الرسائل

الآقا حسين الخوانساري

الرسائل

المؤلف:

الآقا حسين الخوانساري


المحقق: رضا الاستادي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: كنگره آقا حسين خوانسارى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٧

(٧)

رسالة في علم الباري

تأليف

آقا حسين الخوانساري

٢٨١
٢٨٢

بسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

اعلم أنّه بعد ما ثبت أنّ الواجب تعالى شأنه يوجد الممكنات قاطبة بالقصد والإرادة وأنّه عالم في الأزل بجميعها بالعلم السابق على الإيجاد فلا يخلو :

إمّا أن يكون هذا العلم بحضور المعلومات بأنفسها عنده وهو باطل بالضرورة (على وجهين خ) أمّا أوّلا فلأنّ المفروض أنّ هذا العلم سابق على وجودها ، وأمّا ثانيا فلأنّه ينافي حدوث العالم.

وإمّا أن يكون بحصول صورها في ذات الواجب تعالى وهو أيضا باطل ، لأنّ تلك الصور أيضا من الممكنات ، فلا بدّ من علم آخر سابق على إيجادها وهو أيضا باطل ، لأنّ تلك الصور غير متناهية البتة ، فإمّا أن يكون بينهما ترتّب ، كما هو الظاهر من كلام من يقول بها ، وحينئذ يلزم التسلسل المحال على رأي الحكماء والمتكلّمين ، وإمّا أن لا يكون بينها ترتّب ، فيبطل أيضا على رأي المتكلّمين. وأيضا ينافي ما ثبت بإجماع الملّيين من حدوث العالم بأسرها ، لأنّها أيضا من أجزائه ، ويخالف أيضا ظاهر ما تقرّر عند الحكماء ، من امتناع كون الشيء قابلا وفاعلا معا.

وإمّا أن يكون بثبوت الممكنات المعدومة بأنفسها في الأزل معرّات عن الوجود ، وبطلانه أيضا أظهر من أن يخفى ، لعدم الفرق بين الوجود والثبوت ، وإنكاره سفسطة شنيعة.

وظهر أيضا ممّا ذكر بطلان كون هذا العلم بحصول صور الممكنات

٢٨٣

وأشباحها قائمة بأنفسها في الأزل ، كما ينسب إلى افلاطون ، لأنّ تلك الصور إمّا موجودات أو ثابتات معرّاة من الوجود.

وعلى التقديرين ظهر حالها ممّا سبق.

وظهر أيضا حال كون تلك الصور قائمة بموجود آخر غير الواجب تعالى.

فما بقي من الاحتمال إلّا أن يكون علمه تعالى بالممكنات في الأزل السابق على وجودها عين ذاته المقدّسة.

وانحصار طريق العلم في حصول صورة المعلوم عند العالم أو حضور عينه عنده لو فرض تسليمه في حقّنا فلا نسلّم في حقّه تعالى ، بل هو قياس للغائب على الشاهد ، ولم لا يجوز أن يقوم حضور العلّة مقام حصول صورة المعلول ، وحضور عينه.

ولا يستبعد أيضا من أن يكون هذا العلم الذي هو عين ذاته المقدّسة علما تفصيليا بجميع الممكنات ، إذ ملاكه حضور علّة المعلوم عند العالم والعلّية مشتركة بالنسبة إلى جميع الممكنات فلا حاجة إذا إلى القول بكونه إجماليّا ، حتى يخالف ظاهر ما ثبت بالعقل والنقل.

وإذ قد تقرّر أنّ علمه السابق الأزلي عين ذاته المقدّسة ، فكما لا يمكن أن يعلم كنه ذاته ، لا يعلم كنه علمه وكيفيّة إحاطته بجميع المعلومات ، فالخوض فيه ممّا لا يثمر ، بل يجب الاكتفاء بما ذكر.

وبعد ما تقرّر هذا القول ، قد سهل حينئذ حلّ عقال اشكال استشكله بعض الإخوان الصالحين ، وهو أنّه إن كان الله عالما في الأزل بجميع الموجودات على ما هي عليه في نفس الأمر ، من غير تفاوت فيه ، فيلزم تحصيل الحاصل من

٢٨٤

الإيجاد. وإن كان عالما بها ، لا كما هي عليه من جميع الجهات فيلزم جهله من بعض الحيثيّات ، تعالى عن ذلك علوّا كبيرا.

وذلك ؛ لأنّ تحصيل الحاصل إنّما يلزم لو كان علمه السابق بحضور المعلومات بأنفسها عنده في الأزل وقد عرفت بطلانه ، والجهل من بعض الحيثيّات أيضا إنّما يلزم إذا كان علمه الأزلي إجماليّا وقد ذكرنا أنّه لا يلزم القول به ، بل هو تفصيلي محيط بجميع الأشياء بلا لزوم محذور ، فقد اندفع الإشكال بحذافيره ، ومنه التوفيق والهداية إلى سواء الطريق. تمّت.

٢٨٥
٢٨٦

(٨)

رسالة في الاجماع

تأليف

آقا حسين الخوانساري

٢٨٧
٢٨٨

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

اعلم أنّ الإجماع الذي يدّعي أصحابناإمّا أن يكون في زمان الغيبة أو في زمان حضور الأئمّة عليهم‌السلام فإن كان في زمان الغيبة ، أي يدّعون أنّ الإجماع وقع في زمان الغيبة ، فالتمسّك بمثل هذا الإجماع مشكل ، إذ بعد ما فرض أنّا علمنا أو ظننا أنّ جميع العلماء الإماميّة ذهبوا إلى قول فلا حجّة فيه ، لأنّ العبرة عندنا بقول المعصوم فقول جميع العلماء مع الخلوّ عن المعصوم لا حجّة فيه ، وما يقال إنّه حينئذ يجب على المعصوم أن يظهر القول بخلاف ما أجمعوا عليه لو كان باطلا ، فلمّا لم يظهر ظهر أنّه حق ليس ممّا لا يخلو عن المناقشة سيّما إذا كانت في جملة روايات أصحابنا رواية بخلاف ما أجمعوا عليه ، إذ لا فرق.

بين أن يكون إظهار الخلاف على تقدير وجوبه بعنوان أنّه قول فقيه وإن لم يعلم أنّه المعصوم ، إذ لم يقل القائلون بوجوب الإظهار حينئذ أنّه يجب على الإمام أن يظهر القول بالخلاف مع تعريفه نفسه للناس ، بل يقولون إنّه يكفي أن يظهر القول وإن لم يعلم العلماء أنّه الإمام عليه‌السلام.

وبين أن يكون الخلاف مدلولا عليه بالرواية الموجودة في أحاديث أصحابنا.

ولا يخفى أنّه على هذا لا يبعد القول أيضا بأنّ قول الفقيه المعلوم النسب أيضا يكفي في ظهور الخلاف ، فتدبّر.

٢٨٩

وإن كان في زمان الحضور أي يدّعون أنّه وقع الإجماع في زمان حضور إمام من الأئمّة ، وحينئذ فإمّا أن يدّعوا الإجماع من الأصحاب فقط دون الإمام فحاله مثل ما سبق. وإن ادّعوه مطلقا ، وحينئذ وإن أمكن دفع ما يقال عليه بأن دعوى مثل هذا الإجماع ممّا لا فائدة فيها على رأينا من أنّ العبرة بقول المعصوم لا بالاتفاق ، إذ يكفي أن ينقل أنّ المعصوم عليه‌السلام قال هكذا ولا حاجة إلى أن يضمّوا إليه قول الأصحاب أيضا ، بأن يقال : لعلّهم لم ينقل إليهم خبر خاصّ من المعصوم بالحكم لكنّهم عرفوا بالنقل المتواتر وغيره أنّ الإمام عليه‌السلام قائل بهذا الحكم فلذا لم ينقلوا الخبر عنه ، بل نقلوا أنّه عليه‌السلام قائل بهذا الحكم ، ولا شكّ أنّ مثل هذا لا استبعاد فيه ، بل كثيرا ما يقع في الوجود أمثال ذلك ، بأنّ يعلم أو يظنّ أنّ شخصا مثلا معتقده وطريقته كذا من غير أن يكون خصوص خبره منقولا عنه في هذا الباب.

وأنت خبير بأن إنكار تحقّق مثل هذا مكابرة بلا مرية ، إذ نعلم قطعا في بعض المسائل أنّ الإمام عليه‌السلام قائل به مع قطع النظر عن خبر ورد عنه مثل المسح على الرجلين ونحوه ، كيف وإنكار الضروريات ممّا لا سبيل إليه وهي أيضا من هذا القبيل ، إذ ليس علمنا لها من قبل الأحاديث المنقولة ، بل بنحو آخر ، ألا ترى أنّ العوام أيضا يعلمونها ضرورة من دون علمهم بالأخبار قطعا؟ وإذا جاز أن يصل مثل ذلك إلى حدّ الضرورة التي تعلّمها الخواصّ والعوام قطعا ، فأي استبعاد في أن يصل إلى حدّ القطع أو الظنّ عند الخواصّ أو لبعضهم وهو ظاهر.

وأمّا ضمّ قول الأصحاب حينئذ إلى قوله عليه‌السلام فكأنّه لتقوية الحكم وتأييده ، إذ بعد ما ثبت أنّ أحدا من الأصحاب أيضا لم يذهب إلى خلاف حكم يقوى العلم أو الظن بأنّ الإمام عليه‌السلام كان قائلا به ومعتقدا له.

٢٩٠

لكن لا يخفى أنّ في أكثر الإجماعات التي ادّعوها لا يحصل العلم أو الظن بأنّ مراد مدّعيها أنّ الإمام الظاهر داخل في جملة القائلين بالحكم باعتبار نقل وصل إليهم أو غيره من القرائن والأمارات ، بل يختلج بالبال أن يكون حكمهم بالإجماع.

إمّا لأنّهم رأوا أنّ علماءنا ذهبوا إلى قول في زمان الغيبة ولم يظهر له مخالف أو ظهر مخالف معلوم النسب فأطلقوا القول بالإجماع بناء على معتقدهم ، أنّه لو كان مخالفا للحقّ لوجب على الإمام عليه‌السلام أن يظهر الحقّ ويغشيه بين الناس ، وكذا في زمان الحضور أيضا وقد عرفت ما في هذا البناء أو يكون مرادهم بالإجماع الشهرة ويكون الشهرة معتبرة عندهم بناء على ما نقل عنهم عليهم‌السلام : «خذ المجمع عليه بين أصحابك واترك الشاذّ النادر» (١) إذ المجمع عليه هاهنا بمعنى المشهور بقرينة «واترك الشاذ النادر» وحينئذ أيضا لا مجال للقول بحجيّته.

وهذا الاحتمال الأخير وإن قيل ببعده لأنّ الثقة إذا قال إنّ الحكم الفلاني مجمع عليه وكان للإجماع معنى مصطلح في عرفهم ، فالقول بأنّه أراد معنى آخر غير المصطلح عليه من دون إقامة قرينة عليه سوء ظنّ به واتّهام له ، لكن الاحتمال الأوّل لا بعد فيه إذ بعد ما يكون المقدّمة المذكورة ـ من وجوب إظهار الحقّ على الإمام عليه‌السلام لو وجد مخالفا له متّفقا عليه بين الأصحاب ـ معتقدة لشخص فلا فساد في حكمه بالإجماع على أمر بمجرّد اعتقاد ذهاب الأصحاب إليه ، بناء على المقدّمة المذكورة ، على أنّ الاحتمال الأخير أيضا كأنّه يرتفع البعد عنه بعد تتبّع المواضع التي يدّعى فيها الإجماع ولعلّه كان هذا

__________________

(١) الكافي ١ / ٦٨ مقبولة عمر بن حنظلة ، التهذيب ٦ / ٣٠١.

٢٩١

الاصطلاح أيضا مشهورا بينهم.

ومع هذا كلّه في المقام شيء آخر وهو أنّه سواء قلنا إنّهم يبنون الأمر على الاحتمال الأوّل أو على الاحتمال الثاني أنّه قد يقع في بعض المواضع بل في كثير منه ـ كما يظهر بالتتبّع ـ أنّ بعضهم يدّعي الإجماع في حكم مع أنّ ذلك الحكم ليس ممّا لم يظهر فيه مخالف ، بل وليس ممّا يكون مشهورا أيضا بحيث يكون مخالفه شاذّا نادرا وعند ذلك يظهر أنّ بعضهم كأنّه لم يثبت حق التثبّت في تفتيش الأقوال وتحقيق الحال ، وحينئذ يضعف الظنّ من هذه الجهات التي ذكرنا بما ادّعوا من الإجماع.

وغاية ما يمكن أن يقال في هذا الباب : إنّ من الإجماعات ما وصل إلى حدّ القطع بأنّ الإمام عليه‌السلام قائل به وانّه من طريقته وسنّته كمسح الرجلين ونحوه فلا خفاء في حجيّته ولا كلام فيه.

وما لم يصل إلى ذلك الحدّ فإن كان جمع من أجلّة الأصحاب ادّعوه ولم يظهر من أحد منهم دعوى مخالفة لدعواهم وكذا لم يظهر ايضا خلاف بين أصحابنا المتقدّمين فيه فلا يبعد حينئذ القول بحجيّته ، لأنّ ما ادّعوه من الإجماع وإن فرضنا أنّه ليس بمعنى أنّ الإمام قائل بالحكم ، بل بمعنى أنّ ما سواه قائل به فيكون هو أيضا قائلا به بناء على المقدّمة التي ذكرنا من أنّه لو كان باطلا لوجب عليه إظهار الحق أو بمعنى الشهرة وزعموا أنّها حجّة أو بمعنى أنّه لم يظهر لهم مخالف في هذا الحكم ويكون معتقدهم أنّ مثل هذا كاف في الحكم أو بمعنى آخر يقرب مما ذكرنا إن كان ، لكن لا شكّ أنّ حكما من الأحكام إذا لم يظهر به قائل من أصحابنا الإماميّة وكان فتاواهم وأقوالهم متطابقة على خلافه فحينئذ يحصل الظنّ القويّ بأنّهم أخذوا خلافه من الإمام بعنوان لم يبق فيه ريب ولا

٢٩٢

خلاف ، إذ العادة لم تجر بأنّ ما لا يكون كذلك لم يقع فيه خلاف بينهم مع كثرتهم ومخالفة أذهانهم في إدراك الامور واستنباط الفروع ومباينة مشربهم في تأسيس المباني وتأصيل الأصول سيّما إذا وجدت الروايات المتعارضة عن الأئمّة في طرفي المسألة ، إذ على هذا يصير الظن أقوى لما نرى من عادتهم ونشاهد من ديدنهم أنّه قلّما يكون أن يكون رواية في حكم ولم يوجد به قائل من أصحابنا وسيّما إذا كانت الروايات الدالّة على ما أجمعوا عليه كثيرة معتبرة وخصوصا إذا كانت الروايات الدالّة على ما أجمعوا عليه ضعيفة شاذّة نادرة ، وإذا لم يوجد عليه رواية فبطريق الأولى.

واحتمال أن يكون مخالف من الأصحاب المتقدّمين ولم يصل خلافه إلى مدّعى الإجماع بعيد أيضا جدّا ، لما نرى من شدّة اجتهادهم في تتبّع الأقاويل وتفحّص المذاهب حتى أنّا نراهم في المسائل النادرة قد تتبّعوا الأقاويل ونقلوا خلافا نادرا من الأصحاب إن كان بل بعضهم جهدا قد آل في تتبّع أقوال العامّة أيضا بحيث لم يفت منه شيء إلّا ما شذّ وندر ، فكيف ظنّك بأقوال الخاصّة وبالمسائل المتعارفة التي يعمّ بها البلوى.

وبالجملة في هذا المقام إن لم يحصل القطع بالحكم بعد ملاحظة ما ذكرنا فلا كلام في حصول الظنّ القويّ وإنكاره مكابرة ، ومثل هذا الظنّ لا يقصر عن الظنّ الذي يحصل من الخبر الواحد بل يكون في أكثر المواضع أقوى منه وأشدّ ، فحينئذ إن لم يكن على خلاف ما ادّعوه من الإجماع خبر صحيح معتمد عليه فلا إشكال ، وإن كان فإن لم نقل برجحان الإجماع عليه فلا أقلّ من التساوي إذ أدلّة حجيّة خبر الواحد أيضا على تقدير تمامها ليست بحيث يوجب العمل مع معارضة هذا الظنّ القويّ له ، سيّما مع تأييده بما ورد في الروايات ، من أنّه «خذ

٢٩٣

المجمع عليه بين أصحابك واترك الشاذ النادر» لشموله لما نحن فيه ظاهرا فيحكم بالتساقط ويرجع إلى ما اقتضاه أصل ودليل آخر.

ولا يخفى أنه حينئذ إذا ظهر خلاف من واحد من أصحابنا المتأخرين أو جمع أيضا منهم فالظاهر أنّه لا اعتداد به ، ووجهه بعد تأمّل ما ذكرنا ظاهر لا يحتاج إلى بيان ، وأمّا إذا لم يكن كذلك بل ادّعى بعضهم الإجماع على خلافه أو ادّعى الخلاف فيه من المتقدّمين أو نقل مدّعى الإجماع نفسه خلافا منهم ، أو لم يدّع أحد خلافا لكن رأينا في كلام القدماء خلافه أو ظهر لنا بدليل أنّهم خالفوا فيه ، فحينئذ لا سبيل إلى حجيّته ولا وجه للتعويل عليه.

نعم إذا ثبت أنه كان مشهورا بين قدماء الأصحاب بحيث كان مخالفه شاذّا نادرا فلا يبعد حينئذ جعله من مرجّحات الدليل ومؤيّدات المدلول باعتبار الرواية التي نقلنا آنفا وباعتبار أنّ الظنّ يذهب غالبا إلى أنّ في مثل هذه المواضع وقوع الخطاء من القليل أكثر منه من الكثير ، وأمّا جعله حجّة برأسها وأخذه دليلا بانفراده فلا (١).

__________________

(١) نقل من شرح الدروس للمحقق العلامة آقا حسين الخوانساري الطبع الحجري ص ٣٢٩.

٢٩٤

(٩)

رسالة

في أنّ العقل هل يحكم بالحسن والقبح في

الأفعال الصادرة عن الإنسان أم لا؟

تأليف

آقا حسين الخوانساري

٢٩٥
٢٩٦

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وبه نستعين وله الحمد قال جمال المحقّقين في حاشيته على مختصر الاصول : قول الشارح : ثمّ نقول : العقل لا يحكم بحسن فعل. إلى آخره. (١)

لمّا كان هذا المقام من المباحث العظيمة والمطالب المهمّة وقد ضلّ فيه فهم العقول وزلّ قدم الفحول ، سألت والدي دام ظله العالي أن يكتب على هذا الكلام حاشية يبيّن فيها ما كان يفيده في أثناء المباحثة ليرجع إليها كلّ من تحيّر في هذا المطلب وسدّ عليه كلّ مذهب ، فقد منّ سلّمه الله على عبده وشرّفني بإجابة مسئولي وإسعاف مأمولي ، فكتب هذه الحاشية :

فيه بحث لأنّ الاضطرار الذي لا يحكم العقل بحسن فعل يصدر معه ليس هذا المعنى الذي لزم ممّا ذكره ، لأنّ اللازم مما ذكره ليس إلّا أنّه يجب صدور الفعل عن العبد بسبب وجود الاختيار والإرادة فيه ووجودهما فيه ليس باختياره.

ولا نسلّم أنّ هذا هو الاضطرار المذكور بل الاضطرار المذكور على أحد وجهين :

إمّا بأن يصدر الفعل من الفاعل بدون شعور وإرادة كما يصدر عن الطبائع.

__________________

(١) راجع ص ١٥٩ من المجلّد الأوّل من هذه الحاشية الموجودة في مخطوطات مكتبة آية الله العظمى الگلپايگاني بقم.

٢٩٧

وإمّا بأن يصدر عنه مع الشعور ، لكن بقسر قاسر وجبر جابر ، مثل أن يأخذ أحد يد أحد ويضرب بها رجلا.

أمّا إذا صدر فعل عن فاعل يكون عالما به وبمصلحته ، ويكون علمه بمصلحته باعثا له على فعله حتّى لو لم يكن له ذلك العلم بل كان له العلم بمصلحة تركه لما فعله ، بل تركه لأجل علمه بمصلحة تركه ، فليس هذا اضطرارا أصلا.

وإن كان صدور الفعل بعد حصول ذلك العلم بطريق الوجوب واللزوم سواء كان حصول العلم من نفسه أولا.

فإن قلت : هذا مجرّد اصطلاح ، إذ اصطلحتم على أنّ مثل هذا الفعل يسمّى اختياريا لا اضطراريا ، والقسمين الأولين يسمّيان اضطراريا ، وإلّا ففي الحقيقة لا فرق بين الأقسام فيما يتعلّق به غرضنا من جواز تعلق الحسن والقبح والمدح والذم والثواب والعقاب.

كيف ولو كان بعد حصول العلم بمصلحة محرّم مثلا يجب أن يصدر ذلك المحرم عن الفاعل ، فأيّ ذنب للفاعل في ذلك ، إذ ليس له ذنب في حصول العلم أصلا ضرورة واتفاقا ، سواء قيل إنّ حصوله منه بالإيجاب أو لا.

وبعد حصول العلم لا يمكنه أن يمنع صدور الفعل بل يصدر البتة. فأيّ معنى لكون الفاعل مذنبا ومستحقا للتوبيخ والتنديم واللوم والعقاب.

أكلّ ذلك بمجرد أنّ العلم والإرادة من جملة أسباب الفعل؟ كلّا. وهل هذا إلّا مثل أن يكون لرجل ثلاثة عبيد ، سمّى أحدهم بالعلم والآخر بالإرادة والآخر بالفاعل ، ثم شدّ حبلا على وسط العبيد ، وكان رأس الحبل بيده فجذبه بحيث سقط العبيد ، وكان سقوط العلم مستلزما لسقوط الإرادة وسقوط الإرادة

٢٩٨

مستلزما لسقوط الفاعل ، فهل يجوز حينئذ أن يضرب السيد الفاعل لأجل سقوطه باعتبار أنّ الإرادة والعلم كانا من جملة أسباب سقوطه ، وهل يجوّز عاقل مثل ذلك؟

قلت : لو كان مجرّد العلم سببا موجبا للإرادة أو للفعل لكان الأمر كما ذكرته. لكنّه ليس كذلك ، بل العلم بالمصلحة مثلا يصير في بعض الموارد سببا موجبا للفعل إن قلنا إنّ الإرادة ليست إلّا الداعي ، أو للإرادة إن قلنا إنّها غيره ، وفي بعض الموارد لا يصير سببا لأحدهما ، كما أن الصالح والطالح مشتركان في العلم بمنفعة الخمر مثلا. وذلك العلم يكون في الطالح سببا موجبا لشربه أو الإرادة الموجبة له. ولا يكون في الصالح كذلك ، فهذا الأمر هو الذي يوجب كون الطالح مذنبا مستحقّا للوم والعقاب دون الصالح.

فإن قلت : حاصل ما ذكرته يرجع إلى أنّ حصول العلم بمصلحة الخمر في مادّة الطالح لمّا كان موجبا للشرب أو إرادته دون مادّة الصالح فلا جرم يكون لمادّته مدخل في حصول الشرب ، فيكون الذنب والتوبيخ لأجله ، وهذا ليس بصحيح لأنّ ذات الطالح إذا كانت موجبة لفعل المحرّم فأيّ ذنب له في فعله.

قلت : أيّ فساد في أن يكون كون ذات الطالح موجبة لفعل المحرّم بشرط حصول العلم له بنفعه سببا لاستحقاق اللوم والعقاب.

ومن قال بأنّ الذات لا بدّ أن لا يكون لها مدخل في حصول الفعل حتّى تكون مستحقة للثواب والعقاب؟

والعجب أنّ جمهور أهل العرف إذا حاولوا المبالغة في ذم أحد أو مدحه يقولون إنّ ذاته كذا وكذا ، ثمّ إذا وصلوا هذا المقام يعدّونه مستنكرا ويشمئزّون عنه.

٢٩٩

ولو قيل : إنّا لا ننكر أن يكون للذات مدخل في حصول الشرّ والخير ويكون الفاعل مستحقا للثواب والعقاب والمدح والذم ، لكن ننكر أن تكون موجبة لهما بشرط العلم ومع ذلك كان الأمر كذلك.

قيل : إذا تأمّلت يظهر لك أنّ الوجوب واللزوم أيضا لا ينافي ذلك بل يؤكده ويحققه.

ولنفرض لك مثالا للتوضيح والتبيين فنقول : هل لا تعترف أنت وجميع أهل العقل بأنّه :

إذا كان أحد بحيث يقدم على القبيح بأدنى سبب فهو أسوأ حالا ممّن يقدم عليه بسبب أقوى منه.

وهكذا مثلا إذا كان أحد بحيث لا يقدم على قتل نفس ظلما بمجرد إعطاء دينار له ، بل يقدم عليه بإعطاء ألف دينار فهو خير ممّن يقدم عليه بمجرّد إعطاء دينار ومن لا يقدم عليه بإعطاء ألف دينار بل بإعطاء آلاف دينار فهو خير ممن يقدم عليه بإعطاء ألف دينار وهكذا.

فإذا كان أحد بحيث لو اعطي له جميع خزائن الأرض لا يقدم على القتل ، فلا شك أنّه أجدر بالمدح والثناء ممّن لم يكن كذلك. ولا شكّ أيضا أنّه إذا كان الشخص المذكور بحيث يصدر عنه القتل بسبب إعطاء خزائن الأرض ، فهو ليس في مرتبة ما إذا كان يمتنع عن الإقدام المذكور بسبب ذلك الإعطاء ؛ ألا ترى أنّ كافّة ذوي العقول يقولون في مقام المدح : إنّ فلانا بحيث إذا اعطي له خزائن الأرض يمتنع أن يقدم على القبيح.

فظهر أنّ الذات كلّما كانت أقرب من أن يمتنع عنها صدور القبيح كانت

٣٠٠