأتي الباب فيقرعه برأسه ، فإذا خرج إليه صاحب الدار أومى إليه أن أجب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فلمّا قبض النبيّ عليه‌السلام أتلف نفسه في بئر لأبي الهيثم بن التيهان ، فصار البئر قبره (٣).

وفي تفسير الإمام عليه‌السلام : إنّ ذئبين كلّما راعيا وحثّاه على الإسلام ، فأتى الراعي الى النبي عليه‌السلام وحكى له كلامهما ، فأتى النبيّ عليه‌السلام الى القطيع وقال : أحيطوا بي حتى لا يراني الذئبان. فأحاطوا به عليه‌السلام.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للراعي : قل للذئب من محمّد؟ فجاءا يتفحّصان عنه حتى دخلا وسط القوم فرأيا النبي عليه‌السلام فقالا : السلام عليك يا رسول ربّ العالمين وسيّد الخلق أجمعين. ووضعا خدودهما على التراب وتمرّغا بين يديه.

__________________

(١) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ٩٤ ـ ٩٥.

(٢) الأقمر : ما لونه القمرة بالضم وهو ما يميل الى الخضرة أو بياض فيه كدرة.

(٣) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ٩٧.

١٢٤

فقال النبيّ عليه‌السلام : أحيطوا بعليّ ، ففعلوا ، فنادى عليه‌السلام : يا أيّها الذئبان عيّنا على عليّ. فجاءا يتخلّلان القوم ويتأمّلان الوجوه والأقدام حتى بلغا عليّا ، فمرّغا على التراب أبدانهما ، ووضعا بين يديه خدودهما ، وقالا : السلام عليك يا حليف الندى ، ومعدن النهى ، ومحلّ الحجى ، عالما بما في الصحف الاولى ، ووصيّ المصطفى (١).

ويقال اسم الراعي : عمير الطائي ، ويقال : عقبة. فبقي له شرف يفتخرون به على العرب ، ويقول مفتخرهم : أنا ابن مكلّم الذئب.

خطيب منيح :

وخبرنا بأنّ الذئب أمسى

بمبعثه من المتكلّمينا (٢)

محمّد بن إسحاق : مرّت امرأة من المشركين شديدة القول في النبيّ عليه‌السلام ومعها صبيّ لها ابن شهرين فقال : السلام عليك يا رسول الله محمّد بن عبد الله.

فأنكرت الامّ ذلك من ابنها.

فقال له النبيّ عليه‌السلام : من أين تعلم أنّي رسول الله وأنّي محمّد بن عبد الله؟

قال : أعلمني ربّى ربّ العالمين والروح الأمين.

فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما اسمك يا غلام؟

فقال : عبد العزّى وأنا كافر به ، فسمّني ما شئت يا رسول الله.

قال : أنت عبد الله.

فقال : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني من خدمك في الجنّة. فدعا له عليه‌السلام.

فقال الصبيّ : سعد من آمن بك وشقي من كفر بك. ثمّ شهق شهقة فمات (٣).

البخاري ، عن جابر الأنصاري في حديث حفر الخندق : فلمّا رأيت ضعف النبيّ عليه‌السلام طبخت جديا وخبزت صاعا شعيرا وقلت : يا رسول الله تكرمني بكذا وكذا.

__________________

(١) التفسير المنسوب للإمام العسكري ٧ : ص ١٨١ ، المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ٩٩ ـ ١٠٠.

(٢) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٠٠.

(٣) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٠١.

١٢٥

فقال : لا ترفع القدر من النار ولا الخبز من التنّور ، ثمّ قال : يا قوم قوموا بنا الى بيت جابر ، فأتوا وهم سبعمائة رجل ، وفي رواية : ثمانمائة رجل ، وفي رواية : ألف رجل ، فلم يكن موضع الجلوس يسعهم ، فكان عليه‌السلام يشير الى الحائط والحائط يبعد حتى تمكّنوا فجعل يطعمهم بنفسه حتى شبعوا ، ولم نزل نأكل ونهدي لقومنا أجمع ، فلمّا خرجوا أتيت القدر فإذا هو مملوء والتنّور محشوّ (١).

وروى أنس قال : أرسلني أبو طلحة الى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا رأى فيه أثر الجوع ، فلمّا رآني عليه‌السلام قال : أرسلك أبو طلحة؟ قلت : نعم. فقال لمن معه : قوموا.

فقال أبو طلحة : يا أمّ سليم هلمّي بما عندك ، فجاءت بأقراص من شعير ، فأمر به ففتّ ، وعصرت أمّ سليم عكّة سمن فأخذها النبيّ عليه‌السلام ، ثمّ وضع يده على رأس الثريد ، وكان عليه‌السلام يدعو عشرة عشرة فأكلوا حتى شبعوا ، فكانوا سبعين رجلا أو ثمانين (٢).

جابر بن عبد الله والبراء بن عازب وسلمة بن الأكوع والمسور بن مخرمة : لمّا نزل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالحديبيّة في ألف وخمسمائة وذلك في حرّ شديد قالوا : يا رسول الله ما بها من ماء والوادي يابس وقريش في بلدح (٣) في ماء كثير.

فدعا عليه‌السلام بدلو من ماء فتوضّأ من الدلو ومضمض فاه ثمّ مجّ فيه وأمر أن يصبّ في البئر ، فجاشت فسقينا وأسقينا (٤).

وفي رواية : انّه نزع سهما من كنانته فألقاه في البئر ففارت بالماء حتى جعلوا يغترفون منها بأيديهم وهم جلوس على شفتها (٥).

أبو عوانة : إنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعطى ناجية بن عمرو نشّابة وأمره أن يقعرها في البئر

__________________

(١) صحيح البخاري : ج ٥ ص ١٣٨ ، المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٠٣.

(٢) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٠٣.

(٣) بلدح بفتح الباء والدال : اسم موضع بالحجاز قرب مكّة. النهاية لابن الأثير : ج ١ ص ١٥١.

(٤) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٠٤.

(٥) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٠٤.

١٢٦

فامتلأ البئر ماء (١).

وفي رواية : انّه عليه‌السلام دفعها الى البراء بن عازب ، فقال : اغرز هذا السهم في بعض قلب الحديبيّة. فجاءت قريش ومعهم سهيل بن عمرو فأشرفوا على القليب والعيون تنبع تحت السهم ، فقال : ما رأينا كاليوم قطّ وهذا من سحر محمّد قليل.

فلمّا أمر الناس بالرحيل قال : خذوا حاجتكم من الماء. ثمّ قال للبراء : اذهب فردّ السهم. فلمّا فرغوا وارتحلوا أخذ البراء السهم فجفّ الماء كأنّه لم يكن هناك ماء (٢).

وشكا إليه أصحابه في غزاة تبوك من العطش ، فدفع عليه‌السلام سهما الى رجل فقال له : انزل فاغرزه (٣) في الركي (٤) ، ففعل ففار الماء فطمى (٥) الى أعلى الركي ، فارتوى منه ثلاثون ألف رجل في دوابهم (٦).

ووضع عليه‌السلام يده تحت وشل (٧) بوادي المشفق فجعل ينصبّ في يده ، فانخرق الماء حتى سمع له حسّ كحسّ الصواعق ، فشرب الناس واستقوا حاجتهم منه.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لئن بقيتم وبقي منكم أحد ليسمعنّ بهذا الوادي وهو أخصب ما بين يديه وما خلفه. قيل : وهو اليوم كما قاله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٨).

وفي حديث أبي ليلى : شكونا الى النبيّ عليه‌السلام من العطش ، فأمر بحفرة فحفرت ، فوضع عليها نطعا ووضع يده على النطع وقال : هل من ماء؟ فقال لصاحب الإداوة (٩) : صبّ الماء على كفّي واذكر اسم الله ، ففعل فلقد رأيت الماء ينبع من بين

__________________

(١) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٠٤. والنشابة : واحد النبل.

(٢) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٠٤ ـ ١٠٥.

(٣) اغرز ـ أمر من اغرز الابرة في الشيء : أي أدخلها فيه.

(٤) الركي ـ بتشديد الياء جميع الركية : البئر ذات الماء.

(٥) طمى الماء : أي علا.

(٦) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٠٥.

(٧) الوشل : الماء القليل يتحلّب من صخر أو جبل.

(٨) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٠٥.

(٩) الإداوة بالكسر : المطهرة.

١٢٧

أصابعه عليه‌السلام حتى روى القوم وسقوا ركابهم (١).

وشكا الجيش إليه في بعض غزواته فقدان الماء ، فوضع عليه‌السلام يده في القدح فضاق القدح عن يده ، فقال للناس : اشربوا ، فشرب الجيش وسقوا وتوضئوا وملأوا المزاود (٢). قال الشاعر :

ومن فاضت أنامله بماء سقاه

لواردين وصادرينا

وقرّت جفنة صنعت لعشر

على قدر فأطعمها مئينا

وعادت بعد أكل القوم ملأى

تفور عليهم لحما سمينا (٣)

أبو بكر القفّال في دلائل النبوّة : إنّ البراء ملاعب الأسنّة كان به استسقاء ، فبعث الى النبيّ عليه‌السلام لبيد بن أبي ربيعة وأهدى إليه فرسين ونجائب ، فقال : لا أقبل هدية مشرك. قال. فإنّه يستشفيك من الاستسقاء. فأخذ بيده حثوة من الأرض فتفل عليها وأعطاه ، ثمّ قال : دفها بماء ثمّ اسقها إيّاه. فلمّا شربها البراء برأ من مرضه (٤).

وقطعت يد أنصاريّ وهو عبد الله بن عتيك في حرب احد ، فألزقها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونفخ عليها فصارت كما كانت (٥).

لطائف القصص [ في معجزاته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ] : إنّ قوما شكوا إليه عليه‌السلام ملوحة مائهم ، فجاء معهم وتفل في بئرهم فانفجرت بالماء العذب الفرات ، فها هي يتوارثها أهلها (٦).

وكان ممّا أكّد الله به صدقه عليه‌السلام أنّ قوم مسيلمة سألوه (٧) مثلها ، فتفل في بئر فعادت ملحا اجاجا كبول الحمار ، وهي إلى اليوم بحالها معروفة المكان (٨).

__________________

(١) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٠٥.

(٢) المزاود جمع المزادة وهي الظرف الذي يحمل فيه الماء كالراوية والقربة ( لسان العرب ج ٣ / ١٩٩ ).

(٣) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٠٥ ـ ١٠٦.

(٤) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١١٥ ـ ١١٦.

(٥) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١١٦.

(٦) تاريخ الطبري : ج ٢ ص ٥٠٧.

(٧) أي سألوا مسيلمة.

(٨) تاريخ الطبري : ج ٢ ص ٥٠٧.

١٢٨

وروي أنّ عكاشة انقطع سيفه يوم بدر فناوله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خشبة وقال : قاتل بها الكفّار ، فصارت سيفا قاطعا ، فقاتل به حتى قتل به طلحة في الردّة (١).

وأعطى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبد الله بن جحش يوم احد عسيبا (٢) من نخل فرجع في يده سيفا (٣).

وروي في ذي الفقار مثله (٤).

وأعطى عليه‌السلام يوم احد أيضا لأبي دجانة سعفة نخل فصارت سيفا ، فأنشأ أبو دجانة يقول :

نصرنا النبيّ بسعف النخيل

فصار الجريد حساما صقيلا

وذا عجب من امور الإله

ومن عجب الله ثمّ الرسولا (٥)

هند بنت الجون وخنيس بن خالد وأبو معبد الخزاعي : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند هجرته نزل على أمّ معبد الخزاعيّة وسألوها شيئا ليشتروه فلم يصيبوا شيئا ، فإذا شاة في كسر البيت جرباء ضعيفة ، فدعا بها فمسح يده على ضرعها وقال : اللهمّ بارك لها في شاتها. تفاحجت (٦) ودرّت فاجترّت.

فدعا النبيّ عليه‌السلام بإناء لها يربض الرهط فحلبها فيه وشرب هو وأصحابه والمرأة وأصحابها ، ولم يشرب عليه‌السلام حتى شربوا بجمعهم ، ثمّ قال : ساقي القوم آخرهم شربا ، ثمّ حلب لها عودا بعد بدء (٧).

__________________

(١) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١١٩.

(٢) العسيب : جريدة من النخل والسعف أيضا بمعناه.

(٣) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١١٩.

(٤) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١١٩.

(٥) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١١٩.

(٦) الفحج : تداني صدور القدمين وتباعد العقبين وفي المغرب الفحج تباعد ما بين أوساط الساقين من الرجل والدابة.

(٧) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٢١.

١٢٩

خطيب منيح :

ومن حلب الضئيلة (١) وهو نضو (٢)

فاسبل درّها للحالبينا

وكانت حائلا (٣) فغدت وراحت

بيمن المصطفى الهادي لبونا (٤)

والشاة لما مسحت الكفّ منك

على جهد الهزال بأوصال (٥) لها قحل (٦)

سحّت (٧) بدرّة شكر الضرع حافله (٨)

فروت الركب بعد النهل بالعلل (٩) (١٠)

ومسح ضرع شاة حائل لا لبن لها فدرّت وكان ذلك سبب إسلام ابن مسعود (١١).

أمالي الحاكم : إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قائظا ، فلمّا انتبه من نومه دعا بماء فغسل يديه ثمّ تمضمض بماء ومجّه الى عوسجة (١٢) فأصبحوا وقد غلظت العوسجة ، ثمّ أثمرت وأينعت بثمر أعظم ما يكون في لون الورس (١٣) ورائحة العنبر وطعم الشهد (١٤) ، والله ما أكل منها جائع إلاّ شبع ، ولا ظمآن إلاّ روي ، ولا سقيم إلاّ برئ ، ولا أكل من ورقها حيوان إلاّ درّ لبنها ، وكان الناس يستشفون من ورقها ، وكان يقوم مقام الطعام والشراب ، ورأينا النماء والبركة في أموالنا. فلم يزل كذلك حتى أصبحنا ذات يوم وقد تساقط ثمرها وصغر ورقها ، فإذا قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

__________________

(١) والضئيلة : مؤنث الضئيل : وهو بمعنى الحقير.

(٢) والنضو : بالكسر المهزول من الإبل وغيرها

(٣) والحائل من الناقة وغيرها التي لم تلقح سنة أو سنوات.

(٤) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٢١.

(٥) والأوصال : جمع وصل بالكسر والضم كلّ عضو على حدة.

(٦) والقحل : ما يبس جلده على عظمه.

(٧) وسحّت : بتشديد الحاء المهملة أي صبت وسالت غزيرا.

(٨) شكر الضرع : امتلأ لبنا.

(٩) والنهل : الشرب الأول ، والعلل : الشرب الثاني.

(١٠) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٢١.

(١١) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٢٢.

(١٢) العوسج : شجر من شجر الشوك وله ثمر أحمر مدوّر كأنّه خرز العقيق ( لسان العرب ٢ / ٣٢٤ ).

(١٣) الورس : نبت أصفر ( لسان العرب ٦ / ٢٥٤ ).

(١٤) الشهد : العسل ما دام لم يعصر من شمعه ( لسان العرب ٣ / ٢٤٣ ).

١٣٠

فكانت بعد ذلك تثمر دونه في العظم والطعم والرائحة.

وأقامت على ذلك ثلاثين سنة ، فأصبحنا يوما وقد ذهبت نضارة عيدانها ، فإذا قتل أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام ، فما أثمرت بعد ذلك قليلا ولا كثيرا. فأقامت بعد ذلك مدّة طويلة ثمّ أصبحنا وإذا بها قد نبع من ساقها دم عبيط ، وورقها ذابل يقطر ماء كماء اللحم ، فإذا قتل الحسين عليه‌السلام (١).

أجمع المفسّرون والمحدّثون سوى عطاء والحسن والبلخي في قوله تعالى : ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ) (٢) أنّه اجتمع المشركون ليلة بدر (٣) الى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا له : إن كنت صادقا فشقّ لنا القمر فرقتين. فقال عليه‌السلام : إن فعلت تؤمنون؟ قالوا :

نعم فأشار إليه بإصبعه فانشقّ شقّتين ورئي حراء (٤) بين فلقيه. وفي رواية : نصفا على أبي قبيس ونصفا على قعيقعان (٥). وفي رواية : نصفا على الصفا ونصفا على المروة.

فقال عليه‌السلام : اشهدوا اشهدوا.

فقال الناس : سحرنا محمّد.

فقال الرجل : إن كان سحركم فلم يسحر الخلق كلّهم. وذلك قبل الهجرة ، وبقي قدر ما بين العصر الى الليل وهم ينظرون إليه ويقولون : هذا سحر مستمرّ ، فنزل : ( وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا ... ) الآية (٦).

وفي رواية : أنّه قدم السفّار من كلّ وجه ، فما من أحد قدم إلاّ أخبرهم أنّهم رأوا مثل ما رأوا (٧).

__________________

(١) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٢٢.

(٢) القمر : ١.

(٣) أي والقمر في ليلة تمامه.

(٤) أي جبل حراء بمكّة.

(٥) قعيقعان : كزعيفران جبل بمكّة وجهه الى أبي قبيس.

(٦) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٢٢.

(٧) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٢٢.

١٣١

نصر بن المنتصر :

والقمر البدر المنير شقّه

فقيل سحر عجب لمن أرى (١)

وغرس عليه‌السلام نوى فنبت نخلا وحملت الذهب الذي دفعه الى سلمان رضي‌الله‌عنه ، وبارك الله فيه ، فوفّى بكلّ ما كان عليه وما نقص منه ، وأرطبت في وقت واحد (٢).

وكان عليه إذا مشى في ليلة ظلماء بدا له نور كأنّه قمر (٣).

عائشة : فقدت ابرة ليلة ، فما كان في منزلي سراج ، فدخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوجدت الابرة بنور وجهه (٤).

مسلم : كان النبيّ عليه‌السلام يقيل (٥) عند أمّ سليم وكانت تجمع عرقه فتجعله في الطيب (٦).

عبد الجبّار بن وائل ، عن أبيه قال : اتي رسول الله عليه‌السلام بدلو من ماء فشرب ثمّ توضّأ ، فتمضمض ثمّ مجّه في الدلو مسكا أو أطيب من المسك (٧).

وكان عليه‌السلام تظلّه سحابة من الشمس وتسير لمسيره وتركد لركوده ، ولا يطير الطير فوقه (٨).

وكان يمجّ في الكوز والبئر فيجدون له رائحة أطيب من المسك (٩).

وكان ينطق بلغات كثيرة (١٠).

__________________

(١) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٢٢ ـ ١٢٣. وفيه « لمّا رأى » بدل « لمن أرى ».

(٢) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٢٣.

(٣) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٢٣.

(٤) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٢٣.

(٥) أى ينام القيلولة قبيل الظهر.

(٦) صحيح مسلم : ج ٤ ص ١٨١٥ باب ٢٢ من كتاب الفضائل ح ٨٣ و ٨٤ و ٨٥ ، المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٢٤.

(٧) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٢٤.

(٨) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٢٤.

(٩) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٢٤.

(١٠) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٢٤.

١٣٢

وكان يسمع في منامه كما يسمع في انتباهه ، ويسمع كلام جبريل عليه‌السلام عند الناس ولا يسمعونه (١).

ربيع الأبرار : انّه دخل أبو سفيان على النبيّ عليه‌السلام وهو يقاد ، فأحسّ بتكاثر الناس فقال في نفسه : واللاّت والعزّى يا بن أبي كبشة لأملأنها عليك خيلا ورجلا وإنّي لأرجو أن أرقى هذه الأعواد.

فقال النبي عليه‌السلام : أو يكفينا الله شرّك يا أبا سفيان (٢).

وكان بين كتفيه خاتم النبوّة كلّما أبداه غطّى نوره نور الشمس ، مكتوب عليه : لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له توجّه حيث شئت فأنت منصور (٣).

ابن سمرة : رأيت خاتمه بين كتفيه مثل بيض الحمامة (٤).

سئل الخدري عنه فقال : بضعة ناشزة (٥).

أبو زيد الأنصاري : شعر مجتمع على كتفيه عليه‌السلام (٦).

السائب بن يزيد : مثل زرّ الحجلة (٧).

ولمّا شكّ في موت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وضعت أسماء بنت عميس يدها بين كتفيه فقالت : قد توفّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قد رفع الخاتم (٨).

وما احتلم قطّ ، لأنّ ذلك من الشيطان ، وكان له شهوة اربعين نبيّا.

كلّ دابّة ركبها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقيت على سنّها لا تهرم قطّ.

أرسل رجليه في بئر ماؤه اجاج فعذب.

__________________

(١) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٢٤.

(٢) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٢٤.

(٣) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٢٤.

(٤) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٢٥.

(٥) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٢٥.

(٦) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٢٥.

(٧) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٢٥.

(٨) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٢٥.

١٣٣

وكان عليه‌السلام لا يمرّ على شجرة إلاّ وسلّمت عليه.

ولم يجلس عليه الذباب ، ولم تدن منه عليه‌السلام هامّة ولا سامّة.

وكان إذا مشى على الأرض السهلة لا يتبيّن لقدمه أثر ، وإذا مشى على الصلب بان أثره.

وفي خطبة القاصعة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أيّتها الشجرة إن كنت تؤمنين بالله واليوم الآخر وتعلمين أنّي رسول الله فانقلعي بعروقك حتّى تقفي بين يديّ بإذن الله. فو الله الذي بعثه بالحقّ لقد انقلعت بعروقها وجاءت ولها دويّ شديد وقصيف كقصيف أجنحة الطيور حتّى وقفت بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرفوفة ، التفّ (١) بعضها الأعلى على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وببعض أغصانها على منكبي وكنت عن يمينه.

فلمّا نظر القوم الى ذلك قالوا علوّا واستبكارا : فمرها فليأتك نصفها ويبقى نصفها. فأمرها بذلك ، فأقبل إليه نصفها كأعجب إقبال وأشدّه دويّا ، فكانت تلتفّ برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فقالوا كفرا وعتوّا : فمر هذا النصف فليرجع الى نصفه. فأمره عليه‌السلام فرجع. فقال القوم : ساحر كذّاب ، عجيب السحر خفيف فيه (٢).

ابن عبّاس ، عن أبيه : قال أبو طالب للنبيّ : يا ابن أخ الله أرسلك؟ قال : نعم.

قال : فأرني آية ، ادع لي تلك الشجرة. فدعاها حتى سجدت بين يديه ثم انصرفت.

فقال أبو طالب : أشهد أنّك صادق رسول الله ، يا علي صل جناح ابن عمّك (٣).

شاعر :

وفي دعائك للأشجار حين أتت

تمشي بأمرك في أغصانها الذلل

__________________

(١) كذا في الأصل ، وفي نهج البلاغة ، فألقت بغصنها.

(٢) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٢٩.

(٣) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٢٩.

١٣٤

وقلت عودي فعادت في منابتها

تلك العروق بإذن الله لم تمل (١)

الصادق عليه‌السلام في خبر أنّه ذكر قوّة اللحم عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : ما ذقته منذ كذا. فتقرّب إليه فقير بجدي كان له فشواه وأنفذ إليه. فقال النبيّ عليه‌السلام : كلوا ولا تكسروا له عظما. فلمّا فرغوا أشار إليه وقال : انهض بإذن الله. فأحياه فكان يمرّ عند صاحبه كما يساق (٢).

وأتى أبو أيوب الأنصاري بغنم الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عرس فاطمة عليها‌السلام ، فنهاه جبريل عليه‌السلام عن ذبحها ، فشقّ ذلك عليه ، فأمر عليه‌السلام زيد بن جبير الأنصاري بذبحها بعد يومين ، فلمّا طبخت أمر أن لا يأكلوا إلاّ باسم الله وأن لا يكسروا عظامه. ثمّ قال : إنّ أبا أيّوب رجل فقير ، إلهي أنت خلقتها وأنت أفنيتها وانّك قادر على إعادتها فأحيها يا حيّ لا إله إلاّ أنت ، فأحياها الله وجعل فيها بركة لأبي أيّوب وشفى المرضى في لبنها ، فسمّتها أهل المدينة : المبعوثة.

وفيها قال عبد الرحمن بن عوف أبياتا :

ألم تبصروا شاة ابن زيد وحالها

وفي أمرها للطالبين مزيد

وقد ذبحت ثمّ استجزّ (٣) إهابها (٤)

وفضلها فيما هناك يزيد

وانضج منها اللحم والعظم والكلى (٥)

فهلهله (٦) بالنار وهو هريد (٧)

فأحيا له ذو العرش والله قادر

فعادت بحال ما تشاء يعود (٨)

محمّد بن إسحاق في خبر طويل ، عن كثير بن عامر : أنّه طلع من الأبطح راكب ومن ورائه سبعة عشر ناقة محمّلة ثياب ديباج ، على كلّ ناقة عبد أسود يطلب النبيّ الكريم ليدفعها إليه بوصيّة من أبيه ، فأومى ابن البختري الى أبي جهل

__________________

(١) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٢٩.

(٢) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٣١.

(٣) استجزّ : الجزّ : القطع.

(٤) الاهاب : الجلد مطلقا أو ما لم يدبغ.

(٥) الكلى : جمع الكلية بضمّ الكاف.

(٦) هلهله : زجره.

(٧) الهريد : المشقوق فاسدا ، أو من هرد اللحم : طبخه ، فهو فعيل بمعنى المفعول.

(٨) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٣١.

١٣٥

فقال : هذا صاحبك ، فلمّا دنا منه قال له : ما أنت بصاحبي. فما زال يدور حتى أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسعى إليه وقبّل يديه ورجليه.

فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أليس أنت يلجا ناجي ابن المنذر السكّاكي؟

قال : بلى يا رسول الله.

قال : فأين سبع عشرة ناقة محمّلة ذهبا وفضّة ودرّا وياقوتا وجوهرا ووشيا (١) وملحما (٢) وغير ذلك؟

قال : ها هي ورائي مقبلة.

فقال : هي سبع عشرة ناقة ، على كلّ ناقة عبد أسود ، عليهم أقبية الديباج ومناطق (٣) الذهب ، وأسماؤهم محرز ومنعم وشهاب وبدر ومنهاج وفلان وفلان.

قال : بلى يا رسول الله.

قال : سلّم المال وأنا محمّد بن عبد الله ، فأورد المال بجملته الى النبيّ عليه‌السلام.

فقال أبو جهل : يا آل غالب إن لم تنصفوني وتنصروني عليه لأضعنّ سيفي في صدري ، وهذا المال كلّه للكعبة ، وركب فرسه وجرّد سيفه ونفرت مكّة أقصاها وأدناها حتّى أجاب أبا جهل سبعون ألف مقاتل.

وركب أبو طالب في بني هاشم وبني عبد المطّلب وأحاطوا بالنبيّ عليه‌السلام ، ثمّ قال أبو طالب : ما الذي تريدون؟

قال أبو جهل : إنّ ابن أخيك قد جنى علينا جنايات عظيمة ، ويحقّ للعرب أن تعصّب وتسفك الدماء وتسبي النساء.

قال أبو طالب : وما ذاك؟ فذكر قصّة الغلام وأنّ محمّدا سحره وردّه الى دينه وأخذ منه المال ، وهو شيء مبعوث للكعبة.

فقال له : قف حتى أمضي إليه وأسأله عن ذلك.

فلمّا أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسأله ردّ ذلك. قال عليه‌السلام : لا اعطيه حبّة واحدة. قال له :

__________________

(١) الوشي : نوع من الثياب معروف.

(٢) الملحم : نوع من الثياب.

(٣) المنطقة والنطاق : كل ما شدّ به الوسط ( لسان العرب ١٠ / ٣٥٤ ).

١٣٦

خذ عشرة وأعطه سبعة. فأبى. ثمّ أمر عليه‌السلام أن توقّف الهدية بين يدي الكعبة ويناديها سبع مرّات فإن كلّمتها فالهدية هديّتها ، وإن كلّمتها أنا فأجابتني فالهديّة هديّتي.

فأتى أبو طالب وقال : إنّ ابن أخي قد أجابك الى النصفة ، وذكر مقال النبيّ عليه‌السلام والميعاد غدا عند طلوع الشمس.

فأتى أبو جهل الى الكعبة وسجد لهبل ورفع رأسه وذكر القصّة ثمّ قال : أسألك أن تجعل النوق تخاطبني ولا يشمت بي محمّد وأنا عبدك منذ أربعين سنة وما سألتك حاجة ، فإن أجبتني الى هذه لأصنعنّ لك قبّة من لؤلؤ أبيض ، وسوارين من الذهب ، وخلخالين من الفضّة ، وتاجا مكلّلا بالجوهر ، وقلادة من العقيان (١).

ثمّ إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حضر وكان من المعجزات إجابة كلّ ناقة سبع مرّات ، وشهدت بنبوّته بعد عجز أبي جهل ، فأخذ النبي عليه‌السلام المال (٢).

ومرّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في غزوة الطائف في كثير من طلح وسدر وهو وسن من النوم ، فاعترضته سدرة فانفرجت له نصفين ، فمرّ بين نصفيها ، وبقيت منفرجة ساقين الى زماننا هذا ينزل بها كلّ مارّ ، ويسمّونها سدرة النبيّ عليه‌السلام (٣).

ونزل عليه‌السلام بالجحفة تحت شجرة قليلة الظلّ ، ونزل أصحابه حوله ، فتداخله شيء من ذلك ، فأذن الله تعالى لتلك الشجرة الصغيرة حتى ارتفعت وظلّلت الجميع ، فأنزل الله تعالى ( أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ) (٤).

* * *

__________________

(١) العقيان بالكسر : الذهب الخالص.

(٢) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٣٣ ـ ١٣٤.

(٣) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٣٤.

(٤) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٣٥.

١٣٧

فصل

يتّصل بمعجزات النبيّ عليه‌السلام

معجزته في البساط :

حدّث عليّ بن الحسن اللمعاني ، قال : حدّثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمّر بن ثابت ، عن أنس بن مالك أنّه قال : اهدي الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بساط ، فقال لي : ابسطه يا أنس ، فبسطته. فقال : ادع لي أبا بكر وعمر وعثمان وعليّا وطلحة والزبير وسعدا وسعيد بن زيد وعبد الرحمن بن عوف وسالما العشرة ، فدعوتهم.

قال : فقام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حامدا وأخذ بيد عليّ بعد أن جلسوا على البساط ، فقال : يا عليّ قل : يا ريح احملينا.

فقال : يا ريح احملينا ، فحملتهم الريح. فقال علي للجماعة : أين أنتم؟ فقالوا : لا ندري. فقال : نحن عند أصحاب الكهف.

فقال : يا ريح حطّينا. فحطّت بهم عند أصحاب الكهف. فسلّم القوم فلم يردّوا عليهم ، وسلّم عليّ فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا أصحاب الكهف والرقيم.

قالوا : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته يا وصيّ رسول الله. ولم يردّوا شيئا إلاّ على عليّ بن أبي طالب وقالوا : لا نقدر نكلّم أحدا إلاّ نبيّا أو وصيّ نبيّ ، وأنّا نشهد أنّك وصيّ نبيّ (١).

وبهذا الإسناد : انّهم سألوا عليّا عليه‌السلام ـ عند ما ردّوا عليه‌السلام ولم يردّوه على غيره ـ : ما لهم ردّوا عليك يا أبا الحسن ولم يردّوا علينا؟

قال : فسألهم عليّ فقال : إنّ أصحابي سألوني مالكم لم تردّوا عليهم‌السلام؟

فقالوا : إنّ محمّدا سيّد الأنبياء وإنّك سيّد الأوصياء وقد امرنا أن لا نردّ جواب السلام إلاّ على نبيّ أو وصيّ نبيّ (٢).

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٣٩ ص ١٤١ باب ٨٠ ح ٦.

(٢) بحار الأنوار : ج ٣٩ ص ١٣٧ باب ٨٠ ح ٤.

١٣٨

وحدّث أبو صادق الأودي بحذف الإسناد ، عن أبي وقّاص ، عن سلمان الفارسي رضي‌الله‌عنه ، قال : كنّا عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أربعة أبو بكر وعمر والمقداد وأنا ، فدعا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ببساط فبسط بين يديه ، وقال عليه‌السلام لأبي بكر : اقعد على القرنة (١) من البساط ، وأمر عمر فقعد على القرنة الثانية ، وأمر المقداد فقعد على القرنة الثالثة ، وأمرني أن أقعد على القرنة الرابعة ، وأمر عليّا فقعد في وسط البساط ، وقام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورفع يديه حتى يرى بياض ابطيه فقال : اللهمّ إنّ أخي سليمان بن داود سألك ملكا لا ينبغي لأحد من بعده ، وأنت الوهّاب ، وأنا نبيّك وصفيّك وخيرتك من خلقك ، اللهمّ وإنّي أسألك بحقّي عليك أن ترفع هؤلاء النفر حتى تؤدّيهم الى أصحاب الكهف.

قال سلمان : فو الله ما استتمّ كلامه عليه‌السلام حتى هبّت ريح سوداء فرفعتنا حتى بلغنا أصحاب الكهف.

قال سلمان : وقد كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمرني بأمر ، فلمّا صرنا عندهم قلت لأبي بكر :

قم فسلّم فسلّم فلم يردّوا عليه ، ثمّ قلت لعمر : قم فسلّم ، فسلّم فلم يردّوا عليه ، ثمّ قام المقداد فسلّم فلم يردّوا عليه ، ثمّ قمت فسلّمت فلم يردّوا عليّ ؛ فقام علي عليه‌السلام فقال : السلام عليكم يا أهل الكهف فتية آمنوا بربّهم وزدناهم هدى. فسمعت همهمة الصوت ولم نر أحدا وهم يقولون : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ، إنّا أقوام في هذا الموضع منذ ألف سنة امرنا أن لا نردّ السلام إلاّ على نبيّ أو وصيّ نبيّ ، ونحن نشهد أنّك وصيّ النبيّ. ثمّ هبّت لنا الريح فردّتنا الى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢).

معجزة اخرى :

حدّث محمّد بن عبد الله بن الحسن بحذف الإسناد ، عن أبيه ، عن فاطمة بنت

__________________

(١) القرنة بالضمّ : الطرف الشاخص من كلّ شيء ( لسان العرب ١٣ / ٣٣٥ ).

(٢) نقل حديث البساط ابن المغازلي في مناقبه : ص ٢٣٢ ح ٢٨٠ ، وابن البطريق : ص ٣٧٢ ح ٧٣٢ ، وابن شهرآشوب في مناقبه : ج ٢ ص ٣٢٧ والمجلسي في بحار الأنوار : ج ٤١ ص ٢١٧ باب ١١٠ ح ٣١.

١٣٩

الحسين ، عن عمّتها زينب بنت علي قالت : صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلاة الفجر ثمّ أقبل على عليّ عليه‌السلام. فقال : هل عندكم طعام فإنّي لم آكل منذ ثلاث طعاما.

فقال : ما تركنا في منزلنا طعاما.

فقال : امض بنا الى فاطمة ، فدخلا عليها وهي تلتوي من الجوع وابناها معا ، فقال لها : يا فاطمة فداك أبوك هل عندك طعام؟ فاستحيت وقالت : انظر ، فدخلت مخدعا لها فظلّت ثمّ سمعت حفيفا فالتفتت فإذا صحفة مملوّة ثريدا ولحما ، فاحتملتها فجاءت بها إليّ ، فوضعتها بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجمعهم عليها : عليّا وفاطمة والحسن والحسين ، وجعل علي عليه‌السلام يطيل النظر الى فاطمة ويتعجّب ويقول : خرجت من عندها وليس عندها طعام فمن أين هذا؟ ثمّ أقبل عليها فقال :

يا بنت محمّد أنّى لك هذا الطعام؟

قالت : هو من رزق الله ، إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب.

فضحك النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ قال : الحمد لله الذي جعل في أهلي نظير زكريّا ومريم ، إذ قال لها ( أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ : هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ ).

فبينا هم يأكلون إذا سائل بالباب يقول : السلام عليكم يا أهل بيت محمّد أطعموني ممّا تأكلون. فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اخسأه. فقال : وفعل ذلك ثلاثا.

فقال عليّ : يا رسول الله أمرتنا أن لا نردّ سائلا ، وهذا أنت تخسأه! قال : يا عليّ هذا إبليس علم أنّ هذا من طعام الجنّة فتشبّه بسائل لنطعمه منه.

فأكل النبيّ وعليّ وفاطمة والحسن والحسين صلّى الله عليهم حتّى شبعوا ، ثمّ ارتفعت الصحفة (١).

معجزة اخرى :

قال زيد بن أرقم بحذف الإسناد : قال : كنت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بعض سكك المدينة فمررنا بخباء فإذا ظبية مشدودة الى الخباء ، فقالت : يا رسول الله

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٤٣ ص ٢٧ ح ٣٠ وص ٢٩ ذيل ح ٣٥ مع اختلاف.

١٤٠