الرسائل

الآقا حسين الخوانساري

الرسائل

المؤلف:

الآقا حسين الخوانساري


المحقق: رضا الاستادي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: كنگره آقا حسين خوانسارى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٧

وإما أن يتغيّر في سواديته فيكون بفصل فاذن كلّ سواد] بل كل كيفيّة مثله يتغير في ذاته فإنّه يتغير بأمر فصلي ويكون مباينته لغيره مباينة نوعيّة وبالجملة فهاهنا أشدّ وأضعف وأقلّ وأكثر وأقرب وأبعد وكلّ ذلك بالقياس والإضافة ، فإذا عرضت هذه الإضافة في الكمّ كانت قلّة وكثرة ، وإذا عرضت في الكيفية كانت شدّة وضعفا ، وإذا عرضت في الأين والوضع كانت قربا وبعدا فإن لم تعتبر الإضافة لم يكن قلّة ولا كثرة في الكم ولا شدّة ولا ضعفا في الكيف ولا قربا ولا بعدا في الأين والوضع. انتهى. (١)

وثاني الوجهين من الشدّة أن يكون أثر الطرف في شيء أكثر منه في الآخر.

فإن قلت : لا شيء من الزيادة والشدّة الحاصلتين في الفرد مأخوذة في طبيعة العارض فلم يكن العارض ما فيه الاختلاف ونظير ما اثبته في العرضي يجري في الذاتي.

قلت : ليس المراد بكون العارض ما فيه الاختلاف ، سوى كون العارض إذا اخذ من حيث كونه محمولا على هذا الفرد في القضيّة كان موصوفا بالشدّة ، لا كون الشدّة مأخوذا في الطبيعة من حيث هي طبيعة العارض من حيث اتحادها مع فردها الشديد محمولة على معروضها بخلاف الذاتي فطبيعة الإنسان من حيث هي محمولة على زيد ومأخوذة في جانب الحمل لم يؤخذ فيه شدّة ولا زيادة لا باعتبار ذاتها ولا باعتبار اتّحادها مع فرد وإن كان حملها على الفرد يقتضي اتحادها معه. فتأمّل.

قول المحشّي : وممّا ينبّه على ذلك.

__________________

(١) التحصيل ص ٤١٤ طبع طهران.

٢٠١

اعلم أنّ مقدارا ما إذا كان على حدّ من الكبر بأن يكون مائة ذراع مثلا فإذا أنقص عنه مقدار على التساوي مثل ذرع مرّة بعد مرّة فلا بدّ أن يفنى المقدار الأوّل بأن يصل إلى حدّ العاد (كذا) أو أنقص منه ، وكذا إذا أنقص عنه مقدار ثمّ مقدار آخر على سبيل التزايد ، وأمّا إذا نقص عنه المقادير على سبيل التناقص أو على سبيل التفاوت فلا يلزم فناء المقدار الأوّل ، وإذا نقص عنه المقدار على نسبة فلا يلزم فناء ذلك المقدار سواء كان على سبيل تشابه النسبة مثل أن يكون الثاني نصف الأوّل والثالث نصف الثاني وهكذا. أو لا يكون على سبيل تشابه النسبة سواء كانت النسبة على سبيل التناقص مثل أن يكون الثاني نصف الأوّل والثالث ربع الثاني وهكذا. أو على سبيل التزايد مثل أن يكون الثاني نصف الأوّل والثالث ثلثا الثاني وهكذا ، وكذا إذا كانت النسبة مشوّشة.

وإذا كان مقدارا ما على حدّ من الكبر بأن يكون مائة ذراع مثلا ثم روعيت نسبته الى مقدار آخر أقلّ منه مثل ذرع واحد بأن يكون المقصود الانتهاء إليه بالتناقص ، فإذا نقص عن المقدار الأوّل مقادير متساوية أو متزايدة فلا بدّ أن ينتهي إلى مساواة المقدار الأصغر أو أنقص منه ، وإذا نقص عنه مقادير متناقصة فلا يلزم الانتهاء إلى الحدّ المذكور ، وإذا نقص عنه مقادير متفاوتة فلا يلزم الانتهاء إلى الحدّ المذكور ، وإذا نقص عنه المقدار على نسبة فإن كان على سبيل تشابه النسبة مثل أن يكون الثاني نصف الأوّل والثالث نصف الثاني وهكذا فلا بدّ من الانتهاء إلى حدّ المقدار الأصغر أو أنقص منه ، وإن كان على سبيل نسبة غير متشابهة فإن كانت النسبة على سبيل التناقص مثل أن يكون الثاني نصف الأوّل والثالث ربع الثاني فلا بدّ من الانتهاء إلى حدّ المقدار الأصغر أو أنقص منه ، وإن كانت النسبة على سبيل التزايد مثل أن يكون الثاني نصف الأوّل والثالث ثلثا الثاني والرابع خمس أسداس الثالث وهكذا فلا يلزم الانتهاء ، وإن كانت النسبة

٢٠٢

مشوشة مختلفة فلا يلزم الانتهاء كلّية.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ صاحب الحاشية ذكر سابقا أنّ السواد جنس بالنسبة إلى السواد الشديد والسواد الضعيف وهذا يقتضي أن يكون السواد له مراتب مختلفة بالشدّة والضعف لا يصدق على شيء منها البياض حقيقة وكذا البياض ، فإذا تعدّى الاعتبار عن حدود مراتب السواد لم يكن إلّا مرتبة مخالفة لها بالجنس وكذا البياض ، فإذا اعتبرنا مرتبة شديدة من البياض ثمّ أخذنا مرتبة أدنى منها فإن كان اعتبار المراتب على سبيل نقصان على سبيل التساوي أو التزايد لا التناقص يلزم الانتهاء إلى حدّ فناء مراتب البياض لكن لا ينتهي إلى مرتبة السواد الشديد ، إذ نسبته إلى آخر مراتب البياض نسبة أمر مخالف بالجنس ، فلا يقاس بسائر النسب المذكورة ، وإن كان اعتبار المراتب على سبيل النسب المحفوظة كما هو مقتضى تقريره فلا يلزم فناء مراتب البياض والانتهاء إلى حدّ هو آخر المراتب مطلقا.

هذا إن نظرنا إلى مقتضى ما يلزم من كلامه سابقا ، ومع التنزّل عن ذلك فلا شكّ أنّ السواد الصرف غير مندرج تحت جنس البياض عنده وإن لم يقل باختلاف مراتب السواد والبياض في الجنس ، وحينئذ يرجع المحذور السابق إليه لكنّك قد عرفت بما ذكرنا سابقا أنّ السواد ليس بجنس للسواد الشديد والضعيف ، وكذا البياض وسائر مراتب الألوان.

فبيان الحكم فيما نحن فيه أن نقول : لو تنزّل البياض عن أقصى مراتبه إلى مرتبة أدنى فيصدق عليه أنّه بياض ، فلو كان هذا الحكم مستمرا إلى مرتبة السواد الصرف حتى يصدق عليه أنّه بياض أيضا لكان حكم ما نحن فيه حكم مراعاة نسبة المقدار الكبير إلى المقدار الصغير وإيصاله إليه بالتناقص ولمّا كان ما نحن فيه من قبيل اعتبار النسبة المتشابهة في النقصان ، فلا بدّ من انتهاء البياض

٢٠٣

الشديد في النقصان إلى مرتبة السواد الصرف لكن الأمر عند التحقيق ليس كذلك ، بل الحقّ أنّ الجسم إذا تحرّك من مرتبة البياض الصرف إلى مرتبة السواد الصرف فللحركة حدّ هو مبدأ الحركة وحد هو منتهاها وليس المراد من الحدّين الجزء الأوّل من الحركة والجزء الآخر منها ، إذ ليس للحركة جزء أوّل ولا جزء آخر ، بل المراد ما منه الحركة وما إليه الحركة ففي الحدّ الأوّل بياض (سواد ظ) صرف لا يصدق عليه السواد (البياض ظ) أصلا ، وفي الحدّ الثاني بياض صرف لا يصدق عليه السواد أصلا ، وفي كلّ حدّ من حدود الحركة لو فرض حصل بياض وسواد بالنسبة ، وكلّ حد يفرض يمكن أن يفرض قبله حدّ آخر وبعده حدّ آخر إلى أن تنقطع الحركة ، وفي الحدّ الآخر سواد صرف لا يتحقّق التناقص فيه أصلا.

فإذا اخذ مبدأ الاعتبار البياض الشديد ثمّ اعتبر مرتبة أدنى منه إلى السواد الصرف واعتبر نسبة النقصان على سبيل التشابه في حدّ النسبة مثل النصف ونصف النصف كما هو مقتضى تقريره ، لا يلزم الانتهاء إلى حد السواد الصرف وكان من قبيل طلب فناء المقدار باعتبار نسبة النقصان على سبيل التشابه في النسبة.

والصواب أن يقال : إذا فرضنا بياضا ضعيفا ، ثمّ فرضنا بياضا آخر أشدّ منه بحيث يمكن اعتبار كونه ضعفه باعتبار ما مثلا ثمّ اعتبر الثالث ضعف الثاني ، وهكذا فلا شكّ أنّه ينتهي إلى حدّ البياض الصرف ولا يرتقي إلى ما لا نهاية له ، ثمّ يأخذ البياض الضعيف الذي هو مبدأ السلسلة ولا شكّ أنّه يصدق عليه السواد ، ثمّ يأخذ سوادا آخر يكون ضعفه ، وهكذا حتى ينتهي إلى السواد الصرف.

وبهذا البيان يحصل المقصود ولا يتوجّه عليه ما وجّهناه على تقريره ، لكن يتوجّه عليه حين الانتهاء إلى البياض الصرف أنّ تشابه النسبة في البياضية لا

٢٠٤

يقتضي التساوي من جميع الجهات حتى يلزم الاتحاد النوعي ، ألا ترى أنّ الطرف مخالف للأوساط في كونه سوادا بالنسبة وإن شاركها في البياضيّة.

قوله : أمّا أوّلا (١)

فللخصم أن يقول : إن سلم تشابه النسبة في جميع المراتب فهذا المنع في غاية السقوط وإلّا كان عليه أن يقدح فيه ، والوجه أن يقال : الطرف مخالف للأوساط في الجنس عنده فلا يلزم من اتّحاد الأوساط نوعا اتّحاده معها وإن فرض التشابه في النسبة باعتبار ما ، وكذا إن قلنا : إنّ البياض والسواد ليسا بجنسين فيمكن النزاع في أنّ التساوي في نسبة البياض مثلا لا يقتضي التساوي في جهات اخرى. فتدبّر.

قوله : وأمّا ثانيا (٢)

أنت خبير بحقيقة الحال بعد الإحاطة بما أسلفنا ، وفي كلامه إجمال يمكن حمله على بعض ما ذكرنا من الإيراد.

قوله : وهذا أيضا ممّا لا يقبله الحدس الصائب. (٣)

للتأمّل فيه مجال.

قوله : فرع المشاركة الجنسيّة. (٤)

هذا يدلّ على أنّه حمل المشاركة في كلام الشيخ على المشاركة الجنسيّة ، والتأمّل في كلام الشيخ والنظر إلى تتمّة كلامه يستدعي حملها على المشاركة النوعية حيث فرّع عليه قوله : «فلا ثلاثة أشدّ ثلاثية من ثلاثة». ثمّ ترقّى عن ذلك بقوله : «بل لا يجوز أن يكون كمّيته أزيد وأشدّ في طبيعتها من كمّية اخرى أنقص أو أكثر منها» أعني أنّه ليست الثلاثيّة في أنّها ثلاثيّة وفي أنّها عدد ولها حدّ

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) ليست هذه العبارات موجودة في الحاشية القديمة.

٢٠٥

العدد بأكثر من رباعية في أنّها رباعية وأنّ لها حدّ العدد ، أعني في أنّها كمّية منفصلة يعدّ بالآحاد.

نعم ، قد يصير أزيد وأقلّ بما يعرض لها من الإضافات المختلفات.

قوله : لكان أظهر. (١)

لا ظهور لهذا كما يظهر من مراجعة كلام الشيخ والتأمّل فيه ، نعم ، لو قيل :

إنّه لو قال في العبارة التي نقلناها بدل قوله : «بأكثر من رباعيّة» «بأكثر من ثنائية في انّها ثنائية ومن رباعيّة في أنّها رباعيّة» لكان أنسب ، لم يكن بعيدا.

وقول الشيخ : «والفرق بين هذا الأزيد» له معنيان :

الأوّل : أنّ غرض الشيخ أن يبيّن الفرق بين الأمر الذي يثبته وبين الأمر الذي ينفيه لا من حيث المفهوم ، بل الغرض أنّه لأي سبب أثبتنا الزيادة للخط ونفينا عنه الزيادة في كونه خطّا ، وحاصله أنّا أثبتنا الزيادة للخط ، إذ يمكن الإشارة فيه إلى مثل حاصل وزيادة ، ويمنع أن يقال : الخط أشدّ وأزيد في كونه خطّا ، إذ لا يمكن اعتبار المثل وزيادة في الأزيد والأشدّ المأخوذ بهذا الوجه.

الثاني أن يكون الغرض الفرق بين معنى الأشدّ والأضعف المأخوذ في الكيف ، والأزيد والأنقص المأخوذ في الكمّ ، وفيه أنّه لو كان المقصود هذا لم يقل : بين الأشدّ والأضعف الذي نمنع كونه في الكمية.

قوله : وكونه على هذا الحدّ. (٢)

اعلم أنّ للطول معنيان :

أحدهما : أمر غير مقيس إلى الغير ، بل ثابت في حدّ نفسه من غير إضافة إلى غيره ، وهو المعنى الذي يرادف الخط أي الامتداد الواحد ، وهذا من مقولة

__________________

(١ و ٢) ليست هذه العبارات موجودة في الحاشية القديمة.

٢٠٦

الكم وصدقه بالنسبة إلى ما هو ذاتي له بالسويّة ، ولا يختلف بالنسبة إليه بالشدّة والضعف والزيادة والنقصان ، فلا يصحّ أن يقال هذا الخط أطول من ذلك الخط مأخوذا من الطول بهذا المعنى ، كما أنّه لا يصحّ أن يقال : هذا الخطّ أخطّ من ذلك.

نعم ، يمكن اعتبار الشدّة والضعف أو الزيادة والنقصان في الخطّ باعتبار حمله على معروضاته.

وثانيهما : الأمر الإضافي المقيس إلى الغير يعني زيادة هذا الامتداد على امتداد آخر مطلقا أو معيّنا ، وهذا أمر مقيس إلى الغير من مقولة الإضافة والإضافي بهذا المعنى مقابل للثابت في نفسه ، وثبوت الطول بهذا المعنى المضاف إلى الخط يستلزمه ثبوت المضاف الآخر لخطّ آخر يعني القصر فلا يتحقّق طويل بهذا المعنى إلّا بالقياس إلى قصير ، وهذا المعنى يقبل الزيادة والنقصان فإنّه إذا كان لخطّ طويل زيادة بالنسبة إلى قصير ، ولطويل آخر زيادة بالنسبة إلى هذا الطويل ، فالطويل الثاني أزيد من الطويل الأوّل في الزيادة الإضافية يعني الطول الإضافي.

واعتبار هذا المعنى على وجهين :

أحدهما : أن يعتبر زيادة (ب) على (ج) وزيادة (أ) على (ج) ، ثمّ يعتبر كون زيادة (أ) على (ج) أكثر من زيادة (ب) على (ج) بمعنى الزيادة التي ل (أ) على (ج) أكثر (١) من الزيادة التي ل (ب) على (ج) لأنّها مشتملة عليها وزيادة ثمّ يختار للتعبير عن هذا المعنى من ألفاظ التفضيل ما يناسبه لغة وعرفا.

وثانيهما : أن يعتبر زيادة (ب) مطلقا من غير تعيين طرف النسبة وكذلك

__________________

(١) أكبر. خ

٢٠٧

يعتبر زيادة (أ) فيقال الزيادة التي بالنسبة في (أ) أكثر منها في (ب) لأنّ ل (أ) زيادة على (ب) وزيادة على (ج) وليس ل (ب) إلّا زيادة على (ج).

ثمّ يمكن اعتبار التشكيك في كلّ واحد من الأمرين المذكورين فيحتاج إلى اعتبار رابع ؛ أمّا الأوّل فبأن يقال : الزيادة على زيادة (ب) على (ج) أكثر منها في (أ) ، وأمّا الثاني فنقيسه على الأوّل ، وهكذا يترقّى الأمر.

إذا عرفت هذا عرفت أنّ قول المحشّي : «وكونه على هذا الحدّ أو على حدّ آخر أزيد طول إضافي» محلّ نظر ، إذ كونه على هذا الحدّ لا يتضمّن الإضافة إلى شيء فكيف يكون من قبيل الإضافة ، بل للطول الإضافي الزيادة بحسب الامتداد الواحد.

قال الشيخ في الشفاء : اعلم أنّ الطول والعرض والعمق من حيث لا إضافة فيها هي من الكمّية والمضافات اعراض في الكمّية ، واعلم أنّ الكثير بلا إضافة وهو العدد والكثير بالإضافة عرض في العدد ، وكذلك القول في سائر ما يشابه ذلك.

واعلم أنّ الطويل والعريض والعميق المتضايفات قد يتضايف على الإطلاق فلا يكون من شرط ما يضاف طرف منها إليه أن يتضمّن إضافة إلى ثالث كما تقول : الكثير والكبير أو غير ذلك ، وقد يضاف إضافة يتضمّن ذلك فيقال :

أكبر وأطول وأعمق ، فانّ لكلّ واحد إضافة إلى شيء له اضافة إلى ثالث فإنّ الأطول أطول بالقياس إلى شيء هو عند شيء ما طويل إلّا أنّ هذا الشيء أطول منه. انتهى. (١)

__________________

(١) الشفاء ، المنطق ، المقولات ص ١٣٢ طبع مصر.

٢٠٨

وكذا عرفت بما ذكرنا أنّ قول المحشّي : «فالمعنى الإضافي ليس ما فيه الاختلاف ، بل ما به الاختلاف» ، محلّ نظر.

وكذا قوله : «كيف وهو ليس بمشترك فيه ، بل المعنى أنّ الطويل الإضافي» أنت خبير بما فيه. والحقّ أنّ الخطّ الزائد عرضت له الزيادة الإضافية بالنسبة إلى خط آخر ، فالخطّ يكون مقولا بالتشكيك بالنسبة إلى معروض الخطّين ، وإن أردت اعتبار الحمل مواطأة فاعتبر المشتق منه أو أضف لفظ «ذو» مثلا بحسب موافقة اللسان ، ثمّ الطول الإضافي أيضا يختلف حمله على الخطّين باعتبار أن زيادة أحدهما أزيد من زيادة الآخر ، وعلى طريقة صاحب الحاشية أيضا كذلك لكن الاعتبار عنده بالأولوية بحسب الحمل.

وقوله : كما يقال في الفحم أنّه أسود.

المراد بالأسود الموصوف بالسواد ، ويمكن حمله على أفعل التفضيل ، لكنه لا يناسب طريقتهم حيث جعلوا السواد الحقيقي جنسا للسوادين.

قال صاحب الحاشية وهو مخالف ما قرّره.

فيه أنّهم ادّعوا ذلك في الجسم الطبيعي لا في المقدار. فتدبّر.

وهذا آخر ما قصدنا في هذا التعليق ، والحمد لله أوّلا وآخرا وحسبي الله ونعم الوكيل.

٢٠٩
٢١٠

(٥)

حاشية

على حاشية التشكيك للسبزواري

تأليف

آقا حسين الخوانساري

٢١١
٢١٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وبه نستعين في التتميم

قوله [ص ١٨٩] : الظاهر أنّ المراد بالأولوية. إلخ.

لا يخفى أنّه لا وجه (١) لجعل الأحقّية مخصوصة بما عدا الثلاثة المذكورة وجعلها قسيما للأحقّية المخصوصة بها. وأبعد منه جعلها قسيما للثلاثة المذكورة نفسها ، بل الظاهر أنّ الأولويّة هاهنا هو كون الكلي مقتضى لذات الفرد أو الأحقّية الناشئة منه ، إذ ليس شيء سوى الامور الأربعة منشأ للأحقّية ولو كان منشأ لها أيضا فالظاهر أن ليس النزاع المتحقّق هاهنا فيها كالأولويّة الناشئة من العينيّة والجزئية ونحوها ، فافهم.

قوله [ص ١٨٩] : كالطويل بالقياس. إلخ.

الوجه أن يمثّل بالمقدار والسواد كما هو مذكور بينهم ، إذ الطويل والأسود

__________________

(١) وجه عدم الاتّجاه ظاهر ، إذ ليس فيما عدا الثلاثة المذكورة مناسبة لا يحصل بينه وبينها حتى يستقيم جعل الأولوية الناشئة منه قسيما على حدة سيّما كون الكلّي مقتضى لذات الفرد ، وهذا بخلاف ما ذكرنا ، إذ وجه التخصيص حينئذ ظاهر ، لأنّه إمّا لا أولوية سواها أو يكون ، لكن لا يكون محل النزاع ؛ على أنّ التحقيق كما سنشير إليه أنّ النزاع ليس في الأولويّة ، إذ ليست بمعنى عقلي ، بل عرفي وإنّما النزاع في أصل الأقدميّة والأشديّة ونحوهما.

فإن قلت : فعلى هذا أيّ وجه لتسميتهم اقتضاء الذات بالأولويّة.

قلت : لما كان هو منشأ للأولويّة سمّوه بها. لا يقال : إنّ الأقدميّة مثلا أيضا كذلك ، إذ وجه التسمية لا يلزم اطّراده ، على أنّه لا يبعد أن يقال : إنّ الأولويّة فيه أظهر منها في غيره كما لا يخفى منه رحمه‌الله.

٢١٣

لا ازدياد في طبيعتهما في بعض الأفراد دون بعض ولم يقل به أيضا أحد منهم.

ولو قيل : المراد إنّ الاختلاف بالشدّة والضعف هو الاختلاف الناشئ من ازدياد طبيعة العام بعينها في بعض الأفراد دون بعض ، فهو يرجع بالمآل إلى ما ذكره صاحب الحاشية ، فلا وجه لجعله تفسيرا على حدة.

قوله [ص ١٨٩] : فالظاهر أنّه [أولويّة] حمل المشتق.

الظاهر أنّه لا تخصيص بالمشتق كما صرّح به المحشي.

قوله [ص ١٨٩] : على معروضي المبدءين المختلفين بالشدّة والضعف اختلافا ناشئا عن اختلاف المبدءين بالشدّة والضعف.

هكذا وجدنا العبارة في بعض النسخ الذي رأيناه.

وفيه ما لا يخفى ، إذ المختلفين إن كان صفة للمعروضين ، فلا يصحّ ، إذ المعروضان ليسا مختلفين بالشدّة والضعف وإن كان صفة للمبدءين فلا يستقيم.

قوله [ص ١٨٩] : اختلافا ناشئا ، إلخ.

وكان الظاهر أن يقول بدله : أولويّة ناشئة من اختلاف المبدءين بالشدّة والضعف.

قوله [ص ١٩٠] : واختصاص الشدّة والضعف بالكيف توهّم.

لعلّ الظاهر في العرف الاختصاص ، وما يرى أنّه قد يطلق في غير الكيف فعلى سبيل المسامحة والتجوّز.

قوله [ص ١٩٠] : ولذلك لا علّة له. إلخ.

فيه أنّ استحالة أن لا يكون زيد إنسانا لا يوجب أن لا يكون الإنسانية

٢١٤

معلّلة ، ألا يرى أنّ الأربعة أيضا يستحيل أن لا يكون زوجا مع أنّ زوجيتها معلّلة.

قوله [ص ١٩٢] : ويدلّ على أنّ الذاتي معلّل بالذات. إلخ.

اعلم أنّ كون الذات والذاتي غير معلّلين على ما هو المشهور بينهم يحتمل معنيين :

أحدهما : أنّ ثبوت الإنسانية والحيوانية مثلا للإنسان في الواقع بمعنى كون الإنسان إنسانا أو حيوانا في الواقع ليس معلّلا بشيء ، وظاهر أنّ هذا ليس بصحيح ، إذ الإنسان ما لم يكن موجودا لم يكن إنسانا ولا حيوانا. وموجوديّته متوقّفة على الجعل والتأثير فما لم يكن جعل ولا تأثير لم يكن إنسانا ولا حيوانا.

فثبوتهما له موقوف على الجعل ، وكذا على ما يتوقّف عليه الجعل.

نعم ، لا يكون موقوفا على الموجوديّة ، إذ لا معنى لأن يقال : إنّ الإنسان وجد أوّلا فصار إنسانا أو حيوانا ، بل ثبوت الإنسانيّة والحيوانيّة له في مرتبة الموجوديّة ، ويتوقّف على ما يتوقّف عليه الموجوديّة.

فظهر أنّه لا ينبغي حمل كلامهم على هذا المعنى ، لظهور بطلانه. إلّا أن يوجّه بأنّهم أرادوا أنّ بعد الجعل لا يعلّل ثبوت الذات والذاتي بشيء ، كما يعلّل العرضي (١) وإن كان لازما لشيء إمّا الذات أو غيرها.

وتبيّن أيضا أنّ ما ذكره هذا القائل ـ من أنّ كلام الشيخ يدلّ على أنّ الذاتي معلّل بالذات غير معلّل بأمر خارج عن الذات غير مستند إليها إن كان المراد به

__________________

(١) هذا الفرق إنّما يصحّ على رأي من لا يجعل لوازم الذات مستندة إلى جعل جاعل الذات بالعرض ، بل إلى الذات ؛ وأمّا على رأيه فاللوازم أيضا لا يعلّل بعد الجعل بشيء. منه رحمه‌الله.

٢١٥

ثبوت الذاتي للذات في الواقع ـ باطل.

أمّا أوّلا : فلما عرفت من أنّه معلّل بالجعل وما يتوقّف عليه.

وأمّا ثانيا : فلأنّ استناده إلى الذات أو ما يستند إليها ممّا لا وجه له أصلا ، إذ على هذا التقدير لا بدّ أن يكون الذات موجودة أوّلا ثمّ يثبت لها الذاتي وهو باطل (١) ، ضرورة أنّ في مرتبة الوجود ، الذات والذاتي ثابتان لها قطعا. وأنّه لا معنى لأن يكون الإنسان موجودا في مرتبة ، ولا يكون الإنسانية والحيوانية ثابتين له وإنكاره سفسطة.

فان قلت : فعلى هذا كيف يصحّ قولهم بالصفات السابقة على الوجود ، كالإمكان ونحوه مع أنّهم يسندونها إلى الذات ، إذ على هذا نقول : إنّ الذات لو كانت مقتضية لها لكان وجودها مقدّما على اتصافها بها على ما ذكرت مع أنّه متأخر عنه.

قلت : لهذا وجه دفع مختصّ به لا يجري فيما نحن فيه ، ليس هاهنا موضع ذكره.

فإن قلت : قد تبيّن بما ذكرت أنّ ثبوت الذات والذاتي للذات موقوف على جعل الذات وما يتوقّف هو عليه ، ومنه جعل الذاتيّات وما يتوقف هو عليه ، فهل يتوقّف ثبوت الذات للذات على ثبوت الذاتيات لها ، أو بالعكس ، أو ثبوت الذاتيات بعضها على بعض أم لا؟

قلت : الأجزاء إمّا ذهنية أو خارجية ، أمّا الخارجية فظاهر أنّه لا توقّف في

__________________

(١) على تقدير استناد ثبوت بعض الذاتيات إلى ثبوت ذاتي آخر يستند إلى الذات يلزم محذور آخر أيضا سيشير إليه. منه رحمه‌الله.

٢١٦

شيء من الامور المذكورة بالنسبة إليها ، مثلا ثبوت البيت للبيت لا يتوقف على ثبوت الجدران له مثلا ولا العكس.

وكذا ثبوت الجدران له لا يتوقّف على ثبوت السقف وغيره من الأجزاء ولا العكس ، بل تلك الثبوتات كلّها حاصلة في مرتبة وجود البيت من دون تقدّم وتأخّر ، كما تشهد به الفطرة السليمة.

وما يتوهّم من أنّ ثبوت الجزء للكلّ أقدم من ثبوت جزء الجزء له باعتبار قربه إلى الكلّ ، فاعتبار وهمي ليس من العقل في شيء.

وكيف يتوهّم أن يكون ثبوت الكلّ لشيء متقدّما على ثبوت الجزء له ، وهل هو إلّا مثل وجود الكلّ بدون الجزء وفي مرتبته؟ إذ لا فرق أصلا بين الثبوت في نفسه والثبوت لشيء في هذا المعنى كما تحكم به البديهة ، مع أنّه معارض أيضا بعكسه حيث إنّ جزء الجزء أقدم في الوجود فتقدّم ثبوته للكلّ أيضا.

وبالجملة : مثل هذه الاعتبارات لا يكون مناطا لحكم عقلي.

وأمّا الذهنية ، فإن كان حصولها مترتبة في الزمان كأن كان الجسم أوّلا نباتا ثمّ صار بعد زمان حيوانا ثمّ بعد زمان إنسانا ، فحينئذ نقول : لا شكّ أنّ صيرورة الجسم إنسانا في هذا الفرض موقوفة على صيرورته أوّلا حيوانا ، وصيرورة الحيوان إنسانا موقوفة على صيرورة الجسم أولا حيوانا. فصحّ أنّ صدق الجسم على الإنسان موقوف على صدق الجسم على الحيوان ، وكذا صدق الحيوان على الإنسان موقوف على صدق الجسم على الحيوان.

وأمّا أنّ صدق الجسم على الإنسان هل يتأخّر عن صدق الحيوان على

٢١٧

الإنسان أو بالعكس أم لا؟ فهو محلّ نظر.

والظاهر أنّه لا تأخّر في شيء منهما بل هما في مرتبة واحدة ، إذ بعد تحصّل الجسم حيوانا إذا صار الحيوان إنسانا ، ففي هذه المرتبة كما يصحّ أن يقال : إنّ الحيوان يحصل إنسانا يصحّ أن يقال : إنّ الجسم يحصل إنسانا ، إذ الحيوان هو الجسم المحصّل ، فعند تحصّله إنسانا وفي مرتبته يحصل الجسم أيضا إنسانا ولا يجد العقل تقدّما وتأخرا أصلا.

وحال اعتبار قرب الحيوان من الإنسان بالنسبة إلى الجسم أو أقدميّة الجسم في الوجود بالنسبة إلى الحيوان ، قد عرفته وعرفت أنّه لا يصير مناطا للأحكام العقلية.

وإن لم يكن حصولها مترتبة في الزمان ، كأن وجد الإنسان بغتة. فحينئذ إن قلنا بأنّ الطبيعة لا بشرط ، مقدّمة على الطبيعة بشرط شيء ، كما ينسب إلى الشيخ فحكم هذا الشق أيضا حكم سابقه بعينه.

فان قلت : إذا كانت الطبيعة لا بشرط ، متقدّمة في الوجود على الطبيعة بشرط شيء فثبوتها أيضا لشيء متقدّم على ثبوت بشرط شيء له ، فيكون ثبوت الجسميّة للإنسان متقدّما على ثبوت الحيوانية له.

قلت : لا تلازم بينهما كما هو الظاهر مع أنّ تقدّمها في الوجود أيضا ليس بظاهر.

وإن لم نقل بتقدّمها فالظاهر أن لا تقدّم ولا تأخّر في شيء من الثبوتات المذكورة ، فلا صدق الجسم على الحيوان مقدم على صدقه على الإنسان ولا على صدق الحيوان على الإنسان وكذا البواقي.

٢١٨

وثانيهما : أنّ ثبوت الذات والذاتي للذات في مرتبة الذات لا يعلّل بشيء ، وهذا كما يقولون في قولهم : «إنّ الماهية من حيث هي ليست إلّا هي» إنّ مرادهم أنّ ما هو غير الذات والذاتي لا يثبت في مرتبة الذات. والحاصل أنّ الذات والذاتي ملحوظتان عند ملاحظة أصل الذات فقط وأمّا غيرهما فخارج عنها.

وبعبارة أخرى أنّ كون الإنسان مثلا عبارة عن الحيوان الناطق لا يعلّل بشيء. ومثل ذلك من العبارات والاعتبارات التي يكون مآلها هذا المآل.

وبالجملة : المراد واضح وإن كان يمكن أن يناقش في العبارات لضيق مجال اللفظ وعدم وسعه لأن يقضي مرام المعنى بتمامه.

وأنت خبير بأنّ هذا المعنى معنى صحيح ينبغي أن يحمل كلامهم عليه.

وكأنّ في طيّ كلمات الشيخ التي نقلها هذا القائل ممّا يشير إلى أنّ المراد هذا المعنى.

فإن قلت : ثبوتهما بهذا المعنى للذات ظاهر [في] أنّه لا يعلّل بأمر خارج ، فهل يعلّل بالذات أو بالذاتيات أم لا؟

قلت : الظاهر أنّه لا تعليل أصلا كما يحكم به الوجدان الصحيح ، وما يتراءى من كلام الشيخ ، أنّه معلل بالذات ، حيث قال : «فإنّه لماهيته إنسان» ، فكأنّه من باب المسامحة في العبارة. أو المراد أنّه ليس له علّة ، ألا ترى إلى ما ذكره بقوله : «ولذلك لا علّة له في أنّه إنسان لا أبوه ولا غيره».

ثمّ لو تنزّلنا عن ذلك وسلّمنا أنّه معلّل بالذات ، فنقول : إنّ ثبوت الذات والذاتيات ينبغي أن يعلّل جميعا إلى الذات بلا واسطة وأمّا تعليل بعض الذاتيات بذاتي آخر مستند إلى ذات ، فلا معقولية له أيضا ، إذ جميع الذاتيات سواسية في

٢١٩

ذلك المعنى.

واعتبار قرب بعضها إلى الذات دون بعض قد عرفت أنّه ممّا لا عبرة به ، كلّ ذلك ظاهر بالتأمّل التامّ بشرط استقامة الفطرة وسلامة الغريزة. وبما قرّرنا ظهر ما في كلام القائل على هذا التقدير أيضا ، فتدبّر.

قوله [ص ١٩٢] : الأوّل : أنّ أوّلية ثبوت الجسم. الخ.

قد عرفت بما مرّ أنّ على المعنى الأوّل من المعنيين اللذين ذكرناهما ، صدق الجسم على الحيوان علّة حقيقية لصدقه على الإنسان على بعض الوجوه ، نعم صدق الحيوان على الإنسان ليس علّة حقيقيّة له ، عكس ما يفهم من كلام القائل. وعلى المعنى الثاني لا علّية أصلا لشيء منهما.

قوله [ص ١٩٢] : وكأنّه يرجع إلى الأوّلية بحسب الاولوية.

لا نفهم للأوّلية بحسب الأولوية معنى ظاهر.

قوله [ص ١٩٢] : فيلزم استناد الذاتي إلى أمر غير مستند إلى الذات.

قد عرفت أنّه كذلك وأنّه لا محذور فيه.

قوله [ص ١٩٣] : والجواب عنه. إلخ.

قد ظهر ما فيه.

قوله [ص ١٩٣] : الظاهر في المقام شقّ ثالث. إلخ.

أنت خبير بأنّ الأولويّة بمعنى الأحقّية ليس لها تعيّن نقلي وتميّز نفس أمري ، إنّما بناؤها على الاعتبارات الوهميّة العادية ، ولا شكّ أنّ مثل هذه الاختلافات التي ذكرها المحشي أيضا يصير منشأ لمثلها. والأولى أن يقال في

٢٢٠