دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ٢

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: المركز العالمي للدّراسات الإسلامية
المطبعة: توحيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ١٩٤

من أحكام الرهن

لايلزم فى العين المرهونة أن تكون ملكاً لمن عليه الدين ، بل يصح رهن ملك الغير اذا استعير لذلك.

والرهن لازم من جهة الراهن ، فلايصح له التراجع عنه الاّ برضا المرتهن أو ايفائه الدين.

ويجوز لمالك العين المرهونة التصرف فيها بما لايتنافى والاستيثاق ـ كركوب الحيوان اذا كان رهنا ـ وأمّا ما يتنافى ـ مثل بيع الحيوان أو ذبحه ـ فلا يجوز الاّ اذا أذن المرتهن به. وأمّا المرتهن فلايجوز له التصرف مطلقاً الاّ بإذن المالك.

واذا حلّ موعد الدين وطالب به المرتهنُ ولم يُؤدَّ ، فلا يجوز له بيع العين المرهونة واستيفاء دينه منها ، إلاّ اذا كان وكيلا فى ذلك من البداية او اذن له مالكها فيما بعد أو فرض عدم الوكالة والاذن وعدم استعداد المالك نفسه للتصدى للبيع.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا عدم لزوم كون العين المرهونة ملكاً للراهن وكفاية إذن مالكها فى رهنها ، فلإطلاق دليل شرعية الرهن.

٢ ـ وأمّا لزوم الرهن من طرف الراهن ، فلأصالة اللزوم فى مطلق العقود التى تقدم مستندها فى مبحث البيع.

على أن الغرض من الرهن وهو الاستيثاق لايتأتى مع الجواز من طرف الراهن.

٣ ـ وأمّا جواز تصرف مالك العين المرهونة فيها بما لايتنافى والاستيثاق ، فلأنه مالك ، ولا موجب لمنعه بعد عدم كون تصرفه منافياً للاستيثاق.

١٦١

٤ ـ وأمّا عدم جواز تصرف المرتهن فى العين المرهونة بأيّ شكل ، فلأنّ ذلك مقتضى عدم جواز التصرف فى مال الغير بدون إذنه.

٥ ـ وأمّا عدم جواز بيع المرتهن العين المرهونة اذا حلّ وقت المطالبة ولم يسدد الدين ، فلأنها ملك الغير ، ولايجوز التصرف فيه من دون إذنه.

وجعلها وثيقة على الدين لايلازم تجويز بيعها لاستيفاء الدين ، لعدم انحصار الاستيفاء بذلك ، بل يمكن ذلك بتصدى الراهن نفسه للبيع.

٦ ـ وأمّا انه يجوز للمرتهن البيع عند افتراض عدم الوكالة والإذن وعدم تصدي المالك نفسه للبيع ، فمن جهة أن التعاقد على الرهن يستبطن التعاقد على أن يكون للمرتهن الحق فيالبيع ، لاستيفاء حقه مع عدم تصدى المالك نفسه للبيع ولا إذنه فيه.

وقيل إن النوبة لاتصل الى المرتهن ما دام يمكن للحاكم الشرعى التصدى لذلك ، فإنه صاحب الولاية على الممتنع ، واذا لم يمكن للحاكم التصدى لسبب وآخر ، فآنذاك تصل النوبة الى المرتهن.

وهو جيد إن لم نفترض تمامية ما أشرنا اليه من التعاقد المستبطن.

١٦٢

كتاب الهبة

حقيقة الهبة

من أحكام الهبة

١٦٣
١٦٤

حقيقة الهبة

الهبة عقد يتضمن تمليك عين بلا عوض.

وشرعيتها واضحة.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما أن الهبة عقد ، فأمر متسالم عليه. وتدلّ عليه قاعدة سلطنة الانسان على نفسه وأمواله ، فإن خروج المال من الواهب بدون رضاه أمر على خلاف سلطنته على أمواله ، ودخوله فى ملك الموهوب له بدون موافقته أمر على خلاف سلطنته على نفسه.

وأيضاً انعقاد سيرة العقلاء على احتياج الهبة الى الايجاب والقبول ، شاهد يصلح التمسّك به فى المقام بعد فرض امضائها المستكشف بسبب عدم الردع.

٢ ـ وأما تضمن عقدها التمليك بلا عوض ، فهو من الواضحات. وفهم العرف خير دليل عليه.

ولايشكل عليه بخروج الهبة المعوضة بالرغم من كونها احد فردى الهبة ، فإن العوض فيها ليس فى مقابل العين الموهوبة وعوضاً عنها ، بل التمليك فيها مجانى

١٦٥

لكنه مشروط بتمليك مجانى آخر.

والفرق بينها وبين الهدية والصدقة بالرغم من أن الأخيرين هما تمليك مجانى أيضاً ، هو أن الهدية تمليك مجانى بقصد التكريم والتعظيم ، والصدقة تمليك مجانى بقصد القربة ، وهذا بخلافة فى الهبة ، فإنها تمليك مجانى ملحوظاً لابشرط من ناحية القصدين المذكورين ، فتكون أعم منهما أو بشرط لا ، فتكون مباينة لهما.

٣ ـ وأما شرعيتها ، فأمر بديهي ، كيف؟ وقد جرت عليها سيرة العقلاء الممضاة بعدم الردع ، وسيرة المتشرعة ، بل وسيرة أهل بيت العصمة بما فى ذلك جدهم صلوات الله عليهم اجمعين.

وما إنحال صاحب الرسالة صلى‌الله‌عليه‌وآله بضعته الطاهرة عليها‌السلام فدكاً إلاّ عبارة عن الهبة ، فإنهما واحد ، غايته لوحظ فى الإنحال تعلقه بالأرحام.

والروايات الدالة على شرعيتها كثيرة. وسيأتى بعضها فيما بعد ، إن شاء الله تعالي.

بل قد يستفاد ذلك من قوله تعالي : ( فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً ) (١) وقوله : ( ولايحل لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئاً ) (٢) ، بعد عدم اختصاص الإيتاء بالمهر.

من أحكام الهبة

لا تتحقق الهبة إلاّ بايجاب من الواهب وقبول من الموهوب له بكلّ ما يدلّ عليهما ولو بالمعاطاة.

__________________

١ ـ النساء : ٤.

٢ ـ البقرة : ٢٢٩.

١٦٦

ويلزم أن يتوفر فى الواهب البلوغ والعقل والقصد والاختيار وعدم الحجر لسفه او فلس.

ويعتبر القبض فى صحة الهبة وأن يكون عن إذن الواهب إلاّ فى هبة ما فى يد الغير له.

ولاتلزم فيه الفورية ولا كونه فى مجلس العقد.

ويلزم فى الموهوب أن يكون عيناً ، فلا تصح هبة المنافع. وأمّا الدين فتصح هبته على غير من هو عليه دون من هو عليه.

والهبة عقد جائز يصح فيها الرجوع إلاّ اذا كانت معوضة ، أو لذى رحم ، أو قصد بها القربة ، أو فرض تحقق التلف او التصرف الذى لا يصدق معه قيام العين بعينها.

ولا يلزم فى صحة الرجوع عن الهبة أن يكون أمام الموهوب له.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا توقف تحقق الهبة على الايجاب والقبول ، فلأن ذلك مقتضى كونها عقداً.

وأمّا الاكتفاء بكلّ ما يدلّ عليهما ولو بالمعاطاة ، فلإطلاق أدلّة مشروعيتها.

٢ ـ وأمّا أنه يعتبر فى الواهب البلوغ وما بعده ، فلأن الهبة عقد وتصرف فى المال ، وكلاهما مشروط بما ذكر.

وأمّا أنه لا يعتبر ذلك فى الموهوب له ، فلعدم تحقق التصرف المالى منه ، ولذا تصح الهبة الى الصبى والمجنون والمحجور عليه ، غايته يلزم فى الأولين نيابة الولى عنهما فى القبول.

٣ ـ وأمّا توقف صحة الهبة على القبض ، فهو المشهور.(١) وتدلّ عليه صحيحة أبى بصير عن أبى عبد الله عليه‌السلام : « الهبة لا تكون ابداً هبة حتى يقبضها » (٢) وغيرها.

__________________

١ ـ جواهرالكلام : ٢٨. ١٦٦.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ٣٣٦ ، باب ٤ من احكام الهبات ، حديث ٧.

١٦٧

وقد يقال : توجد فى المقابل صحيحة أبى المغرا أو أبى بصير : « قال أبوعبدالله عليه‌السلام : الهبة جائزة قبضت أو لم تقبض ، قسمت أو لم تقسم. والنحل لاتجوز حتى تقبض » (١) ، فإنها تدلّ على صحة الهبة قبل أن تقبض ، سواء فُسِّر الجواز باللزوم ـ كما هو الظاهر ـ أم بالصحة.

والجواب : أن النتيجة لاتتغير ، فإن الطائفتين حيث يتعذر الجمع بينهما تتساقطان ويلزم الرجوع الى الأصل ، وهو يقتضى عدم ترتب الأثر قبل القبض.

٤ ـ وأمّا اعتبار كون القبض بإذن الواهب ، فهو المشهور.(٢) وهو جيّد لانصراف ما دلّ على اعتبار القبض فى صحة الهبة الى ذلك. بل إن من المحتمل أن تكون كلمة « يقبضها » من باب الإفعال.

ومنه يتضح النظر فيما اختاره السيد اليزدى قدس‏سره : من عدم اعتبار الإذن ، تمسّكاً بالإطلاق وأن الأصل عدم شرطية ذلك وأن القدر المتيقن اعتبار وصول المال الى يد المتهب ، ولذا لو كان بيده كفي.(٣)

٥ ـ وأمّا عدم اعتبار القبض فى هبة ما فى يد الغير ، فلتحققه من دون حاجة الى تجديده.

٦ ـ وأمّا عدم لزوم الفورية فى القبض ولاكونه فى مجلس العقد ، فلإطلاق الصحيحة الدالّة على اعتبار القبض.

٧ ـ وأمّا عدم صحة هبة المنافع ، فلانها موجود تدريجى متصرم لايمكن تحقق القبض فيه.

وأمّا صحة هبة الدَّين على غير من هو عليه ، فلأنه بعد إمكان قبضه بقبض فرد

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ٣٣٥ ، باب ٤ من احكام الهبات ، حديث ٤.

٢ ـ جواهر الكلام : ٢٨ / ١٧٢.

٣ ـ ملحقات العروة الوثقي : ٢ / ١٦٥.

١٦٨

منه لايعود مانع من التمسّك بإطلاق دليل شرعيتها.

وأمّا عدم صحة هبة الدين على من هو عليه ، فلأن ذلك إبراء حقيقة لا هبة ، ويترتب عليه أحكامه دون أحكامها ، فلايجوزالرجوع اذا كان إبراء بخلافه لو كان هبة.

٨ ـ وأمّا جواز الرجوع فى الهبة وكونها عقداً جائزاً بالرغم من اقتضاء أصالة اللزوم لعكس ذلك ، فلصحيحة الحلبى عن أبى عبدالله عليه‌السلام : « اذا كانت الهبة قائمة بعينها فله أن يرجع والاّ فليس له » (١) وغيرها.

٩ ـ وأمّا استثناء الهبة المعوضة ، فلصحيحة عبد الله بن سنان عن أبى عبد الله عليه‌السلام : « اذا عوّض صاحب الهبة فليس له ان يرجع » (٢) وغيرها.

وأمّا استثناء الهبة لذى الرحم ، فلصحيحة محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه‌السلام : « الهبة والنحلة يرجع فيها صاحبها إن شاء ، حيزت أو لم تحز إلاّ لذى رحم فإنه لايرجع فيها » (٣) وغيرها.

وأمّا استثناء الهبة التى قصد بها القربة ، فلصحيحة محمد بن مسلم الاُخرى عن أبى جعفر عليه‌السلام : « لا يرجع فى الصدقة اذا ابتغى وجه الله » (٤) وغيرها.

وأمّا استثناء حالة التلف أو التصرف الذى لايصدق معه قيام العين ، فلصحيحة الحلبى المتقدمة.

١٠ ـ وأمّا عدم لزوم أن يكون الرجوع أمام الموهوب له ، فلإطلاق ما دلّ على جواز الرجوع وعدم تقييده بما اذا كان أمام الموهوب له.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ٣٤١ ، باب ٨ من احكام الهبات ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ٣٤١ ، باب ٩ من احكام الهبات ، حديث ١.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ٣٣٨ ، باب ٦ من احكام الهبات ، حديث ٢.

٤ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ٣٣٤ ، باب ٣ من احكام الهبات ، حديث ٢.

١٦٩
١٧٠

كتاب الوديعة

حقيقة الوديعة

من احكام الوديعة

١٧١
١٧٢

حقيقة الوديعة

الوديعة عقد يتضمن استنابة الغير فى حفظ المال. ويصطلح على الغير بالودعى والمستودع ، وعلى الآخر بالمودع.

وهى مشروعة بلا إشكال.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا أن الوديعة عقد فواضح ، إذ لا يكفى مجرد ايجاب المودع فى تحققها ، بل لابدَّ من قبول الودعي ، وإلاّ لم تكن له السلطنة على نفسه ، وهو خلف قانون السلطنة.

٢ ـ وأمّا أنها عقد يتضمن ما ذكر ، فهو من واضحات الفقه ، ويقتضيه الفهم العرفي.

٣ ـ وأمّا مشروعية عقد الوديعة ، فمن البديهيات ، لانعقاد سيرة العقلاء والمتشرعة عليه ، وللكتاب العزيز الصريح فى ذلك فى موارد متعددة كقوله تعالي : ( ان اللّه‏ يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها ) (١) ، ( فإن أمن بعضكم بعضاً فليؤدّ الذى اؤتمن أمانته ). (٢)

__________________

١ ـ النساء : ٥٨.

٢ ـ البقرة : ٢٨٣.

١٧٣

والروايات فى ذلك كثيرة ، كرواية ابى كهمس : « قلت لأبى عبداللّه‏ عليه‌السلام : عبداللّه‏ ابن أبى يعفور يقرؤك السلام ، قال : وعليك وعليه السلام ، إذا أتيت عبداللّه‏ فاقرأه السلام وقل له : إن جعفر بن محمد يقول لك : انظر ما بلغ به على عند رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله فالزمه ، فان علياً عليه‌السلام إنما بلغ ما بلغ به عند رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله بصدق الحديث وأداء الأمانة » (١) وغيره.

من أحكام الوديعة

يعتبر فى تحقق الوديعة الايجاب من المودع والقبول من الودعى بكلّ مايدلّ عليهما ولو بالمعاطاة.

ويجب ردُّ الوديعة إلى صاحبها عند المطالبة بها ولو لم يكن مؤمناً مادام ليس غاصباً.

ومن طلب من الغير أن يكون ماله وديعة لديه ولم يقبل الغير ذلك ولم يتسلمه ومع ذلك تركه المالك عنده ، فلا يضمنه لو تلف أو تعيّب.

وعقد الوديعة جائز من الطرفين وإن كان مؤجلاً بأجل محدد إلاّ مع اشتراط عدم فسخه إلى ذلك الأجل ولو ضمن عقد الوديعة نفسه فإنه يلزم الوفاء آنذاك ، ولكن مع الفسخ ينفسخ ويكون الفاسخ بذلك آثماً.

ولو فسخ الودعى لزمه ايصال المال إلى صاحبه فوراً ، وإذا لم يفعل ذلك من دون عذر شرعى وتلف يكون ضامناً.

ويجب على الودعى الحفاظ على الوديعة بما هو المتعارف فى الحفظ لأمثالها ، وإذا لم يفعل ذلك يكون مفرّطاً.

والودعى لايضمن تلف الوديعة وتعيبها إلاّ مع التعدّى أو التفريط.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ٢١٨ ، باب ١ من أحكام الوديعة ، حديث ١.

١٧٤

ولايحق للودعى التصرف فى الوديعة.

ومن أحسَّ بأمارات الموت يلزمه ايصال الوديعة إلى صاحبها أو وكيله ، وإذا لم يمكنه ذلك يلزمه الايصاء بها والعمل بما يضمن معه وصولها إلى صاحبها بعده.

والأمانة على قسمين : مالكية وشرعية ، والحكم فى كليهما واحد.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا أن الوديعة لا تتحقق إلاّ بالايجاب والقبول ، فهو مقتضى كونها عقداً.

وأمّا الاكتفاء بكلّ ما يدلّ عليهما ولو بالمعاطاة ، فلإطلاق دليل شرعيتها بعد صدق عنوانها.

٢ ـ وأمّا وجوب ردِّ الوديعة الى صاحبها عند مطالبته بها ولو لم‏ يكن مؤمناً ، فلإطلاق قوله تعالي : « إن اللّه‏ يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ». (١) وفى الحديث عن الامام الصادق عليه‌السلام : « أدّوا الأمانة ولو الى قاتل الحسين بن على عليهما‌السلام ». (٢)

وأمّا التقييد بعدم كون صاحب الوديعة غاصباً ، فلأن الواجب هو ردُّ الأمانة إلى أهلها ، وذلك لايتحقق بالدفع إلى الغاصب ، بل فعل ذلك موجب للضمان ، لأنه تعدٍّ على الأمانة.

٣ ـ وأمّا عدم ضمان من تُرك عنده شيء من دون قبوله لذلك ولاتسلّمه إيّاه ، وقد تلف أو تعيّب ، فلعدم صدق عنوان الوديعة ـ الموقوف على تحقق القبول ـ كى يجب التحفظ عليه ، بعد وضوح أن أموال الغير لايجب التحفظ عليها ابتداءً.

٤ ـ وأمّا ان عقد الوديعة جائز ، فذلك واضح بلحاظ المودع ، لأنّه من ناحيته

__________________

١ ـ النساء : ٥٨.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ٢٢٤ ، باب ٢ من أحكام الوديعة ، حديث ١٢.

١٧٥

لايعدو الإذن فى حفظ ماله ، وللآذن حق التراجع عن إذنه متى شاء.

وأمّا بلحاظ الودعى ، فلا وجه لجواز تراجعه قبل انتهاء الأجل ـ ما دام العقد قد حُدّد به ـ سوى التسالم على ذلك.

قال صاحب الجواهر : « وهو ـ التسالم ـ الحجة فى تخصيص الآية وغيرها من أدلّة اللزوم » (١).

٥ ـ وأمّا عدم جواز الفسخ مادام قد اشترط عدم الفسخ ، فلعموم قوله عليه‌السلام : « المسلمون عند شروطهم ». (٢)

ودعوي : أن الوديعة عقد جائز ، فيكون الشرط المذكور فيها جائزاً أيضاً.

مدفوعة : بأن عموم وجوب الوفاء بالشرط لايختص بالشرط المذكور فى العقد اللازم.

وأمّا تحقق الفسخ مع مخالفة الشرط ، فلأن العموم السابق ليس بناظر إلى الأثر الوضعى بل التكليفى فقط.

٦ ـ وأمّا أن الودعى يلزمه ايصال الوديعة إلى صاحبها لو فسخ ، فلوجوب ردِّ الأمانات إلى أهلها كما دلَّ عليه قوله تعالي : ( ان اللّه‏ يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ). (٣)

وأمّا الضمان لو فسخ الودعى ولم يوصل الوديعة إلى صاحبها وتلفت أو تعيبت ، فلأن ذلك من التفريط فى أمر الوديعة.

٧ ـ وأمّا وجوب التحفظ على الوديعة بما هو المتعارف فى أمثالها ، فلاستبطان

__________________

١ ـ جواهر الكلام : ٢٧ / ١٠٦.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٢ / ٣٥٣ ، باب ٦ من أبواب الخيار ، حديث ٢.

٣ ـ النساء : ٥٨.

١٧٦

قبول الودعى الوديعة تعهده بذلك. على أنّ ردَّ الأمانة إلى أهلها واجب ، والتحفظ المذكور مقدمة له ، فيكون واجباً.

٨ ـ وأمّا عدم ضمان الودعى التلف والتعيّب لو حصل من دون تعدٍّ أو تفريط ، فللحديث الصحيح عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ليس لك أن تتّهم من قد أئتمنته ولا تأتمن الخائن وقد جرّبته ». (١) على أن بالامكان أن يقال : إن التعاقد على الاستيداع يستبطن عرفاً التعاقد على ذلك أيضاً.

٩ ـ وأمّا عدم جواز التصرف فى الوديعة ، فلأن ذلك مقتضى عدم جواز التصرف فى مال الغير بدون إذنه بل لا معنى للأذن فى التصرف والا كان المورد عارية لاوديعة.

١٠ ـ وأمّا أن من أحسَّ بأمارات الموت يلزمه ماذكر ، فلأن ذلك مقتضى التحفظ الواجب فى أمر الأمانة ، ومن دونه يصدق التفريط.

١١ ـ وأمّا انقسام الأمانة إلى مالكية وشرعية ، فواضح ، إذ المودع تارة هو المالك فتكون الأمانة مالكية ، واُخرى هو الشارع فتكون شرعية ، كما فى باب اللقطة ، حيث أذن الشارع بالالتقاط والتحفظ على المال كأمانة.

وأمّا وحدة حكم القسمين ، فلأنه بعد صدق عنوان الأمانة فى كليهما ينبغى تطبيق جميع أحكامه عليهما.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ٢٢٩ ، باب ٤ من أحكام الوديعة ، حديث ١٠.

١٧٧
١٧٨

كتاب العارية

حقيقة العارية

من احكام العارية

١٧٩
١٨٠