علم الأصول تاريخاً وتطوراً

والترجيح ، والاجتهاد والتقليد ، ومسألة التقيّة ، وطبعت تقريرات درس الامام باسم «تهذيب الأصول» ، وهي دورة كاملة بقلم العلّامة الأستاذ الشيخ جعفر السبحاني ، وهو اليوم من مدرّسي الحوزة العلمية بقم المقدسة.

أجود التقريرات :

للسيد أبو القاسم الخوئي النجفي وهو آخر تقريرات بحث استاذه المحقق النّائينيّ.

عكف عليه طلّاب العلم بالاستفادة في دروس البحث الخارج ، إلّا إنّ القسم الأول منه وقع مورد العناية للمعاهد العلميه ، وعلى عكس ذلك تقريرات المرحوم الكاظميني «فوائد الأصول» فانّه أقبل عليه روّاد العلم في القسم الثاني ، وهي مباحث القطع والأصول العملية.

وطبع تقريرا لدروس السيد الخوئي «مصباح الأصول» وهي تشمل أمّهات مسائل علم الأصول.

نهاية الأصول :

للشيخ حسينعلي المنتظري النجف آبادي ، تقريرا لأبحاث أستاذه الفقيد الراحل السيد البروجردي (قدس‌سره).

وسماحة آية الله العظمى المنتظري أشهر من عاضد الامام الخميني في نضاله وكفاحه ضدّ الشاه العميل ، وشارك معه في تأسيس الجمهورية الاسلامية في ايران ، ووقف معه جنبا الى جنب في محاربة الاستكبار العالمي ، والغزاة الصهاينة ، وقد انعكست فيه الصفات العالية التي يتحلّى بها الامام القائد الخميني ، ونأمل من الباري جلّ ذكره بأن يحفظهما للاسلام ويعزّبهم المسلمين آمين.

أصول الاستنباط :

للسيد علي نقي بن أحمد الحيدري الكاظمي ، لخّص فيه مباحث الألفاظ والأدلة العقلية ، واتخذ في البحث والكتابة الأسلوب الحديث ، وذكر في مقدمة الكتاب موجزا لتاريخ علم الأصول.

أصول الفقه :

للشيخ محمد رضا المظفر النجفي ، يحتوي الكتاب على دورة كاملة لعلم الأصول من مباحث الألفاظ والأدلة العقلية على الأسلوب الحديث والمنهج الدراسي ، ولذلك أصبح من الكتب الدراسية ، ويقرأه قسم من الطلّاب في المعاهد العلمية بدل القوانين.

دروس في علم الأصول :

وهو كتاب يقع في ثلاث حلقات ، وضعه الشهيد المفكر الاسلامي الكبير آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر «قدس‌سره».

وتشتمل كلّ حلقة من هذه الحلقات على دورة كاملة من علم الأصول ، حيث انّ الحلقة الأولى يدرسها المبتدءون ، وامّا الحلقة الثانية فهي للدراسة المتوسطة ، وتقع الحلقة الثالثة في مجلدين ، وقد هيئت لدراسة السطوح العالية. وقد كتبت بأسلوب مدرسي حديث ، وكانت مورد عناية الدّارسين والمدرّسين.

المبحث الثالث أهم المعاهد العلمية في هذه المدرسة :

مدرسة كربلاء :

ازدهرت مدرسة كربلاء في عصر الوحيد البهبهاني بالفقهاء والنوابغ ، فكانت هذه المدرسة بفضل مواقف المؤسس الأكبر الوحيد البهبهاني واحيائه للفكر العلمي وبثّ الحركة فيها ، من المدارس الكبيرة في تاريخ العلوم الاسلامية والشيعية ، فأصبحت إحدى المدن العلمية الشيعية الشهيرة ، تضاهي في ذلك العصر مدرسة النجف الأشرف في تقدّمها العلمي ، وسيرها الدراسي ، فكان رائد الحركة فيها رجل كالوحيد البهبهاني ، والشيخ يوسف البحراني ، وصاحب الرياض ، وصاحب الضوابط ، والسيد المجاهد ، وشريف العلماء ، والشيخ محمد حسين الاصفهاني ، وأمثال هؤلاء الأساطين الذين ازدهر بهم الدهر.

انتجت هذه المدرسة للتراث الامامي الشيء الكثير كموسوعة «الحدائق الناظرة» وكتاب رياض المسائل وعشرات الكتب الأخرى.

كما انّه تخرّج من هذه المدرسة المفكّرين والقادة في العلوم الاسلامية ، وانّ مثل الشيخ المرتضى الأنصاري قد تخرّج من مدرسة شريف العلماء في هذه البلدة الطيبة.

مدرسة اصفهان :

المدرسة العلمية في اصفهان عظمت منزلتها في عهد الدولة الصفوية ، ففي هذا العصر أصبحت مدرسة اصفهان مركزا ثقافيا وعلميا ، لم يسبق له نظير في تاريخها.

فصارت مدرسة اصفهان معهدا عظيما ، وكان لها الدور الخاص في بسط المذهب الامامي في القطر الايراني ، وكانت ملجأ لجميع العلماء في الأقطار الأخرى ، فكما كانت عاصمة للدولة أيضا كانت العاصمة للفكر الامامي.

كما نرى في هذا العصر قد توجّه اليها علماء جبل عامل كالشيخ البهائي ، والمحقق

الكركي ، والميسي ، حتى كان علماء جبل عامل يتزعمون هذه المدرسة في بعض العصور.

فمدرسة اصفهان كان يقطنها أكبر علماء الشيعة كالمجلسي الأول ، وابنه العلامة المجلسي ، وملا عبد الله التستري ، والسيد الشفتي ، كما انّه تمتاز هذه المدرسة بوجود الحركة الفلسفية فيها على يد المحقق ميرداماد أستاذ ملّا صدرا.

فاسهمت مدرسة اصفهان بالحظ العظيم في التفكّر وتطوير العلوم الاسلامية ، وانتجت من الموسوعات والكتب العلمية الشيء الكثير ك «بحار الأنوار» من الأخبار الواردة عن النبي والأئمة «ع» ، وهذه الموسوعة الامامية تعدّ من أعظم الكتب المدوّنة والحاوية لشتّى الجوانب الاسلامية.

الخاتمة

فوائد عامة

أصول الفقه :

ألّف أصحابنا الامامية في علم أصول الفقه كتبا ورسائل لا تحصى عددا ، ولا سيّما من أوائل عصر الأستاذ الأكبر الوحيد البهبهاني حتى اليوم ، ولجملة منها عنوان خاص واسم تختصّ به.

وجملة منها كتبت بصورة حاشية أو شرح لأحد الكتب الأصولية ، مثل الحواشي والشروح التي كتبت على تهذيب الأصول للعلامة الحلّي ، ورسائل الشيخ الأنصاري ، وكتاب الفصول وكتاب قوانين الأصول ، والكفاية للآخوند والمعالم والوافية ....

وجملة منها كتبت تقريرا لأبحاث الأساتذة التي يلقونها في معاهدهم العلمية لتلامذتهم ، فهذه الأبحاث يكتبها التلاميذ بتصرّف منهم في أسلوب الترتيب والتقرير ، وذكر العلامة الطهراني من الكتب الأصولية المدونة في علم الأصول لأصحابنا التي ليس لها عنوان واسم خاص (٥٥) كتابا (١).

أضف الى ذلك انّ كثيرا من العلماء كابن زهرة من المتقدّمين وكاشف الغطاء من المتأخّرين وغيرهم كتبوا مسائل الأصول المهمة في مقدمة كتبهم الفقهية ولم يفردوا

__________________

(١) الذريعة ٢ : ٢٠١ ـ ٢١١.

ذلك ببحوث مستقلة.

الحاشية :

وهي ما يكتب في أطراف الكتب من الزيادات والإلحاقات والشروح ، والحاشية : من الحشو ، بمعنى الزائد ، أو من الحاشية ، بمعنى الطرف ، من باب تسمية الحال باسم المحل.

ويرجع تاريخ كتابة الحواشي والتعليق على الكتب في الثقافة الاسلامية الى عهد انتشار الكتب نفسها.

فانّ من قرأ شيئا من العلوم وكان عارفا بالكتابة لم يفته هذا النوع من التأليف ، لأن ابداء الرأي أمر طبيعي لكلّ فرد يمكنه ذلك.

لقد كانت كتابة الحواشي والتعليقات قبل القرن العاشر تنحصر لكشف بعض الغوامض والمشكلات من المسائل العلمية والأدبية ، وشرح بعض العبارات المعقّدة ، وتمتاز عن الحواشي بعد هذا التاريخ بكونها أوضح من المتون التي علّقت عليها للتوضيح.

وامّا في العهد الصفوي والقاجاري فنرى الحواشي والتعليقات على الكتب قد ازدادت عددا ، وزادت عباراتها اغلاقا وتعقيدا ، وكلّما نتقدّم في هذا العصر نرى هذا الأثر يشتدّ ويتّضح أكثر من قبل.

ثمّ انّه قد تدوّن الحاشية وتكتب مستقلة خارج الكتاب المحشّى عليه ، وقد تبقى على حالها في الهامش ، وليس كلّ ما لم يدوّن غير مفيد ولا قابل للذكر في عداد التصانيف ، كما انّه ليس كلّ ما دوّن فهو مفيد (١).

__________________

(١) الذريعة ٦ : ٧ ـ ٨.

التقريرات :

التقريرات عنوان عام لبعض الكتب المؤلفة من أواخر القرن الثاني عشر وبعده حتى اليوم ، وهذه العملية تشبه «الأمالي» في كتب الحديث عند المتقدمين ، وانّ الفارق بينهما انّ الأمالي كانت تكتب في مجلس الإملاء للشيخ عن كتابه أو عن ظهر قلبه ، وكان السامع يصدر الكتاب بعد ما يتمّه باسم شيخه.

بخلاف «التقريرات» فانّها مباحث علمية يلقيها الأستاذ على تلامذته عن ظهر القلب ويعيها التلاميذ في حفظهم ، أو يكتبون مهام الدرس بصورة اشارة ، ثمّ ينقلونها وينقحونها ويرتبونها الى الكتابة في مجلس آخر وتعدّ من تصانيفهم.

وكتب التقريرات كثرت في عصر الوحيد البهبهاني ، والسيد بحر العلوم ، وكاشف الغطاء ، وشريف العلماء ، وصاحب الضوابط ، وصاحب الفصول والقوانين وصاحب الجواهر.

وأخذت تعلو في تنسيقه في عصر العلامة الأنصاري ، ومن بعده في النجف وسامراء في عصر المجدد الشيرازي ، وقم في عصرنا الحاضر التي هي أكبر معاهد الشيعة الامامية ، وغيرها من المعاهد الشيعية.

كلمة الختام

هذا آخر ما أردنا استعراضه من دراسة تطوّر علم الأصول في المدارس الأصولية ضمن الحدود التي وضعناها لهذه الحلقة.

وبذلك تكتمل في ذهن الدارس لتطور علم الأصول ، صورة عنها ، ونودّ من المولى سبحانه أن يوفقنا لكتابة الحلقة الثانية وهي الغاية النهائية لاستعراضنا للحلقة الأولى ، وهي دراسة تطوّر المباني لعلم الأصول ، وكان الغرض من دراسة الحلقة الأولى أن يتمهّد لنا الطريق للحلقة الثانية.

والحمد لله أولا وآخرا ، وظاهرا وباطنا ، ونسأل المولى التوفيق لما يحبّ ويرضى ، انّه وليّ الإحسان وهو على كلّ شيء قدير.

اسماء المصادر