البراهين الجليّة - ج ٢

السيّد حسن الصدر

البراهين الجليّة - ج ٢

المؤلف:

السيّد حسن الصدر


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-629-5
ISBN الدورة:
978-964-319-618-9

الصفحات: ٤١٦
الجزء ١ الجزء ٢

والدارقطني في الافراد (١) والطبراني في الأوسط (٢) وابن عساكر عن أنس من ثلاث طرق (٣) ، وأخرج الحافظ ابن حجر العسقلاني حديث اجتماع عمر بن عبد العزيز بالخضر وقال : هي أصحّ ما ورد في بقائه (٤) ، واستدلّ السيوطي بقول ابن حجر على ردّ ابن الجوزي في اللآلي المصنوعة (٥) .

فلا ريب في بقائه وقد قيل : إنّه ابن قابيل بن آدم فيكون من أطول بني آدم عمراً (٦)  وقد نصّ على ذلك أبو حاتم السجستاني في أوّل كتابه في المعمّرين قال : ذكر أبو عبيدة (٧) وأبو اليقظان (٨) ومحمّد بن سلام الجمحي (٩) وغيرهم أنّ أطول بني آدم عمراً الخضر عليه‌السلام ، واسمه خضرون ابن قابيل بن آدم (١٠) عليه‌السلام ، انتهى .

__________________

(١) حكاه عنه ابن حجر في الإصابة ٢ : ٦٠ ـ ٦١ ، وانظر الزهر النضر للعسقلاني : ١٠٠ ـ ١٠١ / ٧٩ ، والخصائص الكبرى تحقيق محمّد خليل الهراس ٢ : ٣٤٨ .

(٢) المعجم الأوسط ٤ : ٧٢ ـ ٧٣ / ٣٠٩٥ .

(٣) تاريخ دمشق ١٦ : ٤٣٢ .

(٤) فتح الباري ٦ : ٣٣٨ ، الإصابة ٢ : ٧٤ .

(٥) اللآلي المصنوعة في الأخبار الموضوعة ١ : ١٦٦ ـ ١٦٧ .

(٦) انظر تاريخ دمشق ١٦ : ٣٩٩ ـ ٤٠٠ ، عمدة القارئ للعيني ١٥ : ٢٩٩ ، الزهر النضر للعسقلاني : ٥٩.

(٧) معمّر بن المثنّى التيمي البصري ، توفّي سنة ٢١٠ ه ، و قيل : سنة ٢٠٩ ه . تاريخ بغداد ١٣ : ٢٥٢ / ٧٢١٠ .

(٨) عثمان بن عمير ـ بالتصغير ، ويقال : ابن قيس أو قيس جدّ أبيه ـ البجلي الكوفي ، توفّي حدود سنة ١٥٠ ه . تهذيب الكمال ١٩ : ٤٦٩ / ٣٨٥١ .

(٩) أبو عبد اللَّه البصري ، مولى قدامة بن مظعون الجمحي ، من تصانيفه طبقات الشعراء ، توفّي سنة ٣٢١ أو ٢٣٢ ه . تاريخ بغداد ٥ : ٣٢٧ / ٢٨٥١ .

(١٠) كتاب المعمّرين : ٢ . وانظر تاريخ دمشق ١٦ : ٤٠٠ ، عمدة القارئ ١٥ : ٢٩٩ ، الزهر النضر للعسقلاني : ٥٩ ، الإصابة ١٢ : ٤٧ ـ ٧٦ .

١٠١

وأي دليل دلّ على أنّه مات ؟ ومن نصّ على ذلك من المحقّقين ؟ وفي أي كتاب يوجد موته ؟ ما أقواك على الكذب ؟ ! أقصى ما قيل : إنّ الإمام البخاري سئل عن الخضر و إلياس هما في الأحياء ؟ فقال : كيف يكون هذا وقد قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا يبقى على رأس مائة سنة ممّن هو على ظهر الأرض أحد » (١) ، وهذا اجتهاد وحدس من الإمام البخاري في شمول قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله للخضر ، وللخصم منع الشمول لمثل الخضر بن قابيل ، ولم لا يشمل الدجّال والشيطان ، فإنّهما ممّن على ظهر الأرض كلاًّ ، و إنّما أراد صلى‌الله‌عليه‌وآله ما فهمه العلماء من انخرام القرن كما نصّ عليه السيوطي في الخصائص الكبرى ، وقد تقدّم نقل لفظه (٢) .

وقد قال الشيخ أبو الفتح في كنز الفوائد وقد طبع في هذا الأوان قال في صفحة ٢٤٤ ما لفظه بحروفه : وقد أجمع المسلمون على بقاء الخضر عليه‌السلام من قبل زمان موسى عليه‌السلام إلى الآن ، وأنّ حياته متّصلة إلى آخر الزمان ، وما أجمع عليه المسلمون فلا سبيل إلى دفعه بحال من الأحوال (٣) ، انتهى .

ثالثاً : ما تقول في عيسى بن مريم والدجّال ؟ فإنّ الذي يريده أتباع المهدي من الاحتجاج بحياة الخضر حاصل لهم بالإجماع على حياة عيسى والدجّال قبل بعث النبيّ ، والدجّال في جزيرة لا يوجد فيها أحد قبل بعث النبيّ بما جاء اللَّه محبوساً مغلولاً إلى آخر الزمان ، وهو مع كفره وضلالته

__________________

(١) راجع ص : ٩٦ .

(٢) راجع ص : ٩٧ .

(٣) كنز الفوائد تحقيق العلّامة الشيخ عبد اللَّه نعمة ٢ : ١١٥ .

١٠٢

عالم بما سيكون وما سيفعله كما في صحيح مسلم (١) ، فلِمَ لم يسأل ابن تيميّة عن حكمة وجوده ، وعن منفعة وجوده لأهل الأرض ، أو من علّمه الغيب ، وعن حكمة حبسه في الجزيرة ، ولِمَ حبس ، ولم يتكفّل لوازمه ، ولِمَ لم يطلع عليه بعد نبيّهم وأصحابه الذين أخبروا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله به وأخبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه به أحد ؟ ! فوجود الدجّال أحقّ بالتحيّر والسؤال.

مع أنّك لو كذّبت حديثه الثابت في الصحاح كفرت ، فما هذا اللجاج والعناد في المهدي الذي لا قرار للأرض إلّا بوجوده ، وهو أمان لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء ، يسير في الأرض و يحضر في الأمصار و يحضر الموسم في كلّ سنة ، وله أهل وخاصّة لا كالدجّال محبوس ، فلا تسأل عن الدجّال وتسأل عن المهدي ، حتّى انتهى بك اللجاج إلى تحريف الحديث والكذب الصريح ، قال في صفحة ١٣٣ : وقد روي عن علي رضي‌الله‌عنه أنّه قال : هو ـ يعني المهدي ـ من ولد الحسن بن علي لا من ولد الحسين بن علي (٢) .

فأين هذا الحديث يا محروم ومن رواه في كتابه من كتب الحديث ؟ ! كلّا بل هذا بلفظ مكذوب لم يذكره أحد من المسلمين في كتاب من كتبهم و إنّما الحديث هو ما رواه أبو داوُد في سننه في آخر كتاب المهدي قال : قال أبو داوُد : حدثت عن هارون بن المغيرة قال : أخبرنا عمر بن أبي قيس ، عن شعيب بن خالد ، عن أبي إسحاق قال : قال عليّ ونظر إلى ابنه الحسن فقال : « إنّ ابني هذا سيّد كما سمّاه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وسيخرج من صلبه رجل يسمّى باسم نبيّكم صلى‌الله‌عليه‌وآله يشبهه في الخُلق ولا يشبهه في الخلق » ثمّ ذكر

__________________

(١) صحيح مسلم ٤ : ٢٢٦١ الباب ٢٢ / ٤٩٤٣ .

(٢) منهاج السنّة ٤ : ٩٥ .

١٠٣

قصّة : « يملأ الأرض عدلاً » انتهى بلفظه وحروفه (١) .

وقد أجاب العلماء بالحديث عن حديث أبي داوُد بوجوه :

منها : أنّها وهم ، و إنّما هي : ونظر إلى ابنه الحسين بالياء ، لأنّ الاُمّة مجمعة على أنّه من ولد الحسين ، وقد أوضح فساد أن يكون من ولد الحسن الحافظ الكنجي الشافعي ، وبسط القول في ذلك بما لا مزيد عليه في كتابه المسمّى بكتاب البيان في أخبار صاحب الزمان (٢) فراجعه .

ومنها : أن يكون من ولد الحسن من قبل الاُمّهات ، لأنّ أمّ الباقر محمّد بن علي السجّاد بنت الحسن السبط فيكون الحسن من آباء المهدي محمّد بن الحسن بن علي بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد الباقر .

ومنها : أنّ أبا داوُد لم يذكر الراوي بينه و بين هارون بن المغيرة فلعلّه ممّن يتعمّد التحريف كابن تيميّة .

ثمّ أقول : و إن عنى ابن تيميّة ما قاله عبد الغافر الفارسي (٣) وابن الجوزي (٤) وابن الأثير (٥) في ذكر عليّ : أنّ المهدي من ولد الحسن وأنّه منفرج الفخذين ، فليس فيه ابن علي ولا فيه من ولد الحسين بن علي ، والوجه فيه ما ذكره العلّامة الشيخ حسن العدوي الحمزاوي في مشارق

__________________

(١) سنن أبي داوُد ٤ : ١٠٨ / ٤٢٩٠ .

(٢) المطبوع ذيل كتاب كفاية الطالب : ٤٨٣ ، وذيل كتاب إلزام الناصب ٢ : ٢٣ . فراجعه .

(٣) النيسابوري الشافعي ، أبو الحسن أو أبو الحسين ، حفيد الشيخ أبي القاسم القشيري والراوي عنه ، توفّي سنة ٥٢٩ ه ، من تصانيفه مجمع الغرائب في غريب الحديث . مرآة الجنان ٣ : ٢٥٦ ، شذرات الذهب ٤ : ٢٩٣.

(٤) غريب الحديث لابن الجوزي ١ : ٤٤٩ .

(٥) النهاية في غريب الحديث والأثر ٢ : ٣٢٥ .

١٠٤

الأنوار وغيره من أنّه لا مانع من أن يراد بالحسن الحسن العسكري وهو من أولاد الحسين ولم يكن في الحديث الحسن بن علي (١) ، انتهى .

أقول : ولو كان لكان الحسن بن علي العسكري ، والمجمل يحمل على المبيّن والمتشابه على المحكم لاستفاضة الروايات أنّه من ولد الحسين ، وفي بعضها التاسع من ولد الحسين ، فقد أسند أبو عبد اللَّه محمّد ابن يوسف الكنجي الشافعي في الباب التاسع من كتاب البيان في أخبار صاحب الزمان من طريق ابن عمر المعروف بالدارقطني ، بإسناده عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري في حديث طويل عن رسول اللَّه قاله لفاطمة عند موته وفي آخره ما لفظه : « ومنّا مهدي الاُ مّة الذي يصلّي عيسى خلفه » ، ثمّ ضرب منكب الحسين عليه‌السلام فقال : « من هذا مهدي الاُمّة » (٢) .

وأيضاً روى الحافظ الكنجي في الباب الثالث عشر من كتاب البيان بإسناده عن حذيفة قال : قال رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد لبعث اللَّه فيه رجلاً اسمه اسمي ، وخلقه خلقي ، يكنّى أبا عبد اللَّه ، يبايع الناس بين الركن والمقام ، يرد اللَّه به الدين ، و يفتح له فتوح ، فلا يبقى على ظهر الأرض إلّا من يقول : لا إله إلّا اللَّه » ، فقام سلمان فقال : يارسول اللَّه ، من أي ولدك هو ؟ قال : « من ابني هذا » ، وضرب بيده على الحسين (٣) .

__________________

(١) مشارق الأنوار : ١١٣ .

(٢) البيان المطبوع ذيل كفاية الطالب : ٥٠٢ ، وفي ذيل إلزام الناصب ٢ : ٢٣ـ٢٤ ، ينابيع المودّة ٣ : ٢٩٤ / ٤٣ .

(٣) البيان المطبوع ذيل كفاية الطالب : ٥٠٩ ، وفي ذيل إلزام الناصب ٢ : ٣٠ ـ ٣١ ، عقد الدرر : ٥٦ .

١٠٥

وأسند أيضاً في الباب السادس عشر من كتاب البيان من طريق الطبراني في المعجم ، وطريق أبي نعيم في كتاب مناقب المهدي عن أبي قبيل ، عن عبد اللَّه ابن عمر قال : يخرج من ولد الحسين من قبل المشرق لو استقبلته الجبال لهدّمها واتّخذ فيها طريقاً (١) ، انتهى .

ثمّ قال ابن تيميّة في الصفحة المذكورة ما لفظه : وأحاديث المهدي معروفة رواها الإمام أحمد وأبو داوُد والترمذي وغيرهم ، كحديث عبد اللَّه ابن مسعود ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « ولو لم يبق من الدنيا إلّا يوم لطوّل اللَّه ذلك اليوم حتّى يبعث فيه رجلاً من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً » (٢) . انتهى (٣) .

أقول : سبحان اللَّه ما قوى ابن تيميّة على التدليس يسوق الكلام على وجه يعتقد الناظر أنّ لفظ الحديث الذي ذكره عن عبد اللَّه بن مسعود رواه الإمام أحمد وأبو داوُد والترمذي .

بل صرّح بهذا الكذب في صفحة ٢١١ من الجزء الرابع قال : فصل : وأمّا الحديث الذي رواه عن ابن عمر عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي اسمه كاسمي وكنيته كنيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وذلك هو المهدي» (٤) .

فالجواب : أنّ الأحاديث التي يحتجّ بها على خروج المهدي أحاديث

__________________

(١) البيان المطبوع ذيل كفاية الطالب : ٥١٣ ، وفي ذيل إلزام الناصب : ، وانظر الفتن لنعيم بن حمّاد : ٢٦٣ / ١٠٥٣ ، وعقد الدرر : ١٧٠ .

(٢) سنن أبي داوُد ٤ : ١٠٦ / ٤٢٨٢ ، سنن الترمذي ٣ : ٣٤٣ / ٢٣٣٢ ، والمعجم الكبير للطبراني ١٠ : ١٣٥ / ١٠٢٢٢ ، وانظر مسند أحمد ١ : ٣٧٦ ـ ٣٧٧ .

(٣) منهاج السنّة ٤ : ٩٥ .

(٤) تذكرة الخواص : ٣٢٥ ، عقد الدرر : ٥٦ .

١٠٦

صحيحة رواها أبو داوُد والترمذي وأحمد وغيرهم من حديث ابن مسعود وغيره كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الحديث الذي رواه ابن مسعود ـ وذكره باللفظ الذي ذكره هنا ـ ثمّ قال بلا فاصل : ورواه الترمذي وأبو داوُد من رواية اُم سلمة (١) ، انتهى .

مع أنّهم لم يرووه باللفظ الذي ذكره ولا فيما ذكروه ورووه : « واسم أبيه اسم أبي » إلّا في بعض نسخ الحديث وهو في نقله زائد لا غير برواية أبي داوُد لا غير ، وقد نصّ الحفّاظ أنّه زيادة و أنّه كان يزيد في الحديث كما نصّ عليه الحافظ الكنجي في كتاب البيان (٢) .

وأنا أخرج من السنن والمسند على صورة ما أخرجه الحفّاظ حتّى تعرف حقيقة تدليس ابن تيميّة ، وأنّ لفظ « واسم أبيه اسم أبي » لا وجود له في مسند الإمام أحمد ولا في سنن الترمذى ، و إنّما هو في نسخة من رواية أبي داوُد والكلّ رووه بطرق عديدة بلغ مبلغ التواتر بغير زيادة زائدة .

فنقول : إنّي وجدته في مسند أحمد في آخر الجزء الأوّل المطبوع بمصر بالمطبعة الميمنيّة في طي مسند عبد اللَّه بن مسعود بخمسة طرق لا غير :

الأوّل : حدّثنا عبد اللَّه ، حدّثني أبي ، حدّثنا سفيان بن عينية ، حدّثنا عاصم ، عن زِرّ ، عن عبد اللَّه ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا تقوم الساعة حتّى يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي » . قال أبي : حدّثنا به في بيته في غرفته ، أراه سأله بعض ولد جعفر بن يحيى أو يحيى بن خالد بن يحيى (٣) .

__________________

(١) منهاج السنّة ٨ : ٢٥٤ ـ ٢٥٥ .

(٢) البيان المطبوع ذيل كفاية الطالب : ٤٨٢ ـ ٤٨٣ ، وفي ذيل إلزام الناصب ٢ : ٩ .

(٣) مسند أحمد تحقيق شعيب الارنؤوط وعادل مرشد ٦ : ٤٢ / ٣٥٧١ .

١٠٧

انتهى .

أقول : لو كانت الزيادة من حديث ابن مسعود لرواها سفيان بن عينيّه لهؤلاء الذين هم وزراء بني العبّاس كما لا يخفى على الخبير .

الطريق الثاني : ذكره بعد ما ذكر الأوّل بلا فاصل : حدّثنا عبد اللَّه ، حدّثني أبي ، حدّثنا عمر بن عبيد ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن زرّ بن حبيش ، عن عبد اللَّه قال : قال رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا تنقضي الأيّام ولا يذهب الدهر حتّى يملك العرب رجل من أهل بيتي اسمه يواطئ اسمي » (١) . انتهى .

الطريق الثالث : ذكره بعد هذا بلا فصل : حدّثنا عبد اللَّه ، حدّثني أبي ، حدّثنا يحيى بن سعيد عن سفيان ، حدّثني عاصم ، عن زرّ ، عن عبد اللَّه ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لا تذهب الدنيا ـ أو ـ لا تنقضي (٢) الدنيا حتّى يملك العرب رجل من أهل بيتي ويواطئ اسمه اسمي » (٣) . انتهى .

هذه الطرق الثلاثة في آخر صفحة ٣٧٦ وأوّل صفحة ٣٧٧ من الجزء الأوّل المطبوع بمصر الميمنيّة .

الطريق الرابع : ذكره في صفحة ٤٣٠ من الجزء المذكور حدّثنا عبد اللَّه ، حدّثني أبي ، حدّثنا يحيى ، عن سفيان ، حدّثني عاصم ، عن زرّ ، عن عبد اللَّه ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لا تذهب الدنيا » أو « لا تنقضي الدنيا حتّى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي » (٤) . انتهى .

__________________

(١) نفس المصدر ٦ : ٤٤ / ٣٥٧٢ .

(٢) في المصدر : « أو قال : لا تنقضي » بدل : « ولا تنقضي » .

(٣) مسند أحمد تحقيق شعيب الارنؤوط وعادل مرشد ٦ : ٤٥ / ٣٥٧٣ ، وانظر كنز العمّال ١٤ : ٢٦٣

 / ٣٨٦٥٥ .

(٤) مسند أحمد تحقيق شعيب الارنؤوط وعادل مرشد ٧ : ١٤٧ / ٤٠٩٨ .

١٠٨

الطريق الخامس : وهو في صفحة ٤٤٨ من الجزء الأوّل المذكور ، حدّثنا عبد للَّه ، حدّثني أبي ، حدّثنا عمر بن عبيد الطنافسي ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن زرّ بن حبيش ، عن عبد اللَّه قال : قال رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا تنقضي الأيّام ولا يذهب الدهر حتّى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي » (١) . انتهى .

وليس في مسند عبد اللَّه بن مسعود في كتاب مسند أحمد بن حنبل غير هذا ، فإنّي قرأته من أوّله إلى آخره فلم أره فيه إلّا رواية : « اسمه اسمي » فقط ، وضبط أحمد واتقانه غير خفي على الخبير ، ولو كانت زيادة زائدة غير زائدة لرواها ولما تركها بالكليّة .

وكذلك الحافظ الترمذي في صحيحه قال : حدّثنا عبيد بن أسباط بن محمّد القرشي ، حدّثنا أبي ، حدّثنا سفيان الثوري ، عن عاصم بن بهدلة ، عن زرّ ، عن عبد اللَّه قال : قال رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا تذهب الدنيا حتّى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي » ، قال أبو عيسى الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ، وفي الباب عن عليّ ، وأبي سعيد ، واُم سلمة ، وأبي هريرة (٢) . انتهى .

ثمّ روى الترمذي بإسناده عن سفيان بن عينية ، عن عاصم ، عن زرّ ، عن عبد اللَّه ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي » . قال عاصم : وأخبرنا أبو صالح ، عن أبي هريرة ، قال : « لو لم يبق

__________________

(١) نفس المصدر ٧ : ٣١١ / ٤٢٧٩ .

(٢) سنن الترمذي ٣ : ٣٤٣ / ٢٣٣١ ـ ٢٣٣٢ .

١٠٩

من الدنيا إلّا يوم لطوّل اللَّه ذلك اليوم حتّى يلي (١) رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي » (٢) ، انتهى .

أقول : قال الحافظ الكنجي بعد إخراجه : قلت : هذا حديث صحيح هكذا أخرجه الحافظ محمّد بن عيسى الترمذي في جامعه الصحيح ، وقد ذكر الترمذي الحديث بطرقه ولم يذكر قوله : « واسم أبيه اسم أبي » (٣) .

وقد نصّ ابن تيميّة في صفحة ١١٢ من الجزء الرابع من منهاجه : أنّ أهل العلم يعلمون صدق مثل : مالك ، والثوري ، وشعبة ، و يحيى بن سعيد ، وعبد الرحمن بن مهدي ، وأحمد بن حنبل ، والبخاري ، ومسلم ، وأبي داوُد ، وأمثال هؤلاء ، علماً يقينيّاً يجزمون بأنّهم لا يتعمّدون الكذب في الحديث ، انتهى .

ونصّ في الصفحة بعد هذه هي صفحة ١١٣ : بأنّه إذا تعدّدت الطرق واللفظ واحد مع العلم بأنّهم لم يتواطئوا ولا يمكن في العادة اتّفاق الخطأ في مثل ذلك كان هذا ممّا يدلّهم على صدق الحديث (٤) ، انتهى .

وقد رأيت رواية من نصّ على العلم بصدقه علماً يقينيّاً : « اسمه اسمي » فقط ، وتعدّدت الطرق على شرط ما شرط ، فدلّ على صحة « اسمه اسمي » فقط ، وليس كذلك حديث زائدة بالضرورة ، لأنّه كما عرفت لم يخرجه أحمد ولا رواه المذكورون إلّا أبو داوُد في نسخة .

__________________

(١) إلى هنا موجود في سنن الترمذي ٣ : ٣٤٣ ، وبعده : قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح .

(٢) انظر عارضة الأحوذي ٩ : ٧٤ ـ ٧٥ ، وعقد الدرر : ٥٤ .

(٣) البيان المطبوع ذيل كفاية الطالب : ٤٨٣ ، وفي ذيل إلزام الناصب ٢ : ٧ ـ ٨ .

(٤) منهاج السنّة ٧ : ٤٢٠ ـ ٤٢١ .

١١٠

وأنا اُخرّج ما أخرجه أبو داوُد السجستاني في جامعه الصحيح المعروف بالسنن ، فقد ذكر الحديث في روايات الحفّاظ والثقات من نقلة الأخبار : « اسمه اسمي » فقط ورواه من طريق زائدة : « واسم أبيه اسم أبي » (١) .

قال الحافظ الكنجي : زائدة يزيد في الحديث (٢) .

أقول : صورة ما في سنن أبي داوُد هكذا : حدّثنا مسدّد قال : حدّثنا عمر بن عبيد ، حدّثهم حيلولةً ، وحدّثنا محمّد بن العلاء ، حدّثنا أبو بكر ، يعني ابن عيّاش حيلولةً ، وحدّثنا مسدّد قال : حدّثنا يحيى بن سفيان حيلولةً ، وحدّثنا أحمد بن إبراهيم قال : حدّثنا عبيد اللَّه بن موسى ، أخبرنا زائدة حيلولةً ، وحدّثنا أحمد بن إبراهيم قال : حدّثني عبيد اللَّه بن موسى ، عن فطر ـ المعنى واحد ـ كلّهم عن عاصم ، عن زرّ ، عن عبد اللَّه ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم » قال زائدة في حديثه : « لطوّل اللَّه ذلك اليوم حتّى يبعث رجلاً من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي» زاد في حديث فطر : « يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً » .

وقال في حديث سفيان : « لا تذهب ـ أو ـ لا تنقضي الدنيا حتّى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي » قال أبو داوُد : لفظ عمر وأبي بكر بمعنى سفيان .

حدّثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدّثنا الفضل بن دُكين ، أخبرنا فِطرٌ ، عن القاسم بن أبي بزّة ، عن أبي الطفيل ، عن عليّ ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لو لم يبق من الدهر إلّا يوم لبعث اللَّه رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلاً كما

__________________

(١) سنن أبي داوُد ٤ : ١٠٦ ـ ١٠٧ .

(٢) البيان المطبوع ذيل كفاية الطالب : ٤٨٣ ، وفي ذيل إلزام الناصب ٢ : ٨ .

١١١

ملئت جوراً » . انتهى عين ما في سنن أبي داوُد (١) .

فانحصرت الزيادة في حديث زائدة فقط وقد تفرّد بها ولم يتابعه أحد عليها ، بل قد عرفت إعراض الإمام أحمد والإمام الترمذي عن ذلك ولم يخرّجا حديثه ولم يرويا إلّا « اسمه اسمي » .

وقد جمع الحافظ أبو نعيم طرق الحديث بلا زيادة عن الجمّ الغفير في كتابه مناقب المهدي كلّهم عن عاصم بن أبي النجود ، عن زرّ ، عن عبد اللَّه ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فمنهم سفيان بن عينية كما أخرجناه وطرقه عنه شتّى ، ومنهم قصي بن خليفة وطرقه عنه بطرق شتّى ، ومنهم الأعمش وطرقه عنه بطرق شتّى ، ومنهم أبو إسحاق بن سليمان بن فيروز الشيباني وطرقه عنه بطرق شتّى ، ومنهم حفص بن عمر ، ومنهم سفيان الثوري وطرقه عنه بطرق شتّى ، ومنهم شعبة وطرقه بطرق شتّى ، ومنهم واسط بن الحارث ، ومنهم يزيد بن معاوية أبو شيبة له فيه طريقان ، ومنهم سليمان بن قرم وطرقه عنه بطرق شتّى ، ومنهم جعفر الأحمر وقيس بن الربيع وسليمان بن قرم واسباط جميعهم في مسند واحد ، ومنهم سلام أبو المنذر ، ومنهم أبو شهاب محمّد ابن إبراهيم الكناني وطرقه بطرق شتّى ، ومنهم أبو الحجاف داوُد بن أبي العوف وطرقه عنه بطرق شتّى ، ومنهم عثمان بن شبرمة وطرقه عنه بطرق شتّى ، ومنهم عبد الملك بن أبي عينية ، ومنهم محمّد بن عيّاش عن عمرو العامري وطرقه عنه بطرق شتّى ، وذكر سنداً وقال فيه : حدّثنا أبو غسّان ، حدّثنا قيس ولم ينسبه ، ومنهم عمرو بن قيس الملائي ، ومنهم عمّار بن زريق ، ومنهم عبد اللَّه بن حكيم بن جبير الأسدي ، ومنهم معاذ بن

__________________

(١) سنن أبي داوُد ٤ : ١٠٦ ـ ١٠٧ / ٤٢٨٢ و ٤٢٨٣ .

١١٢

هشام قال : حدّثني أبي عن عاصم ، ومنهم يوسف بن يونس ، ومنهم غالب ابن عثمان ، ومنهم حمزة الزيّات ، ومنهم شيبان ، ومنهم الحكم بن هشام .

ورواه غير عاصم ، عن زر وهو عمرو بن مرّة ، عن زرّ .

كلّ هؤلاء رووا : « اسمه اسمي » إلّا ما كان من عبيد اللَّه بن موسى عن زائدة عن عاصم ، فإنّه قال فيه : « واسم أبيه اسم أبي » .

ولا يرتاب اللبيب أنّ هذه الزيادة لا اعتبار بها مع إجماع هؤلاء على تركها ، فكيف صحّ لابن تيميّة ترك المجمع عليه وذكر الشاذّ النادر ؟ ! ثمّ إراءة أنّه المروي في السنن والمسند مع أنّه لا يوجد إلّا في نسخة كما عرفت لفظه بحروفه ، و إنّما استقصيت طرق الحديث لتعرف أنّه من المعاندين المتعصّبين المتعامّين عن الحقّ ..

فإنّه جاء بالطامّة الكبرى من الافتراء في صفحة ٢١١ من الجزء الرابع من منهاج السنّة حيث قال : إنّ الاثني عشريّة الذين ادّعوا أنّ هذا ـ يعني المذكور في حديث « اسمه اسمي » وغيره ـ هو مهديهم ، مهديهم اسمه محمّد بن الحسن ، والمهدي المنعوت الذي وصفه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله اسمه محمّد ابن عبد اللَّه ، ولهذا حذفت طائفة لفظ الأب حتّى لا يناقض ما كذبت (١) .

أقول : أتراه كيف نسب إلى حفّاظ السنّة وعلماء الإسلام الذين عرفتهم بأسمائهم أنّهم حذفوا لفظ الأب حتّى لا يناقض ما كذبوا في روايته ، كبرت كلمة تخرج من ابن تيميّة ، ما أجرأه على اللَّه ورسوله في التشنيع على رواة دين اللَّه وحفظة حديث رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ ! ! من يحذف يا محروم لفظ الأب ولم يروه بلفظ الأب إلّا زائدة المتهم بالزيادة في

__________________

(١) منهاج السنّة ٨ : ٢٥٦ ـ ٢٥٧ .

١١٣

الحديث ، هذه كتب الحديث ، هذا مسند أحمد لم يخرّج إلّا « اسمه اسمي » ، هل يفوه مسلم أنّ أحمد حذف لفظ الأب ؟ ! هذا الترمذي ، هذا أبو نعيم ، وغيرهم ممّن عرفت ، وهؤلاء الراوون للحديث الذين جمعهم أبو نعيم ثقات الحفّاظ وعلماء الحديث ، ما ضرّك يا محروم أن تخرّج الحديث كما أخرجه الحفّاظ ولا تتعصّب في مثل المقام ؟ لكن لمّا كان اللَّه تعالى قد أضلّه وأعماه صار يفضح نفسه حتّى صار مثلاً عند العامّة .

وفضح نفسه أيضاً عند ما أجاب عن قول ابن المطهّر : روى ابن الجوزي بإسناده إلى ابن عمر قال رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي اسمه كاسمي وكنيته كنيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً فذلك هو المهدي » (١) .

قال : الجواب الرابع : الحديث الذي ذكره وقوله : « اسمه كاسمي وكنيته كنيتي » ولم يقل : « يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي » ولم يروه أحد من أهل العلم بالحديث في كتب الحديث المعروفة بهذا اللفظ ، فهذا الرافضي لم يذكر الحديث بلفظه المعروف في كتب الحديث مثل مسند أحمد وسنن أبي داوُد والترمذي وغير ذلك من الكتب ، و إنّما ذكره بلفظ مكذوب لم يذكره أحد منهم (٢) ، انتهى .

مع أنّك قد عرفت المعروف في مسند أحمد وسنن أبي داوُد والترمذي وغيرهما من الكتب ، وأنّه ليس في تلك « واسم أبيه اسم أبي » إلّا في لفظ زائدة برواية عبداللَّه بن موسى ، فهذا الذي لم يذكره أحد منهم لا هذا الذي ذكره الكلّ بمعناه وذكره بلفظ سبط ابن الجوزي في كتاب التذكرة كما

__________________

(١) منهاج الكرامة في معرفة الإمامة : ٧٧ ، تذكرة الخواص : ٣٢٥ .

(٢) منهاج السنّة ٤ : ٩٦ ـ ٩٧ .

١١٤

ذكره ابن المطهّر بلا زيادة ونقيصة ، قال في فصل الحجّة بن الحسن العسكري : أنبأنا عبد العزيز بن محمود بن البزّاز ، عن ابن عمر وذكر [الحديث] ، ثمّ قال : وهذا حديث مشهور ، وقد أخرج أبو داوُد والزهري ، عن عليّ بمعناه فيه : « لو لم يبق من الدهر إلّا يوم واحد لبعث اللَّه من أهل بيتي من يملأ الأرض عدلاً » (١) ، انتهى بلفظه وحروفه ، وهو الصادق البار بما قال .

ولا بأس بحديث صحّ معناه بالإجماع ، إنّما البأس على المتجاهر بالكذب ينسب إلى الحفّاظ وأهل السنن والمسانيد ما لا يوجد في كتبهم ثمّ يقول : إنّه المعروف المشهور وإنّما هو في نسخة .

تزيف كلام ابن تيميّة الذي ذكره في مقدّمة منهاج السنّة :

وحيث انجر الكلام مع ابن تيميّة في الإمام المنتظر إلى ما عرفت فينبغي أن نذكر بعض سقطات ابن تيميّة في الكلام فيه ذكرها في مقدمة منهاج السنّة في حماقات الإماميّة .

قال في الصفحة العاشرة : ومن حماقاتهم أيضاً أنّهم يجعلون للمنتظر عدّة مشاهد ينتظرونه فيها ، كالسرداب الذي بسامرا الذي يزعمون أنّه غاب فيه ومشاهد اُخر ، وقد يقيمون هناك دابّة إمّا بغلة و إمّا فرساً و إمّا غير ذلك ليركبها إذا خرج ، و يقيمون هناك إمّا طرف النهار و إمّا في أوقات اُخر من ينادي عليه بالخروج : يا مولانا اُخرج ، و يشهرون السلاح ولا أحد هناك يقاتلهم ، وفيهم من يقوم في أوقات [ الصلاة ] دائماً لا يصلّي خشية أن يخرج وهو في الصلاة فيشتغل بها عن خروجه وخدمته ، وهم في أماكن بعيدة عن مشهده كمدينة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إمّا العشر الأواخر من شهر رمضان

__________________

(١) تذكرة الخواص : ٣٢٥ .

١١٥

وأمّا في غير ذلك يتوجّهون إلى المشرق و ينادونه بأصوات عالية يطلبون خروجه (١) ، إلى آخره .

أقول : أمّا أوّلاً : فلا يجوز التمسّك بفعل العوام الجهّال لإبطال أصل المذهب في الكتب العلميّة .

وثانياً : فهو من الأكاذيب الواضحة التي لا أصل لها ، ولا يمكن إثبات ذلك عن عالم منهم في عصر من الأعصار ، فلا ينبغي لمن يشنّع على خصومه أن ينسب إليهم ما لا يمكنه إثباته إذا طلبوا منه الدليل على ذلك ، و ينقلب التشنيع حينئذ عليه بأنّه الكذاب الأشر ، كما وقع ذلك في كتاب كشف الأسرار لبعض علماء الشيعة حيث قال : أمّا إن كان المراد أنّ عوام الشيعة و جهّالهم يفعلون ذلك ففيه :

أوّلاً : أنّ الجهّال غير داخلين في زمرة من ينقل أقوالهم وعقائدهم وطريقتهم في مقام ذكر العقائد عند كلّ مؤلّف قديماً وحديثاً ، سواء كان الناقل في مقام الإبطال والردّ أو القبول ، فعدّ فعل الجاهل من أمارات فساد أصل مذهبه خارج عن طريقة العلماء الراشدين .

وأمّا ثانياً : فلأ نّه لا يوجد مذهب من المذاهب المعروفة في الإسلام إلّا وفي أهل الجهل من كلّ طائفة اُمور منكرة وعادات شنيعة وأفعال قبيحة ، فلو عُدَّت من أمارات فساد المذهب للُحِقَت الفرقة الواحدة الناجية بالفرق الهالكة ، وحينئذ فعلى الإسلام السلام.

وأمّا ثالثاً : فلأنّ في جماعة أهل السنّة أيضاً اُموراً تشبه ما أورده في

__________________

(١) منهاج السنّة ١ : ٤٤ ـ ٤٦ .

١١٦

عدم المستند :

منها : جعل يوم وفاة المشايخ عرسهم ، فيفعلون من ضرب الدفوف والسماع والرقص والطرب ما هو أعرف به .

ومنها : ما في أعمال ليلة النصف من شعبان من البدع الشنيعة ما تعارف في أكثر بلاد الهند من إيقاد السرج ووضعها على البيوت والجدران ، وتفاخرهم بذلك ، واجتماعهم للهو واللعب بالنار اتّخاذاً من رسوم الهنود .

ومنها : حمل المحملين الشريفين من الشام ومصر إلى مكّة المشرّفة ثمّ إلى المدينة ثمّ إلى الشام ومصر ، مع المصارف الكثيرة ، وما يفعله عموم الناس بها .

ومنها : ما يفعله عموم الحاج يوم عرفة بعرفات من طرد الشياطين بزعمهم بمناديلهم وأذيال إحرامهم كما يطرد الذباب .

وأمّا رابعاً : فالكلام في صحة أصل هذه النسبة ، ففي أي عصر كان هذا الاجتماع ، إمّا سامراء فكانت ـ كما نصّ عليه الحموي في معجم البلدان (١) ـ بعد خرابها كصومعة في البريّة ، وبعد أن ملكها آل عثمان إلى الآن قرية محقّرة أهلها من أهل السنّة ، و إن كان مراده بالمنتظرين الواقفين بالفرس أو البغلة العلماء وأهل المعرفة فهو أوضح الأكاذيب ، و إنّما شرف السرداب بسامراء لأنّه بيته الأصلي الذي تولّد فيه كما قال الشاعر (٢) :

__________________

(١) معجم البلدان ٣ : ١٧٥ ـ ١٧٦ .

(٢) هو العلّامة فخر الشيعة الآية الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء قدس سره من قصيدة يردّ فيها على شعر أحد مدّعي العلم والشعر من الآلوسيين . انظر المصادر .

١١٧

وما شرف السرداب إلّا لأنّه

غدا لهم بيتاً به برهة قروا (١)

وقال هذا المتكلّم قبل هذا الكلام : وأعجب الأعاجيب أنّ جمعاً من أعلام العلماء الذين نالوا في مراتب المتعارفة والتأليف والرئاسة والذكر والاشتهار الدرجة العالية ومع ذلك ينسبون إلى معاشر الإماميّة أشياء لا أصل لها ولا ذكر لها في كتب الشيعة قديماً وحديثاً ، و يفترون عليهم ، ثمّ يقبّحونهم ويضحكون عليهم ، ويثيرون العوام الجهلاء ، و يلقون العدواة والبغضاء ، ومع ذلك يوجد في مؤلّفاتهم : أنّ الشيعة بيت الكذب ، وها أنا اُوضّح بعض مفترياتهم في هذا المقام ممّا يتعلّق بولادة المهدي عليه‌السلام ومحلّها ، وقس عليه سائر المواضع وهي:

الأوّل : أنّ الذين أنكروا ولادة المهدي إذا تعرّضوا لذكرها نسبوا القول بالولادة إلى الإماميّة أو الشيعة أو الرافضة ، والقول بعدمها إلى السنّة والجماعة ، مع أنّ جمعاً غفيراً منهم وافقوا الإماميّة وصرّحوا في مؤلّفاتهم ما يقرب من أربعين وأغلبهم من العلماء والحفّاظ وأهل الكشف والمعرفة المذكورين في التراجم بكلّ جميل ، أليس نسبة العدم إليهم حينئذ كذباً صريحاً ؟ ! واحتمال عدم اطّلاع هؤلاء المهرة على ذلك بعيد غايته ، بل احتمال التعمّد في هذا الكذب لمصلحة جوّزته أولى من نسبة الجهل إليهم مع تبحّرهم وطول باعهم .

الثاني : إذا ذكروا ترجمة أبي محمّد الحسن العسكري ذكروا فيها أو في ترجمة ولده الحجّة عليهما‌السلام أنّ الإماميّة يقولون : إنّ الحجّة دخل السرداب وغاب فيه فلم يخرج إلى الآن ، ثمّ نقل ذلك عن الذهبي في تاريخ

__________________

(١) القصيدة في كشف الأستار للمحدّث النوري : ٢٢٨ ، وإلزام الناصب ٢ : ٣٧٨ .

١١٨

الإسلام (١) ، وعن ابن خلّكان في تاريخه (٢) ، والعصامي (٣) (٤) وغيره (٥) .

ثمّ قال : فنقول : يا علماء العصر وحفّاظ الدهر ! هذه كتب علماء الإماميّة ومؤلّفاتهم قبل ولادة المهدي عليه‌السلام إلى هذه الأعصار شائعة ، وهي بين أظهركم وعندكم أو تتمكّنون منها ، فاذكروا كتاباً واحداً من أصاغر علمائهم فيه ما نسبتم إليهم فضلاً عن أكابرهم ، كالشيخ أبي جعفر محمّد بن يعقوب الكليني صاحب كتاب الكافي الذي عدّه الجزري في جامع الاُصول (٦) من مجدّدي مذهب الإماميّة في المائة الرابعة ، والسيدين الشريفين علم الهدى المرتضى وأخيه الرضي ، وشيخهما أبي عبد اللَّه المفيد المدعو بابن المعلّم ، وأبي جعفر محمّد بن عليّ الملقّب بالصدوق ، وأبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي ، وأبي جعفر محمّد بن عليّ بن شهر آشوب المازندراني الذي اعترف بعلو مقامه في الفقه والحديث والرجال السيوطي في طبقات النحاة (٧) والفيروزآبادي (٨) في البلغة (٩) وابن حجر

__________________

(١) تاريخ الإسلام تحقيق بشار عواد معروف ٦ : ٦٩ / ١٦٢ و ٦ : ٣٩٨ / ٤٠١ وتحقيق عمر عبد السلام ١٩ : ١١٣ و ٢٠ : ١٦٠ / ١٣٤ .

(٢) وفيات الأعيان ٤ : ٣١ / ٥٦٢ .

(٣) عبد الملك بن حسين بن عبد اللَّه المكّي الشافعي ، مؤرخ ، توفّي سنة ١١١١ ه . إيضاح المكنون ٢ : ٣١ / ٥٦٢ .

(٤) سمط النجوم العوالي ٤ : ١٥٠ .

(٥) انظرالمجلس‏الخامس عشر من كتاب غالية المواعظ لأبي البركات نعمان أفندي الآلوسي .

(٦) جامع الاُصول ١٢ : ٢٢٢ .

(٧) بغية الوعاة ١ : ١٦١ / ٣٤٠ .

(٨) مجد الدين أبو طاهر محمّد بن يعقوب بن عمر الشافعي ، اللغوي صاحب القاموس المحيط في اللغة ، توفّي سنة ٨١٧ ه . بغية الوعاة ١ : ٢٣٥ ـ ٢٣٦ / ٥٠٣ .

(٩) البلغة في تراجم أئمّة النحو واللّغة : ٢٧٨ / ٣٤٥ .

١١٩

العسقلاني في لسان الميزان (١) وغيرهم (٢) ، ثمّ من بعدهم إلى عصرنا ، فإنّ لهم مؤلَّفات مختصّة بالحجّة بن الحسن عليهما‌السلام تعرف بكتب الغيبة مثل : كتاب كمال الدين لأبي جعفر القمّي ، وكتاب الغيبة للنعماني (٣) تلميذ أبي جعفر الكليني ، وكتاب الغيبة لأبي جعفر الطوسي ، وكتاب الغيبة لأبي محمّد فضل بن شاذان المتوفّي بعد ولادة المهدي‏ عليه‌السلام وقبل وفاة الحسن العسكري (٤) ، ونحن كلّما راجعنا وتفحصّنا لم نجد لما ذكروه أثراً بل ليس فيها ذكر السرداب أصلاً سوى قضيّة المعتضد التي نقلها نور الدين عبد الرحمن الجامي في شواهد النبوّة ، وهي موجودة في كتبهم بأسانيد ، ولكنّهم ساقوا المتن هكذا :

عن رشيق صاحب المادراي قال : بعث إلينا المعتضد ونحن ثلاثة نفر . إلى أن قال : فوافينا سامراء ووجدنا الأمر كما وصفه ، وفي الدهليز خادم أسود وفي يده تكّة ينسجها فسألناه عن الدار ومن فيها ؟ فقال : صاحبها فواللَّه ما التفت إلينا ، وقلّ اكتراثه بنا ، فكبسنا الدار كما اُمرنا ، فوجدنا داراً سرّيّة ومقابل الدار ستر ما نظرت قطّ إلى أنبل منه كأنّ الأيدي

__________________

(١) لسان الميزان ٥ : ٣١٠ / ١٠٣٤ .

(٢) الوافي بالوفيات للصفدي ٤ : ١٦٤ / ١٠٧٢ .

(٣) هو الشيخ الأقدم أبو عبد اللَّه محمّد بن إبراهيم بن جعفر الكاتب ، المعروف بابن زينب ، كان علّامة وقته محدّثاً متبحّراً بحّاثة رحالة ، عاصر السفراء الأربعة الكرام للإمام المهدي‏ عليه‌السلام ، ولد في بلدة النعمانية ، وأخذ من ثقة الإسلام الكليني . رجال النجاشي : ٣٨٤ ، تنقيح المقال ٢ : ٥٥ / ١٠٢٠٩ ، إيضاح المكنون ١ : ٣١٠.

(٤) الفضل بن شاذان بن خليل النيسابوري ، أبو محمّد الأزدي من أصحاب الأئمّة الرضا والجواد والهادي والعسكري صلوات اللَّه عليهم ، كان ثقة جليلاً فقيهاً متكلّماً له عظم شأن في الطائفة ، توفّي رحمه‌الله سنة ٢٦٠ ه . فهرست النجاشي : ٣٠٦ / ٨٤٠، معجم رجال الحديث ١٣ : ٢٨٩ / ٩٣٠٠ .

١٢٠