الرسائل

الآقا حسين الخوانساري

الرسائل

المؤلف:

الآقا حسين الخوانساري


المحقق: رضا الاستادي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: كنگره آقا حسين خوانسارى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٧

بسم الله الرّحمن الرّحيم

قال القوشجي في شرح التجريد : الجوهر إمّا مفارق عن المادّة في ذاته وفعله وهو العقل ، أو مفارق في ذاته دون فعله وهو النفس ، أو مقارن للمادّة فإمّا أن يكون محلّا لجوهر آخر وهو المادّة.

أقول : وفي جعل المادّة من أقسام المقارن للمادّة نوع حزازة ... وكذا في استعمال المادّة قبل أن يخرج من التقسيم [حزازة] ... أو يكون حالّا في جوهر آخر وهو الصورة أو ما يتركب منهما وهو الجسم ... (١)

وقال الدواني في الحاشية : لم يستقيم [هذا التقسيم].

قال المحقّق الخوانساري : قوله : في الحاشية لم يستقم. إلخ.

بيانه : أنّه إذا لم يكن مقارنة الجوهر من خواصّ الجسم وحملنا المفارق والمقارن الواقعين في التقسيم على المفارق عن جوهر آخر والمقارن له لم يستقم التقسيم.

أمّا أوّلا : فلأنّ قولهم حينئذ أنّ العقل والنفس مفارق لم يعلم تصحيحه لجواز أن يكون مقارنين بهذا المعنى.

وأمّا ثانيا : فلانتقاض قولهم : إنّ المقارن المركّب من الحالّ والمحلّ منحصر في الجسم لجواز أن يكون جوهرا آخر كما ذكره الإمام أو حصرهم

__________________

(١) شرح التجريد ص ١٨٤ ، الطبع الحجري.

٣٤١

الحالّ والمحلّ في المادّة والصورة.

وأمّا إذا حملنا المفارق والمقارن على المفارق عن المادّة والمقارن لها فحينئذ يستقيم الكلام ؛ لأنّ المادّة من خواصّ الجسم على زعمهم ، فالعقل والنفس إنّما يكونان مفارقين بهذا المعنى البتة فاندفع الخلل الأوّل ، وكذا المقارن المركّب من الحالّ والمحلّ منحصر في الجسم فقط قطعا ، وكذا الحالّ والمحلّ منحصر في المادّة والصورة فاندفع الثاني.

هذا ظاهر مساق الحاشية ولا يخفى أنّه حينئذ يندفع إيراد الإمام على التقسيم كما أشرنا إليه ، وإيراد الشارح إيّاه وعدم التعرّض لدفعه ، إمّا لأنّ دفعه ظاهر على هذا التقرير فلا حاجة إلى التعرّض له ، لكنّه خلاف الظاهر ، إذ ظاهر سياق كلام الشارح أنّه معترف بوروده. وإمّا لأنّه لم يحمله على ما يفهم منه ظاهرا وهو نقض انحصار المركّب من الحالّ والمحلّ في الجسم ، بل حمله على أنّ مراده لا بدّ من دليل على أنّ الجوهر المركّب من الحالّ والمحلّ منحصر في الجسم ، أي الحلول مختصّ بالجسمانيّات حتى ينحصر تقسيمكم ، إذ لو لم يكن الحلول مختصّا بالجسمانيات لجاز أن يكون العقل والنفس مركّبتين من الحال والمحلّ أيضا ، وحينئذ يبطل حصر تقسيمكم ، إذ لم يدخل جزء العقل والنفس.

ويؤيّده أنّه أدخل في تقسيم جزء العقل والنفس ، ولا شكّ أنّ إيراد الإمام على هذا لا يندفع بحمل المفارق والمقارن على المفارق عن المادّة والمقارن لها ، وإن كانت المادّة مختصّة بالجسم كما لا يخفى ، وحينئذ يكون مراد الشارح من استقامة التقسيم على هذا الحمل اندفاع الخللين السابقين عنه لا اندفاع هذا الإيراد أيضا هذا.

٣٤٢

ولا يذهب عليك أنّه يرد على الشارح أنّ هذا الحمل لا يوجب استقامة التقسيم أصلا ، لأنّ المادّة وإن كانت مختصّة بالجسم على زعمهم لكنّ المادّة التي خرجت من التقسيم ليس إلّا الجوهر الذي حلّه جوهر آخر ، ومقارنة هذا الجوهر ليس من خواصّ الجسم على زعمهم ، فإذن لم يبق فرق بين الحملين في ورود الخللين.

وهذا ما أشار إليه المحشّي العلّامة في الحاشية المعنونة بقوله : قال الإمام (١) ، فالظاهر أن يحمل كلام الشارح على غير ما قرّرها أوّلا ، ويقال إنّ مراده أنّه لا بدّ من حمل الكلام على المفارق عن المادّة والمقارن لها ، إذ لو لم يحمل عليه ، بل على المعنى الذي ذكره المعترض لم يستقم الكلام لا في الواقع ولا في زعمهم ، إذ لم يدّعوا أنّ المقارنة لجوهر آخر من خواصّ الجسم ، وأمّا إذا حمل عليه فإنّما يستقيم على زعمهم ، إذ مقارنة المادّة مخصوصة بالجسم على زعمهم وإن لم يستقم في الواقع كما ذكرنا ، ولا شكّ أنّ أحد الحملين إذا لم يكن مستقيما لا في الواقع ولا في زعمهم وكان الآخر مستقيما على زعمهم وإن لم يستقم في الواقع فالحمل عليه لازم البتة. وعلى هذا اندفع عنه ما ذكرنا ، وظهر وجه عدم تعرّضه لدفع إيراد الإمام.

فإن قلت : على ما قرّرت الإيراد يلزم منه بطلان التقسيم على زعمهم أيضا لا بطلانه في الواقع فقط ، وأيضا فما الفرق بين هذا التوجيه والتوجيه الأوّل ، إذ في الأوّل أيضا ما وجّه الكلام على أنّ المراد صحّة التقسيم على هذا الحمل في الواقع ، بل صحّته بحسب زعمهم كما في الثاني.

__________________

(١) راجع هامش شرح التجريد للقوشجي ص ١٨٤.

٣٤٣

قلت : المراد من صحّة التقسيم على زعمهم في التوجيه الثاني صحّته على زعمهم بالنظر في مجرّد قولهم : «المفارق عن المادّة هو العقل والنفس والمقارن للمادّة هو المادّة والصورة والجسم» مع قطع النظر عن أنّ المادّة التي خرجت من تقسيمهم ليس إلّا الجوهر الذي حلّه جوهر آخر. وبعبارة اخرى : صحّته على زعمهم بحسب بادئ النظر.

والحاصل : أنّهم لمّا لم يدّعوا أنّ مقارنة الجوهر من خواصّ الجسم فحمل تقسيمهم على ما ذكره المعترض ليس له وجه معقول أصلا ، لظهور بطلانه بخلاف حمله على المعنى الآخر ، لأنّه ليس بهذه المثابة ، إذ يتصوّر منهم هذا التقسيم بمجرّد النظر إلى أنّ المادّة من خواصّ الجسم بحسب زعمهم ذاهلين عن أنّ المادّة التي خرجت عن التقسيم ما هي ، وعلى ما قرّرنا المراد اندفع الإيراد وبان الفرق بين الوجهين.

وبما قرّرنا ظهر أنّ إيراد الإمام يمكن حمله على كلّ من الوجهين السابقين ، بل عليهما معا. فتأمّل. (١)

__________________

(١) كتب في خاتمة هذه الحاشية : ـ من إفاداته مدّ ظلّه العالي.

٣٤٤

(١٤)

رسالة في التشكيك

تأليف

رفيع الدين محمد الحسيني النائيني

(م ١٠٨٢)

٣٤٥
٣٤٦

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وبه ثقتي

ومن الله التوفيق وبه الاستعانة إنّه خير موفّق.

أمّا بعد حمد الله المتعالي عن الوصف ، والمتحلّي بالصفات ، المتجلّي على القلوب الذكيّة الزكيّة بلطائف الآثار وجلائل الآيات ، والصلاة على خير البرية سيّد المرسلين وآله الطيبين الطاهرين وأصحابه الفائزين بالصعود على معارج الحقّ واليقين.

فيقول أقلّ الخليقة وأحوجهم إلى فضل ربّه الجواد الغنيّ محمد الملقّب برفيع الدين الحسيني وفّقه الله لما يحب ويرضاه ، ورزقه الوصول إلى غاية متمناه :

إنّ جمعا من الأخلّاء والإخوان أدام الله تأييداتهم ، وزاد في توفيقاتهم سألوني مقترحين أن احرّر لهم تحقيق مسألة التشكيك على وجه لا يبقى مدخل لوجوه التشكيك.

فأجبت ملتمسهم مراعيا للاختصار والايجاز ، متجنّبا عن التعمية والالغاز ، متوكّلا على الله ومستعينا به ، وبنيت الكلام على خمس مقامات.

المقام الأول : في تحقيق الاختلاف التشكيكي.

اعلم أنّ الاختلاف التشكيكي اختلاف في قول المشكّك على ما يقال عليه.

٣٤٧

ولهذا الاختلاف أقسام أربعة :

الأوّل : الاختلاف بالأوّليّة ، يعني كون القول على البعض أوّلوأقدم بالنسبة إلى القول على البعض الآخر ، ومرجعه إلى كون أحد القولين سببا للقول الآخر.

الثاني : الاختلاف بالأولويّة ، يعني كون القول على البعض أحرى من القول على البعض الآخر ، ومرجعه إلى تأكّد الاتحاد ولزومه في أحدهما بالنسبة إلى الآخر.

الثالث : الاختلاف بالأشدّية والأضعفيّة ، يعني كون القولين مختلفين اختلافا يتبع اختلاف المقولين بالشدّة والضعف.

الرابع : الاختلاف بالأزيديّة والأنقصيّة ،يعني كون القولين مختلفين اختلافا يتبع اختلاف المقولين بالزيادة والنقصان ، ومرجعهما إلى الاختلاف في الحملين على وفق الاختلاف بين مصداقيهما تبعا لاختلاف المبدأين أو المحمولين.

المقام الثاني : في حمل الذاتيات والعرضيات ومصداقهما.

اعلم أنّ الحمل حكم باتحاد الطرفين في الوجود والذاتي متّحد بما هو ذاتي له حقيقة ، ومصداق الحمل في الذاتي ذلك الاتحاد الحقيقي ومطابقة الأمر الواحد حقيقة ، والعرضي غير متّحد بما هو ثابت له حقيقة ، إذ حقيقة الموضوع معروض لما عروضه لذلك المعروض مصداق ذلك الحمل ومطابقة المعروض مع العارض.

وإذ قد عرفت ذلك فاعلم أنّ اختلاف نسبة الذاتي إلى ما هو ذاتي له

٣٤٨

بالتأكّد غير متصوّر ، فإنّ المصداق والمطابق غير مختلف ومع عدم الاختلاف فيهما اختلاف الحمل غير متصور وكيف يختلف بالتأكّد ما سبيله الضرورة لا يشوبه الإمكان ، وكذا الاختلاف بالأوّليّة حيث لا يتصوّر فيما لا يستند إلى الغير ، وكذا الاختلاف بالكمال والنقصان.

وكيف يختلف الحمل هذا الاختلاف مع عدم الاختلاف في المصداق والمطابق!؟

المقام الثالث : في أنّ الذاتي لا يختلف الاختلاف التشكيكي بوجه من الوجوه.

أمّا الأوّليّة والأولويّة فلما مرّ في المقام الثاني وفيه كفاية.

وأمّا الأشديّة والأزيديّة فلأنّ الاختلاف بالشدّة والضعف والزيادة والنقصان إمّا في الحمل كما حقّقناه ، أو في المحمول على احتمال ربّما يتوهّم ؛ والأوّل باطل لما مرّ في المقام الثاني. والثاني باطل لما برهن عليه من أنّ الأشدّ والأزيد إمّا أن يشتملا على شيء ليس في الأضعف والانقص أو لا.

وعلى الثاني لا يكون فرق بين ماهيّتهما ، حيث لم يشتمل ماهيّة الأشدّ والأزيد على ما ليس في الأضعف والأنقص.

وعلى الأوّل إمّا أن يكون ذلك الشيء معتبرا في ماهيته ما فيه الاختلاف أو لا ، وعلى الأوّل لا يكون الأضعف والأنقص من تلك الماهية ضرورة انتفاء الماهيّة بانتفاء جزئها. وعلى الثاني لا يكون الاختلاف في الذاتي بل في العارض (الخارج خ) ولا يرد عليه المنع بتجويز الاختلاف في الذاتي لاختلاف أنواعه بتحليل نوع بمثل نوع آخر وزيادة ، لأنّ الاختلاف التشكيكي من جانب

٣٤٩

المحمول إمّا في الحمل أو المحمول ، وذلك لا يوجب اختلافا في المحمول وهو ظاهر. ولا في الحمل الذاتي ؛ لأنّه غير قابل للاختلاف ولأنّ اختلاف الحمل باختلاف المطابق والمصداق لا باختلاف الموضوع.

المقام الرابع : في النقض بالعرضي وحلّه.

قد أورد المجوّزون لوقوع التشكيك في الذاتي على احتجاج القائلين بامتناعه ، أنّ الأشدّ والأزيد يشتملان على شيء ليس في الأضعف والأنقص وإلّا فلا اختلاف بالشدّة والزيادة ، فهذا الشيء المعتبر في الشديد والزائد إن لم يكن معتبرا في المقول بالتشكيك ـ فلا اختلاف في المقول بالتشكيك ـ فلا تشكيك.

وكذا إن كان معتبرا مع لزوم خروج الأضعف والأنقص عن المقول بالتشكيك وأن لا يصدق عليهما.

والجواب عنه أنّه غير معتبر في المقول بالتشكيك.

قوله : فلا اختلاف في المقول بالتشكيك.

قلنا : إن أراد أنّه لا اختلاف في مفهومه من حيث المفهوم فمسلّم ، لكن لا يلزم منه نفي الاختلاف في القول والحمل الذي هو معيار التشكيك ، وإن أراد أنّه لا اختلاف حتى في القول والحمل فممنوع ، فإنّ الاتحاد بالعرض قابل للاختلاف ويختلف باختلاف المطابق والمصداق.

والأشدّ لما كان منحلّا باضعاف الأضعف فكأنّه أضعاف الأضعف وقيامه وعروضه كقيام الأضعاف وعروضها ، فمطابق الحمل ومصداقه الذي هو العروض والقيام في أحدهما ، كأنّه ضعف الآخر وأضعاف له. ولا شكّ أنّ

٣٥٠

اختلاف مصداق الحمل ومطابقه يوجب اختلاف الحمل كما في الأسود والموجود ، فإنّ اختلاف حملهما لاختلاف السواد والوجود العارضين واختلاف السوادين والوجودين بأنفسهما وبما يتبعه من اختلاف العروض والقيام يوجب الاختلاف في الحمل الذي هو الاتّحاد بالعرض وعدم جريانه في الجواب عن الاستدلال غير خفي.

المقام الخامس : في أنّ الأشدّ والأضعف مختلفان بالماهيّة لأنّه لو اتّحد اثنان من المراتب المختلفة بالشدّة والضعف لاتّحد المتنافيان فيهما المتقاربان من صرف النوعين ، ولو اتّحدا لاتّحد النوعان اللذان بينهما غاية الخلاف نوعا ، وذلك لما يتحدس به من أنّ المرتبتين اللتين بينهما مثل ما بين المرتبتين المتّحدتين نوعا بالفرض ، بل ما هما أكثر تقاربا منهما أحقّ بالاتّحاد النوعي ، وأنّ السواد الصرف والسواد الشديد غاية الشدّة من الأوساط أكثر تناسبا من الطرفين الشديدين.

وإذ قد تنبّهت لذلك تحقّقت لك حقيقة الحال في اختلاف مصداق الحمل ومطابقه.

وانحلّ استشكال ما ربما يتوهّم من أنّ مطابق الحمل يختلف باختلاف حقيقة العارض ، لا ما لا مدخل له في تحصّله الشخصي أيضا ، ولا اختلاف في حقيقة الموصوف بالشدّة والضعف لوجود الكيفيّة وامتناع غير المتناهي بالفعل ، ولا فيما به يتشخّص حيث لم يتشخّص بهما أو (إذ خ) يتوهّم من أنّ وجود الكيفيّة المحسوسة حينئذ يوجب وقوع التشكيك في الحقيقة الواحدة وعلمت أنّ الموجود حال الحركة هي الحركة في الكيف ، أعني التسوّد والتسخّن لا السواد والحرارة مثلا.

٣٥١

فإن قيل : القول بعدم تحقّق الكيفيّة حين الحركة مستبعد جدا.

قلنا : ليس بأبعد من القول بكون الشديد في غاية الشدّة والضعيف في غاية الضعف نوعا واحدا ، بل يلزمهم كونهما فردا واحدا. ولو سلّم ذلك فلا يوجب القول بنفي التشكيك المتحقّق في العرضي بديهة أو بطلان البرهان المبتني على اليقينيّات. إنّما يوجب القول بعدم تحقّق الحركة فيها ، بل انتقالات متناهية غير مضبوطة يوهم التدريج ، فإن تمّ الدليل على تحقّق الحركة فيها فلا حكم للاستبعاد ، وإن لم يتمّ فيستبعد تحقّق الحركة حقيقة فيها لا غير.

وأمّا الأزيد والأنقص اللذان من خواصّ الكم فإنّما يتّصف بهما الطول والقصر الإضافيان والقلّة والكثرة الإضافيتان.

فإن سألت عن ماهية الموصوف بهما حقيقة ، فلا محذور في اختلافهما حقيقة ويوجبه اعتبار المتقابلين فيها.

وإن سألت عن ملحوق الإضافات فمراتب الاعداد عندهم أنواع مختلفة.

وأمّا المقادير فعسى أن يكون مراتبها متّحدة نوعا ولا يلزم القول باختلافها من القول باختلاف المختلفين بالشدّة والضعف ، ولا من القول باختلاف المختلفين بالزيادة والنقصان أيضا ، فإنّما المقول بالتشكيك بالزيادة والنقصان ، الطول والقصر الإضافيان.

وأمّا الكم فليس من المقول بالتشكيك في شيء ، ولا يذهبنّ وهمك إلى أنّ الطول الإضافي هو الكون على حدّ من الحدود ، فإنّه ما يتبع لحوقه عروض الحدّ لا نفس الحدّ أو كونه على الحدّ.

٣٥٢

هذا ما قصدنا ايراده في تحقيق المرام. وعليك بالفطانة ثمّ التأمّل في الكلام ، فإنّ فيه كفاية لمن له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد والثابت لما ينفع بالأصرح ولا يتخلّص عن ربقة الجهل والتقليد ، أعاذنا الله وإيّاكم عن المراء والجدل والقناعة عن تحقيق الحقائق بالقيل والقال.

وكان الفراغ منه عشية يوم الثلاثاء التاسع من شهر ذي القعدة الحرام سنة ثلاث وخمسين بعد الألف.

نقل من خطّه دام ظلّه العالي في ١٤ شهر شعبان المعظّم من شهور سنة سبع وخمسين بعد الألف من الهجرة النبويّة. المفتاق إلى رحمة الله الغافر ابن محمد تقي محمد باقر عفى عنهما بالنبيّ وآله.

٣٥٣
٣٥٤

(١٥)

رسالة في الظرف

المستقرّ والظرف اللغو

تأليف

حسين بن محمد شريف بن

الآقا رضي بن الآقا حسين الخوانسارى (رحمهم‌الله)

٣٥٥
٣٥٦

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

المشهور بين النحاة انّ الظرف المستقرّ ما كان متعلّقه عامّا واجب الحذف كالواقع خبرا أو صفة أو حالا أو صلة ، فالمعتبر فيه أمران :

كون المتعلّق عامّا وكونه واجب الحذف ، والثاني مشروط بوقوعه خبرا أو صفة أو حالا أو صلة ، وفي كلا الاعتبارين كلام ، فإنّ الظاهر من كلام نجم الائمة رضى الله عنه انّه لم يعتبر في المستقرّ إلّا تعلّقه بمقدّر فإنّه قال فى بحث وقوع الخبر ظرفا فى جواب كلام :

والجواب أنّ الظرف فى مثله ليس بمستقرّ أى متعلّق بمحذوف (١) وقال في آخر بحث الافعال الناقصة : قال سيبويه : تقديم الخبر إذا كان ظرفا استحسن ويسمّى ذلك الظرف مستقرّا بفتح القاف وكذا كلّ ظرف عامله مقدّر لأنّ ناصبه وهو استقرّ مقدّر قبله فقولك كان في الدار زيد أى كان مستقرّا في الدار زيد (٢) فالظرف مستقرّ فيه ولم يستحسن تقديم ظرف اللغو وهو ما ناصبه ظاهر ، لأنّه إذا فضلة فلا يهمّ به نحو كان زيد جالسا عندك.

وقال السيد الشريف في حواشى الكشاف : «انّ الظرف المستقرّ عندهم ما لم

__________________

(١). شرح الكافية للرضى رحمه‌الله الطبع الحجرى.

(٢). ويحتمل أن يكون الظرف فيه متعلقا بكان المذكور فيكون لغوا لا مستقرّا لكن لا يلائم قاعدة وجوب حذف المتعلّق إذا كان عامّا في المواضع الاربعة فتأمل. منه رحمه‌الله.

٣٥٧

يذكر متعلّقه وفهم منه ، فكان المتعلّق مستقرّ فيه فإن لم يفهم منه سوى الافعال العامّة كان المقدّر منها ، وإن فهم معها شىء من خصوص الافعال كان المقدّر بحسب المعنى فعلا خاصّا ، كما إذا قلت زيد على الفرس ، أو من العلماء ، أو فى البصرة ، وكان المقدّر راكب ومعدود ومقيم ، وكون المقدّر خاصّا لا يخرجها عن كونها ظرفا مستقرّا لأنّ معنى ذلك الفعل الخاص استقرّ فيها أيضا ، وجاز تقدير الفعل العامّ لتوجيه الإعراب فقط ، ولمّا كان تقدير الافعال العامّة مطّردا ضابطا ، اعتبره النحاة ، وفسّروا المستقرّ بما متعلّقه محذوف عام». انتهى.

وقال صاحب اللباب في بحث المفعول به «فلغو اى الظرف إذا كان العامل شيئا من خارج فعلا أو معناه [و] مستقرّ ، إن كان معنى الاستقرار أو الحصول مقدّرا غير مذكور».

وفي شرحه للسيرافى : إنّ المستقرّ يطلق إذا اجتمع فيه امور ثلاثة : كون المتعلّق متضمّنا فيه ، وأن يكون من الأفعال العامّة ، وأن يكون مقدّرا غير مذكور ، فاحترزنا بالأوّل عن مثل مررت بزيد ، فإنّ المتعلّق وهو المرور ليس متضمّنا في الجارّ والمجرور ، بل هو أمر خارج عن الظرف ، وبالثاني عن قولنا : زيد في الدار أى أكل فيها إذا وجد قرينة معيّنة للمقدّر ، فهاهنا المتعلّق متضمّن مقدّر في الظرف لكن ليس من الأفعال العامّة ، ولذلك احتاج إلى قرينة معيّنة ، وبالثالث عما إذا كان المتعلّق متضمّنا للظرف ومن الأفعال العامّة لكنّه مذكور لفظا نحو زيد حاصل فى الدار.» انتهى.

والظاهر أن اعتبار كون المتعلّق عامّا كالمتّفق عليه ، وما نقلنا ممّا زعموا أنّه يشعر بالخلاف أيضا لا يدلّ على الخلاف كما يظهر بالتأمّل (١).

__________________

(١). وقال نجم الائمة رحمه‌الله [في بحث وقوع الخبر ظرفا] : وينبغى ان يكون العامل في المستقرّ من الأفعال العامّة ليكون الظرف دالّا عليه ولو كان خاصّا لم يجز لعدم الدليل عليه ولا يخفى دلالته على ما ذكرناه. فتامل منه رحمه‌الله.

٣٥٨

وأما وجوب الحذف وإن كان ما نقلنا مشعرا بعدم اعتباره حيث اطلقوا القول بكونه مقدّرا غير مذكور ، لكن منشأ الخلاف فيه الخلاف فى شىء آخر ، وهو أنّ متعلّق الظرف الواقع في واحد من المواضع الأربعة اذا كان عامّا هل يجب حذفه أم لا ، فذهب الجمهور إلى الأوّل ؛ لقيام القرينة على تعيّنه وسدّ الظرف مسدّه.

وذهب ابن جنّى إلى الثاني. وقال نجم الائمة رضى الله عنه : إنّه لا شاهد له (١) ، فمن يرى وجوب الحذف فيها اعتبره في المستقرّ مطلقا ؛ لأنّ كلّ ما كان المتعلّق عامّا في غير المواضع الأربعة لا يجوز حذفه اتّفاقا ؛ وفيها يجب الحذف عند تحقيقهم ، فلذلك زعموا أنّ وجوب الحذف وكونه مقدّرا متلازمان ، وأمّا من لم ير وجوب الحذف فيها فاكتفى في الظرف المستقرّ بكونه عامّا ومقدّرا فتدبّر.

ثمّ اختلفوا في أن المتعلّق فى المستقرّ إذا حذف هل يحذف مع الضمير أم يحذف فارغا عنه واستتر الضمير فى الظرف؟ فذهب السيرافى إلى الأول وأبو على ومن تابعة إلى الثاني ، وهو المختار عندهم ، لوجوه مذكورة في كتب النحو (٢) فعلى الاول تسميته بالمستقرّ إمّا لتعلّقه بالاستقرار العامّ وما هو بمعناه ، أو لدلالة الظرف بلا حاجة إلى القرينة على المتعلّق المحذوف ، فكأنّه مستقرّ فيه ، فالظرف مستقرّ فيه حذف فيه تخفيفا. وعلى الثاني إمّا لهذين الوجهين ، أو لاستقرار الضمير فيه ، أو لاستقرارهما معا. هذا ما تيسّر لنا في تحقيق المستقرّ.

فاللغو في مقابله ما كان متعلّقه إمّا خاصّا مذكورا أو مقدّرا أو عامّا مذكورا.

بقى شىء وهو أنّ المتعلّق في اللغو إن كان خاصّا محذوفا يحذف مع الضمير اتّفاقا ، ولعلّ وجهه أنّ في صورة كونه خاصّا لا يفهم المتعلّق من الظرف ولا يجوز

__________________

(١) وأمّا قوله : «فلمّا راه مستقرّا عنده» فمعناه ساكنا غير متحرّك وليس بمعنى كائنا ، وما نقل عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في وصفه تعالى من قوله «لم يحلّ في الاشياء فيقال هو فيها كائن» فكان الكائن فيه من الكون في الاشياء بمعنى الحلول وليس من الافعال العامّة منه رحمه‌الله.

(٢) قد اطال الكلام فيه نجم الائمة رضى الله عنه في بحث وقوع الخبر ظرفا فليطالع ثمّة. منه رحمه‌الله.

٣٥٩

حذفه إلّا مع قيام دليل عليه ، فهو في حكم المذكور وضميره فيه لا ينتقل منه إلى الظرف ، بخلاف ما إذا كان عامّا واجب الحذف ، فإنّ المتعلّق لمّا كان يفهم من الظرف فكأنّه لم يذكر على حدة أصلا ، فارتكبوا انتقال ضميره إلى الظرف فافهم.

فاندفع ما قيل (١) من أنّه لو كان وجه التسمية في المستقرّ استقرار الضمير فيه فينبغى أن يكون هذا النوع من الظرف أيضا مستقرّا لا لغوا فتأمّل.

ولقد تمّ على يد مؤلّفه الفقير إلى عفو ربّه اللطيف البارى حسين ابن المرحوم محمّد شريف الخوانسارى عفى عنهما.

__________________

(١). وكذا يظهر فساد ما نقلنا من السيّد الشريف وهو قوله : وكون المتعلّق خاصّا لا يخرجه عن كونه مستقرّا لأنّ معنى ذلك الفعل الخاصّ أيضا استقرّ فيه ووجه الفساد أنّ في صورة كونه عامّا لما يفهم المتعلّق من الظرف بلا احتياج إلى القرينة فكأنّه مستقرّ فيه بخلاف ما اذا كان خاصّا فانّه لا يفهم منه إلا بالقرينة فكأنّه ليس مستقرا فيه فتأمّل منه رحمه‌الله.

٣٦٠