الدرّ النظيم في مناقب الأئمّة اللهاميم

الشيخ جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي

الدرّ النظيم في مناقب الأئمّة اللهاميم

المؤلف:

الشيخ جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-064-3
الصفحات: ٨٣٢

والرشيد يسمع كلامه ، فأقبل الرشيد على بعض أصحابه وقال : عليّ بالأعرابي. فجاء الحاجب فسلّم عليه وقال : أجب أمير المؤمنين فقال الأعرابي : مالي إليه حاجة فأقوم إليه ، فإن تكن الحاجة له إليّ فهو أولى بقصدي. فقال الرشيد : صدق. ثمّ إنّه وثب وجاء فقال : يا أعرابي أأجلس؟

فقال : والله ما الموضع لي فتستأذنني ، إنّما هو بيت وضعه الله لخلقه ، لي فيه مثل مالك فيه ، فإن شئت أن تجلس فاجلس ، وإن شئت أن تنصرف فانصرف.

فجلس الرشيد وقد امتلأ غيظا وقال له : إنّي مسائل عن فرضك فإن قمت به فإنّك لعمري بغيره أقوم ، وإن عجزت عنه كنت عمّا سواه أعجز. فقال الأعرابي : سل عمّا شئت. فقال له الرشيد : ما فرضك؟ قال الأعرابي : فرضي واحد ، وخمس ، وسبع عشرة ، واربع وثلاثون ، وأربع وتسعون ، ومائة وثلاثة وخمسون ، وسبعة (١) ، ومن اثنى عشر واحدة ، وفي طول عمري واحدة ، ومن مائتين خمسة ، ومن أربعين واحدة. فقال له الرشيد : أسألك عن فرضك تأتيني بحساب! فقال الأعرابي : إنّ الدين الحساب ، أما أخذ الله به الخلائق ، وقرأ : ( وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ ) (٢) فقال الرشيد : بيّن ما قلت وإلاّ ضربت عنقك بين الصفا والمروة. فقال الأعرابي : يا هذا لقد زهوت بأعوانك. قال له الرشيد : أبن عمّا قلت ، وقد امتلأ غيظا.

قال : أمّا قولي لك فرض واحد فهو دين الإسلام ، وأمّا قولي خمس فهي الصلوات الخمس ، وأمّا قولي سبع عشرة فهي ركعات فرض الصلاة ، وأمّا قولي أربع وثلاثون ففيها أربع وثلاثون سجدة ، وأمّا قولي أربع وتسعون ففيها أربع وتسعون تكبيرة ، وأمّا قولي مائة وثلاث وخمسون فمائة وثلاث وخمسون تسبيحة ، وأمّا قولي سبعة فإنّ الله لا يقبل الصلاة إلاّ على سبعة أعضاء وذلك قوله

__________________

(١) في المصدر : على سبعة عشر.

(٢) الأنبياء : ٤٧.

٦٦١

تعالى : ( وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً ) (١) ليس من المساجد المبنيّة بالحجارة بل هي القدمان والركبتان واليدان والجبين (٢) ، وأمّا قولي من اثني عشر واحد فالسنة اثنا عشر شهرا الفرض منها واحد وهو صوم شهر رمضان ، وأمّا قولي من مائتين خمسة فإنّ من ملك مائتي درهم وجب عليه زكاتها إذا حالت خمسة دراهم ، وأمّا قولي من أربعين واحد ففي كلّ أربعين من الغنم شاة ، وأمّا قولي في دهري واحدة فحجّة الإسلام تجب في العمر مرّة واحدة. قال الرشيد : مثلك يا هذا يزاحم الملوك. ثمّ أمر له ببدرتين عينا. فقام الأعرابي وأخذ المال وتصدّق به في موضعه وانصرف ، فاتّبعه قوما فسألوه عن اسمه فإذا هو موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، فأخبر بذلك الرشيد فقال : أنكرت أن يكون هذا الفضل والكرم إلاّ في رجل من ولد عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام (٣).

وحدّث عيسى بن محمّد بن مغيث القرطي ، قال : زرعت بطيخا وقثّاء ، فلمّا استوى رعى الجراد فبينا أنا جالس اذ طلع موسى بن جعفر عليهما‌السلام فسلّم ثمّ قال : أيش حالك؟ فقلت : أصبحت كالصريم. قال : وكم غرمت فيه؟ قلت : مائة وعشرين دينارا مع ثمن الجملين. فقال : يا عرفة زن له مائة وخمسين دينارا نربحك ثلاثين دينارا والجملين. فقلت : يا مبارك ادخل وادع لي فيها. فدخل ودعا وجلس ، وجعل الله فيها البركة وزكت ، فبعت منها بعشرة آلاف (٤).

فصل

في ذكر معجزات موسى بن جعفر عليهما‌السلام

روي عن أحمد بن عمر الخلال (٥) قال : سمعت الأخرس يذكر موسى

__________________

(١) الجنّ : ١٨.

(٢) من قوله : « وأما قولي سبعة » إلى قوله : « والجبين » ليس في المصدر.

(٣) المناقب لابن شهرآشوب : ج ٤ ص ٣١٢ ـ ٣١٣.

(٤) كشف الغمة : ج ٢ ص ٢١٧.

(٥) في المصدر : أحمد بن عمر الحلال.

٦٦٢

ابن جعفر عليهما‌السلام بسوء ، فاشتريت سكّينا وقلت في نفسي : والله لأقتلنّه إذا خرج من المسجد ، فأقمت على ذلك وجلست فما شعرت إلاّ برقعة أبي الحسن عليه‌السلام قد طلعت عليّ فيها : بحقّي عليك إلاّ ما كففت عن الأخرس فإنّ الله تعالى يقضي ، وهو حسبي (١).

وحدّث أبو الفضل محمّد بن عبد الله الشيباني أنّ عليّ بن محمّد بن الزبير البلخي حدّثني ، قال : حدّثنا خشنام بن حاتم الأصم ، قال : حدّثني أبي ، قال : قال لي شقيق بن إبراهيم البلخي : خرجت حاجّا في سنة تسع وأربعين ومائة ، فنزلت القادسية (٢) ، فبينا أنا أنظر إلى الناس في رتبتهم وكثرتهم إذ نظرت إلى فتى حسن الوجه شديد السمرة تعلوا فوق ثيابه بثوب من صوف مشتمل بشملة في رجليه نعلان وقد جلس منفردا ، فقلت في نفسي : هذا الفتى من الصوفية يريد أن يكون كلاّ على الناس في طريقهم ، والله لأمضينّ إليه ولاوبّخنّه فدنوت منه فلمّا رآني مقبلا قال : يا شقيق ( اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) (٣) ثمّ تركني ومضى.

فقلت في نفسي : إنّ هذا لأمر عظيم قد تكلّم على ما في نفسي ونطق باسمي ، وما هذا إلاّ عبد صالح ، لألحقنّه ولأسألنّه أن يحالّني. فأسرعت في أثره فلم ألحقه وغاب عن عيني.

فلمّا نزلنا واقصة (٤) إذا به يصلّي وأعضاؤه تضطرب ودموعه تجري ، فقلت : هذا صاحبي أمضي إليه وأستحلّه. فصبرت حتى جلس وأقبلت نحوه فلمّا رآني مقبلا قال لي : يا شقيق اتل : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً

__________________

(١) المناقب : ج ٤ ص ٢٨٩ وفيه : فانّ الله ثقتي.

(٢) قرية قرب الكوفة ، من جهة البر ، بينها وبين الكوفة خمسة عشر فرسخا.

(٣) الحجرات : ١٢.

(٤) واقصة : بكسر القاف والصاد المهملة ، موضعان : منزل في طريق مكّة بعد القرعاء نحو مكّة ، وواقصة أيضا بأرض اليمامة.

٦٦٣

ثُمَّ اهْتَدى ) (١) ثمّ تركني ومضى.

فقلت في نفسي : إنّ هذا الفتى لمن الأبدال قد تكلّم على سرّي مرّتين.

فلمّا نزلنا زبالة (٢) إذا أنا بالفتى قائم على البئر وبيده ركوة (٣) يريد أن يستقي ماء ، فسقطت الركوة من يده في البئر وأنا أنظر إليه ، فرأيته قد رمق إلى السماء وسمعته يقول :

أنت ربّي إذا ظمئت من الماء

وقوتي إذا أردت الطعاما

اللهمّ سيّدي مالي سواها فلا تعدمنيها.

قال شقيق : فو الله لقد رأيت البئر قد ارتفع ماؤها ، فمدّ يده فأخذ الركوة وملأها وتوضّأ وصلّى أربع ركعات ثمّ مال إلى كثيب (٤) رمل ، فجعل يقبض بيده ويطرحه في الركوة ويحرّكه ويشربه ، فأقبلت إليه وسلّمت عليه فردّ عليّ السلام. فقلت : أطعمني من فضل ما أنعم الله به عليك. فقال : يا شقيق لم تزل نعمه علينا ظاهرة وباطنة فأحسن ظنّك بربّك. ثمّ ناولني الركوة فشربت منها وإذا سويق وسكّر.

فو الله ما شربت قطّ ألذّ منه ولا أطيب ريحا ، فشبعت ورويت وأقمت أيّاما لا أشتهي طعاما ولا شرابا ، ثمّ لم أره حتّى دخلنا مكّة فرأيته ليلة إلى جنب قبّة الشراب في نصف الليل يصلّي بخشوع وأنين وبكاء ، فلم يزل كذلك حتى ذهب الليل ، فلمّا طلع الفجر جلس في مصلاّه يسبّح الله ، ثمّ قام فصلّى الغداة ، ثمّ طاف بالبيت سبعا وخرج فاتّبعته فإذا له غاشية وموال وهو خلاف ما رأيته في الطريق ودار به الناس من حوله يسلّمون عليه ، فقلت لبعض من يقرب منه : من هذا الفتى؟ فقال : هذا موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم‌السلام فقلت : قد عجبت أن تكون هذه العجائب إلاّ لمثل هذا السيّد (٥).

__________________

(١) طه : ٨٢.

(٢) زبالة : بضم أوّله : موضع معروف بطريق مكّة بين واقصة والثعلبية ، بها بركتان.

(٣) الركوة : مثلّثة : إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء ، جمع ركاء وركوات.

(٤) الكثيب : التل من الرمل ، جمع كثب وكثبان وأكثبة.

(٥) كشف الغمة : ج ٢ ص ٢١٢ ـ ٢١٥.

٦٦٤

وقال أحمد بن حنبل : دخلت في بعض الأيّام على الإمام موسى بن جعفر عليهما‌السلام حتّى أقرأ عليه ، إذا ثعبان قد وضع فمه على اذن موسى بن جعفر عليه‌السلام كالمحدّث له ، فلمّا فرغ حدّثه موسى بن جعفر عليه‌السلام حديثا لم أفهمه ، ثمّ انساب الثعبان ، فقال : يا أحمد هذا رسول من الجنّ قد اختلفوا في مسألة جاءني يسألني فأخبرته بها ، بالله عليك يا أحمد لا تخبر بهذا أحدا إلاّ بعد موتي. فما أخبرت به أحدا حتّى مات عليه‌السلام.

وحدّث عمر الرافعي قال : كان لي ابن عمّ فقال له الحسن بن عبد الله ، وكان زاهدا ، من أعبد أهل زمانه ، يتّقيه السلطان لجدّه في الدين واجتهاده ، وربّما استقبل السلطان في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما يغضبه وكان يحتمل لصلاحه. فدخل يوما المسجد وفيه موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، فأتاه فقال له : يا أبا عليّ ما أحبّ إليّ ما أنت عليه ، إلاّ أنّه ليس لك معرفة ، فاطلب المعرفة. فقال : وما المعرفة؟ قال : اذهب وتفقّه. قال : عمّن؟ قال : عن فقهاء المدينة. فذهب وكتب الحديث ثمّ جاءه وقرأه عليه. قال : اذهب وتفقّه واطلب العلم. فذهب وكتب الخلاف ، فجاءه فعرض عليه ، فأسقطه كلّه وقال : اذهب فاعرف.

وكان الرجل معتنيا بدينه ، فلم يزل يترصّد أبا الحسن حتى خرج إلى ضيعة له فلقيه في الطريق فقال له : يا ابن رسول الله إنّي أحتجّ عليك بين يدي الله عزّ وجلّ فدلّني على ما يجب عليّ معرفته. فأخبره أبو الحسن بأمر أمير المؤمنين وأمر الحسن والحسين وعليّ بن الحسين ومحمّد بن عليّ وجعفر بن محمّد ثمّ سكت.

قال : جعلت فداك فمن الإمام اليوم؟ قال : إن أخبرتك تقبل. قال : نعم. قال : أنا.

قال : فشيء أستدلّ به. قال : اذهب إلى تلك الشجرة ـ وأشار إلى شجرة هناك ـ وقل لها : يقول لك موسى بن جعفر أقبلي. قال : فرأيتها تخدّ الأرض خدّا حتّى وقفت بين يديه. ثمّ أشار إليها بالرجوع فرجعت ، فأقرّ به ثمّ لزم الصمت والعبادة. وكان من قبل يرى الرؤيا الصالحة الحسنة وترى له ثمّ انقطعت عنه الرؤيا ، فرأى أبا عبد الله في النوم فشكا إليه انقطاع الرؤيا. فقال له عليه‌السلام : لا تغتمّ فإنّ المؤمن

٦٦٥

إذا رسخ في الإيمان رفعت عنه الرؤيا (١).

وقيل : إنّ المهدي أمر بحفر بئر يقرب « قبر العبادي » (٢) لعطش الحاجّ هناك ، فحفرت أكثر من مائة قامة ، فبينا هم يحفرون إذ خرقوا خرقا فإذا تحته هواء لا يدرى ما قعره ، وإذا هو مظلم ، للريح فيه دوي ، فأدلوا رجلين إلى مستقرّه. فلمّا خرجا تغيّرت ألوانهما وقالا : رأينا هواء واسعا ورأينا بيوتا قائمة ورجالا ونساء وإبلا وبقرا وغنما ، كلّما مسسنا شيئا منها رأيناه هباء.

فسئل الفقهاء عن ذلك فلم يدر أحد ما هو. فقدم أبو الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام على المهدي فسأله عنه فقال : أولئك أصحاب الأحقاف هم بقيّة من عاد ساخت بهم منازلهم ، فذكر على مثل ما قال الرجلان (٣).

وقال الأعمش : رأيت كاظم الغيض عليه‌السلام عند الرشيد وقد خضع له ، فقال له عيسى بن هامان : يا أمير المؤمنين لم تخضع له؟ قال : رأيت من ورائي أفعى يضرب نيابها وتقول : أجبه بالطاعة وإلاّ بلعتك ، ففزعت منها فأجبته (٤).

وحدّث إبراهيم بن الحسن بن راشد ، عن عليّ بن يقطين قال : كنت واقفا بين يدي الرشيد إذ جاءته هدايا من ملك الروم كانت فيها درّاعة ديباج سوداء مذهّبة لم أر شيئا أحسن منها ، فنظر إليّ وأنا أحدّ إليها النظر فقال : يا عليّ أعجبتك؟ قلت : اي والله يا أمير المؤمنين. قال : خذها. فأخذتها وانصرفت بها إلى منزلي ، وشددتها في منديل ووجّهتها إلى المدينة. فمكثت ستّة أشهر ، ثمّ انصرفت يوما من عند هارون وقد تغديت بين يديه [ فلمّا دخلت داري ] فقام إليّ خادمي الذي يأخذ ثيابي بمنديل على يديه وكتاب مختوم وختمه (٥) رطب ، فقال : جاء بهذه الساعة رجل فقال : ادفع هذا إلى مولاك ساعة يدخل. ففضضت الكتاب فإذا فيه : يا عليّ

__________________

(١) الخرائج والجرائح : ج ٢ ص ٦٥٠ ح ٢.

(٢) قبر العبادي : منزل في طريق مكّة من القادسية الى العذيب ( معجم البلدان : ٤ / ٣٠٤ ).

(٣) الخرائج والجرائح : ج ٢ ص ٦٥٥ ح ٨.

(٤) دلائل الإمامة : ص ١٥٧.

(٥) في الاصل : وطية.

٦٦٦

هذا وقت حاجتك الى الدرّاعة. فكشفت طرف المنديل عنها ، ودخل عليّ خادم هارون فقال : أجب أمير المؤمنين. فقلت : أيّ شيء حدث؟ قال : لا أدري. ومضيت فدخلت عليه وعنده عمر بن بزيع واقفا بين يديه ، فقال : يا عليّ ما فعلت الدرّاعة التي وهبتها لك؟ قلت : ما كساني به أمير المؤمنين أكثر من ذلك ، فعن أيّ درّاعة تسألني يا أمير المؤمنين؟ قال : الدرّاعة الديباج السوداء المذهّبة. قلت : وما عسى أن يصنع مثلي بمثلها ، إذا انصرفت من دار أمير المؤمنين دعوت بها فلبستها وصلّيت فيها ركعتين أو أربع ركعات ، ولقد دخل عليّ الرسول وقد دعوت بها لأفعل ذلك. فنظر إلى عمر بن بزيع وقال : أرسل من يجيئني بها. فأرسلت خادمي فجاءني بها. فلمّا رآها قال : يا عمر ما ينبغي لنا أن نقبل قول أحد على عليّ بعد هذا ، وأمر لي بخمسين ألف درهم ، فحملت مع الدرّاعة ، فبعثت بها وبالمال إليه من يومي ذلك (١).

وقال سيف بن عمير ، عن إسحاق بن عمّار : سمعت العبد الصالح ينعى الى رجل نفسه. فقلت في نفسي : وأنّه ليعلم متى يموت الرجل من شيعته. فالتفت إليّ شبه المغضب وقال : يا إسحاق كان رشيد الهجري من المستضعفين وكان يعلم علم البلايا والمنايا ، والحجّة أولى بعلم ذلك.

ثمّ قال : يا إسحاق اصنع ما أنت صانع عمرك قد فنى وأنت تموت بعد قليل وأخوك وأهل بيتك لا يلبثون إلاّ يسيرا حتى تفترق كلمتهم ويخون بعضهم بعضا قال إسحاق : فإنّي استغفر الله ممّا عرض في صدري. قال سيف : فلم يلبث إسحاق بن عمّار إلاّ يسيرا حتى مات ، وما ذهبت الأيّام حتى أفلس ولد عمار وقاموا بأموال الناس (٢).

وقال عليّ بن شعيب العقرقوفيّ : بعثت مولاي الى أبي الحسن عليه‌السلام ومعه مائتا دينار وكتبت معه كتابا ، كان من الدنانير خمسون دينارا من دنانير اختي فاطمة

__________________

(١) الخرائج والجرائح : ج ٢ ص ٦٥٦ ح ٩.

(٢) بصائر الدرجات : ج ٦ باب ١ ص ٢٦٥ ح ١٣ مختصرا.

٦٦٧

أخذتها منها سرّا لتمام المائتين دينار ، وكنت سألتها ذلك ولم تعطني وقالت : إنّي اريد أن أشتري بها قراح فلان بن فلان. فذكر مولاي أنّه قدم المدينة فسأل عن أبي الحسن فقيل له انّه قد خرج الى مكّة ، فأسرع في السير ، فقال : والله إنّي لأسير من المدينة الى مكّة في ليلة مظلمة لهاتف يهتف بي : يا مبارك يا مبارك مولى شعيب العقرقوفيّ. قلت : أيش أنت؟ قال : أنا معتب ، يقول لك أبو الحسن : هات الكتاب الذي معك ووافني بما معك إلى منى.

قال : فنزلت من محملي فدفعت إليه الكتاب ، وصرت إلى منى فدخلت عليه وصببت الدنانير عنده ، فجرّ بعضها إليه ودفع بعضها بيده ثمّ قال لي : يا مبارك ادفع هذه الدنانير الى شعيب وقل له : يقول لك أبو الحسن ردّها الى موضعها الذي أخذتها منه فإنّ صاحبتها تحتاج إليها.

قال : فخرجت من عنده وقدمت على شعيب وقلت له : قد ردّ عليك من الدنانير التي بعثت بها خمسين دينارا وهو يقول لك : ردّها الى موضعها الذي أخذتها منه ، فما قصّة هذه الدنانير فقد دخلني من أمرها ما الله به عليم؟ فقال : يا مبارك إنّي طلبت من اختي فاطمة خمسين دينارا لتمام هذه الدنانير فامتنعت وقالت : اريد أشتري قراح (١) فلان بن فلان ، فأخذتها سرّا ولم ألتفت الى كلامها. قال شعيب : فدعوت بالميزان فوزنتها فإذا هي خمسون دينارا لا تزيد ولا تنقص. فقال : والله لو حلفت عليها أنّها دنانير فاطمة لكنت صادقا. قال شعيب : فقلت : هو والله لتمام فرض الله لطاعته وهكذا صنع والله بي أبو عبد الله عليه‌السلام (٢).

وقال علي بن أبي حمزة : قال لي أبو الحسن عليه‌السلام مبتدئا من غير أن أسأله عن شيء : يا عليّ يلقاك غدا رجل من أهل المغرب يسألك عنّي فقل له : هو والله الإمام الذي قال لنا أبو عبد الله عنه ، وإذا سأل عن الحلال والحرام فأجبه عنّي. قلت : ما علامته؟ قال : رجل طوال جسيم اسمه يعقوب ، وهو رائد قومه ، وإن أحببت أن

__________________

(١) القراح : الارض لا ماء فيها ولا شجر ، جمع أقرحة.

(٢) المناقب لابن شهرآشوب : ج ٤ ص ٢٩٤.

٦٦٨

تدخله عليّ فأدخله. قال : فو الله إني لفي الطواف إذ أقبل إليّ رجل طوال جسيم فقال لي : اريد أن أسألك عن صاحبك. قلت : عن أي أصحابي؟ قال : عن فلان بن فلان. قلت : ما اسمك؟ قال : يعقوب. قلت : من أين أنت؟ قال : من المغرب. قلت : من أين عرفتني. قال : أتاني آت في منامي فقال لي ألق عليّا فاسأله عن جميع ما تحتاج إليه ، فسألت عنك حتى دللت عليك. فقلت : اقعد في هذا الموضع حتى أفرغ من طوافي وآتيك إن شاء الله. فطفت ثمّ أتيته فكلّمت رجلا عاقلا ، وطلب إليّ أن ادخله على أبي الحسن ، فأخذت بيده واستأذنت ، فاذن لي ، فلمّا رآه أبو الحسن قال : يا يعقوب قدمت أمس ووقع بك وبين أخيك شيء في موضع كذا وكذا حتى شتم بعضكم بعضا ، وليس هذا من ديني ولا دين آبائي ولا أمر بهذا أحد من شيعتنا فاتق الله وحده فإنّكما ستعاقبان بموت ، أمّا أخوك فيموت في سفره قبل أن يصل الى أهله ، وستندم أنت على ما كان ، وذلك أنّكما تقاطعتما فبتر الله أعماركما. قال الرجل : جعلت فداك فأنا متى أجلي. قال : كان قد حضر أجلك فوصلت عمّتك في منزل كذا وكذا فأنسأ الله في أجلك عشرين سنة. قال : فلقيت الرجل قابل بمكّة فأخبرني أنّ أخاه توفّي في ذلك الوجه ودفنه قبل أن يصل الى أهله (١).

فصل

في ذكر شيء من كلام الكاظم عليه‌السلام

قال عليه‌السلام : كفى بالتجارب تأديبا ، وبممرّ الأيّام عظة ، وبأخلاق من عاشرت معرفة ، وبذكر الموت حاجزا من الذنوب والمعاصي. والعجب كلّ العجب للمحتمين من الطعام والشراب مخافة الداء أن ينزل بهم كيف لا يحتمون من الذنوب مخافة النار إذا اشتعلت في أبدانهم (٢).

__________________

(١) رجال الكشي : ج ٢ ص ٧٤١ ح ٨٣١.

(٢) الأمالي للطوسي : ج ١ ص ٢٠٦ المجلس السابع ح ٤٩.

٦٦٩

وقال عليه‌السلام لبعض أصحابه : يا فلان اتق الله وقل الحقّ ولو كان فيه هلاكك فإنّ فيه نجاتك ، يا فلان اتّق الله ودع الباطل ولو كان فيه نجاتك فإنّ فيه هلاكك (١).

وقال عليه‌السلام لعلي بن يقطين وكان يتولّى أمر الرشيد : يا عليّ اضمن لي خصلة أضمن لك ثلاث خصال ، اضمن لنا أن لا ترى مواليا لنا إلاّ أكرمته فأضمن لك ثلاثا : لا يصيبك حرّ حديد أبدا ، ولا غمّ سجن ، ولا ذلّ فقر أبدا ، قال : فكان لا يرى أحدا من محبّي آل محمّد عليهم‌السلام إلاّ وصعّر خدّه له (٢).

وقال عليه‌السلام : من استشار لا يعدم عند الصواب مادحا وعند الخطاء عاذرا (٣).

وقال سماعة بن مهران : كتبت الى أبي الحسن موسى عليه‌السلام أشكو الدين وتغيّر الحال ، فكتب إليّ عليه‌السلام : اصبر تؤجر ، فإنّك إن لم تصبر لم تؤجر ولم تردّ قضاء الله بجزعك.

وقال الرضا عليه‌السلام : أوصى إليّ أبي عليه‌السلام فلمّا فرغ من وصيّته ضمّني إليه ثمّ قال : الحمد لله الذي جعلك يا بنيّ خلفا من الآباء وسرورا من الأبناء (٤).

وقال عليه‌السلام : يا هشام إنّ لكلّ شيء دليلا ، ودليل العقل التفكّر ، ودليل التفكّر الصمت ، ولكلّ شيء مطيّة ومطيّة العقل التواضع ، وكفى بك جهلا أن تركب ما نهيت عنه. يا هشام ما بعث الله عزّ وجلّ أنبياءه ورسله الى عباده إلاّ ليعقلوا عن الله عزّ وجلّ ، فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة ، وأعلمهم بأمر الله عزّ وجلّ أحسنهم عقلا ، وأكملهم عقلا أرفعهم درجة في الدنيا والآخرة. يا هشام إنّ العاقل الذي لا يشغل الحلال شكره ، ولا يغلب الحرام صبره. يا هشام من سلّط ثلاثا على ثلاث فكأنّما أعان على هدم عقله ، من أظلم نور تفكّره بطول أمله ، ومحا طرائف حكمته بفضول كلامه ، وأطفأ نار عبرته بشهوات نفسه. يا هشام الصبر على الوحدة علامة قوّة العقل ، فمن عقل عن الله عزّ وجلّ اعتزل أهل الدنيا والراغبين فيها ورغب

__________________

(١) تحف العقول : ص ٤٠٨.

(٢) رجال الكشي : ج ٢ ص ٧٣١ ح ٨١٨.

(٣) بحار الأنوار : ج ٧٥ ص ١٠٤ ب ٤٩ ح ٣٧ نقلا عن كتاب « الدرّة الباهرة ».

(٤) عيون أخبار الرضا : ج ٢ ص ١٢٧ ب ٣٥ ح ٤.

٦٧٠

فيما عند الله عزّ وجلّ ، وكان الله سبحانه وتعالى آنسه في الوحشة ، وصاحبه في الوحدة ، وغناه في العيلة ، ومعزّه من غير عشيرة. يا هشام إنّ العقلاء زهدوا في الدنيا ورغبوا في الآخرة لأنّهم علموا أنّ الدنيا طالبة مطلوبة ، فمن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتى يستوفي منها رزقه ، ومن طلب الدنيا طلبته الآخرة فيأتيه الموت فيفسد عليه دنياه وآخرته (١).

فصل

في ذكر وفاة الكاظم عليه‌السلام وسببها وموضع قبره

وكان سبب وفاته عليه‌السلام انّ يحيى بن خالد سمّه في رطب وريحان أرسل بهما إليه مسمومين بأمر الرشيد.

ولمّا سمّ وجّه إليه الرشيد بشهود حتى يشهدوا عليه بخروجه عن أملاكه. فلمّا دخلوا عليه قال : يا فلان بن فلان سقيت السمّ في يومي هذا ، وفي غد يصفارّ بدني ويحمارّ ، وبعد غد يسودّ وأموت. فانصرف الشهود من عنده ، فكان كما قال.

وتولّى أمره ابنه عليّ الرضا عليه‌السلام. ودفن ببغداد في مقابر قريش في بقعة كان قبل وفاته ابتاعها لنفسه (٢).

وكانت وفاته في حبس السندي بن شاهك لستّ خلون من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة وعمره يومئذ خمس وخمسون سنة (٣).

وحدّث أبو المفضل محمّد عبد الله ، قال : حدّثنا جعفر بن مالك الفزاري ، قال : حدّثني محمّد بن إسماعيل الحسني ، عن أبي محمّد الحسن بن عليّ الثاني عليه‌السلام ، قال : إنّ موسى عليه‌السلام قبل وفاته بثلاثة أيّام دعا المسيّب وقال له : إنّي ظاعن عنك في هذه الليلة الى مدينة جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأعهد إلى من بها عهدا يعمل به

__________________

(١) تحف العقول : ص ٣٨٦ ـ ٣٨٨.

(٢) دلائل الإمامة : ص ١٤٨.

(٣) الكافي : ج ١ ص ٤٧٦.

٦٧١

من بعدي. قال المسيّب : فقلت : مولاى كيف تأمرني؟ وكيف أفتح لك الأبواب والحرس معي على الأبواب وأقفالها؟ فقال : يا مسيّب ضعفت نفسك في الله وفينا فقلت : يا سيّدي بيّن لي. فقال : يا مسيّب إذا مضى من هذه الليلة المقبلة ثلثها قف فانظر. قال المسيّب : فحرّمت عليّ النوم في تلك الليلة ، فلم أزل راكعا وساجدا وناظرا ما وعدنيه ، فلمّا مضى من الليل ثلثه تغشّاني النعاس وأنا جالس فإذا أنا بسيّدي موسى عليه‌السلام يحرّكني برجله ففزعت وقمت قائما ، فإذا سلك الجدران المشيّدة والأبنية المعلاّة وما حولنا من القصور قد صارت كلّها أرضا ، فظننت بمولاي أنّه أخرجني من المجلس الذي كان فيه. قلت : مولاي خذ بيدي من ظالمك وظالمي. فقال : يا مسيّب تخاف القتل؟ قلت : مولاي معك لا. فقال : يا مسيّب فاهدأ على جملتك ، فإنّي راجع إليك بعد ساعة وإذا ولّيت عنك فسيعود المجلس إلى شأنه. قلت : مولاي فالحديد الذي عليك كيف تصنع به؟ فقال : ويحك يا مسيّب بنا والله ألان الله الحديد لنبيّه داود عليه‌السلام ، فكيف يصعب علينا؟! قال : ثمّ خطا من بين يديّ خطوة فغاب عن بصري ، ثمّ ارتفع البنيان وعادت القصور إلى ما كانت عليه ، واشتدّ اهتمامي بنفسي وعلمت أنّ وعده الحقّ ، فلم أزل قائما على قدمي فلم ينقضي إلاّ ساعة حتى رأيت الجدران والأبنية قد خرّت إلى الأرض وإذا أنا بسيّدي عليه‌السلام وقد عاد إلى حبسه وعاد الحديد إلى رجليه ، فخررت ساجدا لوجهي بين يديه. فقال : ارفع رأسك يا مسيّب واعلم أنّ سيّدك راحل عنك إلى الله في ثالث هذا اليوم. قلت : مولاي فأين سيّدي عليّ؟

فقال : شاهد غير غائب يا مسيّب ، وحاضر غير بعيد. قلت : سيّدي فإليه قصدت. قال : قصدت والله يا مسيّب كلّ منتجب لله على وجه الأرض شرقا وغربا قال : فبكيت. فقال : لا تبك يا مسيّب ، فإنّا نور لا يطفأ ، إن غبت عنك فهذا عليّ ابني يقوم مقامي بعدي. فقلت : الحمد لله. قال : ثمّ إنّ سيّدي دعاني فقال لي : يا مسيّب إذا أنا دعوت بشربة ماء فشربتها فرأيتني قد انتفخت بطني يا مسيّب واصفرّ لوني واحمرّ واخضرّ وتلوّن ألوانا فخبّر الظالم بوفاتي ، وإيّاك إذا رأيت بي هذا الحدث أن تظهر عليه أحد من عندي إلاّ بعد وفاتي. قال المسيّب : فلم أزل أترقّب وعده

٦٧٢

حتى دعا بالشربة الماء فشربها ، ثمّ دعاني فقال : إنّ هذا الرجس السندي بن شاهك سيقول إنّه يتولّى أمري ودفني ، وهيهات هيهات أن يكون ذلك أبدا ، فإذا حملت نعشي إلى المقبرة المعروفة بمقابر قريش فالحدوني بها ولا تأخذوا من تربتي ليتبرّكوا بها فإنّ كلّ تربة لنا محرّمة إلاّ تربة جدّي الحسين بن عليّ عليهما‌السلام فإن الله جعلها شفاء لشيعتنا وأوليائنا.

قال : فلمّا رأيته تختلف ألوانه وينتفخ بطنه رأيت شخصا أشبه الأشخاص به قد شخص جالسا إلى جانبه في مثل شبهه ، وكان عهدي بسيّدي الرضا عليه‌السلام في ذلك الوقت غلاما ، فأقبلت اريد سؤاله فصاح بي موسى عليه‌السلام قد نهيتك يا مسيّب فتولّيت عنهم ولم أزل صابرا حتى قضى ، وعاد ذلك الشخص ، ثمّ أوصلت الخبر إلى الرشيد ، فوافى الرشيد ووافى ابن شاهك ، فو الله لقد رأيتهم بعيني وهم يظنّون أنّهم يغسّلونه ويكفّنونه وكلّ ذلك أراهم لا يصنعون به شيئا ولا تصل أيديهم إلى شيء منه ولا إليه وهو مغسول مكفّن محنّط ، ثمّ حمل ودفن في مقابر قريش (١).

فصل

في ذكر عدد أولاد موسى عليه‌السلام وطرف من أخبارهم

وكان لأبي الحسن عليه‌السلام سبعة وثلاثون ولدا ذكرا وانثى.

منهم : عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام ، وإبراهيم ، والعبّاس ، والقاسم لامّهات أولاد شتّى.

وإسماعيل ، وجعفر ، وهارون ، والحسن لأمّ ولد.

وأحمد ، ومحمّد ، وحمزة لام ولد.

وعبد الله ، وإسحاق ، وعبيد الله ، وزيد ، والحسين ، وهارون ، والفضل لامّهات أولاد.

__________________

(١) دلائل الإمامة : ص ١٥٢ ـ ١٥٤.

٦٧٣

وفاطمة الكبرى ، وفاطمة الصغرى ، ورقية ، وحكيمة ، وأمّ فروة ، ورقية الصغرى ، وكلثوم ، وأمّ جعفر ، ولبانة ، وزينب ، وخديجة ، وعليّة ، وآمنة ، وحسينة ، وتويمة ، وعائشة ، وأمّ سلمة ، وميمونة ، وأمّ كلثوم (١).

والعقب من ولد موسى بن جعفر عليهما‌السلام وهم الموسويّون في أربعة عشر رجلا : عليّ بن موسى الرضا ، وكان أفضل ولد أبي الحسن موسى عليه‌السلام.

إبراهيم بن موسى ، وكان سخيّا كريما ، وتقلّد الأمر على اليمن في أيّام المأمون من قبل محمّد بن زيد بن عليّ بن الحسين الذي بايعه أبو السرايا بالكوفة ، ومضى إليها ففتحها وأقام بها مدّة إلى أن كان من أمر أبي السرايا ما كان ، وأخذ له الأمان من المأمون ولكلّ واحد من ولد أبي الحسن موسى عليه‌السلام [ فضل ومنقبة مشهورة ] (٢).

العباس بن موسى ، إسماعيل بن موسى ، محمّد بن موسى وكان من أهل الفضل والصلاح.

حدّث أبو محمّد الحسن بن محمّد بن يحيى ، قال : حدّثني جدّي ، قال : حدّثتني هاشمية مولاة رقيّة بنت موسى ، قالت : كان محمّد بن موسى صاحب وضوء وصلاة ، وكان ليله كلّه يتوضّأ ويصلّي ، فيسمع سكب الماء ثمّ يصلّي ليلا ثم يهدي ساعة فيرقد ويقوم فيسمع سكب الماء والوضوء ثمّ يصلّي فلا يزال ليله كذلك حتى يصبح ، وما رأيته إلاّ ذكرت قول الله عزّ وجلّ : ( كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ ) (٣) (٤).

عبد الله بن موسى ، عبيد الله بن موسى ، جعفر بن موسى ، حمزة بن موسى ، زيد بن موسى ، هارون بن موسى ، إسحاق بن موسى ، الحسين بن موسى ، الحسن ابن موسى.

__________________

(١) الإرشاد : ص ٣٠٢.

(٢) الإرشاد : ص ٣٠٣.

(٣) الذاريات : ١٧.

(٤) الإرشاد : ص ٣٠٣.

٦٧٤

الباب العاشر

في ذكر مولانا عليّ بن موسى الرضا عليه السلام

٦٧٥
٦٧٦

فصل

في ذكر مولده عليه‌السلام وشيء من صفاته

ولد بالمدينة سنة ثلاث وخمسين ومائة من الهجرة ـ ويروى سنة ستّ ـ بعد وفاة جدّه الصادق عليه‌السلام بخمس سنين.

فأقام مع أبيه تسعا وعشرين سنة وأشهرا ، وأقام بعد أبيه بقية ملك الرشيد ، ثمّ محمّد بن هارون الأمين ثلاث سنين وثمانية عشر يوما ، ثمّ ملك المأمون عشرين سنة ، ووجّه إلى أبي الحسن عليه‌السلام فحمله إلى خراسان (١).

وامّه أمّ ولد يقال لها قليم.

قال أبو الحسن موسى عليه‌السلام لمّا ابتاع هذه الجارية لجماعة من أصحابه : والله ما اشتريت هذه الجارية إلاّ بأمر الله ووحيه ، فسئل عن ذلك ، فقال : بينا أنا نائم إذ أتاني جدّي وأبي ومعهما شقّة حرير فنشراها فإذا قميص وفيه صورة هذه الجارية ، فقالا : يا موسى ليكوننّ لك من هذه الجارية خير أهل الأرض بعدك ، ثمّ أمراني إذا ولدته أن اسمّيه عليّا وقالا : إنّ الله عزّ وجلّ سيظهر به العدل والرأفة والرحمة ، طوبى لمن صدّقه وويل لمن عاداه وجحده (٢) وقيل : اسم امّه سكن النوبيّة ، ويقال : الخيزران ، ويقال : صفرا وتسمى أروى أمّ البنين (٣).

__________________

(١) دلائل الإمامة : ص ١٧٥.

(٢) دلائل الإمامة : ص ١٧٦.

(٣) المناقب لابن شهرآشوب : ج ٤ ص ٣٦٧ ، وفيه « صقر » بدل « صفرا ».

٦٧٧

وكان يكنّى أبا الحسن ، والخاصّ أبا محمّد (١).

وكان يلقّب بالرضا ، والصابر ، والوفيّ ، ونور الهدى ، وسراج الله ، والفاضل ، وقرّة عين المؤمنين ، ومكيد الملحدين (٢).

وكانت نقش خاتمه : العزّة لله (٣).

وبابه : عمر بن الفرات وقيل : كان الرضا عليه‌السلام أشبه الناس برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكلّ من رأى رسول الله في المنام رآه على صورته.

فصل

في ذكر شيء من أخبار الرضا عليه‌السلام

روى جماعة من أصحاب الرضا عليه‌السلام أنّه قال : لمّا أردت الخروج من المدينة إلى خراسان جمعت عيالي فأمرتهم أن يبكوا عليّ حتى أسمع بكاءهم ، ثمّ فرّقت فيهم اثني عشر ألف دينار ، ثمّ قلت لهم : إنّي لا أرجع الى عيالي أبدا ، ثمّ أخذت أبا جعفر فأدخلته المسجد ووضعت يده على حافة القبر وألصقته به واستحفظته رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فالتفت إليّ أبو جعفر فقال لي : بأبي أنت والله تذهب الى الله. وأمرت جميع وكلائي وحشمي له بالسمع والطاعة وترك مخالفته وعرّفتهم أنّه القيّم مقامي (٤).

وشخص على طريق البصرة الى خراسان ، واستقبله المأمون وأعظمه وأكرمه وقال له : ما عزم عليه في أمره. فقال له : إنّ هذا أمر ليس بكائن إلاّ بعد خروج السفياني فألحّ عليه فامتنع ، ثمّ أقسم عليه ، فأبرّ قسمه ، وعقد له الأمر ، وجلس مع

__________________

(١) دلائل الإمامة : ص ١٨٣.

(٢) دلائل الإمامة : ص ١٨٣.

(٣) دلائل الإمامة : ص ١٨٤.

(٤) الى هنا في عيون أخبار الرضا : ج ٢ ص ٢١٩.

٦٧٨

المأمون للبيعة. ثمّ سأله المأمون أن يخرج فيصلّي بالناس ، فقال له : هذا ليس بكائن ، فأقسم عليه ، وأمر القوّاد بالركوب معه ، فاجتمع الناس على بابه ، فخرج وعليه قميصان ورداء وعمامة كما كان يخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمّا خرج من باب داره ضجّ الناس بالبكاء وكاد أهل البلدان أن يفتنوا ، واتّصل الخبر بالمأمون ، فبعث إليه : كنت أعلم منّي بما قلت ارجع ، فرجع ولم يصلّ بالناس (١).

وذكر جماعة من أصحاب الأخبار ورواة السير من أيّام الخلفاء : أنّ المأمون لمّا أراد العقد للرضا عليّ بن موسى عليهما‌السلام أحضر الفضل بن سهل فأعلمه بما قد عزم عليه وأمره بالاجتماع مع أخيه الحسن بن سهل على ذلك ، ففعل واجتمعا بحضرته ، وجعل الحسن يعظّم ذلك عليه ويعرّفه ما في إخراج الأمر من أهله عليه.

فقال له المأمون : إنّي عاهدت الله على أنّني إن ظفرت بالمخلوع أخرجت الخلافة الى أفضل آل أبي طالب ، وما أعلم أحدا أفضل من هذا الرجل على وجه الأرض.

فلمّا رأى الحسن والفضل عزيمته على ذلك أمسكا عن معارضته فيه ، فأرسلهما الى الرضا عليه‌السلام فعرضا ذلك عليه ، فامتنع فيه ، فلم يزالا به حتى أجاب ، ورجعا الى المأمون فعرّفاه إجابته ، فسرّ بذلك ، وجلس للخاصّة في يوم خميس ، وخرج الفضل بن سهل فأعلم الناس برأي المأمون في عليّ بن موسى وأنّه قد ولاّه العهد وسمّاه الرضا وأمرهم بلبس الخضرة والعود لبيعته في الخميس الآخر على أن يأخذوا أرزاق سنة.

فلمّا كان ذلك اليوم ركب الناس على طبقاتهم من القوّاد والحجّاب والقضاة وغيرهم في الخضرة ، وجلس المأمون ووضع للرضا وسادتان حتى لحقا بمجلسه وفرشه ، وأجلس الرضا عليه‌السلام عليهما في الخضرة ، وعليه عمامة وسيف ، ثمّ أمر ابنه العبّاس بن المأمون فبايع له أوّل الناس ، وبايعه الناس ويده فوق أيديهم ، ووضعت

__________________

(١) دلائل الإمامة : ص ١٧٦ ـ ١٧٧.

٦٧٩

البدر وقامت الخطباء والشعراء وجعلوا يذكرون فضل الرضا عليه‌السلام وما كان من المأمون في أمره.

ثمّ دعا أبو عباد بالعبّاس بن المأمون فوثب ندبا من أبيه فقبّل يده وأمره بالجلوس ، ثمّ نودي محمّد بن جعفر فقام فمشى حتى قرب من المأمون فوقف ولم يقبّل يده ، فقيل له : امض فخذ جائزتك. ثمّ جعل أبو عباد يدعو بعلوي وعبّاسي فيقبضان جوائزهما حتى نفدت الأموال.

ثمّ قال المأمون للرضا عليه‌السلام : اخطب الناس وتكلّم فيهم ، فحمد الله وأثنى عليه وقال : « إنّ لنا حقّا عليكم برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكم علينا حقّ به ، فإذا أنتم أدّيتم إلينا ذلك وجب علينا الحقّ لكم ». ولم يذكر عنه غير هذا في ذلك المسجد.

وأمر المأمون فضرب اسم الرضا على الدراهم ، وخطب له في كلّ بلدة بولاية العهد.

فقال من سمع عبد الحميد بن سعيد يخطب في تلك السنة على منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمدينة فقال في الدعاء له : وليّ عهد المسلمين عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم‌السلام :

ستة آباؤهم ما هم

أفضل من يشرب صوب الغمام (١)

قال : وكتب الحسين بن سهل إلى أخيه الفضل بن سهل : إنّي نظرت في تحويل السنة فوجدت فيه أنّك تذوق في شهر كذا وكذا في يوم الأربعاء حرّ الحديد وحرّ النار ، وأرى أن تدخل أنت وأمير المؤمنين والرضا الحمّام في هذا اليوم وتحتجم فيه وتصبّ على بدنك الدم ليزول عنه نحسه.

فكتب ذو الرئاستين إلى المأمون بذلك وسأله أن يسأل أبا الحسن عليه‌السلام ذلك ، وكتب المأمون إلى أبي الحسن يسأله فيه ، فأجابه أبو الحسن عليه‌السلام : لست بداخل الحمّام غدا ، فأعاد عليه الرقعة مرّتين ، فكتب إليه أبو الحسن عليه‌السلام :

__________________

(١) الإرشاد : ص ٣١٠ ـ ٣١٢.

٦٨٠