دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ٢

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: المركز العالمي للدّراسات الإسلامية
المطبعة: توحيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ١٩٤

٣ ـ وأمّا أنه عقد لازم ، فلأصالة اللزوم فى كلّ عقد التى تقدم مستندها فى مبحث البيع.

وأمّا جواز الفسخ بالإقالة والخيار ، فلأن لزوم الصلح حقى وليس حكمياً.

٤ ـ وأمّا اغتفار الجهالة ـ خلافاً للمنسوب إلى الشافعى من اعتبار العلم في المصالح عليه والمصالح به ـ(١) فلإطلاق صحيح حفص وصحيح الحلبى السابقين.

ومع التنزل وافتراض نظرهما إلى أصل التشريع دون الخصوصيات ، فبالإمكان التمسّك بصحيح محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه‌السلام : « فى رجلين كان لكلٍّ واحد منهما طعام عند صاحبه ولايدرى كلّ واحد منهما كم له عند صاحبه ، فقال كلّ واحد منهما لصاحبه : لك ما عندك ولى ما عندي ، فقال : لا بأس بذلك إذا تراضيا وطابت أنفسهما ». (٢)

٥ ـ وأمّا أن الجهالة مغتفرة حتى مع إمكان تحصيل العلم ، فللإطلاق أيضاً.

٦ ـ وأمّا الخلاف فى جواز التصالح على الجنس الربوى بمماثله مع التفاضل ، فيستند الى الأخبار الدالّة على اعتبار المماثلة ، (٣) فإنه قد يدّعى انصرافها الى خصوص البيع ، فيلزم اختصاص التحريم به ، وقد ينكر ذلك ويتمسّك بإطلاقها ، فيلزم تعميم التحريم للصلح أيضاً.

ومن تلك الأخبار صحيحة الحلبى عن أبى عبداللّه‏ عليه‌السلام : « الفضّة بالفضّة مثلاً بمثل ، والذهب بالذهب مثلاً بمثل ، ليس فيه زيادة ولانقصان ». (٤)

__________________

١ ـ جواهر الكلام : ٢٦ / ٢١٨.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ١٦٦ ، باب ٥ من أحكام الصلح ، حديث ١.

٣ ـ وقد تقدمت الاشارة اليها فى كتاب البيع تحت عنوان « الربا ».

٤ ـ وسائل الشيعة : ١٢ / ٤٥٦ ، باب ١ من أبواب الصرف ، حديث ١.

١٢١
١٢٢

كتاب الوكالة

حقيقة الوكالة

من أحكام الوكالة

١٢٣
١٢٤

حقيقة الوكالة

الوكالة عقد يتضمن تسليط الغير على معاملة أو ما هو من شؤونها كالقبض والإقباض. وهى أمر يغاير الإذن والنيابة.

ولا شكّ فى مشروعيتها.

والمستند فى ذلك

١ ـ أمّا أن الوكالة عقد ، فهو المشهور. وخالف فى ذلك السيد اليزدى فاختار عدم توقف تحققها على القبول ، بدليل أنه لو قال الموكل للوكيل : « وكلتك فى بيع داري » ، فباعها ، صَحَّ البيع حتى مع الغفلة عن قصد النيابة وإنشاء القبول بالبيع. وأيضاً لو كانت عقداً ، لزم مقارنة القبول لإيجابها والحال ان من الجائز توكيل الغائب الذي يصله خبر الوكالة بعد فترة.

ثم ذكر قدس‏سره : إن هذا لايعنى أن القبول لو تحقق بعد الإيجاب فلا تكون عقداً ، بل المقصود أن بالإمكان وقوعها بنحو الإيقاع تارة وبنحو العقد اُخري.(١)

٢ ـ وأمّا أنها تسليط يتضمن ما ذكر ، فلأن ذلك هو المفهوم منها عرفاً.

__________________

١ ـ ملحقات العروة الوثقي : ٢ / ١١٩.

١٢٥

وأمّا تخصيصها بالتسليط على المعاملة وما هو من شؤونها دون جميع الأشياء ، فلما يأتى من اختصاص الوكالة بالأشياء التى لم يعتبر فيها الشارع الصدور بالمباشرة ، وليست تلك إلاّ المعاملة والقبض والإقباض.

٣ ـ وأمّا أن الوكالة أمر يغاير الإذن ، فواضح ، فإن الإذن لايتوقف تحققها علي القبول بخلاف الوكالة.

والوكالة تنفسخ بفسخ الوكيل ، بخلاف الإذن ، فإنها لاترتفع برفض المأذون.

وتصرف الوكيل يقع صحيحاً وان عزله الموكل ما دام لم يبلغه خبر العزل ، بخلافه فى الإذن ، فإن التصرف يقع باطلاً مع التراجع وان لم يبلغ المأذون ذلك.

٤ ـ وأمّا مغايرة الوكالة للنيابة ، فواضحة ايضاً ، اذ فى الوكالة ينتسب الفعل الي الموكل بخلافه فى النيابة ، فالحج الآتى به النائب لاينتسب الى المنوب عنه ، بخلافه فى مثل البيع الذى يأتى به الوكيل ، فانه ينتسب الى الموكّل.

والنيابة قد تقع تبرّعية بخلاف الوكالة ، فانه لايتصور فيها ذلك.

٥ ـ وأمّا مشروعية الوكالة ، فهى من البديهيات لإستقرار سيرة العقلاء ونظامهم عليها ، وبضمّ عدم ردع الشارع يثبت امضاؤه لذلك. ويدل على ذلك صحيح معاوية بن وهب وجابر بن يزيد عن ابى عبد الله عليه‌السلام : « من وكّل رجلاً على امضاء أمر من الاُمور فالوكالة ثابتة ابداً حتى يُعلمه بالخروج منها كما اعلمه بالدخول فيها ». (١)

وأمّا عموم « أوفوا بالعقود » فلا يمكن التمسك به فى المقام ، للتسالم على جواز الوكالة وعدم لزومها.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ٢٨٥ ، باب ١ من احكام الوكالة ، حديث ١.

١٢٦

من أحكام الوكالة

يعتبر فى الوكالة الايجاب والقبول بكل ما يدل عليهما.

وتتحقق بكتابة الموكّل الى شخص بنصبه وكيلاً عنه ـ ولو كان فى بلد آخر ـ فيما اذا قبل ولو بعد فترة.

والمشهور عدم جواز التعليق فيها وان جاز فى متعلقها.

وهى من العقود الجائزة ولكن الوكيل لو تصرّف قبل بلوغه عزل الموكّل ، يقع تصرّفه صحيحاً.

وتلزم متى ما تحقق اشتراطها ضمن عقد لازم بنحو شرط النتيجة.

واذا اشترط عدم العزل ضمن عقد الوكالة ، فقد قيل بلزومها ايضاً.

وتصح فى كل ما لايتعلق غرض الشارع بايقاعه مباشرة.

والمستند فى ذلك

١ ـ أمّا اعتبار الايجاب والقبول فى تحقق الوكالة ، فلأنها عقد.

وأمّا الإكتفاء بكل ما يدل عليهما فلإطلاق دليل شرعيتها بعد فرض تحققها.

ومنه يعرف الوجه فى تحققها بالكتابة.

والتسالم على اعتبار الموالاة إن فرض تحققه ، فلا يجزم بشموله للوكالة ان لم يدع الجزم بعدم شموله لها.

٢ ـ وأمّا عدم جواز التعليق فى نفس الوكالة ، فقد علّله صاحب الجواهر بالإجماع القائم بكلا قسميه على عدم جواز التعليق فى مطلق العقود.(١)

__________________

١ ـ جواهر الكلام : ٢٧ / ٣٥٢.

١٢٧

ويمكن أن يقال : إنه لايمكن الجزم بشمول الإجماع المذكور لمثل الوكالة ، والقدر المتيقن منه هو البيع والإجارة وما شاكلهما من المعاوضات ، كما نبّه عليه السيد اليزدي(١) ، ومعه يعود إطلاق دليل شرعية الوكالة بلامانع يمنع من التمسّك به.

٣ ـ وأمّا جواز التعليق فى متعلق الوكالة دونها ـ كما اذا قال الموكّل : « أنت وكيلي من الآن فى بيع دارى متى ما ارتفع سعرها » ـ فواضح ، لأن الإجماع على عدم جواز التعليق فى الوكالة إن ثبت فهو ناظر الى تعليق نفس الوكالة دون التعليق في متعلقها مع فرض إطلاقها. ولا أقل من كون ذلك هو القدر المتيقن فيعود دليل شرعية الوكالة بلا مانع يمنع من التمسك بإطلاقه.

٤ ـ وأمّا أن الوكالة من العقود الجائزة ، فقد ادّعى عدم الخلاف فيه(٢). وصحيحة معاوية وجابر المتقدمة واضحة الدلالة على ذلك. إلاّ أنها خاصة بتراجع الموكّل ، فلابدّ من ضمّ عدم القول بالفصل ، أو دعوى تنقيح المناط وإلغاء الخصوصية.

٥ ـ وأمّا صحة تصرف الوكيل مع عزل الموكّل له ما دام لم يبلغه خبر العزل ، فقد دلّت عليه الصحيحة المتقدمة وغيرها.

ويظهر من خلال بعض النصوص أن المسألة كانت محل خلاف بيننا وبين غيرنا ، فغيرنا كان يفصّل بين النكاح فيبطل بالعزل ولو لم يصل خبره الى الوكيل وبين غيره فلا يبطل.(٣)

٦ ـ وأمّا لزوم الوكالة متى ما تحقق اشتراطها ضمن عقد لازم بنحو شرط النتيجه ، ـ كما لو اشترطت الزوجة فى عقد نكاحها أن تكون وكيلة عن زوجها فى طلاق

__________________

١ ـ ملحقات العروة الوثقي : ٢ / ١٢١.

٢ ـ جواهر الكلام : ٢٧ / ٣٥٦.

٣ ـ راجع : ما رواه العلاء بن سيابة فى وسائل الشيعة : ١٣ / ٢٨٦ ، باب ٢ من احكام الوكالة ، حديث ٢.

١٢٨

نفسها متى ما سجن أو ساء خلقه أو غير ذلك ـ فهو المشهور ، (١) لأنها وإن كانت جائزة فى حدّ نفسها إلاّ أن ذلك لاينافى لزومها بسبب الاشتراط.

ثم إنه اذا افترض اشتراط الوكالة ضمن عقد لازم بنحو شرط الفعل كان العمل بالشرط واجباً تكليفاً إلاّ أنه لو عصى المشترط عليه ، فلا يلزم سوى الإثم ولاتتحقق الوكالة.

٧ ـ وأمّا القول بلزومها لو اشترط عدم العزل ضمن عقد الوكالة ، فهو من جهة لزوم العمل بالشرط بمقتضى عموم قوله عليه‌السلام : « المسلمون عند شروطهم ». (٢)

وتوهم لزوم الدور مندفع بأن لزوم الشرط ليس موقوفاً على بقاء الوكالة ، بل على ايقاع عقدها وقد حصل.

٨ ـ وأمّا صحة الوكالة فى خصوص ما لايتعلق غرض الشارع بإيقاعه بالمباشرة ، ـكالوضوء والغسل مثلاً ـ فواضح وإلاّ يلزم خلف الفرض.

__________________

١ ـ ملحقات العروة الوثقي : ٢ / ١٢٢.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٢ / ٣٥٣ ، باب ٦ من ابواب الخيار ، حديث ٢.

١٢٩
١٣٠

كتاب المضاربة

حقيقة المضاربة

شرائط المضاربة

من احكام المضاربة

١٣١
١٣٢

حقيقة المضاربة

المضاربة معاملة بين طرفين ، تتضمن دفع المال من أحدهما والعمل من الآخر ، مع اقتسام الربح.

وهى مشروعة جزماً.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا ان معنى المضاربة ما ذكر ، فهو من المسلّمات التى لاخلاف فيها. أجل عرّفها جمع ـ كصاحب الجواهر والسيد اليزدى ـ بأنها دفع الانسان مالاً الى غيره ليتّجر به على أن يكون الربح بينهما.(١)

والأولى ما ذكرناه ، فإنها معاملة وتعاقد بين طرفين يتضمن دفع المال من أحدهما وليست هى نفس دفع المال الذى هو فعل خارجي.

وفرقها عن القرض : أن المال على فرض القرض ينتقل جميعه الى الطرف الثاني مقابل ضمانه لما يساويه ، بخلافه على فرض المضاربة ، فإن المال يبقى على ملك مالكه والعامل يعمل فيه بازاء قسم من الربح.

__________________

١ ـ جواهر الكلام : ٢٦ / ٣٣٨ ؛ العروة الوثقي ، بداية كتاب المضاربة.

١٣٣

وفرقها عن الإجارة : أن الأرباح على فرض الإجارة تكون بأجمعها للمالك ، وللعامل الأجرة ، بخلافه فى المضاربة ، فإن الأرباح من البداية تكون بين الطرفين حسب الاتفاق.

٢ ـ وأمّا مشروعيتها ، فممّا لا كلام فيها. وتدلّ على ذلك نصوص كثيرة ، كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام : « سألته عن الرجل يعطى المال مضاربة وينهى أن يخرج به فخرج ، قال : يضمن المال ، والربح بينهما » (١) وغيرها. وهى صحيحة بكلا طريقيها فراجع. ويظهر منها أن صحة المضاربة فى الجملة أمر مفروغ عنه وأن السؤال وقع عن بعض خصوصياتها.

شرائط المضاربة

يلزم فى تحقق المضاربة توفر :

١ ـ الايجاب من المالك والقبول من العامل بكلّ ما يدلّ عليهما ولو بالمعاطاة.

٢ ـ البلوغ والعقل والاختيار فى المالك والعامل. ويلزم فى المالك أن لايكون محجوراً عليه لسفهٍ أو فلس.

٣ ـ تعيين الحصة وعدم ترددها ، وأن يكون تعيينها بنحو الكسر المشاع إلاّ اذا افترض وجود تعارف خارجى يوجب انصراف الاطلاق اليه.

٤ ـ كون الربح بينهما ، فلايصح جعل مقدار منه لأجنبى إلاّ مع افتراض قيامه بعمل.

٥ ـ أن يكون الاسترباح بالتجارة ، فلو دفع الى شخص مالاً ليشترى به سيارة لحمل المسافرين مع اقتسام الاُجرة ، أو ليشترى به بستانا مع اقتسام الثمار ، أو ليشترى به ماكنة

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ١٨١ ، باب ١ من ابواب احكام المضاربة ، حديث ١.

١٣٤

لذبح الحيوانات مع اقتسام الأرباح ، لم ‏يكن ذلك مضاربة.

٦ ـ قدرة العامل على مباشرة التجارة بنفسه اذا اشترط عليه ذلك.

٧ ـ أن يكون رأس المال عيناً لا ديناً ، فلو كان لشخص على آخر دين ، لم يجز جعله مضاربة إلاّ بعد قبضه.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا اعتبار الايجاب والقبول فى المضاربة ، فواضح بعد كونها عقداً.

وأمّا الاكتفاء بكلّ ما يدلّ على الايجاب والقبول ، فللتمسك بإطلاق ادلّة مشروعية المضاربة بعد فرض تحقق الدلالة عليها.

ومن ذلك يتضح الوجه فى تحققها بالمعاطاة.

٢ ـ وأمّا اعتبار البلوغ والعقل والاختيار فى المالك والعامل ، فلأ نّها من الشرائط العامة المعتبرة فى كلّ عقد.

وأمّا اعتبار عدم الحجر على المالك ، فلانه من خلال المضاربة يتحقق منه التصرف فى ماله ، وشرط جواز ذلك عدم الحجر.

وأمّا عدم اعتبار ذلك فى العامل ، فباعتبار أنه لايتحقق منه تصرف فى ماله وإنما يحاول تحصيل المال ، وذلك ليس ممنوعاً منه.

هذا بناء على ما هو المنسوب الى المشهور من اختصاص المنع فى السفيه بخصوص التصرفات المالية.(١) وأمّا بناء على الرأى الاخر الذى تقدمت الاشارة اليه فى كتاب المزارعة ، فينبغى اشتراط عدم السفه فى العامل ايضاً.

__________________

١ ـ جواهر الكلام : ٢٦ / ٥٧ ـ ٥٨.

١٣٥

٣ ـ وأمّا اعتبار تعيين الحصة وعدم ترددها ، فلأن الحصة المرددة لاوجود لها ليمكن تمليكها للعامل.

وهل يلزم تعيين الحصة ، بمعنى معلوميتها وعدم كونها مجهولة ، كما لو قال

المالك : ضاربتك بحصة تساوى الحصة المجعولة فى مضاربة فلان ، مع افتراض أنهما يجهلان ذلك؟ المشهور ذلك ، لحديث نهى النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الغرر.(١)

والمناسب عدم اعتبار ذلك ، لما تقدم فى مبحث الإجارة من ضعف الحديث سنداً ، بل لم يثبت كونه رواية.

٤ ـ وأمّا اعتبار كون تعيين الحصة بالكسر المشاع ، فلأنّ ذلك مقوّم لمفهوم المضاربة ، اذ لو عينت لابذلك ـ كما لو قال المالك : ضاربتك على أن يكون لك مائة دينار ـ كان المورد مصداقاً للإجارة أو الجعالة.

وأمّا كفاية الانصراف ، فلأن به يتحقق التعيين.

٥ ـ وأمّا اعتبار كون الربح بينهما وعدم صحة جعل قسم منه لأجنبى ، فلأن ظاهر روايات المضاربة كون الربح بينهما لاغير.

وأمّا استثناء حالة قيام الأجنبى بعمل ، فلأنه بفرض ذلك يكون عاملاً آخر في المضاربة ، وبالتالى سوف تصبح المضاربة بين المالك وعاملين ، وذلك ممّا لا محذور فيه كما سيأتى إن شاءالله تعالى التعرض اليه فى احكام المضاربة.

٦ ـ وأمّا اعتبار كون الاسترباح بالتجارة ، فلأن ذلك دخيل فى مفهوم المضاربة.(٢) ولا أقل من‏احتمال ذلك ، وهو كافٍ ، حيث‏يلزم الرجوع آنذاك الي‏أصالة عدم ترتب الأثر.

__________________

١ ـ تذكرة الفقهاء ، كتاب الاجارة ، مسألة ٢ من الركن الثالث فى الفصل الثانى.

٢ ـ لاحظ : مجمع البحرين : ٢ / ١٠٧.

١٣٦

٧ ـ وأمّا اعتبار قدرة العامل على المباشرة اذا كانت مشروطة ، فلأنه بدون ذلك لايمكن تحقق القصد الى المعاملة ولايمكن تعلق وجوب الوفاء بها. وهذا مطلب سيّال فى كلّ معاملة ولايختص بالمضاربة.

٨ ـ وأمّا اعتبار كون رأس المال عيناً لا ديناً ، فللقصور فى المقتضى ووجود المانع.

أمّا القصور فى المقتضى ، فلأن عنوان اعطاء المال المذكور فى صحيحة محمد ابن مسلم المتقدمة وغيرها ظاهر فى دفع العين ولايشمل الدين. ولا أقل من الشك فلا يمكن التمسّك بها لإثبات مشروعيتها.

وأمّا المانع ، فهو موثقة السكونى عن أبى عبدالله عليه‌السلام : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام فى رجل له على رجل مال فيتقاضاه ولايكون عنده فيقول : هو عندك مضاربة ، قال : لايصلح حتى يقبضه منه ». (١)

هذا وقد نسب الى المشهور ، اعتبار أن يكون رأس المال من الذهب والفضة المسكوكين ، أى الدراهم والدنانير وادّعى الإجماع على ذلك ، (٢) ولامستند لذلك غير ذلك. إلاّ أن المناسب التعميم للأوراق النقدية لصدق عنوان المال ـ المذكور في مثل صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة وغيرها ـ عليها. والاجماع المدّعى ـ بمعني الاتفاق الكاشف عن رأى المعصوم عليه‌السلام ـ لم يثبت تحققه.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ١٨٧ ، باب ٥ من ابواب احكام المضاربة ، حديث ١.

٢ ـ جواهر الكلام : ٢٦ / ٣٥٦.

١٣٧

من أحكام المضاربة

عقد المضاربة جائز ويحق للطرفين التراجع عنه متى شاءا ، إلاّ إذا اشترط عدم الفسخ الى فترة محدودة.

ومع تحقق الخسارة فى التجارة لايضمن العامل منها شيئاً إلاّ اذا تجاوز الحدّ المقرر له.

واذا اشترط المالك تقسيم الخسارة ، كان الشرط صحيحاً على قول.

ويجوز تعدد العامل مع اتحاد المالك.

وتبطل المضاربة بموت كلّ من العامل أو المالك.

والعامل يملك حصته من الربح بمجرد ظهوره ، من غير توقف على الانضاض ـ بمعني تحويل الأجناس الى نقود ـ أو القسمة.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا أن عقد المضاربة جائز بالرغم من أن المناسب لأصالة اللزوم فى مطلق العقود لزومه ، فعُلِّلَ :

تارة : بالإجماع وأنه الحجة فى الخروج عن قاعدة اللزوم.(١)

واُخري : بأن عقد المضاربة يرجع فى روحه الى الإذن فى التصرف من أحدهما والقبول من الآخر كالعارية ، وللآذن التراجع عن إذنه متى شاء.

٢ ـ وأمّا أن المضاربة تلزم باشتراط عدم الفسخ ، فلوجوب الوفاء بالشرط المستفاد من قوله عليه‌السلام : « المسلمون عند شروطهم ». (٢)

ودعوي : أن الشرط باطل لمنافاته لمقتضى العقد ، مدفوعة : بأنه منافٍ لإطلاقه

__________________

١ ـ جواهرالكلام : ٢٦ / ٣٤٠.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٢ / ٣٥٣ ، باب ٦ من ابواب الخيار ، حديث ٢.

١٣٨

لا لأصله.

ودعوي : أن الشرط فى العقود الجائزة لايلزم الوفاء به ، مدفوعة : بأن عموم قوله عليه‌السلام : « المسلمون عند شروطهم » يعمّ كلّ شرط بما فى ذلك الواقع ضمن العقد الجائز.

٣ ـ وأمّا عدم تحمل العامل للخسارة إلاّ مع التجاوز عن الحدّ المقرر له ، فلصحيحابى الصباح الكنانى عن أبى عبد الله عليه‌السلام : « الرجل يعمل بالمال مضاربة ، قال : له الربح وليس عليه من الوضيعة شيء إلاّ أن يخالف عن شي‏ء ممّا أمر صاحب المال » (١) وغيره.

٤ ـ وأمّا القول بصحة اشتراط تحمل الطرفين للخسارة ، فوجهه أن ذلك ليس شرطاً مخالفاً لمقتضى العقد ، بل لإطلاقه.

والمناسب التفصيل بين اشتراط تحمل الطرفين للخسارة فيبطل وبين افتراض كون الخسارة على المالك فقط إلاّ أن العامل يلزمه تقديم مالٍ ولو بعنوان الهدية الي المالك يعادل مقدار الخسارة فيصح.

أمّا البطلان فى الأول : فلأن ظاهر صحيحة الكنانى المتقدمة وغيرها كون الخسارة على المالك لاغير ؛ ومقتضى إطلاقها ، كونها عليه حتى مع اشتراط تقسيطها.

وأمّا الصحة في الثاني : فلأن مفاد الشرط ليس تحمل العامل شيئاً من الخسارة ، بل هو اشتراط لأمر آخر غيرالخسارة ، فكما أنه يصح اشتراط المالك على العامل خياطة ثوب له مثلاً كذلك يصح اشتراط اهداء مال له بمقدارنصف‏الخسارة علي فرض تحققها.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ١٨١ ، باب ١ من ابواب احكام المضاربة ، حديث ٣.

١٣٩

٥ ـ وأمّا جواز تعدد عامل المضاربة ، فلأنها بذلك تكون منحلّةً فى الواقع الي مضاربتين وبمثابة مضاربة المالك من البداية كلّ واحد منهما على نصف المال. والاتحاد فى مقام الانشاء لاينافى التعدد فى مقام الواقع.

٦ ـ وأمّا بطلان المضاربة بموت العامل ، فلإختصاص الاذن به.

وأمّا بطلانها بموت المالك ، فلإنتقال المال بموته الى وارثه ، وإبقاؤها يحتاج الي عقد جديد.

٧ ـ وأمّا أن العامل يملك حصته من الربح بمجرد ظهوره ، فلوجهين :

أ ـ أن ذلك مقتضى اشتراط كون الربح بينهما.

ودعوي : أن الربح لايصدق تحققه قبل الإنضاض.

مدفوعة : بأن ذلك مخالف للوجدان ، فإن العقلاء يرون تحقق الربح بمجرد ارتفاع القيمة السوقية للشيء ولو قبل تحويله الى نقد. كيف؟ ولو كان الربح غير صادق فيلزم عدم استحقاق العامل لشي‏ء لو فسخ المالك قبل الانضاض.

ب ـ التمسّك بصحيحة محمد بن ميسر : « قلت لأبى عبد الله عليه‌السلام : رجل دفع الي رجل ألف درهم مضاربة ، فاشترى أباه وهو لايعلم ، فقال : يقوّم فاذا زاد درهماً واحداً اُعتق واستسعى فى مال الرجل » (١) ، بتقريب أن العامل لو لم ‏يملك حصته بمجرد ظهور الربح لما انعتق أبوه عليه. والصحيحة تامة السند بطرقها الأربع ، فراجع.

١٤٠