دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ٢

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: المركز العالمي للدّراسات الإسلامية
المطبعة: توحيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ١٩٤

وأما الشرطان الآخران فقد دلت عليهما روايات كثيرة. وقد جمعت الشروط الثلاثة موثقة منصور بن حازم عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « سألته عن البيضة بالبيضتين ، قال : لا بأس به ، والثوب بالثوبين ، قال : لا بأس به ، والفرس بالفرسين ، فقال : لا بأس به. ثم قال : كلّ شيء يكال أو يوزن فلايصلح مثلين بمثل إذا كان من جنس واحد ، فاذا كان لايكال ولايوزن فلا بأس به اثنين بواحد ». (١)

٤ ـ وأما ان الزيادة تعم الحكمية ـ كبيع أحد المتماثلين مع اشتراط كنس المسجد أو أداء صلاة الليل فى جانب أحدهما أو كون أحدهما نقداً والآخر نسيئة ـ وعدم اختصاصها بالعينية ، فقد استدلّ له بمادلّ على اعتبار المماثلة وعدم جواز الزيادة ، كما فى صحيحة محمد بن مسلم وزرارة عن أبى جعفر عليه‌السلام : « الحنطة بالدقيق مثلاً بمثل ، والسويق بالسويق مثلاً بمثل ، والشعير بالحنطة مثلاًبمثل ، لابأس به ». (٢)

وصحيحة الحلبى عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « الفضة بالفضة مثلاً بمثل ، والذهب بالذهب مثلاً بمثل ، ليس فيه زيادة ولا نقصان ، الزائد والمستزيد فى النار ». (٣)

وصحيحة الوليد بن صبيح : « سمعت أبا عبداللّه عليه‌السلام يقول : الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، الفضل بينهما هو الربا المنكر ، هو الربا المنكر ». (٤)

وتقريب الدلالة : انه مع الزيادة ولو حكمية يصدق الفضل بينهما ولايصدق البيع مثلاً بمثل.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٢ / ٤٤٨ ، باب ١٦ من ابواب الربا ، حديث ٣.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٢ / ٤٤٠ ، باب ٩ من ابواب الربا ، حديث ٢.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٢ / ٤٥٦ ، باب ١ من ابواب الصرف ، حديث ١.

٤ ـ وسائل الشيعة : ١٢ / ٤٥٧ ، باب ١ من ابواب الصرف ، حديث ٢.

٤١

وليس من الزيادة جودة احد العوضين ، باعتبار انها وصف قائم بالعين وليس خارجاً عنها لينتزع عنوان الزيادة ، فمن باع الحنطة الجيدة بالرديئة مع التساوى فى المقدار صدق عرفاً انه باع مثلاً بمثل بخلاف ما اذا اختلفا فيه ، فانه لايصدق ذلك حتى مع التساوى فى المالية.

٥ ـ وأما الخلاف فى التعميم لغير البيع بالرغم من إطلاق الأخبار المتقدمة الدالّة على اعتبار المماثلة ، فلاحتمال انصرافها الى خصوص البيع ، فيتمسّك بالبراءة عن التحريم فى غيره.

إلاّ أن المناسب التعميم لوهن دعوى الانصراف.

أحكام خاصة بالربا

يجوز بيع الأوراق النقدية بعضها بالآخر مع اختلاف العملة ـ نقداً ونسيئة ـ حتى مع فرض التفاضل فى المالية. بل يجوز مع اتحادها أيضاً اذا افترض كون العوضين شخصيين. والمسألة محل كلام وخلاف بين المتأخرين.

ويلزم عند بيع الذهب المصوغ بغيره والفضة المصوغة بغيرها تساويهما ، ومعه لايجوز بيع مثقال من الذهب المصوغ بمثقال من الذهب غير المصوغ منضماً الى اُجرة الصياغة.

ولايجوز أن يقول شخص لآخر : أبيعك هذا المثقال من الفضة الجيدة بمثقال من الفضة الرديئة بشرط أن تخيط لى ثوباً مثلاً ، ويجوز العكس بأن يقول : خط لى ثوباً على أن أبيعك المثقال الجيد بالمثقال الرديء.

والمشهور عدم تحقق الربا بين الوالد وولده ، والمولى ومملوكه ، والزوج وزوجته ، والمسلم والحربى اذا أخذ المسلم الفضل.

والربا كما يحرم أخذه يحرم دفعه وكتابته والشهادة عليه.

٤٢

والحنطة والشعير فى باب الربا جنس واحد وإن كانا فى باب الزكاة جنسين.

ومن تعامل بالربا وهو جاهل بالحكم أوبالموضوع ثم التفت وتاب فلايلزمه ارجاعه.

ومن ورث مالاً حصل بعضه من الربا فمع عدم تميزه فلاشيء عليه وإلاّ يلزمه ردّه على مالكه مع معرفته ، ومع عدمها يتعامل معه معاملة مجهول المالك.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما جواز بيع الأوراق النقدية مع اختلافها ، فلعدم تحقق محذور الربا بعد اختلاف جنس العوضين وعدم كونهما من المكيل والموزون.

واذا قيل : إن الرصيد الذى تعبر عنه الأوراق النقدية قد يكون واحداً ، كالذهب الذى هو من الموزون.

قلنا : إنّ المعاوضة لم تجرِ على الرصيد ، بل على الأوراق ذات الاعتبار بسبب الرصيد ، كيف وقد يكون الرصيد هو الاعتبار لا أكثر؟!

٢ ـ وأمّا أنه مع اتحاد العُملة تجوز المعاملة حتى مع التفاضل فى فرض كون العوضين شخصيين ، فلما تقدم من ان الأوراق النقدية ليست من قبيل المكيل والموزون.

وأما عدم جوازها مع التفاضل فى فرض كون العوض نسيئة فى الذمة ، فلأن المعاملة المذكورة ترجع فى روحها الى القرض وإن أبرزت مبرز البيع ، لأن شرط البيع تحقق المغايرة بين الثمن والمثمن ، وفى المورد لا مغايرة ، فإنّ الثمن ينطبق على المثمن مع زيادة.

واذا نوقش ما ذكر بان المغايرة المعتبرة فى البيع يكفى فى تحققها كون المثمن عيناً خارجية والثمن أمراً كلياً فى الذمة أمكن ذكر تقريب آخر ، وهو أن المعاملة

٤٣

المذكورة بحسب الارتكاز العرفى قرض ، لأنه عبارة عن تبديل المال المثلى الخارجى بمثله فى الذمة ، وهو صادق فى المقام.

٣ ـ وأما لزوم التساوى بين المصوغ وغيره ، وبالتالى عدم جواز اشتراط اُجرة الصياغة فلأن المصوغ وغيره جنس واحد ويشملهما النص المتقدم : « الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، الفضل بينهما هو الربا المنكر » ، ومعه يكون اشتراط الاُجرة فضلاً موجباً للربا.

وإن شئت قلت : المصوغ وغيره هما كالجيد والرديء ، والوسخ والنظيف ، والمكسور وغيره ، فكما أن كلّ واحد من هذه يعدُّ مع مقابله واحداً ويلزم تساويهما فكذلك المصوغ وغيره.

وقد ادّعى صاحب الجواهر عدم الخلاف والإشكال فى المسألة(١).

٤ ـ وأمّا عدم جواز بيع أحد المثقالين بالآخر بشرط خياطة ثوب مثلاً ، فواضح ، للزوم محذور الربا ـ بناء على تعميم الزيادة اللازم منها الربا للزيادة الحكمية ـ فإنّ الجيد والرديء جنس واحد لايجوز التفاضل فيه.

واما جواز العكس ـ الذى هو من الوسائل التى يتخلّص بها من الربا ـ فلصحيح أبى الصباح الكناني : « سألت أبا عبداللّه عليه‌السلام عن الرجل يقول للصائغ : صغ لى هذا الخاتم وابدل لك درهماً طازجاً بدرهم غلة(٢) ، قال : لا بأس ». (٣)

بل قد يقال باقتضاء القاعدة لذلك ، لأن إبدال الجيد بالرديء وقع أجراً للخياطة من دون وقوع الخياطة شرطاً فى البيع لتلزم الزيادة فيه.

__________________

١ ـ جواهر الكلام : ٢٤ / ١٣.

٢ ـ الطازج هو الخالص ؛ والغلة ـ بكسرالغين ـ المغشوش.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٢ / ٤٨٠ ، باب ١٣ من ابواب الصرف ، حديث ١.

٤٤

٥ ـ وأما عدم تحقق الربا بين من ذُكر ، فقد دلّت عليه بعض الروايات ، كرواية زرارة عن أبى جعفر عليه‌السلام : « ليس بين الرجل وولده وبينه وبين عبده ولا بين أهله ربا ... » (١) ، لكنها ضعيفة بـ « ياسين الضرير ».

ورواية عمرو بن جميع عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ليس بيننا وبين أهل حربنا ربا ، نأخذ منهم الف الف درهم بدرهم ونأخذ منهم ولانعطيهم » (٢) ، لكنها ضعيفة بـ « معاذبن ثابت » وغيره.

ولايمكن الركون الى الروايتين المذكورتين بعد ضعفهما السندى إلاّ بناءً على كبرى الانجبار بعمل المشهور(٣) وإلاّ يتنزل الى الاحتياط بالحرمة دون الفتوى بالحلية تحفظاً من مخالفة المشهور.

اجل ، فى خصوص الحربى حيث لا حرمة لماله ، فيمكن ان يكون الحكم بالحلية مع اخذ المسلم للفضل حكماً على طبق القاعدة.

٦ ـ وأما تعميم حرمة الربا لدفعه والشهادة عليه وكتابته ، فلصحيحة محمد بن قيس عن أبى جعفر عليه‌السلام : « قال أميرالمؤمنين عليه‌السلام : آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهداه فيه سواء » (٤) وغيرها.

٧ ـ وأما أن الحنطة والشعير فى باب الربا واحد ، فلصحيح الحلبى عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « لايصلح الشعير بالحنطة إلاّ واحد بواحد » وغيره.

وأما قصر الحكم بالوحدة على باب الربا ، فلأنه مخالف للقاعدة المقتضية لدوران

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٢ / ٤٣٦ ، باب ٧ من ابواب الربا ، حديث ٣.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٢ / ٤٣٦ ، باب ٧ من ابواب الربا ، حديث ٢.

٣ ـ لاحظ : ص ١٠٣.

٤ ـ وسائل الشيعة : ١٢ / ٤٣٠ ، باب ٤ من ابواب الربا ، حديث ١.

٤٥

الأحكام مدار الأسماء ، فيقتصر فى المخالفة على مورد النص.

٨ ـ وأما عدم لزوم ردِّ الربا على الآخذ مع الجهل والتوبة بعد الالتفات ، فهو ما عليه جماعة من الفقهاء.(١) ويدل عليه قوله تعالي : ( ذلك بأنّهم قالوا إنّما البيع مثل الربا وأحَلَّ اللّه البيع وحرَّمَ الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ماسلف ) (٢) ، فإنّ تخصيصه بنفى العقوبة أو بما وقع من ربا زمن الجاهلية ، لا وجه له.

ومع التنزل تكفينا الروايات الكثيرة ، كصحيحة هشام بن سالم عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « سألته عن الرجل يأكل الربا وهو يرى انه له حلال ، قال : لايضرّه حتى يصيبه متعمداً ، فاذا اصابه فهو بالمنزل الذى قال اللّه عزوجل ». (٣)

وصحيحة أبى المغرا : « قال أبوعبداللّه عليه‌السلام : كلّ ربا أكله الناس بجهالة ثم تابوا فإنّه يقبل منهم إذا عرف منهم التوبة ... » (٤) وغيرهما.

٩ ـ وأما التعميم للجاهل بالحكم والموضوع فلإطلاق ماتقدم.

١٠ ـ وأمّا ارث مافيه الربا ، فيدلّ على حكمه صحيحة أبى المغرا المتقدمة ، حيث ورد فيها : « ... لو أن رجلاً ورث من أبيه مالاً وقد عرف أن فى ذلك المال ربا ولكن قد اختلط فى التجارة بغير حلال كان حلالاً طيباً فليأكله. وإن عرف منه شيئاً انه ربا فليأخذ رأس ماله وليردّ الربا ... » (٥) وغيرها.

__________________

١ ـ جواهر الكلام : ٢٣ / ٣٩٨ ؛ الحدائق الناضرة : ١٩ / ٢١٦.

٢ ـ البقرة : ٢٧٥.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٢ / ٤٣٠ ، باب ٥ من ابواب الربا ، حديث ١.

٤ ـ وسائل الشيعة : ١٢ / ٤٣١ ، باب ٥ من ابواب الربا ، حديث ٢.

٥ ـ وسائل الشيعة : ١٢ / ٤٣١ ، باب ٥ من ابواب الربا ، حديث ٢.

٤٦

بيع الصرف

وهو بيع الذهب أو الفضة بأحدهما مسكوكين كانا أو لا.

ويشترط ـ لدى المشهور ـ فى صحة البيع المذكور التقابض قبل تحقق الافتراق بينهما حتى مع وحدة الجنس.

واذا كان العوضان متحدى الجنس يلزم تساويهما ايضاً ، بخلاف ما اذا كانا مختلفى الجنس فإنه لايلزم تساويهما وإن لزم التقابض.

ويختص لزوم التقابض بالبيع دون الصلح.

ولايجرى حكم الصرف على الأوراق النقدية لوبيع بعضها ببعض.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما ان بيع الصرف ما ذكر ، فهو من واضحات الفقه ولم ينقل فيه خلاف.(١) بَيْدَ أن تحديد المقصود منه غير مهم ، لعدم ترتب حكم على العنوان المذكور شرعاً ، وإنّما المهم ملاحظة الحكم ـ وهو لزوم التقابض قبل الافتراق ـ وانه لأى بيع ثبت.

والحكم المذكور لم يثبت فى الروايات إلاّ لبيع الذهب بالفضة أوبالعكس ولم يثبت لبيع الذهب بالذهب أوالفضة بالفضة ، فلاحظ صحيحة محمد بن قيس عن أبى جعفر عليه‌السلام : « قال أميرالمؤمنين عليه‌السلام : لايبتاع رجل فضة بذهب إلاّ يداً بيد ، ولايبتاع ذهباً بفضة إلاّ يداً بيد » (٢) ، وصحيحة منصور بن حازم عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « اذا اشتريت ذهباً بفضة أو فضة بذهب فلا تفارقه حتى تأخذ منه. وان نزا(٣) حائطاً فانز

__________________

١ ـ جواهر الكلام : ٢٤ / ٣.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٢ / ٤٥٨ ، باب ٢ من ابواب الصرف ، حديث ٣.

٣ ـ نزا : علا.

٤٧

معه » (١) وغيرهما تجد ذلك واضحاً فيها.

وعليه لابدَّ فى تعميم الحكم بلزوم التقابض فى حالة وحدة الجنس من التمسك بالتسالم وعدم القول بالفصل. فان تَمَّ وإلاّ فالمناسب عدم لزوم ذلك فيها.

أجل ، يلزم عدم كون أحدهما مؤجّلاً وإلاّ لزمت الزيادة الحكمية التى تقدم فى البحث عن الربا المنع من جوازها.

٢ ـ وأما التعميم لغير المسكوك ، فلإطلاق النصوص.

٣ ـ وأمّا ان التقابض شرط فى الصحة ، فلما تقدم من النصوص ، فإن الأمر فى باب المعاملات ظاهر فى الإرشاد الى الشرطية دون الحكم التكليفي.

وعليه فاحتمال وجوب التقابض فى باب الصرف وجوباً تكليفياً بحيث يؤثم على عدمه ضعيف.

ثم إنّ المنسوب الى المحقق الأردبيلى ، عدم لزوم التقابض وضعاً ، بدعوى عدم صراحة الأخبار فى ذلك ، فإنّ تعبير « يداً بيد » كناية عن كون العوضين نقداً لا مؤجلين وليس كناية عن التقابض.(٢)

وفيه : ان التعبير المذكور إن لم يكن ظاهراً فى اعتبار التقابض فلا أقلّ من اجماله ، ويكفينا آنذاك دليلاً على لزوم التقابض صحيحة منصور لصراحتها فى ذلك.

٤ ـ وأما أن المدار ليس على الافتراق عن المجلس ، بل على افتراقهما ، فذلك واضح من خلال صحيحة منصور المتقدمة.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٢ / ٤٥٩ ، باب ٢ من ابواب الصرف ، حديث ٨.

٢ ـ الحدائق الناضرة : ١٩ / ٢٧٩.

٤٨

٥ ـ وأما انه مع الاتّحاد يلزم التساوى فى الكم ، فللتحفظ من محذور الربا.

٦ ـ وأما اختصاص اعتبار التقابض بالبيع ، فلاختصاص الروايات بذلك.

هذا وبالإمكان أن يقال بالتعميم للصلح بناء على انه ليس معاملة مستقلة فى مورد إفادته فائدة البيع ، بل هو هو مع اختلاف الألفاظ.

٧ ـ وأما عدم جريان حكم الصرف على الأوراق النقدية ، فلانها ليست ذهباً ولا فضة ، والتعامل ليس عليهما ، بل عليها وإنّما هما سبب لاعتبارها فيما اذا كانا هما الرصيد.

بيع السلف

لايجوز السلف ـ أو السلم وهو شراء كلى الى أجل بثمن حال عكس النسيئة ـ اذا كان كلا العوضين من الذهب أو الفضة سواء اختلفا فى الجنس أم اتحدا ؛ ويجوز فى غير ذلك ـ بشرط عدم اتحاد جنسهما فيما اذا كانا من المكيل أو الموزون ـ سواء كانا معاً من العروض أم كان أحدهما من ذلك والآخر ذهباً أو فضة.

ويلزم فيه ـ مضافاً الى الشرط المتقدم ـ مايلي :

أ ـ ذكر الأوصاف الرافعة للجهالة ، فما لايمكن ضبطه بها لايصح السلف فيه.

ب ـ قبض الثمن قبل التفرق على المشهور.

ج ـ تقدير المبيع بالكيل أو الوزن أو العدد اذا كان المبيع من المكيل ونحوه.

د ـ ضبط أجل المبيع.

ه ـ تمكن البائع من دفع المبيع فى الوقت الذى تعهَّد بالدفع فيه أو فى المكان الخاص لوشرط.

٤٩

ولو طرأ العجز بعد ذلك او اتضح تخيّر المشترى بين الصبر واخذ الثمن بلا زيادة أو الاتفاق على دفع شي‏ء آخر بدله.

والمستند فى ذلك :

١ ـ اما صحة بيع السلم فى الجملة ، فمما لا خلاف فيها.(١) وتدلّ على ذلك الروايات الخاصة الدالّة على شرطيّة بعض الشروط فيه ، كصحيحة زرارة عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « لا بأس بالسلم فى الحيوان والمتاع اذا وصفت الطول والعرض. وفى الحيوان اذا وصفت أسنانها » (٢) ؛ وموثقة غياث بن ابراهيم عن أبى عبداللّه عليه‌السلام : « قال أميرالمؤمنين عليه‌السلام : لا بأس بالسلم كيلاً معلوما الى أجل معلوم. ولاتسلمْهُ الى ديّاس ولا الى حصّاد » (٣) وغيرهما.

بل يمكن اثبات ذلك بالأدلّة العامة من قبيل قوله تعالي : ( احلَّ اللّه البيع ) (٤) ونحوه.

٢ ـ وأما عدم الصحة اذا كان العوضان من الذهب والفضة مع اتحاد الجنس ، فلمحذور الربا ؛ مضافا الى كون ذلك من الصرف الذى يلزم فيه التقابض.

وأما عدم الصحة اذا كانا من الذهب والفضة مع اختلاف الجنس ، فلكون ذلك من الصرف المعتبر فيه التقابض.

وأما اعتبار أن لايكونا من المكيل أو الموزون عند اتحاد الجنس ، فلكى لايلزم

__________________

١ ـ جواهر الكلام : ٢٤ / ٢٦٨.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ٥٦ ، باب ١ من ابواب السلف ، حديث ١٠.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ٥٨ ، باب ٣ من ابواب السلف ، حديث ٥.

٤ ـ البقرة : ٢٧٤.

٥٠

محذور الربا.

وأمّا الصحة سواء كانا معا من العروض ام كان أحدهما كذلك ، فللتمّسك بالمطلقات الخاصة والعامة المتقدمة بعد فقدان المانع.

وبذلك يتضح التأمل فيما ينسب الى ابن الجنيد من « منع اسلاف عرض فى عرض اذا كانا مكيلين أو موزونين أو معدودين كالسمن والزيت ». (١)

٣ ـ وأمّا اعتبار ضبط الأوصاف الرافعة للجهالة ، فلصحيحة زرارة السابقة وغيرها. فإنّ اعتبار ذكر الطول والعرض والأسنان يدلّ عرفا على ذلك ، وإلاّ فلا خصوصية للأوصاف المذكورة.

هذا مضافا إلى اعتبار معلومية العوضين فى مطلق البيع كما تقدم.

٤ ـ وأمّا اعتبار قبض الثمن قبل التفرق ، فهو مشهور بين الأصحاب ، بل ادّعى عليه الإجماع.

وقد اعترف فى الجواهر والحدائق بعدم وجود مستند لذلك سوى الإجماع المدّعي(٢). فان تَمَّ الإجماع وثبتت كاشفيته عن رأى المعصوم عليه‌السلام بنحو الجزم كان هو الحجة ، وإلاّ فالمناسب التنزل من الفتوى الى الاحتياط ، تحفظا من مخالفة المشهور.

٥ ـ وأما اعتبار الضبط بالكيل ونحوه ، فلاعتبار ذلك فى مطلق البيع لدى الأصحاب.

٦ ـ وأما اعتبار ضبط الأجل ، فلموثقة غياث السابقة وغيرها ؛ مضافا الى انه لولا

__________________

١ ـ الحدائق الناضرة : ٢٠ / ١٠.

٢ ـ جواهرالكلام : ٢٤ / ٢٨٩ ؛ الحدائق الناضرة : ٢٠ / ١٥.

٥١

ذلك يلزم الغرر المنهى عنه فى مطلق البيع لدى المشهور.

٧ ـ وأما اعتبار امكان الدفع فى الوقت والمكان المقررين ، فلانه بدون ذلك لايتحقق القصد الى العقد.

٨ ـ وأما تخير المشترى بين الصبر وأخذ رأس ماله ، فيمكن اثباته من خلال الاشتراط الضمني ، فان للمتعاقدين فى باب السلم اشتراطا ضمنيا عادة على ثبوت حق الفسخ للمشترى إن تعذر على البائع تسليم المبيع.

ومع التنزل تكفينا موثقة عبداللّه بن بكير : « سألت أبا عبداللّه عليه‌السلام عن رجل أسلف فى شي‏ء يسلف الناس فيه من الثمار فذهب زمانها ولم يستوف سلفه ، قال : فليأخذ رأس ماله أو لينظره » (١) وغيرها.

٩ ـ وأما عدم جواز الفسخ بزيادة على الثمن او نقصان ، فلأن ذلك مقتضى الفسخ الموجب لرجوع العوضين الى حالتهما الاُولي.

على أن موثقة ابن بكير السابقه دالّة على ذلك أيضا.

ومع التنزل وتسليم عدم ظهورها فى ذلك يمكن التمسّك بصحيحة محمد بن قيس عن أبى جعفر عليه‌السلام : « قال أميرالمؤمنين عليه‌السلام فى رجل أعطى رجلاً ورقا فى وصيف الى أجل مسمّي ، فقال له صاحبه : لانجد لك وصيفا ، خذ منى قيمة وصيفك اليوم ورقا ، قال : فقال : لايأخذ إلاّ وصيفه أو ورقه الذى أعطاه أول مرة لايزداد عليه شيئا ».(٢)

١٠ ـ وأمّا جواز التراضى على شيء آخر ، فهو مقتضى القاعدة لرجوع ذلك الى معاملة جديدة اتفقا عليها.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ٧٠ ، باب ١١ من ابواب السلف ، حديث ١٤.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ٧٠ ، باب ١١ من ابواب السلف ، حديث ٩.

٥٢

على أن موثقة يعقوب بن شعيب : « سالت اباعبداللّه عليه‌السلام عن رجل باع طعاما بدراهم فلما بلغ ذلك الأجل تقاضاه ، فقال : ليس عندى دراهم خذ منى طعاما ، قال : لا بأس إنّما له دراهمه يأخذ بها ماشاء » (١) وغيرها ، قد دلت على ذلك ايضا ، فان موردها وان كان هو النسيئة الا انه بتنقيح المناط يتعدى الى السلف.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ٧١ ، باب ١١ من ابواب السلف ، حديث ١٠.

٥٣
٥٤

كتاب الإجارة

حقيقة الإجارة

شرائط العوضين

الضمان فى باب الإجارة

من أحكام عقد الإجارة

٥٥
٥٦

حقيقة الإجارة

الإجارة عقد على تمليك المنفعة ـ التى هى عمل أو غيره ـ بعوض. وهى مشروعة بالضرورة.

ولها شرائط يرتبط بعضها بالمتعاقدين ـ هى نفس شرائط المتعاقدين فى باب البيع ـ وبعضها بالعوضين.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا أن حقيقة الإجارة ما ذكر ، فهو ما جاء فى كلمات غير واحد من الاصحاب.(١) وهو مبنى على كون الإجارة فعل المؤجر ، كتعريف البيع بأنه تمليك عين بعوض ، وأمّا بناء على كونها فعل الطرفين ـ كما فى النكاح ـ فالمناسب تعريفها بأنها عقد على المعاوضة على المنفعة.

٢ ـ وأمّا أن المنفعة قد تكون عملا أو غيره ، فواضح ؛ اذ قد تكون الإجارة على العمل ـ كايجار الشخص للبناء أو الخياطة ونحوهما ـ وقد تكون على العين ، كايجار الدار للسكن.

ويطلق على مستحق المنفعة بالإجارة عنوان المستأجر ، وعلى مستحق الأجرة

__________________

١ ـ رياض المسائل : ١٠ / ٧ ؛ الحدائق الناظرة : ٢١ / ٥٣٢ ؛ جواهرالكلام : ٢٧ / ٢٠٤.

٥٧

فى إجارة الأعيان عنوان المؤجر ، وفى الإجارة على العمل عنوان الاجير.

٣ ـ وأمّا شرعيتها ، فثابتة بقوله تعالي : ( اوفوا بالعقود ) (١) ، ( إلاّ أن تكون تجارة عن تراضٍ ) (٢) ، وبالروايات الواردة لبيان احكام الإجارة التى تأتى الإشارة الى بعضها إن شاء الله تعالي ، بل بالضرورة التى لايحتاج معها الى دليل.

٤ ـ وأمّا شروط المتعاقدين ، فبما انّها لاتختلف عن شرائط المتعاقدين فى باب البيع عدداً ومدركاً فلا حاجة الى التكرار.

شرائط العوضين

يلزم فى عوضى الإجارة : المعلومية ، والقدرة على التسليم ، والملكية ، وإمكان بقاء العين لدى الانتفاع بها ، فلا تصح إجارة الخبز للأكل مثلاً ، وأن تكون المنفعة مباحة ، فلا تصح الإجارة لفعل المحرّم ، وان تكون العين صالحة لاستيفاء المنفعة منها فلا تصح إجارة الأرض للزراعة اذا لم تمكن زراعتها ، وتمكّن المستأجر شرعاً من الانتفاع بالعين المستأجرة ، فلا تصح إجارة الحائض لكنس المسجد.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا اعتبار معلومية العوضين ، فقد يستدلّ له :

تارة : بلزوم الغرر على تقدير عدم المعلومية ، وقد نهى النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الغرر.(٣)

واُخري : بالنبوي : « من استأجر أجيراً فليعلمه أجره ». (٤)

__________________

١ ـ المائدة : ١.

٢ ـ النساء : ٢٩.

٣ ـ تذكرة الفقهاء ، كتاب الإجارة ، مسأله ٢ من الركن الثالث فى الفصل الثاني.

٤ ـ مستدرك الوسائل ، باب ٣ من ابواب الإجارة ، حديث ١.

٥٨

وثالثة : بما دلّ على لزوم اعتبار ضبط الكيل والوزن والعدد فى باب البيع بعد وضوح عدم الخصوصية له.

ورابعة : بتسالم الأصحاب على ذلك.

والكلّ كما تري.

اما الاول : فلأن الثابت فى كتب الحديث نهى النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله عن بيع الغرر(١) ، وليس نهى النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الغرر.

هذا بقطع النظر عن السند وإلاّ فالإشكال اوضح.

وأمّا الثانى : فلضعف الحديث سنداً.

وأمّا الثالث : فباعتبار أن الغاء الخصوصية للبيع لايمكن الجزم به ، ولذا قيل فى ردّ الاستدلال بحديث النهى عن الغرر بان الثابت هو النهى عن بيع الغرر ، فلو فرض عدم الخصوصية للبيع كفى ورود النهى عن بيع الغرر.

وأمّا الرابع : فالتسالم مع احتمال المدرك لاحجية له كما هو واضح ؛ اذ القيمة تعود للمدرك ، وقد عرفنا ضعف المدارك الثلاثة المتقدمة.

وعليه فالحكم باعتبار معلومية العوضين ينبغى ابتناؤه على الاحتياط ، تحفظاً من مخالفة التسالم المدّعى فى المسألة.

٢ ـ وأمّا اعتبار القدرة على التسليم ، فلأن مثل منفعة الدار مع عدم القدرة على التسليم تتصرم شيئاً فشيئاً ، وبالتالى لاتكون مملوكة فى اعتبار العقلاء لصاحب الدار ليمكنه نقلها.

٣ ـ وأمّا اعتبار الملكية ، فواضح ؛ اذ غير المالك لايمكنه تمليك الغير ، فان فاقد

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٢ / ٣٣٠ ، باب ٤٠ من أبواب آداب التجارة ، حديث ٣.

٥٩

الشيء لايعطيه. بل تحقق النقل من دون رضا المالك خلاف قاعدة « السلطنة » الثابتة له وقاعدة « لايحل مال امري‏ءٍ مسلم إلاّ بطيبة نفس منه ».

ومن خلال الوجه الاول تتضح النكتة فى عدم صحة اجارة المباحات العامة قبل حيازتها.

٤ ـ وأمّا اعتبار بقاء العين لدى الإنتفاع بها ، فلتقوِّم حقيقة الإجارة بذلك ، فان تمليك منفعة العين دونها يستبطن ذلك.

٥ ـ وأمّا اعتبار إباحة المنفعة ، فاستدلّ له الشيخ النائينى قدس‏سره بأن المنفعة اذا كانت محرمة فهى ليست مملوكة ليمكن تمليكها.

قال قدس‏سره : « إن اشتراط مملوكية المنفعة يغنى عن هذا الشرط ، فان المنفعة المحرمة غير مملوكة ». (١)

٦ ـ وأمّا اعتبار قابلية العين لاستيفاء المنفعة منها ، فباعتبار أن المنفعة اذا لم تكن قابلة للاستيفاء فهى ليست‏ملكاً لصاحب العين بل لاتعدُّ منفعة‏للعين ليمكنه تمليكها.

٧ ـ وأمّا اعتبار تمكن المستأجر شرعاً من الانتفاع بالعين ، فقد يوجّه بما ذكره الشيخ النائينى من « أن هذا المثال(٢) قد خرج باشتراط مملوكية المنفعة وإباحتها » (٣).

وفيه : أن كنس الحائض للمسجد ليس محرّما وإنّما المحرّم مقدمته وهو المكث فى المسجد ـ ولذا لو لم يحرم المكث لإكراه أو اضطرار لم يحرم الكنس ـ وحرمة المقدمة لاتستلزم حرمة ذيها بلا كلام وإنّما الكلام فى استلزام حرمة ذي

__________________

١ ـ التعليقة الشريفة للشيخ النائينى على العروة الوثقي ، كتاب الإجارة ، الشرط الخامس من شرائط العوضين.

٢ ـ أى مثال اجارة الحائض لكنس المسجد الذى ذكره السيد الطباطبائي.

٣ ـ التعليقة الشريفة للشيخ النائينى على العروة الوثقي ، كتاب الإجارة ، الشرط السابع من شرائط العوضين.

٦٠