حاشية الصاوى على تفسير الجلالين - ج ٢

الشيخ أحمد بن محمّد الصاوي

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الصاوي


المحقق: محمد عبدالسلام شاهين
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٤
الصفحات: ٥١٢

ولكنك تعاند وفي قراءة بضم التاء (وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً) (١٠٢) هالكا أو مصروفا عن الخير (فَأَرادَ) فرعون (أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ) يخرج موسى وقومه (مِنَ الْأَرْضِ) أرض مصر (فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً) (١٠٣) (وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ) أي الساعة (جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً) (١٠٤) جميعا أنتم وهم (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ) أي القرآن (وَبِالْحَقِ) المشتمل عليه (نَزَلَ) كما أنزل لم يعتره تبديل (وَما أَرْسَلْناكَ) يا محمد (إِلَّا مُبَشِّراً) من آمن بالجنة (وَنَذِيراً) (١٠٥) من كفر بالنار (وَقُرْآناً) منصوب بفعل يفسره (فَرَقْناهُ) نزلناه مفرقا في عشرين سنة أو وثلاث (لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ) مهل وتؤدة ليفهموه (وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً) (١٠٦) شيئا

____________________________________

علمت أن هذه الآيات ، ما أنزلها إلا رب السماوات والأرض عبرا ، وإنما عناد ، خوفا على ضياع ملكك ورياستك. قوله : (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضا ، وقوله : (بضم التاء) أي والضمير لموسى ، ويكون المعنى : لقد أيقنت وتحققت أن هذه الآيات التي جئت بها ، منزلة من عند الله تعالى. قوله : (وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ) أي أتحققك وعبر بالظن مشاكلة ، فإن ظن فرعون كذب ، وظن موسى حق وصدق لظهور أماراته. قوله : (أو مصروفا عن الخير) أي ممنوعا منه. قوله : (يخرج موسى وقومه) أي بقتلهم جميعا.

قوله : (فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً) أي ففعلنا بهم ما أرادوه بموسى وقومه : (مِنْ بَعْدِهِ) أي بعد إغراقه. قوله : (اسْكُنُوا الْأَرْضَ) أي أرض مصر والشام. قوله : (أي الساعة) أي القيامة ووعدها وقتها ، وهو النفخة الثانية. قوله : (جِئْنا بِكُمْ) أي أحييناكم وأخرجناكم من القبور. قوله : (جميعا) أشار بذلك إلى أن (لَفِيفاً) اسم جمع لا واحد له من لفظه ، وقيل مصدر لف لفيفا ، والمعنى جئنا بكم منضما بعضكم لبعض. قوله : (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ) معطوف على قوله (ولقد صرفنا) وهذا على أسلوب العرب ، حيث ينتقلون مما كانوا بصدده لشيء آخر ، ثم يرجعون له ، واختلف المفسرون في الحق الأول والثاني ، فمشى المفسر على أن المراد بهما الحكم والمواعظ والأمثال التي اشتمل عليها القرآن ، وإنما التكرير للتأكيد ، إشارة إلى أنه لم يتغير ولم يتبدل إلى يوم القيامة ، كما تغيرت التوراة والإنجيل ، وقيل المعنى وما أنزلنا القرآن إلا بالحكمة المقتضية لإنزاله لا عبثا ، وما نزل إلا بالحكم والمواعظ ، لاشتماله على الهداية إلى سبيل الرشاد ، فالحق الأول كناية عن سبب نزوله ، والحق الثاني هو ما اشتمل عليه من المعاني. قوله : (المشتمل عليه) أي المحتوي عليه القرآن.

قوله : (إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً) حالان من الكاف في أرسلناك. قوله : (منصوب بفعل) أي فهو من باب الاشتغال ، وعليه فجملة (فَرَقْناهُ) لا محل لها من الأعراب ، والتنوين للتعظيم أي قرآنا عظيما. قوله : (فَرَقْناهُ) هو بالتخفيف في القراءة المشهورة ، وقرىء شذوذا بالتشديد. قوله : (نزلناه مفرقا) هذا أحد أقوال في تفسير قوله : (فَرَقْناهُ) ، وقيل بينا حلاله وحرامه ، وقيل فرقنا به بين الحق والباطل. قوله : (أو وثلاث) أو لحكاية الخلاف ، أي أنه اختلف في مدة نزول القرآن ، هل هي عشرون سنة ، أو ثلاث وعشرون ، وهو المبني على الخلاف في تعاقب النبوة والرسالة وتقارنهما.

قوله : (لِتَقْرَأَهُ) متعلق بفرقنا ، وقوله : (عَلَى النَّاسِ) متعلق بتقرأه ، وكذا قوله : (عَلى مُكْثٍ) ولا يلزم عليه تعلق حرفي جر متحدي اللفظ والمعنى بعامل واحد ، لأن الأول في محل المفعول به ، والثاني

٣٤١

بعد شيء على حسب المصالح (قُلْ) لكفار مكة (آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا) تهديد لهم (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ) قبل نزوله وهم مؤمنو أهل الكتاب (إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً) (١٠٧) (وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا) تنزيها له عن خلف الرعد (إِنْ) مخففة (كانَ وَعْدُ رَبِّنا) بنزوله وبعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (لَمَفْعُولاً) (١٠٨) (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ) عطف بزيادة صفة (وَيَزِيدُهُمْ) القرآن (خُشُوعاً) (١٠٩) تواضعا لله وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : يا الله يا رحمن ، فقالوا : ينهانا أن نعبد إلهين ، وهو يدعو إلها آخر معه ، فنزل (قُلِ) لهم (ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) أي

____________________________________

في محل الحال أي متمهلا فاختلف المعنى. قوله : (مهل وتؤدة) أي سكينة وتأن. قوله : (ليفهموه) أي ليسهل حفظه وفهمه. قوله : (على حسب المصالح) أي الوقائع التي تقتضي نزوله ، فالحاصل أنه نزل مفرقا لحكمتين : الأولى ليسهل حفظه ، والثانية اقتضاء الوقائع ، لذلك قال تعالى : (وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً). قوله : (تهديد لهم) أي فالمعنى أن إيمانكم لا يزيد القرآن كمالا ، وامتناعكم لا يورثه نقصا.

قوله : (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) تعليل لقوله : (آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا) والمعنى إن لم تؤمنوا به ، فقد آمن به من هو خير منكم ، وفيه تسلية له صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أي لا تحزن على إعراضهم وعدم إيمانهم ، وتسل بإيمان هؤلاء العلماء. قوله : (وهم مؤمنوا أهل الكتاب) أي كعبد الله بن سلام ، وسلمان والنجاشي وأقرانهم. قوله : (لِلْأَذْقانِ) اللام بمعنى على ، أو على بابها متعلقة بيخرّون ، ويكون بمعنى يدلون ، وخصت الأذقان بالذكر لأنها أول جزء من الوجه تقرب من الأرض عند السجود ، و (سُجَّداً) حال ، أي ساجدين لله على انجاز وعده الذي وعدهم به في الكتب القديمة ، أنه يرسل محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وينزل عليه القرآن.

قوله : (وَيَقُولُونَ) أي في حال جودهم. قوله : (عن خلف الوعد) أي الذي رأيناه في كتبنا ، بإنزال القرآن وإرسال محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قوله : (مخففة) أي واسمها ضمير الشأن ، وقوله : (لَمَفْعُولاً) أي موفى ومنجزا. قوله : (بزيادة صفة) أي وهي البكاء ، ومراده بهذا دفع التكرار ، وهو معنى قوله تعالى في سورة المائدة (وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ) الخ. قوله : (وَيَزِيدُهُمْ) (القرآن) أي فالضمير يعود على القرآن ، ويصح عوده على البكاء. قوله : (وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم) أشار بذلك إلى سبب نزولها وحاصله أنه سجد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات ليلة ، فجعل يقول في سجوده : يا الله ، يا رحمن ، فقال أبو جهل : إن محمدا ينهانا عن آلهتنا وهو يدعو إلهين. قوله : (إلها آخر) أي وهو الرحمن ، ظنا منهم أن المراد به مسيلمة الكذاب ، لأن قومه كانوا يسمونه رحمان اليمامة ، قال بعضهم في حقه :

سميت بالمجد يا ابن الأكرمين أبا

وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا

وهجاه بعض المسلمين بقوله :

سميت بالخبث يا ابن الأخبثين أبا

وأنت شر الورى لا زلت شيطانا

قوله : (أي سموه بأيهما) أي اذكروا في غير نداء. قوله : (أو نادوه) تفسير ثان لقوله : (ادْعُوا) فعلى الأول يكون ناصبا لمفعولين : أولهما محذوف تقديره معبودكم ، وعلى الثاني يكون ناصبا لمفعول واحد.

٣٤٢

سموه بأيهما أو نادوه بأن تقولوا : يا الله يا رحمن (أَيًّا) شرطية و (ما) زائدة أي أي هذين (تَدْعُوا) فهو حسن دل على هذا (فَلَهُ) أي لمسماهما (الْأَسْماءُ الْحُسْنى) وهذان منها فإنها كما في الحديث. هو الله الذي لا إله إلا هو ، الرحمن الرحيم ، الملك ، القدوس ، السّلام ، المؤمن ،

____________________________________

قوله : (بأن تقولوا يا الله يا رحمن) أشار بذلك إلى أن أسماء الله توقيفية ، فلا يجوز لنا أن نسميه باسم غير وارد في الشرع ، قال صاحب الجوهرة : واختبر أن أسماء توقيفية. قوله : (أَيًّا) (شرطية) أي منصوبة بتدعو ، فهي عاملة ومعمولة ، والمضاف إليه محذوف قدره المفسر بقوله : (أي هذين). قوله : (فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) هذه الجملة جواب الشرط ، وهو ما اشتهر على ألسنة المعربين ، وقدر المفسر جوابه بقوله : (فهو حسن) فتكون الجملة دليل الجواب ، والأسماء جمع اسم ، وهو اللفظ الدال على ذات المسمى ، وأسماؤه تعالى كثيرة ، قيل ثلاثمائمة وقيل ألف وواحد ، وقيل مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا ، عدد الأنبياء عليهم الصلاة والسّلام ، لأن كل نبي تمده حقيقة اسم خاص به ، مع امداد بقية الأسماء له لتحققه بجميعها ، وقيل ليس لها حد ولا نهاية لها على حسب شؤونه في خلقه ، وهي لا نهاية لها ، والحسنى إما مصدر وصف به ، أو مؤنث أحسن ، كأفضل وفضلى ، فأفرد لأنه وصف جمع القلة لما لا يعقل ، فيجوز فيه الإفراد والجمع ، وإن كان الأحسن الجمع ، قال الأجهوري :

وجمع كثرة لما لا يعقل

الأفصح الإفراد فيه يافل

وغيره فالأفصح المطابقة

نحو هبات وأفرات لائقة

وحسن أسمائه تعالى ، لدلالتها على معان شريفة هي أحسن المعاني ، لأن معناها ذات الله أو صفاته. قوله : (كما في الحديث) أي ونصبه «إن لله عزوجل تسعة وتسعين اسما ، من أحصاها دخل الجنة ، هو الله الذي لا إله إلا هو» إلى آخر الرواية التي ذكرها المفسر واختارها ، وإن كان الحديث واردا بأوجه خمسة ، لكونها أصح الروايات الواردة ، ومنها : «إن لله تسعة وتسعين اسما ، مائة غير واحد ، إنه وتر يحب الوتر ، وما من عبد يدعو بها إلا وجبت له الجنة». ومنها : إن «لله تسعة وتسعين اسما ، من احصاها كلها دخل الجنة ، أسأل الله تعالى ، الرحمن الرحيم ، الإله الرب» إلى آخره. ومنها : «إن لله عزوجل ، تسعة وتسعين اسما ، مائة إلا واحدا ، إنه وتر ، يحب الوتر ، من حفظها دخل الجنة ، الله الواحد الصمد» الخ. ومنها : «إن لله تعالى مائة اسم غير اسم ، من دعا بها استجاب الله له» وكلها في الجامع الصغير ، في حرف الهمزة مع النون ، عن علي ، وعن أبي هريرة ، والحفظ والاحصاء عند أهل الظاهر ، معرفة ألفاظها ومعانيها ، وعند أهل الله ، هو الاتصاف بها ، والظهور بحقائقها ، والعثور على مدارج نتائجها. قوله : (هو) ليس من الأسماء الحسنى ، بل هو عند أهل الظاهر ضمير شأن يفسره ما بعده ، وعند أهل الله اسم ظاهر يتعبدون بذكره ، وعلى كل فهو زائد على التسعة والتسعين. قوله : (الله) هو أعظم الأسماء المذكورة ، لكونه جامعا لجميع الأسماء والصفات ، وهو علم على الذات الواجب المسمى لجميع المحامد ، وأل لازمة له ، لا لتعريف ولا غيره ، وهو ليس بمشتق على الصحيح. قوله : (الذي لا إله إلا هو) نعت للاسم الجليل ، أي الذي لا معبود غيره. قوله : (الرحمن) أي المنعم بجلائل النعم ، كما وكيفا ، دنيوية وأخروية ، ظاهرة وباطنة. قوله : (الرحيم) أي المنعم بدقائق النعم كما وكيفا ، دنيوية وأخروية ، ظاهرية وباطنية ، والدقائق ما تفرعت عن الجلائل ، كالزيادة في الإيمان ، والعلم والمعرفة والتوفيق والعافية والسمع والبصر. قوله :

٣٤٣

المهيمن ، العزيز ، الجبار ، المتكبر ، الخالق ، البارىء ، المصور ، الغفار ، القهار ، الوهاب ، الرزاق ، الفتاح ، العليم ، القابض ، الباسط ، الخافض ، الرافع ، المعز ، المذل ، السميع ،

____________________________________

(الملك) أي المتصرف في خلقه بالإيجاد والإعدام وغير ذلك ، وتسمية غيره تعالى به مجاز. قوله : (القدوس) أي المنزه عن صفات الحوادث ، وأتى به عقب الملك ، لدفع توهم يطرأ عليه نقص كالملوك. قوله : (السّلام) أي المؤمن من المخاوف والمهالك ، أو الذي يسلم على عباده. قوله : (المؤمن) أي المصدق لرسله بالمعجزات ، ولأوليائه بالكرامات ، ولعباده المؤمنين على ايمانهم واخلاصهم ، لأنه لا يطلع على الأخلاص نبي مرسل ولا ملك مقرب ، وإنما يعلم من الله. قوله : (المهيمن) أي المطلع على خطرات القلوب. قوله : (العزيز) من عز بمعنى غلب وقهر ، فهو من صفات الجلال ، أو من عز بمعنى قل ، فلم يوجد له مثيل ولا نظير ، فهو من صفات السلوب. قوله : (الجبار) أي المنتقم القهار ، فيكون من صفات الجلال أو المصلح للكسر ، يقال : جبر الطبيب الكسر أصلحه ، فيكون من صفات الجمال. قوله : (المتكبر) من الكبرياء وهو التعالي في العظمة ، وهي مختصة به تعالى ، لما في الحديث القدسي : «العظمة إزاري ، والكبرياء ردائي ، فمن نازعني فيهما قصمته». قوله : (الخالق) أي الموجد للمخلوقات من العدم. قوله : (البارىء) أي المبرىء من الأسقام ، أو المظهر لما في الغيب ، من برىء بمعنى أظهر ما كان خفيا ، فيرجع لمعنى الخالق. قوله : (المصور) أي المبدع للأشكال على حسب إرادته ، فأعطى كل شيء من المخلوقات ، صورة خاصة ، وهيئة منفردة ، يتميز بها على اختلافها وكثرتها. قوله : (الغفار) إما مأخوذ من الغفر بمعنى الستر ، لأنه يستر على عباده قبائحهم ، فيحجبها في الدنيا على الآدميين ، وفي الآخرة عن الملائكة ، ولو كانت موجودة في الصحف ، أو من الغفر بمعنى المحو من الصحف ، وهو مرادف للغفور والغافر ، وقيل : إن الغافر هو الذي يغفر بعض الذنوب ، والغفور الذي يغفر أكثرها ، والغفار الذي يغفر جميعها ، والصحيح الأول ، لأنه لا مبالغة في أسماء الله ، بل صيغتها صيغة نسبة ، كتمار نسبة للتمر. قوله : (القهار) أي ذو البطش الشديد ، فهو من صفات الجلال. قوله : (الوهاب) أي ذو الهبات العظيمة لغير غرض ولا علة ، فالطاعات لا تزيد في ملكه شيئا ، وإنما رتب الثواب عليها من فضله وكرمه ، وهذا الاسم من صفات الجمال. قوله : (الرزاق) أي معطي الأرزاق لعباده ، دنيا وأخرى ، قال تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها) وهو بمعنى الرازق ، والرزق قسمان : ظاهر وهو الأقوات من طعام وشراب ونحو ذلك ، وباطن وهو العلوم والأسرار والمعارف ، فالأول رزق الأبدان ، والثاني رزق الأرواح ، وكل من عند ربنا. قوله : (الفتاح) أي ذو الفتح لما كان مغلوقا ، حسيا أو معنويا ، فهو المسهل لكل عسير ، من خيري الدنيا والآخرة ، فضلا منه واحسانا ، وهذا وما قبله من صفات الجمال. قوله : (العليم) أي ذو العلم ، وهو صفة أزلية قائمة بذاته تعالى ، تتعلق بالواجبات والجائزات والمستحيلات ، تعلق احاطة وانكشاف ، لا يوصف بنظر ولا ضرورة ولا كسب. قوله : (القابض) أي ذو القبض ضد البسط ، فهو جل وعز ، قابض للأرزاق والأرواح وغير ذلك ، فيكون من صفات الجلال. قوله : (الباسط) أي ذو البسط ضد القبض ، فهو سبحانه وتعالى باسط الأرزاق في الدنيا والآخرة والقلوب وغير ذلك ، قال تعالى : (وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ) وهذان الاسمان يظهر أثرهما في العبيد. وللعارفين مقدمات في القبض والبسط ، فالمبتدىء يسمون تجليه قبضا وبسطا ، والمتوسط يسمونه أنسا وهيبة ، والكامل يسمونه جلالا وجمالا. قوله : (الخافض) أي لمن

٣٤٤

البصير ، الحكم ، العدل ، اللطيف ، الخبير ، الحليم ، العظيم ، الغفور ، الشكور ، العلي ، الكبير ، الحفيظ ، المقيت ، الحسيب ، الجليل ، الكريم ، الرقيب ، المجيب ، الواسع ، الحكيم ، الودود ،

____________________________________

أراد خفضه ، أي فهو خافض لكلمة الكفر وللظالمين ولكل متكبر وغير ذلك. قوله : (الرافع) أي ذو الرفع لأهل الإسلام والعلماء والصديقين والأولياء والسماوات والجنة وغير ذلك من الحسي والمعنوي ، والأول من صفات الجلال ، والثاني من صفات الجمال. قوله : (المعز) أي خالق العز لمن يشاء من خلقه. قوله : (المذل) أي خالق الذل لمن أراد من عباده ، والأول من صفات الجمال ، والثاني من صفات الجلال. قوله : (السميع) أي ذو السمع ، وهو صفة أزلية تتعلق بجميع الموجدات ، تعلق احاطة وانكشاف. قوله : (البصير) أي ذو البصر ، وهو صفة أزلية تتعلق بجميع الموجودات ، تعلق احاطة وانكشاف ، فهي مساوية في التعلق لصفة السمع ، ولا يعلم حقيقة اختلافهما إلا الله تعالى ، وهما مخالفان لتعلق العلم ، لأن العلم يتعلق بالمعدومات والموجودات ، وهما إنما يتعلقان بالموجودات فقط ، وكل منها منزه عن صفات الحوادث ، قال بعض العارفين : من أراد خفاء نفسه عن أعين الناس بحيث لا يرونه ، فليقرأ عند مروره عليهم (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) تسع مرات. قوله : (الحكم) أي ذو الحكم التام. قوله : (العدل) أي ذو العدل أو العادل ، فلم يظلم مثقال ذرة ، فأحكام الله لا جور فيها ، بل دائرة بين الفضل والعدل ، لأن الجور التصرف في ملك الغير بغير إذنه ، ولا ملك لأحد معه ، وأردف الحكم بالعدل ، دفعا لتوهم أن حكمه تارة يكون بالعدل ، وتارة يكون بالجور. قوله : (اللطيف) أي العالم بخفيات الأمور ، أو معطي الإحسان في صورة الامتحان ، كإعطاء يوسف الصديق الملك في صورة الابتلاء لرقيه ، وآدم الفوز الأكبر في صورة ابتلائه بأكله من الشجرة واخراجه من الجنة ، ونبينا صلى‌الله‌عليه‌وسلم الفتح والنصر المبين في صورة ابتلائه بإخراجه من مكة ، وهي سنة الله في عباده الصالحين.

ـ فائدة ـ من قرأ قوله تعالى : (اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) في كل يوم تسع مرات ، لطف الله به في أموره ، ويسر له رزقا حسنا ، وكذلك من أكثر من ذكر اللطيف.

قوله : (الخبير) أي المطلع على خفيات الأشياء ، فيرجع لمعنى اللطيف على التفسير الأول ، أو القادر على الإخبار بما عجزت عنه المخلوقات ، قال بعضهم : من أراد أن يرى شيئا في منامه ، فليقرأ قوله تعالى (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) تسع مرات عند نومه. قوله : (الحليم) هو الذي لا يعجل بالعقوبة على من عصاه وكفر به بل يمهله ، فإن تاب محا عنه خطاياه ، ومن أقبح ما تقول العامة : حلم ربنا يفتت الكبود ، إذ معناه اعتراض على سعة حلمه ، ولا يدرون أنه لو لا حلمه علينا لخسف بنا ، فسعة حلمه من أجلّ النعم علينا ، قال العارف : الحمد لله على حلمه بعد علمه ، وعلى عفوه بعد قدرته. قوله : (العظيم) أي الذي يصغر كل شيء عند ذكره ، ولا يحيط به إدراك ، ولا يعلم كنه حقيقته سواه ، ففي الحديث : «سبحان من لا يعلم قدره غيره ، ولا يبلغ الواصفون صفته» ، فهو من الصفات الجامعة. قوله : (الغفور) تقدم معناه عند تفسير اسمه الغفار. قوله : (الشكور) أي الذي يشكر عباده ، أي يثني عليهم في الدنيا والآخرة ، فيعطي الثواب الجزيل على العمل القليل ، ويرفع ذكرهم في الملإ الأعلى. قوله : (العلي) أي المرتفع المنزه عن كل نقص ، المتصف بكل كمال ، المستغني عن كل ما سواه ، المفتقر إليه كل ما عداه. قوله : (الكبير) هو والعظيم بمعنى واحد قوله : (الحفيظ) أي الحافظ للعالم العلوي والسفلي ، دنيا وأخرى ،

٣٤٥

المجيد ، الباعث ، الشهيد ، الحق ، الوكيل ، القوي ، المتين ، الولي ، الحميد ، المحصي ، المبدىء ، المعيد ، المحيي ، المميت ، الحي ، القيوم ، الواجد ، الماجد ، الواحد ، الصمد ، القادر ، المقتدر ،

____________________________________

قال تعالى : (إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ). قوله : (المقيت) أصله المقوت ، نقلت حركة الواو إلى الساكن ، قبلها فقلبت الواو ياء لمناسبة ما قبلها ، أي خالق القوت للأجساد والأرواح ، دنيا وأخرى ، وقوت الأجسام : الطعام والشراب ونفعها بذلك وتلذذها به ، وقوت الأرواح : الإيمان والأسرار والمعارف وانتفاعها بها ، والكافر لا قوت لروحه. قوله : (الحسيب) أي الكافي من توكل عليه ، أو الشريف الذي كل من دخل حماه تشرف ، أو المحاسب لعباده على النقير والفتيل والقطمير ، في قدر نصف يوم من أيام الدنيا أو أقل. قوله : (الجليل) أي العظيم في الذات والصفات والأفعال ، فيرجع لمعنى العظيم والكبير. قوله : (الكريم) أي المعطي من غير سؤال ، أو الذي عم عطاؤه الطائع والعاصي. قوله : (الرقيب) أي المراقب الحاضر المشاهد لكل مخلوق المتصرف فيه ، وهو أعم من المهيمن ، لأنه المطلع على خطرات القلوب ، والرقيب المطلع على الظاهر والباطن. قوله : (المجيب) أي لدعوة الداعي ، قال تعالى : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ). وفي الحديث : «ما من عبد يقول يا رب إلا قال الله لبيك يا عبدي». قوله : (الواسع) السعة في حقه تعالى ، ترجع لنفي الأولية والآخرية والإحاطة ، فهو من صفات السلوب ، أو يراد منها : أن رحمته وسعت كل شيء ، فيكون من صفات الجمال. قوله : (الحكيم) أي ذو الحكمة ، وهي العلم التام والصنع المتقن. قوله : (الودود) أي المحبب لعباده الصالحين المحبين الراضي عليهم ، قال تعالى : (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) أو الودود بمعنى المحبوب ، لأنه محب ومحبوب ، فمحبته لعباده : إنعامه عليهم ، أو إرادة إنعامه ، فترجع لمعنى الرضا ، ومحبة عباده له : ميلهم إليه ، وشغلهم به عمن سواه. قوله :

(المجيد) أي الشريف ، ومثله الماجد. قوله : (الباعث) أي الذي يبعث الأموات ، أي يحييهم للحساب ، ويبعث الرسل لعباده ، لإقامة الحجة عليهم ، والأرزاق الدنيوية والأخروية. قوله : (الشهيد) أي المطلع على الظاهر والباطن ، فيرجع لمعنى الرقيب ، وأما قوله تعالى : (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) فتسميته غيبا بالنسبة لنا ، وإلا فالكل شهادة عنده. قوله : (الحق) أي الثابت الذي لا يقبل الزوال ، أزلا ولا أبدا ، فيرجع لمعنى واجب الوجود. قوله : (الوكيل) أي المتولي أمور خلقه ، دنيا وأخرى. قوله : (القوي) أي ذو القدرة التامة ، التي يوجد بها كل شيء ويعدمه على طبق مراده. قوله : (المتين) أي صاحب القوة العظيمة التي لا تعارض ، ولا يعتريها نقص ولا خلل. قوله : (الولي) أي الموالي والمتابع للإحسان لعبيده ، أو المتولي للخير والشر ، بمعنى صدور الكل منه ، فيرجع لمعنى الوكيل ، ويشهد للأول قوله تعالى : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا) الآية ، وللثاني قوله تعالى : (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) فالله هو الولي ، وأما الولي من الخلق ، فمعناه الموالي لطاعة ربه ، والمداوم عليها ، أو من تولى الله أمره ، فلم يكله لغيره ، وقوله : (الحميد) أي المحمود ، أي المستحق الحمد كله ، والحامد لعبيده الصالحين ، ولنفسه بنفسه. قوله : (المحصي) أي الضابط لعدد مخلوقاته ، جليلها وحقيرها ، قال تعالى : (وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً). قوله : (المبدىء) بالهمزة أي المنشىء من العدم إلى الوجود ، وأما بغير همزة فمعناه المظهر ، وليس مرادا هنا لكون الرواية بالهمزة. قوله : (المعيد) أي الذي يعيد الخلق بعد انعدامهم ، قال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) وهو أهون عليه ، واختلف أهل السنة في تلك الإعادة ، قيل عن عدم محض ، وقيل عن تفريق أجزاء ، قال صاحب الجوهرة :

٣٤٦

المقدم ، المؤخر ، الأول ، الآخر ، الظاهر ، الباطن ، الوالي ، المتعالي ، البر ، التواب ، المنتقم ،

____________________________________

وقل يعاد الجسم بالتحقيق

عن عدم وقيل عن تفريق

قوله : (المحيي) أي المقوم للأبدان بالأرواح للخلائق من العدم ، أي الناقل لهم من حالة العدم لحالة الحياة. قوله : (المميت) أي الخالق للموت ، وهو عدم الحياة عما من شأنه الحياة ، قال تعالى : (خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ.) قوله : (الحي) أي ذو الحياة ، وهي في حقه تعالى ، صفة أزلية قائمة بذاته يستلزمها اتصافه بالمعاني والمعنوية. قوله : (القيوم) أي القائم بذاته تعالى ، المستغني عن غيره ، أي المقوم لغيره بقدرته ، فهو المتصرف في العالم دنيا وأخرى. قوله : (الواجد) أي الغني ، من الوجدان ، وهو عدم نفاد الشيء ، بمعنى أنه لو أغنى الخلق جميعا ، وأعطاهم سؤلهم ، لم ينقص من ملكه ، إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر. قوله : (الماجد) هو بمعنى المجيد المتقدم ، وهو الشريف أو واسع الكرم. قوله : (الواحد) أي الذي لا ثاني له في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله فهو مستلزم لنفي الكموم الخمسة : المتصل والمنفصل في الذات ، والمتصل والمنفصل في الصفات ، والمنفصل في الأفعال ، والمتصل فيها لا ينفى ، بل هو تعلق القدرة والإرادة في سائر الكائنات ايجادا واعداما ، فلا غاية له ، قال تعالى : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) أي كل لحظة ولمحة في شؤون يبديها ولا يبتديها ، والوحدة في غيره نقص ، وفي حقه كمال ، كما ورد أنه واحد لا من قلة ، بل وحدة تعزز وانفراد وتكبر ، لانعدام الشبيه والنظير والمثيل ، وفي بعض النسخ زيادة لفظ الأحد ، وهو بمعنى الواحد ، والصواب اسقاطه ، لأنه ليس ثابتا في حديث الترمذي الذي نسب الحديث إليه. قوله : (الصمد) أي الذي يقصد في الحوائج ، فهو كالدليل للوحدانية. قوله : (القادر) أي ذو القدرة التامة ، وهي صفة أزلية قائمة بذاته تعالى ، تتعلق بالممكنات ايجادا واعداما على وفق الإرادة. قوله : (المقتدر) مبالغة في القدرة التي لا شبيه لها ولا مثيل ولا نظير ، فيرجع لمعنى القوي المتين. قوله : (المقدم) بكسر الدال ، أي لمن أراد من عباده. قوله : (المؤخر) أي لمن أراد تأخيره ، قال تعالى : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ) الآية. قوله : (الأول) أي الذي لا افتتاح لوجوده. قوله : (الآخر) أي الذي لا انتهاء لوجوده. قوله : (الظاهر) أي الذي ليس فوقه شيء ، ولا يغلبه شيء ، أو الظاهر بآثاره وصنعه ، ومن الحكم : هذه آثارنا تدل علينا ، قال تعالى : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ). قوله : (الباطن) أي الذي ليس أقرب منه شيء ، أو الذي تحجب عنا بجلاله وهيبته ، فلا تراه الأبصار في الدنيا ، ولا تدرك حقيقته لأحد ، دنيا ولا أخرى ، وقد جمعت هذه الأسماء الأربعة في قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء ، اقض عنا الدين وأغننا من الفقر». قوله : (الوالي) أي المتولي على عباده ، بالتصرف والقهر والإيجاد والإعدام ، فيرجع لمعنى الملك. قوله : (المتعالي) أي أي المنزه عن صفات الحوادث ، فيرجع لمعنى القدوس ، وأتى به عقب الوالي ، لدفع توهم طرو نقص عليه كالولاة. قوله : (للبر) أي المحسن لعباده ، الطائعين والعاصين. قوله : (التواب) أي كثير التوبة لعباده المذنبين ، أي يقبل توبتهم إن تابوا ، أو الذي يخلق التوبة في العبد فتظهر فيه ، قال تعالى : (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) ، وقال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ). قوله : (المنتقم) أي المرسل للنقم والعذاب على الكفار والجبابرة ، الذين ماتوا مصرين على ذلك ، فهو من صفات الجلال كقهار. قوله :

٣٤٧

العفو ، الرؤوف ، مالك الملك ، ذو الجلال والإكرام ، المقسط ، الجامع ، الغني ، المغني ، المانع ، الضار ، النافع ، النور ، الهادي ، الباقي ، الوارث ، الرشيد ، الصبور. رواه الترمذي. قال تعالى : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ) بقراءتك فيها فيسمعك المشركون فيسبوك ويسبوا القرآن ومن أنزله (وَلا

____________________________________

(العفو) أي الذي لا يؤاخذ المذنب بالذنوب ، بل يمحوها ويبدلها بحسنات. قوله : (الرؤوف) من الرأفة وهي شدة الرحمة ، ومعناها بحقه تعالى : الانعام أو إرادته. قوله : (مالك الملك) أي المتصرف فيه على ما يريد ويختار ، قال تعالى : (يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ). قوله : (ذو الجلال) أي صاحب الهيبة والعظمة ، وقوله : (والإكرام) أي الانعام والاحسان. قوله : (المقسط) أي الذي يحكم بالانصاف بين خلقه ، وضده القاسط بمعنى الجائر. قوله : (الجامع) أي لكل كمال أو للخلق يوم القيامة ، قال تعالى : (وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ) أو ما هو أعم وهو أولى. قوله : (الغني) أي ذو الغنى المطلق ، وهو المستغني عن كل ما سواه ، المفتقر إليه كل ما عداه. قوله : (المغني) أي المعطي الغنى لمن يشاء ، دنيا وأخرى ، قال تعالى : (وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى). قوله : (المانع) أي الرافع عن عبيده المضار الدنيوية والأخروية ، قال تعالى : (إِنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ). قوله : (الضار) أي خالق الضر ضد النفع ، وهو إيصال الشر لمن شاء من عباده. قوله : (النافع) أي خالق النفع ضد الضر ، وهو إيصال الخير لمن شاء من عباده ، دنيا وأخرى. قوله : (النور) أي الظاهر في نفسه المظهر لغيره ، أو خالق النور. قوله : (الهادي) أي خالق الهدى والرشاد ، الموصل له من أحب من عباده. قوله : (البديع) أي المبدع والمحكم كل شيء صنعه ، أو المخترع الأشياء على غير سابقة مثال ، قال تعالى : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي محكمهما ومتقنهما ومخترع لهما على غير مثال سابق. قوله : (الباقي) أي الدائم الذي لا يزول ولا يحول. قوله : (الوارث) أي الباقي بعد فناء خلقه ، أو الذي يرجع إليه كل شيء ، قال تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ). قوله : (الرشيد) أي صاحب الرشد ، وهو الذي يضع الشيء في محله ، أو خالق الرشد في عباده ، فيرجع لمعنى الهادي. قوله : (الصبور) أي الذي لا يعجل بالعقوبة على من عصاه ، فيرجع لمعنى الحليم ، والله أعلم بحقيقة معاني أسمائه وأسرارها. قوله : (رواه الترمذي) أي عن أبي هريرة ، وأعلم أن للعارفين في استعمال هذه الأسماء طرقا ، فمنهم من يستعملها نثرا ، ومنهم من يستعملها نظما ، كالشيخ الدمياطي ، وسيدي مصطفى البكري ، وغيرهما ، وأجل ما تلقيناه ، منظومة أستاذنا بركة الوقت والزمان ، وإمام العصر والأوان ، القطب الشهير والشهاب المنير ، أبو البركات ، مهبط الرحمات ، الذي عم فضله الكبير والصغير ، شيخنا الشيخ أحمد بن محمد الدردير ، فإنها عديمة النظير ، لاحتوائها على الدعوات الجامعة ، والأسرار اللامعة ، بمظاهر تلك الأسماء ، وهي آخر العلوم الإلهية التي ظهرت على لسانه ، وقد ألقيت عليه في ليلة واحدة ، فقام من فراشه وكتبها ، وكان يقرؤها في كل سوم وليلة ثلاث مرات ، فمن أراد الفوز الأكبر ، والظفر بالمقصود ، من خيري الدنيا والآخرة ، فعليه بحفظها والمواظبة عليها ، صباحا ومساء ، ومن أراد الاطلاع على بعض معانيها وفوائدها ، فعليه بشرحنا عليها ، فإن فيه النفع التام إن شاء الله تعالى.

قوله : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ) سبب نزولها كما قال ابن عباس : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان مختفيا بمكة ، وكان إذا صلى بأصحابه ، رفع صوته بالقرآن ، فإذا سمعه المشركون ، سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به ،

٣٤٨

تُخافِتْ) تسر (بِها) لينتفع أصحابك (وَابْتَغِ) اقصد (بَيْنَ ذلِكَ) الجهر والمخافتة (سَبِيلاً) (١١٠) طريقا وسطا (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) في الألوهية (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌ) ينصره (مِنَ) أجل (الذُّلِ) أي لم يذل فيحتاج إلى ناصر (وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً) (١١١) عظمه عظمة تامة عن اتخاذ الولد والشريك والذل ، وكل ما لا يليق به ، وترتيب الحمد على ذلك ، للدلالة على أنه المستحق لجميع المحامد ، لكمال ذاته وتفرده في صفاته ، روى الإمام أحمد في مسنده عن معاذ الجهني عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه كان يقول : آية العز (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) إلى آخر السورة ، والله تعالى أعلم. قال مؤلفه : هذا آخر ما كملت به تفسير القرآن الكريم ، الذي ألفه الشيخ الإمام العالم العلامة المحقق جلال الدين المحليّ الشافعي رضي الله عنه ، وقد أفرغت فيه جهدي ، وبذلت فكري فيه ، في نفائس

____________________________________

فقال الله لنبيه (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ) أي بقراءتك ، ولا تخافت بها عن أصحابك فلا تسمعهم ، وابتغ بين ذلك سبيلا ، وهذا الأمر قد زال من يوم إسلام عمر والحمزة فهو منسوخ ، فللمصلي الجهر في الصلاة الجهرية ، ولا يزيد على سماع المأمومين ، وقيل نزلت في الدعاء ، وروي ذلك عن عائشة وجماعة ، ومثل الدعاء سائر الأذكار ، فلا يجهر بها ، ولا يخافت بها ، بل يكون بين ذلك قواما ، وعلى هذا القول فالآية غير منسوخة ، بل العمل بها ، مستمر. قوله : (وَلا تُخافِتْ بِها) المخافتة عدم رفع الصوت ، يقال خفت الصوت إذا سكن. قوله : (لينتفع أصحابك) علة للنهي عن المخافتة.

قوله : (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) أي الثناء بالجميل واجب لله. قوله : (الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً) أي لم يكن له ولد لاستحالته عليه. قوله : (الألوهية) أي لم يكن له مشارك في ألوهيته ، إذ لو كان معه مشارك فيها ، لما وجد شيء من العالم ، قال تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) وقال تعالى : (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ). قوله : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِ) أي لم يكن له ناصر يمنع عنه الذل ، لاستحالته عليه عقلا ، واستفيد من الآية أن له أولياء ، لا من أجل الذل ، بمعنى أنه ينصرهم ويتولى أمورهم ، مع استغنائه عنهم كاستغنائه عن الكفار ، وإنما اختيارهم وتسميتهم أولياء وأحبابا ، فمن فضله واحسانه ، وكما أنه يستحيل عليه الولي ، بمعنى الناصر له من الذل ، يستحيل عليه العدو ، بمعنى الموصل الأذى إليه ، وأما بمعنى أنه مغضوب عليه وليس راضيا بأفعاله فهو واقع. قوله : (أي لم يذل) أي لم يجر عليه وصف الذل ، لا بالفعل ولا بالقوة. قوله : (عظمة عظمة) أي نزهه عن كل نقص. قوله : (وترتيب الحمد) الخ ، دفع بذلك ما يقال : إن المقام للتنزيه لا للحمد ، لأن الحمد يكون في مقابلة نعمه ، وهنا ليس كذلك. أجيب : بأن الله كما يستحق الحمد لأوصافه ، يستحقه لذاته. قوله : (آية العز) أي التي من قرأها مؤمنا بها حصل له العز والرفعة ، وورد في عدة استعمالها ، أنها ثلاثمائة وأحد وخمسون كل يوم ، ويقول قبلها : توكلت على الحي الذي لا يموت ، الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا إلى آخرها. قوله : (جلال الدين المحلي) كان على غاية من العلم والعمل والزهد والورع والحلم ، حتى كان من أخلاقه أنه يقضي حوائج بيته بنفسه ، مع كونه كان عنده الخدم والعبيد. قوله : (وقد أفرغت فيه) والضمير عائد على ما في قوله : (آخر ما كملت به) وكذا بقية الضمائر. قوله : (جهدي) بفتح الجيم

٣٤٩

أراها إن شاء الله تعالى تجدي ، وألفته في مدة قدر ميعاد الكليم وجعلته وسيلة للفوز بجنات النعيم ، وهو في الحقيقة مستفاد من الكتاب المكمل ، وعليه في الآي المتشابهة الاعتماد والمعول ، فرحم الله امرا نظر بعين الإنصاف إليه ، ووقف فيه على خطإ فأطلعني عليه وقد قلت :

حمدت الله ربي إذ هداني

لما أبديت مع عجزي وضعفي

فمن لي بالخطا فأرد عنه

ومن لي بالقبول ولو بحرف

هذا ولم يكن قط في خلدي أن أتعرض لذلك ، لعلمي بالعجز عن الخوض في هذه المسالك ، وعسى الله أن ينفع به نفعا جما ، ويفتح به قلوبا غلفا وأعينا عميا وآذانا صمّا ، وكأني بمن

____________________________________

وضمها أي طاقتي. قوله : (وبذلت فكري) الفكر قوة في النفس ، يحصل بها التأمل. قوله : (في نفائس) أي دقائق ونكات مرضية. قوله : (أراها) بفتح الهمزة وضمها. قوله : (تجدي) أي تنفع. قوله : (قدر ميعاد الكليم) أي وهو أربعون يوما ، لأنه سيأتي أنه ابتدأ فيه أول يوم رمضان ، وختمه لعشرة من شوال ، وفي ذلك إشارة إلى أن في هذه المدة ، حصل لموسى الفتح ، وإعطاء التوراة وهي كلام الله ، فقد خلعت عليّ خلعة من خلعه ، حيث فتح عليّ في تلك المدة ، بخدمة كلام الله ، والأخبار بذلك من باب التحدث بالنعمة ، فإن هذا الزمن عادة ، لا يسع هذا التأليف إلا بعناية من الله ، سيما مع صغر سن الشيخ حينئذ ، فإنه كان عمره أقل من ثنتين وعشرين سنة بشهور. قوله : (وهو) أي ما كملت به. قوله : (مستفاد من الكتاب المكمل) هذا تواضع من الشيخ ، وإشارة إلى أنه حذا حذوه واقتفى أثره ، فالشيخ المحلي قدس الله روحه ، قد سن سنة حسنة للشيخ السيوطي ، فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة. قوله : (وعليه) أي الشيخ أو الكتاب المكمل ، وهو متعلق بمحذوف خبر مقدم ، و (الاعتماد) مبتدأ مؤخر ، وقوله : (في الآي) الخ ، متعلق بالاعتماد (والمعول) معطوف على الاعتماد ، عطف مرادف. قوله : (بعين الانصاف) إما على حذف مضاف ، أي بعين صاحب الانصاف ، أو في الكلام استعارة بالكناية ، حيث شبه الانصاف بإنسان ذي عين ، وطوى ذكر المشبه به ، ورمز له بشيء من لوازمه وهو العين ، فإثباته تخييل واحترز بعين الانصاف من عين الاعتساف ، فإنها لا ترى محاسن أصلا كما قال العارف :

وعين الرضا عن كل عيب كليلة

كما أن عين السخط تبدي المساويا

قوله : (ووقف على خطأ) أي اطلع عليه. قوله : (فأطلعني) أي دلني عليه وعرفني به. قوله : (وقد قلت) أي شاكرا لله سالكا سبيل الاعتذار. قوله : (إذ هداني) أي لأجل هدايته لي. قوله : (لما أبديت) متعلق بهداني. قوله : (فمن لي بالخطأ) أي من يتكفل لي بإظهار الخطأ. قوله : (فأرد عنه) أي أجيب عنه أو أصلحه. قوله : (ومن لي بالقبول) أي من يبشرني بالقبول من الله لهذا التأليف ولو حرفا ، لأن القبول من رحمة الله ومن رحمه لا يعذبه. قوله : (هذا) أي افهم وتأمل ما ذكرته لك. قوله : (في خلدي) بفتحتين معناه البال والقلب. قوله : (لذلك) أي لتأليف تلك التكملة. قوله : (المسالك) أي مسالك التفسير الذي هو أصعب العلوم ، لاحتياجه إلى الجمع بين المعقول والمنقول. قوله : (وعسى الله) هذا ترج من الشيخ رضي الله عنه ، وقد حقق الله رجاءه. قوله : (جما) بفتح الجيم أي كثيرا. قوله : (غلفا) أي معطاة ممنوعة من فهم علم التفسير لصعوبته قوله : (عميا) أي لا تبصر ، فإذا نظرت فيه وتأملته فأرجو أن يزول عنها العمى لتبصره

٣٥٠

اعتاد المطولات ، وقد أضرب عن هذه التكملة وأصلها حسما ، وعدل إلى صريح العناد ، ولم يوجه إلى دقائقهما فهما ، ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى ، رزقنا الله به هداية إلى سبيل الحق ووفيقا ، واطلاعا على دقائق كلماته وتحقيقا ، وجعلنا به من الذين أنعم الله عليهم ، من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. ـ وفرغ ـ من تأليفه يوم الأحد عاشر شوال سنة سبعين وثمانمائة ، وكان الابتداء فيه يوم الأربعاء ، مستهل رمضان من السنة المذكورة ، وفرغ من تبييضه يوم الأربعاء ، سادس صفر ، سنة إحدى وسبعين وثمانمائة ، والله أعلم. قال الشيخ شمس الدين محمد بن أبي بكر الخطيب الطوخي : أخبرني صديقي الشيخ العلامة كمال الدين المحليّ ، أخو شيخنا الشيخ الإمام جلال الدين المحليّ رحمهما‌الله تعالى ، أنه رأى أخاه الشيخ جلال الدين المذكور في النور ، وبين يديه صديقنا الشيخ العلامة المحقق جلال الدين السيوطي مصنف هذه التكملة ، وقد أخذ الشيخ هذه التكملة في يده وتصفحها ، ويقول لمصنفها المذكور : أيهما أحسن ، وضعي أو ضعك؟ فقال : وضعي ، فقال : انظر ، وعرض عليه مواضع فيها ، وكأنه

____________________________________

وتدركه. قوله : (وآذانا صما) أي فبسماعه يزول عنها الصمم ، وتصير مستمعة لدقائق التفسير. قوله : (وكأني بمن اعتاد المطولات) أي ملتبس بمن اعتاد ، فالباء للملابسة ، ويصح أن تكون بمعنى من ، والمعنى وكأني قريب ممن اعتاد الخ. قوله : (وقد أضرب) أي أعرض. قوله : (وأصلها) أي وهي قطعة الجلال المحلي. قوله : (حسما) الحسم المنع والقطع ، وهو مفعول مطلق مؤكد لعامله المعنوي الذي هو أعرض ، كأنه قال وقد أعرض إعراضا. قوله : (وعدل) أي مال. قوله : (إلى صريح العناد) من إضافة الصفة للموصوف ، أي العناد الصريح. قوله : (ومن كان في هذه) أي التكملة مع أصلها ، وفي بمعنى عن ، وقوله : (أعمى) أي معرضا عنها ، وغير واقف على دقائقها ، وقوله : (فهو في الآخرة) المراد بها المطولات ، وقوله : (أعمى) أي غير فاهم لها ، وهو اقتباس من الآية الشريفة ، والاقتباس تضمين الكلام شيئا من القرآن أو الحديث ، لا على أنه منه. قوله : (رزقنا الله) الخ ، هذا الضمير وما بعده لما كمل به. قوله : (هداية) أي وصولا للمقصود. قوله : (على دقائق كلماته) أي القرآن. قوله : (مع الذين أنعم الله عليهم) المراد بالمعية أنه يستمتع فيها برؤيتهم وزيارتهم والحضور معهم ، وإن كان كلّ في منزلته. قوله : (فرغ من تأليفه) أي جمعه وتسويده بدليل قوله : (وفرغ من تبييضه). قوله : (سنة سبعين وثمانمائة) أي وذلك بعد وفاة الجلال المحلي بست سنين. قوله : (وفرغ من تبييضه) أي تحريره ونقله من المسودة. قوله : (سادس صفر) أي فكانت مدة تحريره أربعة أشهر إلا أربعة أيام. قوله : (السيوطي) بضم السين نسبة لسيوط قرية بصعيد مصر ، واعلم أنه قد وجد بعد ختم هذه التكملة ، مما هو منقول عن خط السيوطي ما نصه : قال الشيخ شمس الدين محمد بن أبي بكر الخطيب الطوخي ، أخبرني صديقي الشيخ العلامة كمال الدين المحلي الخ ، فليس من تأليف السيوطي ، والله أعلم بالصواب ، وإليه المرجع والمآب ، قال مؤلفه : وكان الفراغ من تسويد هذا الجزء ، يوم الخميس المبارك ، ثالث عشر شعبان ، سنة خمس وعشرين ومائتين وألف من هجرة من له العز والشرف ، عليه أفضل الصلاة والسّلام بمشهد الإمام الحسين رضي الله تعالى عنه وعنا.

٣٥١

يشير إلى اعتراض فيها بلطف ، ومصنف هذه التكملة كلما أورد عليه شيئا يجيبه والشيخ يبتسم ويضحك. قال شيخنا الإمام العلامة جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي مصنف هذه التكملة : الذي أعتقده وأجزم به ، أن الوضع الذي وضعه الشيخ جلال الدين المحليّ رحمه‌الله تعالى في قطعته ، أحسن من وضعي أنا بطبقات كثيرة ، كيف وغالب ما وضعته هنا مقتبس من وضعه ومستفاد منه ، لا مرية عندي في ذلك ، وأما الذي رئي في المنام المكتوب اعلاه ، فلعل الشيخ أشار به إلى المواضع القليلة التي خالفت وضعه فيها لنكتة وهي يسيرة جدا ، ما أظنها تبلغ عشرة مواضع ، منها : أن الشيخ قال في سورة ص : والروح جسم لطيف ، يحيا به الإنسان بنفوذه فيه ، وكنت تبعته أولا ، فذكرت هذا الحد في سورة الحجر ، ثم ضربت عليه لقوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) الآية ، فهي صريحة في أن الروح من علم الله تعالى لا نعلمه ، فالإمساك عن تعريفها أولى ، ولذا قال الشيخ تاج الدين بن السبكي في جميع الجوامع : والروح لم يتكلم عليها محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنمسك عنها. ومنها أن الشيخ قال في سورة الحج : الصابئون فرقة من اليهود ، فذكرت ذلك في سورة البقرة وزدت أو النصارى بيانا لقول ثان ، فإنه المعروف خصوصا عند أصحابنا الفقهاء ، وفي المنهاج : وإن خالفت السامرة اليهود ، والصابئة النصارى في أصل دينهم حرمن ، وفي شروحه : أن الشافعي رضي الله عنه نص على أن الصابئين فرقة من النصارى ، ولا أستحضر الآن موضعا ثالثا ، فكأن الشيخ رحمه‌الله تعالى يشير إلى مثل هذا ، والله أعلم بالصواب ، وإليه المرجع والمآب.

٣٥٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

سورة الكهف

مكيّة

إلا (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ) الآية. وهي مائة وعشر آيات أو وخمس عشرة آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ) هو الوصف بالجميل ثابت (لِلَّهِ) تعالى وهل المراد الإعلام بذلك للإيمان به أو الثناء أو هما؟ احتمالات أفيدها الثالث (الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ) محمد

____________________________________

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله الأول الآخر الباطن الظاهر والصلاة والسّلام على سيدنا محمد الطاهر الفاخر وعلى آله وأصحابه ذوي العلا والمفاخر ـ وبعد ـ فلما انتهى الكلام على تكملة الجلال السيوطي فلنشرع الآن في الكلام على تأليف شيخه الجلال محمد بن أحمد المحلي نفعنا الله بهما وبعلومهما في الدنيا والآخرة ونسأل الله تعالى الإعانة على البدء والختام والموت على كمال الإيمان والإسلام. قال نفعنا الله به :

سورة الكهف مكية

إلا (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ) الآية ، وهي مائة وعشر آيات أو وخمس عشرة آية

سميت بذلك ، لذكر قصة أصحاب الكهف فيها ، من باب تسمية الشيء باسم بعضه ، و (سورة) مبتدأ ، و (مكية) خبر أول ، و (مائة) الخ ، خبر ثان. قوله : (ثابت) قدره إشارة إلى أن الجار والمجرور في (لِلَّهِ) متعلق بمحذوف خبر المبتدأ ، والمراد بالثبوت الدوام والاستمرار أزلا وأبدا ، فحصل الفرق بين حمد القديم والحادث ، فوصف القديم بالكمالات أزلي مستمر ، وكمال الحادث عارض. قوله : (الإعلام بذلك) أي الإخبار بأن وصفه الكمالي أزلي ، فتكون الجملة خبرية لفظا ومعنى ، والمقصود منها ، كونها عقيدة للعباد ، وشرطا في إيمانهم ، والمخبر بالحمد حامد. قوله : (أو الثناء به) أي إنشاء الثناء

٣٥٣

(الْكِتابَ) القرآن (وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ) أي فيه (عِوَجاً) (١) اختلافا وتناقضا ، والجملة حال من الكتاب (قَيِّماً) مستقيما حال ثانية مؤكدة (لِيُنْذِرَ) يخوف بالكتاب الكافرين (بَأْساً) عذابا

____________________________________

بمضمون تلك الجملة ، لا إنشاء المضمون ، فإنه ثابت أزلا يستحيل إنشاؤه ، فتكون على هذا خبرية لفظا إنشائية معنى ، كأنه قال : أجدد وأنشىء جمدا لنفسي بنفسي ، لعجز خلقي عن كنه حمدي. ولذا حكي عن أبي العباس المرسي ، أنه سأل ابن النحاس النحوي عن أل في الحمد لله ، هل هي جنسية أو عهدية؟ فقال : يقولون إنها جنسية ، فقال : لا بل هي عهدية ، لأن الله لما علم عجز خلقه عن كنه حمده ، حمد نفسه بنفسه ، وأبقاه لهم يحمدونه به. قوله : (أو هما) أي الإعلام والثناء ، ويكون هذا من باب استعمال الجملة في الخبر والإنشاء ، على سبيل الجمع بين الحقيقة والمجاز ، فاستعمالها في الخبر حقيقة ، واستعمالها في الإنشاء مجاز ، وحينئذ فيكون المقصود من هذه الجملة أمرين : الإعلام للإيمان والتصديق ، وإنشاء الثناء. قوله : (أفيدها الثالث) أي أكثرها فائدة ، لدلالته على أمرين مقصود كل منهما بالذات. إن قلت : إن إنشاء الثناء يستلزم الإعلام ، والإعلام يستلزم إنشاء الثناء. قلنا : نعم ، لكن فرق بين الحاصل المقصود ، والحاصل الغير المقصود ، فتحصل أنه إذا جعلت الجملة خبرية فقط ، كان الثناء حاصلا غير مقصود ، وإن جعلت إنشائية فقط ، كان الإيمان بها حاصلا غير مقصود ، وإن استعملت فيهما ، كان كل مقصودا لذاته. قوله : (الَّذِي أَنْزَلَ) تعليق الحكم بالمشتق يؤذن بالعلية ، كأنه قال : الحمد لله لأجل إنزاله الخ ، وإنما جعل الإنزال سببا في الحمد ، لأنه أعظم نعمة وجدت دنيا وأخرى ، إذ به تنال سعادة الدارين ، إذ فيه صلاح المعاد والمعاش ، قال تعالى : (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ). قوله : (عَلى عَبْدِهِ) الإضافة لتشريف المضاف ، ولذا قال القاضي عياض :

وممّا زادني شرفا وتيها

وكدت بأخمصي أطأ الثريّا

دخولي تحت قولك يا عبادي

وإن صيرت أحمد لي نبيّا

قوله : (وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ) الجملة إما معطوفة على قوله : (أَنْزَلَ) فتكون من جملة المحمود عليه ، أو حال كما قال المفسر. قوله : (اختلافا) أي في اللفظ ، والمعنى ، والعوج بالكسر الفساد في المعاني ، وبالفتح في الأجسام. قوله : (تناقضا) نعت لاختلافا على حذف مضاف ، أي ذا تناقض. قوله : (قَيِّماً) إن أريد به الاستقامة في المعنى ، كان حالا مؤكدة كما قال المفسر ، وإن أريد به الاستقامة مطلقا ، كان حالا مؤسسة. قوله : (مستقيما) أي معتدلا قائما بمصالح العباد ، دنيا وأخرى ، فهو مصلح لصاحبه دنياه وآخرته ، من حيث إنه يؤنسه في قبره ويتلقى عنه السؤال ، ويكون نورا على الصراط ، ويوضع في الميزان ، ويرقى به درجات الجنة ، وهذا للعامل به ، وقائم على غير العامل به ، بمعنى أنه يكون حجة عليه ، أو المعنى قيما حسن الألفاظ والمعاني ، لكونه في أعلى طبقات الفصاحة والبلاغة. فإن قلت : ما فائدة التأكيد؟ قلنا : دفع توهم أن نفي العوج عن غالبه ، لأن الحكم للغالب.

قوله : (لِيُنْذِرَ) متعلق بأنزل ، وهو ينصب مفعولين ، قدر المفسر الأول بقوله : (الكافرين) والثاني هو قوله : (بَأْساً) ، وقوله : (وَيُنْذِرَ) معطوف على قوله : (لِيُنْذِرَ) الأول ؛ وحذف مفعوله الثاني لدلالة ما هنا عليه ، وذكر مفعوله الأول ، ففي الكلام احتباك ، حيث حذف من كل نظير ما أثبته في الآخر.

٣٥٤

(شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ) من قبل الله (وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً) (٢) (ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً) (٣) هو الجنة (وَيُنْذِرَ) من جملة الكافرين (الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) (٤) (ما لَهُمْ بِهِ) بهذا القول (مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ) من قبلهم القائلين له (كَبُرَتْ) عظمت (كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) كلمة تمييز مفسر للضمير المبهم ، والمخصوص بالذم محذوف ، أي مقالتهم المذكورة (إِنْ) ما (يَقُولُونَ) في ذلك (إِلَّا) مقولا (كَذِباً) (٥) (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ) مهلك (نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ) بعدهم أي بعد توليهم عنك (إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ)

____________________________________

قوله : (الكتاب) هو فاعل (لِيُنْذِرَ) وفي بعض النسخ (بالكتاب) وحينئذ فيكون فاعل الإنذار ، إما ضمير عائد على الله ، أو على محمد.

قوله : (الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ) نعت للمؤمنين ، وقوله : (أَنَّ لَهُمْ) أي بأن لهم ، وإنما ذكر المفعولين معا لعدم النظير لهم ، بخلاف أهل الإنذار ، فأنواعهم مختلفة. قوله : (ماكِثِينَ) أي مقيمين فيه. قوله : (هو الجنة) أي الأجر الحسن. قوله : (من جملة الكافرين) أشار بذلك إلى أن قوله : (وَيُنْذِرَ) معطوف على (لِيُنْذِرَ) الأول ، عطف خاص على عام ، والنكتة التشنيع والتقبيح عليهم ، حيث نسبوا لله الولد ، وهو مستحيل عليه ، قال تعالى : (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً).

قوله : (الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) أي مولودا ذكرا أو أنثى ، فيشمل النصارى واليهود ومشركي العرب. قوله : (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ) أي لاستحالته عليه عقلا. قوله : (بهذا القول) هذا أحد أوجه في مرجع الضمير ، والثاني أنه راجع للولد ، أي أنهم نسبوا له الولد ، مع عدم علمهم به لاستحالته وعدم وجوده ، الثالث أنه راجع لله ، أي ليس لهم علم بالله ، إذ لو علموه لما نسبوا له الولد. قوله : (من قبلهم) بفتح الميم بدل من آبائهم ، أي فالمراد بآبائهم من تقدمهم عموما ، وليس المراد بهم خصوص من لهم عليها ولادة.

قوله : (كَبُرَتْ كَلِمَةً) كبر فعل ماض لإنشاء الذم ، والتاء علامة التأنيث ، والفاعل مستتر تقديره هي ، و (كلمة تمييز) له والمخصوص بالذم محذوف قدره المفسر بقوله : (مقالتهم) وهذه الجملة مستأنفة لإنشاء ذمهم ، ونظيرها قوله تعالى : (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ). قوله : (تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) أي من غير تأمل وتدبر فيها ، بل جرت على ألسنتهم من غير سند. قوله : (في ذلك) أي في هذا المقام ، وهو نسبة الولد لله. قوله : (إِلَّا كَذِباً) صفة لموصوف محذوف ، قدره المفسر بقوله : (مقولا). قوله : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ) الخ ، لعل تأتي للترجي وللإشفاق وكل ليس مقصودا هنا ، بل المراد هنا النهي ، والمعنى لا تبخع نفسك ، أي لا تهلكها من أجل أسفك وغمك على عدم إيمانهم. قوله : (بعدهم) تفسير لآثارهم ، أي فالآثار جمع أثر ، والمراد منه البعدية. قوله : (إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا) شرط حذف جوابه لدلالة ما قبله عليه ، والتقدير فلا تهلك ، والمقصود منه تسلية النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والمعنى لا تحزن على عدم إيمانهم حزنا يؤدي لإهلاك نفسك ، وأما أصل الحزن والغم ، فهو شرط في الإيمان لا ينهى عنه ، لأن الرضا وشرح

٣٥٥

القرآن (أَسَفاً) (٦) غيظا وحزنا منك لحرصك على إيمانهم ، ونصبه على المفعول له (إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ) من الحيوان والنبات والشجر والأنهار وغير ذلك (زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ) لنختبر الناس ناظرين إلى ذلك (أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (٧) فيه أي أزهد له (وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً) فتاتا (جُرُزاً) (٨) يابسا لا ينبت (أَمْ حَسِبْتَ) أي ظننت (أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ) الغار في الجبل (وَالرَّقِيمِ) اللوح المكتوب فيه أسماؤهم وأنسابهم وقد سئل صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن قصتهم (كانُوا) في قصتهم

____________________________________

الصدر بالكفر كفر. قوله : (لحرصك) علة للعلة. قوله : (ونصبه على المفعول) أي والعامل فيه باخع.

قوله : (إِنَّا جَعَلْنا) كالتعليل لما قبله ، فهو من جملة تسليته صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وجعل إن كانت بمعنى صير ، فزينة مفعول ثان ، وإن كانت بمعنى خلق ، فزينة حال أو مفعول لأجله ، وعلى كل فقوله : (ما عَلَى الْأَرْضِ) مفعول. قوله : (وغير ذلك) أي من باقي النعم التي خلقها الله للعباد ، كالذهب والفضة والمعادن. قوله : (زِينَةً لَها) أي يتزين بها ويتنعم ، قال تعالى : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) الآية. قوله : (لنختبر الناس) أي نعاملهم معاملة المختبر. قوله : (ناظرين إلى ذلك) حال من الناس ، أي لنختبر الناس في حال نظرهم إلى الزينة.

قوله : (أَيُّهُمْ) مبتدأ ، و (أَحْسَنُ) خبر و (عَمَلاً) تمييز ، والجملة في محل نصب ، سدت مسد مفعولي نبلو. قوله : (أي أزهد له) تفسير لقوله : (أَحْسَنُ) ، والمعنى نميز بين حسن العمل وسيئه بتلك الزينة ، فمن زهدها كان من أهل الحسن ، ومن رغب فيها كان بضد ذلك فتدبر. قوله : (لَجاعِلُونَ) أي مصيرون ، و (صَعِيداً) مفعول ثان. قوله : (فتاتا) بضم الفاء مصدر كالحطام والرفات أي ترابا. قوله : (جُرُزاً) نعت لصعيدا ، والمعنى إنا لنعيد ما على وجه الأرض من الزينة ، ترابا مستويا بالأرض ، كصعيد أملس لا نبات به. إن قلت : إن قوله : (ما عَلَيْها) صريح في أن الأرض تستمر ، فيكون منافيا لقوله في الآية الأخرى (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ) أجيب : بأنه خص ما على الأرض من الزينة ، لأنه الذي به الغرور والفتنة.

قوله : (أَمْ حَسِبْتَ أَمْ) منقطعة وفيها ثلاثة مذاهب : مذهب الجمهور تفسر ببل والهمزة ، وعند طائفة تفسر بالهمزة وحدها ، وعليه درج عند طائفة أخرى تفسر ببل وحدها. قوله : (أي ظننت) الاستفهام إنكاري ، أي لا تظن أن قصة أهل الكهف عجيبة دون باقي الآيات ، فإن غيرها من الآيات الدالة على قدرة الله ، كالليل والنهار والسماوات والأرض أعجب منها. قوله : (الْكَهْفِ) مفرد ، وجمعه كهوف وأكهف. قوله : (والغار في الجبل) أي وإن لم يكن متسعا وهو قول ، وقيل إن الكهف الغار المتسع ، فإن لم يتسع سمي غارا فقط. قوله : (وَالرَّقِيمِ) هو بمعنى مرقوم. قوله : (اللوح) أي وكان من رصاص ، وقيل من حجارة ، وهو مدفون عند باب الغار تحت البناء الذي عليه ، وقيل : إن الرقيم اسم الوادي الذي فيه أصحاب الكهف ، وقيل اسم للقرية ، وقيل اسم الجبل وقيل اسم كتاب مرقوم عندهم ، فيه الشرع الذي تمسكوا به من دين عيسى ، وقيل دراهمهم التي كانت معهم ، وقيل كلبهم. قوله : (فيه أسماؤهم) أي ففيه فلان بن فلان ، من مدينة كذا ، خرج في وقت كذا ، من سنة كذا. قوله : (في قصتهم)

٣٥٦

(مِنْ) جملة (آياتِنا عَجَباً) (٩) خبر كان وما قبله حال أي كانوا عجبا دون باقي الآيات أو أعجبها ليس الأمر كذلك اذكر (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ) جمع فتى وهو الشاب الكامل خائفين على إيمانهم من قومهم الكفار (فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ) من قبلك (رَحْمَةً وَهَيِّئْ) أصلح (لَنا مِنْ

____________________________________

أي وكانت بعد عيسى عليه‌السلام. قوله : (ليس الأمر كذلك) أي ليست أعجبها ، ولا هي عجب دون غيرها ، بل هي من جملة الآيات العجيبة.

قوله : (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ) أي نزلوه وسكنوه. وحاصل قصتهم كما قال محمد بن إسحاق : لما طغى أهل الإنجيل ، وكثرت فيهم الخطايا ، حتى عبدوا الأصنام وذبحوا لها ، وبقي فيهم من هو على دين عيسى ، مستمسكين بعبادة الله وتوحيده ، وكان بالروم ملك يقال له دقيانوس ، عبد الأصنام ، وذبح للطواغيت ، وكان يحمل الناس على ذلك ، ويقتل من خالفه ، فمر بمدينة أصحاب الكهف ، وهي مدينة من الروم يقال لها أفسوس ، واسمها عند العرب طرسوس ، فاستخفى منه أهل الإيمان ، فصار يرسل أعوانه ، فيفتشون عليهم ويحضرونهم له ، فيأمرهم بعبادة الأصنام ، ويقتل من يخالفه ، فلما عظمت هذه الفتنة ، ورأى الفتية ذلك ، خزنوا حزنا شديدا ، وكانوا من أشراف الروم ، وهم ثمانية ، وكانوا على دين عيسى ، فأخبر الملك بهم وبعبادتهم ، فبعث إليهم ، فأحضروا بين يديه يبكون ، فقال : ما منعكم أن تذبحوا لآلهتنا وتجعلوا أنفسكم كأهل المدينة؟ فاختاروا إما أن تكونوا على ديننا ، وإما أن نقتلكم ، فقال له أكبرهم : إن لنا إلها عظمته ملء السماوات والأرض ، لن ندعو من دونه إلها أبدا ، اصنع ما بدا لك ، وقال أصحابه مثل ذلك. فأمر الملك بنزع لباسهم ، والحلية التي كانت عليهم ، وكانوا مسورين ومطوقين ، وكانوا غلمانا مردا حسانا جدا ، وقال : سأتفرغ لكم وأعاقبكم ، وما يمنعني من فعل ذلك بكم ، إلا أني أراكم شبابا ، فلا أحب أن أهلككم ، وإني قد جعلت لكم أجلا ، تدبرون فيه أمركم ، وترجعون إلى عقولكم ، ثم إنه سافر لغرض من أغراضه ، فخافوا أنه إذا رجع من سفره ، يعاقبهم أو يقتلهم ، فاستشوروا فيما بينهم ، واتفقوا على أن يأخذ كل واحد منهم نفقة من بيت أبيه ، يتصدق ببعضها ويتزود بالباقي ، ففعلوا ذلك ، وانطلقوا إلى جبل قريب من مدينتهم يقال له ينجلوس فيه كهف ، ومروا في طريقهم بكلب فتبعهم ، فطردوه فعاد ، ففعلوا ذلك مرارا ، فقال لهم الكلب : أنا أحب أحباب الله عزوجل ، فناموا وأنا أحرسكم فتبعهم ، فدخلوا الكهف وقعدوا فيه ، ليس لهم عمل إلا الصلاة والصيام والتسبيح والتحميد ، وجعلوا نفقتهم تحت يد واحد منهم اسمه تمليخا ، كان يأتي المدينة يشتري لهم الطعام سرا ، ويتجسس لهم الخبر ، فلبثوا في ذلك الغار ما شاء الله ، ثم رجع الملك دقيانوس من سفره إلى المدينة ، وكان تمليخا يومئذ بالمدينة يشتري لهم طعاما ، فجاء وأخبرهم برجوع الملك وأنه يفتش عليهم ، ففزعوا وشرعوا يذكرون الله عزوجل ، ويتضرعون إليه في دفع شره عنهم ، وذلك عند غروب الشمس ، فقال لهم تمليخا : يا إخوتاه ، كلوا وتوكلوا على ربكم ، فأكلوا وجلسوا يتحدثون ويتواصون ، فبينما هم كذلك ، إذ ألقى الله عليهم النوم في الكهف ، وألقاه أيضا على كلبهم ، وهو باسط ذراعيه على باب الكهف ، ففتش عليهم الملك فدل عليهم ، فتحير فيما يصنع بهم ، فألقى الله في قلبه أن يسد عليهم باب الغار ، وأراد الله عزوجل أن يكرمهم بذلك ويجعلهم آية للناس ، وأن يبين لهم أن الساعة آتية ، وأنه قادر على بعث العباد من بعد الموت ، فأمر الملك بسده وقال : دعوهم في كهفهم يموتون جوعا وعطشا ، ويكون

٣٥٧

____________________________________

كهفهم الذي اختاروه قبرا لهم ، وهو يظن أنهم أيقاظ يعلمون ما يصنع بهم ، وقد توفى الله أرواحهم وفاة نوم ، ثم إن رجلين مؤمنين في بيت الملك دقيانوس يكتمان ايمانهما ، شرعا يكتبان قصة هؤلاء الفتية ، فكتبا وقت فقدهم وعددهم وأنسابهم ودينهم ، وممن فروا في لوحين من رصاص ، وجعلاهما في تابوت من نحاس ، وجعلا التابوت في البنيان وقالا : لعل الله أن يظهر على هؤلاء الفتية قوما مؤمنين قبل يوم القيامة ، فيعرفوا من هذه الكتابة خبرهم ، ثم مات الملك دقيانوس هو وقومه ؛ ومر بعده سنون وقرون ، وتغايرت الملوك ثم ملك تلك المدينة رجل صالح يقال له بيطروس ، واختلف الناس عليه ، فمنهم المؤمن بالساعة ، ومنهم الكافر بها فشق ذلك عليه ، حيث كان يسمعهم يقولون : لا حياة إلا حياة الدنيا ، وإنما تبعث الأرواح دون الأجساد ، فجعل يتضرع ويقول : رب أنت تعلم اختلاف هؤلاء ، فابعث لهم آية تبين لهم أمر الساعة والبعث ، فأراد الله أن يظهره على الفتية أصحاب الكهف ، ويبين للناس شأنهم ، ويجعلهم آية وحجة عليهم ، ليعلموا أن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ، فألقى الله في قلب رجل من أهل تلك الناحية ، أن يهدم ذلك البناء الذي على باب الكهف ، ويبني بحجارته حظيرة لغنمه ، فهدمه وبنى به حظيرة لغنمه ، فلما انفتح باب الكهف ، بعث الله هؤلاء الفتية ، فجلسوا فرحين مسفرة وجوههم طيبة نفوسهم ، وقد حفظ الله عليهم أبدانهم وجمالهم وهيئتهم ، فلم يتغير منها شيء ، فكانت هيئتهم وقت أن استيقظوا ، كهيئتهم وقت أن رقدوا ، ثم أرسلوا تمليخا إلى المدينة ليشتري لهم الطعام ، فذهب فرأى المدينة قد تغير حالها وأهلها وملكها ، وقد أخذه أهل المدينة وذهبوا به إلى ذلك الملك المؤمن ، فأخبره تمليخا بقصته وقصة أصحابه ، فقال بعض الحاضرين : يا قوم لعل هذه آية من آيات الله ، جعلها الله لكم على يد هذا الفتى ، فانطلقوا بنا حتى يرينا أصحابه ، فانطلق أريوس وأسطيوس من عظماء المملكة ، ومعهما جميع أهل المدينة ، كبيرهم وصغيرهم ، نحو أصحاب الكهف لينظروا إليهم ، فأول من دخل عليهم ، هذان العظيمان الكبيران ، فوجدا في أثر البناء تابوتا من نحاس ، ففتحاه فوجدوا فيه لوحين من رصاص مكتوبا فيهما قصتهم ، فلما قرأوهما عجبوا وحمدوا الله الذي أراهم آية تدلهم على البعث ، ثم أرسلوا قاصدا إلى ملكهم الصالح بيدروس ، أن عجل بالحضور إلينا ، لعلك ترى هذه الآية العجيبة ، فإن فتية بعثهم الله وأحياهم ، وكان قد توفاهم ثلاثمائة سنة وأكثر ، فلما جاءه الخبر ، ذهب همه وقال : أحمدك رب السماوات والأرض ، تفضلت عليّ ورحمتني ، ولم تطفىء النور الذي جعلته لآبائي ، فركب وتوجه نحو الكهف ، فدخل عليهم وفرح بهم واعتنقهم ووقف بين أيديهم ، وهم جلوس على الأرض ، يسبحون الله ويحمدونه ، فقالوا له : نستودعك الله ، والسّلام عليك ورحمة الله ، حفظك الله وحفظ ملكك ، ونعيذك بالله من شر الإنس والجن ، فبينما الملك قائم ، إذ رجعوا إلى مضاجعهم فناموا ، وتوفى الله أنفسهم ، فقام الملك إليهم ، وجعل ثيابهم عليهم ، وأمر أن يجعل كل رجل منهم في تابوت من ذهب ، فلما مشى ونام ، أتوه في منامه فقالوا له : إنا لم نخلق من ذهب ولا فضة ، ولكنا خلقنا من التراب وإلى التراب نصير ، فاتركنا كما كنا في الكهف على التراب ، حتى يبعثنا الله منه ، فأمر الملك عند ذلك بتابوت من ساج فجعلوا فيه ، وأمر أن يبنى على باب الكهف مسجد فيه ، ويسد به باب الغار فلا يراهم أحد ، وجعل لهم عيدا عظيما ، وأمر أن يؤتى كل سنة اه ملخصا من الخازن. قوله : (جمع فتى) أي كصبي وصبية. قوله :

٣٥٨

أَمْرِنا رَشَداً) (١٠) هداية (فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ) أي أنمناهم (فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً) (١١) معدودة (ثُمَّ بَعَثْناهُمْ) أيقظناهم (لِنَعْلَمَ) علم مشاهدة (أَيُّ الْحِزْبَيْنِ) الفريقين المختلفين في مدة لبثهم (أَحْصى) فعل بمعنى أضبط (لِما لَبِثُوا) للبثهم متعلق بما بعده (أَمَداً) (١٢) غاية (نَحْنُ نَقُصُ) نقرأ (عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِ) بالصدق (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً) (١٣) (وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ) قويناها على قول الحق (إِذْ قامُوا) بين يدي ملكهم وقد أمرهم بالسجود للأصنام (فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ) أي غيره (إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً) (١٤) أي قولا ذا شطط أي إفراط في الكفر إن دعونا إلها غير الله فرضا (هؤُلاءِ) مبتدأ (قَوْمُنَا) عطف بيان (اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْ لا) هلا (يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ) على عبادتهم (بِسُلْطانٍ

____________________________________

(أصلح) أي أو يسر. قوله : (هداية) أي تثبيتا على الإيمان ، وتوفيقا للأعمال الصالحة.

قوله : (فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ) مفعوله محذوف تقديره حجابا مانعا لهم من السماع ، وهذا هو المعنى الحقيقي ، وليس مرادا بل المراد أنمناهم ، ففي الكلام تجوز ، حيث شبه إلقاء النوم بضرب الحجاب ، واستعير اسم المشبه به للمشبه ، واشتق من الضرب ضربنا بمعنى أنمنا ، استعارة تصريحية تبعية. قوله : (معدودة) أشار بذلك إلى أن عددا مصدر بمعنى معدود نعت لسنين ، وسيأتي عدها في الآية. قوله : (علم مشاهدة) جواب عما يقال : كيف قال تعالى (لِنَعْلَمَ) مع أنه تعالى عالم بكل شيء أزلا ، فأجاب بقوله : (علم مشاهدة) والمعنى ليظهر ويشاهد ويحصل لهم ما تعلق به علمنا أزلا من ضبط مدتهم. قوله : (الفريقين المختلفين) قيل المراد بالفريقين أصحاب الكهف ، لافتراقهم فرقتين : فرقة تقول يوم ، وفرقة تقول بعض يوم ، وقيل هم أهل المدينة ، افترقوا فرقتين في قدر مدتهم بالتخمين والظن. قوله : (فعل) أي ماض وليس اسم تفضيل ، لأنه لا يبنى من غير الثلاثي. قوله : (للبثهم) أشار بذلك إلى أن ما مصدرية مراعى فيها اعتبار المدة ، وقوله : (متعلق بما بعده) أي حال منه ، و (أَمَداً) مفعول (أَحْصى).

قوله : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ) أي نفصل لك يا محمد خبرهم. قوله : (بِالْحَقِ) الباء للملابسة ، والجار والمجرور حال من نبأ. قوله : (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ) أي شباب كانوا من عظماء أهل تلك المدينة ، وأحدهم كان وزيرا للملك. قوله : (آمَنُوا بِرَبِّهِمْ) أي صدقوا به وانقادوا لأحكامه. قوله : (قويناها على قول الحق) أي حيث خالفوا الملك ، ولم يحصل لهم منه رعب ولا خوف. قوله : (إِذْ قامُوا) ظرف لربطنا ، أي ربطنا على قلوبهم وقت قيامهم. قوله : (بين يدي ملكهم) أي واسمه دقيانوس. قوله : (فَقالُوا) أي خطابا للملك ثلاث جمل ، وآخرها قوله : (شَطَطاً). قوله : (لَنْ نَدْعُوَا) أي نعبد. قوله : (أي قولا ذا شطط) أشار بذلك إلى أن شططا منصوب على المصدرية ، صفة لمحذوف على حذف مضاف ، أي إفراط في الكفر ، أي مجاوزة الحد فيه.

قوله : (هؤُلاءِ قَوْمُنَا) هذه جمل ثلاث ، قالوها فيما بينهم بعد خروجهم من عند الملك ، وآخرها قوله : (كَذِباً). قوله : (عطف بيان) أي أو بدل. قوله : (اتَّخَذُوا) خبر المبتدأ. قوله : (هلا) أشار بذلك إلى أن لو لا للتحضيض ، والمقصود من ذكر هذا الكلام فيما بينهم ، تذاكر التوحيد وتقوية أنفسهم

٣٥٩

بَيِّنٍ) بحجة ظاهرة (فَمَنْ أَظْلَمُ) أي لا أحد أظلم (مِمَّنِ افترى عَلَى اللهِ كَذِباً) (١٥) بنسبة الشريك إليه تعالى. قال بعض الفتية لبعض (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً) (١٦) بكسر الميم وفتح الفاء وبالعكس ما ترتفقون به من غداء وعشاء (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ) بالتشديد والتخفيف تميل (عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ) ناحيته (وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ) تتركهم وتتجاوز عنهم فلا تصيبهم البتة (وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ) متسع من الكهف ينالهم برد الريح ونسيمها (ذلِكَ) المذكور (مِنْ آياتِ اللهِ) دلائل قدرته (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً) (١٧) (وَتَحْسَبُهُمْ) لو رأيتهم (أَيْقاظاً) أي منتبهين لأن أعينهم منفتحة جمع يقظ بكسر القاف (وَهُمْ رُقُودٌ) نيام جمع راقد (وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ) لئلا تأكل الأرض لحومهم (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ) يديه (بِالْوَصِيدِ) بفناء الكهف ، وكانوا إذا انقلبوا

____________________________________

عليه. قوله : (على عبادتهم) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف. قوله : (أي لا أحد) أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري بمعنى النفي. قوله : (قال بعض الفتية لبعض) قدره إشارة إلى أن (إِذِ) ظرف منصوب بمحذوف ، أي قال بعضهم لبعض وقت اعتزالهم. قوله : (وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ ما) موصولة أو مصدرية ، والمعنى وإذ اعتزلتموهم والذي يعبدونه غير الله ، أو معبوداتهم غير الله. قوله : (يَنْشُرْ لَكُمْ) أي يبسط ويوسع. قوله : (وبالعكس) أي فهما قراءتان سبعيتان ، وأما الجارحة فبكسر الميم فقط. قوله : (من غداء وعشاء) أي وغير ذلك.

قوله : (وَتَرَى الشَّمْسَ) الخطاب للنبي أو لكل أحد ، والمعنى لو كنت هناك عندهم واطلعت على كهفهم ، لرأيت الشمس إذا طلعت الخ. قوله : (بالتشديد) أي فأصله تتزاور ، قلبت التاء زايا وأدغمت في الزاي. قوله : (والتخفيف) أي بحذف إحدى التاءين ، وهما قراءتان سبعيتان. قوله : (ناحيته) أشار بذلك إلى أن ذات اليمين وذات الشمال ظرف مكان ، بمعنى جهة اليمين وجهة الشمال ، والمراد يمين الداخل للكهف وشماله ، وذلك أن كهفهم مستقبل بنات نعش ، فتميل عنهم الشمس طالعة وغاربة لئلا تؤذيهم بحرها ، ولا ينافي هذا ما تقدم في القصة أنه سد باب الكهف وبنى عليه مسجد ، لأن الكهف له محل منفتح من أعلاه جهة بنات نعش. قوله : (وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ) أي وسطه والجملة حالية. قوله : (المذكور) أي من نومهم وحمايتهم من إصابة الشمس لهم.

قوله : (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ) جملة معترضة في أثناء القصة لتسليته صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قوله : (فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا) أي معينا. قوله : (مُرْشِداً) أي هاديا. قوله : (وَتَحْسَبُهُمْ) خطاب للنبي أو لكل أحد. قوله : (بكسر القاف) أي كفخذ وأفخاذ ، ويضم أيضا كعضد وأعضاد. قوله : (وَنُقَلِّبُهُمْ) الخ قيل يقلبون في كل سنة مرة وفي يوم عاشوراء ، وقيل يقلبون مرتين ، وقيل تسع سنين ، والمقلب لهم قيل الله ، وقيل ملك يأمره الله تعالى ، قوله : (وَكَلْبُهُمْ) وكان أصفر اللون ، وقيل أسمر ، وقيل كلون السماء ، اسمه قطمير ،

٣٦٠