دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ٢

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: المركز العالمي للدّراسات الإسلامية
المطبعة: توحيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ١٩٤

حقيقة المساقاة

المساقاة عقد يتضمن الاتفاق على سقى شخص أشجار شخص ثانٍ أو غيرها ، واصلاح شؤونها الى مدة معينة بحصة من حاصلها. وهى مشروعة جزماً.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا تحديد المساقاة بما ذكر ، فهو من واضحات الفقه. ويمكن استفادته من صحيحة يعقوب الآتية.

وفرقها عن المزارعة : أنّ العامل فى الثانية يقوم بزرع الأرض بحصة من الناتج بعد فرض أنها غير مزروعة ، بخلافه فى المساقاة ؛ فإن المفروض ثبوت الأشجار وغرسها فى الأرض قبل العقد ، ودور العامل السقى واصلاح شؤون ما هو مغروس بحصة من الناتج.

٢ ـ وأمّا شرعيتها ، فقد قال فى الجواهر : « هى جائزة بالإجماع من علمائنا واكثر العامة ، خلافاً لأبى حنيفة وزفر فأنكراها للجهالة والغرر ». (١)

__________________

١ ـ جواهر الكلام : ٢٧ / ٥٠.

٨١

شرائط المساقاة

يلزم فى المساقاة توفّر :

١ ـ الايجاب والقبول بالشكل المتقدم فى المزارعة.

٢ ـ البلوغ والعقل فى المالك والعامل وعدم الحجر بالنحو المتقدم فى المزارعة.

٣ ـ أن يكون المغروس مملوكاً ولو منفعة فقط ، أو يكون التصرف فيه نافذاً بوكالة أو ولاية.

٤ ـ معلومية الأشجار فى مقابل التردد.

٥ ـ أن تكون الأصول ذات عروق ثابتة فى الأرض ، كما فى النخل وأشجار الفواكه ، فلاتصح علي‏مالا ثبوت لعروقه فى الأرض ، كالبطيخ والباذنجان وغيرهما من الخُضَر.(١)

٦ ـ تحديد المدّة بداية ونهاية. وأن تكون بمقدار صالح لبلوغ الثمرة. ويكفى بلوغ الثمرة تحديداً للنهاية.

٧ ـ ان يكون العقد قبل بلوغ الثمرة أو بعدها مع افتراض الحاجة الى السقى أو غيره. أمّا مع فرض الحاجة الى مجرد الحفظ والقطف ، فالصحة محل خلاف.

٨ ـ تعيين حصة كلّ من المالك والعامل بنحو الكسر المشاع.

٩ ـ تعيين ما على كلّ واحد منهما من أعمال اذا لم يكن هناك انصراف.

__________________

١ ـ قد جاء التعبير عن هذا الشرط فى كلمات الفقهاء بانه يلزم فى متعلق المساقاة ان يكون اصولاً ثابتة ، اي مستمرة ولاتضمحل بسرعة ، وذلك لايتحقق عادة الا فيما كان له عروق قوية فى اعماق الارض. قال في الحدائق الناضرة : ٢١ / ٣٥٦ : « المراد بالاصل الثابت كالنخل والشجر الذى له ساق ، فلاتصح المساقاة علي نحو البطبخ والباذنجان ... قال فى التذكرة : لم‏ تثبت المساقاة عليها اجماعاً ، لان اصول هذه لابقاء لها غالباً واضمحلالها معلوم عادة ... » وقريب من ذلك عبارة جواهر الكلام : ٢٧ / ٦٠.

٨٢

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا بالنسبة الى الشرطين الأولين ، فلما تقدم فى المزارعة.

٢ ـ وأمّا اعتبار ملك المنفعة أو نفوذ التصرف ، فلأنه لولا ذلك يكون العقد فضولياً.

٣ ـ وأمّا اعتبار معلومية الأشجار ـ بمعنى عدم ترددها ـ فلأن تعلق وجوب الوفاء بهذا المعيّن أو ذاك المعيّن ترجيح بلا مرجّح ، وتعلّقه بكليهما أمر على خلاف مقصودهما ، والمردّد لا تحقق له ليمكن تعلق ذلك به.

وأمّا المعلومية فى مقابل الجهل ، فقد يقال باعتبارها لا لحديث نفى الغرر ـ لعدم ثبوت كونه رواية على ما تقدم فى مبحث الاجارة ـ ولا للإجماع ، لاحتمال مدركيته ، بل لأنّ مورد صحيحة يعقوب بن شعيب عن ابى عبد اللّه عليه‌السلام : « سألته عن رجل يعطى الرجل أرضه وفيها ماء أو نخل أو فاكهة ويقول : اسقِ هذا من الماء واعمره ولك نصف ما أخرج الله عز وجلّ منه ، قال : لا بأس » (١) قد فرضت فيه المعلومية لدى الطرفين ، فلا يبقى ما يدلّ على صحتها مع عدم المعلومية.

وهو جيد لو لم يمكن التعويض عن صحيحة يعقوب بمثل عموم قوله تعالي : ( أوفوا بالعقود )(٢)

٤ ـ وأمّا اعتبار كون الاصول ذات جذور ثابتة ، فلاختصاص مورد صحيحة يعقوب المتقدمة بذلك. وهو وجيه لو لم يمكن التعويض المتقدم.

بل قد يقال : لا وجه للاشتراط المذكور حتى بناءً على عدم امكان التعويض ، لأن

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ٢٠٢ ، باب ٩ من ابواب احكام المزارعة والمساقاة ، حديث ٢.

٢ ـ المائدة : ١

٨٣

مورد الصحيحة وان كان مختصاً بما له أصل ثابت إلاّ أن تخصيص ذلك بالذكر لم يجي‏ء فى كلام الامام عليه‌السلام بل فى كلام السائل ، وحيث لاتحتمل الخصوصية لذلك عرفا فيمكن تعميم الحكم الى غيره.

٥ ـ وأمّا اعتبار تحديد المدة ، فلأنه بدون ذلك لا تعيّن للعقد فى الواقع ليمكن تعلق وجوب الوفاء به.

وأمّا اعتبار أن تكون المدة بمقدار تبلغ فيه الثمرة ، فلأنه بدون ذلك لايمكن ثبوت حصة العامل ، وبالتالى يكون العقد لغوا ولا معنى لتعلق وجوب الوفاء به.

وأمّا كفاية بلوغ الثمرة حداً للنهاية ، فلأن ذلك نحو من التحديد. ولعله هو المتعارف الذى يبعد عدم شمول دليل الامضاء له.

٦ ـ وأمّا عدم تقييد صحة المساقاة بما قبل بلوغ الثمرة ، فلإطلاق صحيحة يعقوب المتقدمة.

وأمّا عدم اعتبار الحاجة الى خصوص السقى ، فلأن عطف الإعمار على السقي فى الصحيحة : « اسقِ هذا من الماء واعمره » هو من عطف العام على الخاص ، وهو يدلّ على كفاية الإعمار بأى شكل كان ولو لم يكن بالسقي. والتعبير بالمساقاة تعبير فقهى لوحظ فيه أهمّ أفراد الاعمار ، وهو السقي ، وإلاّ فالروايات لم تعبّر بذلك لتفهم الخصوصية للسقي.

ولو قيل : باعتبار الخصوصية للسقى باعتبار أنّه منصوص عليه فى الصحيحة يلزم أن يقال : باعتبار الخصوصية أيضاً للإعمار غير السقي ، لأنه مذكور في الصحيحة أيضاً ، وهو غير محتمل.

وأمّا الخلاف فى الاكتفاء بالحاجة الى الحفظ والقطف ، فلانهما ليسا نحواً من

٨٤

الإعمار ليكونا مشمولين للصحيحة.

٧ ـ وأمّا اعتبار تعيين الحصة وكون ذلك بالكسر المشاع ، فلاختصاص الصحيحة المتقدمة بذلك. بل إنّ تعيين الحصة وعدم ترددها معتبر بقطع النظر عن الصحيحة أيضاً ؛ اذ مع التردد لايمكن ثبوت وجوب الوفاء ، لأن تعلقه بلحاظ أحد الاحتمالين دون‏الآخر بلامرجّح ، والمردد بما هو مردد لا وجود له ليمكن تعلق وجوب الوفاء به.

أجل ، يمكن أن يقال بعدم لزوم تعيين الحصة بالكسر المشاع بناءً على إمكان التعويض بمثل عموم قوله تعالي : ( أوفوا بالعقود ).

٨ ـ وأمّا اعتبار تعيين الأعمال ، فلما تقدّم فى المزارعة.

أحكام عامة فى باب المساقاة

المساقاة عقد لازم لاينفسخ إلاّ بالتقايل أوبالفسخ بالخيار اذا فرض اشتراطه أو تخلف الشرط.

وفى جواز المساقاة على الأشجار التى لا ثمر لها وإنّما ينتفع بورقها ـ كالحناء ـ خلاف.

ويجوز اجراء عقد المساقاة على الأشجار التى لا تحتاج الى السقي ، لاستغنائها بماء المطر ونحو ذلك ما دامت بحاجة الى الإعمار من جهات أخري.

ولايلزم على العامل مباشرة العمل بنفسه ، بل يجوز له استيجار غيره لذلك ما دام لم تشترط عليه المباشرة.

واذا كان البستان يشتمل على أنواع مختلفة من الأشجار فتجوز المساقاة على النصف مثلاً فى النخيل والربع فى شجر التفاح وهكذا.

ويجوز أن يشترط أحدهما على الآخر مضافاً الى حصته شيئاً آخر ، كبناء بيت له أو دفع مبلغ من النقود وما شاكل ذلك.

٨٥

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا أن‏المساقاة لازمة لاتنفسخ إلاّ بماذكر ، فقد تقدّم وجهه فيمبحث الإجارة.

٢ ـ وأمّا الخلاف فى جواز المساقاة على الأشجار التى لا ثمر لها ، فباعتبار أن مورد صحيحة يعقوب المتقدمة هو الشجر المثمر.

إلاّ أن المناسب هو الحكم بالتعميم ، لأن مورد الصحيحة وإن كان ما ذكر لكنه قد وقع فيسؤال السائل ، ولا يفهم العرف له خصوصية فبتنقيح المناط ينبغى التعّدي.

هذا لو لم نلحظ عموم « أوفوا بالعقود » ، وإلاّ فالأمر أوضح.

٣ ـ وأمّا عدم توقف صحة المساقاة على الحاجة الى السقى ، فلما تقدم من أن عطف الإعمار على السقى فى صحيحة يعقوب هو من عطف العام على الخاص ، وذلك يدلّ على أن المدار فى صحة المساقاة على الحاجة الى الإعمار بأيّ شكل كان من دون خصوصية للسقي.

٤ ـ وأمّا أن‏العامل يجوز له استيجار غيره اذا لم‏ تشترط‏ عليه ‏المباشرة بنفسه ، فواضح ، لأن‏الذمّة تكون مشغولة بالإعمار الكلّي ، وهو مما يمكن تحققه باستيجار الغير له.

٥ ـ وأمّا جواز المساقاة بحصص مختلفة باختلاف الاشجار ، فلانحلال العقد الي عقود متعددة بعدد أنواع الأشجار.

٦ ـ وأمّا جواز اشتراط شيء آخر إضافة الى الحصة ، فلأنه بعد عدم مخالفته لمقتضى العقد ولا للكتاب والسنّة الشريفين يكون اشتراطه صحيحا وواجب الوفاء بمقتضى إطلاق قوله عليه‌السلام : « المسلمون عند شروطهم ». (١)

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٢ / ٣٥٣ ، باب ٦ من ابواب الخيار ، حديث ٢.

٨٦

كتاب الشركة

حقيقة الشركة

من احكام الشركة بالمعنى الاول

من احكام الشركة بالمعنى الثانى

٨٧
٨٨

حقيقة الشركة

تطلق الشركة على معنيين :

أ) كون شيءٍ واحد لاثنين أو أزيد بنحو الإشاعة.

ب) الاتفاق بين طرفين أو أزيد على الاتجار بمالهم مع الاشتراك فى الربح والخسارة.

وهى بالمعنى الثانى عقد. ولأجله صَحَّ ادراجها فى العقود ، بخلافه بالمعنى الاول فإنها ليست عقداً.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا تحقق الشركة بالمعنى الأول ، فهو من الاُمور الواضحة. فالاخوة مثلاً ، اذا ورثوا مالاً أو حقاً ، كانت الشركة فيه فيما بينهم بالمعنى المذكور.

وهكذا تتحقق بالمعنى المذكور اذا افترض اشتراك شخصين فى حيازة المباحات ، كاصطياد مجموعة من الأسماك بواسطة شبكة ، أو افتراض امتزاج مالين لشخصين باختيار أو بغيره من دون تمييز لأحدهما عن الآخر بنحوٍ عدّا عرفاً موجوداً واحداً ، كامتزاج حنطة بحنطة أو دقيق حنطة بدقيق حنطة أو شعير. وأمّا اذا كان المزج بنحوٍ لايعدّان موجوداً واحداً فلاتتحقق الشركة ؛ وإن لم يمكن التمييز ،

٨٩

كما اذا اختلطت دنانير شخص بدنانير غيره ، أو عباءة شخص بعباءة غيره ، أو حنطة شخص بشعير غيره ، فإنه حيث لايعدُّ الخليط موجوداً واحداً فلا تتحقق الشركة ، بل يلزم الفرز إن امكن ، وإن لم يمكن إلاّ بكلفة بالغة ، فمع اتفاقهما على الصلح فلا مشكلة ، وإلاّ أجبرهما الحاكم عليه.

وتتحقق الشركة بالمعنى الأول أيضاً فيما اذا امتلك شخصان أو أزيد شيئاً واحداً بشراء أو صلح أو هبة ونحوها.

كما تتحقق بعملية التشريك المنصوص عليها فى الروايات ، كمن كان عنده شيء وطلب منه غيره تشريكه فيه ، بأن قال له : « شرّكنى فى نصفه بكذا مقدار » ، فانه اذا قبل تحققت فيه الشركة بالمعنى المذكور ، فاذا حصل فيه ربح أو خسران اشتركا فيه.

والوجه فيه صحيحة هشام بن سالم عن أبى عبد الله عليه‌السلام : « سألته عن الرجل يشارك فى السلعة ، قال : إن ربح فله وإن وضع فعليه » (١) وغيرها.

والشركة فى كلّ الأمثلة التى أشرنا اليها تتحقق بنحو الإشاعة.

٢ ـ وأمّا الشركة بالمعنى الثانى ، فهى مما انعقدت عليها السيرة العقلائية المتصلة بزمن المعصوم عليه‌السلام الممضاة بعدم الردع عنها. وهى أيضاً مشمولة للعمومات ، كقوله تعالي : ( أوفوا بالعقود ) (٢). بل يمكن التمسّك لإثبات صحتها بموثقة السكونى عن أبى عبد الله عليه‌السلام : « أن امير المؤمنين عليه‌السلام كره مشاركة اليهودى والنصرانى والمجوسي إلاّ أن تكون تجارة حاضرة لايغيب عنها المسلم » (٣) وغيرها. والسكونى وإن لم يرد فى حقه توثيق خاص إلاّ أن دعوى الشيخ الطوسى فى عدّته عمل الطائفة

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ١٧٤ ، باب ١ من ابواب احكام الشركة ، حديث ١.

٢ ـ المائدة : ١.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ١٧٦ ، باب ٢ من احكام الشركة ، حديث ٢.

٩٠

برواياته(١) كافٍ فى التساهل من ناحيته.

من أحكام الشركة بالمعنى الاول

لايجوز لبعض الشركاء التصرف فى العين المشتركة بالمعنى الاول الاّ بإذن البقية.

واذا طالب بعض الشركاء بالقسمة لزمت إجابته إن لم يلزم منها تضرر البعض أو الكل. وفى حالة عدم لزومه تلزم الإجابة سواء كانت قسمة إفراز ـ بمعنى عدم احتياج المال المشترك فى تقسيمه الى تعديل سهامه لتساوى أجزائه فى القيمة ـ أم قسمة تعديل.

والقسمة عقد لازم ، لايجوز فسخها من دون تراضٍ. ولو اُدّعى وقوع غلط فيها لم يقبل إلاّ بالبيّنة.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا عدم جواز التصرف فى العين المشتركة إلاّ بموافقة بقية الشركاء ، فلعدم جواز التصرف فى مال الغير إلاّ بطيب نفسه.

٢ ـ وأمّا لزوم الإجابة الى القسمة مع عدم التضرر ، فللسيرة العقلائية المنعقدة على أن لكلّ مالكٍ الحقَ فى المطالبة بفرز ماله عن مال شريكه ، وحيث لايحتمل حدوث السيرة المذكورة فى الأزمنة المتأخرة بل يجزم باتصالها بزمن المعصوم عليه‌السلام فتكون كاشفة عن رضاه بمضمونها ، بعد عدم ردعه عنها.

وأمّا استثناء حالة لزوم الضرر ، فلقاعدة نفى الضرر ، بناءً على كون المراد منها نفى الحكم الذى ينشأ منه الضرر ، كما هو مختار الشيخ الاعظم قدس‏سره.

٣ ـ وأمّا أن لزوم الإجابة الى القسمة لايفرّق فيه بين شكلى القسمة ، فلعموم

__________________

١ ـ العدة فى الاصول ، مبحث حجية الخبر : ١ / ١٤٩.

٩١

السيرة المتقدمة.

٤ ـ وأمّا أن القسمة عقد ، فلأنّها فى واقعها اتفاق بين الطرفين أو الأطراف علي فرز حقّ كلّ واحد عن غيره.

وأمّا أنها عقد لازم لايجوز فسخه بدون تراضٍ من الأطراف ، فلأصالة اللزوم في كلّ عقد ، وقد تقدمت الإشارة الى مستندها فى أبحاث سابقة.

٥ ـ وأمّا عدم قبول دعوى الغلط فيها ، فلأصالة الصحة فى كلّ عقد لم يثبت فساده الثابتة بالسيرة العقلائية غير المردوع عنها.

٦ ـ وأمّا استثناء حالة إقامة البيّنة عليها ، فلقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « البيّنة على من ادّعي واليمين على من ادّعى عليه ». (١)

من أحكام الشركة بالمعنى الثانى

لاتصح الشركة العقدية لدى المشهور إلاّ بمزج مالى الشريكين قبل العقد أو بعده بنحوٍ لايتميزان.

وهى ذات أشكال متعددة لاتصح إلاّ فى واحد منها ، وهو ما تقدم من التعاقد علي الاشتراك فى ربح وخسارة المالين بعد الاتجار بهما. ويصطلح عليها بشركة العنان.

وأمّا بقية أشكالها فباطلة ، (٢) وهي :

أ) شركة الأبدان : وهى التعاقد على عمل كلّ واحد من الطرفين بصورة مستقلة وفي

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ١٧٠ ، باب ٢ من ابواب كيفية الحكم ، حديث ١.

٢ ـ وقد اتفقت كلمة اصحابنا على ذلك على ما فى جامع المقاصد ( : ٨ / ١٣) ولم ينسب الخلاف إلاّ الي ابن‏الجنيد الاسكافي ، فان العلامة فى المختلف (ص ، ٤٧٩) قد نقل عنه جواز شركة الوجوه والاعمال.

هذا ما عليه اصحابنا.

وأمّا العامة فقد ذهب بعضهم الى جواز بعض الاشكال المذكورة ، فلاحظ : المغنى لابن قدامة : ٥ / ١١١.

٩٢

مجاله الخاص مع اقتسام الربح الحاصل لكلّ واحد ، كما لو قرّر حلاقان اقتسام أجرة الحلاقة التى يحصلان عليها فى كلّ يوم.

ب) شركة الوجوه : وهى التعاقد بين شخصين لايملكان مالاً بل وجاهة بين الناس فقط على شراء كلّ واحد منهما بثمن ثابت فى ذمته فقط شيئاً لكلا الطرفين ، ثم بيعه بعد ذلك واداء الثمن بعده واقتسام الربح الحاصل.

ج) شركة المفاوضة : وهى التعاقد على اقتسام كلّ مايستفيده أحد الطرفين من إرث أو وصية أو ربح تجارة ونحو ذلك ، وهكذا تحمّل الطرفين كلّ ما يرد على أحدهما من خسارة.

ويلزم فى الشركة العقدية الصحيحة الإيجاب والقبول والبلوغ والعقل والاختيار وعدم الحجر لسفهٍ أو فلس.

ويتساوى الشريكان فى الربح والخسارة مع تساوى المالين ، ومع الزيادة فبالنسبة ربحاً وخسارة. ولو شرطت زيادة لأحدهما فمع كونها فى مقابل العمل أو زيادته فلا إشكال ، وإلاّ لم يجز ذلك على قول.

وعقد الشركة جائز ، بمعنى ثبوت الحق لكلّ واحد من الشريكين فى التراجع عن إذنه فى التصرف.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا اعتبار المزج لدى المشهور ، فلا مستند له سوى الإجماع المدّعى في المسألة ، (١) فإن تمَّ كان هو المدرك وإلاّ فمقتضى العمومات ـ كقوله تعالى ( أوفوا

__________________

١ ـ قال فى التذكرة : ٢ / ٢١٢ « لاتصح الشركة الابمزج المالين وعدم الامتياز بينهما عند علمائنا ».

٩٣

بالعقود ) (١) عدم الاعتبار ، كما اكد السيد اليزدى على ذلك(٢).

٢ ـ وأمّا الوجه فى عدم صحة شركة الأبدان ، فواضح على رأى المشهور المعتبر للامتزاج فى صحة عقد الشركة ، فإنه مفقود فيها.

وأمّا بناءً على عدم اعتباره ، فقد قيل فى وجه عدم الصحة : إن ربح العمل المستقبلى معدوم حين العقد ، وتمليك المعدوم أمر غير عقلائى وتحتاج صحته الي قيام دليل خاص عليه ، وهو مفقود.(٣)

وبنفس هذا البيان يمكن توجيه بطلان شركة الوجوه والمفاوضة ، فإن المزج ـ بناءً على اعتباره ـ مفقود ، وبناءً على عدمه يكون المورد من موارد تمليك المعدوم ، فإن ربح مايشترى فى الذمّة أو الفوائد المستقبلية التى تحصل من خلال الإرث أو الوصية ونحوهما مفقود حين اجراء عقد الشركة ، وتمليك ذلك تمليك للمعدوم.

٣ ـ وأمّا اعتبار الايجاب والقبول فى الشركة العقدية الصحيحة ، فلأن ذلك لازم افتراض كونها عقداً.

ويكفى كلّ ما يدلّ عليهما ، كقول أحدهما : تشاركنا مع قبول الآخر. بل لايبعد الاكتفاء بالمعاطاة ، كما لو مزج المالان بقصد الاشتراك فى التجارة وما يترتب عليها من ربح أو خسارة ، فإنه بعد صدق العقد بذلك يشمله عموم قوله تعالي : ( أوفوا بالعقود ).(٤)

وأمّا اعتبار البلوغ وبقية الشروط ، فلأن ذلك من الشرائط العامة فى كلّ عقد.

__________________

١ ـ سورة المائدة : ١.

٢ ـ العروة الوثقي ، كتاب الشركة ، مسألة ٤.

٣ ـ مبانى العروة الوثقي ، كتاب الشركة : ٢٤٥.

٤ ـ سورة المائدة : ١.

٩٤

٤ ـ وأمّا التساوى فى الربح والخسارة مع تساوى المالين ، وإلاّ فبالنسبة ، فذلك لقاعدة تبعية الربح والنماء للأصل.

٥ ـ وأمّا جواز اشتراط الزيادة فى مقابل العمل أو زيادته ، فلأنه شرط سائغ ومشمول لعموم قوله عليه‌السلام : « المسلمون عند شروطهم ». (١)

٦ ـ وأمّا القول بعدم جواز اشتراط الزيادة مع تساوى المالين والعمل ، فقد علل بكونه أكلاً للمال بالباطل المنهى عنه فى قوله تعالي : ( لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ) (٢).

وأمّا وجه القول بجواز ذلك ، فهو التمسّك بعموم : « المسلمون عند شروطهم ».

ودعوي : أنه مخالف لمقتضى العقد : مدفوعة : بأنه مخالف لمقتضى إطلاقه لا لأصله.

٧ ـ وأمّا أنَّ عقد الشركة جائز ، فلأن مرجعه فى روحه الى الإذن فى التصرف ، ومن حقّ كلّ آذن التراجع عن إذنه.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٢ / ٣٥٣ ، باب ٦ من ابواب الخيار ، حديث ٢.

٢ ـ سورة النساء ، آيه ٢٩.

٩٥
٩٦

كتاب الضمان

حقيقة الضمان

شرائط الضمان

من احكام الضمان

٩٧
٩٨

حقيقة الضمان

الضمان ـ بمعناه المصطلح عليه لدى فقهائنا ـ هو التعهد بالدين للغير بنحو ينتقل من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن.

وأمّا عند غيرنا فهو ضم ذمة الى ذمة بحيث تعود ذمة الضامن والمضمون عنه مشغولتين للمضمون له ويحق له الرجوع على أيّهما شاء.

وله إطلاق بمعنى ثان ، وهو التعهد بالمال للغير وتحمل مسؤوليته من دون اشتغال ذمة الضامن بالفعل وبراءة ذمة المضمون عنه كما هو على المعنى الاصطلاحي.

وهو مشروع بكلا معنييه.

والمستند فى ذلك

١ ـ أمّا الضمان بالمعنى الاصطلاحى الذى تترتب عليه براءة ذمة المضمون عنه بمجرد الضمان واشتغال ذمة الضامن ، فمشروعيته من بديهيات الفقه.

ويمكن التمسّك لذلك بصحيحة عبداللّه‏ بن سنان ـ التى رواها المشايخ الثلاثة بطرقهم الصحيحة ـ عن أبى عبداللّه‏ عليه‌السلام : « رجل يموت وعليه دين ، فيضمنه ضامن

٩٩

للغرماء ، فقال : إذا رضى به الغرماء فقد برئت ذمّة الميت ». (١)

هذا فى الضمان بمعناه المصطلح عندنا.

وأمّا بمعناه المصطلح عند غيرنا ، فالمعروف بين أصحابنا عدم صحته حتى مع التصريح بإرادته إلاّ أن السيد اليزدى اختار إمكان تصحيحه من خلال التمسّك بالعمومات من قبيل قوله تعالي : ( أوفوا بالعقود ) (٢)

٢ ـ وأمّا الضمان بمعناه الثانى ، فهو متداول لدى العقلاء ، كضمان شخص الدين للدائن إن لم يؤده المديون ، أو ضمان الدار لمشتريها إذا ظهرت مستحقة للغير ، أو ضمان الثمن للبائع إن ظهر كذلك.

٣ ـ وأمّا شرعية الضمان بمعناه الاصطلاحى ، فقد تقدّم وجهها.

وأمّا شرعيته بالمعنى الثانى ، فللسيرة العقلائية المنعقدة عليه ، المتصلة بزمن المعصوم عليه‌السلام والممضاة بعدم الردع.

مضافاً إلى امكان التمسّك بعموم قوله تعالي : ( أوفوا بالعقود ) (٣)

شرائط الضمان

يلزم لتحقق الضمان توفر :

١ ـ الايجاب من الضامن والقبول من المضمون له بكلّ ما يدلّ عليهما. ولايلزم رضا المضمون عنه.

٢ ـ كون الضامن والمضمون له بالغين عاقلين مختارين وليس محجّراً عليهما لسفه ،

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ١٥٠ ، باب ٢ من أحكام الضمان ، حديث ١.

٢ ـ العروة الوثقى ، كتاب الضمان ، مسألة ٢.

٣ ـ المائدة : ١.

١٠٠