علم الأصول تاريخاً وتطوراً

علي الفاضل القائيني النجفي

علم الأصول تاريخاً وتطوراً

المؤلف:

علي الفاضل القائيني النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢١٢

الأوساط العلمية.

بقي الشيخ الأنصاري في كاشان أربعة أعوام مستفيدا من هذا العالم الجليل حتى استكمل حصيلة من علومه الغزيرة ، بعد أن كان الشيخ الأنصاري حاضرا ومشتركا في درس السيد المجاهد وشريف العلماء وكاشف الغطاء ، وهذا يدلّ على أنّ العلامة النراقي كان في غاية المكانة العلمية حيث يهتمّ به الأنصاري غاية الاهتمام وحضر عنده مدة أربعة أعوام.

ثمّ عزم على مغادرة كاشان بعد بلوغه أرقى مراتب الاجتهاد. فاستجاز أستاذه للسفر والرحيل ، فشقّ ذلك على العلامة النراقي لأنسه به ، فأجاز لذلك.

واستجاز الأنصاري أستاذه النراقي في رواية الحديث ، فأجازه النراقي باجازة مرموقة تدلّ على بعد اهتمامه وإكباره بمكانة الشيخ الأنصاري عنده ، وكان ذلك سنة (١٢٤٤).

ثمّ غادر الشيخ مدينة كاشان بعد أن أتحفه النراقي بالاجازة الروائية ، ثمّ زار مشهد الامام علي بن موسى الرضا «ع» وعاد الى مسقط رأسه ، وكان ذلك بعد أن تجوّل خمسة أعوام.

فاجتمع عنده هناك جماعة من أهل الفضل للاستفادة منه ، وكان الشيخ الأنصاري يلقي عليهم الدرس ، وذلك بالاضافة الى اشتغاله بالتأليف والتصنيف.

توطّنه في النجف الأشرف :

ثمّ عزم على مغادرة وطنه متوجّها الى العراق ـ وذلك عام (١٢٤٩) ـ لمجاورة مرقد الإمام أمير المؤمنين «ع» في النجف الأشرف والاستفادة من مشايخها العظام.

دخل النجف الأشرف عام (١٢٤٩) وكان يومذاك يتزعّم الحوزة العلمية الشيخ علي كاشف الغطاء ، والشيخ محمد حسن صاحب الجواهر النجفي.

وحضر بحث الشيخ علي كاشف الغطاء واختص به لتبحره في الفقه ومبانيه ، وكانت مدة اشتغاله لديه خمسة أعوام من سنة (١٢٤٩) الى (١٢٥٤) حيث توفي في تلك السنة الشيخ علي كاشف الغطاء. وعند ذلك أصبح الشيخ غنيا عن

١٨١

حضور الدرس.

زعامته العلمية والدينية :

استقلّ الشيخ الأنصاري بالتدريس بعد وفاة أستاذه الشيخ علي كاشف الغطاء ، لكن الزعامة العلمية والتدريس كانت لصاحب الجواهر ، وبعد وفاته أصبح الشيخ الأنصاري هو المدرّس الوحيد في جامعة النجف والحوزة العلمية ، فأكبّ على معهده الطلاب.

ولمّا قربت وفاة صاحب الجواهر اجتمع عدة من العلماء في بيته لترشيح شخصيّة تكون لها الزعامة والمرجعية بعد صاحب الجواهر.

هنا نظر صاحب الجواهر مع شدة مرضه وحاله الى تلك اللجنة وقال : أين بقية العلماء؟ فقالوا له : ليس غير هؤلاء من رجال الحلّ والعقد. وهنا صرّح صاحب الجواهر عن الشخص الذي يرى فيه الأهلية لقيادة الأمة ، فقال : أين ملا مرتضى؟.

وقد كان هذا الاسم حتى ذلك الحين غريبا بالنسبة لبعض الحاضرين ، فذهب جماعة فوجدوه في الحرم الشريف عند مرقد الامام أمير المؤمنين «ع» ، يدعو لشفاء صاحب الجواهر ، فأخبروه عن طلب صاحب الجواهر إيّاه ، فجاء وسلّم ، وردّ عليه المرحوم صاحب الجواهر السلام ، وفرح عند رؤيته للشيخ الأنصاري.

ثمّ قربه اليه وأجلسه عنده ، وقال : الآن طاب لي الموت ، ثمّ خاطب الحاضرين وقال : هذا مرجعكم من بعدي ، وخاطب الشيخ الأنصاري وقال له : قلل من احتياطاتك يا شيخ ، فانّ الشريعة سمحة سهلة.

فلمّا انتقل صاحب الجواهر الى جوار ربّه ، أصبح الشيخ الأنصاري زعيما للطائفة بتعيين صاحب الجواهر له.

فألقت الزعامة مقاليدها اليه فصار الزعيم الديني للطائفة وكذلك الزعيم العلمي في التدريس في الحوزة العلمية ، فقلّدته الطائفة في كلّ مكان وبلد ، وأرسلوا اليه الحقوق الشرعية ، فكان يصرف قسم منها لادارة الحوزة ومعيشة الطلبة ، والقسم الآخر في سبل الخير والمشاريع اللازمة.

١٨٢

مناظراته وأبحاثه العلمية مع العلماء :

في هذا الفصل نذكر نبذا من أبحاثه مع العلماء والأساتذة وهذه الأبحاث تدلّنا على مدى تضلّع هذا المحقق ونبوغه منذ نشأته الأولى. حينما تشرّف الشيخ الأنصاري مع والده لأول مرة بزيارة كربلاء زارا مرجع الوقت فيها وهو السيد محمد المجاهد بن صاحب الرياض ، بعد أن رحّب بهما دار بحث في مسألة صلاة الجمعة ووجوبها وحرمتها في عصر غيبة الامام المنتظر «ع» ، ذكر السيد وجوها تدلّ على حرمة اقامة صلاة الجمعة ، وكان الشيخ الأنصاري ساكتا يصغى لكلام السيد وبعد ما ذكر تلك الأدلة التي تدلّ على حرمة صلاة الجمعة في عصر الغيبة ، أخذ الشيخ يذكر ويبيّن من الأدلة النقلية التي تدلّ على وجوب اقامة صلاة الجمعة في عصر الغيبة بحيث مال السيد الى الوجوب بعد ما كان يتبنّى الحرمة ، ثمّ أخذ الشيخ الأنصاري يفنّد ويبطل الأدلة التي ذكرها هو أولا لا ثبات وجوب صلاة الجمعة ، فتعجّب السيد من تسلّط الشيخ وقوة باعه في الاستدلال والمناظرة ، سأل من هذا الشاب؟ أجاب والد الشيخ الأنصاري : انّه ولدي ، فرحّب به السيد.

ومن المسائل الجديرة بالذكر تلك التي وقعت للشيخ في اصفهان حيث كان يحضر بحث السيد الشفتي الزعيم الديني فيها ، وفي أحد الأيّام دار البحث حول مسألة فقهية غامضة ، وقد أثار السيد شبهة على مباني تلك المسألة ، ثمّ طلب الجواب من الحاضرين ، وقد كان في ذلك الوقت يجلس الى جنب الشيخ الأنصاري أحد الطلبة ، فشرح الشيخ الأنصاري حلّ تلك الإشكالات لذلك الطالب ، وانصرف من المجلس ، فذهب الطالب الى السيد الشفتي ليجيبه عن المسألة ، فتعجّب السيد من جوابه ، غير انّه أدرك انّ هذا الطالب غير قادر على مثل هذا الجواب ، فسأله عن مصدر هذا الجواب؟ فلمّا عرف حقيقة الأمر أخذ يبحث عن الشيخ الأنصاري ، وقد قرر زيارته في بيته ، إلّا انّ الشيخ أبى إلّا أن يبدأ هو بزيارة السيد الشفتي باعتباره زعيم الأمة في ذلك الوقت ، فقصد كلّ منهما الآخر ، غير انّهما تلاقيا في الطريق ، فأخذ السيد الشفتي الشيخ الى بيته

١٨٣

مكرما معززا فمكث عنده شهرا.

ومنها انّه لما ذهب الى كاشان وحضر درس العلّامة النراقي وفي هذا الأثناء دار البحث حول مسألة فقهية يكتنفها بعض الغموض ممّا أدّى الى حصول مناقشة بين الشيخ الأنصاري والعلّامة النراقي استمرّت ساعات ، كان العلّامة النراقي خلالها يغدق على الشيخ أدلته ، والشيخ يتصدّى لمناقشتها ، ومنذ ذلك الوقت وجد الشيخ في العلامة النراقي بغيته التي ينشدها في ترحاله في كاشان وواظب على حضور درسه.

نبذ من أحواله وأخلاقه الكريمة :

كان شيخنا الأنصاري جامعا لأمور قلّما يتّفق وجودها في شخص واحد ، فكان مدرسا ومربيا للفضلاء الذين كانوا يحضرون معهده الدراسي ، فبرز من معهده جماعة كبيرة من المجتهدين والفضلاء المبرزين ، ونشروا آراءه وأفكاره العلمية في أصقاع البلدان الاسلامية.

والى جنب ذلك كان مرجعا دينيا متكفلا لادارة الطلاب والقيام بالأمور التي تتعلّق بالأموال التي كانت ترسل اليه وصرفها في مواردها اللازمة.

وكان يجيب عن الاستفتاءات التي تصل اليه من جميع البلدان الاسلامية.

ومن أخلاقه وسلوكه انّه كان زاهدا في العيش فلم تشغله الزعامة والرئاسة ، فكان يعيش في بساطة من العيش.

أعطاه رجل من المخلصين له مبلغا لشراء دار يسكنها ، وسافر الى مكة المكرمة ، أخذ الشيخ تلك الأموال وبنا بها مسجدا ، وهو لا يزال عامرا باقامة الجماعة والصلوات ، ويعدّ أحد المراكز العلمية الحافلة بالبحث والدرس في النجف الأشرف ، ويقع في محلة الحويش.

ولمّا رجع الباذل من سفره الى بيت الله الحرام سأل الشيخ عن الدار؟ فقال الشيخ : نعم اشتريت ، فجاء به الى ذلك المسجد.

توفي المحقق الأنصاري عام (١٢٨١) ودفن في الصحن الشريف في النجف الأشرف.

١٨٤

آثاره العلمية :

لا تزال المعاهد العلمية كالنجف الأشرف وقم وغيرها تتغذّى من تراثه العلمي في الفقه والأصول.

انّ البحوث العلمية التي تضمنتها كتب الفقه والأصول جاءت أفكارها مفككة مبعثرة ، مع انّ الذين كتبوها كانوا على قدر كبير من العلم والفضل ، ومع انّ تلك الأفكار كانت أفكارا ثمينة ونافعة ونادرة ، ومرجع ذلك الى انّ أساليب الكتابة لم تبلغ بعد المستوى المطلوب من النضج ، كما انّه لم يكن هناك منهج واضح في البحث والاستدلال.

ثمّ جاء شيخنا الأعظم الأنصاري ، في مثل هذه الظروف فقدّر له أن يكرّس جهوده الجبّارة في نظم هذه الدفائن الثمينة ويرتّبها أحسن ترتيب ، ويهذّبها أحسن تهذيب ، ويفرّق بين غثّها وسمينها ، ومن ثمّ أصبح علم الأصول في عصر هذا المحقق كأنّه الشيء المتولد من جديد ، اذ أتى بفكره الصائب وعمق نظره الراسخ بما يبهر به العقول ويعجز عنه الفحول من أساطين علماء الفقه والأصول.

ولأجل ذلك يطلق على الشيخ الأنصاري كلمة «المؤسس» ، وقد أصبح فهم مراده والوصول اليه دليلا لتبحّر المحققين.

وامّا آثاره العلمية الخالدة منها :

«كتابا الرسائل والمكاسب» ففي هذين الكتابين يجد المحقق تأسيس قواعد جديدة ، وعناوين فقهية وأصولية في قوالب ألفاظ عذبة مناسبة لمعانيها الراقية ، التي ولدت من فكره الوقّاد ولم تكن لها سابقة في عالم الوجود. فهذين الكتابين وحيدين في موضوعهما منذ خرجا من قلمه الشريف وهو عام (١٢٧٥) الى عصرنا هذا ، وعكف عليهما العلماء والفضلاء ، وازدهرت بهما الحوزات العلمية والمعاهد الدينية بحثا وتدريسا.

وامتاز شيخنا الأنصاري بهذين الأثرين بكون آرائه ونظرياته في علمي الفقه

١٨٥

والأصول هو المتّبع ، وكلماته هي المحور في الحلقات الدراسية ، وصار عليهما مدار الاجتهاد ومناط الاستنباط ، وأصبحا من الكتب الدراسية الرسمية يتناولهما الطلّاب جيلا بعد جيل بكلّ اعزاز واكرام ، ويعتنون بهما عناية خاصة ، وترى الطلّاب لا يدرسونهما عند كل أحد ، بل لدى أساتذة مختصّين بهما ، عارفين برموزهما ، عالمين بما حواه الكتابان ، كيف ولا يكون كذلك حيث انّ الكتابين يقربان الطالب للوصول الى مراتب الاجتهاد وانهما مفتاح بابه والمدخل الرئيسي الوحيد له.

قال العلّامة النوري في وصف كتب الشيخ الأنصاري :

قد عكف على كتبه ومؤلفاته وتحقيقاته كلّ من نشأ بعده من العلماء الأعلام والفقهاء الكرام الذين صرفوا همّهم وبذلوا مجهودهم ، وحبسوا أفكارهم فيها وعليها ، وهم بعد ذلك معترفون بالعجز عن بلوغ مرامه فضلا عن الوصول الى مقامه ... (١).

تلامذة الشيخ والمتخرجين من مدرسته :

نذكر في هذا الفصل نفر يسير من تلامذة الشيخ المبرزين ، ولسنا بصدد الاستيفاء.

١ ـ السيد المجدد مرزا حسن الشيرازي :

الذي أصبح بعد وفاة الشيخ زعيم الطائفة ومرجعها الأعلى ، فهو من أشهر تلامذة الشيخ.

ولد في مدينة شيراز عام (١٢٣٠) بدأ فيها بتعلّم مقدمات العلوم ، ثمّ درس الفقه والأصول هنالك.

ثمّ سافر الى اصفهان سنة (١٢٤٨) لتكميل دراسته ، وكانت اصفهان يومذاك من أكبر المعاهد الدينية والدراسية في ايران ، ولا زالت اليوم من مراكز العلم والفضل.

فحضر هناك درس الشيخ محمد تقي الاصفهاني صاحب هداية المسترشدين في شرح معالم الأصول ، والسيد حسن البيدآبادي ، والشيخ محمد ابراهيم الكرباسي

__________________

(١) مستدرك وسائل الشيعة ٣ : ٣٩٢.

١٨٦

مؤلف كتاب الاشارات في الأصول.

ثمّ استقلّ بالتدريس في اصفهان ، وحضر لديه جماعة من الطلّاب ، وعزم بعد ذلك للسفر الى النجف الأشرف عام (١٢٥٩). وبعد أن جاء الى النجف الأشرف حضر درس الشيخ حسن كاشف الغطاء ، والشيخ محمد حسن صاحب الجواهر النجفي.

وبعد أن توفى صاحب الجواهر تعرّف على الشيخ الأنصاري ، وعرف بمقدرته العلمية وسعة اطلاعاته الوافية ، فلازمه واختصّ به ، ولم يفارقه الى أن ارتحل الى جوار ربّه عام (١٢٨١).

وكان في حياة أستاذه الشيخ الأنصاري موجها بين تلامذته مشارا اليه ، ويعظمه الشيخ كما انّه أشار الى اجتهاده غير مرة ، ولمّا توفي الشيخ توّجه الناس الى السيد ، وأجمع زملاؤه من وجوه تلاميذ الشيخ على تقديمه للرئاسة ، وإن كان للسيد مشاركين في المرجعية لكن لم يطل ذلك إلّا وتوفي معاصريه فرجع الكلّ الى السيد وأصبح المرجع الوحيد للأمة في جميع الأقطار.

وفي سنة (١٢٩١) سافر من النجف الأشرف الى زيارة العسكريين في «سامراء» وعزم على الجوار ، فبادر اليه تلامذته من النجف واجتمعوا حوله ، فأصبحت هذه البلدة الصغيرة عاصمة للشيعة ومركزا ثقافيا لها ، ومن الذين التحقوا بأستاذهم : الميرزا حسين النوري مؤلف مستدرك الوسائل ، والشيخ فضل الله النوري الشهيد ، والسيد حسن الصدر مؤلف تأسيس الشيعة لعلوم الاسلام ، والسيد اسماعيل الصدر ، والسيد محمد كاظم اليزدي مؤلف عروة الوثقى ، والسيد محمد الفشاركي ، والمحقق الآخوند الخراساني مؤلف كفاية الأصول ، والحاج آغا رضا الهمداني مؤلف مصباح الفقيه ، ومرزا محمد تقي الشيرازي.

كما انّه أخذ الناس يتردّدون الى سامراء لزيارة العسكريين ومرجعهم الديني.

فلمّا كثر الطلبة في سامراء عزم السيد على بناء مدرسة لسكنى الطلّاب فهي لا تزال عامرة ، كما انّه بنى جسرا ليسهل العبور على الجسر ، وغير ذلك من الآثار العمرانية.

وأخذ يعلو أمره ، ويشتهر صيته في أجواء العالم الاسلامي ، ويكفي للعلم بمدى

١٨٧

نفوذ حكمه وقوة سطوته على القلوب ، واطاعة الشعوب له مسألة تحريم التنباك التي قلبها رأسا على عقب ، فانّه بعد ما حكم وأفتى تلك الفتوى التاريخية امتلأ السلطان القاجاري ناصر الدين شاه رهبة وخوفا على حكمه وسلطانه ، فألغى المعاهدة مع بريطانيا.

كما انّ للسيد مواقف في أعلاء كلمة الدين وتعظيم الشعائر الإلهية ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ولم يخلف السيد الشيرازي من التصنيف والتأليف مع غزارة علمه وكثرة تحقيقاته ، وقد سأل عن سبب ذلك؟ أجاب انّه بعد كتابي الرسائل والمكاسب للشيخ الأنصاري لا ينبغي أن اكتب شيئا في الفقه والأصول. لكن له تقريرات لدروسه التي كان يلقيها على تلامذته ذكر قسم منها في مقدمة كتاب المكاسب / ١٤١.

فكان أكثر اشتغاله العلمي بتدريس الطلاب وتربية التلاميذ ، بجانب مرجعيته العظمى ، فلم تترك له فرصة وفراغ للتأليف ومع ذلك له رسائل وحواشي وتقريرات ما أفاده أستاذه العلامة الأنصاري.

توفي عام (١٣١٢) وحمل على الأعناق من سامراء الى النجف الأشرف ودفن بمقبرة خاصة له في جنب الصحن الشريف.

٢ ـ مرزا أبو القاسم كلانتر النوري الطهراني :

ولد في طهران عام (١٢٣٦) ونشأ بها ، وتعلّم القراءة ومقدمات العلوم ، ثمّ توجّه الى اصفهان فقرأ الفقه والأصول فيها ، بعد ذلك توجه الى النجف الأشرف وحضر بحث العلامة الأنصاري ، ولازم أبحاثه العلمية حتى أصبح من أعلام تلامذته ومشاهير مقرري أبحاثه.

غادر العراق الى بلدة طهران ، وحلّ بها عام (١٢٧٧) ، وأصبح فيها من أكبر المدرسين ، وكان يحضر معهد درسه الأفاضل من الطلاب ، ويلقي اليهم ممّا تلقّاه من أستاذه العظيم الأنصاري.

وألّف كتاب «مطارح الأنظار» في تقريرات أبحاث أستاذه الأصولية ، استوعب

١٨٨

فيها نظريات العلامة الأنصاري ، ويعدّ هذا الكتاب من أنفس التراث العلمي في هذا الباب.

فهو من الذين أتيح لهم المجال لأن ينشر أفكار العلامة الأنصاري في مجالي الفقه والأصول ، وان يبيّن مقاصد أستاذه المغلقة.

وكتابه مطارح الأنظار حوى على معظم مباحث الألفاظ ، فهو يكمّل الدورة الأصولية للشيخ الأنصاري بجانب الرسائل التي صنّفها في مباحث الأصول العقلية والعملية.

ارتحل الى جوار ربّه عام (١٢٩٢) ودفن في صحن السيد عبد العظيم الحسني بري.

٣ ـ ميرزا حبيب الله الرشتي :

حبيب الله بن محمد علي الرشتي ولد عام (١٢٣٤) تعلّم العربية ومقدمات العلوم في بلده ، ثمّ جاء الى بلدة قزوين فتعلّم الفقه والأصول فيها. ثمّ هاجر الى النجف الأشرف مدينة العلم والمعهد الكبير ، فدخلها قبل وفاة صاحب الجواهر بثلاث سنين.

وعند ما كان يحضر بحث صاحب الجواهر حدثت له شبهة ولم يسمع جوابا لها ، فتكلّم فيها مع بعض التلاميذ المشاركين له في مجلس الدرس ، فقالوا له : انّ كشف شبهتك وحلّ معضلتك عند الشيخ المرتضى الأنصاري ، فتعرّف عليه عند ما سأله مشكلته وهي : مسألة تعارض الأخبار في موضوع واحد ، وسر تقديم بعضها على بعض؟ أجاب عنها الشيخ الأنصاري : ان التقديم من باب الحكومة ، وبيّن له المسألة بصورة موجزة ، وشرح له الحكومة والورود والفرق الموجود بينهما ، فبه الرشتي واستغرب من هذا المصطلح ، حيث لم يسمع به الى ذلك الحين ، وأراد تفصيل ذلك ، فقال له الشيخ الأنصاري : ان اشكالك لا يرتفع إلّا بالحضور عندي مدة أقلّها شهرين ، وهنا عرف الرشتي مكانة الشيخ العلمية ، وحصلت العلاقة بينهما ، وكان العلامة الرشتي إذ ذاك عازما على الرجوع لإيران ، لتصوره انّه أكمل المباحث الأصولية والفقهية.

فأعرض عن السفر ، وحضر بحث الشيخ الأنصاري ، فرآه بحرا لا يبلغ قعره ولا ينال

١٨٩

دركه ، فعزم البقاء والاستفادة ، فبقي ملازما ومقتبسا لأبحاث الشيخ الأصولية والفقهية ، مغترفا من بحار علومه.

وممّا يؤثر عنه انّه قال : ما فاتني بحث من أبحاث الشيخ منذ حضرت بحثه الى يوم تشييعه ، مع انّي كنت مستغنيا عن الحضور قبل وفاته بسبع سنين.

وبعد وفاة الشيخ انتهى أمر التدريس اليه ، فكانت حوزته تعدّ بمئات من شيوخ العلماء وأفاضل المشتغلين ، وتربّى في معهده جمّ غفير من العلماء.

كان وحيد عصره في ابتكار الأفكار الحسنة ، والتحقيقات العلمية ، وكانت له القدرة القوية لبيان المطالب المشكلة ، مع حلاوة التعبير ورشاقة البيان.

ابتعد عن المرجعية والتزم بالدراسة للطلّاب ، وتأليف الكتب المفيدة في بابي الفقه والأصول ، ولأجل ذلك ترك لطلاب العلم تراثا ثمينا وتصانيف كثيرة نافعة منها : تقريرات بحث أستاذه الأنصاري فقها وأصولا في مجلدات ، وبدائع الأصول ، وغيرها.

ولم يرض أن يقلّده أحد لكثرة تورّعه في الفتوى ، وشدة احتياطه فيها ، توفي في شهر جمادي الثانية عام (١٣١٢) (١).

٤ ـ محمد حسن الآشتياني :

محمد حسن بن جعفر الآشتياني الطهراني ، عالم كبير ورئيس جليل وأشهر مشاهير علماء طهران وأعلمهم في عصره.

ولد في آشتيان حدود عام (١٢٤٨) ، ونشأ بها فتعلّم القراءة والكتابة ، ثمّ هاجر الى بروجرد وعمره (١٣) عاما وكانت يومذاك دار العلم ، وبقي فيها أربع سنين وتعلّم الفقه والأصول.

ثمّ توجّه الى النجف الأشرف وحضر هناك مجلس درس العلامة الأنصاري ، واختصّ به حتى عدّ من أجلاء تلاميذه ، وكان يقرر أبحاث الشيخ الأنصاري في حياته.

__________________

(١) ترجم في نقباء البشر القسم الأول / ٣٥٧ ـ ٣٥٨.

١٩٠

وبعد ارتحال الشيخ الأنصاري في عام (١٢٨١) غادر العراق وهبط طهران العاصمة ، وأصبح الزعيم الديني بها ، واشتهر أمره فاجتمع حوله الطلبة من جميع البلدان للدراسة وعلّم مباني أستاذه في الأصول والفقه التي تلقّاها منه ، وكان يؤديها ببيان واف لا سيّما في حلّ مشكلات «الرسائل». وقال المحقق الطهراني : ثنيت له الوسادة ، وسمت مكانته ، وهو أول ناشر لتحقيقات الشيخ الأنصاري في ايران ، ولذا شدّت اليه الرحال من كلّ ناحية ، وعكف عليه طلبة العلم أيّما عكوف ، وكان حسن التقرير ، لطيف التعبير ، عظم شأنه في ايران ، وانحصرت به الزعامة ، وحصل له تفوّق على علماء سائر البلاد الايرانية.

وفي عام الدخانية التي أعطى فيها السلطان ناصر الدين شاه القاجاري امتياز الدخانيات لانگلترا ، خالفه المترجم فيها ، فزادت سطوته في نظر الأشراف والأعيان ، وحجّ البيت في (١٣١١) في غاية التجليل والإعظام ، وقضى عمره الشريف بالكرامة والاكبار مشغولا بالتدريس والتأليف والقيام بسائر وظائف الشرع في طهران الى أن توفي بها ، وحمل الى النجف الأشرف ، فدفن في مقبرة الشيخ جعفر التستري في (١٣١٩) ، وقال في وصف كتابه بحر الفوائد : له حاشية كبيرة على كتاب الرسائل لأستاذه سمّاها بحر الفوائد ، ألّفها في النجف ، ولمّا عاد الى طهران هذّبها ونقّحها وطبعها ، وألّف على الرسائل ما يقارب أربعين حاشية أغزرها مادة وأكثرها نفعا حاشية المترجم (١).

من مواقف علمائنا (قدّس الله أسرارهم) الجبّارة في وجه الحكّام موقف المرزا الشيرازي في تحريم التنباك ، ولمّا ثار الشعب بقيادة رجال الدين وعلماء البلاد متأثرين بفتوى مرجع الشيعة التي لم تكن أكثر من سطر واحد ، فأوجب هذا القيام العام لإلغاء تلك المعاهدة ، وشارك شيخنا الآشتياني المجدد الشيرازي وعاضده في توعية الشعب ، فأبعد عن طهران بتصوّر من الحكومة انّ القبض على أمثال شيخنا المترجم توجب ايقاف ثورة الشعب المسلم ، لكن أصبح الأمر على عكس ما كانت

__________________

(١) نقباء البشر ق ١ / ٣٩٠ من طبقات أعلام الشيعة.

١٩١

تتصوره الحكومة ، ولمّا سمع أهالي طهران بابعاد الشيخ اغلقوا الدكاكين واعترضوا على هذا العمل الفظيع ، فالتجأت الحكومة الى ارجاعه والاعذار منه.

وهذا الموقف من شيخنا أوجب ارتفاع مكانته اكثر من قبل في الأوساط الايرانية.

٥ ـ الآخوند الخراساني :

المحقق ملّا محمد كاظم الآخوند الخراساني ، ولد في مدينة خراسان عام (١٢٥٥) واشتغل فيها بتعلّم العلم ، وفي عام (١٢٧٧) توجّه الى سبزوار لأخذ الفلسفة الإلهية من الحكيم والفيلسوف الإلهي الحاج ملّا هادي السبزواري.

ثمّ هاجر الى النجف الأشرف وحضر ما يقارب أربع سنين درس العلامة الأنصاري ، ثمّ واصل دراساته على المجدد الشيرازي.

ثمّ اشتغل بعد وفاة الشيرازي بالتدريس ، فاجتمع حوله جماعة من أهل الفضل والعلم ، حتى انّه وصل عدد تلامذته أكثر من ألف طالب بين مجتهد أو قريب من الاجتهاد ، تربّى في مدرسته المحققون وأعاظم المجتهدين في القرن الرابع عشر.

اشتهر المحقق الخراساني بدراسة علم الأصول ، وكتابه «كفاية الأصول» ، فكان من أثر مواقف هذا العالم الجليل تشكيل القانون الأساسي في ايران ، لكن من المؤسف انّ عملاء الاستعمار الذين كانوا في الحكم والمسيطرين على الأوضاع استغلّوا الدستور ، وأخرجوا العلماء عن ساحة الحكم ، وظلّوا يسيطرون على الأمور باسم القانون.

الى أن جاء العميل رضا پهلوي فأحدث أمورا في القانون ، وظلّ يتحكّم بأشدّ ممّا كان يعمل أسلافه من قبل ، فقتل العلماء ، وغيّر الأحكام ، وهتك نواميس المسلمين ، ثمّ جاء ابنه وخلفه السيّئ فكان في شدة محاربته للاسلام أسوأ من أبيه ، أراد القضاء على الاسلام وتغيير القوانين الاسلامية الى قوانين الكفر ، كما انّه غيّر التاريخ الهجري الى تاريخ الملوكية لبغضه وعداوته للرسول الأعظم «ص» ، لكن الله تعالى منّ على الأمة الاسلامية في ايران أن أتاح لهم رجلا من ذرّية نبيّهم فقام في وجه

١٩٢

الطغاة ، ودعا الناس للثورة الاسلامية ، وتشكيل نظام اسلامي في ايران ، فنجحت الثورة بقيادة المرجع الديني الأعلى الامام الخميني عام (١٣٩٩) وأطاح بالملوكية في ايران المسلمة ، فشكرا لله على مساعي علمائنا الأبرار ومواقفهم المشكورة.

ارتحل المحقّق الخراساني الى جوار ربّه عام (١٣٢٩) ودفن في مقبرة الصحن الشريف في النجف الأشرف بجوار مولانا أمير المؤمنين علي «ع».

آثاره العلمية :

الأثر الخالد له هو كفاية الأصول ، وهو على قسمين : القسم الأول يشتمل على مباحث الألفاظ ، والقسم الثاني يشتمل على مباحث الأدلة العقلية والأصول العملية.

استقبلت الأوساط العلمية هذا الكتاب استقبالا منقط النضير ، وأصبح من الكتب الدراسية ، ويقرؤه الطلّاب في المعاهد الدينية في نهاية دراساتهم في السطوح العالية.

كما انّ الكتاب أصبح محورا أساسيا لإلقاء الدرس الخارج الذي يلقيه أكبر أساتذة المعاهد العلمية الدينية.

ولشدّة اهتمام العلماء بهذا الكتاب كتبوا عليه شروحا ، وعلّقوا عليه الحواشي الكثيرة.

موقف المحقق الخراساني في تشكيل الحكومة الدستورية في ايران :

كانت الحكومة الايرانية والبلاط الملكي وأسرته يحكمون الشعب المسلم في ايران بكلّ قساوة ، وليس هناك قانون يحدد سيطرة الحكومة على الشعب ، لأجل ذلك ثار الشعب في وجه الحكومة وفي طليعتهم العلماء ورجال الدين ، وقاد الشعب ونضالهم المحقق الخراساني ، فكان يرغّبهم في تشكيل نظام اسلامي لكي تحدد فيها تصرفات الحكومة وتمنعهم من الجور على الشعب المسلم ، وتهيئة الظروف لاجراء حكم الله في ايران المسلمة.

١٩٣

مروّجو مدرسة الأنصاري :

الغرض من انعقاد هذا الفصل ذكر أفراد كان لهم السهم الأوفى في تبسيط أفكار الشيخ الأنصاري وترويج مبانيه العلمية في مجالي الفقه والأصول في المعاهد الدينية وبالأخص النجف الأشرف ، حيث قدّر لهم أن يعقدوا مجالس الدرس ، وان يلتفّ حولهم الطلبة للتعليم ، ولأجل نبوغهم العلمي وطريقتهم التحقيقية تمكّنوا من تربية علماء ومحققين ، حتى انّ تلامذتهم صاروا أصحاب معاهد وحوزات يربو عددهم على المئات فكان في مقدمتهم :

الميرزا حسين النائيني :

محمد حسين بن عبد الرحيم النائيني النجفي من أعاظم علماء الشيعة ومحقّقيهم ، ولد في بلدة نائين عام (١٢٧٧) ، ونشأ بها وتعلّم مبادئ العلوم والمقدمات ، ثمّ هاجر الى اصفهان ، وقرأ الفقه والأصول لدى أعلامها.

كما انّه أخذ الفلسفة الشرقية من معلم الفلسفة الحكيم الشهير جهانگير القشقائي ، وفي عام (١٣٠٣) هاجر الى العراق ونزل سامراء ، وكان يحضر درس السيد محمد الفشاركي وسيد اسماعيل الصدر ، والمجدد الشيرازي ، الى عام (١٣١٤) جاء الى النجف الأشرف وتصاحب مع الآخوند الخراساني وصار من أعوانه وزملائه في مهام الأمور السياسية والاجتماعية والدينية ، كما انّه صار أحد أعضاء جلسة استفتاء الآخوند.

واشترك مع الآخوند في تبديل الحكومة الاستبدادية الى الدستورية ، وألّف رسالة «تنبيه الأمة وتنزيه الملة» في الدعوة الى تشكيل الحكومة الدستورية والنظام القائم على أسس اسلامية ، وقد كتب الآخوند مقدمة لهذا الكتاب.

فكان في عهد الآخوند يعدّ من العلماء المبرزين ، وبعد وفاة الآخوند عام (١٣٢٩) أخذ يعلو أمره ويتّسع مجلس تدريسه ، وبعد وفاة شيخ الشريعة الاصفهاني أصبح من

١٩٤

مراجع الشيعة.

وبعد غزو العراق على يد القوات البريطانية والاستيلاء عليها أرادوا فتح مجلس نيابي وتعيين وزراء للحكم ، كما عارض وزميله ومعاصره أبو الحسن الاصفهاني لهذه الخطة الاستعمارية ، مهاجرا من العراق استنكارا لتدخل الانگليز في شئون البلد الاسلامي العراقي.

فغادرا البلاد واستقبلهما الشعب الايراني بكلّ اجلال وإكبار ، وأقاما في بلدة قم الى أن أتيحت لهما فرصة العودة الى العراق.

وبعد عودتهما الى النجف الأشرف فكان هو وزميله السيد أبو الحسن الاصفهاني يتزعّما مرجعية الشيعة.

فكان يمارس شيخنا تدريس الفقه والأصول ، واشتهر في علم الأصول حتى عدّ مجددا لهذا العلم ومضاهيا للآخوند الخراساني ، وكان يحضر مجلس درسه الفضلاء الذين أصبحوا بعده قادة الحركة العلمية والفكرية والمدرسين في النجف وقم وغيرها من المعاهد العلمية.

وطبع تلامذته تقريرات أبحاثه الأصولية باسم فوائد الأصول وأجود التقريرات ، توفي عام (١٣٥٥) ودفن في الصحن الشريف بجوار مولانا أمير المؤمنين علي «ع» (١).

آغا ضياء العراقي :

ضياء الدين بن محمد العراقي النجفي ، من أكبر علماء العصر الأخير ، ولد في سلطان آباد العراق بسنة (١٢٧٨) ، وقرأ مقدمات العلوم هناك ، ثمّ هاجر الى النجف الأشرف ، وحضر بحث السيد محمد الفشاركي وبحث ميرزا حسين الخليلي النجفي ، والآخوند الخراساني ، وسيد كاظم اليزدي وشيخ الشريعة الاصفهاني.

عرف منذ أوائل أمره بالذكاء المفرط والنبوغ المبكر ، اشتغل بالتدريس فالتفّ حوله كثير من طلّاب العلم لحسن إلقائه الدروس وعذوبة منطقه.

__________________

(١) ترجم في نقباء البشر / ٥٩٣ ـ ٥٩٦.

١٩٥

استقلّ بالتدريس بعد وفاة أستاذه الآخوند الخراساني ، وذاع اسمه في الأوساط العلمية العالية ، وعدّ من أكبر المدرسين ، وعرف بالتحقيق والتدقيق في علم الأصول.

وكان مدرسا كبيرا وقد استمرّ يدرّس مدة ثلاثين سنة ، وتخرّج عليه خلالها عدد كبير من المجتهدين والعلماء ، حتى انّ قسما منهم صاروا من مراجع الدين وذوي حوزات علمية.

كان يمثّل الحريّة الفكرية ، يقبل كلّ مناقشة من تلامذته مهما كانت بسيطة أو متطرفة ، حين كان يلقي الدرس.

وألّف في علم الأصول «المقالات الأصولية» في جزءين ، كما انّ تلامذته دوّنوا دروسه وطبعوها بعده.

توفي في النجف الأشرف عام (١٣٦١) (١).

الشيخ محمد حسين الاصفهاني الكمپاني :

محمد حسين بن محمد حسن الاصفهاني النجفي الشهير بالكمپاني من أعاظم العلماء وأجلاء الفلاسفة.

ولد في عام (١٢٩٦) ، قرأ المقدمات والسطوح اللازمة في النجف الأشرف ، ثمّ تخرّج في الفقه والأصول على السيد محمد الفشاركي ، والشيخ آغا رضا الهمداني ، وحضر عند الشيخ محمد كاظم الآخوند الخراساني ثلاث عشرة سنة.

كما انّه أخذ الفلسفة الشرقية من الحكيم مرزا محمد باقر الاصطهباناتي ، وبرز بشكل خاص بعد وفاة أستاذه الآخوند الخراساني ، وحفّ به جمع من الطلّاب فاستقلّ بالتدريس في الفقه والأصول.

كان جامعا متقنا شارك في الكلام والتفسير والحكمة والتاريخ والعرفان والأدب ، وكان له القدح المعلّى في النظم والنثر.

فهو من نوابغ الدهر الذين امتازوا بالعبقرية ، وبالملكات والمؤهلات ، فكانت

__________________

(١) ترجم في نقباء البشر / ٩٥٦ ـ ٩٥٩.

١٩٦

مدرسته تشمل أهل الفضل والكمال ، تخرّج من معهده العلمي جماعة من العلماء ، استمرّ على نشر العلم وتثقيف الطلّاب المؤهلين.

ولأجل اتقانه الفلسفة العالية كانت أبحاثه الأصولية مشبعة بها ؛ ترك آثارا تدلّ على عظمته ومدى تبحّره منها نهاية الدراية في شرح كفاية الأصول.

توفي في النجف الأشرف عام (١٣٦١) (١).

المبحث الثاني أهم الكتب الأصولية في هذه المدرسة :

قوانين الأصول :

للمحقق الميرزا أبي القاسم القمي الجيلاني المتوفى سنة (١٢٣١) ، مرتب على مقدمة وأبواب وخاتمة ، فرغ منه سنة (١٢٠٥).

مفاتيح الأصول :

للسيد المجاهد محمد بن علي الطباطبائي الحائري المتوفى سنة (١٢٤٢) كتبه أيّام اشتغاله باصفهان.

الفوائد الحائرية الأصولية :

للأستاذ الأكبر المولى محمد باقر بن محمد أكمل المعروف ب «الوحيد البهبهاني» المتوفى سنة (١٢٠٥) ، ولخّصه وسمّاه «ملخّص الفوائد السنية ومنتخب الحسينية».

تشتمل الفوائد الحائرية على ثمانين فائدة ، وفرغ من التلخيص سنة (١٢٠٢).

__________________

(١) الذريعة ٦ : ١٨٧.

١٩٧

هداية المسترشدين في شرح معالم الدين :

للشيخ محمد تقي بن محمد رحيم الاصفهاني المتوفى سنة (١٢٤٨) ؛ شرح مبسوط لكنه يعرف بالحاشية لأنّه شرح بالقول.

الفصول الغروية في الأصول الفقهية :

للشيخ محمد حسين بن محمد رحيم الاصفهاني المتوفى سنة (١٢٥٠) ؛ أكثر فيه من الاعتراض والنقاش على المحقق القمّي صاحب القوانين ، وهو كتاب متداول بين الطلبة ، فرغ منه سنة (١٢٣٢).

اشارات الأصول :

للعلامة الشهير محمد ابراهيم بن محمد حسن الكاخكي الخراساني الاصفهاني المتوفى سنة (١٢٦١) في مجلدين القسم الأوّل يبحث فيه عن المبادئ اللغوية ومباحث الألفاظ ، والقسم الثاني يبحث فيه عن الأدلة العقلية والشرعية.

ضوابط الأصول :

للسيد ابراهيم بن محمد باقر الموسوي القزويني الحائري المتوفى سنة (١٢٦٣) ؛ انتهت اليه رئاسة التدريس في الأصول في كربلاء.

نتائج الأصول :

أيضا للسيد ابراهيم القزويني ، وهو ملخّص من كتابه ضوابط الأصول.

١٩٨

فرائد الأصول :

المعروف ب «الرسائل» للمحقق الشهير الشيخ مرتضى بن محمد أمين الأنصاري المتوفى سنة (١٢٨١) وأصبح هذا الكتاب من أشهر الكتب المدونة في هذا العلم ، يحتوي على خمسة رسائل القطع والظن والبراءة والاستصحاب والتعادل والتراجيح ، أسس في هذه المباحث تأسيسا نسخ به الأصول الدراسية التي نهج عليها السالفون ، نسج على منوال ما نهج عليه العلامة الأنصاري المتأخّرون عنه حتى صار الفخر بين العلماء في فهم مراده ، وكتبوا عليه شروحا وحواشي وأصبح هذا السفر الجليل من كتب التدريس والبحث والنظر فيه من عصر المؤلف الى هذا اليوم ، وتعدّ دراسة متنه من أعلى السطوح في المعاهد العلمية.

مطارح الأنظار :

للعلامة الميرزا أبي القاسم كلانتر بن محمد علي النوري المتوفى عام (١٢٩٢) في أصول الفقه من مباحث الألفاظ والأدلة العقلية ، من تقرير بحث العلامة الأنصاري.

بدائع الأفكار :

لميرزا حبيب الله بن محمد علي الرشتي المتوفى (١٣١٢) ؛ مجلد كبير حاو لمهمّات مباحث الأصول.

بحر الفوائد في شرح الفرائد :

للعلامة ميرزا محمد حسن الآشتياني الطهراني المتوفى سنة (١٣١٩) ؛ كان من أعظم تلاميذ المحقق الأنصاري ، ومقرر درسه في عصره ، وقد كتب هذا الشرح أوان تشرّفه بالنجف الأشرف ، ولمّا رجع الى طهران هذّبه ونقّحه عند القائه الدرس

١٩٩

لتلاميذه الأفاضل الأعلام الذين كانوا يشدّون اليه الرحال من أقاصي البلاد ، وهو أحسن شرح كتب على رسائل أستاذه ، فشرح مراده وحلّ معضلاته ، وكتب ذلك كلّه بصورة مبسوطة.

كفاية الأصول :

للمحقق الآخوند محمد كاظم بن الحسين الخراساني النجفي المتوفى سنة (١٣٢٩) متن جامع يقع في قسمين : الأول منه يشتمل على مباحث الألفاظ ، والثاني منه يشمل المباحث العقلية والأصول العملية.

قد أشرب مباحث الأصول المسائل الفلسفية أكثر من غير ممّن عمل ذلك قبله كالشيخ الأنصاري في كتاب الرسائل وصاحب الفصول والقمي في القوانين.

أصبح من الكتب الدراسية في الجامعات العلمية كالنجف وقم وسائر المعاهد العلمية ، وعكف على فهمه ودرايته الفضلاء ، وكثر الشرح والحاشية عليه.

درر الفوائد :

للشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي المتوفى عام (١٣٥٥) مؤسس الحوزة العلمية بعد اندراسها ، وهذا الكتاب حاو للمسائل الأصولية عدا مباحث الاجتهاد والتقليد ، وقد استخرجه من تقريرات بحث أستاذه السيد محمد الفشاركي.

نهاية الدراية في شرح الكفاية :

للمحقق الشيخ محمد حسين بن محمد حسن الاصفهاني الكمپاني النجفي المتوفى عام (١٣٦١) ؛ وهذا الشرح وإن كان مشحونا بالتحقيق والتدقيق لكن من المؤسف انّه لم يوفّق المصنّف لتنقيحه وتحريره ، وكتب قسما من الشرح أيّام حياة أستاذه الآخوند.

وفي أخريات حياته عزم على تنقيح مباحث أصول الفقه ، وأخرج قسما منه ، وسمّاه «الأصول على النهج الحديث» إلّا انّ الأجل لم يسمح له باخراج بقية المباحث

٢٠٠