دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ٢

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: المركز العالمي للدّراسات الإسلامية
المطبعة: توحيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ١٩٤

١
٢

٣
٤

كلمة المكتب

الحمدللّه‏ والصلاّة والسلام على أنبياء اللّه‏ ، لاسيما رسوله الخاتم وآله الطيبين الطاهرين المعصومين.

اما بعد ، لاشك ان اصلاح المناهج الدراسية المتداولة فى الحوزات العلمية والمعاهد الدراسية فى العصر الحاضر ـ الذى عُرف بعصر ثورة المعلومات ـ بات حاجة ملحّة يقتضيها تطور العلوم وتكاملها عبر الزمان ، وظهور مناهج تعليمية وتربوية حديثة ، تتوافق مع الطموحات والحاجات الانسانية المتجددة.

وهذه الحقيقة لم تعد خافية على القائمين على هذه المراكز ، فوضعوا نصب أعينهم اصلاح النظام التعليمى فى قائمة الاولويات بعد ان باتت فاعليته رهن اجراء تغييرات جذرية على هيكلية هذا النظام.

ويبدو من خلال هذه الرؤية ان اصلاح النظام الحوزوى ليس امراً بعيد المنال ، إلا انه من دون احداث تغيير فى المناهج الحوزوية ستبوء كافة الدعوات الاصلاحية بالفشل الذريع وستموت فى مهدها.

والمركز العالمى للدّراسات الإسلامية ـ الذّى يتولّى مهمّة إعداد المئات من الطلاب الوافدين من مختلف بقاع الارض للاغتراف من نمير علوم

٥

أهل البيت ـ عليهم‏السلام ـ شرع فى الخطوات اللازمة لاجراء تغييرات جذرية علي المناهج الدراسية المتبعة وفق الأساليب العلمية الحديثة بهدف عرض المواد التعليمية بنحو أفضل ، الامر الذى لاتلبّيه الكتب الحوزوية السائدة ؛ ذلك انها لم تؤلف لهدف التدريس ، وانما الفت لتعبر عن افكار مؤلفيها حيال موضوعات مرّ عليها حقبة طويلة من الزمن واصبحت جزءاً من الماضي.

وفضلا عن ذلك فانها تفتقد مزايا الكتب الدراسية التى يراعى فيها مستوي الطالب ومؤهلاته الفكرية والعلمية ، وتسلسل الأفكار المودعة فيها وأداؤها ، واستعراض الآراء والنظريات الحديثة التى تعبر عن المدى الذى وصلت اليه من عمق بلغة عصرية يتوخى فيها السهولة والتيسير وتذليل صعب المسائل مع احتفاظها بدقة العبارات وعمق الافكار بعيداً عن التعقيد الذى يقتل الطالب فيه وقته الثمين دون جدوي.

وانطلاقا من توجيهات كبار العلماء والمصلحين وعلى رأسهم سماحة الامام الراحل ـ قدس‏سره ـ ، وتلبية لنداء قائد الثورة الاسلامية آية‏اللّه‏ الخامنئى ـ مد ظله الوارف ـ قام هذا المركز بتخويل « مكتب مطالعة وتدوين المناهج الدراسية » مهمة تجديد الكتب الدراسية السائدة فى الحوزات العلمية ، ان يضع له خطة عمل لاعداد كتب دراسية تتوفر المزايا السالفة الذكر.

وقد بدت امام المكتب المذكور ـ ولاول وهلة ـ عدة خيارات :

١ ـ اختصار الكتب الدراسية المتداولة من خلال انتقاء الموضوعات التى لها مساس بالواقع العملي.

٢ ـ ايجازها وشحنها بآراء ونظريات حديثة.

٣ ـ تحديثها من رأس بلغة عصرية وايداعها افكار جديدة الا ان العقبة الكأداء

٦

التى ظلت تواجه هذا الخيار وقوع القطيعة التامة بين الماضى والحاضر ، بحيث تبدو الافكار المطروحة فى الكتب الحديثة وكأنها تعيش فى غربة عن التراث وللحيلولة دون ذلك ، لمعت فكرة جمع الخيارات المذكورة فى قالب واحد تمثّل في المحافظة على الكتب الدراسية القديمة كمتون وشرحها باسلوب عصرى يجمع بين القديم الغابر والجديد المحدث.

وبناء على ذلك راح المكتب يشمرّ عن ساعد الجدّ ويستعين بمجموعة من الاساتذة المتخصصين لوضع كتب وكراسات فى المواد الدراسية المختلفة ، من فقه واصول وتفسير وكلام ورجال وحديث وأدب وغيرها.

وكانت مادة « الفقه الإستدلالي » بحاجة ماسّة إلى وضع كتاب جديد فيها ، يتناسب مع تطلّعات المركز (للمرحلة التعليمية الأولى بالّلغة العربية) فطلبنا من الأستاذ الكريم ، سماحة الحجّة الشيخ باقر الإيروانى ـ دامت افاضاته ـ تدوين دروس تمهيدية فى الفقه الإستدلالى (٢) ؛ فلبّى رغبتنا مشكوراً وتفضّل بتدوين هذا الكتاب وجعلِه يتوافق مع المطلوب كمّاً وكيفاً.

وختاماً لانشكّ فى أنّ الخطوات الأولى ستصحبها بعض العقبات والنواقص ، إلاّ انّه يمكن تذليلها من خلال البصيرة النافذة وإبداء الآراء البنّاءة من قبل المخلصين من ذوى الخبرة.

المركز العالمى للدراسات الإسلامية

مكتب مطالعة وتدوين المناهج الدراسيّة

٧
٨

العقود (١)

البيع

الإجارة

المزارعة

المساقاة

الشركة

الضمان

الحوالة والكفالة

الصلح

الوكالة

المضاربة

القرض

الرهن

الهبة

الوديعة

العارية

السبق والرماية

٩
١٠

كتاب البيع

شروط عقد البيع

شروط المتعاقدين

شروط العوضين

الخيارات

الربا

بيع الصرف

بيع السلف

١١
١٢

شروط عقد البيع

يعتبر فى البيع ـ وهو تمليك عين بعوض ـ الإيجاب والقبول باى مبرز لهما ولو كان لفظاً غير صريح او كان ملحونا او ليس بعربى ولابماضٍ.

ويعتبر التطابق فى المضمون بين الايجاب والقبول دون الموالاة بينهما ودون تأخر القبول.

نعم المشهور اعتبار التنجيز.

ولايعتبر اللفظ فى تحقق البيع وتكفى المعاطاة. والملك الحاصل بها لازم.

ويعتبر فيها ما يعتبر فى العقد اللفظى من شروط العقد والعوضين والمتعاقدين.

وتثبت فيها الخيارات كما تثبت فيه.

وهى تجرى فى جميع المعاملات ، إلاّ ماخرج بالدليل كالنكاح والطلاق والنذر واليمين.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما حقيقة البيع ، ففى تحديدها خلاف بالرغم من بداهتها إجمالاً وعدم ثبوت حقيقة شرعية او متشرعية له.

١٣

وقد نقل الشيخ الأعظم عدة آراء فى ذلك ، لعل أجودها ما اختاره هو قدس‏سره من انّه « تمليك عين بعوض » (١).

والإشكال عليه بشموله للشراء والاستيجار ـ حيث ان المشترى بقبوله يملِّكُ ماله بعوض ومستأجر العين يملِّك الأجرة بعوض ـ مدفوع بما ذكره الشيخ نفسه من ان ذلك مدلول تضمّنى وإلاّ فالشراء والاستيجار يدلان مباشرة على تملكٍ بعوض.

٢ ـ وأما اعتبار الإيجاب والقبول فى البيع ، فلأنه متقوم بهما عرفاً ولا يصدق على الايجاب وحده.

٣ ـ وأمّا الإكتفاء بكلّ مبرز لهما ولو لم يكن لفظاً صريحا ، فلأنه بعد ظهور اللفظ فى البيع وصدق عنوانه ـ ولو كان الاستعمال بنحو المجاز او الكناية ـ يشمله اطلاق أدلة الإمضاء كقوله تعالي : ( أحَلَّ اللّه البيع ). (٢)

ومع الأصل اللفظى المذكور لاتصل النوبة الى الأصل العملى المقتضى للاقتصار على القدر المتيقن ، لاستصحاب عدم ترتب الأثر عند الايقاع بغيره.

٤ ـ وأما الجواز بالملحون وغيرالماضى أوالعربي ، فلإطلاق أدلة الإمضاءالمتقدمة.

ودعوى : اعتبار العربية من باب وجوب التأسى بالنبى صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث كان يعقد بها ، مدفوعة بأن التأسى به صلى‌الله‌عليه‌وآله وإن كان واجبا لقوله تعالي : ( لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللّه اُسوةٌ حسنةٌ ) (٣) إلاّ أن المراد به الإتيان بالفعل على النحو الذى كان يأتى به صلى‌الله‌عليه‌وآله وبنفس القصد ، وحيث نحتمل أن إجراءه صلى‌الله‌عليه‌وآله العقد بالعربية كان بقصد إجراء العقد ببعضِ أساليبه وطرقه فلا يمكن إثبات لزوم العربية من خلال ذلك ويبقى اطلاق

__________________

١ ـ كتاب المكاسب : ١ / ٢٣٩.

٢ ـ البقرة : ٢٧٤.

٣ ـ الأحزاب : ٢١.

١٤

أدلة الإمضاء بلا مقيِّد.

٥ ـ واما اعتبار المطابقة فى المضمون ، فلتوقف صدق عنوان العقد والبيع والتجارة عن تراضٍ على ذلك.

٦ ـ وأما الموالاة ، فقد قال جماعة ـ منهم الشهيد الأول فى قواعده(١) ـ باعتبارها.

ووجّه الشيخ الأعظم ذلك بأن الإيجاب والقبول بمنزلة كلام واحد مرتبط بعضه ببعض ، ومع الفاصل الطويل لايصدق عنوان العقد(٢).

وفيه : ان عنوان المعاقدة صادق ما دام الموجب لم يعرض عن ايجابه حتى مع تخلل الفصل الطويل.

٧ ـ واما عدم اعتبار تأخر القبول ، فلأنّ عنوان البيع والعقد صادق مع عدم التأخر ، ومعه يتمسك باطلاق دليل امضائهما.

٨ ـ وأما اعتبار التنجيز وعدم صحة العقد مع التعليق ، فهو المشهور ، بل ادعي عليه الإجماع.(٣)

واستدلّ عليه فى الجواهر بأن ظاهر دليل وجوب الوفاء بالعقد هو ترتب وجوب الوفاء من حين تحققه ، فاذا لم ‏يشمله من حين تحققه ولم ‏يجب الوفاء به من حين حدوثه ـ لفرض التعليق ـ فلا دليل على ترتب الأثر ووجوب الوفاء بعد ذلك.(٤)

__________________

١ ـ القواعد والفوائد : ١ / ٢٣٤.

٢ ـ كتاب المكاسب : ١ / ٢٩٢.

٣ ـ تمهيد القواعد : ص ٥٣٣ ، القاعدة : ١٩٨.

٤ ـ جواهر الكلام : ٢٢ / ٢٥٣ ؛ ٢٣ / ١٩٨ ؛ ٣٢ / ٧٨ ـ ٧٩.

١٥

واستدل الشيخ النائينى على ذلك : « بأن العقود المتعارفة هى المنجزة ، والمعلَّقة ليست متداولة إلاّ لدى الملوك والدول أحيانا ، وأدلة الإمضاء منصرفة الى العقود المتعارفة ». (١)

٩ ـ وأما المعاطاة ، فقد وقعت موردا للاختلاف ؛ وقد نقل الشيخ الأعظم قدس‏سره ستة أقوال فيها ، أهمها : إفادتها الملك اللازم ، وإفادتها الملك الجائز ، وإفادتها لإباحة التصرف لا غير(٢).

والمختار لدى المتأخرين إفادتها الملك كالعقد اللفظى لعدة وجوه : منها التمسّك بإطلاق قوله تعالي : ( أحَلَّ اللّه البيع ) (٣) ، بتقريب ان المراد من حلية البيع إما الحلية الوضعية ، وبذلك يثبت المطلوب ، لانّها عبارة عن النفوذ والإمضاء ، او الحلية التكليفية ، وبذلك يثبت المطلوب أيضا ، لأن الحل التكليفى ليس منسوبا الى نفس البيع ، لعدم احتمال حرمته تكليفا ليدفع باثبات جوازه ، بل هو منسوب الي التصرفات المترتبة عليه ، ولازم إباحة جميع التصرفات المترتبة عليه صحته وإفادته للملك.(٤) واذا ثبت بالآية الكريمة افادة البيع للملكية ، فيتمسك باطلاقها ، لتعميم ذلك للمعاطاة بعد ما كانت مصداقاً من مصاديق البيع.

١٠ ـ وأما أن الملك الحاصل بها لازم ، فلأصالة اللزوم ـ فى كل عقد يشك في لزومه وجوازه ـ التى يمكن الاستدلال عليها بعدة وجوه من قبيل :

__________________

١ ـ منية الطالب : ١ / ١١٣.

٢ ـ كتاب المكاسب : ١ / ٢٤٧.

٣ ـ البقرة : ١٧٥.

٤ ـ كتاب المكاسب : ١ / ٢٤٨.

١٦

أ ـ التمسك باطلاق قوله تعالي : ( اوفوا بالعقود ) (١) ، فان المعاطاة عقد غايته هى عقد فعلى لا قولي ؛ والوفاء بالعقد عبارة اخرى عن اتمامه وعدم نقضه ، فيثبت وجوب الوفاء بالمعاطاة وعدم جواز نقضها.

لايقال : ان المعاطاة اذا كانت تتضمن اللزوم فالوفاء بعقدها يقتضى لزومها ، واذا كانت تتضمن الجواز فالوفاء بعقدها يقتضى جوازها ، ومعه فلايمكن ان يستفاد من وجوب الوفاء بها لزومها.

فانه يقال : اللزوم والجواز حكمان طارئان على العقد وليسا جزءاً منه.

ب ـ التمسّك بقوله تعالي : ( لاتأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلاّ أن تكون تجارة عن تراض ) (٢) ، فان الفسخ وتملك المال واخذه من مالكه السابق بدون رضاه ليس تجارة عن تراض ، فيدخل تحت « أكل المال بالباطل » المنهى عنه.

ج ـ التمسّك بالحديث النبوي : « لايحل دم امري‏ءٍ مسلم ولا ماله إلاّ بطيبة نفسه » (٣) ، فإنّ الفسخ وتملك المال واخذه من مالكه السابق بدون رضاه ، ليس بحلال بمقتضى الحديث.

هكذا قرَّب الشيخ الاعظم الاستدلال بالاية الكريمة والحديث الشريف.(٤)

د ـ التمسّك باستصحاب بقاء الملك وعدم زواله بفسخ أحد الطرفين بدون رضا صاحبه.

١١ ـ وأما انه يعتبر فى المعاطاة كلّ ما يعتبر ، فى العقد اللفظى من شروط ، فلأنه

__________________

١ ـ المائدة : ١.

٢ ـ النساء : ٢٩.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٩ / ٣ ، باب ١ من ابواب القصاص فى النفس ، حديث٣.

٤ ـ كتاب المكاسب : ١ / ٢٥٤.

١٧

بعد ما كانت مصداقا عرفا للعقد والبيع يثبت لها كلّ ما ثبت لهما تمسكا بالإطلاق.

ومنه يتضح الوجه فى ثبوت الخيارات فيها.

١٢ ـ وأمّا جريانها فى جميع المعاملات ، فلأنه بعد ما كانت مصداقا حقيقيا لكلّ فرد من افراد المعاملات فيشملها اطلاق دليل امضاء تلك المعاملة وأحكامها.

١٣ ـ وأما وجه استثناء ما ذكر ، فللدليل الخاص الدال على اعتبار اللفظ فى كلّ واحد منها حسبما يأتى فى محله إن شاء اللّه تعالي.

شروط المتعاقدين

يلزم فى المتعاقدين : البلوغ اذا لم يكن دورهما دور الآلة ، والقصد ، والعقل ، والاختيار ، ومالكية التصرف ـ بان يكون العاقد مالكا أو وكيلاً عنه أو وليا عليه وليس بممنوع التصرف لسفه او فلس ـ وإلاّ كان العقد فضوليا تتوقّف صحّته على الإجازة.

وفى كون الإجازة كاشفة أو ناقلة خلاف.

وتظهر الثمرة فى موارد.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما اعتبار البلوغ فهو المشهور ، (١) بل ادعى عليه الإجماع.(٢) واستدلّ لذلك بعدة وجوه نذكر منها :

أ ـ التمسّك بقوله تعالي : ( وابتلوا اليتامى حتى اذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم

__________________

١ ـ الدروس الشرعية : ٣ / ١٩٢ ؛ الكفاية فى الفقه : ص ٨٩.

٢ ـ تذكرة الفقهاء : ٢ / ٧٣.

١٨

رشداً فادفعوا إليهم أموالهم ) (١) ، فإن ظاهره إناطة جواز تصرف الصبى ببلوغ النكاح الذى هو كناية عن تجاوزه فترة الصبا.

وهو وإن كان خاصا باليتيم وبالتصرف فى أموال نفسه دون التصرف فى أموال غيره إلاّ أنه يمكن التعميم بضم عدم القول بالفصل ، بل الأولوية بلحاظ التصرّف في أموال الغير.

ب ـ التمسّك بحديث « رفع القلم » الذى رواه ابن ظبيان : « ... أما علمت أنَّ القلم يرفع عن ثلاثة : عن الصبى حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يفيق ، وعن النائم حتى يستيقظ » (٢) ، بدعوى أن المرفوع ليس خصوص قلم المؤاخذة ، بل مقتضى الإطلاق ارتفاع مطلق القلم بما فى ذلك قلم الأحكام الوضعية.

وضعف السند منجبر بعمل المشهور بناءً على تمامية كبرى الانجبار بعمل المشهور.(٣)

ج ـ التمسّك بصحيحة أبى الحسين الخادم بيّاع اللؤلؤ عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : سأله أبى ـ وأنا حاضر ـ عن اليتيم متى يجوز امره؟ ... قال : « إذا بلغ وكتب عليه الشيء جاز أمره إلاّ أن يكون سفيها او ضعيفا ». (٤)

٢ ـ وأما استثناء حالة الآلية ، فلأن البالِغَين اذا تَمَّ الاتفاق بينهما وكان الصبي مجرد آلة ووكيل فى اجراء العقد لم يصدق ان الأمر أمره ليحكم عليه بعدم النفوذ ، بل أمر البالِغَين ، ولا أقل من انصرافه عن ذلك. ومعه يبقى إطلاق ادلة الإمضاء بلا

__________________

١ ـ النساء : ٦.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١ / ٣٢ ، باب ٤ من ابواب مقدمة العبادات ، حديث ١٠.

٣ ـ لاستيضاح كبرى الانجبار لاحظ : كتاب دروس تمهيدية فى القواعد الرجالية : ص ٢٠٩.

٤ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ١٤٣ ، باب ٢ من كتاب الحجر ، حديث ٥.

١٩

مانع من شموله.

٣ ـ وأما اعتبار القصد ، فلتقوِّم عنوان العقد والبيع والتجارة عن تراضٍ بذلك.

٤ ـ وأما اعتبار العقل ، فواضح اذا فرض فقدان القصد. وأمّا على تقدير وجوده فقد يوجّه ذلك بما افاده صاحب الجواهر من : « عدم اعتبار قصده وكون لفظه كلفظ النائم بل أصوات البهائم » (١) ، ولكنه مدفوع بأن القياس على النائم والبهائم فى غير محلّه بعد فقدان القصد فيهما.

والاولى التمسك بحديث رفع القلم بالبيان المتقدم فى اعتبار البلوغ.

٥ ـ وأمّا اعتبار الاختيار وعدم صحة بيع المكره ، فلوجوه :

أ ـ إنَّ المكره فاقد لطيب النفس وقد قال النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله فى صحيحة زيد الشحام : « ... لايحلُّ دم امري‏ءٍ مسلم ولا ماله إلاّ بطيبة نفسه ». (٢)

ب ـ أن التجارة مع فقدان الاختيار ليست عن تراض ، ولايجوز الأكل الاّ مع التجارة عن تراضٍ كما قال تعالي : ( لاتأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلاّ أن تكون تجارة عن تراضٍ ). (٣)

ج ـ التمسّك بحديث رفع التسعة الذى رواه حريز عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « قال النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله : وضع عن اُمتى تسعة أشياء : السهو والنسيان وما اُكرهوا عليه ... » (٤) ، فانّ مقتضى إطلاق الحديث الشمول لمثل المقام وعدم اختصاصه برفع المؤاخذة أو الأحكام التكليفية.

__________________

١ ـ جواهر الكلام : ٢٢ / ٢٦٥.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٩ / ٣ ، باب ١ من ابواب القصاص فى النفس ، حديث ٣.

٣ ـ النساء : ٢٩.

٤ ـ وسائل الشيعة : ٥ / ٣٤٥ ، باب ٣٠ من ابواب الخلل فى الصلاة ، حديث ٢.

٢٠