البراهين الجليّة - ج ٢

السيّد حسن الصدر

البراهين الجليّة - ج ٢

المؤلف:

السيّد حسن الصدر


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-629-5
ISBN الدورة:
978-964-319-618-9

الصفحات: ٤١٦
الجزء ١ الجزء ٢

« علماء اُمّتي كأنبياء بني إسرائيل » (١) قاله صلى‌الله‌عليه‌وآله في هؤلاء الاثنى عشر ، والولي الثاني عشر النائب الأخير هو خاتم الأولياء وهو صاحب الزمان ، وليس في العالم غير اثني عشر ولي ، وأمّا الثلاثمائة وست وخمسين رجال الغيب فلا يقال لهم : أولياء إنّما هم الأبدال (٢) ، انتهى ملخّصاً .

ومنهم : الشيخ القطب سيّدي سليمان الحسيني البلخي القندوزي في ينابيع المودّة قال : فالخبر المعلوم المحقّق عند الثقات أنّ ولادة القائم عليه‌السلام كانت ليلة الخامس عشر من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين ، في بلدة سامراء ، عند القران الأصغر الذي كان في القوس ، وهو رابع القران الأكبر الذي كان في القوس ، وكان الطالع الدرجة الخامسة والعشرين من السرطان وزايجته المباركة في اُفق سامراء هذه .

ثمّ قال : ولمّا كان اجتماع القائم المهدي وعيسى بن مريم أمراً محقّقاً أوردت زايجة عيسى عليه‌السلام للتبرّك وهو هذه صورتها (٣) .

ومنهم : أبو سالم محمّد بن طلحة الحلبي الشافعي في كتابه الدرّ المنظّم قال ما لفظه : وقد ورث هذا الكتاب النوراني واللباب الصمداني الإمام المهدي ، وهو ورثه من أبيه الحسن العسكري ، وهو ورثه من أبيه عليّ النقي ، وهو ورثه من أبيه محمّد التقي ، وهو ورثه من أبيه علي الرضا ،

__________________

(١) التفسير الكبير للفخر الرازي ١٧ : ١١٥ ، سبل الهدى والرشاد ١٠ : ٣٣٧ ، فيض القدير ١ : ١٥ ، عوالي اللئالي ٤ : ٧٧ .

(٢) حكاه القندوزي عن النسفي في ينابيع المودّة ٣ : ٣٥٢ ـ ٣٥٣ ، والسيد المرعشي في إحقاق الحقّ ١٩ : ٦٩٤ .

(٣) ينابيع المودّة ٣ : ٣٠٦ ـ ٣٠٧ .

٦١

إلى آخر ما ذكره (١) .

ومنهم : السيّد الشريف العارف عليّ بن شهاب الدين الهمداني ، قال : المودّة العاشرة في عدد الأئمّة وأنّ المهدي منهم‏ عليهم‌السلام (٢) .

ثمّ أخرج أحاديث اثني عشر من عدّة طرق ، منها حديث سلمان رضي‌الله‌عنه قال : دخلت على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فإذا بالحسين على فخذيه وهو يقبّل عينيه ويقبّل فاه ويقول : « أنت سيّد ابن السيّد ، وأنت إمام ابن إمام ، وأنت حجّة ابن حجّة ، وأنت أبو حجج تسعة تاسعهم قائمهم » (٣) .

ومنهم : الشيخ الكبير العارف بأسرار الحروف صلاح الدين الصفدي ، قال في شرح الدائرة : إنّ المهدي الموعود هو الإمام الثاني عشر من الأئمّة أوّلهم سيّدنا عليّ وآخرهم المهدي رضي اللَّه عنهم ، ونفعنا اللَّه بهم . هكذا في الينابيع (٤) .

ومنهم : الشيخ الكبير عبد الرحمن البسطامي (٥) صاحب كتاب درّة المعارف قدّس اللَّه سره وأفاض علينا فتوحه وغوامض علومه قال :

ويظهرعدل اللَّه في الناس أوّلا

ويظهر ميم المجد من آل أحمد

كما قد روينا عن عليّ الرضا

وفي ‏كنز علم ‏الحرف ‏أضحى ‏محصّلا (٦)

__________________

(١) حكاه عنه القندوزي في ينابيع المودّة ٣ : ٢١٦ ، وانظر إحقاق الحقّ للسيّد المرعشي ٨ : ١٩ ـ ٢٠ .

(٢) عنه في ينابيع المودّة ٢ : ٣١٤ ، وانظر جامع أحاديث الشيعة ١ : ٥٣ .

(٣) كمال الدين وتمام النعمة : ٢٦٢ / ٩ ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٤٢ / ١٧ ، الخصال ٢ : ٤٥٧ / ٢٨ ، ينابيع المودّة ٢ : ٤٤ / ٤٠ و ٣ : ٣٩١ ، وانظر مودّة القربى : ٢٩ .

(٤) ينابيع المودّة ٣ : ٣٧٤ ، وانظر كشف الأستار للنوري : ٧٧ .

(٥) ابن محمّد بن علي الحنفي ، عالم مشارك في جميع العلوم ، له مناهج التوسل في مباهج الترسل ، توفّي سنة ٨٥٨ ه . الغدير ٧٧ / ٦٨ : ٦ ، الأعلام للزركلي ٣ : ٣٣١ .

(٦) عنه في ينابيع المودّة ٣ : ٣٣٧ ، وانظر كشف الأستار : ٧٨ ، واحقاق الحق ١٩ : ٦٨٧ .

٦٢

انتهى .

أقول : أراد بحديث الرضا ما أخرجه الشيخ المحدّث الجويني الحمويني الشافعي في كتابه فرائد السمطين : بإسناده عن أحمد بن زياد ، عن دعبل بن عليّ الخزاعي ، عن الرضا عليه‌السلام وهو حديث طويل وفي آخره فقال الرضا عليه‌السلام : « إنّ الإمام بعدي ابني محمّد ، و بعد محمّد ابنه عليّ ، وبعد عليّ ابنه الحسن ، وبعد الحسن ابنه الحجّة القائم ، وهو المنتظر في غيبته ، المطاع في ظهوره ، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً » (١) ، الحديث .

ومنهم : المولوي عليّ أكبر [ المودودي ] (٢) الهندي (٣) صاحب كتاب المكاشفات وهو كالحاشية على كتاب النفحات للنور الجامي عبد الرحمن ، قال في طي كلام في ترجمة عليّ بن سهل بن الأزهر الأصبهاني : ومن قيّد العصمة في زمرة معدودة ونفيها عن غير ذلك الزمرة فقد سلك مسلكاً آخر وله وجه يعلمه من علمه فإنّ الحكم بكون المهدي الموعود رضي‌الله‌عنه موجوداً ، وهو كان قطباً بعد أبيه الحسن العسكري عليهما‌السلام كما كان هو قطباً بعد أبيه إلى الإمام عليّ بن أبي طالب كرّمنا اللَّه بوجوههم .

يشير إلى صحة حصر تلك الرتبة في وجوداتهم من حين كان القطبيّة في وجود جدّه عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام إلى أن تتم فيه لا قبل ذلك ، فكلّ قطب فرد يكون على تلك الرتبة نيابة عنه لغيبوبته من أعين العوام

__________________

(١) فرائد السمطين ٢ : ٣٣٧ . ٥٩١ .

(٢) في النسخ : الموودي ، والمثبت من نزهة الخواطر .

(٣) الحسيني الفيض آبادي ، من نسل الشيخ قطب الدين مودود الجشتي الحسيني ، ولد ونشأ بدهلي ، وتوفّي سنة ١٢١٠ ه . نزهة الخواطر ٧ : ٣٣٧ / ٥٧٩ .

٦٣

والخواص لا عن أعين أخص الخواص ، وقد ذكر ذلك عن الشيخ صاحب اليواقيت وعن غيره أيضاً رضي اللَّه عنه وعنهم ، فلا بدّ أن يكون لكلّ إمام من الأئمّة الاثنى عشر عصمة. خذ هذه الفائدة (١) .

قال الشيخ عبد الوهاب الشعراني في المبحث الخامس والستّين : قال الشيخ تقي الدين بن أبي منصور في عقيدته بعد ذكر تعيين السنين للقيامة : فهنالك (٢) يترقّب خروج المهدي عليه‌السلام ، وهو من أولاد الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام ، وساق كما مرّ .

إلى قوله : يواطئ اسمه اسمه اسم رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وقال : ثمّ عدّ رضي‌الله‌عنه نبذة من شميم المهدي وأخلاقه النبويّة التي تكون فيه ونحن نذكره في أحوال عارف الجندي إن شاء اللَّه تعالى (٣) . انتهى .

ومنهم : الشيخ العارف عبد الرحمن (٤) صاحب كتاب مرآة الأسرار ، وهو كتاب بالفارسيّة في التصوّف ، ينقل عنه كثيراً الشاه ولي اللَّه الدهلوي أبو الشاه صاحب التحفة الاثنى عشريّة في كتابه كتاب الانتباه في سلاسل أولياء اللَّه وأسانيد وارثي رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والغرض أنّه من أعاظم الصوفيّة ، قال في مرآة الأسرار وهو بالفارسيّة ما لفظه :

ذكر آن آفتاب دين ودولت ، ان هادى جميع ملّت ودولت ، آن قائم مقام پاك احمدى ، امام بر حق ابو القاسم محمّد بن الحسن المهدى رضي‌الله‌عنه ،

__________________

(١) انظر كشف الأستار ٨٠ ـ ٨١ ، الإمام المهدي للسيد محمّد سعيد الموسوي : ٤٧ .

(٢) في المصادر : فهناك بدل : فهنالك .

(٣) اليواقيت والجواهر ٢ : ١٧٨ ، وانظر كشف الأستار للنوري : ٨١ .

(٤) ابن عبد الرسول العباسي العلوي الدنيتهوي الأودي ، أحد المشايخ الجشتية الصوفية ، وكتابه مراة الأسرار في سير المشايخ الجشتيّة ، توفّي سنة ١٠٩٤ ه . نزهة الخواطر ٥ : ٢١٩ / ٣٢٩ .

٦٤

وى امام دوازدهم است از ائمه اهل بيت ، مادرش ام ولد بود نرجس نام داشت ، ولادتش شب جمعه پانزدهم ماه شعبان سنه خمس وخمسين ومائتين ـ وبروايت شواهد النبوة بتاريخ ثلاث وعشرين شهر رمضان سنه ثمان وخمسين ومائتين (١) در سرّ من رأى عرف سامره واقع شده ، وامام دوازدهم در كنيت ونام حضرت رسالت پناهى عليه‌السلام موافقت دارد ، القاب شريفش : مهدى ، وحجه ، وقائم ، ومنتظر ، وصاحب الزمان ، وخاتم اثنى عشر عليه‌السلام ، وصاحب الزمان ، در وقت وفات پدر خود امام حسن عسكرى عليه‌السلام پنج ساله بود كه بر مسند امامت نشست ، چناچه حق تعالى حضرت يحيى بن زكريا عليهما‌السلام را در حالت طفوليت حكمت كرامت فرموده وعيسى بن مريم عليهما‌السلام را وقت صبا بمرتبة بلند رسانيد همچنين او را در صغر سن امام كردانيد ، وخوارق عادات او نه چندان است كه در اين مختصر كنجايش داشته باشد (٢) .

__________________

(١) شواهد النبوّة : ٢٧٧ .

(٢) مرآة الأسرار ( مخطوطة مجلس الشورى الإسلامي في ايران ) الورقة ١ : ٧٨ ، وفي إحقاق الحقّ ١٣ : ٩٣ : ومنهم العارف عبد الرحمن من مشايخ الصوفية في مرآة الأسرار : ٣١ ، قال ما ترجمته بالعربية : ذكر من هو شمس الدين والدولة وهادي الملّة والدولة : من هو القائم في المقام المطهّري الأحمدي الإمام بالحقّ أبو القاسم محمّد بن الحسن المهدي رضي‌الله‌عنه ، وهو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت ، اُمّه كانت اُم ولد اسمها نرجس ، ولادته ليلة الجمعة خامس عشر شهر شعبان سنة ثمان وخمسين وماءتين ، وعلى رواية شواهد النبوّة أنّها في ثلاث وعشرين من شهر رمضان سنة ثمان وخمسين في سرّ من رأى المعروفة بسامرّاء ، وافق رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله في الاسم والكنية ، وألقابه : المهدي ، والحجّة ، والقائم ، والمنتظر ، وصاحب الزمان ، وخاتم الاثني عشر ، وصاحب الزمان كان عمره عند وفاة أبيه خمس سنين وجلس على مسند الإمامة ومثله يحيى بن زكريا حيث أعطاه اللَّه في الطفولية الحكمة

٦٥

ثمّ نقل كلام الشيخ محي الدين بن عربي المتقدّم ، وكلام عبد الرحمن الجامي في شواهد النبوة ، وأنّ صاحب كتاب المقصد الأقصى كتب : إنّ حضرة الشيخ سعد الدين الحموي خليفة حضرة نجم الدين صنّف كتاباً في الإمام المهدي محمّد بن الحسن العسكري ، وذكر خوارق كراماته ، وأنّه إذا ظهر تظهر الولاية المطلقة ، وترتفع مذاهب الظلم ، و يطهّر الربع المسكون من الظلم (١) .

قال : و بالجملة إذا كان الدجّال قد اختفى وحضرة عيسى عليه‌السلام أيضاً اختفى فإذا اختفى ابن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله الإمام المهدي بن الحسن العسكري وغاب عن نظر العوام يظهر في وقته مثل عيسى والدجّال بتقدير اللَّه عزّ وجلّ ليس محلاًّ للتعجّب ، فقد نصّ على ذلك جماعة من أكابر العلماء ، ونصّ عليه أئمّة أهل البيت فلا ينبغي إنكاره لمحض التعصّب ولا ضرورة في إنكار ذلك ، انتهى فراجعه فإنّه من كلام أهل الإنصاف (٢).

ومنهم : العارف المشهور أبو المعالي صدر الدين القونوي (٣) على ما نقله العارف المتألّه السيّد حيدر بن عليّ الآملي فإنّه ذكر في كشكوله : إنّ الشيخ صدر الدين القونوي عرض جملة من كتبه ورسائله على المهدي

__________________

والكرامة ، ومثل عيسى بن مريم حيث أعطاه اللَّه النبوّة في صغر سنّه ، كذلك المهدي جعله اللَّه إماماً في صغر سنّه ، وما ظهر له من خوارق العادات كثير لا يسعها هذا المختصر .

(١) مرآة الاسرار ( مخطوطة مجلس الشورى الاسلامي في ايران ) ١ : ٨٠ ، مقصد اقصى : ٤٤ .

(٢) انظر كشف الأستار : ٨١ ـ ٨٣ ، والبرهان على وجود صاحب الزمان : ٧٠ ـ ٧١ .

(٣) هو محمّد مجد الدين بن إسحاق الملاطي القونوي ، ربيب الشيخ محي الدين العربي واُستاذ القطب الشيرازي وصاحب سعد الدين الحموي ، له مراسلات مع الخواجة نصير الدين الطوسي ، توفّي سنة ٦٧٢ أو ٦٧٣ ه . طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٨ : ٤٥ / ١٠٦٩ ، الوافي بالوفيات ٢ : ٢٠٠ / ٥٧٩ .

٦٦

صاحب الزمان عليه‌السلام ، ونقل عنه غير واحد اعتقاد ذلك ، واللَّه العالم (١) .

منهم : شيخ مشايخ الصوفيّة جلال الدين الرومي صاحب الديوان والمثنوي قال في ديوانه في قصيدته في الأئمّة الاثنى عشر ما لفظه :

بامير دين هادى بكو با عسكرى مهدى بكو

با آن ولى مهدى بكو مستان سلامت ميكنند(٢)

ومنهم : الشيخ العارف محمّد المشتهر بالشيخ العطّار فقد صرّح في كتابه مظهر الصفات بأنّ المهدي ثاني عشر الأئمّة من أهل البيت بعد عدّهم واحداً واحداً بالنظم الفارسي ، وأطال في الثاني عشر ، وصرّح بغيبته ، وأنّه الموعود لا بدّ من ظهوره ، و بظهوره يظهر العدل في الدنيا ، وقد أخرج تمام شعره في المهدي في ينابيع المودّة فراجعه إن كنت من أهل لسانه (٣) .

ومنهم : الذين نسب إليهم الإقرار بالمهدي محمّد بن الحسن العسكري ولم أعثر على كلامهم في ذلك لكن نسبه إليهم في ينابيع المودّة وهم : شمس الدين التبريزي شيخ المولوي جلال الدين الرومي ، والسيّد شاه نعمة اللَّه الولي ، والسيّد النسيمي ، والسيّد عليّ بن شهاب الدين الهمداني العارف المعروف ، وأنّه صرّح بذلك في المودّة العاشرة من كتابه المسمى بمودّة القربى ، وإلى عماد الدين الحنفي ، وموفق ابن أحمد الخطيب المكّي ، والمولى حسين الكاشفي ، واللَّه العالم (٤) .

وإذا عرفت ما ذكرنا من نصوص النسّابين والفقهاء والمحدّثين وأهل

__________________

(١) انظر ملحقات الإحقاق ١٩ : ٦٩٠ ، ينابيع المودّة ٣ : ٣٤٠ .

(٢) عنه في ينابيع المودّة ٣ : ٣٥١ ، إحقاق الحقّ ١٩ : ٦٩٣ .

(٣) ينابيع المودّة ٣ : ٣٥٠ ، وانظر إحقاق الحقّ ١٩ : ٦٩٢ .

(٤) ينابيع المودّة ٣ : ٣٤٨ .

٦٧

الأخبار والتواريخ والمصنّفين والعرفاء المشهورين بتولّده ، لم يبق لما حكاه ابن تيميّة عن ابن جرير وعبد الباقي بن نافع إن صحّ النقل عنهما ، فإني أتّهم ابن تيميّة لقوّة ملكته بالكذب ، و إن صحّ النقل عنهما فلا وقع له ولا أثر له في مقابل هذا الجمع الغفير من أهل السنّة والجماعة الثقات ، حتّى رأيت أنّ أكثرهم قد وافق الإماميّة في إمامته ، وأنّه المهدي الموعود فضلاً عن ولادته ، و بالجملة من كان يشهد و يثبت مثل هؤلاء ولادته لا يعارض بدعوى النفي ، فإنّ شهادة المثبت مقدّمة على شهادة النفي لأنّ أقصاها عدم العلم لأنّه لا طريق إلى العلم بالعدم بالضرورة ، وإنّما صارت ولادته محلاًّ للخلاف لأنّه ولد ولادة مستورة ، لأنّ حديث تملّكه ودولته وظهوره على كافة الممالك والعباد والبلاد كان قد ظهر للناس ، فخيف عليه ، كما جرت الحال في ولادة إبراهيم (١) وموسى (٢) وغيرهما ، و إنّما عرفت الخواص ذلك لاختصاصهم بأبيه ، فإن كلّ مَن يلازم قوماً يكون أعرف بأحوالهم وأسرارهم من الأجانب .

وأمّا قول ابن تيميّة : وهذا لو كان موجوداً معلوماً لكان الواجب في حكم اللَّه الثابت بنصّ القرآن والسنّة والإجماع أن يكون محضوناً عند من يحضنه في بدنه كاُ مّه واُم اُ مّه ونحوهما من أهل الحضانة ، وأن يكون ماله عند من يحفظه إمّا وصي أبيه إن كان له وصي ، إمّا غير الوصي إمّا قريب و إمّا نائب لدى السلطان ، فإنّه يتيم لموت أبيه واللَّه تعالى يقول : ( وَ ابْتَلُواْ

__________________

(١) تاريخ الطبري ١: ١٦٤ ، مروج الذهب ١ : ٦٥ ، الإرشاد للمفيد ٢ : ٣٣٦ ، أعلام الورى للطبرسي ٢ : ٣٠٠ .

(٢) تاريخ الطبري ١ : ٢٧٢ ، مروج الذهب ١ : ٦١ ، كشف الغمّة ٢ : ٤٤٦ ، اعلام الورى للطبرسي ٢ : ٣٠٠ .

٦٨

الْيَتَمَى حَتَّى إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ ءَانَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَ لَهُمْ وَ لَا تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافًا وَ بِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ ) (١) فهذا لا يجوز تسليم ماله إليه حتّى يبلغ النكاح و يؤنس منه الرشد كما ذكر اللَّه تعالى ذلك في كتابه ، فكيف يكون من يستحقّ الحجر عليه في بدنه وماله إماماً لجميع المسلمين معصوماً لا يكون أحد مؤمناً إلّا بالإيمان به (٢) ؟ ! .

فأقول : قد جاء القرآن بما أعطاه اللَّه ليحيى بن زكريا من الحكمة في حال طفوليته ، وبما أعطاه عيسى بن مريم في وقت صباه .

فإن ادّعى ابن تيميّة عدم الإمكان مطلقاً فقد كفر بتكذيب القرآن ، و إن اعترف بالإمكان وطلب الدليل على إعطاء رتبة الولاية للمهدي في حال صباه فليس هذا تقرير هذا السؤال بل صريح كلامه خلافه .

فنقول : يا محروم ليس كلّ صغير محجوراً عليه بالضرورة ، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري في شرح حديث الصدقة : إنّ الحسن بن علي بن أبي طالب كان ينظر في أيّام رضاعه إلى اللوح ، و إنّ علومهم لدنيّة ليس بالاكتساب حتّى يتوقّف على البلوغ (٣) .

وقال ابن حجر المكّي : ولم يخلف غير ولده أبي القاسم محمّد الحجّة ، وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين لكن آتاه اللَّه فيها الحكمة ، إلى آخر ما مرّ (٤) .

__________________

(١) سورة النساء ٤ : ٦ .

(٢) منهاج السنّة ٤ : ٨٨ ـ ٨٩ .

(٣) انظر الصوارم المهرقة : ٣١٣ ، وإحقاق الحق ٢ : ٣١٢ و ٣ : ١٩٣ ـ ١٩٤ ، وكشف الأستار : ٢٢٤ .

(٤) الصواعق المحرقة ٢ : ٤٨١ .

٦٩

وقال القرماني في كتاب أخبار الدول : الفصل الحادي عشر في ذكر الخلف الصالح الإمام أبي القاسم محمّد بن الحسن العسكري رضي‌الله‌عنه ، وكان عمره عند وفاة أبيه خمس سنين آتاه اللَّه فيها الحكمة كما اُوتيها يحيى عليه‌السلام ، إلى آخر ما ذكر (١) .

وأهل البيت عندهم المهدي مثل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في العصمة ، وكذلك عند عرفاء الصوفيّة كما صرّح به ابن عربي والشعراني وغيرهم ، قال اللَّه تعالى : ( قَالَ إِنِّى عَبْدُ اللَّهِ ءَاتَنِىَ الْكِتَبَ وَ جَعَلَنِى نَبِيًّا ) (٢) ، وقال : ( يَيَحْيَى خُذِ الْكِتَبَ بِقُوَّةٍ وَ ءَاتَيْنَهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ) (٣) فإن صحّ أنّه المهدي الموعود فاللَّه كافله واللَّه ناصبه لهذا المقام كما نصب عيسى وأعطى يحيى الحكم حال الصبا آية له ، والمهدي أعظم آية من يحيى وعيسى كما في الروايات ، وعلمه مثل علم الأنبياء بالإلهام ، وله العصمة بالإجماع كما قرّروا ذلك في الفتوحات (٤) واليواقيت (٥) والإسعاف (٦) وكلّ كتب أهل المعرفة ، فلا يقاس بأحد من الناس في كلّ حالاته وأحواله .

قال نور الدين الجامي في شواهد النبوّة : ولمّا ولد محمّد بن الحسن العسكري المهدي المنتظر كان مقطوع السرّة مختوناً مكتوباً على ذراعه الأيمن : ( جَآءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْبَطِلُ إِنَّ الْبَطِلَ كَانَ زَهُوقًا ) (٧) .

__________________

(١) أخبار الدول ١ : ٣٥٣ .

(٢) سورة مريم ١٩ : ٣٠ .

(٣) سورة مريم ١٩ : ١٢ .

(٤) الفتوحات المكّية ٣ : ٣٣٥ ، ٣٢٨ .

(٥) اليواقيت والجواهر ٢ : ١٧٨ .

(٦) إسعاف الراغبين بسيرة المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله ( بهامش نور الأبصار ) : ١٥١ .

(٧) سورة الإسراء ١٧ : ٨١ .

٧٠

قال : ولمّا ولد جثا على ركبته ورفع سبّابته إلى السماء وعطس وقال : « الحمد للَّه ربّ العالمين » .

وحكي قبل هذا عن حكيمة بنت الإمام الجواد أنّها كانت حاضرة وقت ولادته ، وأنّه لمّا ولد أضاء البيت فرأيت الولد على الأرض ساجداً ، فأخذته فناداني أبوه أبو محمّد من حجرته : « يا عمة ايتيني بولدي » فأتيته به فأجلسه في حجره ، ووضع لسانه في فمه وقال : « تكلّم يا ولدي بإذن اللَّه تعالى » ، فقال : ( بسم اللَّه الرحمن الرحيم وَ نُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ فِى الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوَ رِثِينَ ) (١) الحديث (٢) .

وبالجملة فلا ينبغي من ابن تيميّة أن يتكلّم بما يفضح نفسه بين الناس ، بل كان ينبغي بعد أن فرض وجوده أن يطلب الدليل على أنّه المهدي الموعود لا هذه الكلمات الواهيات والخرافات التي تضحك الأطفال ، كقوله : ثمّ هذا باتّفاق منهم سواء قدر وجوده أو عدمه ، لا ينتفعون به لا في الدين ولا في الدنيا ، ولا علّم أحداً شيئاً ولا عرف له صفة من صفات الخير ولا الشرّ ، فلم يحصل به شي‏ء من مقاصد الإمامة ومصالحها لا الخاصّة ولا العامة (٣) .

فهذا من نمط ما قبله من أقبح الكذب لا تّفاق أهل السنّة والإماميّة القائلين بإمامته على الانتفاع به في غيبته ، أمّا من أهل السنّة فقد عرفت أسماءهم ونصوصهم به ، و بالانتفاع منه خصوصاً مشايخ الصوفيّة فإنّهم

__________________

(١) سورة القصص ٢٨ : ٥ .

(٢) شواهد النبوّة : ٢٧٧ ـ ٢٧٨ ، وانظر أعيان الشيعة ٢ : ٦٧ ، واحقاق الحق ١٣ : ٩٥ .

(٣) منهاج السنّة ٤ : ٨٩ ـ ٩٠ .

٧١

صرّحوا كما تقدّم بأنّه يظهر لخواص الخواص ، ونقلوا عنه أخباراً وأحكاماً ، ونصّ الشيعة على أنّه كان له وكلاء ظاهرون في غيبته بأسمائهم وأنسابهم وأوطانهم يخبرون عنه بالكرامات وجواب المشكلات ، منهم : عثمان بن سعيد العمري (١) ، وابنه أبو جعفر محمّد بن عثمان الخلّاني (٢) ، وأبو القاسم ابن روح النوبختي (٣) ، وعلي بن محمّد السمري (٤) ، وقد ذكر نصر بن علي الجهضمي (٥) برواية رجال السنّة والجماعة حال هؤلاء الوكلاء وأسمائهم ، وأنّهم كانوا وكلاء المهدي (٦) ، ولقد لقى المهدي بعد ذلك خلق كثير من الشيعة وغيرهم ، وظهر لهم على يده من الدلائل ما ثبت عندهم أنّه هو المهدي الموعود ، وقد صنّفوا كتباً فيمن لقيه‏ عليه‌السلام واستفاد منه في الغيبة الصغرى والكبرى ، وقد كتب عنه من شيوخ أهل السنّة الحافظ البلاذري كما

__________________

(١) الثقة الجليل ، خدم الإمام الهادي عليه‌السلام ، ثم صار وكيلاً للإمام العسكري‏ عليه‌السلام وللإمام الحجّة عليه‌السلام ، توفّي سنة ٢٦٥ ه . تنقيح المقال ٢ : ٢٤٥ / ٧٧٨٢ .

(٢) أبو جعفر العمري ، كان وأبيه صاحبا المنزلة الجليلة عند الإمامية ، وقد تولّى الوكالة خمسين عاماً ، توفّي سنة ٣٠٥ ه . تنقيح المقال ٣ : ١٤٩ / ١١٠٥١ .

(٣) الحسين بن روح ، ثالث السفراء الأربعة للإمام المهدي‏ عليه‌السلام ، تولّى السفارة بعد وفاة محمّد بن عثمان العمري سنة ٣٠٥ ه . و بقي عليها إلى أن توفّي سنة ٣٢٦ ه تنقيح المقال ٢٢ : ٦٩ / ٦٠٩٩ .

(٤) الفقيه أبو الحسن البغدادي ، كان رابع السفراء للإمام المهدي عليه‌السلام ، وبعد وفاته ـ سنة ٣٢٩ ه ـ كانت الغيبة الكبرى ، وكان من الأجلّاء والعظماء الذين وثّقهم الأئمّة وأمروا بالرجوع إليهم . تنقيح المقال ٢ : ٣٠٤ / ٨٤٧٦ .

(٥) نصر بن علي بن نصر بن علي أبو عمرو البصري ، من ثقات رجال العامة ، روى حديثاً في أهل البيت عليهم‌السلام فأمر المتوكّل العباسي بضربه ألف سوط ، توفّي سنة ٢٥٠ ه . تاريخ بغداد ١٣ : ٢٨٧ / ٧٢٥٥ ، الأنساب ٢ : ١٩٤ / ٢٥١٤ ، الكنى والألقاب ٢ : ١٤٦ .

(٦) انظر تاريخ أهل البيت عليهم‌السلام : ١٥٠ ـ ١٥١ ، الطرائف لابن طاووس قدس سره : ١٨٥ .

٧٢

نصّ عليه السمعاني في الأنساب (١) ، والحاكم في تاريخ نيسابور وقد تقدّم نقله (٢) ، والشيخ العارف علي الخوّاص ، والشيخ حسن العراقي كما عرفت نقله عنهم (٣) برواية القطب الشعراني في الطبقات الكبرى ـ أعني اللواقح ـ في ترجمتهما (٤) ، وقد تقدّم كلامه في أول كتاب الأنوار القدسيّة في آداب العبوديّة قال : وقد اجتمعنا بمن اجتمع بالمهدي وأخذ عنه طريق القوم وهو شيخنا العارف باللَّه تعالى الشيخ حسن العراقي صاحب الضريح فوق الكرم بقرب بركة الرطل بمصر ، وذكر لي‏ رضي‌الله‌عنه إنّه اجتمع بالمهدي إمام آخر الزمان عليه‌السلام بدمشق ، وأقام سبعة أيّام ، وعلّمه ورده كلّ ليلة خمسمائة ركعة وصيام الدهر ، وذكر لي وقائع كثيرة ، وأنّه سأل الإمام عن سنّة مولده فقال : « تولّدت بعد المائتين والخمسين من الهجرة » فسألت عن ذلك بعض الكمّل من مشايخنا فأجاب بالتاريخ المذكور سواء بسواء فاعلم ذلك (٥) ، انتهى .

وقد تقدّم كلام صاحب المكاشفات عليّ أكبر [ المودودي] (٦) فإنّه قال : فكلّ قطب فرد يكون على تلك الرتبة نيابة عنه لغيبوبته من أعين العوام والخواص لا عن أعين أخصّ الخواص ، وقد ذكرنا ذلك عن الشيخ صاحب اليواقيت وعن غيره أيضاً رضي اللَّه عنهم (٧) ، انتهى .

__________________

(١) الأنساب ١ : ١٤٤ / ١٥٢٦ .

(٢) تقدّم في ص : ٢٣ ـ ٢٤ .

(٣) تقدم في ص : ٥٥ ـ ٥٦ .

(٤) الطبقات الكبرى للشعراني ٢ : ١٣٩ / ٢٥ و ٢ : ١٥٠ / ٦٣ .

(٥) الأنوار القدسية ( هامش الطبقات الكبرى ) ١ : ٤ ، الطبقات الكبرى المسمّى بلواقح الأنوار ٢ : ١٣٩ .

(٦) في النسخ : المورودي ، والمثبت عن النزهة ٧ : ٣٣٧ / ٥٧٩ .

(٧) تقدم في ص : ٥٤ ، وانظر كشف الأستار : ٨١ ، واليواقيت ٢ : ٩٧ .

٧٣

أقول : قد أعمى اللَّه ابن تيميّة عن معرفة ثمرة وجود الحجّة محمّد ابن الحسن المهدي ، فإنّ لوجوده الشريف نفعاً عاماً لجميع ما خلق اللَّه على وجه الأرض بنصّ رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأنّ المهدي عليه‌السلام هو الأمان لأهل الأرض من أهل البيت في هذه الأعصار ، ولأنّه الإمام الثاني عشر ، وقد قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا يزال هذا الدين قائماً إلى اثني عشر من قريش فإذا مضوا ساخت الأرض بأهلها » (١) وفي نسخة : « ماجت » (٢) ، أخرجه ابن بطّة العكبري (٣) في الإبانة (٤) ، وفي بعض طرقه : « ثمّ يكون الهرج » (٥) فكلّ حيّ في الأرض يتعيّش ببركة المهدي ولولاه لساخت الأرض بأهلها وقامت القيامة ، فأي نفع أعظم من هذا يا ابن تيميّة ؟ !

وهذا الشيخ ابن عربي يقول في باب ٣٨٣ : اعلم أنّ القطب يحفظ دائرة الوجود كلّه من عالم الكون و الفساد (٦) .

وأمّا قول ابن تيميّة : لا علّم ، إلى آخره .

فقد ذكر عبد الرحمن الصوفي في كتابه مرآة الأسرار (٧) الذي كتبه

__________________

(١) تقريب المعارف للحلبي : ٤١٧ ، إعلام الورى بأعلام الهدى للطبرسي ٢ : ١٦١ ، المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٢٩٠ .

(٢) انظر مقتضب الأثر للجوهري : ٤ .

(٣) أبو عبد اللَّه عبيد اللَّه بن محمّد ابن بطّة العكبري ، من أهل عكبرى ، فقيه محدّث من الحنابلة ، توفّي سنة ٣٨٧ ه ، من مصنّفاته الإبانة . الأنساب للسمعاني ٤ : ١٩٦ / ٧٢٤٣ .

(٤) عنه في كشف الأستار للمحدّث النوري : ١٣٤ / ١٠ .

(٥) انظر جامع الأحاديث للسيوطي ٨ : ٣٣٦ / ٢٦٤٧١ ، كنز العمّال ١١ : ١٣٥ / ٣٠٩٢٩ ، تحفة الأحوذي ٦ : ٣٩١ .

(٦) الفتوحات المكّيّة ٣ : ٥٢٠ .

(٧) كذا في النسختين والصواب : مرآة مداري بدل : مرآة الأسرار . وهو كتاب ألّفه عبد الرحمن الصوفي في ترجمة حياة بديع الدين أحد الصوفيّة ، انظر المصادر .

٧٤

لأجل القطب المدار قال : پس صاحب زمان مهدى از كمال ألطاف شاه مدار در چند مدت دوازده كتاب وصحف اسمانى تعليم نمود (١) ، إلى آخره .

وأخرج جمال الدين عطاء اللَّه المحدّث الشيرازي النيسابوري المعروف في كتابه روضة الأحباب ـ الذي عدّه القاضي حسين الدياربكري في أوّل تاريخ الخميس من الكتب المعتمدة (٢) ـ عن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري قال : لمّا نزل على رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَ أَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَ أُوْلِى الْأَمْرِ مِنكُمْ ) (٣) قلت : يا رسول اللَّه عرفنا اللَّه ورسوله فمن « اُولي الأمر » الذين قرن اللَّه تعالى طاعتهم بطاعتك ؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « هم خلفائي من بعدي أوّلهم عليّ بن أبي طالب ، ثمّ الحسن ، ثمّ الحسين ، ثمّ عليّ بن الحسين ، ثمّ محمّد بن عليّ المعروف في التوراة بالباقر وستدركه يا جابر فإذا لقيته فاقرأه مني السلام ، ثمّ الصادق جعفر بن محمّد ، ثمّ موسى بن جعفر ، ثمّ عليّ بن موسى ، ثمّ محمّد بن عليّ ، ثمّ عليّ بن محمّد ، ثمّ الحسن بن عليّ ، ثمّ حجّة اللَّه في أرضه و بقيّته في عباده محمّد بن الحسن بن عليّ ، ذلك الذي يفتح اللَّه عزّ وجلّ على يديه مشارق الأرض ومغاربها ، وذلك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلّا من امتحن اللَّه قلبه للإيمان » ، قال جابر : يا رسول اللَّه وهل ينتفعون شيعته به في أيّام غيبته ؟ فقال : « إي والذي بعثني بالنبوّة أنّهم يستضيئون بنوره ، و ينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس

__________________

(١) انظر النجم الثاقب ( المعرّب ) ٢ : ٣٤٢ ـ ٣٤٣ ، كشف الأستار للمحدّث النوري : ٨٤ . مرآة الأسرار ٢ : ٤٤٤ .

(٢) تاريخ الخميس ١ : ٣ .

(٣) سورة النساء ٤ : ٥٩ .

٧٥

بالشمس وإن علاها سحاب ، يا جابر هذه أسرار اللَّه المكنونة فاكتمها عن غير أهلها » (١) . انتهى.

فهذه نبذة من كلام أهل السنّة فكيف يدّعي اتّفاقهم على عدم الانتفاع به ؟ !

وأمّا الإماميّة فقد نصّ السيد المرتضى الموسوي قدس‌سرهما ـ أحد أئمّتهم المعروفين فيهم في العلم والفضل ـ قال في مسألة الغيبة :

فإن قيل : فأي فرق بين وجوده غائباً لا يصل إليه أحد ولا ينتفع به بشر و بين عدمه ، و إلّا جاز إعدامه إلى حين علم اللَّه سبحانه بتمكين رعيته له ، كما جاز أن يبيحه الاستتار حتّى يعلم منه التمكين له فيظهر ؟

قيل : أوّلاً : نحن نجوّز أن يصل إليه كثير من أوليائه والقائلين بإمامته فينتفعون به ، ومن لم يصل إليه ولا يلقاه من شيعته ومعتقدي إمامته فهم ينتفعون به في حال الغيبة النفع الذي نقول أنّه لا بدّ في التكليف منه ، لأنّهم مع علمهم بوجوده بينهم وقطعهم على وجوب إطاعته عليهم ولزومها لهم لا بدّ من أن يخافوه و يهابوه في ارتكاب القبائح و يخشوا تأديبه ومؤاخذته فيقلّ منهم فعل القبيح و يكثر فعل الحسن ، أو يكون ذلك أقرب ، إلى آخر ما ذكره (٢) .

وقال في كتابه تنزيه الأنبياء في جواب من قال : إذا كان الإمام غائباً بحيث لا يصل إليه أحد من الخلق ولا ينتفع به ، فما الفرق بين وجوده وعدمه ؟

__________________

(١) عنه في عبقات الأنوار ٢٠ : ٣٣٨ ، والنجم الثاقب للمحدّث النوري ( المعرّب ) ١ : ٢٥٣ / ٣ ، وانظر كمال الدين ٣ / ٢٥٣ : ١ ، المناقب لابن شهر آشوب ١ / ١٢٨ .

(٢) رسائل السيد المرتضى ٢ : ٢٩٧ .

٧٦

قال : قلنا : الجواب أوّلاً : ما نقوله إنّا غير قاطعين على أنّ الإمام لا يصل إليه أحد ولا يلقاه بشر فهذا أمر غير معلوم ، ولا سبيل إلى القطع عليه ، إلى آخره .

وقال في الكتاب المذكور في جواب من قال : إذا كانت العلّة في استتاره خوفه من الظالمين واتّقاءه من المعاندين فهذه العلّة زائلة في أوليائه وشيعته ، فيجب أن يكون ظاهراً لهم ـ بعد كلام له ـ وقلنا أيضاً : إنّه غير ممتنع أن يكون الإمام يظهر لبعض أوليائه ممّن لا يخشى من جهته شيئاً من أسباب الخوف ، وأنّ هذا ممّا لا يمكن القطع على ارتفاعه وامتناعه ، و إنّما يعلم كلّ واحد من شيعته حال نفسه ولا سبيل له إلى العلم بحال غيره (١) .

وله في كتابه كتاب المقنع في الغيبة كلاماً يقرب من هذا (٢) .

وقال شيخ الشيعة محمّد بن الحسن الطوسي ـ الذي ذكره بهذا الوصف التاج السبكي في الطبقات الكبرى (٣) ـ في كتابه الغيبة في جواب ذلك السؤال ما لفظه : إنّا لانقطع على استتاره عن جميع أوليائه بل يجوز أن يبرز لأكثرهم ، ولا يعلم كلّ إنسان إلّا حال نفسه ، فإن كان ظاهراً له فعلّته مزاحة ، و إن لم يكن ظاهراً علم أنّه إنّما لم يظهر له لأمر يرجع إليه و إن لم يعلمه مفصّلاً لتقصير من جهته (٤) ، إلى آخره .

وقال السيّد جمال الدين عليّ بن موسى الطاووسي الحلّي النقيب المعروف في كتابه الطرائف : ولقد لقي المهدي عليه‌السلام بعد ذلك خلق كثير من

__________________

(١) تنزيه الأنبياء : ٢٣٥

(٢) المقنع في الغيبة : ٥٥ .

(٣) طبقات الشافعيّة الكبرى ٤ : ١٢٦ / ٣١٥ .

(٤) كتاب الغيبة للشيخ الطوسي : ٩٩ ـ ١٠٠ .

٧٧

الشيعة وغيرهم ، وظهر لهم على يده من الدلائل ما ثبت عندهم أنّه هو ، و إذا كان‏ عليه‌السلام الآن غير ظاهر لجميع الشيعة فلا يمتنع أن يكون جماعة منهم يلقونه و ينتفعون بمقالته وفعاله و يكتمونها ، كما جرى الأمر في جماعة من الأنبياء والأوصياء والملوك والأولياء حيث غابوا عن كثير من الاُمّة لمصالح دينية أوجبت ذلك (١) . انتهى .

وروى محمّد بن يعقوب الكليني شيخ الشيعة ، مجدّد طريقة أهل البيت في رأس المائة الثالثة ـ كما نصّ عليه ابن الأثير في جامع الاُصول (٢) ـ عن إسحاق بن عمّار ، قال : قال أبو عبد اللَّه الصادق جعفر بن محمّد : « للقائم غيبتان أحدهما صغيرة والاُخرى طويلة ، الغيبة الاُولى لا يعلم بمكانه فيها إلّا خاصّة من شيعته ، والاُخرى لا يعلم بمكانه فيها إلّا خاصّة مواليه » (٣) . انتهى .

قال المحدّث النوري : يظهر من هذا الحديث أنّ المخفي على الأنام والمحجوب عنهم مكانه ومستقرّه الذي يقيم فيه فلا يصل إليه أحد ولا يعرفه غيره ، فلا ينافي لقاءه ومشاهدته في الأماكن والمقامات التي قد مرّ ذكر بعضها ، وظهوره عند المضطر المستغيث به الملتجي إليه ، إلى آخر ما ذكره (٤) .

وقد رأيت له كتاباً سمّاه جنّة المأوى فيمن فاز بلقاء الحجّة

__________________

(١) الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف : ١٨٤ .

(٢) جامع الاُصول ١٢ : ٦٣ / ٨٨٤١ ، وقال في ص ٢٢٢ : وأبو جعفر محمّد بن يعقوب الرازي من الإماميّة.

(٣) الكافي ١ : ٣٤٠ / ١٩ .

(٤) جنّة المأوى في ذكر من فاز بلقاء الحجّة عليه‌السلام : ١٦٥ ، وانظر بحار الأنوار ٥٣ : ٢٢٤ .

٧٨

المهدي‏ عليه‌السلام في الغيبة الكبرى ، وذكر تسعاً وخمسين حكاية في ذلك ، فيها من الكرامات والآيات للمهدي ما لا يوصف ، وفيها الإغاثات للملهوفين في الدين والدنيا فراجعها .

وعقد المجلسي صاحب البحار في المجلد الثالث عشر منه وهو في تاريخ الإمام الثاني عشر والمهدي المنتظر عليه‌السلام ـ باب من ادّعى الرؤية في الغيبة الكبرى ، وأنّه يشهد الناس و يرى ولا يرونه ، وذكر أسماء من رآه في قرب زمانه وإغاثاته للناس ما هو أمر عظيم ، وأمّا في الغيبة الصغرى فقد صنّفوا كتباً مفردة في أحواله وأحوال سفرائه ومن رآه وكيفيّة انتفاع الناس به في غيبته ، وأخرجوا التوقيعات التي خرجت منه في أجوبة المسائل وكشف المعضلات والأخبار بالمغيّبات بما لا يمكن ذكره في هذا الكتاب (١) .

وبعد كلّ هذه النصوص والبيانات من علماء السنّة والشيعة في لقاء المهدي والانتفاع به كيف صحّ لابن تيميّة نقل الاتّفاق على عدم رؤيته وعدم الانتفاع به ؟ ! إن هذا إلّا اختلاق على العالم المتثبت في النقل حتّى لا يوقف له على زلّة فيه ، لكن شدّة التعصّب تغلب عليه وقد أعماه اللَّه وأضلّه ، كما قال الحافظ ابن حجر في الفتاوي الحديثيّة (٢) .

وأمّا قوله بعد ذلك : بل إن قدّر وجوده فهو ضرر على أهل الأرض بلا نفع أصلاً ، فإنّ المؤمنين به لم ينتفعوا به أصلاً ولا حصل لهم به لطف ولا مصلحة ، والمكذّبون به يعذّبون عندهم على تكذيبهم به .

وقال في صفحة ٢١٣ من الجزء الرابع : هذا الذي تدّعيه الرافضة إمّا

__________________

(١) بحار الأنوار ٥٢ : ١٥١ الباب ٢٣ .

(٢) الفتاوى الحديثيّة : ٨٦ .

٧٩

مفقود عندهم و إمّا معدوم عند العقلاء ، وعلى التقديرين فلا منفعة لأحد به لا في دين ولا في دنيا ، فمن علق دينه بالمجهولات التي لا يعلم ثبوتها كان ضالاً في دينه ، لأنّ ما علق به دينه لم يعلم صحته ولم يحصل له به منفعة ، فهل يفعل مثل هذا إلّا جاهل (١) ؟ ! انتهى .

فيه : أوّلاً : أنّ منافعه في الدين والدنيا عند العارفين لا تحصى كما عرفت جملة منها ، فإنّه عليه‌السلام أمان لأهل الأرض جميعاً كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء (٢) ، وأنّه لولاه لساخت الأرض (٣) ، وأيضاً يدفع اللَّه العذاب العام عن أهل الأرض ببركة وجوده كما كان جدّه كذلك ، قال اللَّه تعالى : ( وَ مَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنتَ فِيهِمْ ) (٤) لأنّه من أهل بيت رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله .

قال ابن حجر بعد ذكره : أشار صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى وجود هذا المعنى في أهل بيته لأنّهم أمان لأهل الأرض كما كان هو صلى‌الله‌عليه‌وآله أماناً لهم (٥) .

ثمّ أقول : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « في كلّ خلف من اُمّتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالّين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين » ، أخرجه الملّا في الوسيلة (٦) .

ومنها : أحاديث الخلفاء فإنّ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا يزال هذا الدين عزيزاً

__________________

(١) منهاج السنّة ٨ : ٢٦٢ .

(٢) اُصول الكافي ١ : ١٧٨ باب أنّ الارض لا تخلو من حجّة .

(٣) انظر دلائل الإمامة للطبري : ٤٣٦ ، وذخائر العقبى : ٢٧ .

(٤) سورة الأنفال ٨ : ٣٣ .

(٥) الصواعق المحرقة ٢ : ٤٤٢ ـ ٤٤٥ .

(٦) وسيلة المتعبّدين ( مخطوط ) ، وانظر ذخائر العقبى : ٢٧ ، والصواعق المحرقة ٢ : ٤٤١ .

٨٠