البراهين الجليّة - ج ٢

السيّد حسن الصدر

البراهين الجليّة - ج ٢

المؤلف:

السيّد حسن الصدر


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-629-5
ISBN الدورة:
978-964-319-618-9

الصفحات: ٤١٦
الجزء ١ الجزء ٢

لسائر النبيّين مبجّل لحرماته ومقتبس من مناره أن يفوه بمثل هذه الفتيا الفضيحة ، المشتملة على التنقيص الشنيع ، والإزراء القبيح ، والثلب الفضيح ، ولكن الباطل يعمي البصائر ، و يغشي السرائر ، و ينغل الضمائر ، و يصمّ الآذان ، ويفسد الإيمان ويدغل الإيقان ، ويبعث على الافتخار في المهالك ، والتغوّل في الحوالك ، والتردّي في المعاطب ، والانخداع بالكواذب.

وقد حاق والحمد للَّه بابن تيميّة وبال هذا الرأي الأعوج ، ونزل به نكال هذا الهذر الأسمج ، فكفّره علماء عصره ومصره ، والعجب كلّ العجب أنّ المحروم مع هذه المجازفات الفاحشة والنفثات الداهشة التي تذهل كلّ ذي رأي سديد ، يدّعي ملكة فهم معاني الأحاديث ، و إدراك دقائق الأسانيد ، فتعساً لهذه الملكة التي قادته إلى إبطال الأحاديث الثابتة ، والروايات الأثيلة التي هي عن اُصول التحقيق نابتة ، التي أثبتها إمامه وفخره وعماده وشرفه وسناده ، وأهل النقد والإمعان والحفظ والإتقان ، المجدّدين لما درس من آثاره ، المجتهدين في إنارة مقباسه ورفع مناره ، و يدرؤون في صدر ابن تيميّة و يدفعون في نحره ، و ينصرون الحقّ بتأزيره ، و يشيّدون مباني الصدق بتقريره ، و يحمون مواد الريب عن أساسها ، و ينوّرون طرق الهداية بإضاة نبراسها ، ويظهرون الصواب الصراح كالقمر اللياح ، ويجعلون ما لفقه ابن تيميّة من الأباطيل كهشيم تذروه الرياح .

الفصل الثاني : في إنكاره الآيات النازلة في العترة الطاهرة ، وتكذيبه الأحاديث المرويّة في ذلك .

قال في أوّل الجزء الرابع من منهاج الحشويّة : قال الرافضي : المنهج

١٤١

الثاني في الأدلّة المأخوذة من القرآن والبراهين الدالّة على إمامة عليّ من الكتاب العزيز كثيرة :

الأوّل : قوله تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَ هُمْ رَ كِعُونَ ) (١) ، وقد أجمعوا أنّها نزلت في عليّ .

قال الثعلبي في إسناده إلى أبي ذرّ رضي‌الله‌عنه : سمعت رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله بهاتين و إلّا صمّتا ورأيته بهاتين و إلّا عميتا يقول : « عليّ قائد البررة ، وقاتل الكفرة ، منصور من نصره ، ومخذول من خذله » أما أنّي صلّيت مع رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله صلاة الظهر فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد شيئاً ، فرفع السائل يده إلى السماء وقال : اللّهم إنّك تشهد أنّي سألت في مسجد رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله فلم يعطني أحد شيئاً ، وكان عليّ راكعاً ، فأومأ بخنصره اليمنى وكان متختّماً فيها ، فأقبل السائل حتّى أخذ الخاتم ، وذلك بعين رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمّا فرغ من صلاته رفع رأسه إلى السماء وقال : « اللّهمّ إنّ موسى سألك وقال : ( قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِى صَدْرِى * وَ يَسِّرْ لِى أَمْرِى * وَ احْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِى * يَفْقَهُواْ قَوْلِى * وَ اجْعَل لِّى وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِى * هَرُونَ أَخِى * اشْدُدْ بِهِ‏ى أَزْرِى * وَ أَشْرِكْهُ فِى أَمْرِى ) (٢) فأنزلت عليه قرآناً ناطقاً : ( سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَ نَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَنًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِايَتِنَآ ) (٣) اللّهمّ

__________________

(١) سورة المائدة ٥ : ٥٥ ، وللتفصيل راجع ملحقات إحقاق الحقّ للسيد المرعشي ١٤ : ٢ ـ ٣١ .

(٢) سورة طه ٢٠ : ٢٥ ـ ٣٢ .

(٣) سورة القصص ٢٨ : ٣٥ .

١٤٢

أنا محمّد نبيّك وصفيّك ، اللّهمّ فاشرح لي صدري ، و يسّر لي أمري ، واجعل لي وزيراً من أهلي عليّاً اشدد به ظهري » . قال أبو ذرّ : فما استتمّ كلامه حتّى نزل عليه جبرائيل من عند اللَّه فقال : « يا محمّد اقرأ قال : ما أقرأ ؟ قال : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَ هُمْ رَ كِعُونَ ) » .

ونقل الفقيه ابن المغازلي الواسطي الشافعي أنّ هذه نزلت في عليّ (١) ، انتهى (٢) .

قال : الجواب عن هذه الآية حقّ من وجوه :

الأوّل : إنّا نطالبه بصحّة هذا النقل ، ولا يذكر هذا الحديث على وجه تقوم به الحجّة ، فإنّ مجرّد عزوه إلى تفسير الثعلبي ، أو نقل الإجماع على ذلك من غير العالمين بالمنقولات الصادقين في نقلها ليس بحجّة باتّفاق أهل العلم ، إن لم نعرف ثبوت إسناده ، وكذلك إذا روى فضيلة لأبي بكر وعمر لم يجز اعتقاد ثبوت ذلك بمجرّد ثبوت روايته باتّفاق أهل العلم ، فالجمهور ـ أهل السنّة ـ لا يثبتون بمثل هذا شيئاً يريدون إثباته لا حكماً ولا فضيلةً ولا غير ذلك ، وكذلك الشيعة ، و إذا كان هذا بمجرّده ليس بحجّة باتّفاق كليهما بطل الاحتجاج به ، وهكذا القول في كلّ ما نقله وعزاه إلى أبي نعيم أو الثعلبي أو النقّاش أو ابن المغازلي ونحوهم ، انتهى بلفظه وحروفه (٣) .

والجواب عن هذا حقّ من وجوه :

__________________

(١) تفسير الثعلبي ١١ : ٣٩١ / ١٢٩٦ ، وانظر مناقب ابن المغازلي : ٣١١ .

(٢) منهاج الكرامة : ١٤١ .

(٣) منهاج السنّة ٧ : ١٠ ـ ١١ .

١٤٣

الأوّل : أنّه قد نقل نزول هذه الآية في عليّ عليه‌السلام حبر الاُمّة ابن عبّاس ، وأبو اليقظان عمّار بن ياسر ، وعليّ أمير المؤمنين ، وأبو ذرّ الغفاري ، وأبو رافع مولى رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجابر ، وابن سلام ، وحسّان بن ثابت .

وقد صرّح ابن حزم في موضع بعد نقله الحديث بعدم جواز بيع الماء ، عن أربعة من الصحابة بأنّه قد رواه أربعة من الصحابة فيكون متواتراً فلا يحلّ مخالفته  (١) . وصرّح العلّامة ابن حجر في الصواعق : أنّ حديث : « مروا أبا بكر فليصلّ بالناس »  (٢) قد روته ثمانيّة من الصحابة فيكون متواتراً  (٣) . فإذا كان رواية أربعة من الصحابة تحقّق اتّصاف الحديث بالتواتر ، فقد روت حديث نزول هذه الآية في عليّ ثمانية من كبار الصحابة ، فهو متواتر كذلك فلا يحلّ مخالفته .

وقد روى ذلك عن هؤلاء الصحابة كثير من التابعين لهم ، بل و بعض الصحابة أيضاً كالحسن السبط بن رسول اللَّه عليه‌السلام ، وعبد اللَّه بن عبّاس ، فإنّ الحسن رواه عن عمّار وابن عبّاس رواه عن عبد اللَّه بن سلام ..

ومن التابعين لهم : عباية بن ربعي ، وعبيد اللَّه بن أبي رافع ، وسلمة ابن كهيل ، ومجاهد الإمام في التفسير والعلم ، وعتبة بن أبي حكيم ، وأبو صالح ميزان ، وعمر بن علي بن أبي طالب ، وعطاء ، والسدّي ، وأبو عيسى ، وغالب بن عبد اللَّه ، والحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وأبو جعفر الإمام الباقر عليه‌السلام . ثمّ نقله الجمّ الغفير عنهم من تابعيهم المعروفين بالقدم

__________________

(١) المحلّى ٢ : ١٣٤ ـ ١٣٥ المسألة : ٢٤١ و ٧ : ٤٠٧ المسألة : ٩٩٦ .. .

(٢) مسند أحمد ٣ : ٢٠٢ و ٤ : ٤١٢ و ٦ : ٣٤ ، صحيح البخاري ١ : ٣٢٣ / ٦٣٥ ، صحيح مسلم ١ : ٣١١ / ٤١٨ .

(٣) الصواعق المحرقة ١ : ٥٩ .

١٤٤

الثابت في الإسلام ، ونقله عن هؤلاء الجمّ الغفير ، إلى أن انتهى إلى أكابر المحدّثين والحفّاظ والمسندين ، فأخرجوه بطرقه المتكثّرة في جوامعهم ومعاجمهم ومسانيدهم وتفاسيرهم .

وأخرج حافظ الشام جلال الدين السيوطي في التفسير المسند المترجم بترجمان القرآن (١) جملة من ذلك بأسانيد الكتب المخرّج منها ، وكذلك ابن جرير في تفسيره (٢) ، وأبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء (٣) ، وفي المنتزع من القرآن فيما ورد في مناقب عليّ بن أبي طالب (٤) ، ورزين (٥) في الجمع بين الصحاح الستّة (٦) ، وابن المغازلي في كتاب المناقب (٧) ، وابن مردويه (٨) ، وأبو الشيخ (٩) ، وعبد الرزّاق (١٠) ، وعبد بن حميد (١١) ، والطبراني (١٢) ،

__________________

(١) تفسير مسند للسيوطي كبير ، اختصر منه تفسيره المعروف بالدرّ المنثور .

(٢) جامع البيان في تفسير القرآن ٦ : ١٨٦ .

(٣) عنه في تفسير الدرّ المنثور للسيوطي ٢ : ٢٩٤ ، وانظر معرفة الصحابة لأبي نعيم ١ : ٢٥٣ / ٨٦٣ .

(٤) النور المشتعل ما نزل من القرآن في علي‏ عليه‌السلام : ٦٤ .

(٥) رزين بن معاوية بن عمّار أبو الحسن العبدري الأندلسي السرقسطي ، المحدّث الشهير ، إمام المالكيين بالحرم ، توفّي سنة ٥٣٥ ه . الأعلام للزركلي ٣ : ٢٠ .

(٦) عنه في الطرائف للسيّد ابن طاووس : ٤٨ / ٤١ ، والعمدة لابن بطريق : ١٢١ ، وجامع الاُصول لابن الأثير ٩ : ٤٧٨ / ٦٥٠٣ .

(٧) المناقب لابن المغازلي : ٣١١ / ٣٥٤ ـ ٣٥٨ .

(٨) المناقب لابن مردويه : ٢٣٥ / ٣٣٨ ـ ٣٤٠ .

(٩) الحافظ أبو محمّد عبد اللَّه بن محمّد بن حيان الأصفهاني ، المتوفّي سنة ٣٦٩ ه . له كتاب التفسير وكتاب السنّة . انظر الغدير ٣ : ١٥٧ .

(١٠) عنه ابن كثير في تفسيره ١١٩ : ٢ ، وانظر تفسير الدرّ المنثور ٣٥٩ : ٥ . وملحقات إحقاق الحقّ ٢ : ٤٠١ .

(١١) انظر تفسير الدرّ المنثور ٥ : ٣٥٩ .

(١٢) المعجم الكبير ١ : ٣٢٠ / ٩٥٥ .

١٤٥

وابن أبي حاتم (١) ، وابن عساكر ، والنسائي في صحيحه (٣) ، والخطيب (٤) ، والثعلبي في تفسيره (٥) ، أخرجوه مسنداً من عدّة طرق كما ستعرف .

ولخصّ السيوطي في الدرّ المنثور ما في تفسيره المسند ، واقتصر على المتن مصدّراً بالعزو والتخريج إلى كلّ كتاب من تلك الجوامع التي نصّ على اعتبارها في أوّل كتابه ، وأنا اُخرّج هنا ما في الدر المنثور ، وأنت إذا أردت السند فارجع إلى أصله التفسير المسند ترجمان القرآن .

قال السيوطي في الجزء الثاني من الدرّ المنثور في صفحة ٢٩٣ المطبوع بمصر : أخرج الخطيب في المتّفق (٦) عن ابن عبّاس قال : تصدّق عليّ بخاتمه وهو راكع فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله للسائل : « من أعطاك هذا الخاتم ؟ » قال : ذاك الراكع ، فأنزل اللَّه : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ ) الآية (٧) .

وأخرج عبد الرزّاق وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عبّاس في قوله تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ ) الآية ، نزلت في عليّ بن أبي طالب (٨) عليه‌السلام .

وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه عن عمّار بن ياسر قال : وقف بعليّ سائل وهو راكع في صلاة تطّوع ، فنزع خاتمه فأعطاه السائل ،

__________________

(١) تفسير ابن أبي حاتم ٤ : ١١٦٢ .

(٢) انظر تاريخ دمشق ٤٢ : ٣٥٦ ـ ٣٥٧ ، ٤٥ : ٣٠٣ و ٥٤ / ٢٩٠ .

(٣) عنه في العمدة لابن بطريق : ١٢١ ، وخصائص الوحي المبين له أيضاً : ٨٠ .

(٤) المتّفق والمفترق ١ : ٢٧٢ / ٧٩ . وانظر الدرّ المنثور ٥ : ٣٦٠ .

(٥) تفسير الثعلبي ١١ : ٣٩٠ ـ ٣٩٢ / ١٢٩٦ .

(٦) المتّفق والمفترق ١ : ٢٧٢ / ٧٩ .

(٧) الدر المنثور ٥ : ٣٥٩ .

(٨) الدر المنثور ٥ : ٣٥٩ ، وانظر تفسير ابن كثير ٥ : ٢٦٤ ـ ٢٦٥ .

١٤٦

فأتى رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله فأعلمه ذلك ، فنزلت على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله هذه الآية : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَ هُمْ رَ كِعُونَ ) فقرأها رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله على أصحابه ، ثمّ قال : « من كنت مولاه فعلي مولاه اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه » (١) .

وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه [ وابن عساكر ] (٢) عن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام قال : « نزلت هذه الآية على رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله في بيته : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ ) الى آخر الآية ، فخرج رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ودخل المسجد ، وجاء الناس يصلّون بين راكع وساجد وقائم يصلّي ، فإذا سائل فقال : يا سائل هل أعطاك أحد شيئاً ؟ قال : لا ، ذاك الراكع ـ لعليّ بن أبي طالب ـ أعطاني خاتمه » (٣) .

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن سلمة بن كهيل قال : تصدّق عليّ بخاتمه وهو راكع فنزلت : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ ) الآية (٤) .

وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ ) الآية نزلت في عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام تصدّق وهو راكع (٥) .

__________________

(١) الدر المنثور ٥ : ٣٦٠ . وراجع المعجم الأوسط ٧ : ١٢٩ / ٦٢٢٨ ، ومناقب ابن مردويه : ٢٣٥ / ٣٣٩.

(٢) الزيادة عن تفسير الدرّ المنثور .

(٣) تفسير الدر المنثور ٥ : ٣٦٠ . وراجع ومناقب ابن مردويه : ٢٣٤ / ٣٣٧ ، وتاريخ دمشق ٤٢ : ٣٥٦ ـ ٣٥٧ .

(٤) تفسير الدر المنثور ٥ : ٣٦٠ . وراجع تفسير ابن أبي حاتم ٤ : ١١٦٢ / ٦٥٥١ ، وتاريخ دمشق ٤٢ : ٣٥٧ .

(٥) تفسير الدر المنثور ٥ : ٣٦١ . وراجع تفسير الطبري ١٠ : ٤٢٦ / ١٢٢١٤ .

١٤٧

أخرج ابن جرير عن السدّي (١) وعتبة بن حكيم مثله (٢) .

وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس قال : أتى عبد اللَّه بن سلام ورهط معه من أهل الكتاب نبي اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله عند الظهر فقال : يا رسول اللَّه إنّ بيوتنا قاصية لا نجد من يجالسنا و يخالطنا دون هذا المسجد ، و إنّ قومنا لمّا رأونا قد صدّقنا اللَّه ورسوله وتركنا دينهم أظهروا العداوة ، وأقسموا أن لا يخالطونا ولا يواكلونا ، فشق ذلك علينا ، فبينا هم يشكون ذلك لرسول اللَّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ نزلت هذه الآية على رسول اللَّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَ هُمْ رَكِعُونَ ) (٣) ، ونودي بالصلاة صلاة الظهر وخرج رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : « أعطاك أحد شيئاً ؟ » قال : نعم قال : « من ؟ » قال : ذك الرجل القائم قال : « على أي حال أعطاك ؟ » قال : وهو راكع ، قال : « ذاك عليّ بن أبي طالب » فكبّر رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله عند ذلك وهو يقول : ( وَ مَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَلِبُونَ ) (٤) (٥) .

وأخرج الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم [ في المعرفة ] (٦) عن أبي رافع قال : دخلت على رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو نائم يوحى إليه ، فإذا حيّة في جانب البيت ، فكرهت أن أثب عليها فأوقظ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وخفت أن يكون يوحى

__________________

(١) تفسير الدر المنثور ٥ : ٣٦١ . وراجع تفسير الطبري ١٠ : ٤٢٥ / ١٢٢١٠ .

(٢) تفسير الدر المنثور ٥ : ٣٦١ . وراجع تفسير الطبري ١٠ : ٤٢٦ / ١٢٢١٣

(٣) سورة المائدة ٥ : ٥٥ .

(٤) سورة المائدة ٥ : ٥٦ .

(٥) تفسير الدر المنثور ٥ : ٣٦١ . وراجع المناقب لابن مردويه : ٢٣٥ / ٣٤٠ ، وتفسير ابن كثير ٥ : ٢٦٦ .

(٦) الزيادة عن تفسير الدرّ المنثور .

١٤٨

إليه ، فاضطجعت بين الحيّة وبين النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لئن كان منها سوء كان فيّ دونه ، فمكثت ساعة فاستيقظ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يقول : « ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَ هُمْ رَ كِعُونَ ) الحمد للَّه الذي أتمّ لعليّ نعمه ، وهنيئاً لعليّ بتفضيل اللَّه إيّاه » (١) .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عبّاس قال : كان عليّ بن أبي طالب قائماً يصلّي ، فمرّ سائل وهو راكع فأعطاه خاتمه ، فنزلت هذه الآية : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ ) الآية ، قال : نزلت في الذين آمنوا وعليّ بن أبي طالب أوّلهم (٢) ، انتهى ما في تفسير الدرّ المنثور [ في التفسير ] بالمأثور للسيوطي .

وأخرج رزين في الجمع بين الصحاح الستّة في الجزء الثالث في تفسير سورة المائدة من صحيح النسائي عن ابن سلام قال : أتيت رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله فقلنا : إنّ قومنا حادونا لمّا صدّقنا اللَّه ورسوله ، وأقسموا أن لا يكلّمونا ، فأنزل اللَّه تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَ هُمْ رَ كِعُونَ ) الآية ، ثمّ أذّن بلال لصلاة الظهر ، فقام الناس يصلّون ، فمن ساجد وراكع إذا سائل يسأل ، فأعطى عليّ خاتمه وهو راكع ، فأخبر السائل رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقرأ علينا رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَ هُمْ رَ كِعُونَ * وَ مَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ فَإِنَّ

__________________

(١) تفسير الدر المنثور ٥ : ٣٦٢ . وراجع المعجم الكبير للطبراني ١ : ٣٢٠ / ٩٥٥ ، والمناقب لابن مردويه : ٢٣٦ / ٣٤١ ، ومعرفة الصحابة لأبي نعيم ١ : ٢٥٢ / ٨٦٣ .

(٢) تفسير الدر المنثور ٥ : ٣٦٢ . وراجع المناقب لابن مردويه : ٢٣٤ / ٣٣٦ ، وتفسير ابن كثير ٥ : ٢٦٧ .

١٤٩

حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَلِبُونَ ) (١) (٢) .

أقول : قال الحافظ الذهبي في تذكرة الحفّاظ في ترجمة النسائي ما لفظه : قال ابن طاهر : سألت سعد بن عليّ الزنجاني عن رجل فوثّقه . فقلت : قد ضعّفه النسائي . فقال : يا بني أنّ لأبي عبد الرحمن شرطاً في الرجال أشدّ من شرط البخاري ومسلم (٣) ، انتهى .

وقال ابن جرير في تفسيره : حدّثنا إسماعيل بن إسرائيل الرملي ، قال : حدّثنا أيوب بن سويد ، قال : حدّثنا عتبة بن أبي حكيم في هذه الآية : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ ) قال : عليّ بن أبي طالب .

وقال : حدّثني الحارث ، قال : حدّثنا عبد العزيز ، قال : حدّثنا غالب ابن عبيد اللَّه ، قال : سمعت مجاهداً يقول في قوله : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ ) الآية ، قال : نزلت في عليّ بن أبي طالب ، تصدّق وهو راكع (٤) ، انتهى .

ثمّ اعلم أنّ طريق أبي نعيم إلى حديث أبي رافع المتقدّم من طريق مخوّل عن عبد الرحمن الأسود ، عن محمّد بن عبيد اللَّه بن أبي رافع ، عن أبيه ، عن جدّه .. (٥)

وطريقه إلى حديث الكلبي المتقدّم الذي أخرجه ابن مردويه هكذا : قال : حدّثنا إبراهيم بن أحمد المقرئ ، قال : حدّثنا أحمد بن نوح ، قال :

__________________

(١) سورة المائدة ٥ : ٥٥ ـ ٥٦ .

(٢) عنه في العمدة لابن بطريق : ١٢١ / ١٥٩ ، وجامع الاُصول ٩ : ٤٧٨ / ٦٥٠٣ .

(٣) تذكرة الحفّاظ ٢ : ٧٠٠ .

(٤) تفسير الطبري ١٠ : ٤٢٦ / ١٢٢١٣ ـ ١٢٢١٤ .

(٥) انظر النور المشتعل ما نزل من القرآن في علي عليه‌السلام : ٦٣ / ٥ ـ ٦ ، خصائص الوحي المبين لابن البطريق : ١ / ٣٥ ، إحقاق الحقّ ٢٠ : ١٥ .

١٥٠

حدّثنا أبو عمر الدوري ، قال : حدّثني محمّد بن مروان الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس (١).

وأخرجه من طريق آخر هكذا : قال : حدّثنا أبو محمّد بن حيّان ، قال : حدّثنا الحسن بن محمّد بن محمّد بن أبي هريرة ، قال : حدّثنا عبد اللَّه ابن عبد الوهّاب ، قال : حدّثنا محمّد بن الأسود ، قال : حدّثنا محمّد بن مروان ، عن محمّد بن السائب ، عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس رضي‌الله‌عنه قال : أقبل عبد اللَّه بن سلام إلى آخر ما تقدّم .

وزاد : فاستأذن حسّان بن ثابت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يقول في ذلك شيئاً ، فقال حسّان :

أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي

وكلّ بطي‏ء في الهوى ومسارع

أيذهب مدحي في المحبّر ضائعا

وما المدح في جنب الإله بضائع

فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعا

زكاة فدتك النفس يا خير راكع

فأنزل فيك اللَّه خير ولاية

وبيّنها في محكمات الشرائع(٢)

وطريقه إلى حديث أمير المؤمنين عليه‌السلام المتقدّم هكذا : قال : حدّثنا سليمان بن أحمد ، قال : حدّثنا عبد الرحمن بن سالم ، قال حدّثنا محمّد بن يحيى الضريس الفيدي ..

وحدّثنا ، أبو محمّد بن حيّان ، قال : حدّثنا سعيد بن سلمة النوري ،

__________________

(١) انظر النور المشتعل ما نزل من القرآن في علي عليه‌السلام : ٦٤ / ٧، المناقب لابن مردويه : ٢٣٥ / ٣٤٠ ، خصائص الوحي المبين لابن البطريق : ٣٦ / ٣ .

(٢) انظر النور المشتعل ما نزل من القرآن في علي عليه‌السلام : ٦٨ / ٨ ، المناقب لابن مردويه : ٢٣٥ / ٣٤٤ ، خصائص الوحي المبين لابن البطريق : ٣٧ / ٤ ، المناقب للخوارزمي : ٢٦٤ / ٢٤٦ ، شواهد التزيل : ٧٨١ / ٢٣٧ ، أسباب النزول للواحدي النيسابوري : ١٠٥ .

١٥١

قال : حدّثنا محمّد بن يحيى الفيدي ، قال : حدّثنا عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن عمر بن عليّ بن أبي طالب ، قال : حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عليّ بن أبي طالب ، إلى آخر ما أخرجه أبو الشيخ وابن مردويه (١) .

و إلى حديث عمّار بن ياسر المتقدّم هكذا : حدّثنا أحمد بن جعفر بن مسلم ، قال : حدّثنا خالد بن يزيد ، قال : حدّثنا إسحاق بن عبد اللَّه ، عن الحسن بن زيد ، عن أبيه زيد بن الحسن ، عن جدّه ، قال : سمعت عمّار بن ياسر إلى آخر ما تقدّم عن الطبراني في الأوسط ، وابن مردويه (٢) .

وأخرج أبو نعيم حديث جابر قال : حدّثنا سليمان بن أحمد ، قال : حدّثنا محمّد بن عبد اللَّه الحضرمي ، قال : حدّثنا إبراهيم بن عيسى التنوخي ، قال : حدّثنا يحيى بن يعلى ، عن عبد اللَّه بن موسى ، عن أبي زبير (٣) ، عن جابر قال : جاء عبد اللَّه بن سلام واُناس معه فشكوا مجانبة الناس إيّاه منذ أسلموا ، فقال : « أبغوني سائلاً » فدخلنا المسجد فدنا سائل إليه ، فقال : « أعطاك أحد شيئاً ؟ » قال : نعم مررت برجل راكع فأعطاني خاتمه . قال : « فاذهب فأره لي » ، فذهبنا وعليّ قائم ، فقال : هذا . فنزلت : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ ) الآية (٤) .

__________________

(١) انظر النور المشتعل ما نزل من القرآن في علي عليه‌السلام : ٧١ / ٩ ، المناقب لابن مردويه : ٢٣٤ / ٣٣٧ ، شواهد التنزيل ١ : ١٧٥ / ٢٣٣ ، خصائص الوحي المبين لابن البطريق : ٣٩ ـ ٤٠ / ٣ ، أسباب النزول للواحدي : ١٣٣ .

(٢) انظر النور المشتعل ما نزل من القرآن في علي عليه‌السلام : ٧٤ / ١٠ ، المناقب لابن مردويه : ٢٣٥ / ٣٣٩ ، شواهد التنزيل ١ : ١٧٣ / ٢٣١ ، المعجم الأوسط ٦ : ٢٦٨ ، خصائص الوحي المبين لابن البطريق :٤٠ / ٦.

(٣) في المصادر : أبي الزبير .

(٤) انظر النور المشتعل ما نزل من القرآن في علي عليه‌السلام : ٧٩ / ١٣ ، خصائص الوحي المبين لابن البطريق ٤٢ / ٩ ، شواهد التنزيل ١ : ١٧٤ / ٢٣٢ ، أسباب النزول : ١٠٥ .

١٥٢

وأخرج أبو نعيم ما تقدّم ، عن عبد الرزّاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وأبي الشيخ وابن مردويه ، عن ابن عبّاس قال : حدّثنا عبد اللَّه بن محمّد بن جعفر ، قال : حدّثنا أحمد بن يحيى بن زهير وعبد الرحمن بن أحمد الزهري ، قالا : حدّثنا أحمد بن منصور ، قال : حدّثنا عبد الرزّاق ، عن عبد الوّهاب بن مجاهد ، عن أبيه ، عن ابن عبّاس رضي‌الله‌عنه ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ ) قال : نزلت في عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام (١) .

وأخرج أبو نعيم حديث سلمة بن كهيل ، قال : حدّثنا أبو محمّد بن حيّان ، قال : حدّثنا محمّد بن العبّاس بن أيّوب ، قال : حدّثنا عبد اللَّه بن سعيد الكندي ، قال : حدّثنا أبو نعيم ، قال : حدّثنا موسى بن قيس الحضرمي ، عن سلمة بن كهيل ، قال : تصدّق عليّ عليه‌السلام بخاتمه وهو راكع فنزلت : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ ) الآية (٢) ، انتهى .

بقي ما أخرجه الثعلبي ، وابن المغازلي ، وسيأتي إسناد الثعلبي إلى أبي ذرّ عن قريب .

وقال الثعلبي في تفسيره : قال السدّي وعتبة بن أبي حكيم وغالب بن عبد اللَّه : « إنّما » يعني في قوله : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ ) الآية عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام (٣) .

وأمّا طرق رواية ابن المغازلي فأذكرها في الجواب عن الوجه الرابع

__________________

(١) انظر النور المشتعل ما نزل من القرآن في علي عليه‌السلام : ٨٠ / ١٤ ، المناقب لابن مردويه : ٢٣٣ / ٣٣٥ ، شواهد التنزيل ١ : ١٦١ / ٢١٦ ، تفسير الطبري ٦ : ١٨٦ ، خصائص الوحي المبين لابن البطريق : ٤٢ / ٩.

(٢) انظر النور المشتعل ما نزل من القرآن في علي عليه‌السلام : ٨٢ / ١٥ ، خصائص الوحي المبين لابن البطريق : ٤٣ / ١١ .

(٣) الكشف والبيان عن تفسير القرآن ( تفسير الثعلبي ) ١١ : ٣٩١ / ١٢٦٩ .

١٥٣

إن شاء اللَّه تعالى . (١) .

ولو أخرجنا كلّ طرق هذا الحديث التي في كلّ تلك الكتب مع الإسناد والمتن صار كتاباً ضخماً ، وكنّا خرجنا عن وضع ما نحن فيه ، لكنّا قد دلّلنا على مواضعها مسندة وتخريجها بالإسناد ، وأشرنا هنا إلى ما يصدقنا فيما ذكرنا من عدد الصحابة والتابعين وتابعيهم الراوين لذلك .

وبالجملة لا يشكّ أحد في تواتر نزول هذه الآية في عليّ عليه‌السلام واستفاضة الحديث في ذلك ، وسيأتي بعض طرقه أيضاً عن قريب إن شاء اللَّه ، فاعرف أيّها المنصف مكابرة ابن تيميّة في مطالبته صحّة هذا النقل وتعاميه .

الثاني من وجوه ردّ الوجه الأوّل : أنّه ليس بمجرّد عزو إلى الثعلبي ، بل إلى حديث صحيح إسناده إلى أبي ذرّ ، فإنّ المصنّف نصّ على أنّ الثعلبي أسنده إلى أبي ذرّ ، وهو في تفسير الثعلبي كذلك : قال : أخبرنا أبو الحسن محمّد بن القاسم الفقيه ، قال : حدّثنا أبو عبد اللَّه بن أحمد الشعراني ، قال : أخبرنا أبو عليّ أحمد بن عليّ بن رزين ، قال : حدّثنا يحيى ابن الحميد الحماني ، عن قيس بن الربيع ، عن الأعمش ، عن عباية الربعي ، قال : بينا عبد اللَّه بن عبّاس رضي‌الله‌عنه جالس على شفير زمزم يقول : قال رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ أقبل رجل معتمّ بعمامة ، فجعل ابن عبّاس لا يقول : قال رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا وقال الرجل : قال رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال له ابن عبّاس : سألتك باللَّه من أنت ؟ قال : فكشف العمامة عن وجهه وقال : يا أيّها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا جندب بن جنادة البدري أبو ذرّ

__________________

(١) يأتي في ص : ١٧٠ .

١٥٤

الغفاري ، سمعت رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله بهاتين إلى آخر ما ذكره المصنّف (١) ، وهذا السند ليس فيه كذّاب ولا مجهول بل كلّهم أجلّاء عدول ، فالحديث ذو إسناد ثابت .

الثالث : بطلان دعوى عدم حجّية رواية الثعلبي بالا تّفاق ، كيف وقد شهد العلماء بأنّه صحيح النقل ، موثوق به ، وأنّه إمام في الفن ، واعتمدوا كتابه ، واحتجّوا بنقله ، وصرّح هو في أوّل كتابه : بأنّه لا يخرّج فيه عن الضعفاء .

قال الواحدي في تفسير الوسيط : ثمّ فرغت للاُستاذ أبي إسحاق أحمد ابن محمّد بن إبراهيم الثعلبي رحمه‌الله ، وكان خير العلماء بل بحرهم ، ونجم الفضلاء بل بدرهم ، وزين الأئمّة بل فخرهم ، وواحد الاُمة بل صدرهم ، وله التفسير الملقّب بالكشف والبيان عن تفسير القرآن ، الذي رفعت به المطايا في السهل والأوعار ، وسارت به الفلك في البحار ، وهب هبوب الريح في الأقطار :

و سار مسير الشمس في كلّ بلدة

وهبّ هبوب الريح في البرّ والبحر(٢)

وأصفقت عليه كافة الاُ مّة على اختلاف نحلهم ، وأقرّوا بالفضيلة في تصنيفه ما لم يسبق إلى مثله ، فمن أدركه وصحبه علم أنّه كان منقطع القرين ، ومن لم يدركه فلينظر في مصنّفاته ليستدلّ بها أنّه كان بحراً لا ينزف ، وغمراً لا يسبر ، وقرأت عليه من مصنّفاته أكثر من خمسمائة جزء ، منها :

__________________

(١) الكشف والبيان عن تفسير القرآن ( تفسير الثعلبي ) ١١ : ٣٩١ : ١٢٩٦ .

(٢) البيت من الطويل ، قائله علي بن الجهم ، انظر يتيمة الدهر للثعالبي ١ : ١٤٠ ، وفيه : فسار بدل : وسار.

١٥٥

تفسيره الكبير ، وكتابه المعنون بالكامل في علم القرآن ، وغيرهما ، انتهى (١) .

وقال ابن خلكان في وفيّات الأعيان عند ترجمته : كان واحد أهل زمانه في علم التفسير ، وصنّف التفسير الكبير الذي فاق غيره من التفاسير (٢) . انتهى .

وقال الحافظ الذهبي في كتابه العبر في وقائع سنة سبع وعشرين وأربعمائة : وفيها توفّي أبو إسحاق الثعلبي ، وكان حافظاً واعظاً رأساً في التفسير والعربيّة ، ومتين الديانة ، توفّي في المحرّم (٣) ، انتهى .

قال ابن الوردي (٤) في تتمّة المختصر في السنّة المذكورة بعد ذكر الثعلبي ما لفظه : أوحد في التفسير ، وله العرائس في قصص الأنبياء ، صحيح النقل ، روى عن جماعة (٥) ، انتهى .

وقال الصفدي في الوافي بالوفيات عند ترجمته للثعلبي : كان أوحد زمانه في علم القرآن ، قال : قال السمعاني : وكان حافظاً عالماً بارعاً في العربية موثقاً أخذ عنه أبو الحسن الواحدي (٦) ، إلى آخره .

وقال اليافعي في مرآة الجنان عنده : وكان حافظاً واعظاً رأساً في

__________________

(١) عنه معجم الأدباء ١٢ : ٢٦٢ ـ ٢٦٨ .

(٢) وفيات الأعيان ١ : ٩٩ / ٣١ .

(٣) العبر في خبر من غبر ٢ : ٢٥٥ حوادث سنة ٤٢٧ .

(٤) أبو حفص عمر بن المظفّر بن عمر بن محمّد بن أبي الفوارس المعرّي الحلبي ، القاضي زين الدين الشافعي ، المعروف بابن الوردي ، المتوفى سنة ٧٤٩ ه ، من آثاره : تتمة المختصر في الذيل على تاريخ أبي الفداء . الأعلام للزركلي ٥ : ٦٧ .

(٥) تاريخ ابن الوردي ١ : ٣٣٢ .

(٦) الوافي بالوفيات ٧ : ٣٠٧ / ٣٢٩٩ .

١٥٦

التفسير والعربيّة والدين والديانة ، فاق تفسيره الكبير سائر التفاسير (١) . انتهى .

وقال الشيخ ابن شحنة في روض المناظر : كان واحد زمانه في علم التفسير ، وله كتاب العرائس في قصص الأنبياء وهو صحيح النقل (٢) . انتهى .

وقد احتجّ بما في تفسيره جماعة من الأئمّة المجمع على علمهم وفضلهم ، منهم : الشيخ عزّ الدين بن الأثير الجزري في اُسد الغابة في معرفة الصحابة ، قال في أوّله : فصل نذكر فيه أسانيد الكتب التي خرّجت منها الأحاديث وغيرها ، وتركت ذكرها في الكتاب لئلّا يطول الإسناد ، ولا أذكر في أثناء الكتاب إلّا اسم المصنّف وما بعده فليعلم ذلك ، تفسير القرآن المجيد لأبي إسحاق الثعلبي ، أخبرنا به أبو العبّاس أحمد بن عثمان بن أبي عليّ بن مهدي الزرزاري الشيخ الصالح رحمه‌الله ، قال : أخبرنا الرئيس مسعود ابن الحسن بن القاسم الأصبهاني وأبو عبد اللَّه الحسن بن العبّاس الرستمي ، قالا : أخبرنا أحمد بن خلف الشيرازي ، قال : أنبأنا أبو إسحاق أحمد بن محمّد بن إبراهيم الثعلبي بجميع كتاب الكشف والبيان في تفسير القرآن ، سمعت عليه من أوّل الكتاب إلى آخر سورة النساء ، وأمّا من أوّل سورة المائدة إلى آخر الكتاب فإنّه حصل لي بعضه سماعاً و بعضه إجازة ، واختلط السماع بالإجازة فأنا أقول فيه : أخبرنا به إجازة إن لم يكن سماعاً ، فإذا قلت : أخبرنا أحمد بإسناده إلى الثعلبي فهو بهذا الإسناد (٣) ، انتهى .

__________________

(١) مرآة الجنان وعبرة اليقظان ٣ : ٤٦ .

(٢) روض المناظر ( حوادث سنة ٤٢٧ ه ) : ١٨٨ ـ ١٨٩ .

(٣) اُسد الغابة في معرفة الصحابة ١ : ١١٤ .

١٥٧

واحتجّ القرطبي في تفسيره بنقل الثعلبي (١) .

وكذلك النووي في تهذيب الأسماء نقل عن الثعلبي ، ووصفه بالإمام ، فراجعه في ترجمة آدم ونوح ويوسف و يحيى بن زكريّا عليهم‌السلام (٢) .

وكذلك الدميري في حياة الحيوان نقل عن تفسيره ، ولقّبه بالإمام قال : من ذلك ما ساقه الإمام أبو إسحاق أحمد بن محمّد بن إبراهيم النيسابوري الثعلبي في كتابه الكشف والبيان في تفسير القرآن إلى آخره . فراجعه في حديث أصحاب الكهف (٣) .

وكذلك ولي الدين أبو زرعة أحمد بن عبد الرحيم العراقي الاُصولي (٤) ـ المذكور في معجم شيوخ الحافظ العسقلاني (٥) ، و طبقات الأسدي (٦) ، و حسن المحاضرة للسيوطي (٧) ، وكتاب أسانيد عيسى بن محمّد الثعالبي المكّي (٨) ، بكلّ جميل ومدح ـ ذكر في شرحه على أحكام والده في فوائد حديث ابن مسعود المتضمّن لذكر العبد الصالح من كتاب الشهادات قال : الرابعة لا يخفى أنّ المراد بالعبد الصالح لقمان ، إلى أن قال : قال الإمام أبو إسحاق الثعلبي : اتّفق العلماء على أنّه كان حكيماً ولم يكن نبيّاً إلّا

__________________

(١) تفسير القرطبي ١ : ١١٦ ، ٢٩٤ ، ٤٢٧ ، ٤٥١ و ٣ : ٢٠٢ ، ٢٦٠ و ٤ : ٦ ، ١٣٦ .

(٢) تهذيب الأسماء واللغات للنووي ٢ : ١٣٢ ، ١٥٢ ، ١٦٦ ـ ١٦٧ .

(٣) حياة الحيوان للدميري ٢ : ٢٦٥ ـ ٢٧٧ .

(٤) المتوفي سنة ٨٢٦ ه ، له : البيان والتوضيح . كشف الظنون ٢ : ١٤٧٩ .

(٥) المجمع المؤسّس للمعجم المفهرس للعسقلاني ٣ : ٤٢  / ٤١٢ .

(٦) طبقات الشافعية لابن شهبة الأسدي ٤ : ١٠٣ / ٧٦٢ .

(٧) حسن المحاضرة ١ : ٣٦٣ / ١٠٠ .

(٨) المغربي الجعفري ، نسبة إلى جعفر بن أبي طالب الهاشمي ، وكنيته أبو مهدي ، من الفقهاء المالكية في عصره ، رحل في طلب العلم ، واستقر به المطاف في مكّة المشرّفة ، وتوفّي فيها سنة ١٠٨٠ ه . الأعلام للزركلي ٥ : ١٠٨ .

١٥٨

عكرمة فإنّه قال : كان نبيّاً فتفرّد بهذا القول ، انتهى (١) .

وقال هو في خطبة كتاب الكشف والبيان في تفسير القرآن ما لفظه : وفرقة حرموا (٢) الإسناد الذي هو الركن والعماد ، فنقلوا من الصحف والدفاتر ، وجروا على هوس الخواطر ، وذكروا الغثّ والسمين والواهي والمتين ، وليسوا في عداد العلماء ، فصنت الكتاب عن ذكرهم ، والقراءة والعلم سنّة يأخذها الأصاغر عن الأكابر ، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء (٣) .

إلى أن قال : واستخرت اللَّه تعالى في تصنيف كتاب شامل كامل مهذّب ملخّص مفهوم منظوم ، أستخرج من زهاء مائة كتاب مجموعات مسموعات سوى ما التقطته من التعليقات والأجزاء ، والتقطته من أفواه المشايخ الكبار ، وهم قريب من ثلاثمائة شيخ ، نسقته بأبلغ ما قدرت عليه من الإيجاز والترتيب ، ولفّقته بغاية التنقيب والترتيب ، إلى آخر الخطبة (٤) .

الوجه الرابع : أنّ هذا الحديث باللفظ الذي رواه الثعلبي بإسناده إلى أبي ذرّ قد رواه الحاكم أبو القاسم الحسكاني قال : حدّثني أبو الحسن محمّد ابن القاسم الفقيه الصيدلاني ، قال : أخبرنا أبو محمّد الشعراني ، قال : حدّثنا أبو عليّ أحمد بن عليّ بن رزين البياشاني ، قال : حدّثني المظفّر بن الحسين الأنصاري ، قال : حدّثنا السدّي بن عليّ الورّاق ، قال : حدّثني يحيى بن عبد الحميد الحماني ، عن قيس بن الربيع ، عن الأعمش ، عن عباية بن ربعي قال : بينا عبد اللَّه بن عبّاس جالس على شفير زمزم ، إلى

__________________

(١) طرح التثريب في شرح التقريب ٨ : ٨٩ .

(٢) في المصدر : حذفوا بدل : حرموا .

(٣) الكشف والبيان عن تفسير القرآن ٢ : ١١ .

(٤) نفس المصدر ٢ : ١٦ ـ ١٧ .

١٥٩

آخر ما تقدّم بلا زيادة ولا نقيصة باللفظ المتقدّم عن الثعلبي (١) .

وأخرجه الفضل الطبرسي في مجمع البيان من طريق السيّد أبي الحمد مهدي بن نزار الحسيني القايني بهذا الإسناد بعينه (٢) ، فلم ينفرد الثعلبي بما لا يتابع عليه .

الوجه الخامس : قوله : أهل السنّة لا يثبتون بمثل (٣) هذا . يعني بمجرّد ثبوت رواية مثل الثعلبي شيئاً يريدون إثباته لا حكماً ولا فضيلة ولا غيرها ، كذب على أهل السنّة .

هذا ابن القيّم أجلّ تلاميذه وشريكه في العقيدة ومروّجها يقول في زاد المعاد في هدي خير العباد ما لفظه : إنّ أحد القولين : إنّ مجرّد رواية العدل عن غيره تعديل له و إن لم يصرّح بالتعديل ، كما هو إحدى الروايتين عن أحمد (٤) ، انتهى موضع الحاجة من كلامه .

وأهل السنّة كما عرفت لا يشكّون في عدالة الثعلبي و إمامته في الحديث ، وقد عرفت نصّ الأئمّة على ثقته وصحّة نقله فكيف يدّعي ابن تيميّة الإجماع على عدم إثبات شي‏ء لا حكم ولا فضيلة بمجرّد ثبوت رواية الثعلبي ، وليس من شرط الثقة أن لا يخطئ ولا يسهو كما نصّ عليه الحافظ الذهبي في سير النبلاء في ترجمة أبي بكر عبد اللَّه بن سليمان بن الأشعث السجستاني (٥) .

ثمّ قال ابن تيميّة : الثاني : قوله : قد أجمعوا على أنّها نزلت في

__________________

(١) الکشف والبیان ١١ : ٣٩١ / ١٢٩٦ ، شواهد التنزیل للحسکاني ١ : ١٧٧ / ٢٣٥ .

(٢) مجمع البيان في تفسير القرآن ٢ : ٢١٠ .

(٣) منهاج السنّة ٧ : ١١ .

(٤) زاد المعاد في هدي خير العباد ٥ : ٤٥٧ .

(٥) سير أعلام النبلاء ١٣ : ٢٣٣ / ١١٨ .

١٦٠