دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ٢

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: المركز العالمي للدّراسات الإسلامية
المطبعة: توحيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ١٩٤

كتاب القرض

حقيقة القرض

شرائط صحة القرض

ربا القرض

من أحكام القرض

١٤١
١٤٢

حقيقة القرض

القرض عقد يتضمن تمليك شخص ماله لآخر مع ضمانه فى ذمته ببدله.

وهو أخص من الدين.

والإقراض مشروع بنحو السنّة المؤكدة.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا ان القرض عقد ، فقد نقل فى الجواهر عدم وجدان الخلاف فيه.(١)

وأمّا أنه‏يتضمن التمليك مع الضمان ، فلاخلاف فيه‏أيضاً. ويؤكده فهم العرف منه ذلك.

إن قلت : إنَّ كلاًّ من البيع والقرض يشتمل على التمليك بعوض ، فما الفارق بينهما؟

قلت : أجاب الشيخ الأعظم عن ذلك بأن البيع يشتمل على معاوضة ، فالبائع يملّك المبيع بعوض ، بخلاف القرض فإنه ليس فيه ذلك ، بل هو تمليك العين مع الضمان ، ولذا يصح للبائع عرفاً أن يقول : « أنشأت معاوضة على مالي » ، بخلافه في القرض.(٢)

__________________

١ ـ جواهر الكلام : ٢٥ / ١.

٢ ـ كتاب المكاسب : ٢ / ١٧.

١٤٣

٢ ـ وأمّا أنه أخصّ من الدين ، فلأن الدين كلّ مال كلّى ثابت فى ذمّة شخص لآخر بسبب من الأسباب ، كالضمان ، وبيع السلم ، والنسيئة ، والإجارة مع كون الأجر كلّياً فى الذمّة ، والنكاح مع كون المهر كلّياً ، والزوجية بالنسبة الى النفقة الي غير ذلك من الأسباب التى أحدها القرض.

وعلى هذا الأساس ، فكلّ قرض دين بخلاف العكس.

ويطلق على من اشتغلت ذمته المدين أو المديون ، وعلى الآخر الدائن ، وعليهما الغريم.

وبهذا يتضح أن المقصود من كلمة « الدين » فى قول الفقهاء : « لايجوز بيع الدين بالدين » هذا المعنى دون خصوص القرض.

٣ ـ وأمّا أن الإقراض مشروع ، فهو من ضروريات الإسلام. ويكفينا للدلالة علي ذلك قوله تعالي : ( يا أيّها الّذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمّيً فاكتبوه ... ). (١)

وأمّا أن شرعيته بنحو السنّة المؤكدة ، فللأحاديث الكثيرة ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من أقرض أخاه المسلم كان له بكلّ درهم أقرضه وزن جبل اُحد من جبال رضوى وطور سيناء حسنات ، وإن رفق به فى طلبه جاز به على الصراط كالبرق الخاطف اللامع بغير حساب ولاعذاب. ومن شكا إليه أخوه المسلم فلم يقرضه ، حرّم اللّه‏ عزّوجلّ عليه الجنّة يوم يجزى المحسنين ». (٢)

والمسنون بنحو مؤكد ـ كما هو واضح ـ الإقراض الذى هو فعل المقرِض دون

__________________

١ ـ البقرة : ٢٨٢.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ٨٨ ، باب ٦ من أبواب الدين ، حديث ٥.

١٤٤

الاقتراض الذى هو فعل المقترض ، فانه ليس بمستحب ، بل قد تستفاد مبغوضيته من النصوص ، ففى الحديث : « إيّاكم والدين ، فإنّه شين الدين ». (١)

شرائط صحة القرض

يلزم لصحة القرض توفر :

١ ـ قبض المقترِض المال المقترَض وإلاّ فلا يملكه.

٢ ـ البلوغ والعقل والقصد والاختيار وعدم السفه فى المتعاقدين ، وعدم الفلس في خصوص المقرِض.

٣ ـ كون المال عيناً ، فلا يصح لو كان ديناً أو منفعة. وكذا لايصح لو كان مردداً بين فردين من العين.

٤ ـ كون المال ممّا يصح تملّكه شرعاً ، فلا يصح إقراض مثل الخمر والخنزير.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا أن القبض شرط فى صحة القرض بحيث لايحصل الملك قبله ، فلاوجه له سوى الإجماع ، وإلاّ فالقاعدة تقتضى تحقق الملك بمجرد تمام العقد وإن لم يتحقق القبض.

قال فى الجواهر : « لولا الإجماع لاتّجه القول بحصوله بتمامه من دون قبض علي حسب غيره من العقود التى لاريب فى ظهور الأدلّة فى اقتضائها التمليك ضرورة صدق مسمّاها بها ». (٢)

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ٧٧ ، باب ١ من أبواب الدين ، حديث ٢.

٢ ـ جواهر الكلام : ٢٥ / ٢٣.

١٤٥

ودعوى : أن اسم القرض لايصدق إلاّ بالقبض ، لانعرف لها وجهاً.

ثم إن هناك قولاً باشتراط التصرف أيضاً بعد القبض فى تحقق الملك. ولكنه كما تري ؛ إذ إطلاق الأدلة ينفيه ، وإن كان مقتضى استصحاب عدم ترتب الأثر ـ لولا ذلك ـ اعتباره لو فرض الشك فى ذلك.

٢ ـ وأمّا اعتبار البلوغ والعقل والقصد والاختيار فى المقرِض والمقترِض ، فلأنها من الشرائط العامة فى كلّ عقد.

وأمّا اعتبار عدم السفه ، فلأن السفيه ممنوع من كلّ تصرف مالي.

وأمّا اعتبار عدم الفلس فى المقرِض ، فلأن المفلس ممنوع من التصرف في أمواله.

وأمّا عدم اعتبار ذلك فى المقترِض ، فلأن المفلس ممنوع من التصرف فى أمواله دون التصرف فى ذمّته بإشغالها.

٣ ـ وأمّا اعتبار كون المال المقترَض عيناً وعدم صحة القرض لو كان ديناً أو منفعة ، فلما تقدم من اشتراط القبض فى صحة القرض ، وإمكان ذلك يختص بالأعيان.

وأمّا عدم صحة القرض مع تردد المال بين فردين ، فلأن تحقق التمليك بلحاظ هذا الفرد دون ذاك بلا مرجح ، والمردد لاتحقق له.

٤ ـ وأمّا اعتبار كون المال مما يصح تملّكه ، فواضح ، لأن القرض تمليك للمال فلابدَّ من كون متعلّقه قابلاً لذلك.

١٤٦

ربا القرض

يحرم الربا فى القرض ، وذلك باشتراط المقرِض دفع زيادة على المقدار المقترَض.

ويجوز للمقترِض اشتراط التسديد بالأقل.

وإذا تبرع المقترِض بدفع الزيادة بدون اشتراط جاز قبولها ، بل ذلك مستحب.

ولايجوز ـ على قول ـ إقراض مقدار من المال مع اشتراط ايجار دار مثلاً أو بيعها بأقلّ من اُجرة أو ثمن المثل ، ويجوز العكس.

ويصح بيع الدين بمال موجود وإن كان أقلّ منه ما لم يلزم الربا. ولايصح بيعه بدين مثله ، كما إذا كان شخص يستحق على ثانٍ مائة كيلو من الحنطة وللثانى على الأوّل مائة كيلو من الشعير واُريد بيع أحدهما بالآخر.

ولايجوز تأجيل‏الدين عندحلوله بزيادة وإن‏جازتعجيل‏المؤجل‏ولو بإسقاط بعضه.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا حرمة الربا فى الجملة ، فهى من ضروريات الإسلام لدلالة صريح الكتاب العزيز عليها ، كما تقدّمت الإشارة إلى ذلك فى البيع عند البحث عن ربا المعاوضة.

وأمّا تحقق الربا فى القرض وعدم اختصاصه بالمعاوضة ، فهو من المسلّمات التى لم يقع فيها شك.

وقد دلّت على ذلك صحيحة يعقوب بن شعيب عن أبى عبداللّه‏ عليه‌السلام : « سألته عن الرجل يسلم فى بيع أو تمر عشرين ديناراً ويقرض صاحب السلم عشرة دنانير أو عشرين ديناراً ، قال : لايصلح ، إذا كان قرضاً يجر شيئاً فلا يصلح ... ». (١) وصحيحة

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ١٠٥ ، باب ١٩ من أبواب الدين ، حديث ٩.

١٤٧

على ابن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما‌السلام : « سألته عن رجل أعطى رجلاً مائة درهم على أن يعطيه خمسة دراهم أو أقل أو أكثر ، قال : هذا الربا المحض » (١) وغيرهما.

والصحيحة الثانية وإن كانت ضعيفة السند بطريق قرب الإسناد بعبداللّه‏ بن الحسن ، لكونه مجهول الحال إلاّ أنها صحيحة فى طريقها الثاني ، لوجودها فى كتاب على بن جعفر الذى يرويه صاحب الوسائل عن الشيخ بطريق صحيح ، وهو عن على بن جعفر بطريق صحيح أيضاً.(٢)

ثم إنه توجد بعض الروايات التى قد يستشمّ منها جواز الربا فى القرض ، ففي أكثر من رواية ورد : « خير القرض ما جرَّ منفعة ». (٣)

إلاّ أنه لابدَّ من حملها على صورة عدم الاشتراط ، للنص الدالّ على التفصيل بين ما إذا كان جرُّ المنفعة فى القرض بسبب الاشتراط فلايجوز وبين ما إذا لم يكن بسببه فيجوز ، كما فى موثقة اسحاق بن عمّار عن أبى الحسن عليه‌السلام : « سألته عن الرجل يكون له مع رجل مال قرضاً ، فيعطيه الشيء من ربحه مخافة أن يقطع ذلك عنه فيأخذ ماله من غير أن يكون شرط عليه ، قال : لابأس بذلك مالم يكن شرطاً ». (٤)

ويظهر من خلال بعض النصوص أن تلك الروايات جاءت ردّاً على غيرنا القائل بعدم جواز جرِّ القرض للمنفعة ولو بدون اشتراط ، ففى صحيحة محمد بن مسلم :

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ١٠٨ ، باب ١٩ من أبواب الدين ، حديث ١٨.

٢ ـ قد اشار صاحب الوسائل الى كتاب على بن جعفر فى الفائدة الرابعة من الفوائد التى ذكرها فى آخر الوسائل كما اشار فى الفائدة الخامسة الى طرقه الصحيحة الى جميع الكتب التى نقل عنها. وامّا الشيخ فقد ذكر فى الفهرست طريقه الى كتاب على بن جعفر.

٣ ـ وسائل الشيعة : ج ١٣ ، باب ١٩ من أبواب الدين ، حديث ٥ ، ٦ ، ٨ ، ١٦.

٤ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ١٠٣ ، باب ١٩ من أبواب الدين ، حديث ٣.

١٤٨

« سألت أبا عبداللّه‏ عليه‌السلام عن الرجل يستقرض من الرجل قرضاً ويعطيه الرهن إما خادماً وإما آنية وإما ثياباً فيحتاج إلى شيء من منفعته فيستأذن فيه فيأذن له ، قال : إذا طابت نفسه فلا بأس. قلت : إنَّ مَن عندنا يروون أن كل قرض يجرُّ منفعة فهو فاسد ، فقال : أوَليس خير القرض ما جرَّ منفعة! ». (١)

٢ ـ وأمّا جواز اشتراط المقترِض دفع الأقل ، فلعدم مايدلّ على المنع من ذلك فيتمسّك بأصل البراءة.

٣ ـ وأمّا جواز قبول الزيادة من دون اشتراط ، فلموثّقة اسحاق بن عمار المتقدمة وغيرها.

وأمّا استحباب دفع الزيادة إذا لم يكن مع الاشتراط ، فلأنه نوع من مقابلة الإحسان بالإحسان ، بل ذلك هو الفضل المندوب اليه ، ففى صحيحة عبدالرحمن ابن الحجاج عن أبى عبداللّه‏ عليه‌السلام : « ... إنَّ أبى عليه‌السلام كان يستقرض الدراهم الفسولة (٢) فيدخل عليها الدراهم الجياد الجلال ، فيقول : يابُنيّ! ردّها على الذى استقرضتها منه فأقول : يا أبه! إنّ دراهمه كانت فسولة وهذه أجود منها ، فيقول : يا بُني! إن هذا هو الفضل فاعطه إياها ». (٣)

وقد أشار عليه‌السلام بقوله : « إن هذا هو الفضل » إلى قوله تعالي : ولاتنسوا الفضل بينكم. (٤)

٤ ـ وأمّا القول بعدم جواز الإقراض بشرط ايجار الدار أو بيعها بالأقل ، فلأنه

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ١٠٤ ، باب ١٩ من أبواب الدين ، حديث ٤.

٢ ـ الفسولة : الرديء من الشيء. والجلال : النفيس من كل شيء.

٣ ـ وسائل الشيعة : ٢ / ٤٧٨ ، باب ١٢ من أبواب الصرف ، حديث ٧.

٤ ـ البقرة : ٢٣٧.

١٤٩

مصداق لقوله فى صحيحة يعقوب‏المتقدمة : « لايصلح ، إذا كان قرضاً يجرّ شيئاً فلا يصلح ».

وأمّا جواز الايجار أو البيع بالأقل بشرط القرض ، فلأنّه ليس مصداقاً للقرض الذى جرَّ شيئاً ، بل مصداق للبيع أو الإجارة الذين جَرّا نفعاً ، وذلك لم يرد النهى عنه بل هما قد شرّعا لذلك.هكذا يمكن توجيه القول المذكور.

وهو جيّد ، إلاّ أنه قد يستفاد من صحيحة يعقوب بن شعيب المتقدمة عدم الجواز فى كلتا الحالتين.

٥ ـ وأمّا أن الدَّين يجوز بيعه بمال موجود وإن كان أقل منه مادام لايلزم منه الربا ، فلإطلاق أدلّة مشروعية البيع.

وأمّا عدم صحة بيعه بدين مثله حتى مع التساوى ، فلموثقة طلحة بن زيد عن أبى عبداللّه‏ عليه‌السلام « قال رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله : لايباع الدين بالدين ». (١)

وطلحة بن زيد وإن لم يوثّق فى كتب الرجال ، إلاّ أن الأمر فيه سهل ، بعد قول الشيخ فى الفهرست أن كتابه معتمد عليه.(٢)

٦ ـ وأمّا عدم جواز تأجيل الدين الحال بزيادة ، فممّا لاخلاف فيه ، لكونه رباً وجعلاً للزيادة عن المقدار المستحق مقابل الأجل.

وأمّا جواز تعجيل المؤجل بإسقاط بعض الدين ، فلأنه ليس فيه جَعلٌ للزيادة ليلزم محذور الربا.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ٩٩ ، باب ١٥ من أبواب الدين ، حديث ١٥.

٢ ـ الفهرست : ٨٦.

١٥٠

على أن كلا الحكمين يمكن استفادته من صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام : « الرجل يكون عليه دين الى أجلٍ مسمّي ، فيأتيه غريمه فيقول : « أنقدني من الذى لى كذا وكذا وأضَعُ لك بقيّته ، أو يقول : أنقدنى بعضاً وأمدُّ لك فى الأجل فيما بقي ، فقال : لا أرى به بأساً ما لم يزد على رأس ماله شيئاً يقول اللّه‏ عزّوجلّ : ( فلكم رؤوس أموالكم لاتَظلمون ولاتُظلمون ) ». (١)

من أحكام القرض

يعتبر فى القرض الايجاب والقبول بكلّ ما يدلّ عليهما ولو بالمعاطاة.

ولايلزم فى المال المقترض أن يكون من النقود ، كما لايعتبر تعيين مقداره وأوصافه.

وهو عقد لازم ، بمعنى عدم جواز فسخه لإرجاع العين لو كانت موجودة. نعم مع فرض عدم تحديده بأجل تجوز المطالبة بالوفاء بدفع المثل إذا كان مثلياً والقيمة إذا كان قيمياً في أى وقت.

ولايلزم مع وجود العين المقترَضة تسديد القرض بها وإن جاز ذلك مع موافقة الطرفين.

ولايلزم تحديد القرض بأجل معيّن ، بل لو حُدِّد بأجل فالمشهور عدم لزومه إلاّ إذا اشترط ضمن عقد لازم غير القرض.

ويجب على المدين عند مطالبة الدائن الأداء فوراً إن قدر على ذلك ولو ببيع بعض أملاكه إلاّ ما هو بحاجة ماسّة إليه بحسب حاله وشرفه ، كدار سكناه وما شاكلها. ويُعبَّر عن ذلك بالمستثنيات فى قضاء الدين.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة ، باب ٣٢ من أبواب الدين ، حديث ١ ؛ : ١٣ / ١٢٠ ، باب ٧ من الصلح ، حديث ١.

١٥١

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا اعتبار الايجاب والقبول فى تحقق القرض ، فلأن ذلك مقتضى افتراض كونه عقداً.

وأمّا الاكتفاء بكلّ مايدلّ عليهما ، فلإطلاق دليل مشروعية القرض بعد افتراض صدقه.

ومنه يتضح وجه الاكتفاء بالمعاطاة.

٢ ـ وأمّا انه لايلزم فى المال المقترَض كونه من النقود ، فمتسالم عليه.(١) ويقتضيه إطلاق أدلّة مشروعيته.

وأمّا عدم اعتبار تعيين مقدار المال المقترَض وأوصافه ، فلذلك أيضاً.

٣ ـ وأمّا أن عقد القرض لازم ، بمعنى عدم جواز ارجاع العين المقترضة ، فمحل خلاف. والمنسوب إلى شيخ الطائفة جواز الفسخ وارجاع العين.(٢)

والمناسب هو اللزوم ، تمسّكاً بأصالة اللزوم فى كلّ عقد.

نعم إذا فرض عدم تحديد الوفاء بأجل فتجوز للمقرض المطالبة ببدل العين ، لأن مقتضى عقد القرض ضمان المقترِض للبدل دون نفس العين ، وحيث فرض عدم التحديد بأجل ، فيلزم جواز المطالبة به فى أى وقت.

٤ ـ وأمّا أن المال المقترَض يثبت مثله فى ذمّة المقترض إذا كان مثلياً وقيمته إذا كان قيمياً ، فلأنّ المقرِض بعد جعله المقترِض ضامناً لا لنفس العين ، بل لبدلها يلزم ما ذكر ، إذ البدل الأقرب مع فرض كون الشيء مثلياً هو المثل ومع كونه قيمياً هو

__________________

١ ـ جواهرالكلام : ٢٥ / ١٤.

٢ ـ جواهر الكلام : ٢٥ / ٢٨.

١٥٢

القيمة ، ويلزم بالتالى أن يكون ذلك هو الملحوظ للمقرِض عند تضمينه للمقترض بالبدل.

٥ ـ وأمّا عدم لزوم التسديد بنفس العين المقترَضة لو كانت موجودة ، فلأن المفروض صيرورتها ملكاً للمقترض بالقرض ، والضمان تعلق ببدلها.

وأمّا جواز ذلك مع توافق الطرفين ، فلأن الحق لايعدوهما.

وأمّا أنه مع عدم موافقة المقرِض بقبول العين ، فلا يجوز إجباره على ذلك ، فمن جهة أنه اشترط الضمان بالبدل واشتغال الذمّة به.

٦ ـ وأمّا عدم لزوم تحديد القرض بأجل معين ، فلإطلاق دليل مشروعيته.

وأمّا عدم لزوم الأجل المذكور فى عقد القرض ، فباعتبار أن الشرط يتبع في لزومه وجوازه لزوم العقد وجوازه ، وحيث إن المشهور يرى أن القرض من العقود الجائزة ، فيلزم كون الشرط المذكور فيه جائزاً أيضاً.

هذا والمناسب الحكم بلزوم الأجل ، لأنّه لو سُلِّم بجواز عقد القرض فذلك لايمنع من لزوم الشرط المذكور فيه بعد ما كان مقتضى إطلاق قوله عليه‌السلام : « المسلمون عند شروطهم » (١) شاملاً للشرط المذكور ضمن العقد الجائز أيضاً.

هذا مضافاً إلى امكان استفادة لزوم الأجل من قوله تعالي : ( يا أيّها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجلٍ مسمّيً فاكتبوه ... ). (٢)

٧ ـ وأمّا لزوم تسديد الدين فوراً مع المطالبة عند فرض كونه حالاً أو قد حلَّ أجله ، فلعدم جواز الامتناع أو التوانى عن أداء الحقوق لأصحابها.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٢ / ٣٥٣ ، باب ٦ من أبواب الخيار ، حديث ٢.

٢ ـ البقرة : ٢٨٢.

١٥٣

وأمّا استثناء دار السكن ونحوها ، فلصحيحة الحلبى عن أبى عبداللّه‏ عليه‌السلام : « لاتباع الدار ولا الجارية فى الدين ، ذلك أنّه لابدَّ للرجل من ظلّ يسكنه وخادم يخدمه » (١) وغيرها ، فإن موردها وإن كان خاصاً بالدار والجارية إلاّ أن مقتضى التعليل التعدي إلى غيرهما من الأشياء التى لابدَّ منها فى حياة الإنسان.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ٩٥ ، باب ١١ من أبواب الدين ، حديث ١.

١٥٤

كتاب الرهن

حقيقة الرهن

شرائط صحة الرهن

من أحكام الرهن

١٥٥
١٥٦

حقيقة الرهن

الرهن عقد يتضمن جعل مال وثيقة للتأمين على دين أو عين مضمونة.

وهو مشروع بلا إشكال

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا أن الرهن عقد ويتضمن ما ذكر ، فهو من الواضحات. والفهم العرفى خير شاهد عليه.

٢ ـ وأمّا صحة جعل الرهن وثيقة على العين المضمونة أيضاً ـ كالعين المغصوبة اذا طالب صاحبها الغاصب أو غيره ضمن عقد لازم بالرهن عليها ـ فلإطلاق ما يأتي من دليل مشروعية الرهن.

٣ ـ وأمّا أن الرهن مشروع ، فهو من ضروريات الاسلام. ويدلّ على ذلك الكتاب الكريم : ( وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة ) (١) ، والروايات الكثيرة ، كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام : « سألته عن السلم فى الحيوان وفى الطعام ويؤخذ الرهن ، فقال : نعم ، استوثق من مالك ما استطعت. قال : وسألته عن

__________________

١ ـ البقرة : ٢٨٣.

١٥٧

الرهن والكفيل فى بيع النسيئة ، فقال : لابأس به » (١) وغيرها.

والقول باختصاص مشروعية الرهن بحالة السفر تمسّكاً بالآية الكريمة ضعيف ، فإن ذكر السفر مبنى على الغالب من عدم وجود الكاتب فيه. وهو كذكره فى قوله تعالي : ( وإن كنتم على سفر ... ولم تجدوا ماء فتيمّموا ). (٢) على أنه يكفينا إطلاق السنة الشريفة.

وعليه ، فما ينسب الى بعض العامة من عدم جواز الارتهان فى الحضر(٣) لا وجه له خصوصاً وأن لازم التمسّك بالآية الكريمة لاعتبار السفر اشتراط فقدان الكاتب للدين فى مشروعية الرهن عليه ، وهو غير محتمل ولم يقل به القائل المذكور.

شرائط صحة الرهن

يشترط لصحة الرهن توفر :

١ ـ الايجاب من الراهن والقبول من المرتهن بكلّ ما يدلّ عليهما ولو بالمعاطاة.

٢ ـ البلوغ والعقل والاختيار فى الراهن والمرتهن. وعدم الحجر على الراهن لسفه أو فلس.

٣ ـ كون المرهون عيناً مملوكة يجوز بيعها وشراؤها ، فلايصح رهن الدين ولا المنفعة ولا مثل الخمر ولا مثل الطير فى الهواء والوقف ولو كان خاصاً.

٤ ـ كون ما يرهن عليه ديناً ثابتاً فى الذمّة لفعلية سببه من إقتراض أو اسلاف مال أو شراء نسيئة فلا يصح الرهن على ما سيقترض أو على ثمن ما سيشترى ونحو ذلك.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ١٢١ ، باب ١ من ابواب احكام الرهن ، حديث ٥.

٢ ـ النساء : ٤٣.

٣ ـ جواهر الكلام : ٢٥ / ٩٨.

١٥٨

٥ ـ قبض المرتهن للعين المرهونة حدوثاً ولاتلزم استدامة ذلك.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا اعتبار الايجاب والقبول فى تحقق الرهن ، فهو مقتضى كونه عقداً.

وأمّا الاكتفاء بكلّ ما يدلّ عليهما ولو بالمعاطاة ، فلأنه بعد صدق عنوان الرهن يصح التمسّك بإطلاق دليل مشروعيته.

٢ ـ وأمّا اعتبار البلوغ وما بعده ، فلأن ذلك من الشرائط العامة فى كلّ عقد.

وأمّا اعتبار عدم الحجر على الراهن ، فلأن السفيه والمفلّس لايصح منهما التصرف فى أموالهما.

وأمّا عدم اعتبار ذلك فى المرتهن ، فلأنه بالرهن لايتصرف فى ماله.

٣ ـ وأمّا اعتبار كون المرهون عيناً ، فلأن الدين لايمكن تحقق القبض فيه ، وهو شرط فى صحة الرهن كما سيأتي.

بل لايصح تعلق الرهن بالدين حتى بناءً على انكار شرطية القبض ، باعتبار أن الغرض من الرهن ـ وهو الاستيثاق ـ لايتحقق بالدين.

وأمّا عدم صحة تعلقه بالمنفعة ، فلأنه لو تصورنا فيها تحقق القبض ، فيمكن أن يقال هى من الموجودات المتصرمة تدريجاً وليست موجوداً قارّاً ليمكن أن تكون وثيقة على الدين.

وأمّا اعتبار كون المرهون أمراً مملوكاً ، فلأنّ غير القابل للملك فى نفسه ـ كالخمر ـ أو غير المتصف به بالفعل لايحصل به الاستيثاق.

ومنه يتضح الوجه فى اعتبار كون العين المرهونة أمراً صالحاً للبيع والشراء ، ولايكفى أن تكون مثل الطير فى الهواء أو الوقف.

١٥٩

٤ ـ وأمّا اعتبار ثبوت الدين فى الذمة حالة العقد ، فلأن الرهن وثيقة على مال المرتهن الذى هو ثابت فى ذمة الغير ، فقبل ثبوت الدين فى الذمة لايصدق الرهن والاستيثاق.

ولا أقلّ من الشك فى اعتبار ذلك ، وهو كافٍ ، لجريان استصحاب عدم ترتب الأثر بعد عدم جواز التمسّك بإطلاق دليل المشروعية ، لكون المورد شبهة مصداقية.

٥ ـ وأمّا اعتبار القبض فى صحة الرهن ، فمحل خلاف. ومقتضى القاعدة عدم اعتباره تمسّكاً بإطلاق دليل شرعيته.

ودعوى أن عنوانه لايصدق إلاّ بالقبض ، غير مقبولة.

والمناسب اعتباره لقوله عليه‌السلام فى صحيحة محمد بن قيس : « لا رهن إلاّ مقبوضاً ». (١)

٦ ـ وأمّا عدم لزوم استدامة القبض ، فلأنه لايظهر من صحيحة محمد بن قيس اعتبار ذلك ، وهى مجملة من الجهة المذكورة فيرجع لنفى احتمال اعتبار الاستدامة الى إطلاق أدلة شرعية الرهن ، لقاعدة أن العام اذا خصص بمنفصلٍ مجمل مفهوماً اقتصر فى تخصيصه على القدر المتيقن لبقاء الظهور فى العموم على الحجية فيما زاد عليه بلامعارض.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ١٢٣ ، باب ٣ من احكام الرهن ، حديث ١.

١٦٠