البراهين الجليّة - ج ٢

السيّد حسن الصدر

البراهين الجليّة - ج ٢

المؤلف:

السيّد حسن الصدر


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-629-5
ISBN الدورة:
978-964-319-618-9

الصفحات: ٤١٦
الجزء ١ الجزء ٢

رفعت عنه في ذلك الوقت ، ولم يكن في الدار أحد ، فرفعنا الستر فإذا بيت كبير كأن بحراً فيه ، وفي أقصى البيت حصير قد علمنا أنّه على الماء ، وفوقه رجل من أحسن الناس هيئةً قائم يصلّي ، فلم يلتفت إلينا ولا إلى شي‏ء من أسبابنا ، فسبق أحمد بن عبد اللَّه ليتخطّى البيت فغرق في الماء إلى آخر ما يقرب ممّا تقدّم في خبر شواهد النبوّة للجامي (١) ، وليس فيه ذكر للسرداب أصلاً ..

إلّا أنّ القطب الراوندي (٢) ذكر في الخرائج هذا الخبر ، ثمّ قال في موضع آخر على ما نقله عنه بعض أصحابنا و إن لم نجده فيما عندي من نسخة : ثمّ بعثوا عسكراً كثيراً ، فلمّا دخلوا الدار سمعوا من السرداب قراءة القرآن ، فاجتمعوا على بابه وحفظوه حتّى لا يصعد ولا يخرج وأميرهم قائم حتّى يصل العسكر كلّهم ، فخرج من السكّة التي على باب السرداب ومرّ عليهم فلمّا غاب قال الأمير : أنزلوا عليه . فقالوا : أليس قدّ مرّ عليك . فقال : ما رأيت . وقال : ولِمَ تركتموه ؟ قالوا : إنّا حسبنا أنّك تراه (٣) .

والظاهر أنّ هذا الخبر هو الوجه في تسمية السرداب بسرداب الغيبة في لسان بعض العلماء في خصوص كتب المزار (٤) ، والذي نسبوه إليهم من أنّه دخل السرداب واُمّه تنظر إليه وغاب ، ليس في كتبنا أثر ولا عليه دلالة فراجع .

__________________

(١) شواهد النبوة : ٢٧٨ .

(٢) الشيخ الأقدم سعيد بن هبة اللَّه بن الحسن ، قطب الدين أبو الحسين الراوندي ، أحد أعيان العلماء ومشاهيرهم ، توفّي سنة ٥٧٣ ه . أعيان الشيعة ٧ : ٢٦٠ .

(٣) عنه في بحار الأنوار ٥٢ : ٥٢ ـ ٥٣ / ٣٧ ، وانظر الخرائج والجرائح ١ : ٤٦٠ / ٥ ١ و ٢ : ٩٤٢ .

(٤) المزار الكبير : ٦٥٧ .

١٢١

نعم في بعض الكتب التي ألّفوها في كيفيّة زيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وأئمّتهم زيارة يزار بها الحجّة في السرداب وليس فيها دلالة ولا إشارة إلى ما نسبوه إلى الشيعة ، ونحن إذا نسبنا إلى علماء أهل السنّة شيئاً من فتوى أو حديث أو معتقد ذكرنا كتابه وموضعه ومؤلّفه وترجمته ، فمقتضى الإنصاف أن يعاملوا معنا في هذه المقامات كذلك .

الثالث : أنّهم ذكروا بعد ذلك : أنّه بعد دخوله في السرداب وغيبته باق فيه إلى الآن ، وأنّه معتقد الإماميّة كما تقدّم عن الذهبي وابن خلكان ، قال : وهذا أيضاً كذب محض وافتراء بيّن لم يذكره أحد من مؤلِّفي الإماميّة في كتاب له من القدماء والمتأخّرين ، فإن كانوا صادقين في هذه النسبة فليذكروا موضعاً واحداً ذكر فيه ما نسبوه إليهم ، مع أنّ في كثير من أحاديثهم وقصصهم ما يبيّن كذبه ، فإنّهم رووا واعتقدوا أنّ المهدي يحضر الموسم في كلّ سنة (١) ، ورآه جماعة كثيرة تزيد على سبعين في أيّام غيبته الصغرى التي كان له فيها نوّاب مخصوصة ، يخرج إليهم التوقيعات ابتداءً وجواب المسائل التي كانوا يسألونها بتوسط النوّاب ، وكلّهم رأوه في غير السرداب بل غير سامراء إلّا قليلاً منهم رأوه في سامراء ، ورووا بأسانيد متعدّدة عن إبراهيم بن مهزيار أنّه وصل إلى خدمته ، وتشرّف بلقائه في صحراء الطائف ، وقال عليه‌السلام في طي كلامه معه : « إنّ أبي عهد إلي أن لا اُوطن من الأرض إلّا أخفاها وأقصاها ، إسراراً لأمري ، وتحصيناً لمحلّي من مكائد أهل الضلالة والمردة من أحداث الاُمم الضوال ، فنبذني إلى عالية الرمال » ..

__________________

(١) كمال الدين وتمام النعمة : ٤٤٠ / ٨ .

١٢٢

إلى أن قال : « واعلم يا أبا إسحاق أنّه صلوات اللَّه عليه قال : يا بني إنّ اللَّه جلّ ثناؤه لم يكن ليخلي أطباق أرضه وأهل الجدّ في طاعته وعبادته بلا حجّة يستعلي بها ، و إمام يؤتمّ به و يقتدى بسبيل سننه ومنهاج قصده ، وأرجو يا بني أن تكون أحد من أعدّه اللَّه لنشر الحقّ ، وطي الباطل ، و إعلاء الدين ، و إطفاء الضلال ، فعليك بلزوم خوافي الأرض ، وتتبّع أقاصيها » (١) الحديث .

إلى أن قال : وعندهم زيارة يزورون بها المهدي‏ عليه‌السلام ، وفيها من أوصافه : ( الحاضر في الأمصار الغائب عن الأبصار ) وهي موجودة في جملة من خطبهم .

وقال الشيخ أبو جعفر الصدوق في كتاب العقائد عند عدّه الأئمّة الاثنى عشر : ثمّ محمّد بن الحسن الحجّة القائم بأمر اللَّه صاحب الزمان وخليفة الرحمن في أرضه الحاضر في الأمصار الغائب عن الأبصار صلوات اللَّه عليهم (٢) ، انتهى ..

إلى غير ذلك ممّا لا يحصى ، ومع ذلك كيف استحسن هؤلاء الأعلام هذا الكذب الواضح لأنفسهم ؟ ! وهو مضافاً إلى حرمته ممّا يشين المرء و يذهب بماء الوجه و يوجب مقت الربّ .

الرابع : ما مرّ عن الذهبي وهو قوله : و يعترفون أنّه لم يره أحد أبداً (٣) .

__________________

(١) نفس المصدر : ٤٤٧ / ١٩ .

(٢) الاعتقادات في دين الإماميّة : ٩٣ ، وانظر الهداية للشيخ الصدوق قدس سره : ٣٠ ـ ٤٥ .

(٣) راجع ص : ١١٨ .

١٢٣

وقوله الآخر : فدخل السرداب وعدم (١) .

وهذا أيضاً كسابقه من الأكاذيب الواضحة ، فإنّ كلّ من تعرّض من علماء الإماميّة لذكر أحوال الحجّة عليه‌السلام نصّ على أنّ في غيبته الصغرى وطولها سبعون سنة تقريباً كان يصل إلى خدمته الخواص ، وضبطوا أسامي من رآه‏ عليه‌السلام أو وقف على معجزته من غير خلاف بينهم ، وعقدوا له في مؤلّفاتهم في الغيبة باباً مخصوصاً ، بل أُ لِّف فيه بالانفراد رسائل معروفة .

هذا شيخ الشيعة أبو جعفر الكليني يقول في كتابه الحجّة من الكافي : باب في تسمية من رآه‏ عليه‌السلام . وأخرج فيه أخباراً كثيرة (٢) .

وهذا أبو عبد اللَّه محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد يقول في كتابه الإرشاد : باب ذكر من رآى الإمام الثاني عشر ، وطرف من دلائله و بيّناته . وأخرج فيه جملة وافرة ممّا يتعلّق بالمقام (٣) .

وهكذا الشيخ أبو جعفر محمّد بن علي بن بابويه في كتاب كمال الدين (٤) .

وهكذا غيرهم من أعاظم المحدّثين وأكابر المؤلّفين ، بل جوّزوا الرؤية في غيبته الكبرى ، وعندهم قصص وحكايات معتبرة فيها تشرّفهم فيها بلقائه ووقوفهم على معجزة ظاهرة وكرامة باهرة منه‏ عليه‌السلام ، ثمّ نقل جملة من تلك الحكايات في لقائه .

ثمّ قال : لم أقصد من ذكر هذه الأحاديث الاحتجاج بها في إثبات

__________________

(١) تاريخ الاسلام ٢٠ : ١٦١ .

(٢) الكافي ١ : ٣٢٩ .

(٣) الإرشاد ٢ : ٣٥١ .

(٤) كمال الدين وتمام النعمة ٢ : ٤٣٤ باب من شاهد القائم .

١٢٤

دعوى على من أنكرها بل لمجرّد توضيح الكذب المذكور ، وما قبله من أنّه موجود محبوس في السرداب إلى يوم خروجه .

وبالجملة ليس في الإماميّة أحد اعترف بما نسبه إلى جميعهم وجعله من عقائدهم ، فإنّ أراد أحد الذبّ عن هؤلاء الكذّابين فليبيّن الموضع الذي اعترفوا فيه بما نسبوه إليهم .

الخامس : ما ذكره عن الشيعة ابن حجر في الصواعق : من أنّه توفّي أبوه بسرّ من رأى ، وتستّر هو بالمدينة ، وله غيبتان : صغرى منذ ولادته إلى انقطاع السفارة بينه و بين الشيعة ، وكبرى وفي آخرها يقوم ، وكان فقده يوم الجمعة سنة ست وتسعين ومائتين ، فلم يدر اين ذهب خاف على نفسه فغاب (١) ، انتهى .

قال : وفيه : مضافاً إلى الكذب الصريح ـ فإنّ أحداً من الإماميّة لم يذهب إلى أنّه‏ عليه‌السلام تستّر بالمدينة ولا يوجد ذلك في مؤلّفاتهم أبداً ـ تناقض عجيب ، فإنّ صريح كلامه أنّ آخر الغيبة الصغرى عندهم هو انقطاع السفارة بينه وبين شيعته ، واتّفقت الإماميّة من غير خلاف أنّ آخر السفراء ـ وهم أربعة ـ هو أبو الحسن عليّ بن محمّد السمري رحمه‌الله ، وأنّه توفّي في النصف من شعبان سنة تسع وعشرين وثلاثمائة ، فأوّل الغيبة الكبرى من نصف شعبان سنة تسع وعشرين وثلاثمائة لا من سنة ست وتسعين ومائتين فإنّها كانت أيّام سفارة أبي جعفر محمّد بن عثمان وتوفّي في آخر جمادى الاُولى سنة خمس وثلاثمائة وقد تولّى السفارة نحواً من خمسين سنة ، ثم قام بالأمر بعده أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي إلى أن

__________________

(١) الصواعق المحرقة ٢ : ٢٨٢ .

١٢٥

توفّي سنة ست وعشرين وثلاثمائة . وقام بعده أبو الحسن السمري . فلا الفقد كان في المدينة ولا في السنة التي ذكرها ولم يقل به أحد من علماء الإماميّة فنسبتها إليهم كذب وافتراء .

السادس : الكذب العجيب الذي تكاد تنشق منه الأرض و يظلمّ الهواء وتحبس منه قطر السماء وهو نسبة أعاظمهم وعلمائهم إلى كافّة الإماميّة أنّهم يعتقدون أنّ المهدي‏ عليه‌السلام يخرج في آخر الزمان من السرداب بسرّ من رأى .

قال ابن خلكان : وهم ينتظرون خروجه آخر الزمان من السرداب بسرّ من رأى (١)  ولا حاجة إلى نقل كلماتهم لأنّ هذه النسبة شائعة فيهم حتّى قال قائلهم على ما في الصواعق المحرقة لابن حجر قال : ولقد أحسن القائل :

ما آن للسرداب أن يلد الذي (٢) .......

إلى آخر الأبيات .

قال : فهذه كتب الإماميّة من قدمائهم ومتأخّريهم وأكابرهم وأصاغرهم من مطوّلاتها ومختصراتها عربيّها وعجميّها موجودة كثيرة مطبوعة شائعة .

نبئونا أي كتاب يوجد هذا المطلب فيه ، ومن ذكر أنّه‏ عليه‌السلام يخرج من السرداب ، ونحن كلّما تفحصّنا لم نجد للسرداب ذكراً في أحاديثهم إلّا ما أشرنا إليه ، فضلاً عن كونه برجاً يطلع منه هذا البدر المنير ، بل الموجود في أحاديثهم أنّ مطلعه من مكّة المشرّفة ، وساق أحاديث في ذلك .

__________________

(١) وفيات الأعيان ٤ : ٣١ / ٥٦٢ .

(٢) الصواعق المحرقة ٢ : ٤٨٣ .

١٢٦

ثمّ قال : ولا يوجد في تمام الأحاديث المتعلّقة بهذا الباب ما يعارضها ، ولا في كلام أحد من العلماء ما يخالفها ، فإلى اللَّه المشتكى ، وإليه نستعدي من هذا الافتراء ، انتهى كلام هذا المتكلّم (١) .

وكلّ ما ذكره من الأكاذيب الستة فقد كذّبها ابن تيميّة في مواضع من منهاجه كما تقدّمت عبارته ، وهو المتقدّم في الكذب بها على من ذكرهم هذا المتكلّم الشيعي ، ولعلّهم أخذوا كلّ ذلك من ابن تيميّة .

فإن قلت : الكذبة الاُولى ، أعني حصر نسبة القائلين بحياة المهدي محمّد ابن الحسن العسكري وأنّه الموعود بالشيعة الإماميّة فقط ، إنّما صارت كذبة لحدوث القائل به من أهل السنّة الذين نسب إليهم مشاركة الشيعة في العقيدة بالمهدي ، وهم المتأخّرون عن ابن تيميّة في الطبقة ، فلا يكون ابن تيميّة من أصحاب الكذبة الاُولى .

قلت : قد تقدّم أنّ الإمام أبا بكر البيهقي في شعب الإيمان نصّ على مشاركة جماعة من أهل الكشف ، قال : ووافقهم عليه جماعة من أهل الكشف (٢) . انتهى فلم يذكر ابن تيميّة ذلك كما ذكره البيهقي .

هذا مع تقدّم ابن عربي (٣) على ابن تيميّة وهو أيضاً من المشاركين فيه لهم حتّى في العصمة والعلم الإلهامي .

فإن قلت : إنّ ابن تيميّة لا يحفل بخلاف العرفاء ووفاقهم .

قلت : هب أنّه لا يحفل لكن في مقام تحرير الخلاف في المهدي ونقله الأقوال فيه لا تصلح له ترك نقل ذلك وحصر النسبة بالإماميّة كما في

__________________

(١) وهو المحدّث النوري قدس سره في كتابه كشف الأستار : ٢٠٩ ـ ٢٢٤ .

(٢) راجع ص ٥٢ .

(٣) الفتوحات المكّيّة ٣ : ٣٣٥ ـ ٣٣٨ .

١٢٧

صفحة ٢١٣ من الجزء الرابع وتقدّمت عبارته .

فإن قلت : اين نصّ ابن تيميّة أنّه دخل السرداب عندهم ولم يظهر .

قلت : نصّ على ذلك في مواضع منها في مقدّمة كتابه منهاج السنّة النبويّة في الصفحة العاشرة قال : ومن حماقاتهم أنّهم يجعلون للمنتظر عدّة مشاهد ينتظرونه فيها كالسرداب الذي بسامراء الذي يزعمون أنّه غاب فيه (١) ، إلى آخر ما تقدّم .

وذكر مثله في صفحة ٢١٢ من الجزء الرابع قال : الثالث : أنّ هذا المعصوم الذي يدّعونه في وقت ما قد ولد عندهم لأكثر من أربعمائة وخمسين سنّة فإنّه دخل السرداب ولم يظهر عنه شي‏ء (٢) ، الى آخره .

ومنها في صفحة ١٣١ من الجزء الثاني قال : والإماميّة الذين يزعمون أنّه كان له ـ يعني الحسن العسكري ـ ولد يدعون أنّه دخل السرداب بسامراء وهو صغير ، منهم من قال : عمره سنتان ، ومنهم من قال : ثلاث ، ومنهم من قال : خمس سنين (٣) ، إلى آخر ما تقدّم .

وما نقله في الصفحة العاشرة من الجزء الأوّل الذي تقدّم نقله آنفاً من قوله : وقد يقيمون هناك دابة إمّا بغلة و إمّا فرساً وإمّا غير ذلك ليركبها إذا خرج (٤) ، إلى آخر ما نقله .

فمن أقبح الافتراء وأشنع الكذب وقد شاركه في هذا الكذب عليهم معاصره محمّد بن بطوطة في رحلته فإنّه ذكر ذلك عند ذكره لبلدة الحلّة ،

__________________

(١) منهاج السنّة ١ : ٤٤ .

(٢) نفس المصدر ٨ : ٢٦١ .

(٣) منهاج السنّة ٤ : ٨٧ .

(٤) نفس المصدر ١ : ٤٥ .

١٢٨

وأنّ فيها مشهداً للمهدي (١) ، و إنّهم يجتمعون كما ذكر ابن تيميّة ..

وكذلك القرماني في تاريخه ذكر أنّهم يفعلون ذلك ببغداد كلّ يوم جمعة يأتون بفرس مشدودة و يقفون على باب السرداب و يدعون باسم المهدي (٢) ، إلى آخره .

وذكر زكريا القزويني في عجائب البلدان قال : كان عند باب السرداب الذي غاب فيه المهدي فرس أصفر ، سرجه ولجامه من ذهب إلى زمان السلطان سنجر بن ملك شاه ، فجاء يوم الجمعة للصلاة فقال : ما سبب وقوف هذا الفرس هنا ؟ قالوا : سيخرج من هذا الموضع خير الخلق و يركب عليه . فقال : لا يخرج منها خير منّي فركبه (٣) .

أقول : وفي هذه المناقضات شهادة على كذب الحكاية ، و بهذه الأكاذيب الواضحة صارت الشيعة يشنّعون على علماء السنّة أنّهم يكذبون و يفترون على الشيعة ، فكلّ ما ينسبون إلى الشيعة فهو من هذا القبيل ، فهم بيت الكذب لا كما قال المحمود الآلوسي مفتي الحنيفة ببغداد في المسائل اللاهورية : الشيعة بيت الكذب (٤) .

لكن الذي يهوّن الخطب و يرفع الوصمة عن أهل السنّة أنّ علماء السنّة نصّوا على قوّة كذب ابن تيميّة وكثرة افترائه ، قال العلّامة ابن حجر في الجوهر المنظم : وبرز له من قوّة الافتراء والكذب ما أعقبه الهوان وأوجب له الحرمان (٥) .

__________________

(١) رحلة ابن بطوطة ٢ : ٥٦ ، وقد تقدّمت عبارته راجع الهامش ٢ من ص : ٥١ .

(٢) أخبار الدول ١ : ٣٥٣ .

(٣) عجائب البلدان ( آثار البلاد وأخبار العباد ) : ٣٨٦ .

(٤) المسائل اللاهورية ( الأجوبة العراقيّة على الأسئلة اللاهوريّة ) : ١٥ و ٣٩ .

(٥) الجوهر المنظم ( الوهابية المتطرفة ١ : ) ٦٦ .

١٢٩

وقال في الفتاوي الحديثيّة : عبد خذله اللَّه وأضلّه وأعماه وأصمّه وأذلّه ، وبذلك صرّح الأئمّة الذين بيّنوا فساد أحواله وكذب أقواله ، ومن أراد ذلك فعليه بمطالعة كلام الإمام المجتهد المتّفق على إمامته وجلاله و بلوغ مرتبة الاجتهاد أبي الحسن السبكي ، وولده التاج ، والشيخ الإمام العزّ ابن جماعة وأهل عصرهم ، وغيرهم من الشافعيّة والمالكيّة والحنفيّة ، وشهد عليه التقي السبكي بالكفر البراح الصريح ...

والحاصل : أن لا يقام لكلامه وزن بل يرمى في كلّ وعر وحزن ، و يعتقد فيه أنّه مبتدع ضالّ ومضلّ جاهل غال ، عامله اللَّه بعدله وأجارنا من مثل طريقته وعقيدته وفعله آمين .

ثمّ قال : ولا زال يتتبّع الأكابر حتّى تمالأ عليه أهل عصره ففسّقوه وبدّعوه بل كفّره كثير منهم (١) ، إلى آخره .

وقال في شرح الشمائل المسمّى أشرف الوسائل بعد نقله عن ابن تيميّة وابن القيّم في إسدال العذبة التجسيم والتشبيه ما لفظه : تعالى اللَّه عمّا يقول الظالمون والجاحدون علوّ كبيراً ، ولهما في هذا المقام من القبائح وسوء الاعتقاد ما يصمّ عنه الآذان ويقضي عليه الزور والكذب والضلال والبهتان ، قبّحهما اللَّه وقبّح من قال بقولهما (٢) .

وقال اليافعي في آخر ترجمته لابن تيميّة : ثمّ نودي بدمشق وغيرها من كان على عقيدة ابن تيميّة الحنبلي [ حلّ ماله ودمه (٣) .

__________________

(١) الفتاوى الحديثيّة : ٨٣ ، وراجع المقصد الأوّل في الشهادات على ابن تيمية الصفحات :٨٨ ، ٨٩ ، ١١٠ ، ١٧٣ ، ١٧٨ .

(٢) أشرف الوسائل : ١٧٢ ـ ١٧٣ .

(٣) مرآة الجنان ٤ : ٢٤٠ .

١٣٠

وقال محمّد البرنسي في كتابه إتحاف أهل العرفان : قد تجاسر ابن تيميّة الحنبلي ] (١) عامله اللَّه بعدله ثمّ عدّ بعض أقواله الفاسدة ثمّ قال : وقد عاد شؤم كلامه عليه حتّى تجاوز الجناب الأقدس (٢) .

إلى أن قال : فسقط من أعين علماء الاُمّة ، وصار مثلة بين العوام فضلاً عن الأئمّة ، وتعقّب العلماء كلماته الفاسدة ، وأظهروا عوار سقطاته ، وبيّنوا أوهامه وغلطاته  (٣) ، إلى آخره .

وقال ابن حجر في الجوهر المنظم أيضاً بعد ذكر عقيدته الفاسدة ما لفظه : حتّى قام عليه علماء عصره ، وألزموا السلطان بقتله أو حبسه وقهره ، فحبسه إلى أن مات ، وخمدت تلك البدع فزالت تلك الظلمات (٤) .

وحكى الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني في الدرر الكامنة عن علماء عصر ابن تيميّة أنّهم حكموا عليه بالتجسيم والزندقة والنفاق (٥) .

وقال التقي السبكي في كتابه السيف الصقيل : وشقّ ابن تيميّة العصا وشوّش عقائد المسلمين وأغرى بينهم (٦) .

وذكر ابن حجر في الدرر الكامنة : أنّ ابن تيميّة كان يسعى في الإمامة الكبرى ، وأنّه كان يلهج بذكر ابن تومرت (٧) .

__________________

(١) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق ، انظر استخراج المرام ١ : ٢١٢ ، وكشف الارتياب : ٣٦٨ .

(٢و٣) حكاه عنه في استخراج المرام ١ : ٢١٢ .

(٤) الجوهر المنظم ( الوهابية المتطرفة ١) : ٦٧ .

(٥) الدرر الكامنة ١ : ٩٣ .

(٦) السيف الصقيل ( الوهابية المتطرفة ٢ ) : ٤٤ .

(٧) الدرر الكامنة ١ : ٩٣ .

١٣١

وهو (١) الذي كان قد خرج باليمن وادّعى أنّه المهدي الموعود ، وسمّى أصحابه الموحدّين ، قال ابن تيميّة : كان ابن تومرت من الخبر بالحديث بما ادّعى به دعوى تطابق الحديث يعني : « يملأ الأرض قسطاً وعدلاً » الحديث ، فصار ابن تيميّة يسعى في الإمامة الكبرى بدعوى تطابق الحديث فيه أيضاً ، وسمّى أصحابه بالموحدّين .

ولعمري أنّها من أعظم الكبائر والكذب على اللَّه ورسوله ، وكأنّه لذلك قال ابن حجر في الدرر الكامنة : فصار يرد على صغير العلماء وكبيرهم قديمهم وحديثهم (٢) ، انتهى.

وقد تقدّم تفصيل كلّ ذلك في الشهادات على ابن تيميّة (٣) .

النوع السادس من الأنواع المكفّرة لابن تيميّة :

تكذيبه لأنواع من حديث رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله في مواضع كثيرة ، روتها أئمّة أهل العلم بالحديث في الجوامع والسنن والتفاسير المعتمدة عند المسلمين ونصّوا على صحّتها ، و يرميها بالوضع بمجرّد مخالفتها لعقيدته الزائغة ، كعامّة ما رووه أئمّة الإسلام في نفي الأعراض والتجسيم والتشبيه ، وما رووه في فضل زيارة قبر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وما يدل على مشروعيّة الاستغاثة والتوسّل به صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكمعظم ما رووه في تأويل بعض الآيات الباهرات في العترة الطاهرة ، وأكثر ما رووه في مناقب أهل البيت في عليّ عليه‌السلام وفاطمة والحسن والحسين‏ عليهم‌السلام ، وعامّة الآثار الواردة في مناقب

__________________

(١) أي ابن تومرت .

(٢) الدرر الكامنة ١ : ٩٢ .

(٣) راجع ج ١ : ٥٩ـ٦١ .

١٣٢

الأولياء ، وقد قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من ردّ عليَّ حديثاً بلغه عنّي ، فليتبوّأ بيتاً في النار » ، رواه الطبراني في الكبير (١) .

قال إمامه أحمد بن حنبل : من ردّ حديث رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله فهو على شفا هلكة . حكاه الذهبي في سير النبلاء (٢) .

وقال في تذهيب التهذيب : قال الفضل بن زياد عن أحمد بن حنبل قال : لمّا بلغ ابن أبي ذئب أنّ مالكاً لا يأخذ بحديث : « البيّعان بالخيار » (٣) ، فقال : يستتاب فإن تاب و إلّا ضربت عنقه (٤) ، انتهى .

وحكى السمهودي في جواهر العقدين عن الإمام البيهقي عن الإمام الشافعي : أنّ أبا الدرداء هجر معاوية بن أبي سفيان لمّا لم يقبل منه خبره (٥) ، انتهى .

وقال ابن القيّم في زاد المعاد : إنّ ابن مندة قال في حديثٍ لا يعرف إلّا من حديث عبد الرحمن : لا ينكر هذا الحديث إلّا جاحد جاهل أو مخالف للكتاب والسنّة (٦) ، انتهى .

وقال السمعاني في كتاب الأنساب : الشاكّ في خبر رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله كافر (٧) ، انتهى.

وحكى السمهودي في جواهر العقدين عن الإمام الشافعي أنّه قال :

__________________

(١) المعجم الكبير ٦ : ٢٦٣ / ٦١٦٣ .

(٢) سير أعلام النبلاء ١١ : ٢٩٧ .

(٣) صحيح البخاري ٣ : ١٣٦ باب ٢٢٠ ، صحيح مسلم ٣ : ١١٦٣ باب ١٠ .

(٤) تذهيب تهذيب الكمال ٨ : ١٩٠ ، تاريخ الإسلام ٩ : ٦٠١ ، سير أعلام النبلاء ٧ : ١٤٢ .

(٥) جواهر العقدين ١ : ٢٢٠ ، السنن الكبرى ٥ : ٢٨٠ .

(٦) زاد المعاد ٣ : ٥٦ ـ ٥٧ .

(٧) الأنساب ١ : ٢٩٣ .

١٣٣

واُخبرنا أنّ أبا سعيد الخدري لقى رجلاً فأخبره عن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله شيئاً فخالفه ، فقال أبو سعيد : واللَّه لا آواني وأيّاك سقف وبيت أبداً (١) ، انتهى .

 وحكى السيوطي في تاريخ الخلفاء : أنّ الرشيد أراد قتل رجل من وجوه قريش قال كلمة : اين لقيه لما سمع حديث احتجاج آدم وموسى‏عليها السلام ، فقال الرشيد : زنديق يطعن في حديث رسول اللَّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) ، انتهى .

وقال العلّامة عبد الحليم في نظم الدرر : إنكار الخبر المشهور يوجب التضليل ، وإنكار المتواتر موجب للتكفير ، انتهى . ومثله قال عليّ القارئ في شرح الفقه الأكبر (٣) .

وقال عبد الحكيم في شرح النخبة : إنكار المتواتر كفر وكذلك إنكار المشهور كفر عند الكلّ إلّا عيسى بن أبان فإنّه عنده يضللّ ولا يكفّر قال : وهو الأصحّ (٤) ، انتهى .

وقال في الخلاصة : من ردّ حديثاً قال بعض مشايخنا : يكفّر ، وقال المتأخّرون : إن كان متواتراً كفّر . أقول : هذا هو الصحيح إلّا إذا كان ردّ حديث الآحاد من الأخبار على وجه الاستخفاف والاستحقار والإنكار ، انتهى كلام عبد الحليم (٥) .

أقول : كما هو شأن ابن تيميّة كما ستعرف .

__________________

(١) جواهر العقدين ١ : ٢٢ ، الرسالة للشافعي : ٤٤٧ / ١٢٣٠ .

(٢) تاريخ الخلفاء : ٢٨٥ .

(٣) شرح الفقه الأكبر : ٢٠١ ، وانظر شرح نخبة الفكر للملا علي القارئ : ٢٣٢ .

(٤) انظر شرح الشفا للملّا علي القارئ ٢ : ٤٢٦ . وشرح نخبة الفكر له أيضاً : ٢٣٢ .

(٥) انظر عبقات الأنوار ٦ : ٨٦ ، ونفحات الأزهار ٦ : ٤١٠ .

١٣٤

وقال عليّ بن سلطان محمّد الهروي المعروف بالقارئ في رسالة الردّ على رسالة إمام الحرمين أبي المعالي الجويني التي كتبها في مطاعن أبي حنيفة ، قال القارئ ـ عند قول إمام الحرمين : إنّ من توضّأ بنبيبذ التمر فقد جعل نفسه شهرة للعالمين ونكالاً للخلق أجمعين ـ ما لفظه : إنّ هذا موجب لكفر الطاعنين والقائلين ، فإنّ الإمام أبا حنيفة لم يذهب إلى هذا القول برأيه بل ثبت عنده من الأحاديث المرويّة عن سيّد المرسلين إلى آخره ، فجعل الطاعن على أبي حنيفة في مسألة الوضوء بالنبيذ طاعناً على الحديث النبوي ورادّاً له ، وهو كفر و إن لم يصحّ الحديث عند الطاعن لكنّه كان صحّ عند غيره عن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) .

قال المولوي ولي اللَّه والد صاحب التحفة الاثنى عشريّة في الردّ على الشيعة الإماميّة في كتابه المسمّى بالتفهيمات ما لفظه : إنّ ترك حديث يغلب على الظنّ صحته ليس من شأن المسلمين و يخشى النفاق على التارك (٢) ، انتهى .

أقول : وقد تقّدمت شهادة أئمّة أهل العلم بالحديث بأن ابن تيميّة ردّ الأحاديث الجياد الصحاح والتي في السنن والجوامع .

قال الحافظ الإمام أحمد بن عليّ العسقلاني في الدرر الكامنة في ترجمة ابن مطهّر الحلّي : وله كتاب في الإمامة ردّ عليه ابن تيميّة بالكتاب الكبير المشهور المسمّى بالردّ على الرافضي ، وقد أطنب فيه وأسهب وأجاد في الردّ إلّا أنّه تحامل في مواضع عديدة ، ورد أحاديث موجودة بأنّها

__________________

(١) انظر عبقات الأنوار ٦ : ٧٨ ، ونفحات الأزهار ٦ : ٤١٠ .

(٢) انظر عبقات الأنوار ٦ : ٨٩ ، ونفحات الأزهار ٦ : ٤١١ .

١٣٥

مختلقة ، انتهى (١) .

وقال ابن حجر الهيثمي في الجوهر المنظم بعد كلام في شنائع عقيدة ابن تيميّة ما لفظه : و برز له من قوّة الافتراء والكذب ما أعقبه الهوان وأوجب له الحرمان ، وزعم أنّ جميع الأحاديث الواردة في زيارة القبر المكرّم موضوعة (٢) ، انتهى .

وقال الإمام السبكي في شفاء السقام : وضمّنت هذا الكتاب الردّ على من زعم أنّ أحاديث الزيارة كلّها موضوعة ، وأنّ السفر إليها بدعة غير مشروعة (٣) .

أقول : ثمّ أخرج من جملة الروايات من طريق أحمد بن حنبل وأمثاله الذين لا يروون إلّا عن ثقة بالا تّفاق ، وصحّح السبكي تلك الروايات على قواعد علم الحديث التي ردّها ابن تيميّة على أقبح وجوه الاستخفاف والاستحقار والإنكار الذي هو كفر بالاتفاق كما عرفت ، وهذه سيرته في ردّه الكبير على الرافضي .

قال الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني فيما تقدّم نقله عنه في لسان الميزان ما لفظه : لكن وجدته كثير التحامل إلى الغاية في ردّ الأحاديث التي يوردها ابن المطهّر ، ردّ في‏ردّه كثيراً من الأحاديث الجياد .

إلى قوله : يهم و يصل في الردّ من مبالغته لتوهين كلام الرافضي أحياناً إلى تنقيص عليّ (٤) ، انتهى موضع الحاجة .

__________________

(١) الدرر الكامنة ٢ : ٤٠ / ١٦١٩ .

(٢) الجوهر المنظم ( الوهابية المتطرّفة ١ : ) ٦٦ .

(٣) شفاء السقام : ٢ .

(٤) لسان الميزان ٦ : ٣١٩ / ١١٤٤ .

١٣٦

وقال العلّامة [ الشامي تلميذ ] (١) الحافظ جلال الدين السيوطي في كتاب سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد صلى‌الله‌عليه‌وآله عند الردّ على ابن تيميّة إنكاره المواخاة بين المهاجرين والأنصار وخصوصاً مواخاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ المرتضى‏ عليه‌السلام وذكر رواية الضياء (٢) ذلك ما نصّه : وابن تيميّة يصرّح بأنّ الأحاديث المختارة أصحّ وأقوى من أحاديث المستدرك (٣) .

ولو تحلّى ابن تيميّة بالإنصاف وتخلّى من التعصّب والاعتساف لنقل اتّفاق أئمّة حفّاظ الآفاق على خلاف ما جعل عليه الوفاق ، و إنّما قوله هذا كردّه الأحاديث المسندة الموجودة في الكتب المعتمدة المشهورة ، ونسبة الوضع والكذب إليها ، كما قال في هذا الكتاب أيضاً : إنّ حديث الموالاة قد رواه الترمذي وأحمد في مسنده عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « من كنت مولاه فعليّ مولاه » ، وأمّا الزيادة وهي قوله : « اللهم وال من والاه وعاد من عاداه » إلى آخره فلا ريب أنّه كذب . ونقل الأثرم في سننه عن الإمام أحمد أنّ العبّاس سأله عن الحسين الأشقر وأنّه حدّث بحديثين فذكر أحدهما قال : والآخر « اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه » ، فأنكره أبو عبد اللَّه جدّاً ولم يشكّ في أنّ هذين الحديثين كذب (٤) ، انتهى كلام ابن تيميّة .

وقد رواه الإمام أحمد في مسنده مع شرط فيه ، وهو عدم ذكر الموضوع والمنكر ، بل والشديد الضعف على رأيه (٥) .

__________________

(١) الزيادة يقتضيها المتن .

(٢) الأحاديث المختارة ٥ : ٦٥ / ١٦٨٨ و ٩ : ٥٢٥ / ٥٠٧ ـ ٥٠٨ .

(٣) سبل الهدى والرشاد ٢ : ٣٦٩ .

(٤) منهاج السنّة ٧ : ٣١٩ .

(٥) راجع ج ١ : ٥٣ ١ و ٧٩ .

١٣٧

وقال العلّامة أبو الحسنات محمّد بن عبد الحي اللكنوي بن الحافظ عبد الحليم (١) في رسالته في علم دراية الحديث المسمّاة بالرفع والتكميل في الجرح والتعديل في صفحة ٢٠ من النسخة المطبوعة في مطبعة شوكة الإسلام الواقعة في لكهنو ما نصّه : واعلم أنّ هناك جمعاً من المحدّثين لهم تعنّت في جرح الأحاديث فيبادرون إلى الحكم بوضع الحديث أو ضعفه بوجود قدح ولو يسيراً في راو فيه لمخالفته لحديث آخر ، منهم : ابن الجوزي .

إلى أن قال : والشيخ ابن تيميّة الحرّاني مؤلّف منهاج السنّة .

ثمّ قال : فكم من حديث قويّ حكموا عليه بالضعف أو الوضع ؟ !

إلى أن قال : فمن قلّدهم من دون الانتقاد ضلّ وأوقع العوام في الافساد (٢) ، إلى آخر كلامه .

وأمّا تصريحات ابن تيميّة بالمشهود به عليه في مصنّفاته التي عثرت عليها فأذكرها في فصول :

الفصل الأوّل : في تكذيبه أحاديث زيارة القبر المكرّم :

قال في رسالته في زيارة بيت المقدس ما لفظه بحروفه : وكذلك كلّ حديث يُروى في فضل زيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فإنّه ضعيف بل موضوع ، انتهى . وقد طبعت هذه الرسالة في مصر في الجزء الثاني من مجموعة الرسائل الكبيرة ، والذي نقلنا هو في صفحة ٦١ من الجزء الثاني المذكور (٣) .

__________________

(١) اللكهنوي الهندي فقيه حنفي توفّي سنة ١٣٠٤ ه هدية العارفين ٢ : ٣٨٥ .

(٢) الرفع والتكميل تحقيق عبد الفتاح أبو غدّة : ٣٣٠ ـ ٣٢١ .

(٣) وقد طبع ضمن مجموعة الفتاوى ٢٧ : ١٦ .

١٣٨

وقال في كتاب مناسك الحجّ ما لفظه بحروفه : بل الأحاديث المذكورة في هذا الباب مثل : « من زارني » (١) إلى آخره ونحو ذلك كلّها أحاديث ضعيفة ، بل موضوعة ليست في شي‏ء من دواوين الإسلام إلى آخر ما ذكر . وأيضاً هذا المنسك قد طبع في آخر المجموع الكبير المذكور (٢) .

وقال في فتيا بخطّه ما لفظه : حتّى أنّ قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يثبت عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لفظ بزيارته و إنّما صحّ عنه الصلاة عليه والسلام ، هذا في شفاء السقام نقل الفتيا بطولها .

ثمّ قال : انتهى ما أردت نقله من كلام ابن تيميّة من خطّه وأنا عارف بخطّه (٣) .

وفي نسخة اُخرى بخطّه أيضاً مبسوطة نقلها السبكي في الفصل الثاني من الباب السابع من شفاء السقام قال ابن تيميّة ما لفظه : وما ذكره ـ يعني أبو محمّد المقدسي ـ من أحاديث في زيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فكلّها ضعيفة باتّفاق أهل العلم بالحديث ، بل هي موضوعة لم يرو أحد من أهل السنن المعتمدة شيئاً منها ، ولم يحتج أحد من الأئمّة بشي‏ء منها ، بل مالك إمام أهل المدينة النبويّة الذين هم أعلم الناس بحكم هذه المسألة كره أن يقول : زرت قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) ....

إلى آخر مكابرته الفاضحة ، وسفسطته الواضحة ، وخلطه الصريح

__________________

(١) مسند أبي داوُد الطيالسي : ١٣ ، سنن الدارقطني ٢ : ٢٤٥ / ١٩٤ ، السنن الكبرى للبيهقي ٥ : ٤٥ ، كنز العمّال ٥ : ١٣٥ / ١٢٣٧٢ ـ ١٢٣٧٢ .

(٢) مجموعة الفتاوى ٢٦ : ٨٣ .

(٣) شفاء السقام في زيارة خير الأنام : ١٢٩ ، وانظر مجموعة الفتاوى ١٨ : ٣٤٢ و ٢٧ : ٣٥ .

(٤) شفاء السقام في زيارة خير الأنام : ١٤١ .

١٣٩

وهذره القبيح ، وعناده الفاحش ، ولداده الداهش ، واعتسافه المعكوس ، ومِرائه المنكوس ، وقد نقض ذلك علماء عصره كما عرفتهم في المقصد الأوّل وفي شهادة الجلال السيوطي ، جزاهم اللَّه خير جزاء الناصرين لسيّد النبيين ، وخصوصاً شفاء السقام إذا راجعه المنصف النبيل يعرف أنّ ابن تيميّة الضليل لقد ضلّ سواء السبيل في هذا الطعن العليل ، المقحم له في العذاب الوبيل ، والمورث له عظيم التنكيل ، كبر مقتاً عند اللَّه أن يرمي الحديث الصحيح بالسخريّة والاستهزاء ، و يعزو الحقّ الواضح إلى الكذب والافتراء ، و يبالغ في تشييد أساس الباطل الخاسر ، و يوغل في أحصاف مباني الضلال البائر ، ولا يخاف بطش اللَّه وسطوته ولا يخشى أخذه بالقدرة ونقمته و يمجن بأحاديث نبيّه الأمين ، و يطعن في فضل زيارة سيّد المرسلين عليه أشرف الصلاة والسلام إلى يوم الدين .

فلو درى ابن تيميّة ما في هذا التشدّق والتفيهق والتنطّع والتهوّر والحذاق وضرب الأقوال ، وتلفيق سخائف الأقوال ، والتشبّث بالكلمات الرديّة ، والهفوات الموبقة ، والخزعبلات المهلكة ، والخرافات المنهكة من الشنار والعوار والبوار والخزي والخيبة والخسار والدمار والتباب والتباد والعمه والسفه ، وخلع ربقة الدين ، و إبداء عجر القلب و بجره باليقين ، لحار وجلاً ، واندهش ذهلاً ، وكبح عنانه ندماً ، وزمّ لسانه سدماً ، ولما تفوّه بكلمة ، ولما نبس بنفثة ، لكن ذهب به قائد العمى إلى سباسب العدوان والطغيان ، وأوصله سائق الجهل إلى مرامي الشحناء والشنان ، و بلغ به حبّ الباطل إلى عقبات كؤودة ، فنسى مواقف يوم يسأل فيه عن المودّة ..

يا سبحان اللَّه ، كيف تطيب نفس مؤمن موقّر لسيّد المرسلين معظّم

١٤٠