جواهر الأصول

محمّد إبراهيم الأنصاري

جواهر الأصول

المؤلف:

محمّد إبراهيم الأنصاري


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٢٧

يؤديان» (١). هذا تمام الكلام في المقام الثالث.

المقام الأول

وأما المقام الأول : فقد ظهر حاله من طي كلامنا في المقام الثاني والثالث وليس فيه زيادة بحث ؛ وذلك لانه :

أما في الأصول العملية فتارة يقع البحث في الفحص وانه مختص بالمجتهد؟ أم يعم المقلد؟ وأخرى في موضوع الأصل كاليقين السابق والشك اللاحق في الاستصحاب والعلم الاجمالي في الاحتياط والتخيير ، أما في الموضوع فلا شك أن اليقين السابق مختص بالمقلَّد (بالفتح) فانه هو الذي يتمكن من اليقين بالحكم وان كان المقلد يحصل له الشك ايضاً ، وكذا العلم الاجمالي بالحكم من مختصات المقلَّد (بالفتح) ولا يشمل العامي ، وهذا واضح ، وأما بالنسبة الى الفحص فهو ايضا مختص بالمجتهد اذ هو الذي يتمكن منه دون المقلد ، إلا أن يقال ان فحص كل شخص بحسبه ، ومن اساليب الفحص بالنسبة الى المقلد ، هو الرجوع الى رسالة المجتهد لتمكنه منه.

وأما في الامارات فيكون الفحص عن المعارض والمخصص فيها ايضا مختصا بالمجتهد دون المقلد ، لعدم تمكنه منه ، إلا أن يقال هنا ايضا بأن فحص كل شخص بحسبه وفحص العامي انما هو الرجوع الى رسالة مقلده ، هذا تمام البحث في المقامات الثلاثة.

ويمكن تحليل عملية الافتاء في المقام بالتمسك بالاطلاق المقامي ؛ وذلك بأن يقال : ان هذه النكتة ، وهي نكتة الفرق بين الاحكام الظاهرية والواقعية التي صارت منشئا للشبهة والاشكال ، يكون مغفولا عنها غالبا حتى بالنسبة الى المجتهدين. وأدلة جواز التقليد كقوله تعالى : (لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ) (٢)

__________________

(١) جامع أحاديث الشيعة باب حجية أخبار الثقات ، ح ١.

(٢) سورة التوبة آية ١٢٢.

٢١

دلت باطلاقها على جواز التقليد حتى بالنسبة الى الاحكام الظاهرية. ولو كانت النكتة المذكورة دخيلة في الفرق لتنبه الشارع اليها ، فمن عدم تنبهه اليها مع كونها مغفولا عنها غالبا يستكشف انها غير دخيلة ، وان اطلاق الأدلة يشمل المقام كما في سائر موارد التمسك بالاطلاق المقامي ، فقد تمسك المحقق الخراساني (قدس‌سره) بهذا الاطلاق لاثبات عدم دخالة قصد الوجه والتمييز في الصلاة.

بناء على ما ذكرنا ، إذا كان المجتهد مفضولا وغير أعلم ، وكان رأيه مخالفا لرأي الأعلم ، وكانت المسألة من المسائل الفنية التي يحتاج استنباط الحكم فيها الى البرهان العقلي والتأمل الفكري ، كما في مسألة انقلاب النسبة ، قد يقال بأنه لا يجوز للمجتهد الافتاء اصلا ؛ وذلك لان هذا مسلم في فقه الشيعة ، بل لعله في فقه الاسلام وهو ان المجتهد لا يجوز له الافتاء إلا إذا قطع بالحكم ، غاية الأمر ان متعلق قطعه قد يكون حكما واقعيا ، وقد يكون حكما ظاهريا واذا كان المجتهد غير أعلم ، وكان رأيه مخالفا لرأي الأعلم ، وكانت المسألة من المسائل الفنية التي تحتاج الى تدبر وتأمل وإقامة برهان يحتمل المفضول أنه ان راجع الأعلم غلب عليه وأرجعه عن هذه الفتوى باقامة البرهان فلا يحصل القطع بالحكم له ، فلا يجوز له الافتاء مع هذه الشرائط الثلاثة.

نعم إذا كانت المسألة من المسائل التي تستنبط من الظواهر اللفظية لا يجيء هذا الاحتمال ، لأن الظهور ليس أمرا مضبوطا تحت قاعدة وبرهان ، فقد يدعي شخص ظهور لفظ في معنى ، ويدعي آخر ظهوره في معنى مختلف وعليه فقد لا يكون الأعلم قادرا على غلبة غير الأعلم أو يكون احتمال الغلبة ضعيفا.

واحتمال الغلبة يتصور على نحوين :

الأول : يحتمل أن يتغير موضوع الحكم عند غير الأعلم بعد تباحثه مع الأعلم ، كما لو كان على يقين من حكم ما ، ثم شك في بقائه ، وعند ما تباحث مع الأعلم ثبت له أن يقينه السابق كان في غير محله ، فلا يكون المورد عنده من موارد الاستصحاب حينئذ بل من موارد البراءة لأن لديه شكا بدويا بعد ما زال يقينه السابق.

٢٢

وفي هذه الحالة لا محذور في افتائه لأنه يحتمل انه اذا تباحث مع الأعلم يُظهر له الأعلم خطأه في الحكم حتى لا يحصل له اليقين بالحكم من رأس ، بل يحصل له اليقين ويحتمل انه إذا تباحث مع الأعلم ينقله من موضوع إلى موضوع آخر.

الثاني : يحتمل أن يُظهر له الأعلم بعد التباحث معه خطأه في الحكم كما لو كان مخالفا له في مسألة مثل انقلاب النسبة أو الترتب.

ويمكن الجواب عن هذه الشبهة نقضاً وحلاً :

أما نقضا فمن وجوه :

احدها : أن الأعلم ايضا ليس كل استنباطاته في حالة صفاء ذهنه ، فقد يستنبط في حالة الصداع والوجع ، فيحتمل في تلك الحالة انه لو كان في حالة صفاء الذهن لأدى نظره الى خلاف ما أدى اليه فعلا ، فلا يحصل له اليقين بالحكم كي يفتي به.

ثانيها : ان الأعلم ايضا يحتمل انه لو تباحث مع غير الأعلم لغلب عليه ، وذلك لأن التفاوت بين الأعلم وغيره لا يكون دائما تفاوتا كبيرا ، بل قد يكون يسيرا ، وعليه يحتمل الأعلم انه لو تباحث مع غير الأعلم لغلبه وأرجعه عن رأيه ، فلا يحصل له اليقين بالحكم كي يفتي به.

ثالثها : أن الأعلم يحصل له الرقيُّ كغيره لكونه بصدد التكامل والترقي فيحتمل الآن انه قد يترقى فيما بعد ويظهر له ما يرجعه عن فتواه الحالية.

رابعها : أن الأعلم وإن كان أعلم الأحياء إلا أنه ليس بأعلم من جميع المجتهدين أحياء وأمواتا. فاذا كان رأيه مخالفا للأعلم منه من الأموات يحتمل انه لو كان الميت حيا وناظره لغلب عليه وارجعه عن رأيه ، فلا يحصل له القطع الفعلي بالحكم.

ولكن هذا النقض يبتني على أن يكون المراد بالأعلم الأدق نظرا والأعمق فكرا فانه يمكن ان يكون في الأموات شخص أدق نظرا من أعلم الأحياء ، وأما إذا

٢٣

كان المراد بالأعلم الأجود استنباطا فلا يرد هذا النقض ؛ وذلك لأن اجودية الاستنباط تحصل من كثرة التجربة والاطلاع على تجارب الآخرين ، فالأعلم من الأحياء يكون دائما أجود استنباطا من تمام الأموات وان كانت العظمة لواحد من الأموات فلنفرض ان الانظار كانت خمسين الى زمان الشيخ الانصاري (قدس‌سره) ، فأضاف الشيخ اليها اربعين ، واضاف جميع الاحياء الى التسعين خمسة ، ومع ذلك يكون الأعلم من الاحياء اجود استنباطا من الشيخ الانصاري (قدس‌سره) لاطلاعه على جميع الخمسة والتسعين ، بخلاف الشيخ فانه كان مطلعا على تسعين فحسب ، وان كانت العظمة للشيخ حيث اضاف وحده اربعين الى الخمسين ، وعلى هذا لا يكون هذا النقض وارداً.

خامسها : إن الأعلم يحتمل ان يخلق الله رجلا أدق وأعلم منه بكثير اذ ليس هذا بمحال وان كان الأعلم قويا في فكره دقيقا في نظره ، فيتباحث معه ويغلبه ، ولا يحصل له القطع بالحكم ، لا أقل من انه يحتمل ان يظهر الامام (ع) ويباحثه ويرجعه عن فتواه.

هذا هو الجواب النقضي ، اذا فكل مجتهد سواء كان أعلم أو غير أعلم يحتمل الخطأ في رأيه ، فلو قلنا باضرار ذلك في حجية رأيه لانسد باب الاجتهاد مع أنه لا نحتمل ذلك ، فلا بد حينئذ من التخلص عن هذا الاشكال ، ومن هنا فإن الجواب عنه إنيٌّ لا لميٌّ كما لا يخفى.

أما الجواب الحلي فنقول : ان دليل الحكم الذي وصل اليه رأيه قد يكون دليلا شرعياً ، وقد يكون دليلا عقليا.

فان كان دليلا شرعيا فمرجع احتمال الخطأ في الرأي فيه هو الشك في الظهور ، فلو استقر رأيه في باب الاستصحاب على حجيته حتى في مورد الشك في المقتضي لأن لدليله اطلاقا بالنسبة للشك في المقتضي ، واحتمل انه لو باحث الشيخ الانصاري (قدس‌سره) القائل بعدم حجية الاستصحاب في موارد الشك في المقتضي لخطأه واثبت عدم الحجية له ، فمرجع هذا الى الشك في ظهور دليل

٢٤

الاستصحاب في الاطلاق بالنسبة الى الشك في المقتضي ، ويكون شكه هذا من ناحية وجود رأي مخالف له ، وهو مطمئن بالظهور لو لا مخالفة غيره ، وهذا لا يضر بحجية الظهور اذ كما قامت السيرة العقلائية على حجية اصل الظهور ، كذلك قامت على حجية مثل هذا الظهور المشكوك فيه من هذه الناحية ، فان من كان خبيرا بصيرا بلسان شخص ، وفهم من كلامه شيئا وبنى عليه ، مع انه يحتمل ان من هو ابصر وأخبر منه يفهم شيئا آخر ، فان هذا الشخص لا يذم من قبل العقلاء على بنائه بمجرد الاحتمال المذكور ، كما هو واضح لا يخفى.

ولو كان دليل الحكم عقليا : فقد يكون هو العقل العلمي الذي مرجعه الى الحسن والقبح ، وقد يكون هو العقل النظري ، فلو كان هو العقل العملي فيخرج عن موضوع الاشكال ، لأنا ذكرنا ان موضوع الاشكال يتحقق بشروط ثلاثة : ثالثها : كون المسألة صناعية يمكن النزاع فيها ، وهذا الشرط غير متحقق فيما نحن فيه ، اذ العقل العملي مرجعه الى الوجدان.

وإن كان هو العقل النظري كما في مسألة امكان الترتب ، وامكان اجتماع الأمر والنهي ، فقد يكون رأي المجتهد الإمكان ويحتمل الرجوع عن رأيه بالمباحثة الى الامتناع ، فحينئذ يرجع احتمال الاستحالة الى احتمال وجود مقيد لاطلاق وجوب الصلاة مثلا ، ويمكنه الفحص عنه بالمباحثة مع غيره ، فهذا يرجع الى وجوب الفحص ، وقد قلنا : انه لا اطلاق له بالنسبة الى الفحص بمعونة الغير.

وقد يكون رأيه الامتناع ويحتمل الرجوع إلى القول بالاجتماع بعد التباحث ، فيكون مرجع احتمال الامكان الى احتمال وجود اطلاق للوجوب ، وعليه سيكون الاشكال الوارد في المقام هو انه مع احتمال الاطلاق والتقييد ما ذا نعمل؟؟ لا بد من نفي التقييد باصالة عدم التقييد والأخذ بالاطلاق ، وهذا ينافي الامتناع فيرجع عندها إلى الإمكان.

والجواب : ان أصالة عدم التقييد انما تجري فيما اذا لم يكن احتمال التقييد بهذا النحو المفروض في المقام ، وهو ان يطمئن عن بصيرة وخبرة بالتقييد لو لا

٢٥

المباحثة مع الغير ، فان الاحتمال بهذا النحو يسبب حجية الظهور في الاطلاق كما لا يخفى.

هذا تمام الكلام في المسألة التأسيسية مع خاتمتها.

فلنرجع الى أصل البحث. ذكرنا انه يقع البحث حول التقسيم الذي ذكره الشيخ الأعظم في جهات وكانت الجهة الأولى حول المقسم وقد تم الكلام فيه.

***

 الجهة الثانية

في البحث عن الملتفت اليه وهو الحكم

وبعبارة أخرى في البحث عن التقسيم وأنه هل هو ثلاثي أم ثنائي؟ قلنا : ان الشيخ الأعظم ذكر في أول رسائله التقسيم ثلاثيا ، وأورد عليه صاحب الكفاية بايرادين :

أحدهما : ان هذا التقسيم يلزم منه تداخل بعض الأقسام ؛ فان الظن الغير المعتبر داخل في الشك حكماً ، فان أريد بالشك المعنى الأعم الذي يشمل الظن الغير المعتبر ، يلزم تداخل الظن الغير المعتبر في الشك والظن وهو تداخل الاقسام ؛ وان أريد منه المعنى الخاص فهو بلا موجب مع اجراء حكم الشك عليه.

ثانيهما : ان التقسيم ثنائي لا ثلاثي ، وذلك بأن يقال : ان المكلف اذا التفت الى الحكم الشرعي الواقعي أو الظاهري ؛ فإما أن يحصل له القطع به أو لا؟ فجعل التقسيم ثنائيا من جهة أنه جعل الحكم أعم من الواقعي والظاهري (١).

وأجاب عن الايراد الاول المحقق النائيني بأن تقسيم الشيخ انما هو بلحاظ الخصوصيات الذاتية لكل من القطع والظن والشك ، وأن القطع له خصوصية من جهة تلك الخصوصية تجب حجيته ، وأن الظن له خصوصية من جهتها يمكن اثبات

__________________

(١) كفاية الأصول ، المقصد ٦ ، ص ٢٥٨.

٢٦

الحجية له ، وأن الشك له خصوصية مانعة عن جعل الحجية له ؛ وهي ان الشك جهل محض فيستحيل ان يجعل حجة بخلاف القطع والظن فان لهما كاشفية ومرآتية عن الواقع إما تاما وإما ناقصا (١).

ولكنه غير صحيح ؛ فانه إن اريد من الشك الترديد وكلا الاحتمالين على نحو المجموع فامتناع جعله حجة مسلّم ، لكن هذا ليس استيعابا للاقسام ، فانه لم يذكر حكم أحد الاحتمالين ، مضافا الى أن ارادة مجموع الاحتمالين من الشك خلاف سياق كلام الشيخ حيث جعله في سياق الظن والقطع ، وكل منهما عبارة عن طرف واحد ، اذ لا يعقل الظن أو القطع بكلا الطرفين.

وإن أريد منه أحد الاحتمالين فجعل حجيته بمكان من الامكان ، فان الاحتمال ايضا له كشف ناقص غاية الامر انه معارض بكشف مثله ، ومن الممكن ان يرى المولى مثلا ان احتمال ثبوت التكليف أغلب مصادفة من احتمال عدمه فيجعله حجة.

التحقيق حول تقسيم الشيخ الانصاري :

تارة يفرض أن مقصود الشيخ (ره) من هذا التقسيم بيان أقسام مباحث الكتاب ، وأخرى يفرض أن مقصوده بيان أقسام موضوع الوظائف العملية.

أما على الأول : فيمكن حمل الشك في كلامه على ما يعم الظن غير المعتبر من دون أن يرد عليه اشكال التداخل ، لأن الظن والشك وإن كانا قد يتصادقان في مورد واحد لكنهما لا يتداخلان من حيث العنوان ، فالظن يبحث عنه في باب الظن من جهة ، وفي باب الشك من جهة أخرى ، ففي باب الظن يبحث عنه من جهة انه هل هو معتبر ، أو لا؟ وفي باب الشك يبحث عن أنه بعد فرض عدم اعتباره ما هو الاصل الجاري في المقام؟ لكن لا يخفى ان هذا الفرض لا يناسب ما في كلام الشيخ من الترديد ب ـ «أو» حيث انه يقول : «إما أن يحصل له القطع أو الظن أو

__________________

(١) أجود التقريرات ، ج ٢ ، ص ٢.

٢٧

الشك». فان ظاهر ذلك عدم التصادق في المورد ايضا ، فالمناسب لكلام الشيخ (قده) هو الفرض الثاني.

وأما على الثاني : فيرد اشكال التداخل على كلام الشيخ ما لم يحمل الظن في كلامه على الظن المعتبر باخراج الظن غير المعتبر من هذا العنوان وادخاله في العنوان الثالث وهو الشك ، ويشهد لهذا الحمل ما صنعه الشيخ (قده) في أول البراءة حيث ذكر عين هذا التقسيم وقيد الظن بكونه معتبرا (١).

وأما الجواب عن الايراد الثاني فبأن يقال : إنك قد عرفت ان تقسيم الشيخ اما بلحاظ أقسام كتابه ، أو بلحاظ أقسام موضوعات الوظائف العملية ؛ فان كان باللحاظ الأول فالمتعين هو التثليث فان ابحاث كتابه ثلاثة لا اثنان ؛ مبحث القطع ، ومبحث الظن ، ومبحث الشك ؛ وان كان باللحاظ الثاني فايضا المتعين هو التثليث فان موضوعات الوظائف ثلاثة : العلم ، والظن ، والشك ، ولا وجه لالغاء الثاني بارجاعها الى قسمين ، فانه ليس المقصود ارجاع الأقسام الى عنوان جامع ، وإلا فمن الممكن ارجاعها الى جامع واحد وهو العلم بالوظيفة العملية الأعمّ من كونها حكما شرعيا أو عقليا.

الجهة الثالثة

في البحث عن متعلق الحكم

في أنه بعد الفراغ عن أن ما ينبغي هو تثليث الاقسام ، هل ينبغي أن يجعل متعلق هذه الاقسام ـ أعني العلم والظن والشك ـ هو خصوص الحكم الواقعي؟ أو الأعم من الواقعي والظاهري؟

ذهب السيد الاستاذ (قده) الى الثاني بتقريب أنه كما أن القطع والظن والشك بالحكم الواقعي موارد للأثر كذلك القطع والظن والشك بالحكم الظاهري فلا وجه لتخصيص الحكم بالواقعي. هذا والموجود في الدراسات هو جعل الاقسام

__________________

(١) الرسائل ص ١٧٥.

٢٨

خصوص الحكم الواقعي ، لكنه (قده) قد صرح في البحث بما نقلناه عنه.

ويرد عليه أولا : أن الجمع بين التثليث وتعميم الحكم للواقعي والظاهري مستلزم للتداخل ؛ فان القطع بالحكم الظاهري ظن معتبر بالواقع في مورد الامارات ، وشك فيه في مورد الأصول الشرعية.

وثانيا : مع قطع النظر عن أشكال التداخل فإن ما ذكره من لزوم تعميم الحكم للواقعي والظاهري موقوف على تسليم كون الشك في الحكم الظاهري بما هو موضوعا للوظائف العملية الثابتة بأمارة أو أصل وكونهما منجزين لذلك وليس الأمر كذلك.

هل يقع الشك في الحكم الظاهري موضوعا للأصول غير التنزيلية؟

هذا وقد ظهر هنا بحث فني في نفسه لا كالبحث في ذكر الشيخ (ره) لذلك التقسيم الذي يرجع في الحقيقة الى مناقشات في التعبير وهو : أنه هل الشك في الحكم الظاهري يكون كالشك في الحكم الواقعي في وقوعه موضوعاً لوظيفة عملية تثبت بالأمارة أو الاصل وهما منجزان لنفس ذاك الحكم الظاهري أو لا؟ فنقول : تارة يقع الكلام في الأصول غير التنزيلية ، وأخرى في الأصول التنزيلية والامارات.

أما الاصول غير التنزيلية التي هي محل نظرنا فهي أربعة ، ولا يقع الشك في الحكم الظاهري بما هو موضوعا لواحد منها أصلا ، وهي عبارة عن أصالتي البراءة ، والاشتغال الشرعيتين والعقليتين.

أما أصالة الاشتغال الشرعية فمن الواضح أن الشارع انما يوجب الاحتياط بملاك الاهتمام بغرضه ، وغرضه انما هو في الحكم الواقعي لا الظاهري ، اذ الحكم الظاهري ليس الا طريقا صرفا وليس هناك سببية ، فموضوع ايجاب الاحتياط دائما هو الشك في الواقع غاية الامر انه تارة يجعل الشك في الواقع باطلاقه موضوعا له ، وأخرى يجعل الشك فيه عند احتمال قيام إمارة عليه موضوعا لذلك لكون المصادفة للواقع في ظرف احتمال قيام الامارة اكثر مثلا فيشتد ملاك الاهتمام بالواقع ، وهذا غير مسألة وقوع الشك في الحكم الظاهري من حيث هو موضوعا لأصالة

٢٩

الاشتغال.

وأما أصالة الاشتغال العقلية فأيضا انما تكون بملاك التحفظ على مطلوب المولى عند سقوط الأصول المؤمّنة ، وليس هو إلا الواقع ، والحكم الظاهري طريق صرف غاية الأمر أن قيام الحكم الظاهري قد يكون هو الموجب لسقوط الاصول المؤمّنة ؛ وذلك كما لو قامت البيّنة على نجاسة أحد شيئين فإنها توجب الاحتياط من كل واحد منهما مع أنه مشكوك لمكان العلم الاجمالي ، فان ذلك ليس لأن قيام البيّنة صار بما هو موضوعا لوجوب الاحتياط ، بل لأن قيام البيّنة أسقط أسقط الأصول المؤمّنة وبقي احتمال الواقع بلا معذر فوجب الاحتياط فيه عقلا.

وأما البراءة الشرعية فسيأتي أنها في الحقيقة رفع لايجاب الاحتياط الشرعي وعلى هذا فموضوعها عين موضوعه.

وأما البراءة العقلية فهي عبارة عن قبح العقاب بلا بيان والعقاب انما هو بلحاظ الواقع لا بلحاظ الحكم الظاهري الذي هو طريق محض ، وان شئت قلت : في باب البراءة ـ شرعية أو عقلية ـ انها لو جرت بلحاظ الحكم الظاهري فان لم تجر البراءة ايضاً بلحاظ الحكم الواقعي وبقي احتمال العقاب بلحاظه ثابتا لم تكن فائدة في البراءة الجارية بلحاظ الحكم الظاهري ، وإن جرت بلحاظ الحكم الواقعي وصرنا آمنين من عقابه فلا حاجة الى اجراء البراءة بلحاظ الحكم الظاهري لعدم العقاب فيه.

وأما الامارات والاصول التنزيلية فكون الشك في الحكم الظاهري موضوعا لحكمها فهو بمكان من الامكان ، وذلك كما لو دل الاستصحاب على بقاء حجية الخبر الواحد أو دل الكتاب على حجيته مثلا ، لكن هذا منجز للواقع رأسا لا أنه منجز لذلك الحكم الظاهري ابتداء ثم يسري التنجيز منه الى الواقع.

وكذا لو فرضنا أنه ثبت حجية خبر الواحد القائم على وجوب صلاة الجمعة بالكتاب أو الاستصحاب ، وفي الواقع لم يكن خبر الواحد حجة ، وكانت صلاة الجمعة واجبة ، وخالف المكلف ما ثبت له من وجوب صلاة الجمعة بحكم دليل

٣٠

خبر الواحد كان مستحقاً للعقاب ، لأنه ترك حكم المولى بلا عذر ، ولو فرض ان ذاك الدليل ينجز ابتداء حجية خبر الواحد ثم يسرى التنجيز منها الى الواقع ، لزم عدم استحقاقه للعقاب غير عقاب التجري وعدم تنجيز الواقع عليه إذ لم تكن الحجية ثابتة في الواقع حتى تنجز ويسري منها التنجيز الى الواقع.

هذا تمام الكلام فيما ذكره الشيخ (قده) من التقسيم وموضوعه متعلق الاقسام.

٣١
٣٢

القطع

٣٣
٣٤

ويقع الكلام في امور : الامر الاول :

لا يخفى أنه لا ينبغي لنا البحث في أن القطع من المسائل الأصولية أم لا؟ بعد ما ذكرنا من أنه ليس هناك جامع بين القواعد الأصولية ، ويقع الكلام فيه من جهات.

حجية القطع

الجهة الأولى : في أنه حجة أم لا؟ وعلى فرض كونه حجة كيف يكون ذلك؟

للحجية مفهوم منطقي ومفهوم أصولي ، أما المفهوم المنطقي فهو الذي سميناه في كتبا «فلسفتنا» بنظرية المعرفة وهو جواز الاعتماد على القطع في اقتناص الواقع. وأما مفهومه الأصولي فهو المنجزية للواقع على تقدير الاصابة والمعذرية عنها على تقدير المخالفة.

إذا تبين ذلك نقول : ذهب الأكابر من المحققين الى ان القطع حجة ، بدعوى ان مخالفة أوامر المولى المقطوع بها ظلم وبالتالي قبيحة من باب قبح الظلم وحسن العدل والاحسان. واختلفوا في أن قبح الظلم الذي يكون مخالفة القطع من مصاديقه هل يكون من المدركات العقلية؟ أو يكون الوجه فيه بناء العقلاء على ذلك؟ أو يكون من الأحكام البعثية للعقل؟ أما الوجه الثالث فسخيف وذلك لعدم وجود أحكام بعثية وزجرية للعقل بما هو عقل ، فيبقى الوجه الأول والثاني.

واختار السيد الاستاذ الاول واستدل على عدم تمامية الثاني بوجهين :

الأول : ان حجية القطع كان مسلما في زمان الانسان الأول قبل ان يوجد مجتمع العقلاء ويبنون على حجية القطع حفظا لنظامهم ، فلو كان ذلك من جهة بناء

٣٥

العقلاء علي حجيته لما كان حجة عند آدم (ع) مع انه كان كذلك قطعا.

وفيه : أنه ما المراد بانه كان حجة في زمن الانسان الاول قبل وجود المجتمع؟ فان كان المراد ان آدم (عليه‌السلام) كان يعتمد على قطعه في اقتناص الواقع فهو صحيح إلا أن ذلك يدل على حجية القطع بمفهومه المنطقي ، وهو خارج عن محل كلامنا ، وان كان المراد ان آدم (عليه‌السلام) كان اذا استفتي عن منجزية القطع ومعذريته يفتي بأنه منجز ومعذر ، يسأل من أين علمتم بذلك وحصلتهم القطع به؟

الوجه الثاني : ان بناء العقلاء انما يكون في مورد يكون دخيلا في حفظ النظام ، ولا يجري في العبادات لعدم دخلها في حفظ النظام ، واطاعة المولى من العبادات ، فلا يمكن ان يقال : ان مخالفة القطع بالنسبة الى اوامر المولى ظلم بالنسبة الى المولى وهو قبيح لبناء العقلاء على وجوب اطاعة المولى وقبح مخالفته.

وفيه : ان بناء العقلاء انما ينعقد لحفظ نظام الرئاسة ، فينعقد على وجوب اطاعة العبد لمولاه حفظا لنظام الرئاسة ولو كان الرئيس مخطئا في رأيه كما في الموالي العرفيين ، ولا يكون بناؤهم لحفظ النظام الداخلي فيما بينهم ، ففي باب العبادات ايضا بناء العقلاء جار لحفظ نظام الرئاسة (١).

ولكن الصحيح ان الاستدلال بقاعدة القبح والحس لحجية القطع غير تام اصلا ، وذلك لانه ان كان المراد اثبات مولوية المولى بهذا الدليل فهو مضافا الى انه لا يناسب البحث الديني إذ في الابحاث الدينية نبحث بعد الفراغ عن الاقرار بأنا عبيد ولسنا بأحرار ، والاقرار بأن لنا مولىً ، وانما يناسب الابحاث الفلسفية والكلامية ، فمضافا الى ذلك فهو دور واضح ؛ وذلك لان اثبات مولوية المولى يتوقف ويتفرع

__________________

(١) ويرد عليه مضافا إلى ما ذكره (قدس‌سره) أن العبادات أيضا دخلية في حفظ النظام الذي أراده السيد الأستاذ وذلك من جهة كونها موجبة لتزكية النفس ، فتقبل النفس القوانين المجعولة لحفظ النظام ، وتعمل على طبقها بلا كلفة ومشقة ، فكيف يقول بعدم دخلها في حفظ النظام؟ وكانت حكومة الشاه تعلن في كل سنة بعد شهر رمضان أن أرقام الجنايات من القتل والتجاوز كانت أقل من كل شهر من جهة الإقبال على العبادة في هذا الشهر.

٣٦

على هذا الدليل على الفرض ، وهذا الدليل انما يتم لو كان هناك مولى واجب الطاعة حتى تكون مخالفته قبحا وظلما ، وهذا دور واضح.

وان كان المراد الاستدلال بهذا لحجية القطع بعد الفراغ عن مولوية المولى ، فبعد الاقرار بان هناك مولى واجب الطاعة والاقرار بثبوت الحجية المنطقية للقطع وهو جواز الاعتماد عليه في مقام اقتناص الواقع لا نحتاج الى دليل لاثبات حجيته بمفهومه الاصولي وهو كونه منجزا للواقع ومعذرا له بل نفس هذا المعنى كاف في حجيته وهو ثبوت مولوية المولى وجواز الاعتماد على القطع في اقتناص الواقع ، لأن مولوية المولى تقتضي وجوب إطاعة أوامره ونواهيه وحرمة مخالفتهما ، فإذا انكشف الواقع وهو امر المولى أو نهيه بالقطع ، وقلنا بجواز اقتناص الواقع بالقطع لا نحتاج الى دليل يدل على حجية القطع بمعنى المنجزية والمعذرية ، بل كبرى مولوية المولى ووجوب اطاعته مع انضمام صغرى كون القطع كاشفا تاما عن الواقع يكفي في حجية القطع.

الجهة الثانية : في حجية القطع للجعل

ثم انه تبين مما ذكرناه ان حجية القطع ليست قابلة للجعل ؛ وذلك لأنا بعد ما فرضنا ان القطع كاشف تام عن الواقع ، ويجوز اقتناص الواقع به ، وفرغنا عن مولوية المولى ووجوب اطاعته فنفس هذا هو حجية القطع بلا حاجة الى الجعل للحجية له ، وهذا هو الجهة الثانية التي يبحث عنها في القطع.

الجهة الثالثة : في منع الشارع عن العمل بالقطع

هل يمكن للشارع المنع عن العمل بالقطع والردع عنه أم لا؟ وهذا بحث مهم ، واستدل لعدم الامكان بوجوه ثلاثة :

الأول : انه يلزم من النهي عن العمل بالقطع اجتماع الضدين في الواقع على تقدير مصادفة القطع له ، وبنظر المكلف على تقدير المخالفة ، وكلاهما محال.

الثاني : أنه يلزم من النهي عن العمل بالقطع مخالفة النهي لحكم العقل

٣٧

بوجوب العمل على طبق القطع ، ولا يمكن للشارع النهي عن العمل بحكم العقل.

الثالث : أنّه يلزم من الردع عن العمل على طبقه نقض غرض المولى ، فانه اذا كان للمولى غرض تعلق بوجوب شيء وقطع المكلف بوجوب ذلك الشيء ، فلو نهى المولى عن العمل على طبق قطعه هذا ، يكون ذلك نقضا لغرضه.

أما الديل الأول ففيه أننا نسأل : ما المراد باجتماع الضدين؟ اجتماع الضدين في مبادئ الاحكام وملاكاتها كالارادة ونحوه؟ أم اجتماعهما في الباعثية والمحركية لهما وفي نفسهما؟

فان كان المراد اجتماعهما في المبادئ والملاكات ، فهذا لا يزيد عن اشكال ابن قبه في الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي ، فقد يكون الجواب عن الشبهة هناك جوابا عن الاشكال هنا ايضا ، كالجواب بتعدد الرتبة الذي قال به المحقق العراقي وغيره من المحققين ؛ وذلك بأن يقال :

إن الحكم الظاهري في طول الحكم الواقعي وفي الرتبة المتأخرة عنه ، فان موضوع الحكم الظاهري هو الشك في الحكم الواقعي ، والشك في الواقع متأخر عن الواقع ، وكذا الحكم المترتب على ذلك الشك ، وفي المقام القطع بالحكم الواقعي في طول الواقع وفي التربة المتأخرة عنه ، فكذا النهي عن العمل بالقطع يكون في طول القطع وفي الرتبة المتأخرة عنه.

وان كان المراد اجتماع الضدين في نفس الاحكام ومحركيتها ، حتى يتميز هذا الاشكال عن اشكال ابن قبه (١).

ففيه : أن النهي عن العمل بالقطع يكون ضداً للمحركية الشخصية ، أو يكون ضدا ومتنافيا مع المحركية المولوية ، وذلك لأن كل فعل يكون فيه محركيتان ،

__________________

(١) إذ لو كان المراد ذلك لا يأتي هذا في الاحكام الظاهرية ، اذ لا محركية في الحكم الواقعي فيها من جهة كونه مجهولا ، والمجهول لا محركية فيه ، بخلاف المقام فان الحكم الواقعي فيه معلوم فيتصور له المحركية.

٣٨

محركية شخصية ومحركية مولوية : المحركية الشخصية ما يكون موجبا للاتيان بالفعل ولو مع قطع النظر عن أمر المولى به ، كما اذا كان شخص محبا للمولى يشتاق الى تحصيل أغراضه كما يشتاق الى شرب الماء البارد ، فيكون له في ذلك الفعل محركية شخصية مع قطع النظر عن أمر المولى. فلو أمر المولى به ايضا يوجد فيه محركية مولوية أيضا.

فان كان المراد تنافي النهي عن العمل بالقطع مع المحركية الاولى التي اسميناها بالمحركية الشخصية فليكن ذلك ، اذ لا محذور فيه اصلا ، فدائما تكون نواهي المولى منافية للمحركية الشخصية ، فقوله : لا تكذب ، مناف لاشتياق النفس الى الكذب ، وهكذا.

وان كان المراد تنافي النهي مع المحركية المولوية ، فهي ترجع الى الدليل الثاني ، وهو ان النهي عن العمل بالقطع يوجب مخالفة نهي المولى لحكم العقل بوجوب اطاعة القطع والعمل على طبقه.

وفي مقام الجواب عن الدليل الثاني يقال : إنه لا منافاة بين النهي عن العمل بالقطع وبين حكم العقل بوجوب العمل على طبقه ، لا على مسلك القوم من أن حجية القطع من جهة حكم العقل بذلك وكونه ذاتيا ، ولا على مسلكنا من أن حجيته هو مقتضى مولوية المولى ووجوب طاعته.

أما على مسلك القوم لأنه لا بد ان ينظر الى ان حكم العقل بوجوب العمل على طبق القطع تنجيزي أو تعليقي؟ بأن يكون معلقا على عدم نهي الشارع عن العمل على طبقه. وليس هذا برهانيا كي يستدل عليه بالبرهان ، بل هو أمر وجداني ، كما أن أصل حكم العقل بوجوب العمل ادعوا أنه وجداني لا برهاني.

والظاهر أنه لا مانع لدى العرف من ان ينهى المولى عن العمل على طبق القطع ، فالوجدان شاهد على ان حكم العقل تعليقي لا تنجيزي.

وأما على مصطلح هذا البحث فلا بد من ملاحظة أن مولوية المولى التي مرجعها الى وجوب اطاعته وإلى حق الطاعة هل يمكن بقاؤها مع سقوط حق الطاعة

٣٩

كما في جميع الحقوق الثابتة في الفقه؟ او انه لا يمكن بقاء مولوية المولى مع اسقاطه لحق الطاعة عنه؟ فان أمكن ذلك فلا مانع من نهي المولى عن العمل ، والا فلا يمكنه النهي ، وهذا ايضا امر وجداني لا يمكن اقامة البرهان عليه ، بل لا بد من مراجعة الوجدان فيه.

واما الجواب عن الدليل الثالث وهو ان النهي عن العمل على طبقه مستلزم لنقض الغرض بالنسبة الى المولى ، فهو ان المراد من الغرض ان كان الغرض المترتب على نفس الفعل ، كما اذا فرضنا ان هناك غرضا مترتبا على صلاة الليل ونهى المولى عن الاتيان بصلاة الليل فيكون النهي مضادا للمبادئ والملاكات في الحكم ، فهذا لا يزيد عن الاشكال الاول بل هو عينه.

وان كان المراد الغرض المترتب على نفس الحكم لا على متعلقه ، بان كان الغرض محركية الحكم ، فلو كان حكم العقل بلزوم الاطاعة على مصطلح القوم وحكمه بمولوية المولى الذي مرجعه الى حق الطاعة تعليقيا ، ومعلقا على عدم نهي الشارع كما هو كذلك فلا محذور في نهيه ، نعم لو كان حكمه تنجيزيا على كلا المسلكين لا يمكن نهي المولى عن العمل على طبق القطع ، ولكنه خلاف الوجدان.

التحقيق في المقام

التحقيق في المقام أن يقال : ان النهي قد يتعلق بالتحريك الشخصي ، وقد يتعلق بالتحريك كيفما اتفق ؛ اذ قد يكون الاتيان بالفعل من جهة الغرض الشخصي والداعي النفساني فيشتاق الى الفعل كاشتياقه الى شرب الماء البارد ، وقد يكون الاتيان به من ناحية امتثال امر المولى وتحصيل اغراضه ، فان كان النهي عن التحريك الشخصي فعلى كلا المسلكين يبتني امكان النهي وعدمه على ان حكم العقل بقبح الظلم أو مولوية المولى هل هو تعليقي أو تنجيزي؟ فعلى التعليقية لا مانع من النهي ، بخلاف التنجيزية كما مر مفصلا.

وأما إن كان النهي عن التحريك كيفما اتفق ولو كان مولويا وناشئاً عن امر

٤٠