الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢١
دون من هو في طبقته من اخوته وأخواته ، أو أعلى منه كآبائه وأمهاته ، فللفحل نكاح أم المرتضع وأخته وجدته.
______________________________________________________
من اخوته وأخواته ، أو أعلى منه كآبائه وأمهاته ، فللفحل نكاح أم المرتضع وأخته وجدته ).
لا خلاف بين أهل الإسلام في أنّ الرضاع يقتضي تحريم النكاح إذا حدث به علاقة مثلها تقتضي التحريم في النسب ، كالأبوة والأمومة والاخوة والعمومة والخؤولة ، فمتى صار رجل أبا لامرأة بالرضاع حرمت عليه كما يحرم عليها كبنت النسب ، ثم يتعدّى التحريم إلى نسلها وأصول صاحب اللبن واخوته وأعمامه وأخواله. لأن ثبوت البنتية (١) شرعا يقتضي كونهم أعماما وأخوالا لها ، فيحرمون عليهما بالدلائل الدالة على تحريم الأعمام والأخوال ، ولظاهر قوله عليهالسلام : « الرضاع لحمة كلحمة النسب » على ما سبق ذكره.
ولو كان المرتضع ذكرا حرم على المرضعة وحرمت عليه كما في الأنثى بالنسبة إلى الفحل ، وكما يتعدّى التحريم إلى أقرباء المرضعة والفحل والمرتضع الذي يحرم مثلهم في النسب ، كذا يتعدّى إلى تحريم المصاهرة الدائرة مع تلك العلاقة ، فيحرم على كلّ من الفحل والمرتضع حليلة الآخر ، لأن حليلة المرتضع حليلة ابن وحليلة الفحل حليلة أب ، لأن الأبوة والبنوّة قد ثبت كلّ منهما ، وتحريم حليلة كلّ من الأب والابن على الآخر بالنص (٢) والإجماع.
وهذه المصاهرة ليست ناشئة عن الرضاع ، بل عن النكاح الصحيح ، وإنما الناشئ عن الرضاع هو البنوّة ، فلمّا تحققت لزم الحكم الناشئ عن النكاح ، وهو كون
__________________
(١) كذا في « ش » و « ض » وفي النسخة الحجرية : النسب.
(٢) النساء : ٢٢ و ٢٣.
______________________________________________________
منكوحته حليلة ابن.
ومثله الأمومة إذا ثبتت للبنت ، فإنه يحرم على من دخل بالمرضعة التزويج بالبنت ، كما يحرم على من عقد على البنت التزوج بالمرضعة.
وكذا الأجنبية ، فإذا ارتضعت بنتان من لبن فحل واحد حرم على من نكح إحديهما أن يجمع إليها الأخرى قطعا ، لأنهما اختان ، كما يحرم الجمع بين الأختين من النسب.
والحاصل أنه متى ثبت بالرضاع علاقة مثل علاقة النسب ـ ومثل تلك العلاقة في النسب يتعلق به التحريم ـ لحق بتلك العلاقة جميع الأحكام الجارية على نظائرها من النسب ، سواء تعلقت بنسب أو مصاهرة.
وهذه الأحكام لا خلاف فيها بين أهل الإسلام ، على ما يشهد به كلام القوم من الخاصة والعامة ، وظواهر الكتاب والسنة تتناول كل ذلك ، مثل قوله تعالى ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ ) (١) ، وقوله سبحانه ( وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ ) (٢) وإنّما قيده بكونهم للصلب ليدفع ما كانوا يعتقدونه من أنّ المتبنّى ابن ، كما دلّ عليه قوله تعالى ( لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ ) (٣).
إذا عرفت ذلك فاعلم : أن المصاهرة التي احتمل المصنف قويّا عدم التحريم بها هي الأمر الحادث بالرضاع ، نظير المصاهرة الحاصلة بالنكاح ، مثل كون المرأة امّا للزوجة ، فإنّ هذا الوصف يتحقق بنكاح بنت امرأة ، فيثبت به التحريم.
فإذا ارتضع طفل رضاعا محرما ، فإنّ المرأة المرضعة صارت بمنزلة الزوجة لأب المرتضع كأم ابنه من النسب ، فأمّها بمنزلة أم الزوجة ، وأختها بمنزلة أخت الزوجة ،
__________________
(١) النساء : ٢٢.
(٢) النساء : ٢٣.
(٣) الأحزاب : ٣٧.
______________________________________________________
وبنتها بمنزلة بنت الزوجة ، والأخ من الرضاع امه من النسب بمنزلة زوجة الأب ، وكذا القول في أم المرتضع من النسب بالإضافة إلى أولاد صاحب اللبن ، وكذا أخته بالإضافة إليهم وإلى أبيهم.
وجملة القول في ذلك : أنّ علاقة المصاهرة إذا حدت نظيرها بالرضاع (١) لا يوجب تحريما ، فان سبقت (٢) النكاح لم تمنعه وإن لحقته لم تقطعه ، للأصل والاستصحاب ، ولعموم قوله تعالى ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) (٣) بعد تعداد المحرمات في الآية الشريفة إلاّ ما خرج بدليل ، ولظاهر قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم. « الرضاع لحمة كلحمة النسب » ولم يقل : كلحمة المصاهرة.
وقد اختلف الأصحاب من ذلك في مسائل :
أ : تحريم أولاد صاحب اللبن على أب المرتضع ، وتحريم اخوة المرتضع على صاحب اللبن (٤).
ب : تحريم اخوة المرتضع الذين لم يرتضعوا من هذا اللبن على أولاد الفحل.
ج : تحريم أم المرضعة على أب المرتضع ، ويجيء مثله في تحريم أم (٥) المرتضع على الفحل.
والأصح عدم التحريم إلاّ في الأولى ، لورود الروايات الصحيحة فيها بالتحريم (٦) ، وما عداها فلا دليل عليه ، والروايات لا تنهض حجة عليه ، كما سبق
__________________
(١) لفظ بالرضاع لم يرد في « ش » و « ض » وأثبتناه من النسخة الحجرية.
(٢) أي : المصاهرة.
(٣) النساء : ٢٤.
(٤) في « ض » : أولاد صاحب اللبن.
(٥) في « ض » : أم أم.
(٦) انظر : الكافي ٥ : ٤٤٨ حديث ١٨ و ٤٤١ حديث ٨ ، الفقيه ٣ : ٣٠٦ حديث ١٤٧١ وحديث ١٤٧٠ ، التهذيب ٧ : ٣٢٠ حديث ١٣٢٠ ، الاستبصار ٣ : ١٩٩ حديث ٧٢٣.
______________________________________________________
تحقيقه في الكلام على المسألة الثانية من هذه المسائل.
وقد قال الشيخ في المبسوط : يجوز للفحل أن يتزوج بأم المرتضع وأخته وجدته ، ويجوز لوالد هذا المرتضع أن يتزوج بالتي أرضعته ، لأنه لمّا جاز أن يتزوج أم ولده من النسب فبأن يجوز أن يتزوج أم ولده من الرضاع أولى (١).
قالوا : أليس لا يجوز له أن يتزوج أم أم ولده من النسب ويجوز أن يتزوج بأم أم ولده من الرضاع ، فكيف جاز ذلك وقد قلتم : إنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب.
قلنا : أم أم ولده من النسب ما حرمت بالنسب بل بالمصاهرة قبل وجود النسب ، والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم انما قال : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » (٢) ولم يقل : يحرم من الرضاع ما يحرم من المصاهرة (٣).
وقريب منه ذكر المصنف في التذكرة (٤) ، وإن كان في آخر البحث مال إلى العمل بالروايات لصحتها.
ونحن نقول بذلك ، لكنّا لا نتعدّى موردها وموضع العلّة المنصوصة.
وقد شاهدنا بعض من عاصرناه يروي عن بعض الأصحاب : أنّ المرأة إذا أرضعت ابن أخيها تحرم على زوجها صاحب اللبن ، لأنها عمة ابنه ، وهي بمنزلة أخته ، ونحو ذلك.
وهذا من الأوهام الفاسدة قطعا ، لأن هذه ليست بينها وبين زوجها بسبب الرضاع علاقة نسب ولا علاقة مصاهرة ، لأن المحرّم صيرورتها أختا ونحو ذلك ، أما
__________________
(١) كذا ، وفي المصدر : فإنه يجوز أن يتزوج أم ولده من الرضاع.
(٢) الفقيه ٣ : ٣٠٥ حديث ١٤٦٧ ، سنن ابن ماجة ١ ـ ٦٢٣ حديث ١٩٣٧.
(٣) المبسوط ٥ : ٣٠٥.
(٤) التذكرة ٢ : ٦٢٢ ـ ٦٢٣.
______________________________________________________
صيرورتها كالأخت فلا دليل يدل عليه.
ولو تخيل متخيل أنّ التعليل في الروايات لتحريم أولاد الفحل على أب المرتضع : بأنهم بمنزلة أولاده ، يشعر بأنّ من كان بمنزلة إحدى المحرمات نسبا يحرم ، فتحرم المرأة إذا صارت بمنزلة الأخت والعمة والخالة.
لقلنا : إنّ هذا من الخيالات الفاسدة والأوهام الباطلة ، لأنّ الذي يعتبر العلّة المنصوصة ويحكم بتعديتها ، إنما يعتبر نفس المعلّل به ، فيرتب عليه الحكم إن وجد ، لا على ما شابهه.
ولا شك أنّ هذا من المجازفات في الدين ، والعدول عن صريح الكتاب والسنة والدلائل القاطعة عند أهل الشرع ، مثل الاستصحاب إلى القول بالرأي من غير دليل ولا إثارة علم.
وقد أفردنا لهذه المسألة رسالة حسنة تسمّى الرضاعية ، من أراد تحقيقها فليطالع تلك الرسالة.
ثم ارجع إلى العبارة واعلم أن قول المصنف : ( فلأب المرتضع ... ) يلوح منه الرجوع عمّا اختاره في هذه المسألة سابقا ، والتحريم هنا أقوى.
وقوله : ( وبأخت زوجته من الرضاع ) قيل عليه : إنّ أخت الزوجة حرام ، سواء كانت الأختية من النسب أم من الرضاع بلا خلاف ، وسيأتي تحريرها في كلام المصنف في الفروع في غير موضع.
قلنا : هذا صحيح ، لكن الظاهر أنّ المصنف يريد بذلك : أنّ الزوجة من الرضاع لا تحرم أختها ، فالجار متعلق بمحذوف ، على أنه مع المجرور حال من الزوجة أو صفة لها ، لا أنه حال أو صفة من الأخت ، وهذا صحيح.
وربما نزّلت العبارة على أنّ الضمير في ( زوجته ) يعود إلى الفحل ، والمعنى : أنّه يجوز لأب المرتضع أن يتزوج أخت زوجة الفحل.
فروع :
الأول : لو زوّج أم ولده بعبد أو بحر ، ثم أرضعته من لبنه ، حرمت عليهما.
الثاني : لو فسخت نكاح الصغير لعيب أو لعتقها ، ثم تزوجت وأرضعته بلبن الثاني ، حرمت عليهما. وكذا لو تزوجت بالكبير أولا ، ثم طلقها ، ثم تزوجت بالصغير ، ثم أرضعته من لبنه.
______________________________________________________
وهذا صحيح أيضا في نفسه ، إلاّ أنه بعيد عن العبارة جدا ، لا يفهم منها بحال.
وقوله : ( فللفحل نكاح أم المرتضع وأخته وجدته ).
لا شبهة في جواز نكاح أم المرتضع ، لأنها كزوجته ، إنّما الكلام في تحريم أخته وجدته ، وقد أسلفنا أنّ أخته من النسب حرام على الفحل دون جدته منه.
قوله : ( فروع أ : لو زوّج أم ولده بعبد أو بحر ثم أرضعته من لبنه حرمت عليهما ).
الحكم واضح ، فإنّها بالنسبة إلى المرتضع أم وبالنسبة إلى المولى زوجة ابنه من الرضاع ، ولا يخفى أنّ الملك بحاله.
قوله : ( ب : لو فسخت نكاح الصغير لعيب أو لعتقها ثم تزوجت وأرضعته بلبن الثاني حرمت عليهما ، وكذا لو تزوجت بالكبير أولا ثم طلقها ثم تزوجت بالصغير ثم أرضعته من لبنه ).
إذا تزوجت بالصغير : بأن عقد عليها وليّه الإجباري ثم فارقته بالفسخ لعيبه أو لحدوث عتقها ، ثم تزوجت آخر وأرضعت الصغير بلبن الثاني الرضاع المحرم ، حرمت عليهما ، أما الصغير فلأنه ابنها من الرضاع ، وأما الكبير فلأنها حليلة ابنه من
الثالث : لو أرضعت زوجته الكبيرة زوجتيه الصغيرتين بلبن غيره دفعة ، بأن أعطت كل واحدة ثديا من الرضعة الأخيرة ، انفسخ عقد الجميع ، وحرمت الكبيرة مؤبدا ، والصغيرتان إن كان قد دخل بالكبيرة ، فإن أرضعت زوجة ثالثة حرمت مؤبدا إن كان قد دخل بالكبيرة ، وإلاّ بقيت زوجته من غير فسخ.
ولو أرضعت واحدة ثم الباقيتين دفعة حرمن جمع إن كان قد دخل بالكبيرة ، وإلاّ فسد نكاح الصغائر ، وله العقد على من شاء.
______________________________________________________
الرضاع ، والكلام في المهر على ما سبق ، لأن الدخول يوجب استقراره على ما سبق.
ولو تزوجت بالكبير أولا ثم طلقها ثم تزوجت بالصغير ثم أرضعته بلبن الأول الرضاع المحرم ، فالحكم كذلك أيضا.
قوله : ( ج : لو أرضعت زوجته الكبيرة زوجتيه الصغيرتين بلبن غيره دفعة ـ بأن أعطت كلّ واحدة ثديا من الرضعة الأخيرة ـ انفسخ عقد الجميع ، وحرمت الكبيرة مؤبدا والصغيرتان إن كان قد دخل بالكبيرة ، فإن أرضعت زوجة ثالثة حرمت مؤبدا إن كان قد دخل بالكبيرة ، وإلاّ بقيت زوجته من غير فسخ ، ولو أرضعت واحدة ثم الباقيتين دفعة حرمن جمع إن كان قد دخل بالكبيرة ، وإلاّ فسخ نكاح الصغائر وله العقد على من شاء ).
إذا كان له أربع زوجات واحدة كبيرة وثلاث صغائر ، فحكم ما إذا أرضعت الكبيرة واحدة منهن علم ممّا مضى ، وبقي حكم ما إذا أرضعت اثنتين أو الثلاث ، فهناك صور خمس ، فانّ إرضاع الاثنتين إمّا دفعة أو على التعاقب ، وكذا إرضاع الثلاث ، إلاّ أنّ إرضاعهن جميعا دفعة من الكبيرة لا يتصور ، بل إمّا أن ترضع اثنتين ثم واحدة أو بالعكس ، فإن أرضعت اثنتين دفعة الرضاع المحرم بلبن غيره ـ واحترز به عمّا إذا كان
______________________________________________________
الرضاع بلبنه ـ فانّ التحريم مؤبدا للجميع على كلّ حال.
وقد فسّر المصنف الدفعة : بإعطائها كلّ واحدة ثديا من الرضعة الأخيرة ، واعتبر الرضعة الأخيرة لأنها التي بها يتحقق تمام النصاب ، ويترتب على الرضاع التحريم ، فلا عبرة بالتقارب بالابتداء (١) أو تقدّم بعض ، وكان عليه أن يعتبر مع ذلك أن ترويا من الأخيرة دفعة ليتحقق ما ذكره ، فلو سبقت إحديهما سبق تحريمها.
إذا تقرر ذلك ، فإنه مع تحقق الدفعة ينفسخ نكاح الجميع ، وهنّ الصغيرتان والكبيرة ، لتحقق الجمع بين الام وبنتها في النكاح ، وهو ممتنع ، ولا أولوية ، ولم يبق إلاّ الفسخ ، وتحرم الكبيرة مؤبدا لأنها أمّ الزوجة ، والصغيرتان إن كان دخل بالكبيرة ، وإلاّ عقد على من شاء منهما ، لأنهما أختان.
والكلام في المهر على ما سبق.
وإن أرضعتهما على التعاقب انفسخ نكاح الاولى مع الكبيرة ، وبقي نكاح الثانية إن لم يدخل بالكبيرة ، لانتفاء الجمع المحرّم ، ولا تحل له الأولى ، إلاّ إذا فارق هذه ، وحكم هذه معلوم من قوله فيما بعد : ( وإن لم يكن دخل انفسخ نكاح الاولى ... ).
ولو أرضعت الثالثة بعد إرضاع الأولتين دفعة ، وهي الصورة الثالثة ، فتحرم الجميع مؤبدا إن كان قد دخل بالكبيرة ، وإلاّ بقي نكاح الأخيرة من غير فسخ ، لانتفاء الجمع المحرّم المقتضي للفسخ حيث انفسخ نكاح الكبيرة مع الصغيرتين المرتضعتين أولا.
ولو انعكس الفرض ، وهو الصورة الرابعة ، بأن أرضعت واحدة من الصغائر ثم اثنتين دفعة ، فلا بحث في تحريم الجميع مع الدخول بالكبيرة ، وبدونه ينفسخ نكاح الكبيرة والصغيرة الأولى ، للجمع بين الام وبنتها في النكاح ، ثم ينفسخ نكاح
__________________
(١) في « ض » بالتفاوت في الابتداء.
ولو أرضعتهن على التعاقب ، فإن كان قد دخل حرمن مؤبدا ، وإن لم يكن دخل انفسخ نكاح الاولى دون الثانية ، لأن الكبرى
قد بانت فلم يكن جامعا بينها وبين بنتها.
فإذا أرضعت الثالثة احتمل فساد نكاحها خاصة ، لأن الجمع بين الأختين تم بها فاختصت بالفساد ، كما لو تزوج بأخت امرأته وفساد نكاحها مع الثانية ، لأن عند كمال رضاعها صارتا أختين فانفسخ نكاحهما ، كما لو كان إرضاعهما دفعة.
______________________________________________________
الصغيرتين الأخيرتين ، لأنهما صارتا أختين ، فيمتنع الجمع بينهما في النكاح ، ولا أولوية ، فينفسخ نكاحهما معا (١) ، ويتخير في العقد على من شاء من الصغائر.
والكلام في المهر وقدره وثبوت الرجوع على المرضعة على ما سبق تفصيله.
قوله : ( ولو أرضعتهن على التعاقب ، فان كان قد دخل حرمن مؤبدا ، وان لم يكن دخل انفسخ نكاح الاولى دون الثانية ، لأن الكبرى قد بانت ، فلم يكن جامعا بينها وبين بنتها ، فإذا أرضعت الثالثة احتمل فساد نكاحها خاصة ـ لأن الجمع بين الأختين تمّ بها ، فاختصت بالفساد ، كما لو تزوج بأخت امرأته ـ وفساد نكاحها مع الثانية ، لأن عند كمال رضاعها صارتا أختين فانفسخ نكاحهما ، كما لو كان إرضاعهما دفعة ).
هذه هي الصورة الخامسة ، وتحقيقها : أنّ الزوجة الكبيرة إذا أرضعت الزوجات الصغائر على التعاقب ، أي : واحدة ثم اخرى ثم ثالثة ، فمع الدخول بالكبيرة يحرم الجميع مؤبدا ، وبدونه ينفسخ نكاح الكبيرة مع الاولى عند تمام إرضاعها للجمع المحرّم ، فإذا أرضعت الثانية لم ينشأ محذور ، لانتفاء الجمع بين الام وبنتها في النكاح.
__________________
(١) في « ض » : دفعة.
الرابع : لو أرضعت أمته زوجته بلبن غيره حرمت الأمة مؤبدا ولم يزل ملكها ، وكذا الزوجة إن كان قد وطأ الأمة ، وإلاّ فهي على الزوجية من غير فسخ ولا تحريم.
______________________________________________________
فإذا أرضعت الثالثة ، ففي الحكم احتمالان :
أحدهما : انفساخ نكاح الثالثة فقط دون الثانية ، لأن الجمع بين الأختين تمّ بها ، فاختصت بفساد النكاح ، كما لو تزوج بأخت امرأته ، فإنّ نكاح الأخت مخصوص بالبطلان دون نكاح الزوجة ، والفرق قائم ، فإنّ نكاح الأخت لم يسبق صحته ، والمانع منه موجود ، وهو استلزامه حصول الجمع المحرّم ، بخلاف ما هنا ، فانّ نكاح كلّ قد سبقت صحته ، وبحدوث الأختية تحقق الجمع بين الأختين في النكاح الصحيح ، ولا أولوية لواحدة على الأخرى.
الثاني : الحكم بانفساخ النكاحين معا ، لأنّ عند كمال إرضاعهما صارتا أختين ، فانفسخ نكاحهما ، إذ لا أولوية لإحداهما على الأخرى في حصول السبب المقتضي لبطلان النكاح بالنسبة إليها ، فهو كما لو كان إرضاعهما دفعة. وينبه على هذا أمران :
الأول : أن المعلول الموجود عند الجزء الأخير من العلّة لا يستند إلى ذلك الجزء على انفراده ، وإلاّ لكان ما فرض جزء علّة علّة تامة ، وهو باطل.
الثاني : أنّ الاخوة والأختية من الأمور الإضافية ، فلا يثبت من أحد الجانبين إلاّ مع ثبوتها من الجانب الآخر ، فإذا ترتب عليها حكم لم يختص بأحد الجانبين ، لأنّ الاشتراك في مقتضى الحكم يقتضي الاشتراك فيه ، ومعلوم أنّ معنى الأختية يثبت للجانبين على حدّ سواء عند كمال الإرضاع.
والأصح انفساخ النكاحين.
قوله : ( د : لو أرضعت أمته زوجته بلبن غيره حرمت الأمة مؤبدا ولم يزل ملكها ، وكذا الزوجة إن كان قد وطأ الأمة ، وإلاّ فهي على الزوجية من غير فسخ ولا تحريم ).
الخامس : لو أرضعت ثلاث بنات زوجته ثلاث زوجاته ، كل واحدة زوجة دفعة ، حرمن جمع إن كان قد دخل بالكبيرة ، وإلاّ الكبيرة ، وانفسخ عقد الصغائر ، وله تجديده جمعا ، لأنهن بنات خالات ، ولكل صغيرة نصف مهرها ، ويرجع به الزوج على مرضعتها ، وللكبيرة المهر ، ويرجع به على البنات بالسوية.
ولو ارتضعن بأنفسهن بالاستقلال فلا ضمان ، وفي تضمين الصغار مهر الكبيرة نظر.
ولو أرضعن على التعاقب تعلّق بالأولى مهر الكبيرة ، أو نصفه ونصف مهر الصغيرة.
______________________________________________________
احترز بكون اللبن لغيره عما إذا كان اللبن له ، فإنهما تحرمان مؤبدا وان لم يكن قد وطأ الأمة ، ووجه عدم زوال ملك الأمة في الصورة التي فرضها ظاهر ، فإنّ أم الزوجة لا يمنع ملكها وإن حرم وطأها ، وظاهر أنه إذا لم يكن قد وطأ الأمة لا تحرم الزوجة بإرضاع الأمة إياها ، إذ لا تحرم على الشخص بنت مملوكته التي لم يطأها لا عينا ولا جمعا ، فلا تحريم حينئذ ولا فسخ.
قوله : ( ه : لو أرضعت ثلاث بنات زوجته ثلاث زوجاته كلّ واحدة زوجة دفعة ، حرمن جمع إن كان قد دخل بالكبيرة ، وإلاّ الكبيرة ، وانفسخ عقد الصغائر ، وله تجديده جميعا ، لأنهن بنات خالات ، ولكلّ صغيرة نصف مهرها ، ويرجع به الزوج على مرضعتها ، وللكبيرة المهر ، ويرجع به على البنات بالسوية ، ولو ارتضعن بأنفسهنّ بالاستقلال فلا ضمان ، وفي تضمين الصغائر مهر الكبيرة نظر ، وإن أرضعن على التعاقب ، تعلّق بالأولى مهر الكبيرة أو نصفه ونصف مهر الصغيرة ).
وعلى كل من الباقيتين نصف مهر من أرضعتها مع الدخول ، وإلاّ فلا رجوع ، لبقاء النكاح بحاله ، فإن نكاح الكبيرة قد زال قبل الإرضاع ، فلا جمع.
______________________________________________________
وعلى كل من الباقيتين نصف مهر من أرضعتها مع الدخول ، وإلاّ فلا رجوع ، لبقاء النكاح بحاله ، فإنّ نكاح الكبيرة قد زال قبل الإرضاع ، فلا جمع ).
لو كان له زوجة كبيرة وثلاث صغائر وللكبيرة ثلاث بنات مراضع ، فأرضعت كلّ واحدة منهنّ صغيرة من الثلاث الرضاع المحرّم ، فان كان قد دخل بالكبيرة حرمن جمع مؤبدا ، سواء رضعن معا أم على الترتيب ، لأن الكبيرة جدّة نسائه ، والصغائر بنات بنات زوجه المدخول بها.
وإن لم يكن قد دخل بها ، حرمت الكبيرة مؤبدا وانفسخ عقد الصغائر جميعا إن كان ارتضاعهن دفعة واحدة : بأن حصل الاقتران في آخر الرضعة الأخيرة ، لثبوت الجمع بين الام وبنات بناتها في النكاح ، ثم يجدّد نكاحهن إن أراد جمعا ، لأنهن بنات خالات.
وهذا إذا لم يكن اللبن لفحل واحد ، فلو كان : بأن تزوج شخص الاولى ثم فارقها وهي ذات لبن منه وهكذا صنع في الثانية ، ثم تزوج الثالثة وصارت ذات لبن منه ، فإنهن إذا أرضعن الصغائر بهذا اللبن حرمن جمعا ، لأنهن أخوات حينئذ.
ولو كان الإرضاع لهن على التعاقب ، حرمت الكبيرة مؤبدا وانفسخ نكاح اولى الصغائر خاصة ، للجمع بينها وبين جدتها ، ثم يجدد نكاحها إن شاء ، وأما نكاح الباقيتين فإنه باق بحاله ، وهذا بشرط عدم الدخول بالكبيرة ، وكون لبن كل بنت لفحل (١).
__________________
(١) في « ض » : وكون اللبن لبنت كل فحل ، وفي « ش » : وكون لبن بنت فحل ، والمثبت من النسخة الحجرية.
______________________________________________________
ولو أرضعت اثنتان دفعة واحدة (١) انفسخ نكاح الأولتين خاصة ، ثم يجدد نكاحهما إن شاء ، ولو ارتضعن بأنفسهن دفعة أو على التعاقب فالكلام في التحريم والانفساخ على ما سبق.
وأما الكلام في المهر ، فانّ لكلّ صغيرة نصف مهرها المسمّى أو جميعه على الخلاف السابق ، وقد بيّنا ما هو الأرجح ، ويرجع الزوج على مرضعتها ، إما مطلقا أو مع قصدها إلى إفساد النكاح على ما فيه ، وفيه الخلاف السابق من أنه لا رجوع أصلا ، وقد بيّنا ذلك ، فلا حاجة إلى إعادته.
وللكبيرة المهر مع الدخول ، وبدونه فيه الخلاف السابق ، ويرجع به الزوج على البنات الثلاث بالسوية إن لم يكن دخل بها ، أما مع الدخول فلا رجوع ، على ما صرح به المصنف في التذكرة (٢) وغيرها ، لاستقراره بالدخول ، وقد أطلق الرجوع به هنا ، وكأنه اكتفى بما يدل عليه ظاهر كلامه السابق فيما لو أرضعت كبيرة الزوجتين صغيرتهما ، فإنه قال هناك : ( وللكبيرة المهر مع الدخول ، وإلاّ فلا ) ولم يذكر رجوعا ، وذكر الرجوع في مهر الصغيرة.
ولو ارتضعن بأنفسهن : بأن سعين إلى البنات وهنّ نائمات فارتضعن الرضاع المحرّم ، فلا مهر لهنّ ، لأنّ الفرقة قبل الدخول من جهتين ، فكانت كالردّة ، لكن في تضمينهنّ مهر الكبيرة نظر ، ينشأ من التردد في أنّ التسبب إلى فسخ النكاح بفعل مقتضيه هل يوجب غرم المهر أم لا ، وأنّ قصد الإفساد هل هو شرط الرجوع أم لا ، والتضمين قوي ، لأن البضع متقوّم ، فهو في حكم الأموال ، والإتلاف موجب للضمان في الصغيرة والكبيرة.
__________________
(١) في النسخة الحجرية : ثم واحدة.
(٢) التذكرة ٢ : ٦٢٦ ـ ٦٢٧.
السادس : لو أرضعت أم الكبيرة أو جدتها أو أختها على اشكال فيهما الصغيرة ولم يدخل انفسخ النكاح ، لأن المرضعة إن كانت الأم فالكبيرة أخت ، وإن كانت الأخت فخالة ، وإن كانت الجدة فالصغيرة خالة.
______________________________________________________
فإن قلنا به استوين في الرجوع عليهن بمهر الكبيرة مع الارتضاع دفعة ، وإلاّ فعلى الاولى إن تعاقبن ، وإلاّ فعلى الأولتين.
ولو كان إرضاع البنات إياهن على التعاقب تعلّق بالأولى مهر الكبيرة أو نصفه ، وذلك مع الدخول وعدمه ، بناء على أنه ينتصف قبل الدخول ، وكذا يتعلّق بها نصف مهر الصغيرة ، وعلى كلّ من البنتين الباقيتين نصف مهر الصغيرة ، وعلى كلّ من البنتين الباقيتين نصف مهر الصغيرة التي أرضعتها إن كان قد دخل بالأم ـ وهذا إذا قلنا : بأنّ المهر ينتصف بالفسخ بالرضاع قبل الدخول ـ وإن لم يكن دخل بالأم فالنكاح صحيح بحاله ، لأنّ نكاح الكبيرة قد انفسخ قبل ذلك ، فانتفى الجمع المحرم.
واعلم : أن تقييد المصنف أوّل البحث بكون الرضاع لجميع الزوجات دفعة ، إنما يحتاج إليه إذا كان الرضاع قبل الدخول بالكبيرة ، لاختلاف الحكم ، أمّا بعده فلا تفاوت.
قوله : ( و : لو أرضعت أمّ الكبيرة أو جدتها أو أختها ـ على إشكال فيهما ـ الصغيرة ولم يدخل انفسخ النكاح ، لأنّ المرضعة إن كانت الأم فالكبيرة أخت ، وإن كانت الأخت فخالة ، وإن كانت الجدة فالصغيرة خالة ).
لو كان له زوجتان كبيرة ورضعية ، فأرضعت أم الكبيرة الصغيرة الرضاع المحرم انفسخ النكاح ، لأنهما صارتا أختين ، ولو أرضعت جدة الكبيرة أو أختها الصغيرة ، ففي انفساخ النكاح هنا إشكال.
السابع : لو تزوج كل من الاثنين زوجة صاحبه ، ثم أرضعت إحداهما الأخرى ، حرمت الكبيرة عليهما مؤبدا ، والصغيرة على من دخل بالكبيرة ، وكذا لو تزوجتا بواحد ثم بآخر.
______________________________________________________
ينشأ : من أنّ المرضعة إن كانت الجدة للأم صارت الصغيرة خالة للكبيرة ، وإن كانت جدة للأب كانت الصغيرة عمّة ، وإن كانت الأخت صارت الكبيرة خالة للصغيرة ، والجمع بين العمّة وبنت الأخ والخالة وبنت الأخت في النكاح منهيّ عنه ، لقوله عليهالسلام : « لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها » (١).
ومن أنّ هذه النسبة بمجردها غير مانعة من النكاح ، فإنّه لو أذنت العمة أو الخالة ، أو تقدّم عقد بنت الأخ أو بنت الأخت ورضيت العمة والخالة جاز الجمع ، ولم يقم دليل على عدم جواز الجمع هنا ، فيستصحب النكاح السابق.
والتحقيق أن يقال : إنّ الجمع بين العمّة وبنت أخيها ، وبين الخالة وبنت أختها في النكاح بغير رضا العمة والخالة ممنوع منه ، ولهذا لو عقد أحد الوكيلين على بنت الأخ والوكيل الآخر على عمتها في زمان واحد ، لم يقع كلّ من النكاحين صحيحا ماضيا ولا واحد منهما بدون الآخر ، لانتفاء المرجّح ، بل يقعان موقوفين ، وكذا لو تزوّجهما في عقد واحد ، وعلى هذا فيكون الرضاع المحدث بهذه النسبة موجبا لاجتماعهما في النكاح ، وهو منهيّ عنه بدون الإذن ، والفرض انتفاؤه.
قوله : ( ز : لو تزوج كلّ من الاثنين زوجة صاحبه ثم أرضعت إحديهما الأخرى ، حرمت الكبيرة عليهما مؤبدا والصغيرة على من دخل بالكبيرة ، وكذا لو تزوجت بواحد ثم بآخر ).
__________________
(١) الكافي ٥ : ٤٢٤ حديث ٢.
الثامن : لو أرضعت جدة الصغيرين أحدهما انفسخ النكاح ، لأن المرتضع إن كان هو الزوج ، فهو إما عم زوجته أو خالها ، وإن كانت الزوجة فهي إما عمة أو خالة لزوجها.
______________________________________________________
لو كان لاثنين زوجتان إحديهما مرضعة والأخرى رضيعة ، ففارق كلّ منهما زوجته وتزوجها الآخر ، ثم أرضعت الكبيرة الصغيرة بلبن ثالث ، حرمت الكبيرة عليهما مؤبدا ، والصغيرة على من دخل بالكبيرة.
أما تحريم الكبيرة عليهما مؤبدا ، فلأنها أمّ زوجتهما ، إلاّ أنه لا خلاف في تحريمها على من الصغيرة الآن زوجته ، إنّما الخلاف في تحريمها على من كانت الصغيرة زوجته ، وقد سبق تحقيقه.
وأما الصغيرة ، فإنها بالإضافة إليهما بنت الزوجة ، ولا تحرم بنت الزوجة إلاّ مع الدخول بأمها.
ولو لم يكن الإرضاع بلبن ثالث لحرمتا على صاحب اللبن مؤبدا وان لم يدخل بالكبيرة ، والكلام في المهر على ما سبق.
ولو أنّ أحدهما تزوج بالكبيرة ثم فارقها ، فتزوجها آخر ، ثم أرضعت الكبيرة الصغيرة بلبن ثالث ، لكان الحكم كذلك أيضا.
قوله : ( ح : لو أرضعت جدّة الصغيرين أحدهما انفسخ النكاح ، لأن المرتضع إن كان هو الزوج فهو إما عمّ زوجته أو خال ، وان كانت الزوجة فهي إمّا عمة أو خالة لزوجها ).
المراد : أنه إذا زوج رضيع برضيعة ولهما معا جدّة من قبل الأم أو من قبل الأب ، كأم أم أمها أو أم أم أبيها ، ثم أرضعت أحدهما الجدة المذكورة ، فإنّ النكاح ينفسخ ، لأن المرتضع إن كان هو الزوج والجدة للأب فهو عم زوجته ، وإن كانت الجدة للأم
التاسع : لو أرضعت من لبن الزوج بعد موته نشر الحرمة إلى أقاربه.
العاشر : لا تحرم أم المرضعة من الرضاع على المرتضع ، ولا أختها منه ، ولا عمتها منه ، ولا خالتها ، ولا بنات أختها ، ولا بنات أخيها وإن حرمن بالنسب ، لعدم اتحاد الفحل.
ولو أرضعت ذات الابن ذات الأخت لم تحرم الأخت على الابن.
______________________________________________________
فهو خال زوجته ، وإن كان المرتضع هو الزوجة فهي إما عمة زوجها إن كانت المرضعة جدّة الأب ، وإلاّ فخالته.
قوله : ( ط : لو أرضعت من لبن الزوج بعد موته نشر الحرمة إلى أقاربه ).
لأن كون اللبن له لا يزول بالموت ، ولاستصحاب ما كان قبل الموت ، والتمسك بعمومات الكتاب والسنة المتناولة لهذا الرضاع مع انتفاء المعارض.
قوله : ( ي : لا تحرم أم المرضعة من الرضاع على المرتضع ولا أختها منه ولا عمتها منه ولا خالتها ولا بنات أختها وإن حرمن بالنسب ، لعدم اتحاد الفحل ، ولو أرضعت ذات الابن ذات الأخت لم تحرم الأخت على الابن ).
أطبق الأصحاب على أنّ حرمة الرضاع لا يثبت بين مرتضعين إلاّ إذا كان اللبن لفحل واحد ، وقد حققنا هذا فيما تقدّم ، وأوردنا النص الوارد بذلك ، وحكينا خلاف الطبرسي.
فعلى هذا لو كان لمن أرضعت صبيا أم من الرضاع لم تحرم تلك الام على الصبي ، لأن نسبتها إليه بالجدودة إنما تتحصل من رضاعة من مرضعته ورضاع مرضعته منها ،
______________________________________________________
ومعلوم أنّ اللبن في الرضاعين ليس لفحل واحد ، فلا تثبت الجدودة بين المرتضع والام المذكورة ، لانتفاء الشرط ، فينتفي التحريم.
ومن هذا يعلم أن أختها من الرضاع وعمّتها منه وخالتها منه لا يحرمن وإن حرمن بالنسب ، لما قلناه من عدم اتحاد الفحل ، ولو كان المرتضع أنثى لم يحرم عليه أبو المرضعة من الرضاعة ولا أخوها منه ولا عمّها منه ولا خالها منه ، لمثل ما قلناه.
قيل : عموم قوله عليهالسلام : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » (١) يقتضي التحريم هنا ، وأيضا فإنّهم قد أطلقوا على مرضعة المرضعة أنّها أم ، وعلى المرتضعة بلبن أبي المرضعة أنها أخت ، فتكون الأولى جدّة والثانية خالة ، فيندرجان في عموم التحريم للجدة والخالة ، وكذا البواقي.
قلنا : الدال على اعتبار اتحاد الفحل خاص ، فلا حجّة في العام حينئذ ، وأمّا الإطلاق المذكور فلا اعتبار به مع فقد الشرط ، فإنّهم أطلقوا على المرتضع أنه ابن للمرتضعة وعلى المرتضعة منها بلبن فحل آخر أنها بنت لها أيضا ، ولم يحكموا بالأخوة المثمرة للتحريم بين الابن والبنت ، لعدم اتحاد الفحل.
وفي قول المصنف : ( ولا بنات أختها ) مع قوله : ( وإن حرمن بالنسب ) مناقشة ، لأن بنات أخت المرضعة من النسب لا يحرمن ، لأنهن بنات خالة ، فقوله : ( ولا بنات أختها ) من سهو القلم ، وبعض النسخ خالية منه.
وقوله : ( ولو أرضعت ذات الابن ذات الأخت ... ) هو بعينه ما مرّ من قوله : ( ولأولاد هذا الأب الذين لم يرتضعوا من هذا اللبن النكاح في أولاد المرضعة ) وقد يفرق بينهما : بأنّ الأخت ربما كانت أختا للمرضعة من أمها ، فلا يتناولها قوله : ( ولأولاد هذا الأب ).
__________________
(١) الفقيه ٣ : ٣٠٥ حديث ١٤٦٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦٢٣ حديث ١٩٣٧.
الحادي عشر : حرمة الرضاع تنشر إلى المحرمات بالمصاهرة ، فليس للرجل نكاح حلائل آبائه من الرضاع ، ولا حلائل أبنائه منه ، ولا أمهات نسائه ولا بناتهن منه.
______________________________________________________
قوله : ( يا : حرمة الرضاع ينشر إلى المحرمات بالمصاهرة ، فليس للرجل نكاح حلائل آبائه من الرضاع ولا حلائل أبنائه منه ولا أمهات نسائه ولا بناتهن منه ).
المراد من هذا : أنه إذا ثبت بالرضاع نسبة البنوة بين المرتضع وصاحب اللبن تبعها أحكام المصاهرة الثابتة بالنكاح ، فإذا كان لصاحب اللبن زوجة غير المرضعة أو موطوءة بملك اليمين ، فهي حليلة أب تحرم ، لاندراجها في عموم قوله تعالى ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ ) (١) ، وكذا القول في حليلة المرتضع بالنسبة إلى الفحل.
ومثله أخت المنكوحة من الرضاع معها ، لاندراجها في قوله سبحانه ( وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ) (٢) ، ومثله بنت أخ الزوجة وبنت أختها إذا كانتا من الرضاع مع العمة والخالة إذا لم تأذنا ، وقد حقّقنا ذلك فيما سبق قبل الفروع.
وفي الحواشي المنسوبة إلى شيخنا الشهيد : أن هذا رجوع عما سلف من قوله : ( ويحتمل قويا عدم التحريم بالمصاهرة ).
وليس كذلك جزما ، وكلّ من لاحظ ما حقّقناه كمال الملاحظة لم يشك في أنه ليس كذلك.
__________________
(١) النساء : ٢٢.
(٢) النساء : ٢٣.
الثاني عشر : لو أرضعت من يفسد النكاح بإرضاعه جاهلة بالزوجية ، أو للخوف عليها من التلف ، ولم تقصد الإفساد ، وقلنا بالتضمين ، ففيه هنا إشكال ينشأ : من كون الرضاع سببا ، فإذا كان مباحا لم يوجب الضمان كحفر البئر في ملكه.
______________________________________________________
قوله : ( يب : لو أرضعت من يفسد النكاح بإرضاعه جاهلة بالزوجية أو للخوف عليها من التلف ولم تقصد الإفساد وقلنا بالتضمين ، ففيه هنا إشكال ، ينشأ من كون الرضاع سببا ، فإذا كان مباحا لم يوجب الضمان ، كحفر البئر في ملكه ).
قد سبق أنّ المرضعة إذا قصدت بالرضاع إفساد النكاح الحاصل ، ففي (١) ضمانها ما اغترمه الزوج من المهر قولان :
فعلى القول بعدم الضمان مع القصد المذكور ، لا كلام في عدم الضمان مع انتفائه.
وعلى القول بالضمان معه ، فهل يضمن مع انتفائه ـ كما لو أرضعت الصغيرة مثلا جاهلة بكونها زوجة ابنها من النسب مثلا ، أو مع علمها بالزوجية ، لكن خافت على الصغيرة من التلف ، لفقد من ترضعها غيرها في محل الحاجة ولم تقصد مع ذلك الإفساد ـ فيه إشكال ، ينشأ مما ذكره المصنف ، وهو :
أنّ الرضاع سبب لإفساد النكاح ، فإذا كان مباحا لم يوجب الضمان ، كحفر البئر في ملكه ، فإنه لكونه مباحا لا يضمن الحافر ما يتلف بسببه ، وأيضا فإنّ الإرضاع في هذه الحالة إحسان خال عن الضرر ، فيندرج في عموم ( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) (٢).
__________________
(١) في جميع النسخ : في ، وما أثبتناه هو الصحيح.
(٢) التوبة : ٩١.