السيّد حسن الصدر
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-629-5
ISBN الدورة:
الصفحات: ٤١٦
لسائر النبيّين مبجّل لحرماته ومقتبس من مناره أن يفوه بمثل هذه الفتيا الفضيحة ، المشتملة على التنقيص الشنيع ، والإزراء القبيح ، والثلب الفضيح ، ولكن الباطل يعمي البصائر ، و يغشي السرائر ، و ينغل الضمائر ، و يصمّ الآذان ، ويفسد الإيمان ويدغل الإيقان ، ويبعث على الافتخار في المهالك ، والتغوّل في الحوالك ، والتردّي في المعاطب ، والانخداع بالكواذب.
وقد حاق والحمد للَّه بابن تيميّة وبال هذا الرأي الأعوج ، ونزل به نكال هذا الهذر الأسمج ، فكفّره علماء عصره ومصره ، والعجب كلّ العجب أنّ المحروم مع هذه المجازفات الفاحشة والنفثات الداهشة التي تذهل كلّ ذي رأي سديد ، يدّعي ملكة فهم معاني الأحاديث ، و إدراك دقائق الأسانيد ، فتعساً لهذه الملكة التي قادته إلى إبطال الأحاديث الثابتة ، والروايات الأثيلة التي هي عن اُصول التحقيق نابتة ، التي أثبتها إمامه وفخره وعماده وشرفه وسناده ، وأهل النقد والإمعان والحفظ والإتقان ، المجدّدين لما درس من آثاره ، المجتهدين في إنارة مقباسه ورفع مناره ، و يدرؤون في صدر ابن تيميّة و يدفعون في نحره ، و ينصرون الحقّ بتأزيره ، و يشيّدون مباني الصدق بتقريره ، و يحمون مواد الريب عن أساسها ، و ينوّرون طرق الهداية بإضاة نبراسها ، ويظهرون الصواب الصراح كالقمر اللياح ، ويجعلون ما لفقه ابن تيميّة من الأباطيل كهشيم تذروه الرياح .
الفصل الثاني : في إنكاره الآيات النازلة في العترة الطاهرة ، وتكذيبه الأحاديث المرويّة في ذلك .
قال في أوّل الجزء الرابع من منهاج الحشويّة : قال الرافضي : المنهج
الثاني في الأدلّة المأخوذة من القرآن والبراهين الدالّة على إمامة عليّ من الكتاب العزيز كثيرة :
الأوّل : قوله تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَ هُمْ رَ كِعُونَ ) (١) ، وقد أجمعوا أنّها نزلت في عليّ .
قال الثعلبي في إسناده إلى أبي ذرّ رضياللهعنه : سمعت رسول اللَّه صلىاللهعليهوآله بهاتين و إلّا صمّتا ورأيته بهاتين و إلّا عميتا يقول : « عليّ قائد البررة ، وقاتل الكفرة ، منصور من نصره ، ومخذول من خذله » أما أنّي صلّيت مع رسول اللَّه صلىاللهعليهوآله صلاة الظهر فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد شيئاً ، فرفع السائل يده إلى السماء وقال : اللّهم إنّك تشهد أنّي سألت في مسجد رسول اللَّه صلىاللهعليهوآله فلم يعطني أحد شيئاً ، وكان عليّ راكعاً ، فأومأ بخنصره اليمنى وكان متختّماً فيها ، فأقبل السائل حتّى أخذ الخاتم ، وذلك بعين رسول اللَّه صلىاللهعليهوآله ، فلمّا فرغ من صلاته رفع رأسه إلى السماء وقال : « اللّهمّ إنّ موسى سألك وقال : ( قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِى صَدْرِى * وَ يَسِّرْ لِى أَمْرِى * وَ احْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِى * يَفْقَهُواْ قَوْلِى * وَ اجْعَل لِّى وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِى * هَرُونَ أَخِى * اشْدُدْ بِهِى أَزْرِى * وَ أَشْرِكْهُ فِى أَمْرِى ) (٢) فأنزلت عليه قرآناً ناطقاً : ( سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَ نَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَنًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِايَتِنَآ ) (٣) اللّهمّ
__________________
(١) سورة المائدة ٥ : ٥٥ ، وللتفصيل راجع ملحقات إحقاق الحقّ للسيد المرعشي ١٤ : ٢ ـ ٣١ .
(٢) سورة طه ٢٠ : ٢٥ ـ ٣٢ .
(٣) سورة القصص ٢٨ : ٣٥ .
أنا محمّد نبيّك وصفيّك ، اللّهمّ فاشرح لي صدري ، و يسّر لي أمري ، واجعل لي وزيراً من أهلي عليّاً اشدد به ظهري » . قال أبو ذرّ : فما استتمّ كلامه حتّى نزل عليه جبرائيل من عند اللَّه فقال : « يا محمّد اقرأ قال : ما أقرأ ؟ قال : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَ هُمْ رَ كِعُونَ ) » .
ونقل الفقيه ابن المغازلي الواسطي الشافعي أنّ هذه نزلت في عليّ (١) ، انتهى (٢) .
قال : الجواب عن هذه الآية حقّ من وجوه :
الأوّل : إنّا نطالبه بصحّة هذا النقل ، ولا يذكر هذا الحديث على وجه تقوم به الحجّة ، فإنّ مجرّد عزوه إلى تفسير الثعلبي ، أو نقل الإجماع على ذلك من غير العالمين بالمنقولات الصادقين في نقلها ليس بحجّة باتّفاق أهل العلم ، إن لم نعرف ثبوت إسناده ، وكذلك إذا روى فضيلة لأبي بكر وعمر لم يجز اعتقاد ثبوت ذلك بمجرّد ثبوت روايته باتّفاق أهل العلم ، فالجمهور ـ أهل السنّة ـ لا يثبتون بمثل هذا شيئاً يريدون إثباته لا حكماً ولا فضيلةً ولا غير ذلك ، وكذلك الشيعة ، و إذا كان هذا بمجرّده ليس بحجّة باتّفاق كليهما بطل الاحتجاج به ، وهكذا القول في كلّ ما نقله وعزاه إلى أبي نعيم أو الثعلبي أو النقّاش أو ابن المغازلي ونحوهم ، انتهى بلفظه وحروفه (٣) .
والجواب عن هذا حقّ من وجوه :
__________________
(١) تفسير الثعلبي ١١ : ٣٩١ / ١٢٩٦ ، وانظر مناقب ابن المغازلي : ٣١١ .
(٢) منهاج الكرامة : ١٤١ .
(٣) منهاج السنّة ٧ : ١٠ ـ ١١ .
الأوّل : أنّه قد نقل نزول هذه الآية في عليّ عليهالسلام حبر الاُمّة ابن عبّاس ، وأبو اليقظان عمّار بن ياسر ، وعليّ أمير المؤمنين ، وأبو ذرّ الغفاري ، وأبو رافع مولى رسول اللَّه صلىاللهعليهوآله ، وجابر ، وابن سلام ، وحسّان بن ثابت .
وقد صرّح ابن حزم في موضع بعد نقله الحديث بعدم جواز بيع الماء ، عن أربعة من الصحابة بأنّه قد رواه أربعة من الصحابة فيكون متواتراً فلا يحلّ مخالفته (١) . وصرّح العلّامة ابن حجر في الصواعق : أنّ حديث : « مروا أبا بكر فليصلّ بالناس » (٢) قد روته ثمانيّة من الصحابة فيكون متواتراً (٣) . فإذا كان رواية أربعة من الصحابة تحقّق اتّصاف الحديث بالتواتر ، فقد روت حديث نزول هذه الآية في عليّ ثمانية من كبار الصحابة ، فهو متواتر كذلك فلا يحلّ مخالفته .
وقد روى ذلك عن هؤلاء الصحابة كثير من التابعين لهم ، بل و بعض الصحابة أيضاً كالحسن السبط بن رسول اللَّه عليهالسلام ، وعبد اللَّه بن عبّاس ، فإنّ الحسن رواه عن عمّار وابن عبّاس رواه عن عبد اللَّه بن سلام ..
ومن التابعين لهم : عباية بن ربعي ، وعبيد اللَّه بن أبي رافع ، وسلمة ابن كهيل ، ومجاهد الإمام في التفسير والعلم ، وعتبة بن أبي حكيم ، وأبو صالح ميزان ، وعمر بن علي بن أبي طالب ، وعطاء ، والسدّي ، وأبو عيسى ، وغالب بن عبد اللَّه ، والحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وأبو جعفر الإمام الباقر عليهالسلام . ثمّ نقله الجمّ الغفير عنهم من تابعيهم المعروفين بالقدم
__________________
(١) المحلّى ٢ : ١٣٤ ـ ١٣٥ المسألة : ٢٤١ و ٧ : ٤٠٧ المسألة : ٩٩٦ .. .
(٢) مسند أحمد ٣ : ٢٠٢ و ٤ : ٤١٢ و ٦ : ٣٤ ، صحيح البخاري ١ : ٣٢٣ / ٦٣٥ ، صحيح مسلم ١ : ٣١١ / ٤١٨ .
(٣) الصواعق المحرقة ١ : ٥٩ .
الثابت في الإسلام ، ونقله عن هؤلاء الجمّ الغفير ، إلى أن انتهى إلى أكابر المحدّثين والحفّاظ والمسندين ، فأخرجوه بطرقه المتكثّرة في جوامعهم ومعاجمهم ومسانيدهم وتفاسيرهم .
وأخرج حافظ الشام جلال الدين السيوطي في التفسير المسند المترجم بترجمان القرآن (١) جملة من ذلك بأسانيد الكتب المخرّج منها ، وكذلك ابن جرير في تفسيره (٢) ، وأبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء (٣) ، وفي المنتزع من القرآن فيما ورد في مناقب عليّ بن أبي طالب (٤) ، ورزين (٥) في الجمع بين الصحاح الستّة (٦) ، وابن المغازلي في كتاب المناقب (٧) ، وابن مردويه (٨) ، وأبو الشيخ (٩) ، وعبد الرزّاق (١٠) ، وعبد بن حميد (١١) ، والطبراني (١٢) ،
__________________
(١) تفسير مسند للسيوطي كبير ، اختصر منه تفسيره المعروف بالدرّ المنثور .
(٢) جامع البيان في تفسير القرآن ٦ : ١٨٦ .
(٣) عنه في تفسير الدرّ المنثور للسيوطي ٢ : ٢٩٤ ، وانظر معرفة الصحابة لأبي نعيم ١ : ٢٥٣ / ٨٦٣ .
(٤) النور المشتعل ما نزل من القرآن في علي عليهالسلام : ٦٤ .
(٥) رزين بن معاوية بن عمّار أبو الحسن العبدري الأندلسي السرقسطي ، المحدّث الشهير ، إمام المالكيين بالحرم ، توفّي سنة ٥٣٥ ه . الأعلام للزركلي ٣ : ٢٠ .
(٦) عنه في الطرائف للسيّد ابن طاووس : ٤٨ / ٤١ ، والعمدة لابن بطريق : ١٢١ ، وجامع الاُصول لابن الأثير ٩ : ٤٧٨ / ٦٥٠٣ .
(٧) المناقب لابن المغازلي : ٣١١ / ٣٥٤ ـ ٣٥٨ .
(٨) المناقب لابن مردويه : ٢٣٥ / ٣٣٨ ـ ٣٤٠ .
(٩) الحافظ أبو محمّد عبد اللَّه بن محمّد بن حيان الأصفهاني ، المتوفّي سنة ٣٦٩ ه . له كتاب التفسير وكتاب السنّة . انظر الغدير ٣ : ١٥٧ .
(١٠) عنه ابن كثير في تفسيره ١١٩ : ٢ ، وانظر تفسير الدرّ المنثور ٣٥٩ : ٥ . وملحقات إحقاق الحقّ ٢ : ٤٠١ .
(١١) انظر تفسير الدرّ المنثور ٥ : ٣٥٩ .
(١٢) المعجم الكبير ١ : ٣٢٠ / ٩٥٥ .
وابن أبي حاتم (١) ، وابن عساكر ، والنسائي في صحيحه (٣) ، والخطيب (٤) ، والثعلبي في تفسيره (٥) ، أخرجوه مسنداً من عدّة طرق كما ستعرف .
ولخصّ السيوطي في الدرّ المنثور ما في تفسيره المسند ، واقتصر على المتن مصدّراً بالعزو والتخريج إلى كلّ كتاب من تلك الجوامع التي نصّ على اعتبارها في أوّل كتابه ، وأنا اُخرّج هنا ما في الدر المنثور ، وأنت إذا أردت السند فارجع إلى أصله التفسير المسند ترجمان القرآن .
قال السيوطي في الجزء الثاني من الدرّ المنثور في صفحة ٢٩٣ المطبوع بمصر : أخرج الخطيب في المتّفق (٦) عن ابن عبّاس قال : تصدّق عليّ بخاتمه وهو راكع فقال النبيّ صلىاللهعليهوآله للسائل : « من أعطاك هذا الخاتم ؟ » قال : ذاك الراكع ، فأنزل اللَّه : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ ) الآية (٧) .
وأخرج عبد الرزّاق وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عبّاس في قوله تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ ) الآية ، نزلت في عليّ بن أبي طالب (٨) عليهالسلام .
وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه عن عمّار بن ياسر قال : وقف بعليّ سائل وهو راكع في صلاة تطّوع ، فنزع خاتمه فأعطاه السائل ،
__________________
(١) تفسير ابن أبي حاتم ٤ : ١١٦٢ .
(٢) انظر تاريخ دمشق ٤٢ : ٣٥٦ ـ ٣٥٧ ، ٤٥ : ٣٠٣ و ٥٤ / ٢٩٠ .
(٣) عنه في العمدة لابن بطريق : ١٢١ ، وخصائص الوحي المبين له أيضاً : ٨٠ .
(٤) المتّفق والمفترق ١ : ٢٧٢ / ٧٩ . وانظر الدرّ المنثور ٥ : ٣٦٠ .
(٥) تفسير الثعلبي ١١ : ٣٩٠ ـ ٣٩٢ / ١٢٩٦ .
(٦) المتّفق والمفترق ١ : ٢٧٢ / ٧٩ .
(٧) الدر المنثور ٥ : ٣٥٩ .
(٨) الدر المنثور ٥ : ٣٥٩ ، وانظر تفسير ابن كثير ٥ : ٢٦٤ ـ ٢٦٥ .
فأتى رسول اللَّه صلىاللهعليهوآله فأعلمه ذلك ، فنزلت على النبيّ صلىاللهعليهوآله هذه الآية : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَ هُمْ رَ كِعُونَ ) فقرأها رسول اللَّه صلىاللهعليهوآله على أصحابه ، ثمّ قال : « من كنت مولاه فعلي مولاه اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه » (١) .
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه [ وابن عساكر ] (٢) عن عليّ بن أبي طالب عليهالسلام قال : « نزلت هذه الآية على رسول اللَّه صلىاللهعليهوآله في بيته : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ ) الى آخر الآية ، فخرج رسول اللَّه صلىاللهعليهوآله ودخل المسجد ، وجاء الناس يصلّون بين راكع وساجد وقائم يصلّي ، فإذا سائل فقال : يا سائل هل أعطاك أحد شيئاً ؟ قال : لا ، ذاك الراكع ـ لعليّ بن أبي طالب ـ أعطاني خاتمه » (٣) .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن سلمة بن كهيل قال : تصدّق عليّ بخاتمه وهو راكع فنزلت : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ ) الآية (٤) .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ ) الآية نزلت في عليّ بن أبي طالب عليهالسلام تصدّق وهو راكع (٥) .
__________________
(١) الدر المنثور ٥ : ٣٦٠ . وراجع المعجم الأوسط ٧ : ١٢٩ / ٦٢٢٨ ، ومناقب ابن مردويه : ٢٣٥ / ٣٣٩.
(٢) الزيادة عن تفسير الدرّ المنثور .
(٣) تفسير الدر المنثور ٥ : ٣٦٠ . وراجع ومناقب ابن مردويه : ٢٣٤ / ٣٣٧ ، وتاريخ دمشق ٤٢ : ٣٥٦ ـ ٣٥٧ .
(٤) تفسير الدر المنثور ٥ : ٣٦٠ . وراجع تفسير ابن أبي حاتم ٤ : ١١٦٢ / ٦٥٥١ ، وتاريخ دمشق ٤٢ : ٣٥٧ .
(٥) تفسير الدر المنثور ٥ : ٣٦١ . وراجع تفسير الطبري ١٠ : ٤٢٦ / ١٢٢١٤ .
أخرج ابن جرير عن السدّي (١) وعتبة بن حكيم مثله (٢) .
وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس قال : أتى عبد اللَّه بن سلام ورهط معه من أهل الكتاب نبي اللَّه صلىاللهعليهوآله عند الظهر فقال : يا رسول اللَّه إنّ بيوتنا قاصية لا نجد من يجالسنا و يخالطنا دون هذا المسجد ، و إنّ قومنا لمّا رأونا قد صدّقنا اللَّه ورسوله وتركنا دينهم أظهروا العداوة ، وأقسموا أن لا يخالطونا ولا يواكلونا ، فشق ذلك علينا ، فبينا هم يشكون ذلك لرسول اللَّه صلىاللهعليهوآله إذ نزلت هذه الآية على رسول اللَّه صلىاللهعليهوآله : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَ هُمْ رَكِعُونَ ) (٣) ، ونودي بالصلاة صلاة الظهر وخرج رسول اللَّه صلىاللهعليهوآله فقال : « أعطاك أحد شيئاً ؟ » قال : نعم قال : « من ؟ » قال : ذك الرجل القائم قال : « على أي حال أعطاك ؟ » قال : وهو راكع ، قال : « ذاك عليّ بن أبي طالب » فكبّر رسول اللَّه صلىاللهعليهوآله عند ذلك وهو يقول : ( وَ مَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَلِبُونَ ) (٤) (٥) .
وأخرج الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم [ في المعرفة ] (٦) عن أبي رافع قال : دخلت على رسول اللَّه صلىاللهعليهوآله وهو نائم يوحى إليه ، فإذا حيّة في جانب البيت ، فكرهت أن أثب عليها فأوقظ النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وخفت أن يكون يوحى
__________________
(١) تفسير الدر المنثور ٥ : ٣٦١ . وراجع تفسير الطبري ١٠ : ٤٢٥ / ١٢٢١٠ .
(٢) تفسير الدر المنثور ٥ : ٣٦١ . وراجع تفسير الطبري ١٠ : ٤٢٦ / ١٢٢١٣
(٣) سورة المائدة ٥ : ٥٥ .
(٤) سورة المائدة ٥ : ٥٦ .
(٥) تفسير الدر المنثور ٥ : ٣٦١ . وراجع المناقب لابن مردويه : ٢٣٥ / ٣٤٠ ، وتفسير ابن كثير ٥ : ٢٦٦ .
(٦) الزيادة عن تفسير الدرّ المنثور .
إليه ، فاضطجعت بين الحيّة وبين النبيّ صلىاللهعليهوآله لئن كان منها سوء كان فيّ دونه ، فمكثت ساعة فاستيقظ النبيّ صلىاللهعليهوآله وهو يقول : « ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَ هُمْ رَ كِعُونَ ) الحمد للَّه الذي أتمّ لعليّ نعمه ، وهنيئاً لعليّ بتفضيل اللَّه إيّاه » (١) .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عبّاس قال : كان عليّ بن أبي طالب قائماً يصلّي ، فمرّ سائل وهو راكع فأعطاه خاتمه ، فنزلت هذه الآية : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ ) الآية ، قال : نزلت في الذين آمنوا وعليّ بن أبي طالب أوّلهم (٢) ، انتهى ما في تفسير الدرّ المنثور [ في التفسير ] بالمأثور للسيوطي .
وأخرج رزين في الجمع بين الصحاح الستّة في الجزء الثالث في تفسير سورة المائدة من صحيح النسائي عن ابن سلام قال : أتيت رسول اللَّه صلىاللهعليهوآله فقلنا : إنّ قومنا حادونا لمّا صدّقنا اللَّه ورسوله ، وأقسموا أن لا يكلّمونا ، فأنزل اللَّه تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَ هُمْ رَ كِعُونَ ) الآية ، ثمّ أذّن بلال لصلاة الظهر ، فقام الناس يصلّون ، فمن ساجد وراكع إذا سائل يسأل ، فأعطى عليّ خاتمه وهو راكع ، فأخبر السائل رسول اللَّه صلىاللهعليهوآله ، فقرأ علينا رسول اللَّه صلىاللهعليهوآله : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَ هُمْ رَ كِعُونَ * وَ مَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ فَإِنَّ
__________________
(١) تفسير الدر المنثور ٥ : ٣٦٢ . وراجع المعجم الكبير للطبراني ١ : ٣٢٠ / ٩٥٥ ، والمناقب لابن مردويه : ٢٣٦ / ٣٤١ ، ومعرفة الصحابة لأبي نعيم ١ : ٢٥٢ / ٨٦٣ .
(٢) تفسير الدر المنثور ٥ : ٣٦٢ . وراجع المناقب لابن مردويه : ٢٣٤ / ٣٣٦ ، وتفسير ابن كثير ٥ : ٢٦٧ .
حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَلِبُونَ ) (١) (٢) .
أقول : قال الحافظ الذهبي في تذكرة الحفّاظ في ترجمة النسائي ما لفظه : قال ابن طاهر : سألت سعد بن عليّ الزنجاني عن رجل فوثّقه . فقلت : قد ضعّفه النسائي . فقال : يا بني أنّ لأبي عبد الرحمن شرطاً في الرجال أشدّ من شرط البخاري ومسلم (٣) ، انتهى .
وقال ابن جرير في تفسيره : حدّثنا إسماعيل بن إسرائيل الرملي ، قال : حدّثنا أيوب بن سويد ، قال : حدّثنا عتبة بن أبي حكيم في هذه الآية : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ ) قال : عليّ بن أبي طالب .
وقال : حدّثني الحارث ، قال : حدّثنا عبد العزيز ، قال : حدّثنا غالب ابن عبيد اللَّه ، قال : سمعت مجاهداً يقول في قوله : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ ) الآية ، قال : نزلت في عليّ بن أبي طالب ، تصدّق وهو راكع (٤) ، انتهى .
ثمّ اعلم أنّ طريق أبي نعيم إلى حديث أبي رافع المتقدّم من طريق مخوّل عن عبد الرحمن الأسود ، عن محمّد بن عبيد اللَّه بن أبي رافع ، عن أبيه ، عن جدّه .. (٥)
وطريقه إلى حديث الكلبي المتقدّم الذي أخرجه ابن مردويه هكذا : قال : حدّثنا إبراهيم بن أحمد المقرئ ، قال : حدّثنا أحمد بن نوح ، قال :
__________________
(١) سورة المائدة ٥ : ٥٥ ـ ٥٦ .
(٢) عنه في العمدة لابن بطريق : ١٢١ / ١٥٩ ، وجامع الاُصول ٩ : ٤٧٨ / ٦٥٠٣ .
(٣) تذكرة الحفّاظ ٢ : ٧٠٠ .
(٤) تفسير الطبري ١٠ : ٤٢٦ / ١٢٢١٣ ـ ١٢٢١٤ .
(٥) انظر النور المشتعل ما نزل من القرآن في علي عليهالسلام : ٦٣ / ٥ ـ ٦ ، خصائص الوحي المبين لابن البطريق : ١ / ٣٥ ، إحقاق الحقّ ٢٠ : ١٥ .
حدّثنا أبو عمر الدوري ، قال : حدّثني محمّد بن مروان الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس (١).
وأخرجه من طريق آخر هكذا : قال : حدّثنا أبو محمّد بن حيّان ، قال : حدّثنا الحسن بن محمّد بن محمّد بن أبي هريرة ، قال : حدّثنا عبد اللَّه ابن عبد الوهّاب ، قال : حدّثنا محمّد بن الأسود ، قال : حدّثنا محمّد بن مروان ، عن محمّد بن السائب ، عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس رضياللهعنه قال : أقبل عبد اللَّه بن سلام إلى آخر ما تقدّم .
وزاد : فاستأذن حسّان بن ثابت النبيّ صلىاللهعليهوآله أن يقول في ذلك شيئاً ، فقال حسّان :
أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي |
|
وكلّ بطيء في الهوى ومسارع |
أيذهب مدحي في المحبّر ضائعا |
|
وما المدح في جنب الإله بضائع |
فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعا |
|
زكاة فدتك النفس يا خير راكع |
فأنزل فيك اللَّه خير ولاية |
|
وبيّنها في محكمات الشرائع(٢) |
وطريقه إلى حديث أمير المؤمنين عليهالسلام المتقدّم هكذا : قال : حدّثنا سليمان بن أحمد ، قال : حدّثنا عبد الرحمن بن سالم ، قال حدّثنا محمّد بن يحيى الضريس الفيدي ..
وحدّثنا ، أبو محمّد بن حيّان ، قال : حدّثنا سعيد بن سلمة النوري ،
__________________
(١) انظر النور المشتعل ما نزل من القرآن في علي عليهالسلام : ٦٤ / ٧، المناقب لابن مردويه : ٢٣٥ / ٣٤٠ ، خصائص الوحي المبين لابن البطريق : ٣٦ / ٣ .
(٢) انظر النور المشتعل ما نزل من القرآن في علي عليهالسلام : ٦٨ / ٨ ، المناقب لابن مردويه : ٢٣٥ / ٣٤٤ ، خصائص الوحي المبين لابن البطريق : ٣٧ / ٤ ، المناقب للخوارزمي : ٢٦٤ / ٢٤٦ ، شواهد التزيل : ٧٨١ / ٢٣٧ ، أسباب النزول للواحدي النيسابوري : ١٠٥ .
قال : حدّثنا محمّد بن يحيى الفيدي ، قال : حدّثنا عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن عمر بن عليّ بن أبي طالب ، قال : حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عليّ بن أبي طالب ، إلى آخر ما أخرجه أبو الشيخ وابن مردويه (١) .
و إلى حديث عمّار بن ياسر المتقدّم هكذا : حدّثنا أحمد بن جعفر بن مسلم ، قال : حدّثنا خالد بن يزيد ، قال : حدّثنا إسحاق بن عبد اللَّه ، عن الحسن بن زيد ، عن أبيه زيد بن الحسن ، عن جدّه ، قال : سمعت عمّار بن ياسر إلى آخر ما تقدّم عن الطبراني في الأوسط ، وابن مردويه (٢) .
وأخرج أبو نعيم حديث جابر قال : حدّثنا سليمان بن أحمد ، قال : حدّثنا محمّد بن عبد اللَّه الحضرمي ، قال : حدّثنا إبراهيم بن عيسى التنوخي ، قال : حدّثنا يحيى بن يعلى ، عن عبد اللَّه بن موسى ، عن أبي زبير (٣) ، عن جابر قال : جاء عبد اللَّه بن سلام واُناس معه فشكوا مجانبة الناس إيّاه منذ أسلموا ، فقال : « أبغوني سائلاً » فدخلنا المسجد فدنا سائل إليه ، فقال : « أعطاك أحد شيئاً ؟ » قال : نعم مررت برجل راكع فأعطاني خاتمه . قال : « فاذهب فأره لي » ، فذهبنا وعليّ قائم ، فقال : هذا . فنزلت : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ ) الآية (٤) .
__________________
(١) انظر النور المشتعل ما نزل من القرآن في علي عليهالسلام : ٧١ / ٩ ، المناقب لابن مردويه : ٢٣٤ / ٣٣٧ ، شواهد التنزيل ١ : ١٧٥ / ٢٣٣ ، خصائص الوحي المبين لابن البطريق : ٣٩ ـ ٤٠ / ٣ ، أسباب النزول للواحدي : ١٣٣ .
(٢) انظر النور المشتعل ما نزل من القرآن في علي عليهالسلام : ٧٤ / ١٠ ، المناقب لابن مردويه : ٢٣٥ / ٣٣٩ ، شواهد التنزيل ١ : ١٧٣ / ٢٣١ ، المعجم الأوسط ٦ : ٢٦٨ ، خصائص الوحي المبين لابن البطريق :٤٠ / ٦.
(٣) في المصادر : أبي الزبير .
(٤) انظر النور المشتعل ما نزل من القرآن في علي عليهالسلام : ٧٩ / ١٣ ، خصائص الوحي المبين لابن البطريق ٤٢ / ٩ ، شواهد التنزيل ١ : ١٧٤ / ٢٣٢ ، أسباب النزول : ١٠٥ .
وأخرج أبو نعيم ما تقدّم ، عن عبد الرزّاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وأبي الشيخ وابن مردويه ، عن ابن عبّاس قال : حدّثنا عبد اللَّه بن محمّد بن جعفر ، قال : حدّثنا أحمد بن يحيى بن زهير وعبد الرحمن بن أحمد الزهري ، قالا : حدّثنا أحمد بن منصور ، قال : حدّثنا عبد الرزّاق ، عن عبد الوّهاب بن مجاهد ، عن أبيه ، عن ابن عبّاس رضياللهعنه ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ ) قال : نزلت في عليّ بن أبي طالب عليهالسلام (١) .
وأخرج أبو نعيم حديث سلمة بن كهيل ، قال : حدّثنا أبو محمّد بن حيّان ، قال : حدّثنا محمّد بن العبّاس بن أيّوب ، قال : حدّثنا عبد اللَّه بن سعيد الكندي ، قال : حدّثنا أبو نعيم ، قال : حدّثنا موسى بن قيس الحضرمي ، عن سلمة بن كهيل ، قال : تصدّق عليّ عليهالسلام بخاتمه وهو راكع فنزلت : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ ) الآية (٢) ، انتهى .
بقي ما أخرجه الثعلبي ، وابن المغازلي ، وسيأتي إسناد الثعلبي إلى أبي ذرّ عن قريب .
وقال الثعلبي في تفسيره : قال السدّي وعتبة بن أبي حكيم وغالب بن عبد اللَّه : « إنّما » يعني في قوله : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ ) الآية عليّ بن أبي طالب عليهالسلام (٣) .
وأمّا طرق رواية ابن المغازلي فأذكرها في الجواب عن الوجه الرابع
__________________
(١) انظر النور المشتعل ما نزل من القرآن في علي عليهالسلام : ٨٠ / ١٤ ، المناقب لابن مردويه : ٢٣٣ / ٣٣٥ ، شواهد التنزيل ١ : ١٦١ / ٢١٦ ، تفسير الطبري ٦ : ١٨٦ ، خصائص الوحي المبين لابن البطريق : ٤٢ / ٩.
(٢) انظر النور المشتعل ما نزل من القرآن في علي عليهالسلام : ٨٢ / ١٥ ، خصائص الوحي المبين لابن البطريق : ٤٣ / ١١ .
(٣) الكشف والبيان عن تفسير القرآن ( تفسير الثعلبي ) ١١ : ٣٩١ / ١٢٦٩ .
إن شاء اللَّه تعالى . (١) .
ولو أخرجنا كلّ طرق هذا الحديث التي في كلّ تلك الكتب مع الإسناد والمتن صار كتاباً ضخماً ، وكنّا خرجنا عن وضع ما نحن فيه ، لكنّا قد دلّلنا على مواضعها مسندة وتخريجها بالإسناد ، وأشرنا هنا إلى ما يصدقنا فيما ذكرنا من عدد الصحابة والتابعين وتابعيهم الراوين لذلك .
وبالجملة لا يشكّ أحد في تواتر نزول هذه الآية في عليّ عليهالسلام واستفاضة الحديث في ذلك ، وسيأتي بعض طرقه أيضاً عن قريب إن شاء اللَّه ، فاعرف أيّها المنصف مكابرة ابن تيميّة في مطالبته صحّة هذا النقل وتعاميه .
الثاني من وجوه ردّ الوجه الأوّل : أنّه ليس بمجرّد عزو إلى الثعلبي ، بل إلى حديث صحيح إسناده إلى أبي ذرّ ، فإنّ المصنّف نصّ على أنّ الثعلبي أسنده إلى أبي ذرّ ، وهو في تفسير الثعلبي كذلك : قال : أخبرنا أبو الحسن محمّد بن القاسم الفقيه ، قال : حدّثنا أبو عبد اللَّه بن أحمد الشعراني ، قال : أخبرنا أبو عليّ أحمد بن عليّ بن رزين ، قال : حدّثنا يحيى ابن الحميد الحماني ، عن قيس بن الربيع ، عن الأعمش ، عن عباية الربعي ، قال : بينا عبد اللَّه بن عبّاس رضياللهعنه جالس على شفير زمزم يقول : قال رسول اللَّه صلىاللهعليهوآله إذ أقبل رجل معتمّ بعمامة ، فجعل ابن عبّاس لا يقول : قال رسول اللَّه صلىاللهعليهوآله إلّا وقال الرجل : قال رسول اللَّه صلىاللهعليهوآله ، فقال له ابن عبّاس : سألتك باللَّه من أنت ؟ قال : فكشف العمامة عن وجهه وقال : يا أيّها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا جندب بن جنادة البدري أبو ذرّ
__________________
(١) يأتي في ص : ١٧٠ .
الغفاري ، سمعت رسول اللَّه صلىاللهعليهوآله بهاتين إلى آخر ما ذكره المصنّف (١) ، وهذا السند ليس فيه كذّاب ولا مجهول بل كلّهم أجلّاء عدول ، فالحديث ذو إسناد ثابت .
الثالث : بطلان دعوى عدم حجّية رواية الثعلبي بالا تّفاق ، كيف وقد شهد العلماء بأنّه صحيح النقل ، موثوق به ، وأنّه إمام في الفن ، واعتمدوا كتابه ، واحتجّوا بنقله ، وصرّح هو في أوّل كتابه : بأنّه لا يخرّج فيه عن الضعفاء .
قال الواحدي في تفسير الوسيط : ثمّ فرغت للاُستاذ أبي إسحاق أحمد ابن محمّد بن إبراهيم الثعلبي رحمهالله ، وكان خير العلماء بل بحرهم ، ونجم الفضلاء بل بدرهم ، وزين الأئمّة بل فخرهم ، وواحد الاُمة بل صدرهم ، وله التفسير الملقّب بالكشف والبيان عن تفسير القرآن ، الذي رفعت به المطايا في السهل والأوعار ، وسارت به الفلك في البحار ، وهب هبوب الريح في الأقطار :
و سار مسير الشمس في كلّ بلدة |
|
وهبّ هبوب الريح في البرّ والبحر(٢) |
وأصفقت عليه كافة الاُ مّة على اختلاف نحلهم ، وأقرّوا بالفضيلة في تصنيفه ما لم يسبق إلى مثله ، فمن أدركه وصحبه علم أنّه كان منقطع القرين ، ومن لم يدركه فلينظر في مصنّفاته ليستدلّ بها أنّه كان بحراً لا ينزف ، وغمراً لا يسبر ، وقرأت عليه من مصنّفاته أكثر من خمسمائة جزء ، منها :
__________________
(١) الكشف والبيان عن تفسير القرآن ( تفسير الثعلبي ) ١١ : ٣٩١ : ١٢٩٦ .
(٢) البيت من الطويل ، قائله علي بن الجهم ، انظر يتيمة الدهر للثعالبي ١ : ١٤٠ ، وفيه : فسار بدل : وسار.
تفسيره الكبير ، وكتابه المعنون بالكامل في علم القرآن ، وغيرهما ، انتهى (١) .
وقال ابن خلكان في وفيّات الأعيان عند ترجمته : كان واحد أهل زمانه في علم التفسير ، وصنّف التفسير الكبير الذي فاق غيره من التفاسير (٢) . انتهى .
وقال الحافظ الذهبي في كتابه العبر في وقائع سنة سبع وعشرين وأربعمائة : وفيها توفّي أبو إسحاق الثعلبي ، وكان حافظاً واعظاً رأساً في التفسير والعربيّة ، ومتين الديانة ، توفّي في المحرّم (٣) ، انتهى .
قال ابن الوردي (٤) في تتمّة المختصر في السنّة المذكورة بعد ذكر الثعلبي ما لفظه : أوحد في التفسير ، وله العرائس في قصص الأنبياء ، صحيح النقل ، روى عن جماعة (٥) ، انتهى .
وقال الصفدي في الوافي بالوفيات عند ترجمته للثعلبي : كان أوحد زمانه في علم القرآن ، قال : قال السمعاني : وكان حافظاً عالماً بارعاً في العربية موثقاً أخذ عنه أبو الحسن الواحدي (٦) ، إلى آخره .
وقال اليافعي في مرآة الجنان عنده : وكان حافظاً واعظاً رأساً في
__________________
(١) عنه معجم الأدباء ١٢ : ٢٦٢ ـ ٢٦٨ .
(٢) وفيات الأعيان ١ : ٩٩ / ٣١ .
(٣) العبر في خبر من غبر ٢ : ٢٥٥ حوادث سنة ٤٢٧ .
(٤) أبو حفص عمر بن المظفّر بن عمر بن محمّد بن أبي الفوارس المعرّي الحلبي ، القاضي زين الدين الشافعي ، المعروف بابن الوردي ، المتوفى سنة ٧٤٩ ه ، من آثاره : تتمة المختصر في الذيل على تاريخ أبي الفداء . الأعلام للزركلي ٥ : ٦٧ .
(٥) تاريخ ابن الوردي ١ : ٣٣٢ .
(٦) الوافي بالوفيات ٧ : ٣٠٧ / ٣٢٩٩ .
التفسير والعربيّة والدين والديانة ، فاق تفسيره الكبير سائر التفاسير (١) . انتهى .
وقال الشيخ ابن شحنة في روض المناظر : كان واحد زمانه في علم التفسير ، وله كتاب العرائس في قصص الأنبياء وهو صحيح النقل (٢) . انتهى .
وقد احتجّ بما في تفسيره جماعة من الأئمّة المجمع على علمهم وفضلهم ، منهم : الشيخ عزّ الدين بن الأثير الجزري في اُسد الغابة في معرفة الصحابة ، قال في أوّله : فصل نذكر فيه أسانيد الكتب التي خرّجت منها الأحاديث وغيرها ، وتركت ذكرها في الكتاب لئلّا يطول الإسناد ، ولا أذكر في أثناء الكتاب إلّا اسم المصنّف وما بعده فليعلم ذلك ، تفسير القرآن المجيد لأبي إسحاق الثعلبي ، أخبرنا به أبو العبّاس أحمد بن عثمان بن أبي عليّ بن مهدي الزرزاري الشيخ الصالح رحمهالله ، قال : أخبرنا الرئيس مسعود ابن الحسن بن القاسم الأصبهاني وأبو عبد اللَّه الحسن بن العبّاس الرستمي ، قالا : أخبرنا أحمد بن خلف الشيرازي ، قال : أنبأنا أبو إسحاق أحمد بن محمّد بن إبراهيم الثعلبي بجميع كتاب الكشف والبيان في تفسير القرآن ، سمعت عليه من أوّل الكتاب إلى آخر سورة النساء ، وأمّا من أوّل سورة المائدة إلى آخر الكتاب فإنّه حصل لي بعضه سماعاً و بعضه إجازة ، واختلط السماع بالإجازة فأنا أقول فيه : أخبرنا به إجازة إن لم يكن سماعاً ، فإذا قلت : أخبرنا أحمد بإسناده إلى الثعلبي فهو بهذا الإسناد (٣) ، انتهى .
__________________
(١) مرآة الجنان وعبرة اليقظان ٣ : ٤٦ .
(٢) روض المناظر ( حوادث سنة ٤٢٧ ه ) : ١٨٨ ـ ١٨٩ .
(٣) اُسد الغابة في معرفة الصحابة ١ : ١١٤ .
واحتجّ القرطبي في تفسيره بنقل الثعلبي (١) .
وكذلك النووي في تهذيب الأسماء نقل عن الثعلبي ، ووصفه بالإمام ، فراجعه في ترجمة آدم ونوح ويوسف و يحيى بن زكريّا عليهمالسلام (٢) .
وكذلك الدميري في حياة الحيوان نقل عن تفسيره ، ولقّبه بالإمام قال : من ذلك ما ساقه الإمام أبو إسحاق أحمد بن محمّد بن إبراهيم النيسابوري الثعلبي في كتابه الكشف والبيان في تفسير القرآن إلى آخره . فراجعه في حديث أصحاب الكهف (٣) .
وكذلك ولي الدين أبو زرعة أحمد بن عبد الرحيم العراقي الاُصولي (٤) ـ المذكور في معجم شيوخ الحافظ العسقلاني (٥) ، و طبقات الأسدي (٦) ، و حسن المحاضرة للسيوطي (٧) ، وكتاب أسانيد عيسى بن محمّد الثعالبي المكّي (٨) ، بكلّ جميل ومدح ـ ذكر في شرحه على أحكام والده في فوائد حديث ابن مسعود المتضمّن لذكر العبد الصالح من كتاب الشهادات قال : الرابعة لا يخفى أنّ المراد بالعبد الصالح لقمان ، إلى أن قال : قال الإمام أبو إسحاق الثعلبي : اتّفق العلماء على أنّه كان حكيماً ولم يكن نبيّاً إلّا
__________________
(١) تفسير القرطبي ١ : ١١٦ ، ٢٩٤ ، ٤٢٧ ، ٤٥١ و ٣ : ٢٠٢ ، ٢٦٠ و ٤ : ٦ ، ١٣٦ .
(٢) تهذيب الأسماء واللغات للنووي ٢ : ١٣٢ ، ١٥٢ ، ١٦٦ ـ ١٦٧ .
(٣) حياة الحيوان للدميري ٢ : ٢٦٥ ـ ٢٧٧ .
(٤) المتوفي سنة ٨٢٦ ه ، له : البيان والتوضيح . كشف الظنون ٢ : ١٤٧٩ .
(٥) المجمع المؤسّس للمعجم المفهرس للعسقلاني ٣ : ٤٢ / ٤١٢ .
(٦) طبقات الشافعية لابن شهبة الأسدي ٤ : ١٠٣ / ٧٦٢ .
(٧) حسن المحاضرة ١ : ٣٦٣ / ١٠٠ .
(٨) المغربي الجعفري ، نسبة إلى جعفر بن أبي طالب الهاشمي ، وكنيته أبو مهدي ، من الفقهاء المالكية في عصره ، رحل في طلب العلم ، واستقر به المطاف في مكّة المشرّفة ، وتوفّي فيها سنة ١٠٨٠ ه . الأعلام للزركلي ٥ : ١٠٨ .
عكرمة فإنّه قال : كان نبيّاً فتفرّد بهذا القول ، انتهى (١) .
وقال هو في خطبة كتاب الكشف والبيان في تفسير القرآن ما لفظه : وفرقة حرموا (٢) الإسناد الذي هو الركن والعماد ، فنقلوا من الصحف والدفاتر ، وجروا على هوس الخواطر ، وذكروا الغثّ والسمين والواهي والمتين ، وليسوا في عداد العلماء ، فصنت الكتاب عن ذكرهم ، والقراءة والعلم سنّة يأخذها الأصاغر عن الأكابر ، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء (٣) .
إلى أن قال : واستخرت اللَّه تعالى في تصنيف كتاب شامل كامل مهذّب ملخّص مفهوم منظوم ، أستخرج من زهاء مائة كتاب مجموعات مسموعات سوى ما التقطته من التعليقات والأجزاء ، والتقطته من أفواه المشايخ الكبار ، وهم قريب من ثلاثمائة شيخ ، نسقته بأبلغ ما قدرت عليه من الإيجاز والترتيب ، ولفّقته بغاية التنقيب والترتيب ، إلى آخر الخطبة (٤) .
الوجه الرابع : أنّ هذا الحديث باللفظ الذي رواه الثعلبي بإسناده إلى أبي ذرّ قد رواه الحاكم أبو القاسم الحسكاني قال : حدّثني أبو الحسن محمّد ابن القاسم الفقيه الصيدلاني ، قال : أخبرنا أبو محمّد الشعراني ، قال : حدّثنا أبو عليّ أحمد بن عليّ بن رزين البياشاني ، قال : حدّثني المظفّر بن الحسين الأنصاري ، قال : حدّثنا السدّي بن عليّ الورّاق ، قال : حدّثني يحيى بن عبد الحميد الحماني ، عن قيس بن الربيع ، عن الأعمش ، عن عباية بن ربعي قال : بينا عبد اللَّه بن عبّاس جالس على شفير زمزم ، إلى
__________________
(١) طرح التثريب في شرح التقريب ٨ : ٨٩ .
(٢) في المصدر : حذفوا بدل : حرموا .
(٣) الكشف والبيان عن تفسير القرآن ٢ : ١١ .
(٤) نفس المصدر ٢ : ١٦ ـ ١٧ .
آخر ما تقدّم بلا زيادة ولا نقيصة باللفظ المتقدّم عن الثعلبي (١) .
وأخرجه الفضل الطبرسي في مجمع البيان من طريق السيّد أبي الحمد مهدي بن نزار الحسيني القايني بهذا الإسناد بعينه (٢) ، فلم ينفرد الثعلبي بما لا يتابع عليه .
الوجه الخامس : قوله : أهل السنّة لا يثبتون بمثل (٣) هذا . يعني بمجرّد ثبوت رواية مثل الثعلبي شيئاً يريدون إثباته لا حكماً ولا فضيلة ولا غيرها ، كذب على أهل السنّة .
هذا ابن القيّم أجلّ تلاميذه وشريكه في العقيدة ومروّجها يقول في زاد المعاد في هدي خير العباد ما لفظه : إنّ أحد القولين : إنّ مجرّد رواية العدل عن غيره تعديل له و إن لم يصرّح بالتعديل ، كما هو إحدى الروايتين عن أحمد (٤) ، انتهى موضع الحاجة من كلامه .
وأهل السنّة كما عرفت لا يشكّون في عدالة الثعلبي و إمامته في الحديث ، وقد عرفت نصّ الأئمّة على ثقته وصحّة نقله فكيف يدّعي ابن تيميّة الإجماع على عدم إثبات شيء لا حكم ولا فضيلة بمجرّد ثبوت رواية الثعلبي ، وليس من شرط الثقة أن لا يخطئ ولا يسهو كما نصّ عليه الحافظ الذهبي في سير النبلاء في ترجمة أبي بكر عبد اللَّه بن سليمان بن الأشعث السجستاني (٥) .
ثمّ قال ابن تيميّة : الثاني : قوله : قد أجمعوا على أنّها نزلت في
__________________
(١) الکشف والبیان ١١ : ٣٩١ / ١٢٩٦ ، شواهد التنزیل للحسکاني ١ : ١٧٧ / ٢٣٥ .
(٢) مجمع البيان في تفسير القرآن ٢ : ٢١٠ .
(٣) منهاج السنّة ٧ : ١١ .
(٤) زاد المعاد في هدي خير العباد ٥ : ٤٥٧ .
(٥) سير أعلام النبلاء ١٣ : ٢٣٣ / ١١٨ .