الدرّ النظيم في مناقب الأئمّة اللهاميم

الشيخ جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي

الدرّ النظيم في مناقب الأئمّة اللهاميم

المؤلف:

الشيخ جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-064-3
الصفحات: ٨٣٢

عبد المطلب خرس وغشي عليه ، وكان يخور خوار الثور ، فلمّا أفاق قال : أشهد انّك سيّد قريش ، فحيّرني جمالك ، ولقد أنفذني إليك يدعوك.

وعبد المطّلب بن هاشم :

وكان لهاشم خمسة بنين : عبد المطّلب ، وأسد ، ونضلة ، وصيفي ، وأبو صيفي.

وسمّي هاشم هاشما لهشمه الثريد للناس في زمن المسغبة. وكنيته : أبو نضلة ، من نضل الرامي رسيله نضلا. واسمه : عمرو العلى. قال ابن الزبعري :

كانت قريش بيضة فتفلّقت

فالمخّ خالصها لعبد مناف

الرائشون وليس يوجد رائش

والقائلون هلمّ للأضياف

والخالطون فقيرهم بغنيّهم

حتى يكون فقيرهم كالكافي

عمرو العلى هشم الثريد لقومه (١)

ورجال مكّة مسنتون عجاف (٢)

ويروى أنّ أهل مكّة من الصغار والكبار كتبوا على أنفسهم وعلى أولادهم بطنا على بطن أن يكونوا عبيده وعبيد أولاده ما بقوا لهشمه الثريد كلّ يوم من حمل.

ويقال : سمّي هاشما لأنّ قريشا أصابها سنوات ذهبت بالأموال ، فخرج هاشم ابن عبد مناف الى الشام ، فلمّا أراد الرجوع أمر بالخبز ، فخبز له خبز كثير ، ثم حمله في الغرائر على الإبل حتى وافى مكّة ، فهشم ذلك الخبز ونحر تلك الإبل وطبخت ، ثمّ القيت القدور على الخبز في الجفان ، فأوسع أهل مكّة ، فكان ذلك أوّل الجبا.

عن الزبير بن بكّار : انّه كان إذا حضر موسم الحاجّ ينادي مناديه : يا وفد الله الغداء الغداء ، يا وفد الله العشاء العشاء ، فكان يطعم بمكّة ... (٣) ويجمع ويثرد لهم الخبز واللحم والسمن والسويق والتمر في حياض الأدم ، وما فضل عن الناس تركه للوحوش والطير ، حتى قيل إنّه يطعم الناس بالسهل ، والوحوش في الجبل ، والطيور في الهواء ، وكان له عند زمزم حياض من أدم ملئ من مياه آبار طيبة ، فيشرب الحاجّ.

__________________

(١) وفي هامش الأصل : لضيفه.

(٢) الروض الآنف : ج ١ ص ١٦١ مع تقديم وتأخير في رواية الأبيات.

(٣) هنا كلمة مطموسة.

٤١

ولمّا شاع خبره في الآفاق وظهر فيه نور النبوّة سجد له جاثليق بني غسّان وقضاعة وربيعة وخبّر هرقل بأخبار النبي محمّد المذكور في الإنجيل رغب فيه أن يزوّج منه ابنته بجيل ، فتعلّل هاشم بالقحط الواقع فيهم واستأجله سنة ، وسرّ بذلك.

ثمّ إنّ هاشما رأى في منامه أنّ كفؤك سلمى بنت عمرو من بني النجّار دون ابنة قيصر. فلمّا انتبه قصّ ذلك على أهل الثقة فأشاروا إليها فتزوّجها ، فولدت له عبد المطّلب.

وكان هاشم يفتي على دين المسيح عليه‌السلام ، ويدعونه حواري الهادي ، وحبر الصارم ، ولذلك قيل : بنو هاشم سادات الأنام في الجاهلية والإسلام.

وولد هاشم وعبد الشمس توأمان في بطن ، فقيل : إنّه اخرج أحدهما واصبعه ملتصقة بجبهة الآخر ، فلمّا ازيلت من موضعها ادميت ، فقيل يكون بينهما دم.

وروى محمّد بن العبّاس ، عن عمّه ، عن ابن حبيب قال : كان اميّة بن عبد الشمس ميّلا ، فلمّا صنع هاشم عمّه ما صنع تكلّف مثل فعله ، فعجز عنه وقصّر ، فشمت به ناس من قريش وسخروا منه ، فهاج ذلك بينه وبين عمّه شرّا ، حتّى دعا هاشما الى المنافرة ، وألّب اميّة اخوته ووبّخوه ، فكره ذلك هاشم لسنّه ، وأبى اميّة.

فقال هاشم : أما إذا أبيت إلاّ المنافرة فأنا انافرك على خمسين ناقة ننحرها ببطن مكّة والجلاء عنها عشر سنين.

فرضيا بذلك وجعلا بينهما الكاهن الخزاعي ، وخرج أبو همهمة بن عبد العزّى من بني الحارث بن فهر ، وكانت ابنته أمة بنت أبي همهمة عند اميّة ، فخرج كالشاهد لهما.

فقالوا : لو خبأنا له خبيئا نبلوه به. فوجدوا أطباق جمجمة بالية ، فأمسكها أبو همهمة معه ، ثمّ أتوا الكاهن ، وكان منزله (١) الإبل ببابه.

فقالوا : إنّا قد خبئنا لك خبيئا فأنبئنا عنه.

قال الكاهن : أحلف بالنور والظلمة ، وما بتهامة من أكمة ، لقد خبأتم لي أطباق

__________________

(١) هنا كلمتان مطموستان.

٤٢

جمجمة مع البلندج أبي همهمة.

قالوا : أصبت ، فاحكم بين هاشم وبين اميّة أيّهما أشرف؟

فقال : والقمر الباهر ، والكوكب الزاهر ، والغمام الماطر ، وما بالجوّ من طائر ، وما اهتدى بعلم مسافر من منجد أو غائر ، لقد سبق هاشم اميّة الى المآثر أوّلا منه وآخر.

وقال لاميّة : تنافر رجلا أطول منك قامة ، وأعظم منك هامة ، وأحسن منك وسامة ، وأقلّ لامة ، وأكثر منك ولدا ، وأجزل منك صفدا (١).

فأخذ هاشم الإبل ونحرها ، وأطعم من حضر. وأخرج اميّة الى الشام ، فأقام بها عشر سنين منفيّا (٢). وذلك قول الأرقم بن نضلة بن هاشم :

وقبلك ما أردى اميّة هاشم

فأورده عمرو الى شرّ مورد

وكانت هذه أوّل العداوة.

وكان عبد مناف وصّى الى هاشم ، ودفع إليه مفتاح البيت وسقاية الحاجّ وقوس إسماعيل ، فقبلوه في حياته ، فلمّا توفي عبد مناف قالوا : إنّ هاشما خالف آلهتنا ، وصاروا يعادونه ، ومات هاشم بغزّة من آخر عمل الشام ، ومات عبد المطّلب بالطائف.

وأمّ هاشم : عاتكة السلميّة ، ولها يقول النبيّ عليه‌السلام : « أنا ابن العواتك من سليم » يعني عاتكة بنت هلال من بني سليم أمّ عبد مناف بن قصي ، وعاتكة بنت مرّة بن هلال أمّ هاشم ، وعاتكة بنت الأوقص بن مرّة بن هلال أمّ وهب بن عبد مناف أبي آمنة (٣).

وأسد من ولد هاشم انقرض عقبه إلاّ من ابنته فاطمة أمّ أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وأبو صيفي انقرض عقبه إلاّ من ابنته رقيقة وهي أمّ محرمة بن نوفل ، وصيفي لا بقيّة له.

__________________

(١) الصفد : العطاء ( لسان العرب ٣ / ٢٥٦ ).

(٢) تاريخ الطبري : ج ٢ ص ١٣.

(٣) الجامع الصغير : ص ١٠٧.

٤٣

ونضلة لا بقيّة له. والبقيّة من سائر ولد هاشم من عبد المطّلب.

وهاشم بن عبد مناف واسمه المغيرة بن قصي.

واسمه زيد قصي عن دار قومه لأنّه حمل من مكّة في صغره الى بلاد أزدشنوءة فسمّي قصيّا.

ويلقّب بالمجمّع لأنّه جمع قبائل قريش بعد ما كانوا في الجبال والشعاب ، وقسّم بينهم المنازل بالبطحاء.

وقصي هو الذي أدخل كنانة الحرم ونزع البيت من خزاعة وسابور ذا الأكتاف عن مكّة. وهو أوّل من أصاب الملك من ولد كعب بن لؤي ، لأنّ قومه ملّكوه عليهم ، وكان أمره في قريش كالدين المتّبع ، معرفة منها بفضله ، وتيمّنا برأيه.

وامّه فاطمة بنت سعد بن أزد السراة. وأمّ فاطمة : طريفة بنت قيس بن ذي الرأسين من فهم بن عمرو بن كلاب.

وامّه هند بنت سرير بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر.

وسمّي قريشا. واختلف في سبب ذلك.

فقال بعضهم : كان النضر بن كنانة ركب بحر الهند ، إذ ضجّ أهل السفينة ، فقال : مهيم ـ كلمة يمانية للعجب ـ قالوا : هذه قريش تريد كسر مركبنا. فرماها النضر بالحراب فقتلها وحزّ رأسها وكانت آذانها كالشراع ، فقدم به مكّة فنصبه على أبي قبيس ، فكان الناس يتعجّبون من عظمه ويقولون : قتل النضر قريشا.

ابن عبّاس وابن سلام : إنّما سمّي بذلك لغلبته على الناس تشبيها بدابّة في البحر تغلب على سائر الحيوان. وفيه يقول الشاعر :

وقريش هي التي تسكن البحر

به سمّيت قريش قريشا

سلّطت بالعلوّ في لجّة البحر

على سائريه جيشا فجيشا

تأكل الغثّ والسمين ولا تترك

فيه لذي الجناحين ريشا

هكذا في البلاد حيّ قريش

يأكلون البلاد أكلا كشيشا (١)

__________________

(١) البداية والنهاية : ج ٢ ص ٢٠٢ وفيه « كميشا » بدل « كشيشا ».

٤٤

قال أبو عبيدة : هو مأخوذ من التقريش وهو التحريش. قال ابن حلّزة :

أيّها الناطق المقرش عنّا

عند عمرو وهل لذاك بقاء (١)

ويقال : سمّوا بذلك لتجارتهم ، يقال : قرش الرجل قرشا ، والتقرّش : التكسّب (٢).

وقال ثعلب : لأنّهم تقارشوا بالرماح ، والأقراش هو وقوع بعض الرماح على بعض ، قال القطامي :

قوارش بالرماح كأنّ فيها

شواطن ينتزعن بها انتزاعا

وقيل : لتجمّعها بعد تفرّقها. قال بعضهم :

قرشوا الذنوب علينا

في حديث من دهرهم وقديم

وقيل : من قولهم : تقرّش الرجل إذا تنزّه.

الكلبيّ والزّجاج وأبو مسلم : في قوله تعالى : ( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ) (٣) أي للعرب ، لأنّ القرآن نزل بلغتهم ، وأخصّهم إليه قريش (٤).

[ خصال قريش ]

وقد فضّل الله تعالى قريشا بخصال :

منها : انّهم عبدوا لله عزّ وجلّ عشر سنين لا يعبد الله فيها إلاّ قريشيّ. وأنّه نصرهم يوم الفيل وهم مشركون ، وكانوا يسمّون آل الله بعد أصحاب الفيل. وكانوا سدنة الكعبة. ونزلت فيهم سورة من القرآن خاصّة (٥).

وتزكية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهم في قوله : « ارقبوني في قريش » (٦).

وقوله : « أبرارها أئمّة أبرارها ، وفجّارها أئمّة فجّارها » (٧).

وقوله : « لا تسبّوا قريشا » (٨).

__________________

(١) البداية والنهاية : ج ١ ص ٢٠١.

(٢) البداية والنهاية : ج ١ ص ٢٠١.

(٣) الزخرف : ٤٤.

(٤) مجمع البيان : ج ٩ ـ ١٠ ص ٤٩.

(٥) الدر المنثور : ج ٦ ص ٣٩٦ ـ ٣٩٧.

(٦) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٧) كنز العمال : ج ١٤ ص ٧٧ ح ٣٧٩٨٢.

(٨) الدر المنثور : ج ٦ ص ٣٩٨.

٤٥

وقوله : « إنّ للقرشي قوّة رجلين من غيره » (١).

وقوله : « من أبغض قريشا أبغضه الله » (٢).

الفضل بن العبّاس :

كرام قريش معدنا ومركنا هم

الفرع منهم والذرى وذوائبه

لهم مأثرات في المكارم كلّها

ومجد رفيع ما ترام مراتبه

هم القادة المهدون والمهتدى بهم

وفي أهل هذا الدين قد خطّ كاتبه

هم الامّة الوسطى التي تقتدى بهم

دعاة الى الخير الكثير رغائبه

هدوا بنبيّ الله رحمة ربّهم

وقد حال عن باب الرشاد مجانبه

فمنهم علي الخير صاحب خيبر

وصاحب بدر يوم سارت كتائبه

وصيّ النبيّ المصطفى وابن عمّه

فمن ذا يدانيه ومن ذا يقاربه

وحمزة منهم ليث حرب مجرّب

عليه بفعل الخير قامت نوادبه

وجعفر منهم ذو الجناحين لم يكن

هبوبا إذا ولّى من الموت هاربه

وفي حسن أعلام خير منيرة

وجود إذا ما جاء للجود راغبه

ومنهم حسين امّه بنت أحمد

وخير قريش حين ينسب ناسبه

ومنهم أبو العبّاس والفضل منهم

وعمّ النبيّ المصطفى ومصاحبه

وكلّ من كان من ولد النضر سمّي قرشيّا.

والنضر بن خزيمة : وسمّي بذلك لأنّه خزم نور آبائه ابن مدركة لأنّهم أدركوا الشرف في أيّامه.

وقيل : لإدراكه صيدا لأبيه.

وسمّي أبو طابخة لطبخه لأبيه.

ابن اليأس : وسمّي بذلك لأنّه جاء على اياس وانقطاع.

ابن مضر : وسمّي بذلك لأخذه بالقلوب ، ولم يكن يراه أحد إلاّ أحبّه.

__________________

(١) كنز العمال : ج ١٤ ص ٨١ ح ٣٧٩٩٦.

(٢) مجمع الزوائد : ج ١٠ ص ٢٤.

٤٦

ابن نزار : واسمه عمرو ، وسمّي بذلك لأنّ معدّا نظر الى نور النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وجهه فقرّب له قربانا عظيما وقال : لقد استقللت هذا القربان له لأنّه قليل نزر.

ويقال : إنّه اسم أعجميّ ، وكان رجلا هزيلا فدخل على شتاسف فقال : هذا نزار.

ابن معدّ : وسمّي بذلك لأنّه كان صاحب حروب وغارات على اليهود ، وكان منصورا مظفّرا.

ابن عدنان : لأنّ أعين الحيّ كلّها كانت تنظر إليه.

وروي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « إذا بلغ نسبي الى عدنان فأمسكوا » (١).

وعنه عليه‌السلام : « كذب النسّابون ، قال الله تعالى : ( وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً ) (٢) » (٣).

قال القاضي عبد الجبّار : المراد بذلك أنّ اتّصال الأنساب غير معلوم ، فلا يخلو إمّا أن يكون كاذبا أو في حكم الكاذب (٤).

وقد روي أنّه انتسب الى إبراهيم عليه‌السلام (٥).

أمّ سلمة رضي الله عنها : سمعت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : « معدّ بن عدنان بن أدد ـ وسميّ أددا لأنّه كان مادّ الصوت كثير العنن ـ بن زيد بن ثرا بن أعراق الثرى ».

قالت أمّ سلمة رضي الله عنها : زيد : هميسع ، وثرا : نبت ؛ وأعراق الثرى : اسماعيل بن إبراهيم عليهما‌السلام ».

قالت : ثمّ قرأ عليه‌السلام : ( وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِ ) الآية » (٦) ن ه‍ (٧).

واعتمد النسّابون وأصحاب التواريخ أنّ عدنان هو : أدّ ، بن أدد ، بن اليسع ، ابن الهميسع ، بن سلامان ، بن نبت ، بن حمل ، بن قيذار ، بن اسماعيل.

وقال ابن بابويه : عدنان بن أدّ ، بن أدد ، بن زيد ، بن نفدد ، بن يقدم ، بن الهميسع ، بن نبت ، بن قيذار ، بن اسماعيل (٨).

__________________

(١) كشف الغمّة : ص ١٥.

(٢) الفرقان : ٣٨.

(٣) الجامع الصغير : ص ٩٠ ، طبقات ابن سعد : ج ١ ص ٥٦.

(٤) بحار الأنوار : ج ١٥ ص ١٠٥ ح ٤٩.

(٥) طبقات ابن سعد : ج ١ ص ٥٦.

(٦) البداية والنهاية : ج ٢ ص ١٩٥ ـ ١٩٦ ، وفيه : زند بن اليرى بدل زيد بن الثرا ، والمناقب :

ج ١ ص ١٥٥ ـ ١٥٦.

(٧) قد ورد هذا الرمز في الأصل في موارد ، ولعلّه بمعنى « انتهى ».

(٨) مناقب ابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٥٥.

٤٧

وقال ابن عبّاس : عدنان ، بن أدّ ، بن أدد ، بن اليسع ، بن الهميسع.

ويقال : ابن يامين ، بن يحشب ، بن منحر ، بن صابويح ، بن الهميسع ، بن نبت ، بن قيذار ، بن اسماعيل ، بن ابراهيم ، بن تارخ ، بن ناحور بن ... (١) بن أرغو ـ وهو هود ، ويقال : بن فالع ـ بن عابر ، بن أرفحشد ، بن متوشلح ، بن سام ، بن نوح ، بن ملك بن أخنوخ ـ وهو إدريس ـ بن مهلائيل ـ ويقال : مهائيل ـ بن يازد ـ ويقال : مارد ويقال إياد ـ بن قينان ، بن انوش ـ ويقال : قينان ـ بن أود ، بن أنوش ، بن شيث وهو هبة الله بن آدم عليه‌السلام.

امّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

آمنة بنت وهب ، بن عبد مناف ، بن زهرة ، بن كلاب ، بن مرّة الى آخر النسب.

لم يلق النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند عبد الله أحد ، يلقاه عند عبد المطّلب بنو عبد المطّلب ، ويلقاه عند هاشم بنو هاشم ، ويلقاه عند عبد مناف بنو عبد مناف.

وبنو هاشم وبنو عبد شمس رهط أبي سفيان صخر بن حرب بن اميّة بن عبد شمس ، وبنو المطّلب وهو الفيض بن عبد مناف رهط عبيدة بن الحارث البدري ، وهم يد ، مع بني هاشم.

ومن ولده عمرو بن علقمة بن المطّلب الذي قتله خداش بن أبي قيس العامريّ ، وله خبر.

وبنو نوفل بن عبد مناف ، وهم يد مع بني عبد شمس.

وأجمعت نسّابة قريش أنّ من لم يلده فهر بن مالك فليس من قريش.

وقال آخرون : من لم يلده النضر. والمعنى واحد ، لأنّه لا بقيّة للنضر إلاّ من فهر بن مالك بن النضر.

تفسير خندف :

وقريش سادة خندف ، وخندف ولد الياس بن مضر جميعا.

__________________

(١) هنا كلمة مطموسة.

٤٨

وإنّما سمّوا خندف باسم امّهم ، وسمّيت بذلك لأنّها خندفت في طلب بعض ولدها ، والخندفة سرعة المشي. واسمها ليلى بنت حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة ، وهي التي جعلت على نفسها إن هلك الياس أن تبكيه عمرها وأن تسيح ، وحرّمت على نفسها الطيب واللحم واللذّات ، فصارت مثلا بذلك.

وكانت وفاة الياس يوم الخميس ، فكانت إذا طلعت الشمس من ذلك اليوم بكته حتى تغيب ، فقالت الغسانية ومات أخوها وأبوها فنهاها القوم عن كثرة البكاء ، فقالت :

تنهون سلمى إن بكت أباها

وقبل ما قد ثكلت أخاها

فحوّلوا العذل الى سواها

عصتكم سلمى الى هواها

كما عصت خندف من نهاها

خلّت بنيها أسفا وراها

تبكي على الياس فما أتاها

تفسير معنى الأحابيش :

وقريش سادة الأحابيش ، والحبش : التجمّع. والسبب في وقوع هذا الاسم أنّ ولد كنانة أخرجت بني أسد بن خزيمة من تهامة وحالفت ... (١) بينها ، فضمّوا القليل الى الكثير ، وجعلوا بني الهون بن خزيمة قادة لا الى أحد دون أحد ، فسمّوا بني كنانة : الأحابيش وهو قريش ، وبنو الحارث بن عبد مناف من كنانة ومن مع بني الحارث من حلفائهم : عضل ، والريش ابناء ييثع بن الهون بن خزيمة ، والحبا والمصطلق وهما بطنان من خزاعة.

تفسير الحمس :

وقريش سادة الحمس ، وكان السبب في هذا الاسم أنّ قريشا تحمّست في دينها وأخذت في تعظيم الحرم بما لم يكن منه حمس الوعاء.

__________________

(١) هنا كلمة مطموسة.

٤٩

وقيل : إنّما سمّوا الحمس بالكعبة لأنّها حمسا حجرها أبيض يضرب الى السواد.

ولم يكن التحمس حلفا ولكن دينا شرّعته قريش ، وكانوا لا يسألون سمنا ولا نساؤهم ، ولا يطبخون اقطا ، ولا يلبسون شعرا ولا صوفا ولا وبرا ، ولا يلجون بيوتا من شعر ولا صوف ولا وبر ، ولا يقفون بعرفة مع الناس في الحلّ ، وإنّما يقفون بالحرم ويقولون لا ينبغي لأهل الحرم أن يقفوا إلاّ فيه.

تفسير المطيّبين :

وقريش سادة المطيّبين ، وكان السبب في هذه الحلف أنّه كانت السقاية في بني عبد المطّلب ، وكانت الرئاسة في بني عبد مناف كلّهم ، وكانت الرفادة ـ وهي شيء ، كانت تترافد به قريش في الجاهلية ، تخرج فيما بينها مالا تشتري به للحاج طعاما وزبيبا للنبيذ ـ في بني أسد بن عبد العزّى ، واللواء والحجابة في بني عبد الدار.

فأراد بنو عبد مناف أن يأخذوا ما في يد بني عبد الدار فمشوا الى بني سهم فحالفوهم وقالوا تمنعونا من بني عبد مناف ، فلمّا رأت ذلك البيضاء بنت عبد المطّلب وهي أمّ حكيم عمدت الى جفنة فملأتها خلوقا (١) ثم وضعتها في الحجر وقالت : من يطيّب بهذا فهو منّا. فتطيّب بنو عبد مناف وأسد وزهرة وبنو تيم وبنو الحارث بن فهر ، فسمّوا بذلك المطيّبين.

ولمّا سمعت بنو سهم بذلك نحرت جزورا وقالوا : من أدخل يده في دمها ولعق منه فهو منّا. فأدخلت أيديها بنو سهم وبنو عبد الدار وبنو جمح وبنو عدي وبنو مخزوم ، فلمّا فعلوا ذلك وقع الشرّ بينهم ، ثمّ اشفقوا من الفرقة فتراجعوا وتحاجزوا.

تفسير قريش البطاح وقريش الظواهر :

كانت مكارم قريش كلّها لقصيّ بن كلاب : الحجابة والرفادة والندوة واللواء

__________________

(١) الخلوق : ضرب من الطيب ، وقيل : الزعفران ( لسان العرب ١٠ / ٩١ ).

٥٠

والسقاية ، وحكم مكّة ، فقطع مكّة رباعا بين قريش ، فأنزل كلّ قوم منازلهم من مكّة التي أصبحوا فيها وصار له البلد ، وكان كثير الشجر والعضا والسلم فهابت قريش قطعه ، فشكوا ذلك الى قصي فأمرهم بقطعه ، فهابوه فقطعه هو وقطعه الناس بقوله ، فأخذ لنفسه وجه الكعبة فصاعدا وبنى دار الندوة فكانت مسكنه ، وأعطى بني مخزوم احيا دين ، وبني جمح المسقلة ، وبني سهم الثنيّة ، وبني عدي أسفل الثنيّة ، وأعطى ظواهر مكّة محارب والحارث ابني فهر ومن هناك من جيرانهم من بني عامر بن لؤي ، وهم الأدرم بن غالب.

ثمّ إنّ الحارث بن فهر دخلت مكّة وهي من قريش البطاح ، فأين نزلت قريش من البطاح فهم قريش البطاح ، وأين نزلت قريش الظواهر من الأباطح فهم قريش الظواهر. فقريش البطاح : بنو هاشم ، وبنو المطّلب بن عبد مناف وهم يد مع بني هاشم ، وبنو عبد شمس بن عبد مناف ، وبنو نوفل بن عبد مناف ، وبنو عبد الدار بن عبد مناف ، وبنو زهرة بن كلاب ، وبنو تيم بن مرّة بن كعب ، وبنو مخزوم بن نفطة بن مرّة ، وبنو عدي بن كعب ، وبنو جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب ، وبنو حل بن عامر بن لؤي ، وبنو الحارث بن فهر.

وأمّا قريش الظواهر : فبنو معيص بن عامر بن لؤي ، وبنو سامة بن لؤي وهم بنو ناجية وهم قريش العوارب ، وبنو خزيمة بن لؤي وهم عائدة قريش ، وبنو سعد بن لؤي وهم نباته ، وبنو محارب بن فهر ، وبنو الأدرم.

تفسير أقداح النضار :

وهم هاشم والمطّلب ونوفل وعبد شمس بنو عبد مناف. والنضار اكرم الحشب وهو الإبل والكريم من كلّ جنس.

ذكر حلف الفضول :

ذكر عن عبد الله بن عروة بن الزبير قال : سمعت حكيم بن حزام يقول : انصرفت قريش من الفجار وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابن عشرين سنة ، وكان الفجار

٥١

في شوال ، وكان حلف الفضول في ذي القعدة ، وبينهم وبين الفيل عشرون سنة وكان حلف الفضول أكرم حلف كان قط وأعظمه شرفا.

وكان أوّل من تكلّم فيه ودعا إليه الزبير بن عبد المطّلب ، وذلك أنّ الرجل من العرب ... (١) من العجم كان يقدم بتجارة الى مكّة ربّما ظلموا ، فكان آخر من ظلم بها رجل من بني زيد بن مذحج قدم بسلعة فباعها من العاص بن وائل السهمي وكان شريفا عظيم القدر فظلمه ثمنها ، فناشده الزبيدي في حقّه قبله ، فأبى عليه ، فأتى الزبيدي الأحلاف وهم عبد الدار ومخزوم وجمح وسهم وعدي فأبوا أن يعينوه على العاص وزبروه ، فلمّا رأى الزبيدي ذلك أوفى على أبي قبيس قبل طلوع الشمس وقريش في أنديتهم حول الكعبة وصاح بأعلى صوته :

يا آل فهر لمظلوم بضاعته

ببطن مكّة نائي الحيّ والنفر

إنّ الحرام لمن تمّت حرامته

ولا حرام لثوب الكافر الغدر (٢).

قال : فقام في ذلك الزبير بن عبد المطّلب وقال : ما لهذا منزل. فاجتمعت هاشم وزهرة وتيم بن مرّة في دار عبد الله بن جدعان وصنع لهم طعاما فتحالفوا في ذي القعدة في شهر حرام قياما يتماسحون صعدا ، فتعاقدوا وتحالفوا وتعاهدوا بالله ليكوننّ يدا واحدة مع المظلوم على الظالم حتى يؤدّوا إليه حقّه ما بلّ بحر صوفه وما أرسى ثبير (٣) وجرى مكانهما ، وعلى التأسّي في المعاش. فسمّت قريش ذلك الحلف حلف الفضول.

وقيل : لقد دخل هؤلاء في فضل من الأمر.

وحكي عن بعض علماء قريش أنّه قال : كان مثل هذا الحلف في جرهم ، فمشى فيه رجال يقال لهم أفضل وفضّال وفضيل وفضالة ، فبذلك سمّت قريش هذا الحلف حلف الفضول. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لقد شهدت حلفا في دار عبد الله بن

__________________

(١) كلمة مطموسة ، لعلها : وربما.

(٢) وفي الروض الآنف : ج ١ ص ١٥٦ : « كرامته » بدل « حرامته » و « الفاجر » بدل « الكافر ».

(٣) ثبير : جبل في مكّة.

٥٢

جدعان ما احبّ أنّ لي به حمر النعم ، ولو دعيت إليه لأجبت هاشم وزهرة وتيم » (١).

* * *

فصل

في ذكر مولده عليه‌السلام

قال أبان بن عثمان : قالت آمنة رضي الله عنها : لمّا قربت ولادة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأيت جناح طائر أبيض قد مسح على فؤادي فذهب الرعب عنّي ، واتيت بشربة بيضاء ، وكنت عطشى فشربتها فأصابني نور عالي ، ثمّ رأيت نسوة كالنخل طوالا يحدّثنني ، وسمعت كلاما لا يشبه كلام الآدميّين ، حتى رأيت كالديباج الأبيض قد ملأ بين السماء والأرض ، وقائل يقول : خذوه في (٢) أعزّ الناس ، ورأيت رجالا وقوفا في الهواء في أيديهم أباريق ، ورأيت مشارق الدنيا ومغاربها ، ورأيت علما من سندس على قضيب من ياقوت قد ضرب بين السماء والأرض على ظهر الكعبة ، فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رافعا اصبعه الى السماء ، ورأيت سحابة بيضاء تنزل من السماء حتى غشيته ، فسمعت نداء : طوفوا بمحمّد شرق الأرض وغربها والبحار ليعرفوه باسمه ونعته وصورته ، ثمّ انجلت عنه الغمامة فإذا أنا به في ثوب أبيض من اللبن وتحته حريرة خضراء وقد قبض على ثلاث مفاتيح من اللؤلؤ الرطب وقائل يقول : قبض محمّد على مفاتيح النصرة والريح والنبوّة.

ثمّ أقبلت سحابة اخرى فغيّبته عن وجهي أطول من المرّة الاولى ، وسمعت نداء : طوفوا بمحمّد الشرق والغرب وأعرضوه على روحاني الجنّ والإنس والطير والسباع وأعطوه صفاء آدم ورقّة نوح وخلّة إبراهيم ولسان اسماعيل وجمال يوسف وبشرى يعقوب وصوت داود وزهد يحيى وكرم عيسى ، ثمّ انكشف عنه

__________________

(١) الروض الآنف : ج ١ ص ١٥٥ وسيرة ابن هشام : ج ١ ص ١٤١ وليس فيها : هاشم وزهرة وتيم.

(٢) في هامش الأصل : من خ ل ، وفي المصدر : من.

٥٣

فإذا أنا به وبيده حريرة بيضاء قد طويت طيّا شديدا وقد قبض عليها وقائل يقول : قد قبض محمّد على الدنيا كلّها فلم يبق شيء إلاّ دخل في قبضته.

ثمّ إنّ ثلاثة نفر كأنّ الشمس تطلع من وجوههم ، في يد أحدهم ابريق فضّة ونافجة مسك ، وفي يد الثاني طست من زمرّدة خضراء ، له أربعة جوانب ، من كلّ جانب لؤلؤة بيضاء ، وقائل يقول : هذه الدنيا فاقبض عليها يا حبيب الله ، فقبض على وسطها ، وقائل يقول : قبض (١) الكعبة. وفي يد الثالث حريرة بيضاء مطويّة فنشرها فأخرج منها خاتما تحار فيه أبصار الناظرين ، فغسل بذلك الماء من الإبريق سبع مرّات ، ثمّ ضرب الخاتم على كتفيه ، وتفل في فيه واستنطقه فنطق فلم أفهم ما قال ، إلاّ أنّه قال : في أمان الله وحفظه وكلاءته ، قد حشوت قلبك إيمانا وعلما وحلما ويقينا وعقلا وشجاعة ، أنت خير البشر ، طوبى لمن تبعك وويل لمن تخلّف عنك ، ثمّ ادخل بين اجنحتهم ساعة ، وكان الفاعل به هذا رضوان ، ثم انصرف وجعل يلتفت إليه ويقول : أبشر يا عزّ الدنيا والآخرة.

ورأيت نورا يسطع من رأسه حتى بلغ السماء ، ورأيت قصور الشامات كأنّها شعلة نار نورا ، ورأيت حولي من القطاء أمرا عظيما قد نشرت أجنحتها (٢).

قال عبد المطّلب : لمّا انتصفت تلك الليلة إذا أنا ببيت الله قد اشتمل بجوانبه الأربعة وخرّ ساجدا في مقام إبراهيم عليه‌السلام ، ثمّ استوى البيت مناديا : الله اكبر ربّ محمّد المصطفى ، الآن قد طهّرني ربّي من أنجاس المشركين وأرجاس الكافرين ، ثمّ انتقضت الأصنام وخرّت على وجوهها ، وإذا أنا بطير الأرض حاشرة إليها ، وإذا جبال مكّة مشرفة عليها ، وإذا بسحابة بيضاء بإزاء حجرتها ، فأتيتها وقلت : أنائم أنا أم يقظان؟

قالت : بل يقظان.

قلت : فأين نور جبهتك؟

__________________

(١) في المناقب : اقبض.

(٢) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ٢٨ ـ ٢٩.

٥٤

قالت : قد وضعته ، وهذه الطير تنازعني أن أدفعه إليها فيحمله الى أعشاشها ، وهذه السحاب تسألني كذلك.

قلت : فهاتيه أنظر إليه.

قالت : حيل بينك وبينه الى ثلاثة أيّام.

فسللت سيفي وقلت : لتخرجنّه أو لأقتلنّك.

قالت : شأنك وإيّاه. فلمّا هممت أن ألج البيت بدر إليّ من داخل البيت رجل وقال لي : ارجع وراءك فلا سبيل لأحد من ولد آدم الى رؤيته أو ينقضي زيارة الملائكة ، فارتعدت وخرجت (١).

وقال ابن عباس رضي الله عنهما : لمّا كانت الليلة التي ولد فيها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصبحت الأصنام على وجوهها ، وارتجّ (٢) إيوان كسرى وسقطت منه أربع عشرة شرافة ، فعظم ذلك أهل مملكته ، فما كان يوشك من أن كتب إليه صاحب خراسان أنّ بحيرة ساوة غاضت تلك الليلة ، وكتب إليه صاحب الشام يخبره أنّ وادي السماوة انقطع تلك الليلة ، وكتب إليه صاحب طبريّة يخبره أنّ الماء لم يجر تلك الليلة في بحيرة طبريّة ، وكتب إليه صاحب فارس يخبره أنّ بيوت النار خمدت تلك الليلة ولم تخمد قبل ذلك بألف عام ، ولم يبق سرير لملك إلاّ أصبح منكوسا ، والملك ... (٣) يتكلّم يومه ذلك ، وانتزع علم الكهنة ، وبطل سحر السحرة ، ولم يبق كاهنة في العرب إلاّ حجبت عن صاحبها.

فلمّا تواترت الكتب على كسرى برّز سريره وظهر لأهل مملكته وأخبرهم الخبر.

فقال الموبدان : أيّها الملك إنّي رأيت تلك الليلة رؤيا هالتني.

قال له : وما رأيت؟

قال : رأيت إبلا صعابا تقود خيلا عرابا حتى عبرت دجلة وانتشرت في بلادنا.

__________________

(١) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ٢٩.

(٢) في البحار ج ١٥ ص ٢٩٣ : ارتجس.

(٣) كلمتان مطموستان ، ولعلّها : « مخرسا لا ».

٥٥

فقال له : لقد رأيت ما رأيت فما عندك في تأويلها؟

قال : ما عندي فيها ولا في تأويلها شيء ، ولكن أرسل الى عاملك بالحيرة يوجّه إليك رجلا من علمائهم فانّهم أصحاب علم بالحدثان.

فبعث إليه عبد المسيح بن نفيلة الغسّاني ، فلمّا قدم إليه أخبره كسرى بالخبر ، فقال له : أيّها الملك ليس عندي فيها ولا في تأويلها شيء ، ولكن جهّزني الى خال لي بالشام يقال له سطيح. فقال : جهّزوه.

فلمّا قدم على سطيح وجده قد احتضر ، فناداه فلم يجبه ، وكلّمه فلم يردّ عليه ، فقال عبد المسيح :

أصمّ لم يسمع غطريف (١) اليمن

يا فاصل الخطّة أعيت من ومن (٢)

أتاك شيخ الحيّ من آل سنن (٣)

أبيض فضفاض من الرداء والبدن

رسول قيل العجم يهوي للوثن

لا يرهب الوعد ولا ريب الزمن (٤)

فرفع إليه رأسه وقال : عبد المسيح على جمل مشيح ، جاء الى سطيح ، وقد اوفى على الضريح ، بعثك ملك ساسان لارتجاج الايوان ، وخمود النيران ، ورؤيا الموبدان ، رأى إبلا صعابا تقود خيلا عرابا ، حتّى اقتحمت الوادي ، وانتشرت في البلاد ، عبد المسيح إذا ظهرت التلاوة ، وغاض وادي السماوة ، وظهر صاحب الهراوة ، فليست الشام لسطيح بشام ، يملك منهم ملوك وملكات عدد سقوط الشرافات ، وكلّما هو آت آت. ثمّ قال عبد المسيح :

شمّر فانّك ماضي الهمّ شمّير

لا يفزعنّك تفريق وتغيير

ان يمس ملك بني ساسان أفرطهم

فإنّ ذا الدهر أطوار دهارير

__________________

(١) الغطريف ـ بالكسر ـ السيّد.

(٢) الفاصل : المبين والحاكم والخطّة ـ بضم الخاء وتشديد الطاء ـ الخطب والأمر والحال ، أي يا من يبيّن ويظهر امورا أعيت وأعجزت « من ومن » أي جماعة كثيرة.

(٣) السنن ـ محركة ـ الإبل تسنن في عدوها. وفي تاريخ اليعقوبي : آل يزن.

(٤) في كمال الدين : « كسرى للوسن » بدل « يهوى للوثن ». وهو الصحيح والقيل ـ بالفتح ـ : الملك ، والوسن : أي لشأن الرؤيا التي رآها الموبذان.

٥٦

منهم بنو الصرح بهرام واخوته

والهرمزان وسابور وشابور

فربّما أصبحوا منها بمنزلة

تهاب صولتهم الاسد المهاصير (١)

حثوا المطيّ وجدّوا في رحالهم

فما يقوم لهم سرح ولا كور

والناس أولاد علاّت فمن علموا

أن قد أقلّ فمحقور ومهجور

والخير والشرّ مقرونان في قرن

والخير متّبع والشرّ محذور

ثمّ أتى كسرى فأخبره ، فغمّه ذلك وهاله ، ثمّ تعزّى فقال : الى أن يملك منّا أربعة عشر ملكا يدور الزمان ، فهلكوا كلّهم في أربعين سنة (٢).

وقال القيرواني :

وصرح كسرى تداعى من قواعده

وانقاض منكسر الأوداج ذا ميل

ونار فارس لم توقد وما خمدت

مذ ألف عام ونهر القوم لم يسل

خرّت لمولده الأوثان وانبعثت

ثواقب الشهب ترمي الجنّ بالشعل (٣).

وقال كعب : بلغني أنّه ما بقي يوم ولد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جبل إلاّ نادى صاحبه بالبشارة ، وخضعت كلّها لأبي قبيس ، ولقد قدّست الأشجار أربعين يوما بأنواع أفنانها وثمارها ، ولقد ضرب بين السماء والأرض سبعون عمودا في أنواع الأنوار ، وأنّ الكوثر اضطرب في الجنّة فرمى بسبعمائة ألف قصر من قصور الدرّ والياقوت نثارا له ، ولقد ضحكت الجنّة فهي ضاحكة أبدا (٤).

وقال الصادق عليه‌السلام : صاح إبليس في أبالسته فاجتمعوا إليه ، فقال : انظروا لقد حدث الليلة حدث ما حدث مثله منذ رفع عيسى عليه‌السلام.

فافترقوا ثمّ اجتمعوا إليه فقالوا : ما وجدنا شيئا.

فقال إبليس : أنا لهذا الأمر. ثمّ انغمس في الدنيا فجالها حتى انتهى الى الحرم

__________________

(١) المهاصير : جمع المهصار وهو الشديد الذي يفترس.

(٢) كمال الدين وتمام النعمة : ج ١ ص ١٩١ ـ ١٩٦ يرويه عن هانئ المخزومي.

وفي تاريخ اليعقوبي : ج ٢ ص ٨ مختصرا مرسلا : وتاريخ الطبري : ج ١ ص ٥٧٩ ـ ٥٨٠.

(٣) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ٣٠.

(٤) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ٣١.

٥٧

فوجد الحرم محفوظا بالملائكة. فذهب ليدخل فصاحوا به ، فقال له جبرئيل : ما وراءك؟

قال : حرفا أسألك عنه ما هذا الحدث الليلة؟ فقال : ولد محمّد.

قال : هل لي فيه نصيب؟ قال : لا.

قال : ففي امّته؟ قال : نعم قال : رضيت (١).

وقيل : حملت به امّه في أيّام التشريق عند جمرة العقبة الوسطى في منزل عبد الله بن عبد المطّلب.

والصحيح أنّه ولد عليه‌السلام عند طلوع الفجر من يوم الجمعة السابع عشر من ربيع الأوّل بعد خمس وخمسين يوما من هلاك أصحاب الفيل.

وقالت العامّة : يوم الاثنين الثامن أو العاشر منه لسبع بقين من ملك انوشروان ، ويقال في ملك هرمز بن انوشروان.

وذكر الطبري أنّ مولده عليه‌السلام كان لاثنتين وأربعين سنة من ملك انو شروان (٢).

وهو الصحيح لقوله عليه‌السلام : « ولدت في زمن الملك العادل انوشروان » ووافق شهر الروم العشرين من شباط (٣).

وقال الكلبي : ولد عليه‌السلام في شعب أبي طالب في دار محمّد بن يوسف في الزاوية القصوى عن يسارك وأنت داخل الدار (٤).

وقال الطبري : في بيت من الدار التي تعرف اليوم بدار محمّد بن يوسف ، وهو أخو الحجّاج بن يوسف ، وكان قد اشتراها من عقيل وأدخل ذلك البيت في الدار حتى أخرجته الخيزران واتّخذته مسجدا يصلّى فيه (٥).

__________________

(١) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ٣١.

(٢) تاريخ الطبري : ج ١ ص ٥٧١.

(٣) بحار الأنوار : ج ١٥ ص ٢٥٠ باب ٣ ح ١.

(٤) بحار الأنوار : ج ١٥ ص ٢٧٦ باب ٣ ح ٢٣ نقلا عن المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٧٢ وفيهما : قال الكليني.

(٥) تاريخ الطبري : ج ١ ص ٥٧١ ، المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٧٢.

٥٨

كتاب العروس وتاريخ الطبري : إنّه أرضعته ثويبة مولاة أبي لهب بلبن ابنها مسروح أيّاما ، ثمّ أرضعته حليمة السعدية فلبثت فيهم خمس سنين وكانت أرضعت قبله حمزة وبعده أبا سلمة المخزومي. وماتت ثويبة التي أرضعته أولا سنة سبع من الهجرة ، ومات ابنها مسروح قبلها (١).

ولد عليه‌السلام مسرورا مختونا ، وكان القمر يحرّك مهده في حال صباه.

وقال عبّاس بن عبد المطّلب : رأيت في منامي أخي عبد الله كأنّه خرج من منخره طائر أبيض ، فطار فبلغ المشرق والمغرب ، ثمّ رجع وسقط على ظهر الكعبة ، فسجدت له قريش كلّها ، فبينما الناس يتأمّلونه إذ صار نورا بين السماء والأرض وامتدّ حتى بلغ المشرق والمغرب. قال : فسألت كاهنة بني مخزوم ، فقالت : ليخرجنّ من صلبه ولد يصير أهل المشرق والمغرب له تبعا (٢).

وروي عن حليمة السعدية أنّها قالت : كانت في بني سعد شجرة يابسة ما حملت قطّ ، فنزلنا يوما عندها ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجري ، فما قمت حتى اخضرّت وأثمرت بركة منه. وما أعلم أنّي جلست موضعا قطّ إلاّ كان له أثر إمّا نبات وإمّا خصب. ولقد دخلت على امرأة من بني سعد يقال لها أمّ مسكين وكانت سيئة الحال فحملته فأدخلته منزلها فإذا هي قد خصبت وحسنت حالها ، فكانت تجيء في كلّ يوم فتقبّل رأسه (٣).

زيد بن اليمان قال : سمعت سعد بن هريم قال : كانت حليمة تقول : ما نظرت في وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو نائم إلاّ ورأيت عينيه مفتوحتين كأنّه يضحك ، وكان لا يصيبه حرّ ولا برد (٤).

حدّث الوليد بن المغيرة قال : بينا أنا واقف بالبطحاء إذ مرّ محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسلّم

__________________

(١) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٧٣.

(٢) كمال الدين : ج ١ ص ١٧٥ باب ١٢ ح ٣٣.

(٣) بحار الأنوار : ج ١٥ ص ٣٤٠ باب ٤ ح ١٢.

(٤) بحار الأنوار : ج ١٥ ص ٣٤١ باب ٤ قطعة من ح ١٢ من غير إسناد.

٥٩

عليه كلّ حجر ومدر ، فتعجّبت من أمره ، فلقيت حليمة السعدية فأخبرتها ، فقالت : أتعجب من هذا! والله لقد رأيت الظباء والوحش تجتمع إليه فتسلّم عليه ، ولقد كنّا نسمع صباحا ومساء صوتا من السماء وهو يقول : سلام على أمين الله ورسوله. ولقد لقيت ليلة ليس عندنا سراج فأحمل النبيّ عليه‌السلام وأدخل البيت فيضي البيت فآخذ حاجتي من البيت ، ولقد كنت أحمله الى البرّيّة ليفرح فلا يبقى يومئذ طير ولا وحش إلاّ يجتمع إليه ويخضع له ويشمّه.

وقال مودود مولى عمر بن علي عن آبائه قالوا : قالت حليمة السعديّة : ما تمنّيت شيئا قطّ في منزلي إلاّ أعطيته من الغد. ولقد أخذ ذئب من الذئاب عنيزة لي ، فيداخلني من ذلك حزن شديد ، فرأيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رافعا رأسه الى السماء ، فما شعرت إلاّ والذئب والعنيزة على ظهره قد ردّها عليّ ما عقر منها شيئا (١).

وقال محمّد بن عبد الرحمن بن تومان ، عن عثمان بن عفّان قال : سمعت من يحكي عن حليمة أنّها قالت : ما أخرجته قطّ في شمس إلاّ وسحابة تظلّه ، ولا في مطر إلاّ وسحابة تكنّه من المطر. وما زال من خيمتي نور ممدود بين السماء والأرض ، ولقد كان الناس يصيبهم الحرّ والبرد فما أصابني حرّ ولا برد منذ كان عندي ولقد هممت يوما أن أغسل رأسه فجئته وقد غسل رأسه ودهن وطيّب ، وما غسلت له ثوبا قطّ ، وكلّما هممت بغسل ثوبه سبقت إليه فوجدت عليه ثوبا غيره جديدا (٢).

وقال مسلم بن خالد ، عن ابن ابي نجيح ، عن أبيه قال : سمعت مشيخة قريش يحكون عن حليمة أنّها قالت : ما كنت أخرج لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثدي إلاّ سمعت له نغمة ، ولا شرب قطّ إلاّ وسمعته ينطق بشيء فتعجبت منه ، حتى إذا نطق وعقل كان يقول : « بسم الله ربّ محمّد » إذا أكل ، وفي آخر ما يفرغ من أكله وشربه يقول : الحمد لله ربّ محمّد (٣).

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ١٥ ص ٣٤١ باب ٤ قطعة من ح ١٢ من غير إسناد.

(٢) بحار الأنوار : ج ١٥ ص ٣٤١ باب ٤ قطعة من ح ١٢ من غير إسناد.

(٣) بحار الأنوار : ج ١٥ ص ٣٤١ باب ٤ قطعة من ح ١٢ من غير إسناد.

٦٠