الرسائل

الآقا حسين الخوانساري

الرسائل

المؤلف:

الآقا حسين الخوانساري


المحقق: رضا الاستادي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: كنگره آقا حسين خوانسارى
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٧

(٤)

حاشية المحقّق السبزواري (م ١٠٩٠)

على حاشية الدواني على بحث التشكيك

من شرح القوشجي على التجريد

١٨١
١٨٢

قسم من الحاشية القديمة للدواني على

شرح التجريد للقوشجي

قوله : وأقوى ما ذكروه [شرح التجريد للقوشجي الطبع الحجري سنة ١٣٠٧ ق ص ١٠ س ٤].

أقول : التشكيك إمّا بالأولوية أو الأقدميّة أو الأشدية أو الزيادة والنقصان.

أمّا انتفاء الأولين في الذاتيات فلاستواء نسبة الذاتي إلى جميع ما هو ذاتي له ، بمعنى انّه لا يختلف بالأولوية والأقدمية وهذا ضروري ولا يخفى انّه لا يتوجّه عليه النقض بالعارض لجواز كونه أولى بالنسبة إلى البعض بأن يكون مقتضى ذاته أو أقدم بأن يكون اتصافه به علّة لاتصاف الآخر به ولا يجري مثل ذلك في الذاتي وهو ظاهر كيف والذاتيات غير مجعولة؟

وأمّا انتفاء الآخرين فلأن الأشدّ والأزيد أما أن يشتملا على شيء ليس في الاضعف والانقص أو لا وعلى الثاني لا يكون بينهما فرق وعلى الأول أما أن يكون ذلك الشيء معتبرا في الماهية أو لا ، وعلى الأول لا يكون الأضعف والانقص من تلك الماهية ، ضرورة انتفاء الماهية بانتفاء جزئها ، وعلى الثاني لا يكون الاختلاف في الذاتي بل في الخارج وهو خلاف المفروض ، وحينئذ لا شكّ انّ النقص بالعارض لا يتأتى هاهنا أيضا ، إذ فيه على التقدير الأخير لا يلزم

١٨٣

خلاف المفروض (١).

فإن قلت : إذا فرضنا اختلاف الشيئين في عارض معين كالسواد مثلا فلا يكون ذلك إلّا بأن يقوم بأحدهما سواد أشدّ وبالآخر سواد أضعف (٢).

فنقول ان كان التفاوت بين السوادين في نفس ماهيّة السواد أو أجزائها لزم التشكيك في الماهيّة أو الذاتي ، وان كان في أمر آخر عارض لهما لم يكن التفاوت بين الشيئين في السواد بل فيما يعرضه وهو خلاف المفروض.

على انا ننقل الكلام إلى ذلك العارض وهكذا. وأيضا السوادان امّا أن يتحدا في الماهيّة أو يختلفا فيها ، وعلى الأول لا يكون التفاوت بينهما من حيث الذات كما قررتم والتفاوت في عارضهما خلاف المفروض ، وعلى الثاني لا يعقل كون احدهما أشدّ من الآخر ، ضرورة انّ الماهيات المتباينة يقاس بعضها إلى بعض بالشدّة والضعف مثلا لا يعقل كون الحرارة (الحركة) أشدّ من السواد.

قلت : الفردان المختلفان بالشدّة والضعف مشتركان في الماهيّة الجنسية (الحقيقية) مختلفان بالفصل المنوع عندهم. فانّ الشدّة والضعف مستندان إلى منوعهما والمقول بالتشكيك هو المفهوم المشتق من الجنس بالقياس إلى معروضهما كالأسود مثلا بالقياس إلى الجسمين وذلك مفهوم واحد.

أقول : ومعنى كون أحد الفردين أشدّ كونه بحيث ينتزع منه العقل بمعونة الوهم أمثال الأضعف ويحلّله إليها بضرب من التحليل حتى انّ الأوهام العامية (العامّة) يذهب إلى انّ السواد القوي يتألّف من أمثال السواد الضعيف ومعنى

__________________

(١) لأنه انّما يلزم ان لو كان الترديد في الذاتي وأمّا إذا كان في العارض فلا. منه.

(٢) حاصل السؤال انّه يلزم على هذا التقدير أيضا اما التشكيك في الذاتيات أو خلاف المفروض. منه.

١٨٤

الأزيد أيضا كونه بتلك الحيثيّة إلّا انّ الأمثال المنتزعة في الأشدّ ليست أجزاء متباينة في الوجود ولا في الوضع بخلاف المنتزعة في الأزيد ؛ فإنّها متباينة في الوجود أو في الوضع أو فيهما معا (١) ، فالتفاوت بين العارضين بالذات بمعنى انّ أحدهما أزيد واشد من الآخر لا بمعنى أن يحقق الجنس كالسواد في هذا المثال في أحدهما أزيد أو أشد.

إذا تيقّنت ذلك ظهر لك اندفاع الايرادين فتدبّر تعلم.

وزيادة تحقيق التشكيك بحيث يندفع عنه وجوه التشكيك أنّ هاهنا مقامين :

أحدهما : انّ الذاتيات لا تقبل التشكيك ، وقد مرّ دليله.

والثاني : انّ الاشدّ والأضعف والأزيد والأنقص مختلفان بالماهيّة. ودليله انّ ذلك الاختلاف ليس بالشخص فقط إذ في كلّ مرتبة من مراتب الشدّة والضعف يمكن تحقق اشخاص كثيرة. وبعد ذلك فكون ذلك الامتياز بالعوارض أو بالذاتيات حكمه حكم سائر الحقائق التي يحكم باختلافها نوعا ، فانّ الاحتمال قائم فيها والأمر غير مشتبه على ذوي الحدس الصائب.

إذا تمهّد هذا فالنقض بالذراع والذراعين.

ان أورد في المقام الأول فلا يتوجّه إلّا إذا ثبت انّ مقدارية أحدهما أزيد من الآخر ودونه خرط القتاد ، بل أحدهما أزيد من الآخر لا مقداريته كما قال الشيخ في قاطيقورياس الشفاء في فصل خواص الكمّ بعد ما حقّق ان لا تضادّ فيه : وكذلك ليس في طبيعته تضعّف واشتداد ولا تنقص وازدياد ولست أعني

__________________

(١) كالخطوط المستقيمة الغير المتداخلة. منه.

١٨٥

بهذا انّ كمية لا يكون أزيد وأنقص من كمّية ، ولكن أعنى انّ كمّية لا يكون اشدّ وأزيد في أنّها كمية من اخرى مشاركة لها فلا ثلاثة اشدّ ثلاثيّة من ثلاثة ، ولا اربعة أشدّ من أربعة ، ولا خطّ اشدّ خطّية أي اشدّ في انّه ذو بعد واحد من خطّ آخر ، وان كان من حيث المعنى الاضافي أزيد منه أعني الطول الاضافي.

ثمّ قال : والفرق بين هذا الأشدّ وهذا الازيد وبين الازيد والاشدّ الذي نمنع كونه في الكمّيّة انّ هذا الأزيد يمكن أن يشار فيه إلى مثل حاصل وزيادة ، والأشدّ والأزيد الذي نمنعه لا يمكن فيها ذلك.

وقال في الفصل السابق عليه : واعلم انّ الكثير بلا إضافة هو العدد والكثير بالاضافة عرض في العدد وكذا القول في سائر ما يشابه ذلك هذا.

وكتب القدماء مشحونة بنظائر ما نقلناه من الشفاء.

وان أورد في المقام الثاني فلا محيص عند إلا بأن يلتزم انهما متخالفان بالماهيّة كما في مراتب الأعداد وهو يخالف ما قرّروه في ردّ مذهب ذيمقراطيس من انّ القسمة الفرضية انّما يكون إلى أجزاء متساوية في الماهيّة أو يفرق بين الزيادة والنقصان في العدد وبينهما في المقادير ، ويقال : انّ الأول يستلزم الاختلاف بالماهيّة دون الثاني فتأمّل.

فإن قلت : نحن نعلم انّ القدر الزائد في الذراعين ليس إلا فرادا من ماهيّة المقدار موجودا امّا بالفعل كما في الذراعين المنفصلين أو بالقوة كما في الذراعين اللذين هما متّصل واحد.

قلت : نعم ولكن ليس الزيادة في ماهيّة المقدار ، فان صدق تلك الماهيّة على الفردين على السواء بل في العارض فانّ كونه على هذا الحدّ أو على حدّ آخر

١٨٦

عارض لماهيّة المقدار يتبعه عارض آخر هو نسبته إلى ما هو على حد آخر بالزيادة والنقصان.

فعليك بالتوجه اللائق مع التجرّد عن العلائق ليتجلى عليك وجه الحق عن جلباب البيان وينجلى لك صبح الصدق عن افق العيان ولقد أطنبنا الكلام وبقى بعد خبايا في زوايا المقام وعسى ان نأتي عليها في رسالة تحقيق التشكيك ان شاء الله تعالى. (١)

__________________

(١) نقلنا هذه الحاشية عن هامش شرح التجريد للقوشجي الطبع الحجري سنة ١٣٠٧ ص ١٠. وفي ذيلها : «ملا جلال صغير» أي الحاشية القديمة للدواني. وقابلناها مع نسخة مخطوطة موجودة في مكتبة آية الله المرعشي بقم. والحواشي المنقولة في ذيل الصفحات توجد في هذه النسخة لا في المطبوعة.

١٨٧
١٨٨

حاشية المحقّق السبزواري

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة على خير خلقه محمّد وآله الطاهرين.

قوله : في الحاشية : التشكيك أمّا بالأولويّة. (١)

الظاهر أنّ المراد بالأولويّة هاهنا أن يكون صدق الكلّي على بعض أفراده أحقّ في نظر العقل من صدقه على غيره أحقّية مخصوصة بما عدا الثلاثة المذكورة (: الأقدمية والأشدّية والأزيدية).

والتشكيك بالأوّلية أن يكون صدق الكلّي على بعض أفراده متقدّما على صدقه على البعض الآخر بالعلّية لا بالزمان.

وأمّا الاختلاف بالشدّة والضعف ففسّره بعضهم بأكثرية ظهور آثار الكلّي في بعض الأفراد. وزيّف بأنّه يستلزم كون كثير من الذاتيات كالإنسان مثلا مقولا بالشدّة والضعف لاختلاف أفرادها في استتباع الآثار. وفسّره بعضهم بأنّه ازدياد طبيعة العام بعينها في بعض الأفراد دون بعض ، كالطويل بالقياس إلى الذراع والذراعين ، والأسود بالقياس إلى الفحم والقير ، ومعيار ذلك صحّة استعمال اسم التفضيل كما يقال : الذراعان أطول من الذراع وكلام المحقّق الشريف يوافق هذا التفسير.

وأمّا عند صاحب الحاشية فالظاهر أنّه أولويّة حمل المشتقّ على معروضى المبدأين المختلفين بالشدّة والضعف اختلافا ناشئا عن اختلاف

__________________

(١) راجع ص ١٨٣.

١٨٩

المبدأين بالشدّة والضعف على التفسير الذي ذكره كما فهمه الناظرون في كلامه. وسيجيء التحقيق في هذا الباب.

وأمّا الاختلاف بالزيادة والنقصان فقريب من الاختلاف بالشدّة والضعف ، والفرق بينهما أنّ في الزيادة والنقصان يمكن الإشارة إلى مثل حاصل وزيادة مخالفة له بالوضع دون الشدّة والضعف ، واختصاص الشدّة والضعف [بالكيف] توهّم.

قوله : في الحاشية ، فلاستواء نسبة الذاتي. (١)

قال الشيخ في الشفاء : التقدّم والتأخّر في جزئيّات يشملها معنى واحد لا يخلو إمّا أن يكونا في المفهوم لها من ذلك المعنى أو تلك المقولة أو في مفهوم آخر ، أمّا الذي يكون في المفهوم من ذلك المعنى فمثاله تقدّم الجوهر على العرض في المعنى المدلول عليه بلفظ الوجود إذا قيل لهما موجودان ، فإنّ الوجود للجوهر قبله للعرض ، وهو أعني الجوهر علّة لأن كان العرض موجودا حاصلا له المعنى المفهوم له من الموجود.

وأمّا الثاني فمثل تقدّم الانسان الذي هو الأب على الانسان الذي هو الابن اللذين هما تحت نوع الانسان معا ، فإنّ الأب هاهنا يتقدّم بالزمان وبالوجود ، وليس الزمان هو داخلا في معنى الانسانية ولا الوجود داخلا فيها ، فأمّا حدّ الانسان فإنّه من حيث حدّ الانسان فهو لهما بالسواء ، وإن كان وجود الانسانية لهذا قبل بالزمان وللآخر بعد ، لا في أنّها انسانيّة ، بل في أنّها موجودة. وأمّا بحسب النظر في الانسانية فليس أحدهما في أنّه انسان قبل الآخر في أنّه انسان وعلّة له. لست أقول في انّه موجود إنسانا.

__________________

(١) راجع ص ١٨٣.

١٩٠

وبالجملة : فلا شيء جعل زيدا الذي هو ابن عمرو انسانا فإنّه لماهيّته انسان فإنّه مستحيل أن لا يكون زيد انسانا ، ولذلك لا علّة له في أنّه إنسان لا أبوه ولا غيره وليس بمستحيل أن لا يكون موجودا ، فلذلك له علّة في أنّه موجود.

وكذلك البياض ليس إلّا لذاته هو لون ، ولكنّه ليس لذاته موجودا ، ومن حقّ الجنس أن يقال على أنواعه بالسوية ، فيشترك في المعنى المفهوم عنه ، وأمّا إن اختلفت بالتقدّم والتأخّر في مفهوم آخر غيره فليس ذلك بممتنع ولا مانع من ان تتشابه الشركة في مفهوم الجنس فيكون الجنس جنسا ولذلك لا يجب أن يباين الأب والابن في مقولة الجوهر أو نوع الانسان لأنّ الأب أقدم منه بالعلّية أو الزمان ، وليست انسانيّته أقدم من انسانيّته في أنّها انسانيّته ولا علّة لها.

وكذلك الحال في نسبة الهيولى والصورة إلى الجسم فإنّ الهيولى والصورة ليستا سببين لكون الجسم جوهرا فإنّ الجسم لذاته لا لعلّة من العلل ولا لسبب من الأسباب هو جوهر ومقول عليه معنى الجوهر ، لكنّه في وجوده يحتاج إلى أسباب في وجوده ولا جوهريّة شيء في أنّها جوهريّته تكون علّة لجوهريّة شيء حتى يصير الجسم لجوهريّة المادّة والصورة جوهرا لست أقول جوهرا موجودا. ولا الثلاثية أيضا في أنّها عدد تكون علّة كون الرباعيّة عددا لست أقول كونها عددا موجودا بل كلّ واحد من المثالين علّة لما بعده في الوجود فقد يكون وجود شيء علّة لوجود شيء آخر وإن لم يكن الماهيّة له أوّلا ، وبسببه (ونسبته خ) للآخر ثانيا ، فتكون تلك ماهيّة انسانيّة لأنّ هذه ماهيّة انسانيّة كما أنّ ما (١) يصحّ أن يكون العرض موجودا لأنّ الجوهر موجود ولذلك ما يمنع أن يكون الوجود جنسا ، إذ كان معناه يوجد للجوهر وبتوسطه للعرض ، ولذلك

__________________

(١) في المصدر : كما يصحّ أن يكون ...

١٩١

ليست الهيولى ولا الصورة أخلق بأن تكون موجودة لا في موضوع من الجسم ولا شكّ في ذلك وإن كان أخلق بالوجود منه وأشدّ فيه.

فقد تبيّن إذن إنّ تقدّم الثلاثة على الأربعة ، إنّما هو في الوجود وهو غير معنى العدد وليس ذلك في معنى العدد ، وكذلك تقدّم الهيولى والصورة على المركب هو في الوجود وهو غير معنى الجوهريّة ، لمعنى المقولة إذن إنّما يتقدّم الأنواع ويتأخّر عنها لا لنفسه ، بل لمعنى يضاف إليه فيه التقدّم والتأخّر وهو الوجود. انتهى كلامه. (١)

ويستفاد من هذا الكلام أنّ الذاتي لا يختلف بالأولويّة والأوّلية مشروحا ويدلّ على (عليه خ) أنّ الذاتي معلّل بالذات غير معلّل بأمر خارج عن الذات غير مستند إليه.

فإن قلت : قد ذكر الشيخ أنّ ثبوت الجسم للانسان معلّل بكون الانسان حيوانا وكون الحيوان جسما ، وأنّ الحيوان أوّلا جسم وبتوسّطه الانسان ، وينشأ من ذلك إشكالان :

أحدهما : يلزم أن يكون الذاتي مختلفا بالأوّليّة بناء على أنّ ثبوت الجسم للحيوان أوّلا ، ويمكن الجواب عن هذا الإشكال بوجهين :

الأوّل : أنّ أوّليّة ثبوت الجسم للحيوان ليس بحسب العلّية الحقيقية ، بل بحسب ملاحظة العقل كما صرّح به الشيخ في غير الشفاء وكأنّه يرجع إلى الأوّليّة بحسب الأولويّة ، والمعتبر في التشكيك الأوّليّة بحسب الواقع.

الثاني : أنّ المقصود من عدم التشكيك [في] الذاتي انّما هو عدم الاختلاف ، نظرا إلى الافراد المتباينة.

__________________

(١) الشفاء ، المنطق ، المقولات ص ٧٤ ـ ٧٦ طبع مصر.

١٩٢

وثانيهما : أنّ كون الحيوان جسما ليس مستندا إلى ذات الانسان ، فيلزم استناد الذاتي إلى أمر غير مستند إلى الذات.

والجواب عنه أوّل الجوابين السابقين.

قوله : الأولويّة ان فسّرت. (١)

الظاهر في المقام شقّ ثالث وهو أن يكون المراد بالأولويّة أن يكون صدق المفهوم بالنسبة إلى بعض أفراده أحقّ من صدقه بالنسبة إلى البعض الآخر.

وكون ما ذكر من مواضع الاختلاف مستلزما للاختلاف بالأولويّة بهذا المعنى. محلّ تأمّل.

وقوله : الحيوان نوع بالنسبة إلى حصصه. (٢)

خلاف المصطلح عليه في معنى النوع.

وقوله : هب انّه كذلك. (٣)

إشارة إلى أنّ الحصّة هو الموجود من الحقيقة في ضمن الفرد فلا يكون أمرا اعتباريّا.

قوله : فانّه جنس للانسان. (٤)

كون المادّة عين حقيقة الجنس. محل تأمّل.

نعم ، هي جنس باعتبار آخر ، ولو كانت كذلك لكانت المادّة محمولة على النوع ولو سلّم فيمكن أن يقال : لعلّ المراد بالأفراد المتباينة ما لا يصدق بعضها على بعض باعتبار ما ، وهاهنا ليس كذلك ، وكون المادّة العقلية عين المادّة الخارجية كما ذهب إليه صاحب الحاشية خلاف التحقيق عندي ، والمقام لا يسع تفصيله.

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) ليست هذه العبارات موجودة في الحاشية القديمة للدواني التي كانت عندنا.

١٩٣

وما ظنّ من أن امتياز المادّة عن الجنس باعتبار المعنى العدمي محل تأمّل ، فانّ المادّة مثل الجسم مثلا انّما هو الجسم إذا أخذ من حيث الصرافة والمحوضة وخروج جميع المعاني غير قابلية الابعاد عنه ، وهذا ليس بمعنى عدمي.

وقوله : ولا يبعد أن يقال صدق الحيوان. (١)

فيه نظر ، فإنّ الأولويّة بمعنى الأحقّية ممنوعة.

قوله : فمعناه أنّه لا يعلّل بالذات. (٢)

أنت خبير بأنّ هذا التأويل في الكلام الذي نقلناه عن الشيخ غير مستقيم ، بل يظهر من كلامه أنّ ثبوت الذاتي مستند إلى الذات ، ولعلّ مرادهم أنّ الذاتي غير معلّل بحسب الحقيقة بأمر غير مستند إلى الذات ، فثبوت الجسميّة للانسان مستند إلى ثبوت الحيوانيّة له ، وثبوت الحيوانيّة له مستند إلى ذاته.

قوله : وفي العبارة الثانية عبارة عن العالي. (٣)

إنّما فسّره في العبارة الثانية بالعالي لأنّ حمله على السافل لا يستقيم إلّا بتعسّف ، فإنّه إذا قيل : زيد ما لم يصر حيوانا لم يصر انسانا فإن اريد بالحيوان الجنس لم يصحّ لأنّ حمل الحيوان على زيد ليس بمتقدّم على حمل الانسان عليه ، بل الأمر بالعكس ، وإن اريد به المادّة لم يصحّ إن اريد من الصيرورة الحمل ، وكذا إن اريد الصيرورة بحسب التركيب أو التحليل إلّا بتعسّف.

قوله : ويكون مفادها أنّ تحصيل الجسم حيوانا علّة لتحصيله انسانا. (٤)

الجسم والحيوان هاهنا بمعنى المادّة لا الجنس فلم تكن هذه المقدّمة داخلة فيما جعله حاصل الجواب إلّا باعتبار لازمه ، وفيه تكلّف.

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) ليست هذه العبارات موجودة في الحاشية القديمة.

١٩٤

قوله : في الحاشية الجسم بمعنى الجزء والمادة. (١)

تصحيح هذا الكلام يحتاج إلى تكلّف والوجه أن يقال : الجسم بمعنى المادّة والجزء وجوده متقدّم على وجود الحيوان.

قوله : في الحاشية فإنّ الجسم ما لم يكن حيوانا لم يكن انسانا. (٢)

الوجه أن يقال بدل هذا : فإنّ الانسان ما لم يكن حيوانا لم يكن جسما.

قوله : فلا يكون حصولها في فرد مقتضى الذات. (٣)

هذا لا دخل له في نفي التشكيك عن الذاتي ، إذ لو كان الذاتي مجعولا للذات يلزم أن يكون مقتضى الذات في كلّ فرد ، والمقتضى للتشكيك أن يكون الشيء مقتضى الذات في بعض الأفراد دون بعض.

قوله : بأن يكون الحصّة التي يحصل في فرد. (٤)

لا يخفى أنّ اختلاف الحصص بالشدّة والضعف غير معقول ، إذ لا يعتبر في الحصّة أمر زائد على أصل الماهيّة فإنّ انسانية زيد لا يغاير انسانية عمرو إلّا بحسب الوجود وباقي الاختلافات خارج عنهما ، والوجه أن يقول في السند : لم لا يجوّز أن يكون اختلاف صدق مفهوم على فردين بأن يكون بعض الأفراد أشدّ أو أزيد بحسب انتزاع العقل كما ذكر وبحسب آثار الطبيعة ، وفيه كلام سيجيء.

قوله : في الحاشية قلت : الفردان المختلفان بالشدّة. (٥)

حاصل التحقيق الذي ذكره أنّ طبيعة السواد جنس بالنسبة إلى السوادين وأحد السوادين اشدّ من الآخر لا في كونه سوادا ، بل في نفسه أشدّ من الآخر لا في شيء بمعنى أنّ العقل ينتزع منه مثل الأضعف وزيادة وليس حمل جنس

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) ليست هذه العبارات موجودة في الحاشية القديمة.

(٥) هذه العبارة موجودة في الحاشية القديمة راجع ص ١٨٣.

١٩٥

السواد عليهما مختلفا ، فلا يكون السواد بالنسبة إليهما ما فيه الاختلاف ، بل يختلف حمل المشتقّ من السواد على الجسمين المعروضين للسوادين ، فالتشكيك بحسب الأشدّ والأضعف عنده يرجع إلى أولويّة خاصّة.

وفيه نظر ، لأنّ الذي يفهم من كلام الشيخ وغيره أنّ السواد والبياض متضادّان بينهما غاية الخلاف ، وأنّ كلّ واحد من الأوساط سواد بالنسبة إلى أحد الطرفين بياض بالنسبة إلى الآخر ، وحاصله يرجع إلى القرب والبعد من الطرف الحقيقي أو كون حصول آثار الطرف منه أكثر لا كون حقيقة السواد والبياض ذاتيا للأوساط ، ولو كان السواد جنسا للسواد الشديد والضعيف يلزم أن يكون البياض أيضا كذلك ، فيلزم أن يكون للشيء جنسان لا يكون أحدهما تحت الآخر وهو باطل ، بل يلزم أن يكون السواد الذي هو الطرف داخلا تحت جنس البياض والسواد وهو فاسد.

اعلم أنّ المحقّق الطوسي رحمه‌الله صرّح بأنّ البياض ليس بجنس بالنسبة إلى البياضين حيث قال : وينبغي أن يعلم أنّ الواقع بالتشكيك كالبياض الواقع على بياض الثلج وبياض العاج لا يمكن أن يكون ذاتيا مقوما لما يقع عليه فإنّ الذاتيات يحمل بالسواء والتواطؤ على ما هو ذاتيّات له فإذن لا شيء من الواقع بالتشكيك على أشياء جنسا لها ولا فصلا ولا نوعا ، انّما هو خاصّة أو عرض عام لتلك الأشياء ويكون كلّ واحد من تلك الأشياء نوعا ، مثلا بياض العاج نوع من اللون وبياض الثلج نوع آخر والبياض خاصّة للون وعرض عام لهما ، وكذلك العلم اعراض عامّة لما يطلق عليه اسم العلم لا أنواع ولا يشملها جنس واحد.

انتهى كلامه. (١)

__________________

(١) راجع شرح الإشارات ٣ / ٣٤

١٩٦

وقال الشيخ في الشفاء : وأمّا الذي يختلف فيه بالشدّة والضعف فذلك إنّما يكون في المعاني التي تقبل الشدّة والضعف مثل البياض ، فلذلك ليس يقال البياض على الذي في الثلج والذي في العاج على التواطؤ المطلق.

وفي مواضع من كلام الشيخ أنّ البياض ذاتي لما تحته ، ولعلّ مراده البياض الحقّاني (الحقيقي ظ) الطرفي ، والأمر العرفي الأمر النسبي (١) المشترك بين الشديد والضعيف.

والحق عندي أنّ الاختلاف بالتشكيك إنّما يكون على وجوه :

منها : أن يكون حصول حصص الطبيعة في بعض الأفراد أكثر من حصولها في البعض الآخر ، فيصحّ أن يقال وجود هذه الطبيعة في هذا الفرد أكثر من حصولها في ذلك الفرد ، فيقال : زيد أفضل من عمرو إذا كان في زيد فضيلة العلم والشجاعة مثلا ، واختصّ عمرو بأحدهما.

ومنها : أن يكون العدد الحاصل في أحدهما أكثر من العدد الحاصل في الآخر مثلا إذا كان جماعة عشرة واخرى تسعة فالعدد مقول بالتشكيك بالنسبة إليهما ، إذ يصحّ أن يقال : هذه الجماعة أكثر في العدد ، يعني طبيعة العدد الحاصلة في هذه الجماعة موصوفة بالكثرة بالنسبة إلى العدد الحاصل في تلك الجماعة ، ومعنى ذلك أنّ الفرد الذي عرض لهذه الجماعة من العدد موصوف بالكثرة الإضافية ، وما لتلك الجماعة موصوف بالقلّة الإضافية ، وثبوت طبيعة العدد لهذه الجماعة باعتبار اتّحادها مع الفرد الذي عرض لهم والعدد العارض لهذه الجماعة موصوف بالكثرة لا في كونه عددا فهناك ليس ما فيه الاختلاف ، فالعدد ما فيه الاختلاف بالنسبة إلى المعدودين لا بالنسبة إلى العددين.

__________________

(١) كذا.

١٩٧

ثمّ إذا كانت النسبة بين العشرة والاثنين مثلا فهاهنا العدد ما فيه الاختلاف بالنسبة إلى العددين وإنّما عرض لأحد العددين الكثرة الإضافية مقولة بالتشكيك بالنسبة إلى العددين ، إذ لم يعرض للاثنين كثرة إضافية ، وأمّا إذا كانت النسبة بين العشرة والتسعة مثلا فالكثرة الحقيقية ، يعني العدد ما فيه الاختلاف بالنسبة إلى المعدودين دون العددين ، والكثرة الاضافية ما فيه الاختلاف بالنسبة إلى العددين ، إذ كما أنّ للعشرة كثرة إضافيّة ، فكذلك للتسعة كثرة إضافية بالنسبة إلى ما تحتها من الأعداد ، ثمّ الكثرة الإضافية في العشرة والتسعة يمكن اعتبارها على وجهين : أحدهما مطلقا والثاني بالنسبة إلى عدد معيّن ، كالثلاثة مثلا.

وعلى الأوّل كان اختلاف العددين في الكثرة الإضافية باعتبار أنّ حصص الطبيعة في العشرة أكثر منها في التسعة إذ للعشرة كثرة إضافية بالنسبة إلى ما تحت التسعة بالنسبة إليها أيضا ، وللتسعة كثرة اضافيّة بالنسبة إلى ما تحتها حسب.

وعلى الثاني كان اختلاف العددين في الكثرة الإضافية المخصوصة بالنسبة إلى الثلاثة باعتبار أنّ كثرة العشرة بالقياس إلى الثلاثة أزيد من كثرة التسعة بالقياس إليها.

ومنها : أن يكون المقدار الحاصل في أحد الفردين أكبر من المقدار الحاصل في الفرد الآخر ، فالمقدار مقول بالتشكيك بالنسبة إليهما وهو ما فيه الاختلاف ، إذ أحد الجسمين موصوف بالمقدار الموصوف بالكبر الاضافي بالنسبة إلى المقدار الآخر الموصوف بالصغر الإضافي ، والجسمان موصوفان بالكبر والصغر الإضافيين أيضا بالعرض ، فأحد المقدارين كبير بالنسبة إلى المقدار الآخر لا في كونه مقدارا ، والكبر الإضافي أيضا يختلف بالتشكيك بالنسبة إلى المقدارين إذا اعتبر نسبتهما إلى ثالث على قياس ما قلناه في الكثرة

١٩٨

الإضافية.

ومنها : أن تكون الكيفية الحاصلة مثل السواد في أحدهما أشدّ من السواد الآخر وليس المقول بالتشكيك السواد الحقيقي الطرفي المنتهى إلى الغاية ، إذ لا يكون له فردان مختلفان بالشدّة والضعف يختصّ كلّ واحد منهما بواحد من الجسمين ، وكذلك كلّ حدّ من حدود السواد لا ينقسم إلى الشديد والضعيف ، وكذلك مراتب البياض والحرارة والبرودة وأمثالها ، بل المقول بالتشكيك إنّما هو السواد بالنسبة ، يعني السواد الإضافي ، فيصحّ أن يقال : أحد الجسمين أشدّ في السواد النسبي من الجسم الآخر ، فالسواد النسبيّ ما فيه الاختلاف ، والسواد النسبيّ الحاصل في هذا الجسم عرضت له الشدّة الإضافية بالنسبة إلى صاحبه لا في كونه سوادا نسبيّا ، ثمّ يمكن أن يعتبر في شدّته الإضافية التشكيك أيضا على قياس ما ذكرنا في الكثرة ، كما أنّ السواد الإضافي مقول بالتشكيك بالنسبة إلى الجسمين ، كذلك مقول بالتشكيك بالنسبة إلى السوادين ، أعني الأوساط ويمكن اعتبار النسبة هاهنا على الإطلاق وبالنسبة إلى معين على قياس ما مرّ.

واعلم أنّ اعتبار الشدّة في الكيف والأين وغير ذلك يتصوّر على وجهين :

أحدهما باعتبار القرب من المبدأ فإنّ كون هذا السواد أشدّ من الآخر إنّما يكون باعتبار القرب من السواد الحق (الحقيقي ظ).

قال الشيخ في الشفاء : واعلم أنّ تسوّدا أشدّ من تسوّد إذا كان أقرب من الاسوداد الذي هو الطرف ، والسواد أشد من السواد إذا كان أقرب من السواد الذي هو الطرف. (١)

وقال فيه أيضا : أن قد يصار من أحدهما إلى الآخر قليلا قليلا ويكون

__________________

(١) الشفاء ، المنطق ، المقولات ص ٢٣٧ طبع مصر.

١٩٩

المصيران متضادّين ويكون هناك أين متوسّط بينهما وأيون أقرب من الطرف الفوقاني في حدّ الفوقية وأيون من الجهة الاخرى بالخلاف ، فيكون في طبيعة الأين من جهته لا من جهة جنسيته ، بل من حيث خواص نوعيّته وإضافتها أيضا أن تقبل الأشدّ والأضعف ، فإن اثنين كليهما فوقان وأحدهما أشدّ فوقيّة ، فعلى هذه الجهة يمكن أن يقع فيها الأشدّ والأضعف ، وأمّا الكون فوق مطلقا أو تحت مطلقا ، والكون في أيّ حدّ شئت مطلقا ، والكون في المكان مطلقا ، فلا يقبل ذلك أشد وأضعف ، وفي الكيفيّة أيضا فإنّ السواد الحقّ لا يقبل أشدّ وأضعف ، بل الشيء الذي هو سواد بالقياس عند شيء وهو بياض بالقياس إلى الآخر وكلّ جزء من سواد يفرض فلا يقبل الأشدّ والأضعف في حقّ نفسه. انتهى. (١)

ولعلّ المراد بقوله : «كلّ جزء من السواد» حدود الأوساط إذ عرفت أنّ كلّ مرتبة من مراتب اللون ليس يكون على وجهين مختلفين حتى تكون ما فيه الاختلاف ويقع فيه التشكيك.

قال بهمنيار في التحصيل : الأين يقبل الأشدّ والأضعف فإنّه قد يكون اثنان وكلاهما فوقان وأحدهما أشدّ فوقيّة ، فعلى هذه الجملة يمكن أن يقع فيه الأشدّ والأضعف ، وأمّا كون الفوق مطلقا أو التحت مطلقا والكون في أيّ حدّ شئت مطلقا والكون في المكان مطلقا فلا يقبل الأشدّ والأضعف ، وهكذا الحال في الكيفية فإنّ السواد لا يقبل الأشدّ والأضعف بل الشيء الذي هو سواد بالقياس عند شيء وهو بياض بالقياس إلى الآخر وكلّ جزء من السواد يفرض فلا يقبل الأشدّ والأضعف في حق نفسه فانّ كلّ سواد يشتدّ فإنّه نوع على حده ، إذ كلّ سواد [متغير فإمّا أن يتغيّر لا في سواديته فيكون بعارض والكلام في غير هذا

__________________

(١) الشفاء ، المنطق ، المقولات ص ٢٣٠ طبع مصر.

٢٠٠