علم الأصول تاريخاً وتطوراً

علي الفاضل القائيني النجفي

علم الأصول تاريخاً وتطوراً

المؤلف:

علي الفاضل القائيني النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢١٢

قال تلميذه الشهيد الأول : الشيخ الامام ، سلطان العلماء ، منتهى الفضلاء والنبلاء ، خاتم المجتهدين ، فخر الملّة والدين ، أبو طالب محمد بن الشيخ الامام السعيد جمال الدين بن المطهر (١).

تتلمذ على أبيه ، ويروي عن عمّه رضي الدين علي بن يوسف ، ويروي عنه الشهيد الأول ، وفخر الدين أحمد بن عبد الله بن سعيد بن المتوج البحراني ، وبهاء الدين علي بن غياث الدين عبد الكريم النيلي النجفي.

قام بتربية تلامذة كبار في الفقه والأصول كان منهم الشهيد الأول «رحمه‌الله».

مؤلفاته : ايضاح الفوائد في شرح القواعد ، حاشية الارشاد ، غاية السئول في شرح تهذيب الأصول.

الشهيد الأول :

وقدّر لفخر المحققين أن يبرز في مدرسته شخصية عظيمة من أكبر علماء الاسلام ، ألا وهو : أبو عبد الله محمد بن الشيخ جمال الدين مكي بن شمس الدين محمد الدمشقي الجزيني.

ولد في بلدة جزين عام (٧٣٤) من بلدان جبل عامل ، وهاجر الى الحلة لطلب العلم.

وهو بعد لم يتجاوز السابعة عشر من عمره ، وحصل في هذه السنة على اجازة من أستاذه فخر المحققين أن يروي عنه وتاريخ الاجازة ٢٠ شعبان سنة (٧٥١).

وكان عمدة تلمذته في الحلة على فخر المحققين ولازمه ، كما انّه تتلمذ على جماعة من تلامذة العلامة الحلّي في الفقه والفلسفة وحصل منهم الاجازة في الاجتهاد والرواية كالسيد عميد الدين عبد المطلب الحلّي الحسيني ، وأخوه السيد ضياء الدين عبد الله. ثمّ بعد مدة استقلّ الشهيد بالتدريس في الحلة ، والتفّ حوله الطلبة وأخذوا يدرسون عليه الكتب الأصولية والفقهية.

__________________

(١) مقدمة بحار الأنوار ١ : ٢٢٢.

١٤١

«ولم يقتصر الشهيد على التدريس في الحلة ، أو في جزين في مدرسته التي أسّسها ، بل كان يقوم بالتدريس في رحلاته التي كان يقوم بها بين حين وآخر الى الحجاز ومصر وسوريا وفلسطين ...

وكان الشهيد يتابع في أفكاره العلمية في الفقه والأصول مدرسة الحلة ، وكانت مدرسته تعود في أصولها وجذورها الى أستاذه فخر المحققين وهو الى والده العلامة.

كلمات العلماء فيه :

قال المحقق الخوانساري في وصف الشهيد الأول : «المنعوت بالشهيد الأول والشهيد المطلق ، وهو أول من اشتهر من العلماء بهذا اللقب عند الامامية ، شهرته في الفقهاء والأصوليين ومشاركته في العلوم أظهر من أن يخفى ، ومحامده ونفسياته الزكية أوضح من أن يوضح ، وصفه أستاذه فخر المحققين ـ قدس‌سره ـ في اجازته بقوله : مولانا الامام العلامة الأعظم ، أفضل علماء العالم ، سيد فضلاء بني آدم ، مولانا شمس الحق والدين» (١).

وأطراه التستري بقوله : الشيخ الهمام ، قدوة الأنام ، فريدة الأيّام ، علامة العلماء العظام ، مفتي طوائف الاسلام ، ملاذ الفضلاء الكرام ، خريت طريق التحقيق ... العارج الى أعلى مراتب العلماء والفقهاء المتبحّرين ، وأقصى منازل الشهداء السعداء المنتجبين (٢).

تلامذته :

تربّى على يدي الشهيد ممن خلفوه من بعده في الفقاهة والتدريس وأحيوا مدرسته وخلّده جماعة منهم :

١ ـ السيد أبو طالب أحمد بن القاسم بن زهرة الحسيني.

٢ ـ جمال الدين أحمد بن النجار صاحب الحاشية على قواعد العلامة الحلي.

٣ ـ جمال الدين أبو منصور حسن بن الشهيد ، أجازه والده مع أخويه وصورة

__________________

(١) روضات الجنات / ٥٩٠.

(٢) نقلا عن روضات الجنات / ٥٩٠.

١٤٢

الاجازة مذكورة في الذريعة (١).

انّ شيخنا الشهيد لم يمنعه اختلافه الفكري والعقائدي أن يخالط أرباب المذاهب الأخرى ، ويباحثهم ، ويستجيزهم في نقل أحاديث كتبهم ، ويشهد على ذلك اجازته لابن الخازن :

«وأمّا مصنّفات العامة ومرويّاتهم فانّي أروي عن نحو أربعين شيخا من علمائهم بمكة والمدينة ودار السلام بغداد ، ومصر ودمشق وبيت المقدس ، ومقام ابراهيم الخليل.

فرويت صحيح البخاري عن جماعة كثيرة بسندهم الى البخاري ، وكذا صحيح مسلم ، ومسند أبي داود ، وجامع الترمذي ، ومسند أحمد ، وموطأ مالك ، ومسند الدارقطني ، ومسند ابن ماجة ، والمستدرك على الصحيحين للحاكم ابن عبد الله النيسابوري الى غير ذلك (٢) ، كما انّه سافر الى كثير من مراكزهم العلمية ، ولم يتعصّب وتمنعه الفكرة الشيعية لأن يلتقي مع علماء السنة من البلدان التي سافر إليها بغداد ومصر والقدس والحرمين ...

آثاره العلمية :

لقد خلّف الشهيد آثارا علمية تشهد على جلالة قدره ، وعلوّ منزلته كالدروس الشرعية في فقه الامامية ، واللمعة الدمشقية حيث كتبها في ستة أيّام ، ولم يحضره من المراجع والكتب الفقهية غير مختصر النافع للمحقق الحلّي ، والقواعد ، وكتاب البيان ، وغاية المراد في شرح نكت الارشاد.

ومن المؤسف جدا التعصّب بين المسلمين ، وكم كانت فدية هذه التعصبات ، ومن أجل ذلك سعى على شيخنا الشهيد واستشهد ظلما وعدوانا وذلك عام (٧٨٦) فإنّا لله وإنّا إليه راجعون ، والتحقت روحه بالملإ الأعلى قدّس الله نفسه الطاهرة.

__________________

(١) الذريعة ١ : ٢٤٨.

(٢) مقدمة اللمعة / ٨٣.

١٤٣

الشهيد الثاني :

كانت آراء وأفكار مدرسة الحلة تتناقل من تلامذة العلامة الى تلامذة تلامذته ، الى أن وصل دور الشهيد الثاني ، هذا العبقري الذي أعطى للعلم وللمدرسة الشيعية طابعا جديدا ، وخدم بدوره الجبّار خدمة عظيمة وهو الشهيد السعيد زين الدين بن علي الجبعي الشامي.

ولد شيخنا الشهيد في بيت العلم والفضل سنة (٩١١) ومنذ صباه ظهرت منه علائم الذكاء والنبوغ ، اشتغل على والده بقراءة فنون الأدب العربي ، والفقه ، وكان والده عالما جليلا من علماء جبل عامل ؛ ثمّ ذهب شيخنا الشهيد الى بلدة ميس لتكميل دراسته ، فحضر هناك على الشيخ علي بن عبد العالي الكركي من سنة ٩٢٥ الى سنة ٩٣٣ ؛ ثمّ بدا للشهيد أن يترك ميس الى كرك نوح حيث كان يحل فيها الشيخ علي الميسي ، وكان في تلك الأيام يعد من الأفاضل.

«قال ابن العودي : أخبرني ـ قدس الله سرّه وكان في منزلي بجزين متخفيا من الأعداء ليلة الاثنين ١١ صفر سنة ٩٥٦ ـ ان ابتداء أمره في الاجتهاد كان سنة ٩٤٤ ، وان ظهور اجتهاده وشهرته كان في سنة ٩٤٨ ، فيكون عمره لما اجتهد ٣٣ سنة» (١).

بعض آثار الشهيد العلمية :

الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية.

شرح مزجى استدلالي مع اختصار وايجاز شامل ، ومستوعب لجميع أبواب الفقه.

احتلّ هذا الكتاب مكانة مرموقة بين الكتب الفقهية ، فأقبل على دراسته والاعتناء بشأنه طلّاب المعاهد الشيعية عبر القرون ، ولا يزال يعدّ من الكتب الدراسية في المعاهد العلمية في عصرنا الحاضر.

__________________

(١) مقدمة اللمعة / ١٦٣.

١٤٤

ويكفي في أهمية هذا السفر الجليل : انّه أكبّ على شرحه ، والتعليق عليه ، وتوضيح ما أبهم من عباراته ، وكشف غوامضه جماعة من علمائنا (١).

السبب في استشهاده :

نقل مؤلف أحسن التواريخ (حسن بك روملو) :

«في سنة (٩٦٥) في أواسط سلطنة الشاه طهماسب الصفوي استشهد افادة مآب حاوي المعقول والمنقول ، جامع الفروع والأصول ، الشيخ زين الدين العاملي ، وكان السبب في شهادته : ان جماعة من السنّيّين قالوا لرستم باشا الوزير الأعظم للسلطان سليمان ملك الروم : انّ الشيخ زين الدين يدّعي الاجتهاد ، ويتردّد اليه كثير من علماء الشيعة ، ويقرءون عليه كتب الامامية ، وغرضهم بذلك اشاعة التشيّع ، فأرسل رستم باشا الوزير في طلب الشيخ زين الدين وكان وقتئذ بمكة المعظّمة ، فأخذوه من مكة وذهبوا به الى استنبول ، فقتلوه فيها من غير أن يعرضوه على السلطان سليمان» (٢).

فيا عجبا من هذه الأيادي التي كانت تلعب بين السلطات في شنّ ما يوجب العداء ، والتفرقة بين المسلمين ، انظر الذنوب التي وجهت اليه ومن أجلها استشهد هذا العالم الجليل :

١ ـ انّه يدّعي الاجتهاد.

٢ ـ يتردّد اليه كثير من العلماء.

٣ ـ يقرءون عليه كتب الامامية.

٤ ـ وغرضهم بذلك اشاعة التشيّع.

العلّامة البهائي :

ومن الأعلام الذين كان لهم سهم في التأليف في علم الأصول هو : محمد بن الحسين بهاء الدين العاملي.

__________________

(١) ذكر شيخنا الطهراني (رحمه‌الله) ما يقرب من تسعين حاشية ، وشرح عليه في الذريعة : ٦ : ٩٠ ـ ٩٨ ، و ١٣ : ٢٩٢ ـ ٢٩٦.

(٢) أعيان الشيعة ٣٣ : ٢٩٢.

١٤٥

ولد في بعلبك سنة (٩٥٣) ونشأ في حجر أبيه ، في بيت العلم والفضيلة ، وجال مع والده الى ديار العجم وهو يوم ذاك في صغر سنة ، وساح ثلاثين سنة ، وحضر لدى أعلام كلّ فن واستفاد منهم ، حتى أصبح عالما في كلّ فنون الاسلام ، ومتضلّعا في أغلب الفنون والعلوم الأخرى ، ولأجل القابلية الكامنة فيه التي وهبه إيّاه الله تعالى كان في تبحّره في العلوم والفنون كمن له فنّ واحد ، وعالم بعلم ومختص به.

وله تصانيف في العلوم والفنون المختلفة.

«قال صاحب اللؤلؤة : كان رئيسا في دار السلطنة في اصفهان ، وشيخ الاسلام فيها ، وله منزلة عظيمة عند سلطانها الشاه عبّاس ... كان يعاشر كلّ فرقة وملّة بمقتضى طريقتهم ودينهم وملّتهم وما هم عليه ، وكان يستدلّ لطريقته :

أخالط أبناء الزمان بمقتضى

عقولهم كيلا يفوهوا بانكار

كان يلقي لتلامذته يوم التعطيل من فنون العلم ونوادر الأخبار والأشعار الفائقة والحكايات الرائقة ، وكانوا يستفيدون منه يوم التعطيل أكثر من يوم الدرس» (١).

وصنّف في الأصول «زبدة الأصول» فأصبح هذا الكتاب موردا للبحث والنظر حتى انّ بعضا من العلماء قد شرحوه وكتبوا عليه الحواشي ، وتوفي سنة (١٠٣١).

صاحب المعالم :

وأعقب لنا شيخنا الشهيد الثاني ولدا أصبح أحد أعلام الشيعة من بعده ، وكان له دور عظيم في تطوّر علم الأصول.

وهو أبو منصور الحسن بن زين الدين الشهيد الثاني العاملي.

ولد في أسرة قد ساهمت مساهمة فعّالة في تقدّم العلوم الاسلامية ومن المميزات الخاصة في هذه الأسرة أن حصلت فيها المرجعية والزعامة الدينية.

وكانت ولادته في عام (٩٥٩) ، وبقي في حجر أبيه مدة أربع سنين ، وهيئت له بيئته أن يتّجه الى أخذ زمام المبادرة لقيادة الحركة الفكرية التي كانت في أسلافه على

__________________

(١) روضات الجنات ٧ :

١٤٦

قدر استطاعته.

وبعد ما أكمل دروسه الابتدائية والمقدمات اللازمة في بلاده ومسقط رأسه على تلامذة الشهيد ، توجه الى العراق وأقام في النجف الأشرف ، واشتغل هناك في دراسة الفقه والأصول ، وكان زعيم الحوزة يومذاك المولى المحقق المقدس الأردبيلي.

وكان يصاحب في جميع المدة التي بقي في النجف الأشرف صاحب المدارك ، فحضرا درس المقدّس الأردبيلي ، والمولى عبد الله اليزدي (١).

ونقل انّ أستاذهما المحقق الأردبيلي كان عند قراءتهما عليه مشغولا ب «شرح الارشاد» ، فكان يعطيهما أجزاء منه ، ويقول لهما : انظرا في عبارته ، وأصلحا منه ما شئتما ، فانّي أعلم انّ بعض عباراته غير فصيحة وكان صاحب المعالم حسن الخط جيد الضبط ، عجيب الاستحضار ، حافظا للرجال والأخبار والأشعار.

انّ أكثر تصنيفاته غير تامة لأنّه كان يشتغل في زمان واحد بتصنيفات متعددة ، كما هو دأب العلامة ، والشهيدين في الأغلب.

وله منتقى الجمان في الأحاديث الحسان ، اقتصر فيه على ايراد هذين الصنفين من الأخبار على طريقة كتاب الدر والمرجان الذي ألّفه العلامة في ذلك المعنى من قبل ، ولم يخرج من أبوابه الفقهية غير العبادات (٢).

ومؤلفات المترجم ووالده الشهيد تحتل اليوم ومسبقا مكان الصدارة بين مؤلفات الامامية ، وتراها قد عكف عليها الطلاب والعلماء للافادة والاستفادة في المدارس والجامعات الشيعية في العراق وايران ، والهند وأفغانستان وسائر البلدان الشيعية.

رجع صاحب المعالم بعد ما أكمل دروسه لدى علماء النجف الأشرف الى بلدة جباع ، واستقرّ بها ، واشتغل بالتدريس ، والتصنيف ، وقرأ عليه جملة من الفضلاء (٣).

معالم الدين وملاذ المجتهدين :

يعتبر هذا الكتاب من أشهر تصانيفه ، وفي مقدمتها خطبة نفيسة في فضل العلم

__________________

(١) أمل الآمل ق ١ / ٥٨.

(٢) روضات الجنات ٢ : ٢٩٦.

(٣) أمل الآمل ق ١ / ١٣٠.

١٤٧

والعلماء ، وهذا الكتاب الجليل صار عليه المعوّل في التدريس ، من زمن تأليفه الى هذا العصر.

بعد ما كان التدريس قبل هذا الكتاب على الشرح العميدي على تهذيب العلامة في الأصول ، وغيرها من الكتب الأصولية. وعلى هذا الكتاب شروح وحواشي كثيرة عربية وفارسية ، مبسوطة ومختصرة ، مستقلة وهامشية ، منها :

حاشية سلطان العلماء ، وحاشية ملا صالح المازندراني ، والمحقق الشيرواني ، والشيخ محمد تقي الاصفهاني ...

هكذا كانت حياة شيخنا الأجل حافلة بالعلم والتقوى ، والتدريس والتصنيف ، حتى وافاه أجله في عام (١٠١١) قدّس الله روحه.

النزعة الأخبارية :

وهذه الجماعة تعتقد بعدم دخل العقل في مختلف الميادين وعزله في مسائل الشريعة بتاتا ، والاقتصار في المعتقدات والأحكام الشرعية على البيان الوارد من قبل الشرع فقط ، وذكروا سبب هذه الفكرة : بأن العقل عرضة للخطإ ، ويشهد له تاريخ الفكر العقلي فانّه تراه زاخرا بالأخطاء.

وهذه الفكرة الهدّامة وجدت داخل صفوف العلماء حتى سمي جماعة من علمائنا ب «الأخباريين».

يقول الشهيد الصدر في تاريخ هذه الفكرة :

ويرجع تاريخ هذا الاتجاه الى أوائل القرن الحادي عشر ، فقد أعلنه ودعا إليه شخص كان يسكن وقتئذ في المدينة باسم «المرزا محمد أمين الاسترابادي» المتوفى سنة (١٠٢٣) ه ، ووضع كتابا أسماه «الفوائد المدنية» بلور فيه هذا الاتجاه وبرهن عليه ومذهبه ـ أي جعله مذهبا ـ (١).

واعترف صاحب الحدائق الذي يعد من علماء الأخبارية ، وممّن وافق

__________________

(١) المعالم الجديدة / ٤٢ ـ ٤٣.

١٤٨

الاسترابادي : بأنّ هذا المحدّث هو أول من جعل الأخبارية مذهبا ، وأوجد الخلاف بين العلماء يقول : ولم يرتفع صيت هذا الخلاف ولا وقع هذا الاعتساف إلّا من زمن صاحب الفوائد المدنية ـ سامحه الله تعالى برحمته المرضية ـ فانه قد جرّد لسان التشنيع على الاصحاب ، واسهب في ذلك أيّ اسهاب ، وأكثر من التعصبات التي لا تليق بمثله من العلماء الاطياب (١).

الاثر السيئ الحاصل من هذه الفكرة :

بعد ان تطوّر علم الاصول تطورا ملحوظا بلغ مستوى لا بأس به في عصر صاحب المعالم منيّ هذا العلم بصدمة وحملة شديدة ، حتى ان الصراع والمعارضة اصبحت تشتد يوما بعد يوم ، وبخاصة في أواخر القرن الحادي عشر ، واستمر خلال القرن الثاني عشر.

الوحيد البهبهاني يصوّر الصراع مع الأزمة الأخبارية :

ففي هذا النصّ من كلامه يشير الى بعض شبهات الأخباريين ويفندها قال : لما بعد العهد عن زمان الأئمة وخفت امارات الفقه والأدلة على ما كان المقرر عند الفقهاء والمعهود بينهم بلا خفاء بانقراضهم وخلو الديار عنهم الى أن انطمس أكثر آثارهم كما كانت طريقة الأمم السابقة والعادة الجارية في الشرائع الماضية ، انّه كلّما يبعد العهد عن صاحب الشريعة تخفى امارات قديمة وتحدث خيالات جديدة الى أن وتضمحل تلك الشريعة.

توهّم متوهّم انّ شيخنا المفيد ومن بعده من فقهائنا الى الآن كانوا مجتمعين على الضلالة مبدعين بدعا كثيرة ... متابعين للعامة مخالفين لطريقة الأئمة ومغيرين لطريقة الخاصة مع غاية قربهم لعهد الأئمة ونهاية جلالتهم وعدالتهم ومعارفهم في الفقه والحديث وتبحّرهم وزهدهم وورعهم.

وشبهتهم الأخرى هي انّ رواة هذه الأحاديث ما كانوا عالمين بقواعد المجتهدين ، مع انّ الحديث كان حجة لهم فنحن أيضا مثلهم لا نحتاج الى شرط من شرائط

__________________

(١) الحدائق ١ : ١٧٠.

١٤٩

الاجتهاد وحالنا بعينه حالهم ، ولا ينقطعون بانّ الراوي كان يعلم ان ما سمعه كلام امامه وكان يفهم من حيث انّه من أهل اصطلاح زمان المعصوم «ع» ولم يكن مبتلى بشيء من الاختلاجات التي ستعرفها ولا محتاجا الى علاجها (١).

بواعث حصول هذه الأزمة :

وكان الباعث لحصول هذه الأزمة والمقاومة من قبل هذه الجماعة الأمور التالية :

١ ـ انّ علم الأصول والاشتغال به من وجهة نظر الأخباريين يؤدّي بالنتيجة الى الابتعاد عن أحاديث أهل البيت «ع».

٢ ـ كانت نظرة جماعة الأخبارية الى علم الأصول بأنّه حصيلة المذهب السنّي لزعمهم سبق أولئك تاريخيا الى البحث في أصول الفقه والتصنيف فيه ، وبالتالي انّ علم الأصول هو من نتاج العقلية المعادية لمذهب أهل البيت «ع» ، وانّه لم ينشأ علم الأصول عند الشيعة إلّا بعد الغيبة ، فيكون هذا العلم من المحدثات.

٣ ـ بما انّ العقل له دور مهم في معظم المباحث الأصولية وابتناء أكثر أسسها على قواعده ، وذكرنا في بحث النزعة الأخبارية انّهم يعتقدون بأن العقل لا دخل له في مسائل الشريعة ، وانّ الطريق الوحيد اليها هو الشرع والسماع عن الصادقين «ع».

البحث الأصولي في الأزمة الأخبارية :

مع انّ علم الأصول كان الهدف النهائي للضربات والصدمات في الأزمة التي استولت على الفكرة الأخبارية ، لكن مع ذلك كلّه لم يتوقّف تقدّم وتطوّر هذا العلم ، بل وجد رجالا متبحّرين متضلّعين في هذا العلم ، ودافعوا عنه أشدّ الدفاع ، وقاوموا التيار المخالف ، وأخذوا يسيرون قدما في مجال التفكير الأصولي ، وظفروا في هذا المجال بالنجاح النسبي منهم :

__________________

(١) الفوائد الحائرية نقلا عن المعالم الجديدة / ٨٦ ـ ٨٧.

١٥٠

الفاضل التوني :

المولى عبد الله بن محمد البشروي ، الساكن بالمشهد الرضوي ، كتب في الأصول «الوافية» وكان لهذا الكتاب في المجامع العلمية يومذاك أثر كبير ، وصار مورد العناية ، وكتبوا له شروحا وحواشي مثل السيد مهدي بحر العلوم ، والسيد محسن الأعرجي الكاظمي. فقد أسهم بدوره هذا المحقق في البحث الأصولي ، وتوفي في بلدة كرمانشاهان حين توجه الى زيارة العتبات المقدسة في العراق وذلك عام (١٠٥٩) (١).

المحقق الخوانساري :

وبعد أن حقق الفاضل التوني النجاح النسبي في مجال الأبحاث الأصولية ، جاء المحقق السيد حسين الخوانساري المتوفى سنة (١٠٩٨) ، وواصل هذا المحقق جهوده في تطوّر علم الأصول والنهوض به ، وكان له دور فعّال في تقدّم الأبحاث الأصولية ، رغم الهجمات التي كانت توجّه من قبل رواد الفكرة الأخبارية بصورة متواصلة ضدّ علم الأصول.

ويبيّن جهود هذا المحقق السيد الصدر قائلا : وكان على قدر كبير من النبوغ والدقّة ، فأمدّ الفكر الأصولي بقوة جديدة كما يبدو من أفكاره الأصولية في كتابه الفقهي «مشارق الشموس في شرح الدروس».

ونتيجة لمرانه العظيم في التفكير الفلسفي انعكس اللون الفلسفي على الفكر العلمي والأصولي بصورة لم يسبق لها نظير.

ونقول : انعكس اللون الفلسفي لا الفكر الفلسفي ، لأنّ هذا المحقق كان ثائرا على الفلسفة ، وله معارك ضخمة مع رجالاتها ، فلم يكن فكره فلسفيا بصفته التقليدية ، وإن كان يحمل اللون الفلسفي ، فحينما مارس البحث الأصولي انعكس اللون وسرى في

__________________

(١) ترجم في روضات الجنات ٤ : ٢٤٤.

١٥١

الأصول الاتجاه الفلسفي في التفكير بروحية متحررة من الصيغ التقليدية التي كانت الفلسفة تتبنّاها في مسائلها وبحوثها ، وكان لهذه الروح أثرها الكبير في تاريخ العلم فيما بعد ... (١).

سلطان العلماء :

وممّن شارك في التأليف وتطوّر علم الأصول :

حسين بن رفيع الدين محمد الحسيني المشتهر ب «سلطان العلماء وخليفة السلطان» تقلّد الوزارة لشاه عباس الصفوي ، وتزوّج ابنته ، ثمّ تقلّد الوزارة في عهد السلطان شاه صفي ، ثمّ نفاه الى قم ، فاشتغل هناك بمطالعة الكتب ومراجعة العلوم.

ثمّ تولّى الوزارة في عهد الشاه عباس الثاني مدة ثماني سنين ، توفّي في بلدة أشرف مازندران (بهشهر) عند رجوعه مع السلطان شاه عباس الثاني من فتح قندهار في سنة (١٠٦٤) نقل رفاته الى النجف الأشرف ، ودفن هناك.

قرأ على والده ، وشارك الخليل القزويني في التلمّذ على الشيخ البهائي ، له حاشية على المعالم في الأصول معروفة (٢).

المحقق الشيرواني :

ومن الذين أسهموا في تطوّر علم الأصول وصنّفوا فيه :

محمد بن الحسن الشيرواني :

جاء الى النجف الأشرف وأخذ العلوم من أعلامها ، حتى أصبح من العلماء المبرزين.

وله حاشية على المعالم في الأصول فارسية ، وعربية.

__________________

(١) المعالم الجديدة / ٨٣ ـ ٨٤.

(٢) روضات الجنات ٢ : ٣٤٦.

١٥٢

ولمّا أشتهر بالعلم والفضل طلب منه الشاه سليمان الصفوي وكان يومذاك قاطن في النجف الأشرف : ان يأتي الى اصفهان فجاء وتوطّن بها.

«تتلمّذ لديه صاحب الرياض ، والشيخ حسن البلاغي النجفي صاحب تنقيح المقال ، وصاهر المجلسي الأول ، وحصل له ولد وهو المولى حيدر علي. وتتلمذ لديه محمد أكمل والد الوحيد البهبهاني المؤسس.

توفي (١٠٩٩) ونقل الى المشهد الرضوي (١).

ومنهم : صدر الدين محمد بن باقر الرضوي القمّي :

تتلمذ في اصفهان على آقا جمال الدين الخوانساري ، والمدقق الشيرواني ، ثمّ ارتحل الى قم ، وأصبح مدرسا فيها ، ثمّ هاجر الى النجف الأشرف ، وتتلمذ هناك عند أبي الحسن الشريف العاملي ، والشيخ أحمد الجزائري.

له شرح على وافية المولى عبد الله التوني في أصول الفقه وهي مفصّلة مشحونة بالتحقيق (٢).

ظواهر وملامح المدرسة الثالثة :

وفي هذه المرحلة يجد الباحث أمورا لم تكن موجودة في المرحلة السالفة ، وأهم تلك الأمور :

١ ـ التفريع على النص ودرس التفصيلات ، وافتراض فروض جديدة لاستخراج حكمها بطريقة ما من النص. وفي هذه المرحلة يحسّ بأهمية التوسل الى العناصر والقواعد العامة لعلاج معضلة حلّ الفروع ، وتطبيقها على الأصول والقواعد العامة ، وكان لكثرة هذه الفروع المتجددة ، واستعمال عملية تطبيق الفروع على الأصول ، ولهذا

__________________

(١) روضات الجنات ٧ : ٩٣.

(٢) ترجم في روضات الجنات ٤ : ١٢٢.

١٥٣

التفاعل اثرا خاصا لتطوّر نفس القواعد وتحكيم أسسها (١).

٢ ـ ومن الظواهر الملموسة في هذا الدور الوقوف النسبي لعلم الأصول ، فانّه لم يمض المجدد العظيم محمد بن الحسن الطوسي «قدس سرّه» حتى قفز بالبحوث الأصولية ، وبحث التطبيق الفقهي قفزة كبيرة ، ولأجل ذلك خلّف تراثا ضخما في الأصول يتمثّل في كتاب «العدة» ، وتراثا ضخما في التطبيق الفقهي يتمثّل في كتاب المبسوط.

ولكن هذا التراث الضخم وهذا التقدّم العظيم توقّف عن النمو بعد وفاة الشيخ المجدد طيلة قرن كامل في المجالين الفقهي والأصولي على السواء.

٣ ـ الظاهرة الثالثة التي يجدها الباحث في هذه المدرسة هي «تجدد الحركة والبحث العلمي».

فانّه ما انتهت مائة عام حتى دبّت الحياة من جديد في البحث الفقهي والأصولي على الصعيد الامامي.

وكانت بداية انبعاث الفكر العلمي والتحرّك الجديد عن دور التوقّف النسبي على يد الفقيه المبدع محمد بن أحمد بن ادريس المتوفى سنة (٥٩٨) ه ، إذ بثّ في الفكر العلمي روحا جديدة ، وأولد حركة مبكرة ، حتى وصلت الحركة العلمية الى المستوى الذي يصلح للتفاعل مع آراء الشيخ الطوسي ومحاكمتها ، واستمرت الحركة العلمية في عصر ابن ادريس تنمو وتتّسع ، وقد ظلّ النمو العلمي في مجالات البحث الأصولي الى آخر القرن العاشر ، وكان الممثل الأساسي له في أواخر هذا القرن الحسن بن زين الدين الشامي صاحب المعالم المتوفى سنة (١٠١١) وترى كتابه «المعالم» يمثّل الصورة العالية لعلم الأصول في عصره ، بتعبير سهل ، وتنظيم جديد ، وكانت نتيجة هذه الأمور أن حصل لهذا الكتاب الشأن الكبير في عالم البحوث الأصولية ، حتى

__________________

(١) حول هذه الخصوصية كلام للشيخ مهدي الآصفي إليك نصّ عبارته : وظاهرة أخرى من ملامح هذا العصر هو تفريع المسائل الفقهية واستحداث فروع جديدة لم تتعرض لها نصوص الروايات ، وكان البحث الفقهي ـ فيما سبق هذا الدور ـ لا يتجاوز حدود بيان الحكم الشرعي باستعراض الروايات الواردة في الباب .... وربّما يصحّ أن نقول : انّ الشيخ الطوسي كان أوّل من قام بهذه التجربة في كتابه المبسوط ، فقد ذكر في أوّل الكتاب انّ الذي دعاه الى تصنيفه : انّ الامامية لم يكونوا يفرعون الفروع الى زمانه ، وكانوا يقفون عند النصوص التي وصلت اليهم عن المتقدمين من المحدثين ، وكان ذلك من دوافع الطعن عن الفقه الجعفري.

فقام (يقصد بالشيخ الطوسي) بهذه المحاولة لسدّ هذا الفراغ في البحث الفقهي. «مقدمة اللمعة» «٦٢ ـ ٦٣».

١٥٤

أصبح كتابا دراسيا في مستوى راقي لهذا العلم.

٤ ـ الظاهرة الأخرى التي يلمسها المحقق في نهاية هذه المرحلة التأثير الفلسفي على علم الأصول ، بالأخص في عصر المحقق آغا حسين الخوانساري ، فانّه نتيجة لمرانه العظيم في التفكير الفلسفي انعكس اللون الفلسفي على الفكر العلمي والأصولي بصورة لم يسبق لها نظير ، وفي هذا العصر ترى في الأصول الاتجاه الفلسفي في التفكير لكن بصورة متحررة من الصيغ التقليدية ، ولم يوجب ذلك خروج علم الأصول عن طابعه الخاص.

المبحث الثاني أهم كتب الأصول في هذه المدرسة :

عدة الأصول :

لشيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي المتوفى سنة (٤٦٠) يقع على قسمين القسم الأول يتضمّن أصول الدين والمباحث الاعتقادية. القسم الثاني يشتمل على أصول الفقه ، وهو أبسط ما ألّف في هذا الفن عند القدماء ، أفاض فيه القول في تنقيح مباني الفقه بما لا مزيد عليه في ذلك العهد ، وقال في سبب تأليفه :

انّ الناس قالوا لم يصنّف في هذا الباب إلّا ما ذكره الشيخ أبو عبد الله في المختصر ، الذي في أصول الفقه ، ولم يستقص ، وشذّ منه أشياء يحتاج الى استدراكها ، وتحريرات غير ما حرّرها.

وانّ السيد المرتضى أدام الله علوه وإن أكثر في الأمالي ، وما يقرأ عليه شرح ذلك ، فلم يصنّف في هذا المعنى شيئا يرجع اليه ويجعل ظهرا يستند اليه ... وذكر بعض الحواشي عليه المحقق الطهراني (١).

__________________

(١) الذريعة ١٥ : ٢٢٧ و ٦ : ٧٨.

١٥٥

معارج الأصول :

للمحقق أبي جعفر نجم الدين جعفر بن الحسن الهذلي الحلّي المتوفى سنة (٦٧٦) فقد كان مدة من الزمن يدرّس هذا الكتاب في المعاهد العلمية ، فهو متن مختصر في أصول الفقه ، عكف عليه الأصحاب بالشرح والتعليق وذكر شيخنا الطهراني عدة منها (١).

نهج الوصول الى معرفة الأصول :

نهاية الوصول الى علم الأصول :

للعلامة الحلّي الحسن بن يوسف المتوفى سنة (٧٢٦) ، كتاب جامع في أصول الفقه ، ذكر فيه ما ذكره المتقدمون والمتأخرون ، ألّفه بالتماس ولده فخر المحققين محمد بن الحسن ، ورتّبه على اثني عشر مقصدا :

الأول : في المقدمات وفيه فصول.

والثاني عشر : في التعادل والتراجيح ، والكتاب كبير يقع في أربعة أجزاء ، ثمّ اختصره وسمّاه «تهذيب طريق الوصول الى علم الأصول» فرغ منها سنة (٧٠٤).

تهذيب الوصول الى علم الأصول :

ويقال له أيضا : تهذيب طريق الوصول ، وقد يخفّف فيقال : تهذيب الأصول ، أو تهذيب الوصول.

اشتهر هذا الكتاب من بين سائر كتب العلامة في أصول الفقه ، ألّفه باسم ولده

__________________

(١) الذريعة ١٤ : ٦٩ ـ ٧٠.

١٥٦

فخر المحققين.

وذكر العلامة الطهراني ٣٣ شرحا عليها ، وكذلك قسما من الحواشي (١).

مبادئ الوصول الى علم الأصول :

ويقال له : مبادئ الأصول أيضا ، وهو متن مختصر في أصول الفقه ، وبما انّ الكتاب وقع مورد رغبة أهل العلم شرحه العلماء وعلّقوا عليه الحواشي (٢).

منية اللبيب في شرح التهذيب :

للسيد ضياء الدين عبد الله مجد الدين أبي الفوارس محمد بن علي بن الأعرج الحسيني الحلّي ، وهو أصغر من أخيه السيد أبي عبد الله عبد المطلب الذي له أيضا شرح التهذيب.

جامع البين من فوائد الشرحين :

للشيخ السعيد أبي عبد الله محمد بن مكّي الشهيد سنة (٧٨٦) ، جمع فيه فوائد شرح السيد عميد الدين ، والسيد ضياء الدين لكتاب تهذيب طريق الوصول الى علم الأصول ، وزاد عليهما فوائد أخر ، وميّز ما اختصّ به شرح الضياء بعلامة (ض) وما اختصّ به شرح العميد بعلامة (ع).

واهتمّ شيخنا عزّ الدين الحسين بن عبد الصّمد تلميذ الشهيد الثاني ووالد الشيخ بهاء الدين العاملي تصحيحات مفيدة لكتاب جامع البين (٣).

__________________

(١) الذريعة ٤ : ٥١١ ـ ٥١٤ و ١٣ : ١٦٥ ـ ١٧٠ و ٦ : ٥٤ ـ ٥٥.

(٢) الذريعة ١٤ : ٥٢ ـ ٥٤.

(٣) الذريعة ٥ : ٤٣٥.

١٥٧

القواعد الكليّة الأصولية والفرعية :

تأليف الشيخ أبي عبد الله محمد بن مكّي الشهيد في سنة (٧٨٦) ، وعليها حواشي ذكر قسم منها المحقق الطهراني (١).

تمهيد القواعد الأصولية والعربية لتفريع الأحكام الشرعية :

للشيخ زين الدين بن علي بن أحمد الشامي العاملي الشهيد سنة (٩٦٦) يقع في قسمين : القسم الأوّل في بيان مائة قاعدة من القواعد الأصولية مع بيان ما يتفرّع عليها من الأحكام.

معالم الدين وملاذ المجتهدين :

تصنيف أبو منصور الحسن بن زين الدين الشهيد الثاني العاملي المتوفى سنة (١٠١١) هو القسم الأول كالمقدمة من معالم الدين في فقه آل ياسين ، وهذا الكتاب الجليل صار عليه المعوّل في التدريس من زمن تأليفه الى هذا العصر ، بعد ما كان التدريس قبل هذا الكتاب على الشرح العميدي على تهذيب الأصول للعلامة الحلّي ، وقد عكف عليه المتأخرون بالبحث والتعليق والشرح مبسوطة ومختصرة ، ذكر قسما منها المحقق الطهراني (٢).

زبدة الأصول :

لبهاء الملّة والدين محمد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي الشهير ب «الشيخ البهائي» المتوفى سنة (١٠٣٠).

من الكتب المهمة في بابها ، عنى به المتأخرون ، وعكف عليه العلماء وتولوه

__________________

(١) الذريعة ٦ : ١٧٣.

(٢) الذريعة ٦ : ٢٠٤ ـ ٢١٠ و ١٤ : ٧٠ ـ ٧٢.

١٥٨

بالتدريس والتعليق والشرح (١).

الوافية :

للعلامة المولى عبد الله بن محمد البشروي التوني المتوفى سنة (١٠٧١) وقع هذا الكتاب مورد اقبال لدى العلماء فشرحه السيد الصدر القمّي ، والسيد محمد مهدي بحر العلوم ، والسيد محسن الأعرجي الكاظمي.

المبحث الثالث أهم المعاهد العلمية في المدرسة الثالثة :

مدرسة النجف الأشرف :

بعد أن حقيقت مدرسة بغداد نجاحات كبيرة ، وأصبحت المركز العلمي والقيادي للشيعة في عصر المفيد والسيد المرتضى وانتقلت الزعامة الدينية والعلمية بعد هذين العلمين الى شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ، وأصبح المرجع الوحيد في مدرسة بغداد ، وكان له كرسي التدريس والزعامة للطائفة ، وكان يمارس عمله الى أن كبس على داره وأخذوا ما وجدوه من دفاتره وكرسيّه الذي كان يجلس عليه للكلام.

ولمّا رأى الشيخ الحالة هذه استقرّ رأيه على أن ينتقل من بغداد الى النجف الأشرف بجوار مرقد الامام أمير المؤمنين ، إذ هي البلدة الوحيدة في رأي الشيخ يومذاك التي تناسب انتقال المدرسة من بغداد إليها ، إذ كانت النجف الأشرف هذه البلدة المقدسة بعيدة عن الغوغاء ، والتنازع الفكري المعادي للمدرسة الشيعية ، فجاء الشيخ الى النجف ليجدد من نشاطه الاسلامي والتثقيفي ، وما زال بالنجف يمارس مهمته في زعامة الشيعة والتدريس والتأليف ، وتطوير مناهج الدراسة العلمية لمدرسة النجف الحديثة.

ومن ذلك الحين الذي وضع الطوسي الحجر الأساس لهذه المدرسة في النجف

__________________

(١) الذريعة ٦ : ١٠٦ ـ ١٠٣.

١٥٩

تعتبر تلك المدرسة معهدا للدراسات الاسلامية العالية في حقول الفقه والأصول والتفسير والفلسفة الاسلامية ـ المتبنّية على أسس فكرية متخذة من مدرسة أهل البيت «ع» ـ وما يتصل بذلك من شئون العقيدة والفكر الاسلامي الذي يناسب المعهد الامامي.

وبعد أن انتقل الشيخ الطوسي الى النجف واستقرّ فيها التفّ حوله جمع من الطلبة والعلماء ، وأخذ يؤمّ المدرسة الحديثة عدد كبير من رواد العلم والفضيلة ويقطعون في سبيل الوصول اليها ، والتروي من منهلها العذب المسافات الشاقة وليتزوّدوا بزاد العلم والمعرفة ، من هذه المدرسة المجاورة لقبر الأمير «ع» ويستمدّوا العون من صاحبها ، فيعودوا بعد ذلك الى بلادهم وقومهم وينشروا الأفكار والمعارف التي تزوّدوا بها ووعوها وليكونوا خير دعاة لها.

ومن ذلك الحين ارتاد النجف الأشرف القوميات المختلفة ، فكانت مدرسة النجف ملتقى البعثات العلمية التي تقصدها من نقاط بعيدة من الشرق والغرب ، وكم لهذا الملتقى والاحتكاك العلمي الملائم والحسن من تأثير على تقدّم العلم وتطوير الثقافة الاسلامية ، إذ تحمل كلّ طائفة تتوجه الى مدرسة النجف ذهنيتها القومية الخاصة بها ، وما تحمل من تجارب فكرية على صعيد الحياة الدراسية في المدرسة النجفية ، وتنسجم في حياة فكرية مؤتلفة تجمعها وحدة الهدف ووحدة البيئة ، فكان هذا الجمع الظريف في هذه المدرسة يهيّئ آفاقا فكرية واسعة في التفكير والصياغة والتعبير والأدب والنتاج الفكري الناشئ في جوّ ملائم بعيد عن التشاغب والغوغائية والتي تتصل بأكثر من تجربة فكرية ، والممثلة لأكثر من ذهنية واحدة.

والمدرسة القائمة على مثل هذه الأسس الفكرية تملك من عناصر المرونة والبقاء ما لا تملكه أيّ ثقافة ونتاج علمي آخر في كثير من الأحوال.

ومن هذه المدرسة منذ عصر الطوسي الذي وضع حجرها الأساس وفي سائر العصور المتأخرة انتشرت حلقات الدرس والبحث ، وتفرّغ العلماء والباحثون للبحث والتحقيق في شئون الفكر الاسلامي وتظافرت الجهود الجبّارة المخلصة في جميع هذه المجالات ، كما انّه من الطبيعي في معهد عظيم كمدرسة النجف أن تتشعّب الدراسة

١٦٠