دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ٢

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: المركز العالمي للدّراسات الإسلامية
المطبعة: توحيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ١٩٤

بخلاف المضمون عنه فانه لايلزم فيه ذلك.

ويلزم أيضاً عدم فلس المضمون له دون الضامن.

٣ ـ التنجّز على المشهور ، فلا يصح لو قال : أنا ضامن إن أذن لى فلان ، أو إن لم يفِ المديون دينه. أجل ، لايعتبر ذلك فى الضمان بالمعنى الثاني.

٤ ـ ثبوت الدين فى ذمّة المضمون عنه ، فلا يصح : اقرض فلاناً وأنا ضامن. نعم يصح ذلك فى الضمان بمعناه الثاني.

٥ ـ تعيّن الدين والمضمون له والمضمون عنه ، بمعنى عدم تردده ، فلا يصح ضمان أحد الدينين ولو لشخص معيّن على شخص معيّن ، ولاضمان دين أحد الشخصين ولو لواحد معيّن ، ولاضمان دين أحد الشخصين ولو على واحد معيّن.

والمستند فى ذلك

١ ـ أمّا اعتبار الايجاب والقبول فى تحقق الضمان ، فلأنّه نحو من المعاقدة التى لا تتم إلاّ بذلك.

وأمّا الاكتفاء بكلّ مايدلّ عليهما ، فلأنّه بذلك يتحقق العقد ، فيشمله عموم قوله تعالي : ( أوفوا بالعقود ) (١) كما يتحقق بذلك عنوان الضمان ، فتشمله صحيحة ابن سنان المتقدمة.

٢ ـ وأمّا عدم اعتبار رضا المضمون عنه ، فلصحة الضمان التبرعي ، وهو بمثابة وفاء دين الغير تبرعاً بدون ضمان حيث لايعتبر رضاه.

أجل ، إذا استلزم الضمان التبرعى إهانة المضمون عنه ـ كتبرع وضيع بضمان دين

__________________

١ ـ المائدة : ١.

١٠١

انسان شريف ـ حرم تكليفاً ، ولكنه لايلازم عدم الصحة وضعاً.

٣ ـ وأمّا عدم اعتبار ذلك فى المضمون عنه ، فلأنّه أجنبى عن العقد ، على أنه إذا جاز كونه ميتاً ـ كما هو مورد صحيحة ابن سنان المتقدمة ـ جاز كونه صبياً أو مجنوناً أو مكرهاً أو سفيهاً لعدم الفرق ، بل لعل ذلك أولي.

وأمّا اشتراط عدم فلس المضمون له ، فلأن المفلّس ممنوع من التصرف فى أمواله ولو بنقلها ، وواضح أن لازم قبوله الضمان نقل دينه من ذمّة إلى ذمّة.

وأمّا عدم اشتراط فلس الضامن ، فلأن المفلّس ممنوع من التصرف فى أعيان أمواله دون ذمته ، وهل يحتمل عدم جواز اقتراضه؟!

٤ ـ وأمّا اعتبار التنجيز فى نظر المشهور ، فقد علّله السيد اليزدى بقوله : « لا دليل عليه بعد صدق الضمان وشمول العمومات العامة إلاّ دعوى الاجماع فى كلّ العقود ». (١)

وأمّا عدم اعتباره فى الضمان بالمعنى الثانى ، فلكون القدر المتيقن من معقد الإجماع هو الضمان بالمعنى الأوّل ، ومعه لايعود مانع من التمسّك بالسيرة العقلائية والعمومات.

٥ ـ وأمّا اعتبار ثبوت الدين فى ذمة المضمون عنه ، فلأنه بدونه لايمكن نقل ما فى ذمّته إلى ذمة اُخري.

وأمّا عدم اشتراطه فى الضمان بالمعنى الثانى ، فلأنّه تعهد وتحمل للمسؤولية من دون اشتماله على نقل ما فى ذمّة إلى ذمة اُخرى ليعتبر ذلك فيه.

٦ ـ وأمّا اعتبار التعيّن وعدم التردد فى الدين والمضمون له والمضمون عنه ،

__________________

١ ـ العروة الوثقى ، كتاب الضمان ، الشرط السابع من شروط الضمان.

١٠٢

فلأنّه بدونه لايمكن تحقق القصد إلى الضمان ، فان تحققه بلحاظ هذا الدين دون ذاك بلا مرجح ، وبلحاظهما خلاف مقصودهما ، والمردد بما هو مردد لاخارجية له ليمكن تحقق الضمان بلحاظه.

ونفس هذا يجرى فى فرض تردد المضمون له أو المضمون عنه.

من أحكام الضمان

إذا ضمن الضامن بإذن المضمون عنه وتحقق الأداء منه ، جاز له الرجوع عليه.

وإذا لم يكن بإذنه أو لم يؤدِّ لابراء ، لم يجز له الرجوع عليه. بل لو تَمَّ التصالح على نصف المبلغ مثلاً والابراء عن الباقي ، لم يجز الرجوع بالجميع ، بل بما أدّي.

وإذا أبرأ المضمون له ذمّة الضامن ، برئت ذمّة المضمون عنه أيضاً.

وإذا أبرأ ذمّة المضمون عنه ، كان ذلك لغواً.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا جواز رجوع الضامن على المضمون عنه مع تحقق الأداء وفرض الإذن ، فممّا لا إشكال فيه.(١) ويمكن استفادته من موثق عمر بن يزيد : « سألت أبا عبداللّه‏ عليه‌السلام عن رجل ضمن عن رجل ضماناً ، ثم صالَحَ عليه ، قال : ليس له إلاّ الذي صالح عليه » (٢) ، فانه يدلّ على أن السبب فى اشتغال ذمّة المضمون عنه هو الأداء وقبله لا اشتغال.

٢ ـ وأمّا عدم جواز الرجوع مع عدم الاذن فى الضمان ، فلأنّه تبرع من الضامن لا

__________________

١ ـ جواهر الكلام : ٢٦ / ١٣٣.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ١٥٣ ، باب ٦ من أحكام الضمان ، حديث ١.

١٠٣

يسوّغ رجوعه ، وهو أشبه بأداء دين الغير تبرعاً من دون ضمان.

٣ ـ وأمّا أنه لايرجع مع الابراء أو يرجع بما أدّى فى فرض الابراء من الباقى ، فلإستفادة ذلك من الصحيحة المتقدّمة.

٤ ـ وأمّا براءة ذمّة المضمون عنه لو أبرأ المضمون له الضامنَ ، فواضحة ؛ إذ البراءة للمضمون له قد تحققت بمجرد الضمان ، وأمّا البراءة للضامن ، فلما تقدّم من تفرّع جواز الرجوع على المضمون عنه على الأداء.

٥ ـ وأمّا أن ابراء المضمون عنه لغو ، فلأن ذمّته برئت بمجرد الضمان فلا معني لابرائها.

أجل ، إذا فُهم أن المقصود اسقاط الدين رأساً ، برئت بذلك ذمّة الضامن.

١٠٤

كتاب الحوالة والكفالة

حقيقة الحوالة

شرائط الحوالة

من احكام الحوالة

الكفالة وبعض أحكامها

١٠٥
١٠٦

حقيقة الحوالة

الحوالة معاملة تتضمن نقل المدين ما فى ذمّته من دين إلى ذمّة غيره بإحالة الدين عليه.

والمعروف كونها عقداً ، خلافاً لبعض المتأخرين حيث اختار كونها إيقاعاً.

وهى متقومة بطرفين : المحيل والمحال ، دون المحال عليه.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا أن معنى الحوالة ما ذكر ، فهو من بديهيات الفقه.

والفرق بينها وبين الضمان ـ المتضمن أيضاً لنقل مافى ذمة إلى ذمة اُخرى ـ ان الحوالة معاملة بين المدين والدائن ، حيث ينقل الأول ما فى ذمّته إلى ذمة غيره بخلاف الضمان ، فانه معاملة بين الدائن والأجنبي ، حيث ينقل الثانى مافى ذمّة المدين إلى ذمّته.

٢ ـ وأمّا أنّها مشروعة ، فأمر متسالم عليه. ويمكن الاستدلال لذلك بالسيرة العقلائية الممضاة بعدم الردع ، وبعموم قوله تعالي : ( أوفوا بالعقود ) (١) ، وبالروايات الخاصة ، كصحيحة أبى أيوب عن أبى عبداللّه‏ عليه‌السلام : « الرجل يحيل الرجل بالمال أيرجع

__________________

١ ـ المائدة : ١.

١٠٧

عليه؟ قال : لايرجع عليه أبداً إلاّ أن يكون قد أفلس قبل ذلك » (١) وغيرها.

٣ ـ وأمّا أنها عقد ، فلتضمنها تصرفاً فى مال المحال الذى هو تحت سلطانه وفي ذمّة المحال عليه التى هى تحت سلطانه فيلزم قبولهما ، ولايكفى إيقاع المحيل فقط لتكون إيقاعاً.

وخالف فى ذلك السيد اليزدى واختار كونها إيقاعاً بحجة أنها نوع من وفاء الدين ، وهو ليس بعقد.(٢)

٤ ـ وأمّا تقوّمها بالمحيل والمحال فقط ، فلأن المحال عليه وإن اعتبر رضاه إما مطلقاً أو فيما إذا كان بريئاً أو كانت الحوالة بغير الجنس إلاّ أن ذلك لايصيّره من أركان العقد ، فإنَّ مجرد اشتراط رضاه لايدلّ على كونه طرفاً وركناً ، كما هو الحال فى رضا المالك فى عقد الفضولي.

وقيل باعتبار قبوله على حدّ اعتبار قبول المحال ، فيكون العقد مركباً من إيجاب وقبولين ؛ ولكنّه بعيد.

والثمرة بين الاحتمالين انه على الثانى يلزم فى قبوله ما يعتبر فى الإيجاب والقبول من الموالاة ونحوها بخلافه على الأول.

شرائط الحوالة

يلزم لتحقق الحوالة توفر :

١ ـ الايجاب من المحيل والقبول من المحال بكلّ ما يدلّ عليهما.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ١٥٨ ، باب ١١ من أبواب أحكام الضمان ، حديث ١.

ثم انّ المقصود : أيرجع المحال على المحيل؟ قال : لا الا اذا اتضح ان المحال عليه قد أفلس قبل الحوالة.

٢ ـ العروة الوثقى ، كتاب الحوالة ، الشرط الأول من شروط الحوالة.

١٠٨

٢ ـ البلوغ والعقل والاختيار وعدم الحجر لفلس أو سفه فى المحيل والمحال إلاّ في الحوالة على البريء ، فلا يعتبر عدم الحجر فى المحيل.

وأمّا المحال عليه فلا يعتبر فيه شيء من ذلك إلاّ إذا كانت الحوالة على البريء أو بغير الجنس.

٣ ـ التنجيز على المشهور.

٤ ـ ثبوت الدين فى ذمّة المحيل فلا يصح فى غير الثابت ولو مع تحقق سببه ـ كمال الجعالة قبل العمل ـ فضلاً عمّا إذا لم يتحقق سببه ، كالحوالة بما سيقترضه.

٥ ـ عدم تردد المال المحال ، فلا تصح الحوالة بأحد الدينين من دون تعيين.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا اعتبار الايجاب والقبول فى الحوالة ، فلأ نّها عقد. واحتمال كونها ايقاعاً بعيد على ما تقدّم.

كما تقدّم أن رضا المحال عليه لو اعتبرناه فهو ليس على حدِّ القبول الركني ، بل على حدِّ رضا المالك فى عقد الفضولي.

٢ ـ وأمّا اعتبار البلوغ وما بعده فى المحيل والمحال ، فلأن نقل الدين والتصرف فيه قائم بهما فيلزم فيهما ماذكر.

٣ ـ وأمّا أنه فى الحوالة على البريء لايلزم عدم الحجر فى المحيل ، فلأ نّه لايملك شيئاً فى ذمّة المحال عليه ليُمنع من التصرف فيه ، بل ما يصدر منه هو اشغال لذمّة الغير بما ثبت فى ذمّته هو.

أجل ، يعتبر فيه البلوغ والعقل والاختيار لعدم الأثر لعقد الصغير والمجنون والمكره.

١٠٩

٤ ـ وأمّا أن المحال عليه لايعتبر فيه شيء من ذلك ، فلأن لمن يملك المال فى ذمّة الصغير والمجنون ومن لم يرض بالحوالة الحق فى تمليكه لغيره ونقله إليه بالرغم من فرض الصغر والجنون وعدم الرضا.

وأمّا اعتبار ذلك فيه إذا كان بريء الذمّة أو كانت الحوالة بغير الجنس ، فلأنّه بالحوالة يحصل تصرف فى ذمّته فلابدَّ من بلوغه وعقله واختياره وعدم سفهه.

أجل ، لايعتبر عدم فلسه إذا كان بريء الذمّة ، لجواز اشغال المفلس ذمّته ، بخلاف السفيه ، فانه ليس له اشغال ذمته بدون إذن وليه.

٥ ـ وأمّا التنجيز ، فلا مستند لاعتباره سوى الإجماع ، فإن تَمَّ وكان كاشفاً عن رأى المعصوم عليه‌السلام أخذنا به وإلاّ فلا وجه لاعتباره إلاّ على مستوى الاحتياط.

٦ ـ وأمّا اعتبار ثبوت الدين فى ذمّة المحيل ، فلأن الحوالة نقل من المحيل الدينَ الثابت فى ذمّته إلى ذمّة اُخري ، والمعدوم لايقبل النقل.

٧ ـ وأمّا اعتبار تعيّن المال المحال ، فلأن المردد لاتحقق له ليمكن نقله من ذمّة إلى اُخري.

من أحكام الحوالة

يعتبر فى صحة الحوالة موافقة المحيل والمحال دون المحال عليه إلاّ إذا كانت علي البريء أو بغير الجنس. وقيل باعتبار رضاه مطلقاً.

وهى لازمة لايجوز فسخها بدون التراضى إلاّ إذا اتّضح كونها على مفلّس.

ويجوز اشتراط الفسخ لكلّ واحد من الثلاثة.

وبتحققها تبرأ ذمّة المحيل وإن لم يبرئه المحال وتشتغل ذمّة المحال عليه للمحال وتبرأ من اشتغالها للمحيل إن كانت الحوالة‏من نفس الجنس وبمقدار مساوٍ.

١١٠

ويجوز الترامى فى الحوالة ، بل والدور فيها.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا اعتبار موافقة المحيل والمحال فى صحة الحوالة ، فلأنّها تتضمن نقل المحيل الدين الثابت فى ذمته للمحال فيتوقف على رضاهما. وأمّا عدم اعتبار رضا المحال عليه فلأن المال ملك للمحيل ، فله نقله إلى أى ذمّة شاء.

ودعوي : اعتبار رضاه لاختلاف الناس فى كيفية الاقتضاء سهولة وصعوبة. مدفوعة : بعدم الدليل على اعتبار تساوى الطرفين فى كيفية الاقتضاء فى صحة النقل ، ولذا يصح بيع الدين وإن لم يرضَ المدين بالرغم من اختلاف المشترى في كيفية الاقتضاء سهولة وصعوبة.(١)

٢ ـ وأمّا استثناء حالة الحوالة على البريء أو بغير الجنس ، فلعدم ثبوت السلطنة للمحيل على اشغال الذمّة البريئة رأساً أو من الجنس الخاص.

٣ ـ وأمّا وجه القول باعتبار رضا المحال عليه مطلقاً فقد اتضح مع جوابه.

٤ ـ وأمّا أن الحوالة لازمة فلأصالة اللزوم فى كلّ عقد. مضافاً إلى دلالة صحيحة أبى أيوب المتقدمة عليه ، فراجع.

وأمّا استثناء الحوالة على المفلّس ، فللصحيحة نفسها.

٥ ـ وأمّا جواز اشتراط خيار الفسخ للثلاثة ، فلأن الحوالة وإن كانت لازمة إلاّ أن لزومها ليس حكمياً ، بل حقي ، ومعه فيمكن التمسّك بعموم قوله عليه‌السلام : « المسلمون عند شروطهم ». (٢)

__________________

١ ـ جواهر الكلام : ٢٦ / ١٦٢.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٢ / ٣٥٣ ، باب ٦ من أبواب الخيار ، حديث ٢.

١١١

٦ ـ وأمّا براءة ذمّة المحيل بمجرد تحقق الحوالة ولو مع عدم ابراء المحال ، فللصحيحة المتقدمة.

٧ ـ وأمّا أنه بعد تحقق الحوالة تشتغل ذمّة المحال عليه للمحال وتبرأ من اشتغالها للمحيل ، فلأنّه بعد اشتغالها للمحال ـ الذى هو لازم براءة ذمّة المحيل من دين المحال ـ يلزم براءتها من الاشتغال للمحيل ، لعدم احتمال اشتغالها لاثنين.

٨ ـ وأمّا جواز الترامى والدور فى الحوالة ، فلإطلاق أدلّة مشروعيتها.

الكفالة وبعض أحكامها

الكفالة ـ وهى التعهد بإحضار المدين وتسليمه إلى الدائن عند طلبه ذلك ـ مشروعة ، ولكنها مكروهة.

ويعتبر فيها الايجاب من الكفيل بكلّ ما يدلّ على تعهده والتزامه ، والقبول من المكفول له بكلّ مايدلّ عليه. وفى اعتبار رضا المكفول خلاف.

ومتى لم ‏يُحضِر الكفيل المكفول فى الموعد المقرر ، حُبس حتى يحضره أو يؤدى ما عليه.

ومن‏حق الكفيل ـ إذا أدّى ما على المكفول ـ الرجوع عليه إن كان الأداء بطلب منه.

ويلزم الكفيل التشبث بكل وسيلة مشروعة لإحضار المكفول.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا أن معنى الكفالة ما ذكر ، فهو من الواضحات ، فمن أراد الاقتراض فمن حق المقرض طلب الكفيل من المقترض ليقوم بإحضاره فى الموعد المقرر. وهكذا من باع شيئاً وخاف من المشترى عدم إحضاره الثمن ، فإن من حقه طلب الكفيل منه ، الى غير ذلك من الأمثلة.

١١٢

وتفترق الكفالة عن الحوالة والضمان فى أن الاولى تعهد بالنفس بخلاف الأخيرين ، فإنهما تعهد بالمال.

٢ ـ وأمّا أنها مشروعة فمن بديهيات الفقه. ويمكن التمسّك لإثبات ذلك بالسيرة العقلائية المنعقدة على ذلك والممضاة بعدم الردع ، وبعموم قوله تعالي : ( أوفوا بالعقود ) ، وبالروايات الخاصة ، كصحيحة داود بن سرحان حيث : « سأل أبا عبداللّه‏ عليه‌السلام عن الكفيل والرهن فى بيع النسيئة ، قال : لا بأس ». (١)

٣ ـ وأمّا كراهتها ، فلحديث الامام الصادق عليه‌السلام : « الكفالة خسارة غرامة ندامة » ، (٢) وغيرها.

٤ ـ وأمّا اعتبار الايجاب من الكفيل والقبول من المكفول له ، فلأن ذلك مقتضي كون الكفالة عقداً قائماً بالكفيل والمكفول له.

وأمّا رضا المكفول ، فقيل بعدم اعتباره تمسّكاً بعموم قوله تعالي : ( أوفوا بالعقود ) لصدق عقد الكفالة باتفاق الكفيل والمكفول له ولو بدون رضا المكفول.

وقيل باعتباره للشك فى صدقها بدون ذلك فيلزم الرجوع إلى استصحاب عدم ترتب الأثر دون عموم « أوفوا بالعقود » لكون المورد من الشبهة المصداقية.

فالخلاف على هذا ينشأ من كون رضا المكفول على تقدير اعتباره هل هو شرط فى الصحة لينفى بالإطلاق مع الشك فى اعتباره ، أو ركن لكى لاتتحقق الكفالة بدونه؟

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ١٥٥ ، باب ٨ من أحكام الضمان ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ١٥٤ ، باب ٧ من أحكام الضمان ، حديث ٢.

١١٣

ومالَ صاحب الجواهر قدس‏سره إلى اعتبار رضا المكفول باعتبار أن الركنية محتملة ، وذلك يكفى لعدم صحة التمسّك بعموم « أوفوا بالعقود » (١).

٥ ـ وأمّا جواز حبس الكفيل مع عدم احضاره المكفول فى الموعد المقرر ، فلموثقة عمار عن أبى عبداللّه‏ عليه‌السلام : « اُتى أمير المؤمنين عليه‌السلام برجل قد تكفّل بنفس رجل فحبسه وقال : اطلب صاحبك » ، (٢) وغيرها.

وأمّا الإكتفاء بأداء الكفيل الدين فى تخلية سبيله ، فلأنّه معه تفرغ ذمة المدين ولا يعود موجب لبقاء الكفالة.

٦ ـ وأمّا جواز رجوع الكفيل على المكفول لو كان أداؤه الدين بطلب منه ، فلدلالة نفس الطلب على ذلك بالسيرة العقلائية الممضاة بعدم الردع.

وأمّا عدم جواز الرجوع مع عدم الطلب فلعدم الموجب.

٧ ـ وأمّا لزوم التشبث بكل وسيلة مشروعة لاحضار المكفول ، فلأنه مقتضي وجوب مقدمة الواجب ولو عقلاً فقط.

__________________

١ ـ جواهر الكلام : ٢٦ / ١٨٨.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ١٥٦ ، باب ٩ من أحكام الضمان ، حديث ١.

١١٤
١١٥

كتاب الصلح

حقيقة الصلح

شرائط الصلح

من احكام الصلح

١١٦

حقيقة الصلح

الصلح معاملة مضمونها التسالم بين شخصين على تمليك مال أو إسقاط دين أو حق بعوض أو مجاناً.

ولا إشكال فى مشروعيته.

وهو عقد مستقل بنفسه ولايرجع إلى سائر العقود وإن أفاد فائدتها.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا أن حقيقة الصلح هى التسالم المذكور ، فلفهم العرف ذلك منه.

٢ ـ وأمّا أنه عقد مشروع ، فهو من بديهيات الفقه. ويمكن استفادة ذلك من عموم قوله تعالي : ( أوفوا بالعقود ). (١) بل قد يستدلّ على ذلك أيضاً بقوله تعالي : ( وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير ). (٢)

ويدلّ على ذلك بوضوح قول الامام الصادق عليه‌السلام فى صحيح حفص بن البختري :

__________________

١ ـ المائدة : ١.

٢ ـ النساء : ١٢٨.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ١٦٤ ، باب ٣ من أحكام الصلح ، حديث ١.

١١٧

« الصلح جائز بين الناس » (٣) ، وصحيح الحلبي : « الرجل يكون عليه الشيء فيصالح فقال : إذا كان بطيب نفس من صاحبه ، فلابأس » (١) وغيرهما.

هذا كلّه مضافاً إلى انعقاد السيرة العقلائية الممضاة عليه.

٣ ـ وأمّا أنّه عقد مستقل لايرجع إلى غيره وإن أفاد فائدته ، فلأنّ ما يفهم من عنوانه عرفاً شيء مغاير للمفهوم من سائر العقود.

بل ان نفس اثبات أحكام خاصة لعنوانه الخاص فى النصوص ، يدلّ على كونه شيئاً مغايراً لغيره.

وفى تسالم الأصحاب على عدم اشتراط معلومية المصالح عليه(٢) واشتراطهم لها فى عوضى البيع مثلاً ، دلالة واضحة على ارتكاز المغايرة عندهم.

ومجرد الاشتراك فى النتيجة بين شيئين لايدلّ على كونهما واحداً.

وعليه فأحكام بقية العقود وشرائطها لايمكن تسريتها إليه ؛ فما أفاد فائدة البيع لا تلحقه أحكامه من الخيارات الخاصة واعتبار قبض العوضين فى المجلس إذا تعلق بمعاوضة النقدين ؛ وما أفاد فائدة الهبة لايعتبر فيه قبض العين كما هو معتبر فيها.

ومنه يتضح أن ماهو المنسوب إلى شيخ الطائفة من كون الصلح بيعاً تارة وهبة اُخري(٣) و ... قابل للتأمل.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ١٦٦ ، باب ٥ من أحكام الصلح ، حديث ٣.

٢ ـ جواهر الكلام : ٢٦ / ٢١٥.

٣ ـ المبسوط : ٢ / ٢٨٨.

١١٨

شرائط الصلح

يلزم فى صحة الصلح توفّر :

١ ـ الايجاب والقبول مطلقاً حتى إذا كان مفيداً للإبراء. ويكفى فيهما كل ما يدلّ عليهما.

٢ ـ أن لايكون مستلزماً لتحليل محرّم أو بالعكس.

٣ ـ البلوغ والعقل والقصد والاختيار فى المتصالحين. وهكذا عدم الحجر لفلس أو سفه فيمن يقتضى الصلح التصرف فى ماله.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا اعتبار الايجاب والقبول فى الصلح ، فلكونه عقداً.

وأمّا أن ذلك معتبر فيه حتى إذا أفاد فائدة الابراء ، فلأن ذلك مقتضى كونه عقداً مستقلاً.

وأمّا أنه يكفى كلّ ما يدلّ على الايجاب والقبول ، فلأنّه بذلك يصدق عنوان الصلح فتشمله الإطلاقات العامة والخاصة.

٢ ـ وأمّا اعتبار عدم استلزامه لتحليل الحرام وبالعكس ، فلعدم احتمال إمضاء الشارع للمعاملة المتضمنة لذلك.

وفى موثقة اسحاق بن عمار عن الامام الصادق عليه‌السلام عن أبيه عليه‌السلام أن على بن أبي طالب عليه‌السلام كان يقول : « من شرط لامراته شرطاً فليفِ لها به ، فإن المسلمين عند شروطهم إلاّ شرطاً حرّم حلالاً أو أحلَّ حراماً » (١) ؛ والشرط ان لم يفهم منه ما يشمل المعاملة أيضاً فبالإمكان التعدّى منه إليها من باب تنقيح المناط والغاء الخصوصية.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٢ / ٣٥٤ ، باب ٦ من أبواب الخيار ، حديث ٥.

١١٩

ويمكن التمسّك بنحو التأييد بمرسلة الشيخ الصدوق : « قال رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله : البينة على المدّعى واليمين على المدّعى عليه. والصلح جائز بين المسلمين إلاّ صلحاً أحلَّ حراماً أو حرّم حلالاً ». (١) بل يمكن الاستدلال بها بناء على حجية مراسيل الشيخ الصدوق المروية بلسان : « قال ». (٢)

٣ ـ وأمّا اعتبار البلوغ وما بعده ، فلكون ذلك من الشرائط العامة.

من أحكام الصلح

لا يلزم فى جواز الصلح وجود نزاع مسبق.

وتجوز الاستعانة به فى كلّ مورد إلاّ إذا استلزم تحريم الحلال أو العكس.

وهو عقد لازم لاينفسخ إلاّ بالإقالة أو بفسخ من جعل له الخيار.

وتغتفرالجهالة فيالمصالح عليه وبه حتيمع إمكان‏التعرف عليهما من‏دون‏مشقة.

وفى جواز التصالح على الجنس الربوى بمماثله مع التفاضل خلاف.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا عدم اعتبار النزاع المسبق ، فلأن ذلك من قبيل حكمة التشريع التى لاتمنع من التمسّك بإطلاق دليل مشروعيته. ولفظ الصلح وإن كان مشعراً باعتبار سبق ذلك إلاّ أنه ليس بشكل يمنع من التمسّك بالإطلاق.

٢ ـ وأمّا جواز الاستعانة به فى كلّ مورد ، فلإطلاق دليل شرعيته.

وأمّا اعتبار أن لايكون مستلزماً لتحريم حلال وبالعكس ، فلما تقدم.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ١٦٤ ، باب ٣ من أحكام الصلح ، حديث ٢.

٢ ـ لاستيضاح الحال يمكن مراجعة : كتاب دروس تمهيدية فى القواعد الرجالية ، القسم الثاني : ٢١٥ ، ٢٦٧.

١٢٠