جواهر الأصول

محمّد إبراهيم الأنصاري

جواهر الأصول

المؤلف:

محمّد إبراهيم الأنصاري


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٢٧

الموضوع وهو القطع ويجعله أعم من القطع الوجداني والقطع التعبدي ، فلو قامت الامارة على ان الشخص الفلاني فاسق يوجب ذلك توسعة دائرة الحكم الواقعي بتوسعة موضوعه ، لا أنه يوجد حكما ظاهرياً.

ثم انه قد يستشكل على ما ذكرناه من ان الحكومة في المقام حكومة واقعية لا ظاهرية ، انه اذا قامت امارة على ملاقاة شيء للدم ، وقامت امارة اخرى على ملاقاة شيء آخر له ، وعلمنا من الخارج بكذب احدهما ، وكان الموضوع للنجاسة هو القطع بملاقاة الدم على ما هو المفروض في محل الكلام ، يلزم حجية كلتا الامارتين مع العلم بكذب احداهما اجمالا ، ولا يلزم ذلك على القول بالحكومة الظاهرية.

والوجه في ذلك ان الحكومة الظاهرية والحكم الظاهري لا يجتمعان مع العلم الاجمالي بالخلاف ؛ فان العلم الاجمالي يوجب تعارض الامارتين ، إذ لا يمكن جعلهما معاً ؛ اذ الحكم الظاهري يكون في فرض الشك في الواقع لا فرض العلم به ولو اجمالا ، وهذا بخلاف الحكومة الواقعية ، فانها لا توجب الا توسعة الواقع أو تضييقه ، فلا مانع من اجتماعها مع الحكم الواقعي والعلم الاجمالي بالخلاف ، ففي المثال الدليل يقول : القطع بملاقاة الدم موجب للنجاسة ، ودليل حجية الامارة يقول بناء على الحكومة الواقعية : ان القطع المأخوذ في الموضوع أعم من القطع الوجداني والقطع التعبدي الحاصل بالامارة ، فمع العلم اجمالا بالخلاف لا مانع من جعل الامارتين.

ولكن هذا الاشكال يندفع في باب الامارات التي تكون لوازمها حجة ، فان كل واحدة من الامارتين مع العلم الاجمالي بكذب احدهما تدل بالالتزام على نفي الأخرى ، فيقع التعارض في دلالتهما الالتزامية ، ولا يمكن جعل كليهما ، فيتعارضان ويتساقطان.

ثم انه بناء على قيام الامارات مقام القطع الموضوعي فهل يترتب عليها آثار عدم الشك كما يترتب عليها آثار القطع؟ وهل تنفى بها آثار الشك كما يثبت بها آثار القطع؟ ذكر المحقق النائيني (قدس‌سره) انه يترتب عليها آثار عدم الشك كما يترتب

١٤١

عليها آثار القطع ، وتنفى بها آثار الشك كما تثبت بها آثار القطع (١).

ولكن هذا الكلام انما يتم لو كان اليقين والشك نقيضين ، فيكون اثبات احدهما موجبا لنفي الآخر ، ولكنه ليس كذلك ، بل هما ضدان ، فان الشك عبارة عن حالة في النفس وليس عبارة عن عدم القطع واليقين ، وحالة التردد توجد في فرض الالتفات ، واما في فرض الغفلة فلا قطع ولا شك لعدم التوجه حتى يوجب القطع او التردد ، فهذا المقدار من البيان لا يفي باثبات ترتب آثار عدم الشك ونفي آثار الشك على الامارة ، ولا بد من تتميمه باحد أمرين :

إما بدعوى ان المستفاد من أدلة الحجية أمران ؛ احدهما : قيام الامارة مقام القطع وترتيب آثار القطع عليها ، وثانيهما : ترتيب آثار عدم الشك.

وإما بدعوى الملازمة العرفية بين ترتب آثار عدم الشك وترتب آثار القطع ، فاذا ثبت ترتب آثار القطع يثبت بذلك بالملازمة العرفية ترتب آثار عدم الشك هذا تمام الكلام في قيام الامارات مقام القطع.

قيام الأصول مقام القطع

وأما الاصول فيظهر الحال في قيامها مقام القطع مما سبق.

وتوضيحه : أما في قيام الأصول مقام القطع الطريقي فلأنه بناء على ما بنينا عليه من أن الاعتبار في ذلك بالمنكشف ، وهو أهمية الواقع عند المولى ، لا بالمجعول فلا فرق في ذلك بين الامارات والأصول في الكشف عن تلك الأهمية ، سواء كان الأكل من الأصول المحرزة أو من الأصول الغير المحرزة ، فانما ينشأ تخيل الفرق بين الامارات والاصول بناء على مبنى الطريقية ، حيث ان الأصول لا تكون طريقاً الى الواقع بخلاف الامارات ، وأما على مبنانا فلا فرق اصلا.

__________________

(١) أجود التقريرات.

١٤٢

قيامها مقام القطع الموضوعي

أما الأصول غير المحرزة فلا اشكال في عدم قيامها مقامه ، وأما الأصول المحرزة كالاستصحاب فقد ذكر السيد الاستاذ انها تقوم مقام القطع الموضوعي لكونه طريقا الى الواقع ، ولكن ما افاده غير تام مبنى وبناء ، أما بناء ، أما بناءً فلما ذكرناه من أنه على مبنى الطريقية لا يمكن قيام الامارة مقام القطع الموضوعي ، وأما مبنى فلأنه يأتي ان شاء الله في باب الاستصحاب عدم تمامية هذا المبنى.

١٤٣
١٤٤

أخذ القطع في موضوع الحكم

١٤٥
١٤٦

الأمر الرابع : أخذ القطع في موضوع الحكم

قد يكون القطع بشيء من الأمور الخارجية موضوعا لحكم ، كما إذا قال : اذا قطعت بالخمر يحرم عليك شربه ، وهذا لا إشكال فيه ولا كلام ، وقد يكون القطع بحكم موضوعا لحكم آخر ، وهذا يتصور على وجوه اربعة :

الأول : أن يكون القطع بحكم مأخوذا في موضوع حكم آخر يخالفه ، كما إذا قال المولى : إذا قطعت بوجوب الصلاة يجب عليك التصدق.

الثاني : ان يكون القطع بحكم مأخوذا في موضوع حكم آخر يضاده ، كما اذا قال : اذا قطعت بوجوب الصلاة تحرم عليك الصلاة.

الثالث : ان يكون القطع بحكم مأخوذا في موضوع حكم آخر يماثله ، كما إذا قال : اذا قطعت بوجوب الصلاة تجب عليك الصلاة.

الرابع : ان يكون القطع بحكم مأخوذا في موضوع شخص ذلك الحكم فهذه وجوه أربعة فهل تكون كلها ممكنة ، أم فيها ما هو مستحيل؟

أما الصورة الأولى فلا اشكال فيها ولا كلام ، وهي ما اذا كان القطع بحكم مأخوذا في موضوع حكم آخر يخالفه ، كما اذا قال : اذا قطعت بوجوب الصلاة يجب عليك التصدق.

وأما الصورة الثانية ، وهي ما اذا كان القطع بحكم مأخوذاً في موضوع حكم آخر يضاده ، كما اذا قال : اذا قطعت بوجوب الصلاة تحرم عليك الصلاة ، فمرجعه الى النهي والمنع عن العمل بالقطع ، وقد ذكرنا في المقام الأول عدم امكانه تبعاً

١٤٧

للمحققين ؛ وإن كان بياننا لعدم امكانه يختلف عن بيانهم ، فإنا ذكرنا ان النهي عن العمل بالقطع إما حقيقي وإما طريقي ، والأول لا يمكن ببرهان ، والثاني لا يمكن ببرهان آخر ، فهذه الصورة ايضا لا اشكال في عدم امكانها ولا كلام ، كما ان الصورة الأولى لم يكن هناك اشكال ولا كلام في امكانها وجوازها.

وأما الصورة الثالثة ، وهي ما اذا كان القطع بحكم مأخوذاً في موضوع حكم آخر يماثله ، كما اذا قال : اذا قطعت بوجوب الصلاة تجب عليك الصلاة ، فكلام السيد الاستاذ في المقام وفي بحث التجري مختلف ، فقد ذكر في المقام المقام امكانه ، وفي بحث التجري عدم امكانه.

فان هذه الصورة بعينها هي ما ذكر في باب التجري لكن بعنوان آخر ، ففي باب التجري ذكرت بعنوان جامع بين المتجري والعاصي ، وهو عنوان مقطوع الخمرية ، فيبحث عن أن عنوان مقطوع الخمرية هل يكون حراما شرعا ليكون موجبا لحرمة التجري والعصيان ، ام لا يكون كذلك؟ ومعناه ان الخمر الذي يكون حراماً هل يكون القطع بالحرمة موجبا لحرمته أم لا؟.

وذكرت في المقام بعنوان ان القطع المتعلق بحكم يمكن أخذه في موضوع حكم آخر أم لا؟ فالمعنون شيء واحد في المقام وفي باب التجري ، وان كان العنوان مختلفاً ، ومع ذلك ذكر السيد الاستاذ امكانه في المقام ، وفي باب التجري ذكر امتناعه.

وأما المحقق النائيني (قدس‌سره) فقد قال بامتناعه في المقام وفي باب التجري معاً ، وبرهانه على الامتناع في المقام عين برهانه عليه في باب التجري ، فكلامه متين ، بخلاف السيد الاستاذ ، فان كلامه هنا وهناك مختلف ، مع ان البرهان الذي ذكره في باب التجري يأتي في المقام ايضاً ؛ فان البرهان الذي ذكره هناك هو ان الحكم الأول لو كان موجبا لتحريك العبد بمحركيته فلا احتياج الى الحكم الثاني ، اذ المفروض ان العبد يتحرك عن تحريك الحكم الاول ، فالحكم الثاني لغو ، وإن كان العبد بنحو لا يتحرك عن الحكم الاول فتحريكه عن الحكم الثاني بلا

١٤٨

موجب (١) ، وعين هذا البرهان يأتي في المقام كما هو واضح.

وكيف كان فقد يستدل في المقام على الامتناع بوجوه :

الأول : ما ذكره السيد الاستاذ في باب التجري وذكرناه آنفاً ، والجواب عنه ما ذكرناه مفصلا في باب التجري.

الثاني : ما ذكره المحقق النائيني (قدس‌سره) في المقام وفي باب التجري ، وهو ان الحكمين اذا كان بينهما عموم من وجه ، وكانا متماثلين ، كما اذا قال : اكرم العالم ، وقال : اكرم الهاشمي ، يلتزم باستقلالهما في مورد الافتراق من كل منهما وبالتأكد في مورد الاجتماع ، لئلا يلزم اجتماع المثلين ، ولا محذور في ذلك.

وأما اذا كانا متساويين ، او كانت النسبة بينهما عموما مطلقا ، فلا يمكن الالتزام بالتأكد لانه ان كانت النسبة بينهما التساوي أو العموم المطلق ، والتزمنا بالتأكد في الحكمين يلزم لغوية الحكم الخاص في العموم المطلق ، وأحد الحكمين في مورد التساوي ، مضافا الى انه خلف فرض تعدد الحكمين ، وإن بقيا على استقلالهما في التأثير يلزم اجتماع المثلين ، وهو محال ، فلا يمكن جعل حكمين متماثلين تكون النسبة بينهما التساوي او العموم المطلق ؛ لأنه ان بقيا على استقلالهما في التأثير والمحركية يلزم اجتماع المثلين المحال.

وإن كان الثاني مؤكدا للأول ولم يكن مستقلا في التأثير والمحركية ، تلزم لغويته ، فلو قال : اكرم العالم ، وقال بعد ذلك : أكرم الفقيه ، وفرضنا ان الثاني أخص من الأول ؛ فان قلنا باستقلالهما في التأثير والمحركية يلزم اجتماع المثلين ، وان التزمنا بالتأكد تلزم لغوية الثاني ؛ لأنه لا يكون محركاً بعد تحريك العبد عن المحرك الاول ، وليس له مورد افتراق حتى يكون باعثا ومحركا في ذلك المورد (٢).

هذه مقدمة البرهان الذي افاده المحقق النائيني (قدس‌سره) في المقام ، وهو

__________________

(١) الدراسات ، ج ٣ ، ص ٢٩.

(٢) أجود التقريرات ، ج ٢ ، ص ٢٠.

١٤٩

وإن لم يذكره إلا أنا ذكرناه مقدمة لما افاده ، فهذه كبرى كلية طبقها المحقق النائيني (قدس‌سره) على المقام فقال : اذا قال المولى : يحرم الخمر ، وقال : يحرم مقطوع الخمرية مثلا ، وإن كان النسبة بينهما عموم من وجه واقعا ؛ إلا أنه بنظر القاطع لا يكون النسبة بينهما الا عموما وخصوصا مطلقا ، حيث ان القاطع لا يرى مخالفة قطعه للواقع ، وإلا خرج عن كونه قاطعاً ، فلا يمكن جعل مثل هذين الحكمين لأنه ان بقيا على استقلالهما في التأثير والمحركية يلزم اجتماع المثلين ، وهو محال ، وإن لم يبقيا بل كان الثاني منهما مؤكدا للأول يكون الثاني منهما لغواً لعدم كونه باعثا ومحركاً ، مع انه خلف فرض كونهما حكمين.

والجواب عنه ما ذكرناه في باب التجري مفصلا ، وملخصه ان النسبة بينهما العموم من وجه لا العموم المطلق ، وذلك لان المتجري وان كان لا يرى مخالفة قطعه للواقع ، إلا أنه يرى مخالفة قطع غيره للواقع ، فبملاحظة قطع غيره تكون النسبة بينهما العموم من وجه فلا مانع من جعل حكمين كذلك.

الثالث : وان لم يكن مذكورا في كلامهم إلا أنه يمكن استفادته من مبانيهم ، وهو ان الحكم الاول الذي يكون القطع به موضوعا للحكم الثاني قد يكون فعليا حين ترتب الحكم الثاني على القطع به وقد لا يكون فعليا ، أما الفرض الثاني فهو خارج عن محل البحث.

وأما الفرض الاول فتارة يكون القطع به تمام الموضوع في ترتب الحكم الثاني ، وأخرى يكون جزء الموضوع ، والجزء الآخر هو واقع الحكم الأول ، فان كان القطع بالحكم الاول جزء موضوع للحكم الثاني وكان جزؤه الآخر هو واقع الحكم الاول ، فحيث ان الحكم الأول بواقعه جزء للموضوع يتوقف القطع به على تحققه أولاً ليتم جزءا الموضوع ، اذ ان القطع بالحكم الأول مع واقعه يكون موضوعا للحكم الاول فيتوقف الحكم الثاني عليهما توقف الحكم على موضوعه ، فيكون الحكم الثاني في طول الحكم الأول ، فلا يمكن ان يكون مؤكدا له لاختلاف رتبتهما ، وإذا لم يكن مؤكداً له يلزم اجتماع المثلين ، وهو محال ، فلا يمكن أن يكون القطع بحكم موضوعاً لحكم آخر مثله.

١٥٠

ونظير ذلك ما يقال في بحث مقدمة الواجب اشكالا على ما ذكروه من تأكد الحكمين ، وكون احدهما وهو الثاني مؤكداً للآخر وهو الأول دفعا للزوم اجتماع المثلين ، فحيث ان الاجزاء مقدمات داخلية يترشح عليها الوجوب الغيري ، وحيث انها كانت جزء للواجب تكون واجبة بالوجوب النفسي في ضمن وجوب الواجب.

فيستشكل على وجوب المقدمة هناك بأنه يلزم اجتماع المثلين.

وأجيب عن ذلك : بان الحكم الثاني مؤكد للحكم الأول ، ولا يكون مستقلاً كي يلزم اجتماع المثلين : واستشكل على ذلك ثانيا بان الاجزاء حيث انها مقدمات داخلية للواجب يتوقف الواجب عليها توقف الشيء على مقدمته ، فيكون الحكم الاول وهو الوجوب الاول متوقفا على الاجزاء ، وحيث إن الحكم الثاني وهو الوجوب الغيري ناشئ من الحكم الاول يكون متأخراً عنه وفي طوله ، فلا يمكن التأكد لكون الحكمين طوليين.

وذكر السيد الاستاذ في الجواب عن ذلك ان الحكمين وإن كانا طوليين إلا أنهما في زمان واحد ، والمحذور في اجتماع المثلين إنما هو اجتماعهما في زمان واحد على موضوع واحد ، واختلاف الرتبة لا يدفع هذا المحذور. ولكن هذا الكلام غير مرتبط بما ذكره المستشكل ، وذلك لأن المستشكل لا يريد في المقام ان يصحح اجتماع المثلين كي يقال بان اختلاف الرتبة لا يجدي في ذلك مع وحدة الزمان ، بل مراده ان الحكمين حيث انهما طوليان لا يمكن التأكد فيهما ، فلا بد من الالتزام باستقلالهما ، ويلزم من ذلك اجتماع المثلين.

وإن كان القطع بالحكم الأول تمام الموضوع للحكم الثاني ، فاما ان يفرض ان الحكم الاول مؤكد وإما أن يفرض انه بسيط ، فان فرض انه مؤكد فهو خلف فرض تعدد الحكمين اللذين اجتمعا في مادة الاجتماع ؛ اذ التأكد عبارة عن حكم واحد مؤكد فينافي فرض التعدد ، وان فرض انه بسيط يلزم من ذلك اجتماع المثلين ، اذ يجتمع الحكم الأول البسيط مع الحكم الثاني في مورد الاجتماع ، ولا يمكن القول بتأكده بالحكم الثاني ، لأنا فرضنا ان الحكم الأول بسيط لا مؤكد.

١٥١

هذا هو الوجه الثالث ، ولكنه غير تام ، لأنا لا نلتزم باستحالة اجتماع المثلين في باب الاحكام انفسها ، بل نقول به في باب ملاكات الاحكام ، فعلى مبنانا هذا الوجه غير تام.

الوجه الرابع : مما يمكن ان يستدل به على عدم امكان اخذ القطع بحكم في موضوع مثل ذلك الحكم وان لم يكن مذكورا في كلامهم ايضا إلا أنه يمكن استفادته من مبانيهم ، وهو أنه في موارد العامين من وجه وان لم يكن مانع من اجتماع الحكمين في مورد الاجتماع ويلتزم بتأكدهما فيه ، والمقام ايضا من موارد العامين من وجه في الواقع وفي نظر القاطع ايضا على ما بيّناه في الجواب عما ذكره المحقق النائيني (قدس‌سره) في الوجه الثاني ؛ إلا أنه يوجد في المقام نكتة وخصوصية يفترق بها عن سائر موارد العامين من وجه ، وتمنع من اجتماع الحكمين في مادة الاجتماع.

والوجه في ذلك ان يقال : ان الحكمين إما ان يلتزم باطلاق كل منهما وشموله لمورد الاجتماع ، وإما أن يلتزم بتقييده بغير مورد الاجتماع والالتزام بحكم ثالث مؤكَّدٍ في مورد الاجتماع.

فأما الصورة الاولى وهي الالتزام باطلاق كل من الحكمين لمورد الاجتماع فيلزم منها اجتماع المثلين في مادة الاجتماع ، وهو محال.

وهي الالتزام بتقييد كل من الحكمين بغير مورد الاجتماع فهو غير معقول ، فإن تقييد وجوب الصلاة بعدم القطع بوجوبه غير معقول ؛ إذ لا يمكن وصول مثل هذا الحكم ، فيكون جعله لغواً ، فان وصول الحكم يتوقف على وصول موضوعه وتحققه ، والمفروض ان القطع بوجوب الصلاة مثلا موضوع للوجوب الثاني ، فلو كان الوجوب الثاني مقيداً بعدم القطع بوجوب الصلاة يلزم من ذلك عدم وصوله ، وكذا من الطرف الآخر لا يمكن تقييد الوجوب الاول بغير صورة القطع ؛ إذ لا يمكن وصول مثل هذا الحكم ، فيكون جعله لغواً وبلا فائدة.

هذا هو الوجه الرابع ، والجواب عنه هو ما ذكرناه في الجواب عن الوجه

١٥٢

الثاني من أنا لا نرى استحالة اجتماع المثلين في باب جعل الأحكام وتشريعها ، والذي يستحيل من اجتماع المثلين هو اجتماعهما في باب الملاكات للأحكام الشرعية دون الأحكام الشرعية نفسها ، هذا تمام الكلام في الصورة الثالثة.

وأما الصورة الرابعة وهي ما اذا كان القطع بحكم مأخوذا في موضوع شخص ذلك الحكم ، فالمعروف بين المحققين استحالته ، وهو على ما ذكروه يتصور على نحوين : تارة يكون القطع بحكم شرطا لشخص ذلك الحكم ، وأخرى يكون مانعا عنه ، فحكموا بالاستحالة في كلا الموردين ، ولذا وقعوا في عدة محاذير :

منها : الاشكال الذي يرد على كلام الشيخ الأعظم الانصاري (قدس‌سره) ، وذلك أن الاخباريين ذهبوا إلى عدم حجية القطع الحاصل من غير طريق الكتاب والسنة.

فأشكل عليهم بان الحجية من ذاتيات القطع ، فلا يمكن القول بعدم حجيته.

وذكر الشيخ الاعظم الانصاري (قدس‌سره) توجيها لهذا الكلام ان المراد من ذلك ان الحكم الناشئ من القطع الحاصل من غير الكتاب والسنة يكون ملغى ، فالقطع الحاصل من غيرهما يكون مانعا عن الحكم (١). والمحققون حيث ذهبوا الي الاستحالة في موارد الشرطية المانعية وقعوا في محذور الاشكال على كلام الشيخ الاعظم الانصاري (قدس‌سره) ، إذ انه لا يمكن ان يكون القطع بحكم مانعا عن ذلك بناء على ما ذكروه ، فلا بد من بيان الدليل الدال على استحالة اخذ القطع بحكم شرطا في نفس ذلك الحكم لنرى هل يجري فيما اذا اخذ القطع بحكم مانعاً عن نفس ذلك الحكم كما ذكروه ، أو لا يجري على ما هو الصحيح ، فيكون كلام الشيخ الاعظم الانصاري (قدس‌سره) تاما ولا يرد عليه الاشكال.

فالكلام يقع في مقامين ؛ الأول : ان يكون القطع بحكم مأخوذاً شرطاً في ذلك الحكم ، والثاني : ان يكون القطع به مانعاً عنه.

__________________

(١) الرسائل ، ص ١٠.

١٥٣

المقام الاول

اما المقام الأول : فقد استدل على استحالته بان الحكم متوقف على القطع ، لأن القطع موضوع له ، وكل حكم متوقف على موضوعه ، والقطع متوقف على الحكم ، لأن الحكم معلوم له ، والعلم متوقف على معلومه ، فالحكم متوقف على القطع توقف الحكم على موضوعه ، والقطع متوقف على الحكم ، توقف العلم على معلومه ، فيلزم الدور وهو محال.

وأول من استدل بهذا الدليل ظاهراً هو العلامة الحلي (قدس‌سره) في الجواب عن المصوبة من اهل الجماعة والسنة ، وأجاب المتأخرون عن هذا الاستدلال بأن الحكم وإن كان متوقفا على القطع توقف كل حكم على موضوعه إلا أن القطع غير متوقف على الحكم ، فان العلم متوقف على المعلوم بالذات ، وهو الصورة القائمة في افق النفس لا على المعلوم بالعرض ، وهو الحكم الموجود في الخارج ، فليس التوقف من الطرفين ليلزم الدور.

واستدل المحقق النائيني (قده) على الاستحالة بالتنافي بين خاصيّة العلم وخاصية المعلوم في المقام ، فذكر ان من خاصية العلم والقطع تحقق المعلوم والمقطوع قبله في الخارج ، فكما ان الكشف عن الواقع والمقطوع من ذاتيات القطع كذلك الكشف عن تحقق المقطوع في الخارج قبل تحقق القطع من ذاتيات القطع وجداناً ، فيتوقف وجود القطع على وجود المقطوع ، ومن خاصية المقطوع كون القطع به متحققا قبله في المقام ، لأن القطع موضوع للحكم والمقطوع على الفرض ، فلا بد من تحققه قبل تحقق الحكم لتوقف الحكم عليه توقف كل حكم على موضوعه ، فيتوقف كل منهما على الآخر ، فيقع التنافي بين خاصيتيهما ، وهذا أمر وجداني لا يمكن اقامة البرهان عليه ، وإن لم يكن لشخص مثل هذا الوجدان الحاكم بأن القطع كما يكشف عن الواقع والمقطوع يكشف عن تحققه في الخارج ايضا قبل القطع فيقرب له استحالة اخذ القطع بحكم في موضوع شخص ذلك الحكم بتقريبين :

١٥٤

احدهما : أن يقال : ان القطع بالحكم إما أن يكون ذلك الحكم دخيلا ومؤثراً في حصوله أو لا يكون دخيلا ، فان لم يكن له دخالة في حصوله ، بل كان القطع يحصل بدون الحكم ايضا يكون جعل مثل هذا الحكم لغوا ؛ إذ المفروض أن القطع يحصل به بدون دخالة للحكم فيه فيكون منجزا للحكم ، فلا فائدة في جعل الحكم.

وإما إن كان الحكم دخيلا في حصول القطع فيكون القطع متوقفا على بالحكم حسب الفرض ، وحيث إن الحكم ايضا متوقف على القطع لكون القطع مأخوذاً في موضوعه يتوقف عليه توقف كل حكم على موضوعه فيلزم الدور (١) ، فهذا البرهان الثنائي يدل على استحالة اخذ القطع بحكم في موضوع شخص ذلك الحكم ، وللكلام في هذا البرهان مزيد بيان يظهر من خلال كلماتنا في المباحث الآتية إن شاء الله.

التقريب الثاني ويتبين بعد مقدمتين :

المقدمة الأولى : ان القطع بالحكم ليس من البديهيات الأولية والضروريات ، ولا من الفطريات والمشهورات وغيرها ، حتى لا يحتاج الى دليل ، والدليل وإن كان على قسمين : إني ، وهو الاستدلال على العلة بالمعلول ، ولمّي وهو الاستدلال على المعلول بالعلة ، والحكم معلول بالنسبة الى موضوعه ، إلا أنه لا يمكن في المقام الاستدلال الإني والانتقال من المعلول الى العلة ومن الحكم الى موضوعه ، بخلاف سائر الموارد ، وذلك لأن الحكم ليس مما يقع عليه الحس ابتداء ، كما في الدخان والنار حتى يمكن الاستدلال به على موضوعه وعلته.

المقدمة الثانية : ان العلم على قسمين : علم حصولي : وهو ما يعلم بحصول صورة من الشيء في النفس ، وعلم حضوري : وهو ما يعلم بحضوره في النفس ، كما في علم الباري بصفاته وذاته. والعلم بنفس العلم من القسم الثاني إذ يحصل

__________________

(١) فوائد الأصول.

١٥٥

بحضوره في النفس.

اذا عرفت هذا فنقول : العلم بالحكم متوقف على العلم بموضوعه بمقتضى المقدمة الأولى ، وحيث ان موضوعه هو نفس العلم بالحكم على المفروض من كون القطع بالحكم مأخوذا في موضوع ذلك الحكم شرطاً ، فيتوقف العلم بالحكم على العلم بالعلم بالحكم الذي هو موضوعه ، وحيث عرفنا في المقدمة الثانية ان العلم بالعلم من اقسام العلم الحضوري ، وبحصول نفس العلم في الذهن لا بحصول صورة منه ، فيتضح لزوم الدور في المقام. هذا هو الدليل الرابع على الاستحالة ، واعتمادنا على هذا وعلى الدليل الثاني الوجداني.

ثم انه على فرض عدم امكان اخذ القطع بحكم شرطا في نفس ذلك الحكم ، فلو صدر كلام عن الشارع أخذ فيه القطع بحكم شرطا في نفس ذلك الحكم ، وتعلق غرض المولى بأخذ القطع بحكم في موضوع ذلك الحكم شرطا ما المهرب عن الاستحالة في مثل هذا الكلام؟ وأي شيء نصنع به؟.

فنقول : ان للحكم مرتبتين على ما بين في بحث الواجب المطلق والمشروط ؛ مرتبة الجعل ، ومرتبة المجعول ، فمثلا في صدر الاسلام حين كان المسلمون فقراء وغير مستطيعين نزلت الآية الشريفة وهي قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (١) فشُرِّع وجوب الحج لكن لم يكن فعليا في حق أحد من المسلمين لعدم وجود شرطه ، وهو الاستطاعة فيهم ، وكان بحيث اذا سئل كل واحد منهم بأنه يجب عليك الحج؟ يقول : لا ، الى ان مضى سنين وغزا المسلمون الغزوات المشهورة ، واخذوا الغنائم من الحروب ، وصاروا مستطيعين فصار وجوب الحج فعليا بالنسبة اليهم ، فحجوا مع رسول الله (ص) في السنة الأخيرة من عمره حجة الوداع ، فوجوب الحج من زمن نزول الآية مشرع بالنسبة اليهم ، ولكن فعليته كانت حين استطاعتهم من جهة أخذ غنائم الحرب ، والزمان الأول كان مرتبة الجعل ، والثاني كان مرتبة المجعول.

__________________

(١) سورة آل عمران ، آية ٩٧.

١٥٦

إذا اتضح هذا فنقول : يمكن أخذ القطع بمرتبة من الحكم ، وهي مرتبة الجعل منه في مرتبة اخرى ، وهي مرتبة المجعول ، فيقال : اذا قطعت بجعل وجوب الحج من قبل الشارع يصير الحج فعليا بالنسبة اليك ، ويجب عليك فعلا. ولا مانع في ذلك لأن القطع بشيء مأخوذ في موضوع شيء آخر ، فلا يلزم الدور ، وذكرنا هذا المهرب والمخلص للسيد الأستاذ. (قده) ، فأجاب بما هو مكتوب في الدراسات من أن الجعل الذي يكون القطع به موضوعا لفعلية الحكم وهو المجعول في حق المكلف ان كان المراد به ان القطع بجعل حكم وتشريعه في حق شخص يوجب فعلية ذلك الحكم بالنسبة الى شخص آخر ، كما اذا كان القطع الحاصل لزيد بوجوب الحج على عمرو موجبا لوجوب الحج على زيد ايضا فهذا لا يحتاج الى تعدد الرتبة ، بل يجري في فرض وحدة الرتبة ايضا ، ويصح اخذ القطع بوجوب الحج فعلا على زيد موضوعا لوجوبه فعلا على عمرو.

وإن كان المراد ان القطع بوجوب الحج على شخص يمكن أخذه في موضوع وجوبه على ذلك الشخص بعينه ، فالقطع بوجوب الحج على زيد يؤخذ في موضوع وجوبه عليه ، فهذا لا يمكن فرض تعدد الرتبة فيه لان الحج لا يكون واجبا على شخص خاص ، والحكم لا يكون حكما لشخص خاص إلا إذا تحقق موضوعه بالنسبة اليه ، فالحج لا يكون واجبا بالنسبة الى زيد ، ولا يكون وجوبه حكما لزيد إلا إذا تحقق الاستطاعة فيه التي هي شرط في فعلية الحج ، وإذا صار الموضوع متحقق فيصير الحكم فعليا ، وتكون مرتبة المجعول متحققة ، ويكون أخذ القطع بمرتبة المجعول في موضوع مرتبة المجعول ، وهو الحكم الفعلي ، فلا يكون هناك تعدد في الرتبة حتى يصحح الكلام ويدفع المحذور (١).

ولكن هذا الجواب لا يرجع الى محصل ، وذلك لأن الامر لا يدور بين هذين الشقين اللذين ذكرهما ، بان يقال : إما أن يؤخذ القطع بحكم شخص موضوعا لحكم شخص آخر ، وإما أن يؤخذ قطع شخص بحكمه موضوعاً لحكم نفس ذلك

__________________

(١) الدراسات ، ج ٣ ، ص ٤٠.

١٥٧

الشخص ، وكلاهما لا يصح ، بل هنا شق ثالث ، وهو أن نلتزم بأمر متوسط بين هذين الحكمين ، بأن يقال : إن القطع بجعل حكم من الشارع اجمالا يؤخذ موضوعا لوجوب ذلك الحكم فعلا على زيد فالقطع بمرتبة الجعل اجمالا ، ومع قطع النظر عن كونه لزيد أو لعمرو يؤخذ في مرتبة المجعول لزيد ، ولا محذور في ذلك لتعدد الرتبة ، هذا هو الوجه الأول للتخلص عن المحذور اذا تعلق غرض الشارع لجعل الحكم على العالم فقط واختصاصه به.

الوجه الثاني : مما قيل أو يمكن أن يقال في المهرب والمخلص عن الاستحالة ، إذا تعلق غرض الشراع باختصاص الحكم للعالم وعدم شموله للجاهل ، هو أن يقال : ان القطع بالمبرز وهو الذي يسمى بالاعتبار النفساني يؤخذ في موضوع الابراز وهو مرتبة اظهار الحكم ، كما أن الأول مرتبة اعتباره ، ولا محذور في ذلك لتعدد الرتبة ، فلا تلزم المحذورات المتقدمة ، وهذا النحو من الجعل من التعبيرات العرفية ، كما إذا قال : كل من يسمع كلامي يجب عليه الاتيان بماء بارد فيأخذ العلم بأمره في موضوع أمره.

الوجه الثالث : ما ذكره المحقق النائيني (قدس‌سره) من أنه حيث لا يمكن اخذ العلم بحكم في موضوع ذلك الحكم للزوم الدور ، لا يمكن تقييد الحكم بخصوص العالم ، ولا يمكن اطلاق ايضا من هذه الناحية ، وذلك لأن التقابل بين الاطلاق والتقييد هو تقابل العدم والملكة ، ويشترط في هذا القسم من التقابل ان يكون المورد قابلا للاتصاف بالملكة ليتصف بالاطلاق ، والاطلاق عبارة عن عدم التقييد في ما من شأنه ان يقيد ، وحيث ان المقام غير قابل للتقييد ، وعلى الفرض ، فهو غير قابل للاطلاق ايضاً ، ولكن حيث ان الاهمال في مقام الثبوت ايضا غير معقول فلا بد من دليل ثان يدل على الاطلاق أو التقييد في مقام الثبوت ، يسمى هذا الدليل الثاني بمتمم الجعل ، فان دلَّ على الاطلاق يؤخذ من الدليل الأول نتيجة الاطلاق ، وإن دل على التقييد يؤخذ منه نتيجة التقييد ، فتخلص عن المحذور بدليل ثان يسمى بمتمم

١٥٨

الجعل (١).

ويقع البحث في ما أفاده في مقامين :

المقام الأول : البحث عن الجعل الأول.

المقام الثاني : البحث عن الجعل الثاني.

أما المقام الأول : فقد أورد عليه السيد الاستاذ بايرادين :

الأول : إن التقابل بين الاطلاق والتقييد وإن كان تقابل العدم والملكة إلا أنه يكفي في تقابل العدم والملكة القابلية النوعية أو الصنفية ، فلا يلزم القابلية الشخصية على ما ثبت في محله ، وفي المقام وإن لم يكن المورد قابلا للتقييد بخصوص العالم وبشخص هذا القيد إلا أنه قابل للتقييد ببقية القيود وبنوع القيد ، وهذا المقدار كاف في الاطلاق.

ومثّل له بأمثلة فذكر ان التقابل بين العلم واللاعلم وإن كان تقابل السلب والايجاب إلا أن التقابل بين العلم والجهل تقابل العدم والملكة ، ولا يلزم فيه القابلية الشخصية بل القابلية الكلية كافية.

والوجه في ذلك ان الانسان لا يكون عالما بحقيقة واجب الوجود وإلا لانقلب الواجب ممكنا أو الممكن واجبا ، ومع ذلك يتصف بأنه جاهل بحقيقة الواجب ، بل يكون الجهل ضرورياً ، فلو كانت القابلية الشخصية معتبرة لما اتصف بالجهل لعدم امكان الاتصاف بالعلم في هذا المورد ، مع أن الاتصاف بالجهل ضروري ، فيعلم أن الذي يعتبر هو القابلية النوعية والكلية ، فليس إذا استحال التقييد يستحيل الاطلاق ، بل قد يكون الاطلاق ضرورياً.

والوجه فيما ذكره المحقق النائيني (قدس‌سره) هو الأخذ بظاهر قولهم : إنه يعتبر في تقابل الاطلاق والتقييد القابلية في المورد للتقييد ، وتخيل ان المراد من القابلية هو القابلية الشخصية.

__________________

(١) فوائد الأصول ج ٣ ص ١١.

١٥٩

هذا ما ذكره السيد الأستاذ في الدراسات ، وفي حاشيته على تقريراته في مبحث التعبدي والتوصلي ، وهذا الكلام لا يترقب صدوره عن السيد الأستاذ (قدس).

وذلك لأنه ان كانت آية أو رواية معتبرة واردة في أن العدم والملكة في باب الاطلاق والتقييد مربوط بما ذكره الفلاسفة والحكماء من الاصطلاح على تقابل الاعدام والملكات في مقابل بقية اقسام التقابل لكان لهذا البحث مجال ، وهو أن القابلية المعتبرة في العدم والملكة هل هي القابلية الشخصية أو النوعية؟ وان اصطلاح التقابل بين العدم والملكة ، هل ينطبق على الأول أم الثاني؟ فيقال حينئذ : ان ما ذكره المحققون من الفلاسفة هو اعتبار القابلية النوعية أو الصنفية في تقابل الاعدام والملكات ، لا القابلية الشخصية.

وأما إن لم يرد آية أو رواية في ذلك ، كما هو كذلك ، فلا معنى للبحث عن ان القابلية المعتبرة في العدم والملكة هي القابلية الشخصية أم القابلية النوعية؟ ونحوه ، ولا معنى للنزاع في ان الحق مع الذين يفسرون اصطلاح القدماء من الفلاسفة في باب اعتبار القابلية في تقابل العدم والملكة بالقابلية الشخصية ، أو الحق مع الذي يفسرون ذلك بالقابلية النوعية ونحوه ، بل لا بد من أن نرى ان النكتة التي توجب سريان الاطلاق الى افراده تلائم القابلية الشخصية أو النوعية؟ وهذا بحث علمي غير مرتبط بالاصطلاح اصلا ، والسيد الاستاذ خلط بين البحث العلمي والبحث الاصطلاحي ، وهذا ليس بصحيح.

وكذلك الاستدلال له بأن الجهل في اللغة العربية يطلق على مورد يكون قابلا للاتصاف بالعلم نوعا لا شخصا ، وذلك لأنه لا شك ولا إشكال من أحد بأن الوجود مقابل لجميع أقسام العدم ، العدم المطلق ، والعدم في مورد قابل شخصا للاتصاف بالوجود ، وفي مورد قابل لذلك نوعا ، كما لا إشكال في ان التقابل بين الوجود والعدم المطلق يكون تقابل السلب والايجاب ، وانما النزاع في أن التقابل بين الوجود والعدم المطلق يكون تقابل السلب والايجاب ، وانما النزاع في أن التقابل بين الوجود والعدم بنحو تقابل العدم والملكة هي يعتبر فيه القابلية الشخصية اصطلاحاً؟

١٦٠