دروس في علم الأصول - ج ٢

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر

دروس في علم الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر


المحقق: الشيخ ناجي طالب آل فقيه العاملي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٢

وفي روايات هذه الطائفة ما لا مناقشة في دلالتها من قبيل ما رواه محمّد بن عيسى : قال : قلت لابي الحسن الرضا عليه‌السلام : جعلت فداك إني لا اكاد اصل اليك لا سألك عن كل ما احتاج اليه من معالم ديني أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما احتاج إليه من معالم ديني؟ فقال : «نعم» (١) ، ولما كان المرتكز في ذهن الرّاوي ان مناط التحويل هو

__________________

بيتى» ومعناه : انه معتمدي في اموري وافاوض معه أسراري ، كما جاء في ذيل هذا الحديث الذي استدلّ به على حجية خبر الواحد «قد عرفوا باننا نفاوضهم بسرّنا ونحملهم اياه إليهم» ، والثقة بهذا المعنى لا إشكال في حجية خبره. انتهى(*).

(١) هي صحيحة عبد العزيز بن المهتدي ، ذكرها في رجال الكشّي هكذا :

محمد بن مسعود قال : حدّثني محمّد بن نصير قال حدّثنا محمّد بن عيسى قال حدّثني عبد العزيز بن المهتدي ، قال محمّد بن نصير قال محمّد بن عيسى : وجدت الحسن بن علي بن يقطين بذلك ايضا ، قال قلت لابي الحسن الرضا عليه‌السلام ... إلخ.

أمّا الكلام في سندها فلا شك في صحّته ، فانّ (محمّد بن مسعود) هو المعروف بالعيّاشي وهو ثقة صدوق ، وأمّا (محمّد بن نصير) فهو الكشّي الثقة الجليل القدر الكثير العلم وليس النميري الملعون على لسان نائب

__________________

(*) (اقول) مع الاعتقاد بصحة هذا الكلام نضيف انه حتّى مع احتمال ارادته لا يصحّ الاستدلال بهذه الرواية على حجية خبر مطلق الثقة ، (مع) احتمال ارادة خصوص ثقاتهم الامامية ، فانه يبعد كثيرا ارادة الفطحية والواقفة ونحوهم ممّن خرجوا عن الصراط المستقيم من قوله عليه‌السلام «ثقاتنا» ، لا سيّما مع التصريح بانهم (عليهم‌السلام) يفاوضونهم بسرّهم ويحملونهم إيّاه الى شيعتهم.

٤١

الوثاقة واقرّه الامام على ذلك دلّ الحديث على حجية خبر الثقة.

غير ان عدد الروايات التامّة دلالة على هذا المنوال لا يبلغ مستوى

__________________

الامام الحجّة (عج) الخاص اعني أبا جعفر محمّد بن عثمان ... لكون الكشّي يروي عن محمد بن نصير الكشّي بواسطة محمّد بن مسعود في ٢٤ موضعا ، بل نفس الكشّي يروي عنه ايضا في ستّة مواضع ومحمد بن نصير الكشّي روى عن محمّد بن عيسى في ١٧ موضعا. ولم نر رواية واحدة فيها تصريح بان أبا عمرو الكشّي او محمّد بن مسعود يرويان فيها عن محمد بن نصير النميري الملعون ، اوان النميري هذا قد روى عن محمد بن عيسى ، فالامر إذن واضح (راجع إن شئت معجم رجال الحديث ١٧ ص ٢٩٩).

(وعلى) هذا الأساس تحمل الرواية التي يرويها محمد بن مسعود العيّاشي وأبو عمرو بن عبد العزيز (الكشي) كلاهما عن محمد بن نصير عن محمد بن عيسى على الكشّي لا على النميري ، (إضافة) الى انه يبعد كثيرا ان يرويا عن النميري الملعون ، فالانصراف انما يكون الى الكشّي لا الى النميري. وأمّا (محمّد بن عيسى) فهو ثقة عين كثير الرواية حسن التصانيف. وأمّا (عبد العزيز بن المهتدي) فهو ثقة خير قمّي ، وكيل الامام الرضا عليه‌السلام وله كتاب. وامّا (الحسن بن علي بن يقطين) فهو ثقة فقيه متكلّم.

(لكن) رغم تصحيح هذا السند لا يطمأن بصدور متنه بالنحو المذكور هنا وذلك لوروده بمتن آخر صحيح السند ايضا هكذا نصّه : رجال الكشّي عن علي بن محمد القتيبي عن الفضل بن شاذان عن عبد العزيز بن المهتدي وكان خير قمّي رأيته وكان وكيل الرضا عليه‌السلام وخاصّته قال : سالت الرضا عليه‌السلام فقلت : إني لا القاك في كل وقت فعمّن آخذ معالم ديني؟

فقال : «خذ عن يونس بن عبد الرحمن» (الوسائل ١٨ باب ١١ ح ٣٣ و٣٤ ص ١٠٧).

٤٢

التواتر لانه عدد محدود (١). نعم قد تبذل عنايات في تجميع ملاحظات توجب الاطمئنان الشخصي بصدور بعض هذه الروايات لمزايا في رجال سندها ونحو ذلك.

__________________

(١) مثل ما رواه الكشي عن محمد بن قولويه عن سعد بن عبد الله عن محمد بن عيسى عن احمد بن الوليد عن علي بن المسيب قال : قلت للرضا عليه‌السلام : شقّتي بعيدة ولست اصل إليك في كل وقت فعمّن آخذ معالم ديني؟ فقال : «من زكريا بن آدم المأمون على الدين والدنيا».

ورجال السند كلهم ثقات الا احمد بن الوليد فانه مهمل في كتب الرجال ، الّا ان رواية محمد بن عيسى وولده احمد عن احمد بن الوليد على جلالتهما في العلم والوثاقة يؤيّدان كونه ثقة.

يؤيد احتمال صحّة السند نفس هذا المتن القريب جدّا الى الواقع ، إذ ان زكريا هذا ـ كما قال عنه النجاشي ـ ثقة جليل القدر ... وما ورد فيه عن الامامين الرضا والجواد عليه‌السلام.

وقوله عليه‌السلام «المأمون على الدين والدنيا» إشارة واضحة الى مناط الرجوع اليه. (ويرد) على هذا التقريب ان المامون اعلى من الوثاقة اذ ان المامون على الدين والدنيا يشمل ايضا عدم الخيانة والسرقة والغش و...

وقد يدخل في هذه الطائفة الروايات الواردة عن جابر بن يزيد الجعفى وغيره والتي مفادها «سارعوا في طلب العلم فو الذي نفسي بيده لحديث واحد في حلال وحرام تاخذه عن صادق خير من الدنيا وما حملت من ذهب وفضّة» ، وذلك ان الله تعالى يقول «ما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا» (*) و «من دان الله بغير سماع عن صادق ألزمه الله التيه يوم القيامة»

____________________________________

(*) جامع احاديث الشيعة المجلّد الاوّل باب ٥ ابواب المقدّمات ج ٨ و٧ عن ... عن

٤٣

__________________

أو «ألزمه الله البتة الى العناء» (*).

ان اعطاء كل هذه الاهميّة لخبر الصادق يكشف لنا عن حجيته شرعا ، خاصّة بتذييل هذه الاهمية بقوله عليه‌السلام «وذلك ان الله تعالى يقول : ما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا» والا ـ مع عدم اعتباره حجّة وطريقا تعبّدا لمعرفة احاديث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ لما ناسب هذا الذيل. (فان قلت) ان خبر الصادق يورث وثوقا واطمئنانا بحسب العادة ، فمن هنا اعطيت له هذه الاهميّة وذيّلت هذه الرواية بهذا الذيل اي في حالة ترتّب الوثوق من قوله يكون كأنّ نفس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينطق بهذا

__________________

عمرو بن شمر عن جابر بن يزيد الجعفى ، وح ٩ عن ... عن عبد السلام بن سالم عن رجل ، وح ١٠ صحيح السند فقد رواه البرقي (ثقة) في المحاسن عن محمد بن عبد الحميد العطّار (ثقة) عن عمّه عبد السلام بن سالم (ثقة) عن ميسر بن عبد العزيز قال قال ابو عبد الله عليه‌السلام : «حديث يأخذه صادق عن صادق خير من الدنيا وما فيها».

(*) المصدر السابق ح ١٢٣ : الكافي : بعض اصحابنا عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني رضوان الله عليه (صاحب المزار المعروف في الرىّ. جنوب طهران. والذي ورد فيه روايات منها أنّ من زاره «فكمن زار الحسين عليه‌السلام ...) عن مالك بن عامر (مهمل) عن المفضّل بن زائدة (مهمل ايضا) عن المفضّل بن عمر (ثقة) قال قال ابو عبد الله (عليه‌السلام): «من دان الله بغير سماع عن صادق الزمه الله البتّة (التيه. خ) الى العناء ، ومن ادّعى سماعا من غير الباب الذي فتحه الله فهو مشرك ، وذلك الباب المأمون على سرّ الله المكنون» ، لكن بناء على صحّة جميع روايات الكافي الّا ما خرج بالدليل تكون هذه الرواية مصحّحة السند ، وجهالة بعض الرواة عندنا لا يكشف عن جهالتهم عند الشيخ الكليني الذي عاصر الغيبة الصغرى. ومثله ح ١٢٤ ، انما هذا المتن عن عمرو بن شمر عن جابر بن يزيد الجعفي ايضا ممّا يشكّك في صدور كلتا الروايتين بعد استبعاد ان يروي عمرو كلا هذين المتنين.

٤٤

__________________

الحديث ، (قلت) لا شك بكثرة وجود تعارض بنحو مستقر في الروايات حتّى ان احدهم يقول انه حين دخل مسجد الكوفة وسمع كثرة التعارض في الروايات كاد ان يشكّ في دينه ، ويكفي ان يوجد رواية ضعيفة مخالفة حتّى يرتفع الوثوق من البين. (فاذن) مجموع روايات «حديث الصادق» تفيدنا حجية خبر الصادق ، او لا اقلّ من قوّة الظن بارادة هذا المعنى منهم عليه‌السلام.

وصحيحة أبي علي احمد بن إسحاق : انه سأل أبا محمّد عليه‌السلام «اي الامام العسكري» عمّن يعامل او عمّن يأخذ وقول من يقبل؟ فقال له : «العمريّ وابنه ثقتان ، فما أدّيا اليك عني فعنّي يؤدّيان ، وما قالا لك فعني يقولان ، فاسمع لهما واطعهما ، فانهما الثقتان المأمونان».

(امّا) القول في السند فهي من الصحيح الاعلائي باجماع الرجاليين ، فقد رواها الكلينى رحمه‌الله في الكافي عن محمد بن عبد الله (بن جعفر الحميري ، ابو جعفر القمّي ـ ثقة وجه من وجوه اصحابنا) ومحمد بن يحيى (ابو جعفر العطار القمي ـ شيخ اصحابنا في زمانه ، ثقة عين كثير الحديث) جميعا عن عبد الله بن جعفر الحميري (القمّي ـ ثقة ، يروي عن الامام العسكري أيضا ، بل هو شيخ القميين ووجههم ، قدم الكوفة سنة نيف و٢٩٠) قال : اجتمعت انا والشيخ ابو عمرو رحمه‌الله (وهو عثمان بن سعيد اوّل نائب للحجّة (عج) من النواب الاربعة) عند احمد بن إسحاق (ثقة كبير القدر كان من خاصّة الامام الحسن العسكري عليه‌السلام وروى عن الامامين الجواد والهادي عليه‌السلام) فغمزني احمد بن إسحاق ان اساله عن الخلف ، فقلت له يا أبا عمرو ... وقد اخبرني ابو علي احمد بن إسحاق ... (ولذلك) فمن يتأمّل في السند يطمئن بصدورها.

و (امّا) من حيث المتن فيبعد جدا الاشتباه او التحريف لما عرفته من وثاقة هؤلاء الرواة وعلمهم ، فهم ليسوا من عوام الناس لكي يحرّفوا عن جهل أو عمد ويبعد عنهم النسيان والاشتباه ، خاصّة في كلمة «ثقتان» وذلك

٤٥

__________________

لتكرارها في ذيل الحديث.

(وامّا) من حيث الدلالة فانّ تفريع «فما أدّيا اليك عني فعني يؤديان ...» على وثاقتهما لتعبير صريح عن ان من كان ثقة فقوله حجّة وطريق وكاشف تعبّدي لمعرفة قول الامام عليه‌السلام وإنّ تكرار هذا التعبير في آخر الرواية المباركة ليؤكّد إرادة الامام هذا المعنى. (ثم) إنّ هذه الرواية ليست في مقام نصب العمري (ابو عمرو ، عثمان بن سعيد) وولده (محمد) نائبين خاصّين للامام عليه‌السلام لوضوح كون السؤال عمّن يأخذ ـ اي معالم دينه ـ وقول من يقبل ، (وإن) كان في الجواب اشارة واضحة اضافية في تبيين نيابتهما عن الامام عليه‌السلام وهو قوله «فاسمع لهما واطعهما» ، فهذه النقطة الاضافيّة لا تؤثّر على اصل كلامنا الاوّل. وبكلمة اخرى : ليس السؤال عن تعيين نائب الامام وتحديده له ، وليس في الجواب : العمري وابنه ثقتاي ولا نائباي ولا نحو ذلك من تعابير ، (ولذلك) قد يستفاد من هذا المتن تنزيل خبر الثقة منزلة كلام نفس المعصوم عليه‌السلام وعلى طريقة مسلك الطريقية الذي يتبنّاه المحقّق النائيني والسيد الخوئي (رحمهما‌الله). (يؤيّد) هذه الطريقة في التعبير قول الامام عليه‌السلام : «ائت ابان بن تغلب فانه قد سمع منّي حديثا كثيرا ، فما روى لك (عني ـ كشّي) فاروه (عنّي ـ جش)» ، اي بحذف الواسطة(*) بناء على صحّة نسخة النجاشي ، (وإن) كنّا نرفض هذا الفهم لاحتمال ارادة الإخبار من صحيحة احمد بن إسحاق عن مطابقة اخبارهما للواقع لا التنزيل منزلة الواقع ، وكذلك لشدّة وثاقة أبان اجاز الامام عليه‌السلام بان تحذف وساطته.

ـ والرواية المعروفة الواردة عن كتب بني فضّال إذ سئل الامام العسكري عليه‌السلام عنها فقالوا : كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منها ملاء؟

__________________

(*) رواها في الفقيه بقوله : قال الصادق (عليه‌السلام) لا بأن بن عثمان ، ورواها الكشي والنجاشي.

٤٦

__________________

فقال صلوات الله عليه : «خذوا بما رووا وذروا ما رأوا» ، والقدر المتيقّن منه إرادة الثقات من بني فضّال ، بل لم نعرف كتابا لاحدهم إلّا وهو ثقة(* ١).

(يؤيّد) هذه الطائفة مجموعة من الروايات فيها اشارة ولو ضعيفة الى حجية خبر الثقة من قبيل ما رواه سليم بن قيس الهلالي في كتابه عن الحسين بن علي عليه‌السلام ـ الى ان قال ـ : «انشدكم الله إلّا حدّثتم به من تثقون (تتّقون ـ خ) به» (* ٢) ، و «ان العلماء ورثة الانبياء» (* ٢) ، ومثلها «اللهم ارحم خلفائي ... الذين يأتون من بعدي ويروون حديثي وسنتي» (* ٤) و «اكتب وبثّ علمك في اخوانك ، فان متّ فاورث كتبك بنيك ، فانه يأتي على الناس زمان لا يأنسون فيه الّا بكتبهم» (* ٥) ونحو ذلك.

(ويؤيّدها) ايضا الروايات المستفيضة التي تعطي ـ على قول ـ الحجية لخبر الثقة في مجال الموضوعات ، وسنذكرها في آخر التعليقة إن شاء الله ، وإن كنّا لا نؤمن بهذا القول.

ولأهمية البحث جدّا ، بل هو اهم بحث في علم الاصول بلا شك يلزم علينا أن نعيد ذكر متون الروايات الظاهرة في إعطاء الحجيّة لخبر الثقة او المؤيّدة

__________________

(* ١) اصحاب الكتب منهم هما : الحسن بن علي بن فضّال ، وولده علي (واسع الرواية والاخبار جيد التصانيف ، فطحي ولكنه مع ذلك قريب الامر الى اصحابنا ، بل فقيه اصحابنا بالكوفة ووجههم وثقتهم ، روى عن الامامين الهادي والعسكري عليه‌السلام ، ولا نعرف غيرهما من بني فضّال مصنّفين.

(* ٢) مستدرك الوسائل ٣ باب ٨ من صفات القاضي ح ٢٤ ص ١٨٣ ، وفي جامع الاحاديث (المصدر السابق) ح ٤٢ قال «تتّقون» بدل «تثقون».

(* ٣) المصدر السابق (جامع الاحاديث) ح ٧٠.

(* ٤) نفس المصدر ح ٤٦ ـ ٤٩.

(* ٥) نفس المصدر ح ٥٠.

٤٧

__________________

لذلك ـ باختصار ـ :

١ ـ صحيحة احمد بن اسحاق إذ سأل الامام العسكري عليه‌السلام عمّن يعامل او عمّن يأخذ وقول من يقبل؟ فاجابه عليه‌السلام : «العمريّ وابنه ثقتان ، فما أدّيا اليك عنّي فعنّي يؤدّيان ، وما قالا لك عني فعني يقولان ، فاسمع لهما واطعهما ، فانهما الثقتان المأمونان» ، بتقريب التفريع الصريح في اعطاء الحجية لخبر الثقة ، ولعلها احسن الروايات الدّالة على المطلوب واقواها سندا.

٢ ـ مصحّحة محمّد بن مسلم عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال قلت له : ما بال أقوام يروون عن فلان وفلان عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يتّهمون بالكذب فيجيء منكم خلافه؟ قال : «ان الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن» ، بتقريب اقرار الامام عليه‌السلام لارتكازه في البناء على حجية خبر الثقة ولو لم يحصل عنده منه وثوق ، ولذلك ترى الامام عليه‌السلام انتقل الى مرحلة ثانية ـ أي بانيا على حجية خبر الثقة ـ فقال ان الحديث ينسخ ...

٣ ـ مصحّحة عمر بن حنظلة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجلين من اصحابنا بينهما منازعة في دين او ميراث فتحاكما ... ـ الى ان قال ـ فان كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم؟ قال عليه‌السلام : «ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسّنّة وخالف العامّة فيؤخذ به ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنّة ووافق العامّة» ، بتقريب إمضاء الامام عليه‌السلام لارتكاز عمر على حجية خبر الثقة وعدم تنبيهه على بطلان ارتكازه المذكور.

٤ ـ صحيحة عبد العزيز بن المهتدي قال : قلت لابي الحسن الرضا عليه‌السلام : جعلت فداك إني لا أكاد اصل اليك أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما احتاج اليه من معالم ديني؟ قال عليه‌السلام : «نعم» ، بالتقريب السابق.

٥ ـ رواية علي بن المسيّب (مظنونة الصدور جدّا) قال قلت للرضا عليه‌السلام : شقّتي بعيدة ولست اصل اليك في كل وقت فعمّن آخذ معالم ديني؟

٤٨

__________________

فقال عليه‌السلام : «من زكريا بن آدم المأمون على الدين والدنيا» ، بتقريب ان ذكر هذا الوصف في هذا المقام اشارة واضحة في الكشف عن سبب الارجاع اليه واخذ معالم دينه من زكريا.

٦ ـ روايات «حديث الصادق» المتعددة والتي نصّها «سارعوا في طلب العلم ، فوالذي نفسي بيده لحديث واحد في حلال وحرام تاخذه عن صادق خير من الدنيا وما حملت من ذهب وفضّة ، وذلك ان الله تعالى يقول «ما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا» و «من دان الله بغير سماع عن صادق الزمه الله التيه يوم القيامة (او البتة الى العناء ـ خ)» بتقريب ان ذكر وصف الصادق هنا مع اعطائه كل هذه الاهميّة اشارة جيدة عرفا في تبيين حجّية قوله ، ولا اقلّ من انها توهم حجّية خبره وهو خلاف الحكمة إن لم يكن حجّة شرعا.

٧ ـ مرسلة الاحتجاج : روي عن الحسن بن الجهم (ثقة) عن الرضا عليه‌السلام انه قال : قلت للرضا عليه‌السلام : يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين فلا نعلم أيّهما الحق؟ فقال عليه‌السلام : «إذا لم تعلم فموسّع عليك بأيّهما اخذت» ، بتقريب امضاء الامام عليه‌السلام لارتكاز الحسن من حجية خبر الثقة ، ودلالتها جيدة.

٨ ـ مرسلته الاخرى عن الحارث بن المغيرة (ثقة ثقة) عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : «اذا سمعت من اصحابك الحديث وكلّهم ثقة فموسّع عليك حتى ترى القائم فتردّه عليه» ، بتقريب ان نفس الامام عليه‌السلام يعلّمنا ان خبر الثقة حجّة ، (بيان ذلك) يوجد في هذه الرواية احتمالان : الاوّل : ان يكون المراد منها إفادة حجية خبر الثقة ، والثاني : ان يكون المراد منها افادة التخيير في حال التعارض ، يؤيّد الاوّل صيغة الافراد في «الحديث» فلم يقل مثلا «الحديثين المتعارضين» ، وقرينة الثاني قوله عليه‌السلام «فموسّع عليك» وهذه قد لا تلائم القول بحجية خبر الثقة ، لانه على القول بالحجية يجب عليه الالتزام بقوله لا انّ له الالتزام به وإن شاء تركه ،

٤٩

__________________

والاحتمال الثّاني (اي كون هذه الرواية واردة في التعارض) هو الأظهر. وعلى هذا الاحتمال أيضا تستفاد حجية خبر الثقة ، إذ ان التخيير في حال التعارض فرع حجية الخبرين كما هو واضح.

٩ ـ مرفوعة عوالي اللئالئ عن زرارة قال : سألت الباقر عليه‌السلام فقلت : جعلت فداك يأتي عنكم الخبران او الحديثان المتعارضان ... ـ الى ان قال ـ «خذ بقول اعدلهما عندك واوثقهما في نفسك» ، بتقريب ان المراد بأعدلهما اصدقهما.

١٠ ـ الرواية المعروفة الواردة عن كتب بني فضّال «خذوا بما رووا وذروا ما رأوا» ، بتقريب انّ المعروف منهم من اصحاب الكتب هما الحسن بن علي بن فضّال وولده علي فهما اصحاب الكتب المذكورة خاصّة علي ، وكلاهما ثقتان ، وحتّى احمد (ولد الحسن بن علي) فانه رغم انهم لم يذكروا له كتابا فهو ثقة ، وقد قال عنهم الامام عليه‌السلام «خذوا بما رووا» وهي صريحة في المطلوب.

١١ ـ روايات الارجاع بتقريب انهم قالوا ان مناط ارجاع الأئمة عليهم‌السلام اليهم هو وثاقتهم في أنفسهم ، بالاضافة الى انه لو لم يكن خبر الثقة حجّة لما ارجعوا إليهم الّا بتنبيه الى عدم سريان هذا الارجاع الى مطلق ثقة.

١٢ ـ رواية «اذا نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيما روي عنّا فانظروا الى ما رووه عن علي عليه‌السلام فاعملوا به» ، والقدر المتيقن منهم هم خصوص الثقات من العامّة.

١٣ ـ الصحيحة القائلة : انه ليس كل ساعة القاك ويمكن القدوم ويجيء الرجل من اصحابنا فيسألني وليس عندي كل ما يسألني عنه؟ فقال عليه‌السلام : " فما يمنعك من محمّد بن مسلم الثقفي فانه سمع من ابي وكان عنده مرضيّا (وجيها ـ خ) ، (بتقريب) ان وصفه بالمرضي او الوجيه اشارة واضحة الى مناط الارجاع اليه ، لا انها صفة اجنبية عن المقام.

١٤ ـ مصحّحة إسحاق بن يعقوب «وامّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى

٥٠

__________________

رواة حديثنا ، فانهم حجتي عليكم وانا حجّة الله ...» ، (بتقريب) الاطلاق الموجود في «فارجعوا» فانها تشمل الرجوع اليهم كرواة ـ والقدر المتيقّن منهم الثقات ـ وكمفتين. ، وغيرها من الروايات ...

(وبيان) الاستدلال بها على حجية خبر الثقة (امّا) بطريق مباشر وذلك لعدم تقييد هذه الروايات بكونه إماميا الّا في مرسلة الحارث بن المغيرة ومرفوعة زرارة على كلام فيهما (ان الاولى في مورد التعارض ، واحتمال ارادة اصدقهما من اعدلهما في الثانية) ، فلم يبق مقيّد واضح بالعدالة او الامامية ، (وإمّا) بان يقال ـ ولو بقرينة آيتي النبأ والنفر وغيرهما ـ بان القدر المتيقّن هو حجية خبر العادل الامامي ، فاذا ثبت ذلك نقول افادنا خبر العادل الامامي في صحيحة احمد بن إسحاق وغيرها حجية خبر الثقة.

(والنتيجة)

هي حجية خبر الثقة بلا شك ، (على) انه سيأتيك بعض المؤيّدات لهذه النتيجة كعدم ردع المعصومين عليه‌السلام عن هذه السيرة.

الحمد لله رب العالمين.

__________________

تذييل مهم :

الكلام في حجيّة خبر الثقة في الموضوعات

نسب الى المشهور عدم حجية خبر العادل في الموضوعات الخارجية إلّا ما خرج بالدليل ، والظاهر أن دليلهم في ذلك :

ـ ما روياه في الكافي والتهذيب عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) انه قال :

" كلّ شيء هو لك حلال حتّى تعلم انه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك ، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة ، والمملوك عندك لعلّه حرّ قد باع نفسه او خدع فبيع قهرا ، او امرأة تحتك وهي اختك او رضيعتك ، والاشياء كلها على هذا حتّى يستبين لك غير ذلك او تقوم به البيّنة. (الوسائل ١٢ باب ٤ من ابواب ما يكتسب به ح ٤

٥١

__________________

ص ٦٠). والبيّنة بالاصطلاح المتشرّعي عبارة عن رجلين عادلين ، وقد وردت لفظة «البيّنة» بهذا المعنى على لسان الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام من بعده مئات المرّات في كتاب القضاء من وسائل الشيعة. بحيث لا يبقى شك في كون هذه اللفظة حقيقة متشرّعية في العادلين ، على انه يحتمل ايضا ان تكون قد تحوّلت الى هذا المعنى الاصطلاحي في زمن النبي الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يقول السيد الخوئي رحمه‌الله انه «ثبت من الخارج انه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقضي بشهادة العدلين» (فقه الشيعة ٢ ص ٥٩) ، وفي بعض الروايات يسأل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المدّعي «ألك بيّنة؟!» (المصدر السابق ص ٥٨). (فما) لم يحصل عند الشخص علم او بيّنة تجري قاعدة الحلّيّة ولا عبرة بخبر العادل فضلا عن الثقة غير العادل. والمراد بالحلية هنا ـ في الرواية ـ الاعمّ من الحلية الاصطلاحية والتي موردها الطعام وذلك بصريح هذه الرواية في أمثلتها ، ففي المثال الاوّل يحلّ لبس الثوب المذكور .. وفي الثاني يحلّ استخدام المملوك المذكور .. وفي الثالث يحلّ وطء تلك المرأة.

(امّا) سند هذه الرواية فقد رواها الكافي عن علي بن ابراهيم عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن ابي عبد الله عليه‌السلام. ورواها الشيخ في التهذيب باسناده عن علي بن ابراهيم. والجميع ثقات الّا ان الكلام في مسعدة ، فانه عامّي بتري روى عن الصادق والكاظم عليه‌السلام لم يوثقه احد ولم يضعّفه احد ، الّا انّ وثاقته تثبت برواية الصدوق عنه في فقيهه وقد شهد انه قد اخذ رواياته عن المصنفات والاصول التي عليها المعوّل واليها المرجع مما يعني وثاقة اصحابها على الاقلّ ، وهذه الطريقة معروفة ومشهورة بين علماء الحديث والرجال. فالسند موثّق ، وكذا وصفها جملة من الاعلام كالشيخ الانصاري وصاحب الحدائق وغيرهما.

ـ ورواية الكافي عن عبد الله بن سليمان عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) في الجبن قال : " كل شيء لك حلال حتّى يجيئك شاهدان يشهدان ان فيه ميتة (وسائل ١٧ باب ٦١ من ابواب الاطعمة المباحة ح ٢ ص ٩١) ، (بتقريب) عدم وجود ميزة في الجبن والميتة.

والجواب : انّه وإن كان ظاهر هاتين الروايتين الحصر لكن هذا الظهور على سعته ممنوع

٥٢

__________________

لتعارضهما مع ما هو صريح في قبول قول الثقة في عدّة موارد. فقد وردت روايات مستفيضة صحيحة صريحة في حجية خبر الثقة في موارد متعدّدة فيتخصص حكم لزوم الرجوع الى العلم او البيّنة بما عدا الموارد المذكورة.

وإليك هذه الروايات :

١ ـ صحيحة هشام بن سالم عن ابي عبد الله عليه‌السلام انه قال : «إن الوكيل اذا وكّل ثم قام عن المجلس فامره ماض أبدا والوكالة ثابتة حتّى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة يبلّغه او يشافهه (اي الموكّل) بالعزل عن الوكالة» (وسائل ١٣ باب ٢ من كتاب الوكالة ح ١ ص ٢٨٦) ، (ببيان) عدم وجود فرق بين ان يبلغه بالعزل او بغيره إذ لا ميزة في العزل عن الوكالة.

٢. صحيحة علي بن يقطين قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عمّن يلي صدقة العشر من لا بأس به؟ (اي ان يليها) فقال : «إن كان ثقة فمره ان يضعها في مواضعها ، وإن لم يكن ثقة فخذها انت وضعها في مواضعها» (وسائل ٦ باب ٣٥ من ابواب المستحقّين للزكاة ح ١ ص ١٩٣). (فقال) (عليه‌السلام) إن كان ثقة ولم يقل إن كان أمينا وذلك إمّا للملازمة بين الوثاقة والامانة وإمّا لكفاية الوثاقة وهو بعيد للغاية لان المقام مقام أمانة ، فيتعين الاوّل وهو أنّ من كان ثقة اي أمينا في نقل الاقوال كان أمينا في نقل السلع والاغراض.

٣. رواية الكافي عن شهاب بن عبد ربّه قال : قلت لابي عبد الله (عليه‌السلام) : إنّي اذا وجبت زكاتي اخرجتها فادفع منها الى من أثق به يقسّمها ، قال : " نعم ، لا بأس بذلك ، اما انّه احد المعطين" (المصدر السابق ح ٤). (بدعوى) وجود ملازمة عاديّة بين الوثاقة في اداء الامانة الفعلية واداء الامانة القولية ، على نظر في ذلك.

٤. في نهج البلاغة عن امير المؤمنين عليه‌السلام «... ولا تأمننّ عليها الّا من تثق بدينه» (من وصية له عليه‌السلام كان يكتبها لمن يستعمله على الصدقات رقم ٢٥ «في اواسطها»). (وموردها) الامين الذي يأتي بأنعام الزكاة الى الامام. (ويرد) على الاستدلال بها ان الوثاقة بالدين اشدّ اهمية من الوثاقة في القول ، (اضافة) الى ما ذكرناه قبل قليل من وجود تامّل في الملازمة بين الامانة في الفعل والامانة في القول ، فالامين في الفعل قد يكون اشدّ وثاقة من الامين في نقل الكلام.

٥٣

__________________

و (هذه) الروايات موردها الوكالة.

(وهناك) روايات موردها إخبار ذي اليد وهي :

٥. صحيحة حفص بن البختري عن ابي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يشتري الأمة من رجل فيقول إني لم أطأها ، فقال عليه‌السلام : «إن وثق به فلا باس ان يأتيها» (وسائل ١٤ باب ٦ من ابواب نكاح العبيد والاماء ح ١ ص ٥٠٣).

٦. صحيحة عبد الله بن سنان قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يشتري الجارية ولم تحض ، قال : «يعتزلها إن كانت قد مسّت (يئست خ)» ، قلت : أرأيت إن ابتاعها وهي طاهر وزعم صاحبها انه لم يطأها منذ طهرت؟ فقال : «ان كان عندك أمينا فمسّها» ، وقال : «ان ذا الامر شديد فان كنت لا بدّ فاعلا فتحفّظ لا تنزل عليها» (المصدر السابق ح ٢).

٧. صحيحة ابي بصير قال : قلت لابي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يشتري الجارية وهي طاهر ويزعم صاحبها انه لم يمسّها منذ حاضت؟ فقال : «إن ائتمنته فمسّها» (المصدر السابق ح ٤).

(وفي) الاستدلال بهذه الروايات ايضا نظر من ناحية ان هذه الطائفة تدلّ على حجية خبر ذي اليد فيقتصر في الاستفادة على هذا المقدار (اي على مورد ذي اليد) ، مدعومة بقاعدة استصحاب عدم الوطء في طهرها الاخير ، فلا يستفاد حجية قوله هنا في مورد الاستصحاب. (ولا يخفى عليك) ان الامام عليه‌السلام لم يعتمد على الاستصحاب لوحده والّا لما اشترط وثاقة البائع.

ومن طائفة روايات قاعدة اليد :

٨. صحيحة حمّاد عن ابي عبد الله عليه‌السلام في رجل طلّق امرأته ثلاثا فبانت منه فأراد مراجعتها ، فقال لها : إني اريد مراجعتك فتزوّجي زوجا غيري ، فقالت له : قد تزوّجت زوجا غيرك وحلّلت لك نفسي ، أيصدّق قولها ويراجعها وكيف يصنع؟ قال : «إذا كانت المرأة ثقة صدّقت في قولها» (وسائل ١٥ باب ١١ من ابواب اقسام الطلاق ص ٣٧٠) (وهو) اخبار عن فعلها. (ويرد) على الاستدلال بهذه الصحيحة اشكالات : الاوّل : ان هذه

٥٤

__________________

الرواية موردها فعلها في نفسها فهي من موارد قاعدة اليد. والثاني : إن فرضنا عدم اعتبار قولها حجّة فلازمه امّا ان يطلب الشارع المقدّس شهادة مماثلة ممّن نكحها ويقبلها منه إن كان ثقة او يقبلها مطلقا بانضمام الاولى او لا يقبلهما ولو كانا ثقتين ، فعلى الاوّليين يلزم منه افتضاح المرأة ومن نكحها وايقاعهما في الحرج وهو خلاف المعهود من الشارع من الامر بالتستر والحياء واليسر ، وعلى الاخير يلزم ان ينظر زوجها الاوّل لعملية الوطء ليثق بنفسه وهو امر معلوم البطلان فيتعين لزوم قبول قولها في هكذا مورد فقط لا مطلقا. (وهناك) روايات وردت في موارد متفرّقة وهي :

٩. موثقة إسحاق بن عمّار عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن رجل كانت له عندي دنانير وكان مريضا فقال لي ان حدث بي حدث فاعط فلانا عشرين دينارا واعط اخي بقية الدنانير ، فمات ولم اشهد موته ، فاتاني رجل مسلم صادق فقال لي : انه امرني ان اقول لك انظر الدنانير التي امرتك ان تدفعها الى اخي فتصدّق منها بعشرة دنانير اقسمها في المسلمين ، ولم يعلم اخوه ان عندي شيئا؟ فقال عليه‌السلام : «ارى ان تصدق منها بعشرة دنانير» (وسائل ١٣ باب ٩٧ من ابواب احكام الوصايا ص ٤٨٢). (وموردها) اخبار الصادق عن فعل غيره. (ويرد) هنا بحصول الوثوق في هذه الحالة عادة ، ولا سيّما بقرينة قوله عليه‌السلام «ارى».

١٠. مضمرة سماعة قال : سألته عن رجل تزوّج جارية او تمتّع بها فحدّثه رجل ثقة او غير ثقة فقال : ان هذه امرأتي وليست لي بيّنة ، فقال : «إن كان ثقة فلا يقربها ، وإن كان غير ثقة فلا يقبل منه» (وسائل ١٤ باب ٢٣ من ابواب عقد النكاح ح ٢ ، ص ٢٢٦) ، والسند موثق ولا اشكال فيه الّا من ناحية الاضمار ، اذ ان سماعة لم يذكر هنا عمّن روى هذه الرواية ، ولكن النظر في حال سماعة وعمّن يروي يخلق ظنّا قويا بان المروىّ عنه هو الامام عليه‌السلام إذ ان اكثر رواياته عن الأئمة عليه‌السلام ، وهو الرواية المشهور الذي روى مئات الروايات ، وإن شئت جعلتها مؤيّدا للمطلوب. (وموردها) الاخبار عن فعل نفسه على فرض وثاقته ، وفرض الكلام ان المرأة تنكر الزوجية من المدّعي (والردّ) على الاستدلال بها طويل نكتفي بالاشارة الى بعضها ، اوّلا : قوله «فلا يقربها» يحتمل ان يكون من باب

٥٥

__________________

الاحتياط لاهمية الاحتياط في الفروج او قل هو حكم بحرمة المقاربة ، يؤيّد هذا الاحتمال انه لم يقل له «هي امرأة المدّعي» ، ولكن هذا الحكم غير قابل للتصديق إذ كيف يحكم بحرمة المقاربة في هكذا مورد مع علمنا بوجوبها في الاربعة أشهر مرّة ، او كيف يحكم بأن تترك معلّقة؟! ثانيا : المعروف جدّا ولعله مجمع عليه ان هذا المورد لا يكتفى لاثباته بقول الزوج وإن كان ثقة ، وانما يحتاج الى شاهدين عادلين ، كسائر موارد الدعاوى. وهو الصحيح. وممّا استدلوا به مكاتبة الحسين بن سعيد ... الخ (راجع مستند العروة الوثقى. كتاب النكاح. ج ٢ ، ص ٢١٨) (والخلاصة) انه لا يمكن الاستدلال بهذه المضمرة على حجية خبر الثقة في الموضوعات.

(وبعد) عرض هذه الروايات ومناقشتها ، يبقى التعرّض للاستدلال بالسيرة الممضاة ، فقد استدلّ غير واحد بها ، فقال السيد الخوئي (في فقه الشيعة ج ٢ ص ٦٠): «والعمدة في ثبوت الموضوعات بخبر الثقة هي السيرة العقلائية المستمرّة على العمل بخبر الثقة في امور معاشهم ومعادهم في الموضوعات والاحكام من دون ردع من الشارع ، فاذا ثبتت حجيته في الاحكام بذلك مع اهتمام الشارع بها كانت حجيته في الموضوعات اولى».

(انتهى)

(ويردّ) على هذا الكلام بان سيرة العقلاء قائمة على العمل بالخبر الموثوق به وليس عند العقلاء اصل تعبّدي بلا اساس مبني على العلم او الاطمئنان ...

(والظاهر) انه لما ذكرناه من مناقشات على القول بحجية خبر الثقة في الموضوعات استشكل اكثر مراجعنا المتاخرين (راجع حاشية العروة الوثقى ، فصل ماء البئر ، مسألة ٦ ، وسائر الرسائل العملية في هذه المسألة) ، بل المشهور قديما وحديثا عدم القول بحجيّته في الموضوعات.

وخلاصة الملاحظات :

أوّلا : إننا نحتمل جدا وجود خصوصية في مسألة التوكيل والعزل عنه.

ثانيا : في موثقة إسحاق بن عمّار يرد اشكال حصول الوثوق عادة.

ثالثا : انه يبعد كثيرا ان لا يقبل قوى ذي اليد وإلا فقد يؤدّي عدم قبول قول ذي اليد الى اختلال

٥٦

__________________

النظام.

«والنتيجة» هي عدم ثبوت حجية خبر الثقة في الموضوعات ، الّا موارد اليد والتوكيل والعزل عنه ، والحمد لله رب العالمين.

«نظرة في معنى الوثاقة»

قد يتوهّم البعض ان الوثاقة تعني العصمة عن الكذب دائما وفي كل الحالات ، وهذا امر فيه مبالغة ، فان الوثاقة امر نفساني ذو مراتب تختلف بالشدّة والضعف كسائر القوى والملكات النفسانية كالايمان والعدالة والشهوة والغضب ونحوها ، فقد تكون وثاقة شخص واصلة الى حدّ عدم احتمال صدور الكذب منه مهما حصل وفي كل الظروف ، وهي أعلى مراتب الوثاقة ، وهي المرتبة التي يتحلّى بها المعصومون عليهم‌السلام ومن رسخت عنده هذه الملكة ، وقد تكون وثاقة شخص آخر في إطار عدم التعارض مع مصالحه الشخصية كما نرى ذلك عند الكثير من الناس ، فالتاجر المتدين مثلا قد يكذب عند تعارض صدقه مع مصالحه الشخصية فيقول مثلا انه قد اشترى البضاعة الفلانية بكذا ويكون قد اشتراها باقلّ من ذلك ، او ترى بعض المتدينين يبالغون في بعض الوقائع للفت الانظار اليهم مع ان المقدار الزائد عن الواقع كذب ، ولكن رغم ذلك اذا الّف نفس هذا الشخص كتابا ونقل فيه روايات ترى العقلاء يعتبرونه ثقة في نقله ، او بل قد يثقون بصحّة ما ينقل فيه. (وقد بيّن) لنا الشارع المقدّس هذا الامر من خلال عدم قبول الاخذ بشهادة المتّهمين مطلقا ، حتّى ولو كانوا في غير مواضع مصالحهم الشخصية ثقات ، وورد في هذا الآيات والروايات كقوله تعالى (ولا يجرمنّكم شنئان قوم على ألّا تعدلوا ..) وكقوله عليه‌السلام «الحكم ما حكم به اعدلهما واصدقهما في الحديث» و «إذا محّصوا بالبلاء قلّ الديّانون» وهذا ارشاد لنا من الشارع المقدّس ان الثقة قد يكذب في مجال مصالحه الشخصية (ولا شك) ان علماءنا الرجاليين القدماء كانوا ملتفتين الى هذا الامر وان الوثاقة امر ذو مراتب وان الثقة قد ينحرف في مجال مصلحته الشخصية ، فتراهم يقولون عن بعض الرواة «ثقة في الحديث» وعن البعض الآخر «ثقة» وعن آخرين «ثقة ثقة» وعن

٥٧

__________________

بعضهم «صالح» ، او كما قال علي بن احمد العقيقى «لم يكن معاوية بن عمّار عند اصحابنا بمستقيم ، كان ضعيف العقل ، مأمونا في حديثه» ... ونحو هذه التعابير الكثيرة التي تجدها في كلامهم (رضوان الله عليهم).

(ثمّ) ان تضعيف احد الرواة من قبل شخص لا ينافي توثيقه من قبل آخر ، ومرجع هذا في الحقيقة الى ان مرادهم من «الضعيف» هو الضعيف في علمه ولا يبالي عمن يأخذ ، فتراه يكثر من رواية الروايات المرسلة وعن المجاهيل والروايات الشاذّة ... لا انه يكذب في نقله ، ولذلك فقد يكون ثقة في نفسه وضعيفا في الحديث كما قال الشيخ الطوسي في محمد بن خالد البرقي : «ثقة في نفسه ضعيف في الحديث» ، اي من يقرأ كتابه يلاحظ انه قد خلط الغثّ بالسمين ولا يهتم بصحة الاسانيد والروايات المشهورة بين الاصحاب ونحو ذلك ولذلك ما كان يعتمد على افتاء هذا الشخص لضعفه في هذا العلم. ولذلك من المعروف ايضا عند علمائنا القول بترجيح توثيقه في هذه الحالة ، ولو من باب تقديم الظاهر (التوثيق) على المجمل (التضعيف) بالاجماع.

(وكذلك) الامر بالنسبة الى التوصيف بالغلو ، فانّ الغلو لا ينافي الوثاقة ، فمع التعارض يقدّم جانب التوثيق أيضا ، ووجهه واضح. (يقول) الشيخ الصدوق رحمه‌الله «ان الغلاة والمفوّضة لعنهم الله ينكرون سهو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» ، واستدلّ بكلام طويل يقول فيه انه «يجوز على النبي ما يجوز على غيره مثل السهو ...» ، ونقل عن شيخه ابن الوليد قوله «اوّل درجة في الغلو نفي السهو عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ...» ، فهل بعد هذا يكون قولهم «فلان غال متهم» معتبرا؟! مع انه على هذا الاساس سيكون كل او جلّ علماء الشيعة اليوم مغالين!

فوائد رجاليّة

على اساس ما ذكرناه في «النظرة» السابقة يجدر اعطاء مثال مهم على ذلك حصل فيه نزاع بين علماء الرجال وله ثمرة كبيرة ، وهو :

ذكر الشيخ الصدوق في اوّل كتابه «من لا يحضره الفقيه» ان «جميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة ، عليها المعوّل واليها المرجع ، مثل كتاب حريز ... وغيرها من الاصول

٥٨

__________________

والمصنّفات» ، فاذا كان كتاب احد المجهولين. عندنا. فيه فهو يعني وثاقته ، لانّ الروايات الفقهية هي امّا ان تؤسس حكما مستقلا او تقيّد او تخصّص او تكون حاكمة على غيرها ونحو ذلك ، وعلى ايّ حال فانّ المتشرّعة اذا اعتبروا كتابه معوّلا عليه ومرجعا روائيا لهم فهو يعني اعتبار صاحبه ثقة لا محالة ، لانه هو الذي صنّف الكتاب (لتصريح الصدوق بذلك بقوله «وصنّفت هذا الكتاب بحذف الاسانيد») ، وهو الرّاوي لرواياته ، وهذا واضح في هذا المجال ، ولذلك لا ينبغي التشكيك في وثاقة اصحاب هذه الكتب.

(ان قلت) قد روى الشيخ الصدوق عن بعض الكذّابين (وهم تسعة انفار) وهم : علي بن ابي حمزة البطائني الذي قال فيه ـ او في ابنه الحسن على اختلاف النسخ ـ عليّ بن الحسن بن فضّال (في حديث) انه كذّاب ملعون ، وقال فيه علي بن فضّال ـ بسند صحيح ـ «كذّاب متّهم».

ـ ابنه الحسن قال فيه الكشّي «كذّاب»

ـ محمد بن عبد الله بن مهران ، الذي قال فيه النجاشي «كذّاب»

ـ وهب بن وهب ، الذي قال فيه النجاشي ايضا «كان كذّابا وله احاديث مع الرشيد في الكذب» ، وقال فيه الكشّي «كان من اكذب البريّة» ، ومثلهم المفضل بن صالح ابو جميلة ، وعبد الرحمن بن كثير الهاشمي ، وعمرو بن شمر ، والمفضل بن عمر ، وأحمد بن هلال الكرخي.

(فكيف) نطمئن بعد بأنّ مراده من كلامه ذاك توثيق نفس اصحاب هذه المصنّفات ، فقد يكون مراده صحّة هذه الكتب في ذاتها لهذه القرينة ، او صحّة بعضها سندا والبعض الآخر متنا لموافقته مع الروايات المشهورة.

(قلت) أمّا ان نحمل الصحّة بلحاظ المتن دون السند فهذا يخالف ظهور كلامه في كون كل كتاب من كتبه التي أخذ منها بحدّ ذاته عليه المعوّل واليه المرجع ، لا هو بمعونة غيره ، أو قل كلامه هذا ظاهر في المفروغية عن حجيّته في نفسه لو لا احتمال المعارض ، اذ لا يصحّ ان يقال لكتاب روائي لا نعرف سنده او راويه مثلا ولو مع موافقة رواياته لروايات المشهور انه عليه المعوّل واليه المرجع ، بل يكون غير معتبر عند المتشرّعة فضلا عن ان

٥٩

__________________

يكون عليه المعوّل. (أمّا) ان تقول استمدّ مرجعيّته وحجيّته من غيره بمقابلة كل رواياته مع غيره بحيث حصل عند الاصحاب اطمئنان بصحّة رواياته دون وثاقة صاحبه (فهو) معلوم بعدم حصوله خارجا ، اذ ما هو الدّاعى للمجيء بكتاب صاحبه غير معلوم الوثاقة فضلا عن ان يكون كذّابا ثم يبحث فيه بعض الخبراء رواية رواية هل توافق مذهب علمائنا ام لا وانما تخالفها باضافة قيد او نقيصة قيد ، حتّى اذا ادركوا موافقته لرواياتنا المشهورة اعتبروه مرجعا ، وهل أوّلا نفس رواياتنا متفقة ، ثانيا عند بحثهم. على فرض حصوله. ألم يجدوا روايات مخالفة للمشهور؟! (فان قيل) لا ، فهذا في غاية العجب ، اذ كم من ثقة روى روايات يخالف فيها المشهور فضلا عن غيره ، سلّمنا بهذه الصدفة فنقول اتقان هذا الراوي الى هذا الحدّ يعني وثاقته في الرواية ، (وان قيل) بل رأوا خلافا قليلا ، (قلنا) هذا المقدار القليل امّا ان يوجد له شبيه في روايات ضعيفة السند او لا يوجد لها شبيه ، وعلى كلا التقديرين لا يحصل اطمئنان بصدور هذه الروايات المخالفة للمشهور او التي يوجد مثلها عند علمائنا فكيف يطمأن بها وتعتبر مرجعا وعليها المعوّل.

(وبكلمة اخرى) انّ مقياس معرفة صحّة روايات كتاب ما انما هو بعرضه على مشهور رواياتنا فان خالف بعضه بعضها فلا يطمأن اليه ، لفرضنا جهالة الراوي او كذبه ، فلا يعتبر مرجع الشيعة وعليه معوّلهم ، وان فرض موافقته لمشهور رواياتنا بتمامه فهو امارة وثاقة صاحبه في الرواية.

(والنتيجة) اننا ان قلنا بوثاقة اصحاب هذه المصنّفات فهو المطلوب ، وان قلنا الاعتماد انما هو على موافقة كل رواياتها لمشهور رواياتنا بحيث اطمأنّ الشيعة بصحّة هذه الكتب فاتخذوها مرجعا فهو امارة صدق اصحاب هذه المصنفات في نقلهم.

(ان قلت) وما تفعل بتكذيب بعض علماء الرجال لبعض رواة الفقيه؟

(قلت) نجيب بنفس ما ذكرناه في «النظرة» السابقة من عدم المنافاة بين كون شخص ثقة عند نقل رواية وكذّابا عند تعارض صدقه مع مصالحه الشخصية ، وقد يكون كذّابا في اعتقاده لا في الرواية. وهذا ليس عجيبا فانّ كل منحرف في عقيدته هو كاذب فيها ورغم ذلك قد يكون صادقا في مجال نقل الروايات ، وقد ورد عن أئمّتنا الاطهار عليهم‌السلام

٦٠