دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ٢

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: المركز العالمي للدّراسات الإسلامية
المطبعة: توحيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ١٩٤

٦ ـ وأمّا عقد الفضولى ، فالمشهور صحته بالإجازة. وذهب جمع ـ منهم صاحب الحدائق ـ إلى بطلانه مع الإجازة أيضا.(١)

واستدلّ المشهور بعدة وجوه ، نذكر منها :

أ ـ ان الصحة يمكن تخريجها على طبق القاعدة بلا حاجة إلى دليل خاص ، فان العقد بعد إجازته ينتسب إلى المالك ويصدق أنه عقده ، فيشمله آنذاك إطلاق خطاب ( أحَلَّ اللّه البيع ) (٢) وأوفوا بالعقود (٣) وتجارة عن تراضٍ (٤) بعد فرض عدم تقيّده بما إذا كان الاستناد الى المالك ثابتا حدوثا وبعد وضوح قابلية الأمر الاعتبارى ـ كالعقد ـ على خلاف الامر التكوينى للاستناد الى غير موجده بالإذن أو بالإجازة.

وهذا الوجه هو ما أشار إليه الشيخ الأعظم بقوله : « لعموم أدلّة البيع والعقود ». (٥)

ب ـ التمسّك برواية عروة البارقى : قدم جَلَب (٦) فأعطانى صلى‌الله‌عليه‌وآله دينارا ، فقال : « اشترِ بها شاة ، فاشتريت شاتين بدينار ، فلحقنى رجل فبعت احداهما منه بدينار ، ثم أتيت النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله بشاة ودينار فردَّه عليَّ وقال : « بارك اللّه لك فى صفقة يمينك » (٧) ، بتقريب ان شراءه الشاتين بدينار وإن أمكن توجيهه بما يخرج به عن الفضولية إلاّ أنَّ بيعه لإحدى الشاتين فضولى جزما ، والنبى صلى‌الله‌عليه‌وآله قد امضى بيعه المذكور بقوله :

__________________

١ ـ الحدائق الناضرة : ١٨ / ٣٧٨.

٢ ـ البقرة : ٢٧٤.

٣ ـ المائدة : ١.

٤ ـ النساء : ٢٩.

٥ ـ كتاب المكاسب : ١ / ٣٧٦.

٦ ـ الجَلَب : ما يجلب الى السوق من متاع للبيع ؛ مجمع البحرين : ٢ / ٢٥.

٧ ـ مستدرك الوسائل : ١٣ / ٢٤٥ ؛ مسنداحمدبن حنبل : ٤ / ٣٧٦.

٢١

« بارك الله ... ».

والسند وان كان ضعيفا إلاّ أنه قد يقال ـ كما فى الجواهر ـ : « أغنت شهرته عند الفريقين عن النظر فى سنده ». (١)

أجل ، ناقش الشيخ الأعظم الدلالة باحتمال أنَّ بيع عروة وقبضه وإقباضه كان مقرونا بعلمه برضا النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك ، والمعاملة تخرج عن الفضولية باقترانها بذلك ، وإن كان ظاهر المشهور يدلّ على العدم واعتبار الإذن أو الإجازة فى تحقق الانتساب وانتفاء الفضولية.(٢)

ج ـ التمسّك بصحيحة محمد بن قيس عن أبى جعفر عليه‌السلام : « قضى أميرالمؤمنين عليه‌السلام فى وليدة (٣) باعها ابن سيدها وأبوه غائب ، فاشتراها رجل فولدت منه غلاما ، ثم قدم سيدها الأول فخاصم سيدها الأخير فقال : « هذه وليدتى باعها ابنى بغير إذني » ، فقال : « خذ وليدتك وابنها » ، فناشده المشترى فقال : « خذ ابنه ـ يعنى الذى باعه الوليدة ـ حتى ينفذ لك ما باعك » ، فلما أخذ البيِّع(٤) الابن ، قال ابوه : « ارسل ابني » ، فقال : « لا ارسل ابنك حتى ترسل ابني » ، فلما راى ذلك سيد الوليدة الأول أجاز بيع إبنه » (٥) ؛ فإنها واضحة فى صحة عقد الفضولى بالإجازة لقوله عليه‌السلام : « خذ ابنه ... حتى ينفذ لك ما باعك » وقوله « فلما رأى ذلك سيد الوليدة الأول أجاز بيع إبنه ».

وهذه الرواية ـ أو سابقتها ـ إن تمت دلالتها فهو المطلوب ، وإلاّ كفانا تخريج

__________________

١ ـ جواهر الكلام : ٢٢ / ٢٧٧.

٢ ـ كتاب المكاسب : ١ / ٣٦٦ ـ ٣٦٨.

٣ ـ الوليدة : الامة ، مجمع البحرين : ٣ / ١٦٤.

٤ ـ البيِّع هو من الالفاظ التى تستعمل للبائع والمشتري ، مجمع البحرين : ٤ / ٣٠٤.

٥ ـ وسائل الشّيعه : ١٤ / ٥٩١ ، باب : ٨٨ من ابواب نكاح العبيد والإماء ، حديث ١.

٢٢

الصحة بالإجازة على طبق القاعدة.

٧ ـ وأمّا أن الإجازة كاشفة أو ناقلة ، فمحل خلاف كماقلنا.

ووجه النقل واضح ، فان السبب الناقل ليس مجرد العقد ، بل العقد عن رضا ، وحيث ان الرضا يتحقق بالإجازة فيلزم تحقق النقل عند تحققها.

ووجه الكشف اُمور متعددة ، نذكر منها :

أ ـ ما ذكره الشهيد والمحقق الثانيان : « من أن العقد سبب تام فى حصول الملك ، لعموم ( أوفوا بالعقود ) وتمامه فى الفضولى إنّما يعلم بالإجازة ، فإذا أجاز تبيّن كونه تاما فوجب ترتب الملك عليه ، وإلاّ لزم أن لايكون الوفاء بالعقد خاصة ، بل به مع شيء آخر ، ولا دليل يدل عليه ». (١)

وفيه : كيف يكون العقد تمام السبب؟! وعلى تقديره لاتبقى حاجة الى الإجازة.

اللَّهم إلاّ أن يكون المقصود أن السبب هو العقد المتعقّب بالإجازة ، فمع حصولها يعلم بتحقق العقد المتعقّب من حين صدوره.

وهو جيد ثبوتا ، إلاّ أنّه لا دليل إثباتا على مدخلية وصف التعقّب ، بل ظاهر قوله تعالي : ( إلاّ أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم ) (٢) مدخلية وصف التراضى نفسه لا التعقّب به.

ب‏ ـ ما عن فخرالدين من أنّها « لو لم تكن كاشفة لزم تأثير المعدوم فى الموجود ، لأن العقد حالها عدم ». (٣)

وفيه : ان قياس الاُمور الاعتبارية على الاُمور التكوينية قياس مع الفارق ، فمن

__________________

١ ـ جامع المقاصد : ٤ / ٧٤ وقريب من ذلك عبارة الروضة البهيّة : ١ / ٣١٤.

٢ ـ النساء : ٢٩.

٣ ـ كتاب المكاسب : ١ / ٣٨٨.

٢٣

الوجيه اعتبار العقد مؤثرا من حين تحقق الإجازة وان كان معدوما آنذاك.

ولعل الاولى فى توجيه الكشف ان يقال : ان المالك حينما يجيز العقد يجيزه من حين صدوره وليس من حين الإجازة ، ولازم ذلك تحقق الملكية من حين العقد لشمول ادلة الإمضاء له بلحاظ زمان صدوره.

ومن المحتمل ان يكون هذا هو مقصود المحقق والشهيد الثانيين ، وعلى تقديره يكون ما افاداه وجيهاً.

٨ ـ وأمّا الثمرة ، فمن مواردها : مالو حصل نماء متخلل بين العقد والإجازة ، فإنّ نماء المبيع للبائع ونماء الثمن للمشترى على النقل ، بينما الأمر بالعكس على الكشف.

شروط العوضين

يلزم فى العوضين ملكيتهما ، فلا يصح بيع المباحات العامة قبل حيازتها والقدرة علي تسليمهما إلاّ مع الضم لما يمكن تسليمه ، وضبطهما بالكيل أو الوزن أو العدِّ أو المساحة ـ وتكفى المشاهدة فيما ينضبط بها ـ ، ومعرفة جنسهما وصفاتهما التى تختلف باختلافها القيمة.

ويلزم فى المبيع ان يكون عينا.

وقيل باشتراط مالية العوضين.

ومع تخلف الشروط المذكورة يقع البيع باطلاً ، بَيْدَ انه لايحرم التصرف مع رضا الطرفين به حتى على تقدير البطلان.

٢٤

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما اعتبار الملكية ، فلأن البيع تمليك بعوض ، فاذا لم يكن الشيء مملوكاً في نفسه فكيف يملّك؟

وكما يعتبر فى العوضين الملكية يعتبر ان تكون ملكيتهما بنحو طلق ، فلا يصح بيع الموقوف عليهم للعين الموقوفة ولو بالوقف الخاص.

٢ ـ وأما القدرة على التسليم ، فلم يعرف خلاف فى اعتبارها.(١) واستدلّ على ذلك بعدة وجوه ، نذكر منها :

أ ـ التمسّك بالنبوى المعروف : « نهى النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله عن بيع الغرر » (٢) بعد تفسير الغرر بالمخاطرة المتحققة بشراء ما لايقدر على تسليمه ووضوح ظهور النهى فى باب المعاملات فى الارشاد الى الشرطية والمانعية دون الحرمة التكليفية.

وهو اذا كان خاصاً بحالة الشك فى القدرة فيمكن بعد ضم الاولوية اثبات التعميم لحالة الجزم بعدمها.

وفيه : ان الحديث ضعيف سندا بالإرسال ، ودلالةً لإمكان اندفاع الغرر باشتراط الخيار على تقدير عدم تحقّق التسليم خلال مدة مضبوطة.

ب ـ ما تمسّك به الشيخ النائينى من زوال المالية عمّا لايقدر على تسليمه.(٣)

وفيه : انه على تقدير اعتبار شرط المالية فى عوضى البيع لانسلم زوالها بعدم القدرة ، لأنه مخالف للوجدان.

__________________

١ ـ تذكرة الفقهاء : ١ / ٤٦٦ ؛ جامع المقاصد : ٤ / ١٠١ ؛ الغنية : ص ٢١١.

٢ ـ وسائل الشّيعة : ١٢ / ٣٣٠ ، باب ٤٠ من ابواب آداب التجارة ، حديث ٣.

٣ ـ منية الطالب : ١ / ٣٧٨.

٢٥

ج‏ ـ واحسن ما يمكن التمسّك به هو الروايات الناهية عن بيع الآبق بلا ضميمة ، كما فى موثقة سماعة عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : الرجل يشترى العبد وهو آبق عن أهله ، قال : « لايصلح إلاّ أن يشترى معه شيئا آخر ويقول : أشترى منك هذا الشيء وعبدك بكذا وكذا ، فإن لم يقدر على العبد كان الذى نقدَّه فيما اشترى منه ». (١)

ثم إنّه اذا لم يحتمل اختصاص مثل الرواية المذكورة بموردها أمكنت الفتوي باعتبار الشرط المذكور ، وإلاّ فلابدَّ من التنزل الى الاحتياط ، تحفظا من مخالفة المشهور والإجماع المدّعى على الشرطية.

٣ ـ وأمّا وجه الاستثناء ، فواضح من خلال الموثقة المتقدمة بعد فهم العرف عدم الخصوصية لموردها.

٤ ـ وأمّا اعتبار ضبط العوضين ، فلا خلاف فيه بين الأصحاب.(٢) وتدل عليه فى المبيع روايات كثيرة ، كصحيحة الحلبى عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « سُئل عن الجوز لانستطيع ان نعدَّه فيكال بمكيال ثم يعدّ ما فيه ثم يكال ما بقى على حساب ذلك العدد ، قال : لا بأس به » (٣) وغيرها.

وهى تدلّ على ارتكاز عدم جواز بيع المعدود بلا عدّ ، والإمام عليه‌السلام قد أمضي الارتكاز المذكور. وموردها وإن كان هو المعدود ، إلاّ أنّ الخصوصية له غير محتملة فيتعدى الى غيره.

وأمّا اعتبار ضبط الثمن ، فيمكن أن يستفاد من الروايات السابقة بعد تنقيح المناط والغاء العرف خصوصية المورد حيث يفهم ان المعلومية معتبرة فى العوضين

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٢ / ٢٦٣ ، باب ١١ من ابواب عقدالبيع وشروطه ، حديث ٢.

٢ ـ الغنية : ص ٢١١ ؛ تذكرة الفقهاء : ١ / ٤٦٧.

٣ ـ وسائل الشيعه : ١٢ / ٢٥٩ ، باب ٧ من ابواب عقد البيع وشروطه ، حديث ١.

٢٦

بلا خصوصية للمبيع.

٥ ـ وأما كفاية المشاهدة فيما ينضبط بها ، فلأن المستفاد من النصوص السابقة اعتبار معلومية العوضين ، فإذا تحققت بالمشاهدة كفت ، ولا دليل على اعتبار ما هو أكثر منها.

٦ ـ وأمّا اعتبار ضبط الجنس والصفات ، فلأن مورد النصوص السابقة وإن كان هو المقدار إلاّ أن المفهوم منها اعتبار المعلومية الرافعة للجهالة ، وذلك لا يتحقق بضبط المقدار دون الجنس والصفات.

٧ ـ وأمّا اعتبار ان يكون المبيع عينا وعدم صحة كونه منفعة او عملاً ، فلأنَّ ذلك إن لم يكن هو المتبادر من لفظ البيع على خلاف الإجارة التى يتبادر منها التعلق بالمنفعة أو العمل فلا أقل من الشك فى اعتبار ذلك ، ومعه لايصح التمسّك بالعمومات ، لأنه تمسّك بالعام فى مورد اجمال المفهوم.

أجل ، يصحّ أن لا يكون الثمن عينا ، لعدم احتمال اعتبار ذلك فى المفهوم العرفى للبيع.

٨ ـ وأمّا القول باشتراط المالية ، فقد يستدلّ له إما بما فى المصباح من كون البيع مبادلة مال بمال(١) او بأن المعاملة مع عدم مالية العوضين سفهيّة ، وادلة الامضاء منصرفة عن مثل ذلك.

٩ ـ وأمّا بطلان البيع مع تخلف الشروط ، فلأن ذلك لازم الشرطية ، ومقتضي قاعدة المشروط عدم عند عدم شرطه.

١٠ ـ وأمّا الصحة مع الرضا حتى على تقدير البطلان ، فباعتبار أن جواز التصرف

__________________

١ ـ المصباح المنير : ١ / ٧٧.

٢٧

منوط بالرضا وطيب النفس لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لايحلُّ دم امري‏ءٍ مسلم ولا ماله إلاّ بطيبة نفسه ». (١)

الخيارات

الخيار الثابت فى المعاملات على أقسام :

١ ـ خيار المجلس

وهو ثابت لخصوص المتبايعين فى مجلس البيع ويستمر ما دام لم يحصل التفرق بينهما.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما اصل ثبوت خيار المجلس فى الجملة ، فمما لاخلاف فيه.(٢) وقد دلّت عليه الروايات المستفيضة ، من قبيل صحيحة محمد بن مسلم عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : البيّعان بالخيار حتى يفترقا. وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيّام ». (٣)

وفى مقابل ذلك موثق غياث بن ابراهيم : « قال على عليه‌السلام : اذا صفَّق الرجل علي البيع فقد وجب وإن لم يفترقا ». (٤) وهو إن أمكن توجيهه بحمل التصفيق المذكور فيه على ما قصد به إسقاط الخيار فلا إشكال وإلاّ يلزم طرحه لمخالفته لإجماع الأصحاب والضرورة الثابتة بينهم.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٩ / ٣ ، باب ١ من ابواب القصاص فى النفس ، حديث ٣.

٢ ـ كتاب المكاسب : ٢ / ٢١٨.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٢ / ٣٤٥ ، باب ١ من ابواب الخيار ، حديث ١.

٤ ـ وسائل الشيعة : ١٢ / ٣٤٧ ، باب ١ من ابواب الخيار ، حديث ٧.

٢٨

٢ ـ وأمّا اختصاصه بالمتبايعين وعدم شموله لمطلق المتعاقدين ، فللقصور في المقتضي.

٣ ـ وأمّا التعبير بـ « مجلس البيع » فهو من باب ذكر الفرد الغالب ، وإلاّ فلو جري العقد حالة المشى ثبت الخيار أيضا ، لعدم تعبير النص بالمجلس.

٤ ـ وأمّا أنّ الغاية افتراقهما دون الافتراق عن المجلس ، فلتعبير الصحيحة بـ « حتى يفترقا » الظاهر فى الافتراق بينهما دون افتراقهما عن المجلس.

٢ ـ خيارالحيوان

وهو ثابت لمشترى الحيوان ثلاثة أيام ، وقيل بثبوته لبايعه أيضا.

وإذا كان الثمن حيوانا فقيل بثبوته للبائع أيضا.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا أنّ خيار الحيوان ثلاثة أيام ، فلا خلاف فيه فى الجملة ، (١) والروايات به مستفيضة ، ففى صحيحة ابن مسلم المتقدمة : « وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيّام ».

٢ ـ وأما أن الخيار للمشترى بالرغم من عدم دلالة الصحيحة السابقة عليه ، فللتصريح بذلك فى جملة من الروايات الاُخري ، كصحيحة على بن رئاب : « سألت أباعبداللّه عليه‌السلام عن رجل اشترى جارية لمن الخيار ، للمشترى او للبائع او لهما كلاهما؟ فقال : الخيار لمن اشترى ثلاثة أيّام نظرة ». (٢)

٣ ـ وأمّا القول بثبوته للبائع ايضا ، فيمكن الاستدلال له بصحيحة اُخرى لمحمد

__________________

١ ـ كتاب المكاسب : ٢ / ٢٤٠.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٢ / ٣٥٠ ، باب ٣ من ابواب الخيار ، حديث ٩.

٢٩

ابن مسلم عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « المتبائعان بالخيار ثلاثة أيام فى الحيوان ، وفيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا ». (١)

وفيه : انّ بالإمكان الجمع بحمل الصحيحة المذكورة على حالة كون كلا العوضين حيوانا ، لصراحة صحيحة ابن رئاب فى اختصاص الخيار بالمشتري.

٤ ـ وأمّا القول بثبوته للبائع اذا كان الثمن حيوانا ، فللتمسّك بإطلاق عنوان « صاحب الحيوان » الوارد فى صحيحة ابن مسلم المتقدمة ، فإنّه كما يشمل المشتري حالة كون المثمن حيوانا ، كذلك يشمل البائع حالة كون الثمن حيوانا.

٣ ـ خيار الشرط

وهو الثابت بسبب اشتراطه فى العقد للمتعاقدين أو لأحدهما أو لأجنبي.

ومن افراد الخيار المذكور بيع العين على أن يكون للبائع الخيار فى استرجاعها عند ردِّ نفس الثمن ـ على تقدير وجوده ـ أو مثله ـ على تقدير عدمه ـ خلال فترة معينة. ويصطلح عليه ببيع الخيار.

كما يجوز للمشترى أيضا اشتراط الخيار عند ردِّ العين خلال فترة معينة.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا أن الخيار يثبت باشتراطه ، فاستدل له بوجوه ، نذكر منها :

أ ـ التمسّك بقاعدة « المسلمون عند شروطهم » المستفادة من صحيحة عبدالله بن سنان عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « المسلمون عند شروطهم إلاّ كلّ شرط خالف كتاب اللّه عزوجل فلايجوز ». (٢)

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٢ / ٣٤٩ ، باب ٣ من ابواب الخيار ، حديث ٢.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٢ / ٣٥٣ ، باب ٦ من ابواب الخيار ، حديث ٢.

٣٠

ب ـ التمسّك بصحيحة الحلبى عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « في الحيوان كلّه شرط ثلاثة أيام للمشتري. وهو بالخيار فيها إن شرط أو لم ‏يشترط » (١) ، فانه قد يستفاد منها ان ثبوت الخيار فى غيرالحيوان يمكن أن يتم من خلال الشرط.

٢ ـ وأمّا جواز اشتراطه للأجنبى ، فلإطلاق الوجه الاول المتقدم.

٣ ـ وأمّا بيع الخيار ، فالوجه فى صحته :

أ ـ التمسّك بالصحيحة‏السابقة : « المسلمون عند شروطهم » ؛ فانهاباطلاقها تشمل ‏ذلك.

ب ـ التمسّك بالروايات الخاصة ، من قبيل موثقة اسحاق بن عمار : « حدثنى من سمع أباعبداللّه عليه‌السلام وسأله رجل وأنا عنده ، فقال : رجل مسلم احتاج الى بيع داره فجاء الى أخيه فقال : أبيعك دارى هذه وتكون لك احبَّ إليَّ من أن تكون لغيرك على أن تشترط لى إن أنا جئتك بثمنها إلى سنة أن ترد عليَّ ، فقال : لا بأس بهذا ... ». (٢)

ودلالتها وان كانت واضحة الا انه قد يتأمل فى سندها باعتبار جهالة الرجل السامع.

٤ ـ وأمّا جواز اشتراطه للمشترى أيضا ، فلإطلاق الصحيحة المتقدمة.

٤ ـ خيار تخلف الشرط

كلّ من اشترط شرطا فى العقد صريحا أو ضمنا وكان غير مخالف للشرع ولا لمقتضي العقد يلزم الوفاء به. وعند تخلف المشروط عليه عن القيام به يثبت للشارط الخيار.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٢ / ٣٤٩ ، باب ٣ من ابواب الخيار ، حديث ١.

٢ ـ وسائل‏الشيعة : ١٢ / ٣٥٥ ، باب ٨ من‏ابواب الخيار ، حديث ١. وفيالكافي : ٥ / ١٧١ ، « سأله ... » بدون واو.

٣١

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا أن الشرط الذى يجب الوفاء به هو ما كان مذكورا فى العقد بأحد النحوين ، فباعتبار أنه عبارة عن الالتزام ضمن الالتزام ، فاذا لم يكن ضمن العقد يكون التزاما ابتدائيا وليس شرطا ليشمله عموم « المسلمون عند شروطهم ».

٢ ـ وأمّا اعتبار أن لايكون مخالفا للشرع ، فلوجهين :

أ ـ عدم احتمال الزام الشارع بالوفاء بما كان مخالفا له.

ب‏ ـ تقييد وجوب الوفاء فى صحيحة ابن سنان السابقة بذلك.

٣ ـ وأما اعتبار أن لايكون مخالفا لمقتضى العقد ـ كالبيع بلا ثمن ـ فلوجهين :

أ ـ ان الوفاء بالعقد حيث يتنافى مع مضمون الشرط فيلزم أحد أمرين : إمّا عدم وجوب الوفاء بالعقد ومِنْ ثَمَّ بطلانه ، أو عدم وجوب الوفاء بالشرط ومِنْ ثَمَّ بطلانه ، وعلى كلا التقديرين يلزم بطلان الشرط وعدم وجوب الوفاء به.

ب ـ ان الشرط إذا كان مخالفا لمقتضى العقد فهو مخالف للكتاب الكريم الدال على ترتب مقتضى العقد عليه.

٤ ـ وأمّا وجوب الوفاء بالشرط تكليفا ، فلوجوه :

أ ـ التمسّك بقوله عليه‌السلام : « المسلمون عند شروطهم » (١) فإنه يدل على أن الوفاء بالشرط لاينفك عن الإسلام ، وعدمه لاينفك عن عدمه ، ولازم ذلك وجوب الوفاء بالشرط.

ب ـ التمسّك بقوله تعالي : ( يا أيّها الّذينَ آمَنوا أوفوا بالعقود ) (٢) ، بتقريب أن

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٢ / ٣٥٣ ، باب ٦ من ابواب الخيار ، حديث ٢.

٢ ـ المائدة : ١.

٣٢

العقد إذا وجب الوفاء به يلزم الوفاء بالشرط أيضا ، لأنه جزء مماتَمَّ التعاقد عليه.

ج ـ التمسّك بالروايات الخاصة ، من قبيل موثقة اسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه عليه‌السلام : « أن على بن أبى طالب عليه‌السلام كان يقول : من شرط لإمرأته شرطا فليفِ لها به ، فإنّ المسلمين عند شروطهم إلاّ شرطا حرّم حلالاً أو أحلَّ حراما » (١) ، فإنّها واضحة فى وجوب الوفاء.

وموردها وإن كان عقد النكاح إلاّ أنّه يتعدى إلى غيره إما لعدم القول بالفصل ، أو لأن التعليل ينفى احتمال الخصوصية.

وبهذا يتضح أنّ ما أفاده الشهيد فى اللمعة ـ من عدم وجوب الوفاء بالشرط وأنّ فائدته تنحصر فى جواز الفسخ عند تخلفه(٢) ـ قابل للتأمل.

٥ ـ واما ثبوت الخيار عند تخلف الشرط ، فقد قيل فى وجهه :

أ ـ إنّ مرجع الاشتراط عرفا الى تعليق الالتزام بالعقد على تحقق الشرط خارجا ، فعند عدم تحققه لا التزام بالعقد الذى هو عبارة اُخرى عن جعل الشارط الخيار لنفسه عند تخلف الشرط.

ب ـ التمسك بالبناء العقلائى على ثبوت الخيار عند تخلف الشرط.

٥ ـ خيار الغبن

وهو ثابت من حين العقد للمغبون ـ بائعا كان أو مشتريا ـ مع جهله بالحال.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٢ / ٣٥٤ ، باب ٦ من ابواب الخيار ، حديث ٥.

٢ ـ اللمعة الدمشقية ، كتاب التجارة ، الفصل التاسع ، الخيار العاشر.

٣٣

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا ثبوت الخيار عند الغبن ، فلا إشكال فيه فى الجملة(١) وإنّما الإشكال فى تخريجه الفني.

وقد ذكرت عدة تقريبات ، لعلّ أوجهها التمسّك بفكرة الشرط الضمنى وأن كلّ عاقد عاقل يشترط ضمن العقد لنفسه الخيار ـ اشتراطا ضمنيا ـ على تقدير كونه مغبونا.

٢ ـ وأمّا أنّه من حين العقد ـ خلافا للقول بكونه من حين ظهور الغبن ـ فلأن المشترط ضمنا ثبوت الخيار عند ثبوت الغبن واقعا وإن لم يظهر. وعليه اذا فسخ المغبون قبل ظهور غبنه وقع فى محله.

٣ ـ وأمّا التعميم للبائع ، والمشترى فلاشتراك النكتة.

٤ ـ وأمّا اعتبار الجهل ، فلاختصاص نكتة الخيار المتقدمة بحالة الجهل.

٦ ـ خيار العيب

كلّ من انتقل إليه بالبيع أو الشراء ما فيه عيب كان له ردُّه. والمشهور التخيير بينه وبين المطالبة بالأرش إلاّ مع إحداث حدث فيه ، فيتعيّن الأرش.

ويسقطان مع العلم بالعيب أو التبرئ منه.

والخيار فى الرد يعمُّ جميع المعاملات ـ ماعدا النكاح ـ وإن كان الأرش خاصا بالبيع.

__________________

١ ـ كتاب المكاسب : ٢ / ٢٦٩.

٣٤

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما جواز ردِّ المعيب ، فقد دلّت عليه عدة روايات ، كصحيحة ميسر عن أبي عبداللّه عليه‌السلام : « رجل اشترى زق زيت فوجد فيه درديا ، فقال : إن كان يعلم أن ذلك يكون فى الزيت لم يردَّه ، وإن لم يكن يعلم أن ذلك يكون فى الزيت ردَّه على صاحبه ». (١)

وقد يفهم منها عدم الخصوصية للزيت فإن تَمَّ ذلك وإلاَّ أمكن تخريج الحكم على طبق القاعدة من خلال فكرة الشرط الضمني ، فإنّ كلّ من يُقدم على معاملة يشترط ضمنا السلامة والخيار لنفسه على تقدير عدمها.

٢ ـ وأمّا التعميم للبائع والمشترى ، فلعدم اختصاص فكرة الشرط الضمنى بالمشتري.

٣ ـ وأمّا التخيير بين الرد والأرش الذى صار اليه المشهور ، فلا رواية تدل عليه وإنّما الوارد ثبوت الأرش عند حصول بعض التصرفات المانعة من الرد. ويجوز أن يكون ذلك من باب تعيّن الرد حالة عدم التصرف والأرش حالة التصرف وليس من باب تعيّن احد طرفى التخيير بتعذر الآخر ، فلاحظ صحيحة زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام : « ايما رجل اشترى شيئاً وبه عيب وعوار لم يتبرء اليه ولم يبين ، فاحدث فيه بعد ما قبضه شيئاً ، ثم علم بذلك العوار وبذلك الداء انه يمضى عليه البيع ويرد عليه بقدر مانقص من ذلك الداء والعيب من ثمن ذلك لو لم يكن به » (٢).

أجل ، ورد فى الفقه الرضوي : « فإن خرج فى السلعة عيب وعلم المشتري ،

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٢ / ٤١٩ ، باب ٧ من ابواب احكام العيوب ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٢ / ٣٦٢ ، باب ١٦ من ابواب الخيار ، حديث ٢.

٣٥

فالخيار اليه إن شاء ردَّه وإن شاء أخذه أو ردَّ عليه بالقيمة أرش العيب ». (١)

بَيْدَ أن الكتاب المذكور ساقط عن الإعتبار لعدم ثبوت نسبته الى الإمام الرضا عليه‌السلام ـ وإن اَصَرَّ على ذلك بعض الأصحاب كصاحب الحدائق قدس‏سره (٢) ـ واحتمل كونه من فتاوى ابن بابويه.

نعم ، من يرى حجيّة الشهرة الفتوائية والإجماعات المنقولة يمكنه الاستناد إلي ذلك وإلاّ فالمناسب اختصاص الأرش بحالة عدم امكان الردِّ بسبب الحدث.

٤ ـ واما عدم جواز الرد عند احداث حدث ، فلصحيحة زرارة المتقدمة وغيرها ؛ على ان فكرة الشرط الضمنى قاصرة عن اثبات جواز الردِّ فى الحالة المذكورة.

٥ ـ وأمّا سقوط الرد والأرش حالة العلم أو التبرئ ، فلقصور فكرة الشرط الضمني والنصوص المتقدمة عن الشمول لمثل ذلك.

٦ ـ وأمّا ان الردَّ بالعيب يعم جميع المعاملات ، فلعدم اختصاص فكرة الشرط الضمنى بالبيع بل تعم غيره.

أجل يختص الأرش بالبيع لاختصاص صحيحة زرارة ـ التى هى المدرك له ـ به.

واما استثناء النكاح ، فلعدم جواز فسخه الا بعيوب معينة مذكورة فى محلها.

٧ ـ خيار التأخير

من باع من دون قبض العوضين ولا احدهما وترك المشترى عنده المبيع الى ان ياتيه بالثمن ، فالبيع عليه لازم ثلاثة ايام وله الفسخ بعدها ما دام لم يشترط تأخير قبضهما او أحدهما. ويصطلح عليه بخيار التأخير.

__________________

١ ـ مستدرك الوسائل ، باب ١٢ من ابواب الخيار ، حديث ٣ ، والظاهر زيادة الهمزة فى « أو ».

٢ ـ الحدائق الناضرة : ١ / ٢٥.

٣٦

ومتى ما تمّت المعاملة يلزم تسليم العوضين بعدها ، فاذا امتنع احدهما كان للآخر الفسخ. ولا يختص هذا بالبيع ، بخلاف ما سبق.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما ثبوت الخيار بالتأخير ، فلا إشكال فيه فى الجملة. وهو المشهور. وتدل عليه صحيحة زرارة عن أبى جعفر عليه‌السلام : « الرجل يشترى من الرجل المتاع ثم يدعه عنده فيقول حتى آتيك بثمنه. قال : إن جاء فيما بينه وبين ثلاثة أيام وإلاّ فلابيع له » (١) وغيرها.

ولايضرّ ضعفها بعلى بن حديد فى أحد طريقى الكلينى بعد سلامة الآخر ، بل بقية طرقها من ذلك.

وقد يقال : ان نفى الإمام عليه‌السلام البيع بقوله : « وإلاّ فلا بيع له » يدل على بطلان البيع اما من الأساس أو بعد الثلاثة دون ثبوت الخيار للبائع ، وبذلك لاتكون دالة على ما ذهب إليه المشهور.

ويمكن الجواب بأن المقصود تسهيل الأمر على البائع وهو يتحقق بنفى اللزوم من ناحيته ، كيف وهل يحتمل ان البائع لايحق له الانتظار أكثر من ثلاثة متبرعا؟

٢ ـ وأمّا اشتراط عدم قبض العوضين ولا أحدهما وترك المشترى المبيع لدي البائع الى ان يجيئه بالثمن ، فللتصريح بذلك فى الصحيحة المتقدّمة.

٣ ـ وأمّا اعتبار عدم اشتراط التأخير ، فلأن ذلك هو المنصرف من الصحيحة.

٤ ـ واما انه يلزم تسليم العوضين بعد تمامية المعاملة ، فلأن كلّ طرف يملك

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٢ / ٣٥٦ ، باب ٩ من ابواب الخيار ، حديث ١.

٣٧

بالمعاملة ما انتقل اليه فالتأخير من دون رضاه غير جائز إلاّ مع الانصراف إليه ، وهو غير ثابت ، بل الثابت عكسه.

٥ ـ وأما أنه يحق للآخر الفسخ على تقدير امتناع احدهما ، فذلك للاشتراط الضمنى على احتفاظ كلّ منهما الخيار لنفسه على تقدير امتناع الآخر من التسليم.

٦ ـ وأما اختصاص خيار التأخير بالبيع ، فلاختصاص صحيحة زرارة السابقة وغيرها به ، وهذا بخلاف جواز الفسخ على تقدير امتناع احدهما من التسليم ، فان نكتته عامة لغير البيع أيضا.

٨ ـ خيار الرؤية

من اشترى اعتمادا على رؤية سابقة أو على الوصف بدون رؤية ثم وجده على خلاف ذلك كان بالخيار بين الرد والإمساك.

ولايحق له المطالبة بالأرش ، كما لايسقط خياره ببذل البائع الأرش أو ابدال العين باُخري.

والخيار يثبت للبائع أيضا إذا كان قد رأى المبيع أو اعتمد على الوصف ثم انكشف الخلاف.

بل يثبت الخيار للبائع والمشترى ايضاً إذا اتّضح الخلاف فى الثمن.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما ثبوت الخيار عند تخلف الرؤية أو الوصف ، فهو المعروف بين الأصحاب. واستدلّ له بصحيح جميل بن دراج : « سألت أباعبداللّه عليه‌السلام رجل اشترى ضيعةً وقد كان يدخلها ويخرج منها ، فلما ان نقَّد المال صار الى الضيعة فقلّبها ثم رجع فاستقال

٣٨

صاحبه فلم يقله ، فقال أبوعبداللّه عليه‌السلام : انه لو قلب منها ونظر الى تسعة وتسعين قطعة ثم بقى منها قطعة ولم يرها لكان له فى ذلك خيار الرؤية ». (١)

وهو إن تمت دلالته على المطلوب فلا إشكال ، وإلاّ أمكن التمسّك بفكرة الاشتراط الضمني ، فإنَّ من يشترى اعتماداً على الرؤية أو الوصف يشترط لنفسه الخيار ضمناً وارتكازاً على تقدير التخلف. والسيرة العقلائية المنعقدة علي استحقاق المشترى للفسخ عند التخلف واضحة فى ذلك.

٢ ـ واما انه لاتجوز المطالبة بالأرش ولايسقط الخيار ببذله ولا بالإبدال بعين اُخرى ، فلأن ثبوت الأرش يحتاج الى دليل ، وهو خاص بالعيب. ومقتضي الاشتراط الضمنى ثبوت الحق فى الفسخ دون الأرش أو الإبدال.

٣ ـ وأما التعميم للبائع ولانكشاف ‏الخلاف‏ في الثمن ، فلعموم‏نكتة الاشتراط الضمني.

الربا

الربا حرام بالضرورة ، ويتحقق فى موردين :

أ ـ القرض ؛ ويأتى البحث عنه فى كتاب القرض إن شاء اللّه تعالي.

ب ـ البيع ؛ وذلك فيما إذا بيع أحد المتحدين جنساً بالآخر مع زيادة أحدهما زيادة عينية أو حكميّةً وافتراض كونهما من المكيل أو الموزون ، فشروط تحقّقه فى البيع ـ على هذا ـ ثلاثة.

وفى عموم التحريم لغير البيع ـ كالصلح ـ خلاف.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٢ / ٣٦١ ، باب ١٥ من ابواب الخيار ، حديث ١.

٣٩

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما أن حرمة الربا من الضروريات ، فلدلالة صريح القرآن عليها فى أكثر من موضع. قال تعالي : ( وأحَلَّ اللّه البيع وحَرَّمَ الربا ) (١) ، ( الّذين يأكلون الربا لايقومون إلاّ كما يقوم الذى يتخبّطه الشيطان من المس ) (٢) ، ( يا أيّها الذين آمنوا اتقوا اللّه وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين * فان لم تفعلوا فاذنوا بحرب من اللّه ورسوله ). (٣)

وما ورد فى السنة الشريفة كثير ، ففى موثق عبداللّه بن بكير : « بلغ أبا عبداللّه عليه‌السلام عن رجل أنه كان يأكل الربا ويسميه اللبأ (٤) فقال : لئن أمكننى اللّه منه لأضربن عنقه » (٥).

وفى صحيحة هشام بن سالم عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « درهم ربا أشد من سبعين زنية كلّها بذات محرم ». (٦)

٢ ـ وأما شموله لكلا الموردين المذكورين دون أحدهما ودون ما زاد عليهما ، فلدلالة الدليل على ثبوته فيهما دون ما زاد ، فتجرى البراءة عنه بلحاظ ما زاد.

٣ ـ وأما اعتبار الشروط الثلاثة فى تحقق الربا ، فذلك واضح بالنسبة الى اشتراط الزيادة فى أحد الطرفين لتقوِّم مفهوم الربا بذلك لغة ، اذ هو عبارة عن الزيادة.

__________________

١ ـ البقرة : ٢٧٥.

٢ ـ البقرة : ٢٧٥.

٣ ـ البقرة : ٢٧٨ ، ٢٧٩.

٤ ـ اللبأ بكسر اللام وفتح الباء والهمزة بعدها : اول لبن الاُم. والمقصود المبالغة فى حليته بالتشبيه باول لبن الام.

٥ ـ وسائل الشيعة : ١٢ / ٤٢٩ ، باب ٢ من ابواب الربا ، حديث ١.

٦ ـ وسائل الشيعة : ١٢ / ٤٢٣ ، باب ١ من ابواب الربا ، حديث ١.

٤٠