دروس في علم الأصول - ج ٢

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر

دروس في علم الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر


المحقق: الشيخ ناجي طالب آل فقيه العاملي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٢

ومن هنا نصل الى صيغة عامّة للتقييد يفرضها العقل على كل تكليف وهي تقييده بعدم الاشتغال بامتثال واجب آخر لا يقلّ عنه اهمية (١). وعلى هذا الاساس اذا وقع التضاد بين واجبين كالصلاة وانقاذ الغريق او الصلاة وازالة النجاسة عن المسجد فالتعرّف على ان ايّهما

__________________

(١) اي ان لم تشتغل بواجب آخر لا يقلّ اهمية عن الصلاة فصلّ

__________________

فعلية الحكم بالصلاة ، فكأن الحكم بالصلاة هكذا «اذا زالت الشمس ولم يوجد مزاحم اهمّ فصلّ» ، (وبين) تقييد اطلاق الامر بالصلاة في مرحلة التنجيز بعدم البناء على امتثال الامر بالاهمّ بمعنى انك ان لم تكن تريد ان تمتثل الامر بالاهمّ فصلّ ، فالشرط هنا كما ترى ناظر الى مرحلة الامتثال لا الى مرحلة الجعل ، فيكون الحكم بالصلاة مطلقا في مرحلة الجعل لكنه لا فاعلية له وغير محرّك في حال وجود اهم منه في مرحلة الامتثال ، وفعليّته تامّة لتمامية شرائط فعلية الحكم او قل لتمامية ملاك الصلاة ومصلحتها في نفسها (ولا يخفى) عليك ان شروط التنجيز ـ كالعلم مثلا ـ ليست داخلة في ملاك الجعل ، فان العلم غالبا لا يكون داخلا في ملاك وجوب الصلاة مثلا ، ورغم ذلك اذا لم يعلم المكلف بوجوب الصلاة فانها تكون واجبة عليه وقد تكون فعلية ايضا كما اذا كان وقت الفريضة داخلا مثلا ، ولذلك اذا صلّى غير العالم بالصلاة برجاء المطلوبية فانها تصحّ منه ولا يجب عليه قضاؤها لانها تكون واقعا واجبة بالوجوب الفعلي ... وهنا الامر تماما هكذا ، فان الشرط الموجود في قولنا السابق «إن لم تكن تريد ان تمتثل الامر بالاهم فصلّ» ليس دخيلا في ملاك وجوب الصلاة ، وانما هو ناظر الى مرحلة التزاحم لا اكثر. (ولا شك) ان الصحيح هو الفرض الثاني وذلك لوضوح ان المشكلة حصلت في مرحلة الامتثال ، أي انه لو لا وجود المزاحم الأهمّ لا نقص في ملاك الحكم بالصلاة ، ورغم الاشتغال بالمزاحم الاهم لا ضرر على ملاك الحكم بالصلاة ، ولذلك لو صلّى ـ والحالة هذه ـ لكانت صلاته صحيحة لفعليّتها.

١٨١

وجوبه مطلق وايّهما وجوبه مقيّد بعدم الاشتغال بالآخر يرتبط بمعرفة نسبة الاهمية بين الملاكين ، فان كانا متساويين كان الاشتغال بكل منهما مصداقا لما حكم العقل باخذ عدمه (١) قيدا في كل تكليف ، وهذا يعني ان كلّا من الوجوبين مشروط بعدم امتثال الآخر ويسمّى بالترتّب من الجانبين ، وان كان احد الملاكين اهمّ كان الاشتغال بالاهم مصداقا لما حكم العقل باخذ عدمه قيدا في وجوب المهم (٢) ، ولكن الاشتغال بالمهم لا يكون مصداقا لما حكم العقل باخذ عدمه قيدا في وجوب الاهمّ ، وينتج هذا ان الامر بالاهمّ مطلق والامر بالمهم مقيّد ، وان المكلّف لا بدّ له من الاشتغال بالاهمّ لكي لا يبتلي بمعصية شيء من الامرين ، ولو اشتغل بالمهم لابتلي بمعصية الامر بالاهمّ.

ويترتّب على ما ذكرناه من كون القدرة التكوينية بالمعنى الاعم شرطا عامّا في التكليف بحكم العقل عدّة ثمرات مهمّة :

منها : انه كلما وقع التضاد بين واجبين بسبب عجز المكلّف عن الجمع بينهما كالصلاة والازالة ـ وتسمّى بحالات التزاحم ـ فلا ينشأ من ذلك تعارض بين دليلي وجوب الصلاة ووجوب الازالة ، لان الدليل مفاده جعل الحكم على موضوعه الكلّي وضمن قيوده المقدّرة الوجود كما مرّ بنا في الحلقة السابقة ، ومن جملة تلك القيود القدرة التكوينية بالمعنى

__________________

(١) اي عدم الاشتغال بمعنى إن لم تشتغل بهذا فاشتغل بذاك ، وان لم تشتغل بذاك فاشتغل بهذا.

(٢) بمعنى انّه ان لم تشتغل بالاهمّ وعصيت المولى فاشتغل بالمهم لتمامية ملاكه.

١٨٢

الاعم المتقدّم. ولا يحصل تعارض بين الدليلين الّا في حالة وجود تناف بين الجعلين ، وحيث لا تنافي بين جعل وجوب الصلاة المقيد بالقدرة التكوينية بالمعنى الاعم وجعل وجوب الازالة المقيد كذلك فلا تعارض بين الدليلين.

فان قيل : كيف لا يوجد تعارض بين دليلي «صلّ» و «أزل» مع ان الاوّل يقتضي باطلاقه ايجاب الصلاة سواء ازال او لم يزل ، والثاني يقتضي باطلاقه ايجاب الازالة سواء صلّى او لم يصلّ ، ونتيجة ذلك ان يكون الجمع بين الضدّين مطلوبا؟

كان الجواب (*) على ذلك ان كلّا من الدليلين لا اطلاق فيه بحدّ ذاته لحالة الاشتغال بضد لا يقلّ عنه اهميّة لانه مقيّد عقلا بعدم ذلك كما تقدّم ، فان كان الواجبان المتزاحمان متساويين في الاهمية فلا اطلاق في كل منهما لحالة الاشتغال بالآخر ، وإن كان احدهما اهم فلا اطلاق في غير الاهم لذلك (١) ، وعلى كل حال فلا يوجد اطلاقان كما ذكر ليقع التعارض بينهما ، وهذا ما يقال من ان باب التزاحم مغاير لباب التعارض ولا يدخل ضمنه ولا تطبق عليه قواعده.

__________________

(١) يعني بقوله «لذلك» أي لحالة الاشتغال بالاهم ، فمثلا ليس جعل الصلاة هكذا «تجب عليك الصلاة مطلقا ـ اي سواء كنت مشتغلا بالانقاذ أو لا ـ»

__________________

(*) هذا الاشكال والجواب ذكرهما هنا السيد المصنف (قدس‌سره) لتأكيد المطلب في ذهن الطلّاب لاهميّته ، وإلّا فالجواب واضح من قوله مرّات في هذا البحث بوجود ترتّب وطوليّة بين الجعلين ... فايّ تعارض بعد هذا بينهما؟!

١٨٣

وكما يكون التزاحم بين واجبين يعجز المكلف عن الجمع بينهما كذلك يكون بين واجب وحرام يعجز المكلّف عن الجمع بين ايجاد الواجب منهما وترك الحرام ، كما اذا ضاقت قدرة المكلف في مورد ما عن اتيان الواجب وترك الحرام معا (١).

ومنها : ان القانون الذي تعالج به حالات التزاحم هو تقديم الاهمّ ملاكا على غيره ، لان الاشتغال بالاهم ينفي موضوع المهم دون العكس (٢) ، هذا اذا كان هناك اهم ، وامّا مع التساوي فالمكلف مخيّر عقلا لان الاشتغال بكل واحد من المتزاحمين ينفي موضوع الآخر ، واذا ترك المكلّف الواجبين المتزاحمين معا (٣) استحق عقابين لفعلية كلا الوجوبين في هذه الحالة.

ومنها : ان تقديم احد الواجبين في حالات التزاحم بقانون الاهمية لا يعني سقوط الواجب الآخر رأسا كما هي الحالة في تقديم احد المتعارضين على الآخر ، بل يبقى الآخر واجبا وجوبا منوطا بعدم

__________________

(١) كما اذا اختبأ مؤمن عندك من الظالم فانه يجب عليك حمايته ، فاذا جاءك الظالم وسأل عنه فانه ـ رغم حرمة الكذب ـ يجب عليك ترك امتثال حرمة الكذب حفاظا على المؤمن لاهمية تخليصه من الظالم على حرمة الكذب ، لان الفرض انه لا يمكن الجمع بين اتيان الواجب (وهو تخليص المؤمن) وترك الحرام (وهو الكذب).

(٢) عليك ان تلتفت ان فرضنا في بحث الترتب هذا هو في حال ضيق وقت الصلاة ، بمعنى ان الاشتغال بالانقاذ سينفي موضوع الصلاة اي القدرة عليها.

(٣) سواء كانا متفاوتين في الاهمية او متساويين.

١٨٤

الاشتغال بالاهمّ ، وهذا ما يسمّى بالوجوب الترتبي ، ولا يحتاج اثبات هذا الوجوب الترتبي الى دليل خاص بل يكفيه نفس الدليل العام (١) لان مفاده ـ كما عرفنا ـ وجوب متعلقه مشروطا بعدم الاشتغال بواجب لا يقل عنه اهمية ، والوجوب الترتبي هو تعبير آخر عن ذلك بعد افتراض اهمية المزاحم الآخر (*).

ومن نتائج هذه الثمرة ان الصلاة اذا زاحمت انقاذ الغريق الواجب الاهم واشتغل المكلف بالصلاة بدلا عن الانقاذ صحّت صلاته على ما تقدّم (٢) لانها مأمور بها بالامر الترتبي وهو امر محقّق فعلا في حقّ من لا يمارس فعلا امتثال الاهم ، وامّا اذا اخذنا بوجهة نظر صاحب الكفاية رحمه‌الله القائل بان الامرين بالضدين لا يجتمعان ولو على وجه الترتب فمن الصعب تصحيح الصلاة المذكورة ، لان صحتها فرع ثبوت امر بها ، ولا امر بها ولو على وجه الترتب بناء على وجهة النظر المذكورة.

__________________

(١) الذي ذكره ضمن ثلاث نقاط.

(٢) ويظهر من التعليقات على العروة الوثقى مسألة من صلّى في سعة الوقت مع كون الاهم هي ازالة النجاسة ان كلّ او جلّ علمائنا يقولون بصحة الصلاة في هذه الحالة (راجع الثالث من احكام المسجد).

__________________

(*) ذكرنا في تعليقتنا على الحلقة الثانية في هذا البحث عدم وجود دليل على تقيد وجوب الصلاة بعدم الاشتغال بالضد الاهم او المساوي ، وتمسكنا هناك باطلاق دليل الواجب لحالة الاشتغال بالضدّ ، نعم انما ترتفع منجّزيته وجوب الصلاة اي فاعليته ومحرّكيته ، فراجع.

١٨٥

فان قيل (١) : «يكفي في صحتها وفاؤها بالملاك وان لم يكن هناك امر».

كان الجواب : «ان الكاشف عن الملاك هو الامر ، فحيث لا امر لا دليل على وجود الملاك» (*).

ما هو الضد؟

عرفنا ان الامر بشيء [كالصلاة] مقيّد عقلا بعدم الاشتغال بضدّه الذي لا يقلّ عنه أهمية ، وانتهينا من ذلك الى ان وقوع التضاد بين واجبين بسبب عجز المكلف عن الجمع بينهما لا يؤدّي الى التعارض بين دليليهما.

والآن نتساءل : ما ذا نريد بهذا التضادّ؟

والجواب : اننا نريد بذلك حالات عدم امكان الاجتماع الناشئة من ضيق قدرة المكلّف ، ولكن لا ينطبق هذا على كل ضدّ فهو :

__________________

(١) هي مقالة صاحب الكفاية لكنه قيّد الصحّة بما اذا كانت المزاحمة في بعض الوقت لا في تمامه ...

__________________

(*) تبيّن لك من كلامنا السابق بوضوح وجود وجوب فعلي بالمهم (كالصلاة) لكنه. عند ارادة الانقاذ. لا يكون منجّزا ، هذا الوجوب الفعلي ان آمن به صاحب الكفاية لصحّح الصلاة ، وإن لم يؤمن به كما هو ظاهر كلامه. فله ان يثبت تمامية ملاك وجوب الصلاة بان الاشكال قد اتى من خارج هذا الملاك ، او قل لانه اتى من مشكلة التزاحم ، فملاك وجوب الصلاة اذن تام في نفسه.

١٨٦

أوّلا : لا ينطبق على الضد العام (اي النقيض) ، وذلك لان الامر باحد النقيضين يستحيل ان يكون مقيّدا بعدم الاشتغال بنقيضه (١) ، لان فرض عدم الاشتغال بالنقيض (٢) يساوق ثبوت نقيضه ويكون الامر به حينئذ تحصيلا للحاصل وهو محال (٣). ومن هنا نعرف ان النقيضين لا يعقل جعل امر بكل منهما لا مطلقا (٤) ولا مقيّدا بعدم الاشتغال بالآخر. امّا الاوّل فلانه تكليف بالجمع بين نقيضين ، وامّا الثاني فلأنه تحصيل للحاصل ، وهذا يعني انه اذا دلّ دليل على وجوب فعل ودلّ دليل آخر على وجوب تركه أو حرمة فعله (٥) كان الدليلان متعارضين ، لان التنافي بين الجعلين ذاتيهما.

وثانيا : لا ينطبق على الضدّ الخاص في حالة الضدين اللذين لا ثالث لهما لنفس السبب السابق ، حيث ان عدم الاشتغال باحدهما يساوق وجود الآخر حينئذ ، والحال هنا كالحال في النقيضين (٦).

__________________

(١) فانه لا يصح ان يقول المولى لعبده «إن لم ترد أن تمتثل الامر بالصلاة فعليك بترك الصلاة» ، وذلك لانه لغو ، او قل لانه تحصيل للحاصل ، فالمراد بأحد النقيضين» في هذه الجملة هو ترك الصلاة.

(٢) اي لان فرض عدم إرادة الاشتغال بالصلاة يساوق «ترك الصلاة».

(٣) للغويته المحضة ، ويستحيل ان يجعل الله جلّ وعلا هكذا حكما.

(٤) اي لا بنحو «صلّ واترك الصلاة» ولا بنحو «ان لم ترد الاشتغال بالصلاة فلا تصلّ».

(٥) كما لو وردنا «صلّ» ووردنا «اترك الصلاة «او «تحرم الصلاة» ...

(٦) مثالها ما لو قال المولى «ان لم تنم فاستيقظ» فانه محال بمعنى انه باطل شرعا وعرفا لكونه تحصيلا لحاصل.

١٨٧

وعلى هذا فعجز المكلّف عن الجمع بين واجبين انما يحقق التزاحم لا التعارض فيما اذا لم يكونا من قبيل النقيضين او الضدين اللذين لا ثالث لهما ، وإلا دخلت المسألة في باب التعارض.

ويمكننا ان نستنتج من ذلك ان ثبوت التزاحم وانتفاء التعارض مرهون بامكان الترتب الذي يعني كون كل من الامرين مشروطا بعدم الاشتغال بمتعلّق الآخر ، فكلما امكن ذلك صحّ التزاحم ، وكلما امتنع الترتب ـ كما في الحالتين المشار اليهما ـ وقع التعارض.

اطلاق الواجب لحالة المزاحمة

قد تكون المزاحمة قائمة بين متعلّقي امرين على نحو يدور الامر بين امتثال هذا او ذاك ، كما اذا كان وقت الصلاة ضيقا وابتلي المكلف بنجاسة في المسجد تفوت مع ازالتها الصلاة رأسا ، وقد لا تكون هناك مزاحمة على هذا النحو وانما تكون بين احد الواجبين [كالازالة] وحصة معينة من حصص الواجب الآخر ، ومثاله ان يكون وقت الصلاة موسّعا وتكون الازالة مزاحمة للصلاة في اوّل الوقت وبامكان المكلّف ان يزيل ثم يصلّي ، ونحن كنا نتكلم عن الحالة الاولى من المزاحمة (١) ، وامّا الحالة الثانية فقد يقال انه لا مزاحمة بين الامرين لامكان امتثالهما معا ، فان الامر بالصلاة متعلق بالجامع بين الحصّة المزاحمة وغيرها ، والمكلف قادر على ايجاد الجامع مع الازالة ، فلا تضادّ بين الواجبين ، وهذا يعني ان كلّا

__________________

(١) وهي كما لو كان وقت الصلاة ضيقا اي للواجب حصّة واحدة فقط.

١٨٨

من الامرين يلائم الآخر ، فاذا ترك المكلف الازالة وصلّى (١) كان قد اتى بفرد من الواجب المامور به فعلا (٢).

وقد يقال ان المزاحمة واقعة بين الامر بالازالة واطلاق الامر بالصلاة للحصّة المزاحمة فلا يمكن ان يتلاءم الامر بالازالة مع هذا الاطلاق في وقت واحد (٣).

والصحيح ان يقال ان لهذه المسألة ارتباطا بمسالة متقدّمة وهي انه هل يمكن التكليف بالجامع بين المقدور وغير المقدور ، فان اخذنا في تلك المسألة بوجهة نظر المحقق النائيني القائل بامتناع ذلك واخذنا القدرة التكوينية بالمعنى الاعم المشتمل على عدم الاشتغال بامتثال واجب مزاحم لا يقلّ عنه اهمية (* ١) كان معنى ذلك ان التكليف بالجامع بين الحصّة المبتلاة بمزاحم وغيرها ممتنع (* ٢) ايضا (٤) فيقوم التزاحم بين

__________________

(١) في سعة الوقت.

(٢) لان الواجب المامور به فعلا هو جامع" الصلاة" فهو مخيّر في اختيار اي فرد من افراد هذا الجامع.

(٣) لشمول هذا الاطلاق للصلاة المزاحمة للانقاذ.

(٤) لأن التكليف بجامع الصلاة.

__________________

(* ١) لك ان تختصر سطري «واخذنا القدرة التكوينية ... لا يقلّ عنه اهمية» بقولك «واخذنا بنظرية الترتب».

(* ٢) في النسخة الاصلية الموجود «يمتنع» والصحيح «ممتنع».

(وعلى ايّ حال) فالصحيح ان يقال : انه لا اثر لمبنى المحقق النائيني (قدس‌سره) المذكور هنا لان مراده من تعلّق التكليف بخصوص الحصّة المقدورة من الجامع هو القدرة على.

١٨٩

الامر بالجامع والامر بالازالة ، وحينئذ يطبّق قانون باب التزاحم وهو التقديم بالاهمية ، ولا شك في ان الامر بالازالة اهم لان استيفاءه ينحصر بذلك الزمان بينما استيفاء الامر بالجامع يتأتّى بحصّة اخرى ، وهذا يعني ـ وفقا لما تقدّم ـ ان الامر بالجامع يكون منوطا بعدم الابتلاء بالازالة الواجبة.

فان فسّرنا عدم الابتلاء بعدم الامر ـ كما عليه صاحب الكفاية ـ كان معنى ذلك ان الحصّة المزاحمة من الصلاة لا امر بها فلا تقع صحيحة اذا آثرها المكلف على الازالة (١) ، وان فسّرنا عدم الابتلاء بعدم الاشتغال بامتثال المزاحم ـ كما عليه النائيني ـ كان معنى ذلك ان الامر بالجامع ثابت على وجه الترتب ، فلو أتى المكلّف بالحصّة المزاحمة من الصلاة وقعت منه صحيحة.

__________________

(١) الّا اذا صححناها بالاستدلال السابق على تمامية الملاك(*).

__________________

الفعل في ذاته لا القدرة المقابلة للعجز الناشئ من التزاحم ، (ولذلك) بناء على مذهبه يلزم ان يقول بصحّة الترتب وصحّة الصلاة حتى في هذه الحالة.

(*) ولكن رغم عدم الامر بالصلاة صحّح صاحب الكفاية الصلاة لرجحانها ومحبوبيّتها في ذاتها للمولى تعالى فيصحّ التقرّب بها بهذا اللحاظ ، فان المزاحمة ـ كما يقول صاحب الكفاية ـ لا توجب إلا ارتفاع الامر بها مع بقائها على ما هي عليه من الملاك. (حقائق الاصول ج ١ ، ص ٣١٤).

١٩٠

التقييد بعدم المانع الشرعي

قلنا ان القانون المتّبع في حالات التزاحم هو قانون ترجيح الاهم ملاكا ، ولكن هذا فيما اذا لم يفرض تقييد زائد على ما استقلّ به العقل من اشتراط (١) ، فقد عرفنا ان العقل يستقل باشتراط مفاد كل من الدليلين بالقدرة التكوينية بالمعنى الاعم.

فاذا فرضنا ان مفاد احدهما (كالشرط) كان مشروطا من قبل الشارع ـ اضافة الى ذلك (٢) ـ بعدم المانع الشرعي (٣) ، اي بعدم وجود حكم على الخلاف دون الدليل الآخر قدّم الآخر عليه ولم ينظر الى الاهمية في الملاك (٤). ومثاله وجوب الوفاء بالشرط اذا تزاحم مع وجوب الحج ، كما اذا اشترط على الشخص (٥) ان يزور الامام الحسين عليه‌السلام في (يوم) عرفة كل سنة واستطاع بعد ذلك (إلى الحج) فان وجوب الوفاء بالشرط مقيد في دليله بأن لا يكون هناك حكم على خلافه بلسان" انّ شرط الله قبل

__________________

(١) فهناك احكام مقيّدة بقيد زائد كما هو الحال في الشروط فانها مقيّدة بعدم المانع الشرعي ، فوجوب زيارة الامام الحسين عليه‌السلام مقيّد بعدم وجوب الحج ، ولذلك اذا تحققت الاستطاعة الى الحج قدّم الحج لانه غير مقيّد بقيد شرعي.

(٢) اي اضافة الى القدرة بالمعنى الاعم.

(٣) المانع الشرعي كوجوب الحج ، و «الدليل الآخر» الآتي ايضا كوجوب الحج.

(٤) وذلك لدخالة «عدم المانع الشرعي» في لزوم الشرط كدخالة الاستطاعة في فعلية وجوب الحج.

(٥) ضمن عقد لازم.

١٩١

شرطكم" (١) ، وامّا دليل وجوب الحج فلم يقيّد بذلك فيقدّم وجوب الحج ولا ينظر الى الاهمية ، امّا الاول [اي وجوب الحج] فلانه ينفي بنفسه موضوع الوجوب الآخر لان وجوب الحج ذاته ـ وبقطع النظر عن امتثاله ـ مانع شرعي عن الاتيان بمتعلق الآخر فهو حكم على الخلاف ، والمفروض اشتراط وجوب الوفاء بعدم ذلك ، فلا موضوع لوجوب الوفاء مع فعلية وجوب الحج.

وامّا الثاني فلأن اهميّة احد الوجوبين ملاكا انما تؤثّر في التقديم في حالة وجود هذا الملاك الاهم ، فاذا كان مفاد احد الدليلين مشروطا بعدم المانع الشرعي دلّ ذلك على ان مفاده ـ حكما وملاكا ـ لا يثبت مع وجود المانع الشرعي. وحيث ان مفاد الآخر مانع شرعي فلا فعلية للاوّل (٢) حكما ولا ملاكا مع فعلية مفاد الآخر. وفي هذه الحالة لا معنى لاخذ اهمية ملاك الاوّل (٣) بعين الاعتبار.

__________________

(١) كما في صحيحة جميل قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عمّن كاتب مملوكا واشترط عليه ان ميراثه له ، قال عليه‌السلام : «رفع ذلك الى علي عليه‌السلام فابطل شرطه وقال شرط الله قبل شرطك (وسائل ١٧ باب ٢٢ من موانع الارث ح ١ ، ص ٤٠٩).

بمعنى ان جعل وجوب الوفاء بزيارة الامام الحسين عليه‌السلام سيكون بالنحو التالي : «إذا لم يوجد مانع شرعي ـ كوجوب الحج مثلا ـ فف بشرطك» ، وقد استكشفنا هذا القيد (وهو عدم المانع الشرعي) من قوله عليه‌السلام في الصحيحة السابقة «شرط الله قبل شرطك».

(٢) اي لوجوب الوفاء بالشرط.

(٣) اي وجوب الوفاء بالشرط.

١٩٢

وقد يطلق على الحكم المقيّد بالتقييد الزائد المفروض (١) انه مشروط بالقدرة الشرعية ، ويطلق على ما لا يكون مقيّدا بأزيد مما يستقلّ به العقل (٢) بانه مشروط بالقدرة العقلية ، وعلى هذا الاساس يقال انه في حالات التزاحم يقدم المشروط بالقدرة العقلية على المشروط بالقدرة الشرعية (٣). فان كانا معا مشروطين بالقدرة العقلية (٤) جرى قانون الترجيح بالاهميّة.

غير ان نفس مصطلح المشروط بالقدرة الشرعية وما يقابله قد يطلق على معنى آخر مرّ بنا في الحلقة السابقة (٥) فلاحظ ولا تشتبه.

__________________

(١) كوجوب الوفاء بالشرط.

(٢) كوجوب انقاذ الغريق.

(٣) لتمامية الملاك في المشروط بالقدرة العقلية كوجوب الانقاذ وعدم تماميّته في المشروط بالقدرة الشرعية كوجوب الحج فانه مشروط بعدم الابتلاء بوجوب اهم لانه ينفي الاستطاعة الى الحج.

(٤) كانقاذ غريق مؤمن وانقاذ بعض المال من التلف.

(٥) في بحث «قاعدة استحالة التكليف بغير المقدور» ، ومفاده ان القدرة اذا كانت دخيلة في ملاك الحكم ـ كما في الاستطاعة الى الحج ـ كانت شرعية ، واذا كانت غير دخيلة فيه ـ كما في القدرة على انقاذ الغريق ـ كانت عقلية ، وهو بخلاف المصطلح في نحو المثال السابق فان وجوب زيارة الامام الحسين مقيّد بان لا يوجد مانع شرعي كالحج ، ف «عدم المانع الشرعي» قيد شرعي ، ويقال للاحكام المشروطة بهكذا شروط ح بانها مشروطة بالقدرة الشرعية. فوجوب زيارة الامام الحسين مقيد ومشروط بالقدرة الشرعية لانه مشروط بعدم وجوب الحج عليه.

١٩٣

(قاعدة امكان الوجوب المشروط)

للوجوب ثلاث مراحل وهي : الملاك والارادة وجعل الحكم.

وفي كل من هذه المراحل الثلاث قد تؤخذ قيود معيّنة ، فاستعمال الدواء للمريض واجب مثلا ، فاذا اخذنا هذا الواجب في مرحلة الملاك نجد ان المصلحة القائمة به هي حاجة الجسم اليه ليسترجع وضعه الطبيعي ، وهذه الحاجة منوطة بالمرض ، فانّ الانسان الصحيح لا حاجة به الى الدواء ، وبدون المرض لا يتصف الدواء بانه ذو مصلحة ، ومن هنا يعبّر عن المرض بانه شرط في اتصاف الفعل بالملاك ، وكل ما كان من هذا القبيل يسمّى بشرط الاتصاف. ثم قد نفرض ان الطبيب يأمر بان يكون استعمال الدواء بعد الطعام ، فالطعام هنا شرط ايضا ، ولكنه ليس شرطا في اتصاف الفعل بالمصلحة ، إذ من الواضح ان المريض مصلحته في استعمال الدواء منذ يمرض وانما الطعام شرط في ترتب تلك المصلحة وكيفية (١) استيفائها بعد اتصاف الفعل بها ، فالطبيب بأمره المذكور يريد ان يوضّح ان المصلحة القائمة بالدواء لا تستوفى إلا بحصّة خاصة من الاستعمال وهي استعماله بعد الطعام ، وكل ما كان من هذا

__________________

(١) «كيفية استيفائها» معطوفة على الطعام ، وذلك لان كيفية استيفاء المصلحة بان يكون الدواء بعد الطعام هي الشرط في ترتب المصلحة.

١٩٤

القبيل يسمّى بشرط الترتّب تمييزا له عن «شرط الاتصاف».

وشرب الدواء سواء كان مطلوبا تشريعيا من قبل الآمر او مطلوبا تكوينيا لنفس المريض له هذان النحوان من الشروط.

وشروط الاتصاف تكون شروطا لنفس الارادة (١) في المرحلة الثانية خلافا لشروط الترتب فانها شروط للمراد (٢) لا للارادة من دون فرق في ذلك كله بين الارادة التكوينية والتشريعية.

فالانسان لا يريد ان يشرب الدواء إلا اذا رأى نفسه مريضا ولا يريد من مأموره ان يشرب الدواء إلا اذا كان كذلك ، ولكن ارادة شرب الدواء للمريض او لمن يوجهه (٣) فعلية قبل ان يتناول الطعام ، ولهذا فانّ المريض قد يتناول الطعام لا لشيء إلا حرصا منه على ان يشرب الدواء بعده وفقا لتعليمات الطبيب ، وهذا يوضّح ان تناول الطعام ليس قيدا للارادة بل هو قيد للمراد بمعنى ان الارادة فعلية و (لكنها) متعلقة بالحصّة

__________________

(١) قال في بداية البحث انه قد تؤخذ قيود معيّنة في الملاك والارادة وجعل الحكم ، وذكر ان الملاك ـ اي المصلحة في استعمال الدواء ـ منوط ومقيّد بوجود المرض. وهنا يريد ان يقول ان العلم بالمرض شرط وقيد في ارادة الطبيب لان يستعمل المريض الدواء ، فالعلم بالمرض قيد ل «الارادة» ايضا.

(٢) اذا عرفت هذا تعرف ان شروط الاتصاف هي مقدّمات الوجوب باصطلاح الاصوليين كالاستطاعة بالنسبة الى الحج ، وان شروط الترتب هي مقدّمات الواجب باصطلاحهم كالوضوء للصلاة.

(٣) وهو الذي يوجّه المريض كالام بالنسبة الى طفلها المريض.

١٩٥

الخاصّة وهي شرب الدواء المقيد بالطعام ، ومن اجل فعليتها كانت محركة نحو ايجاد القيد نفسه ، غير ان الارادة التي ذكرنا انها مقيدة بشروط الاتصاف ليست منوطة بالوجود الخارجي لهذه الشروط بل بوجودها التقديري اللحاظي (١) لان الارادة معلولة دائما لادراك المصلحة ولحاظ ما له دخل في اتصاف الفعل بها لا لواقع تلك المصلحة مباشرة. وما اكثر المصالح التي لا تؤثّر في ارادة الانسان لعدم ادراكه ولحاظه لها. فشروط الاتصاف بوجودها الخارجي دخيلة في الملاك وبوجودها التقديري اللحاظي دخيلة في الارادة ، فلا مصلحة في الدواء الّا اذا كان الانسان مريضا حقّا ، ولا ارادة للدواء الّا اذا لاحظ الانسان المرض وافترضه في نفسه او فيمن يتولّى توجيهه.

ونفس الفارق بين شروط الاتصاف وشروط الترتّب ينعكس على المرحلة الثالثة وهي مرحلة جعل الحكم ، فقد علمنا سابقا ان جعل الحكم عبارة عن انشائه على موضوعه المقدّر الوجود (*) ، فكل شروط الاتصاف تؤخذ مقدّرة الوجود في موضوع الحكم وتعتبر شروطا للوجوب المجعول ، وامّا شروط الترتب فتكون ماخوذة قيودا للواجب.

واذا لاحظنا المرحلة الثالثة بدقّة وميّزنا بين الجعل والمجعول ـ

__________________

(١) ولذلك ترى التعليمات الطبية تقول «اذا مرض احد بالمرض الفلاني فليستعمل العلاج الفلاني» فارادتهم لاستعمال هذا العلاج الفلاني متوقّف على تقدير وجود المرض الفلاني ، فهم يلاحظون هذا الفرض فيعطون حكما على ضوئه ، وهكذا سائر القوانين والتشريعات

__________________

(*) قال في النسخة الاصلية بدل «المقدّر الوجود» الموجود وهو سهو

١٩٦

كما مرّ بنا في الحلقة السابقة ـ نجد ان الجعل باعتباره امرا نفسانيا منوط ومرتبط بشروط الاتصاف بوجودها التقديري اللحاظي ـ كالارادة تماما ـ لا بوجودها الخارجي ، ولهذا كثيرا ما يتحقق الجعل قبل ان توجد شروط الاتصاف خارجا ، وامّا فعلية المجعول فهي منوطة بفعلية شروط الاتصاف بوجودها الخارجي ، فما لم توجد خارجا كل القيود الماخوذة في موضوع الحكم لا يكون المجعول فعليا ، وامّا شروط الترتب فتؤخذ قيودا في الواجب تبعا لاخذها قيودا في المراد (١).

وبهذا نعرف ان الوجوب المجعول (٢) لا ثبوت له قبل وجود شروط الاتصاف لانه مشروط بها في عالم الجعل.

وامّا ما يقال من ان الوجوب المشروط غير معقول لان المولى يجعل الحكم قبل ان تتحقّق الشروط خارجا فكيف يكون مشروطا (٣)؟

__________________

(١) اي في مرحلة الثبوت.

(٢) اي الفعلي ، فانه لا ثبوت له قبل وجود شروط الاتصاف ، فوجوب الحج لا يصير فعليا قبل تحقق مقدّمات وجوبه كالاستطاعة.

(٣) بيان عدم معقولية الوجوب المشروط : انه لا فرق بين التشريعيات والتكوينيات في الايجاب والوجوب والايجاد والوجود ، فكما يستحيل التفكيك في الثاني يستحيل في الاوّل ، تقول «اوجدته فوجد» ، ولا يمكن ان توجد شيئا ولا يوجد ، فالايجاد والوجود واحد حقيقة ومختلفان بالاعتبار ، لانّ الايجاد يكون باعتبار الفاعل والوجود باعتبار الشيء الموجود ، ونفس الشيء يجري في التشريعيات ، تقول «اوجبت عليك العمل الفلاني فوجب» ولا معنى للتفكيك بينهما أصلا ، فحينما يوجب المولى تعالى عملا ما فقد وجب فعلا ، فايّ معنى لقولنا بعد

١٩٧

فهو مندفع بالتمييز بين الجعل والمجعول والالتفات الى ما ذكرناه من اناطة الجعل بالوجود التقديري للشرط واناطة المجعول بالوجود الخارجي له (١).

وأمّا ثمرة البحث عن امكان الوجوب المشروط وامتناعه فتظهر في بحث مقبل ان شاء الله تعالى.

__________________

هذا : هذا الوجوب مشروط؟! راجع ان شئت محاضرات في اصول الفقه ٢ ص ٣٢١.

(١) بيان الجواب : صحيح ان المولى اذا اوجب شيئا فقد وجب ، لكنه تارة يوجبه مطلقا كقوله تعالى (إنّ الله يأمر بالعدل) وتارة يوجبه مشروطا بشرط ما كقوله (ولله على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا ،) والحكم في الثاني مشروط بالاستطاعة بنصّ الآية فكيف يكون فعليا قبلها؟! ولذلك يتعيّن القول بانه قبل حصول الاستطاعة يبقى الحكم في مرحلة الجعل ولا يصل الى مرحلة المجعول والفعلية الى ان يستطيع ، وإنّ ذكر الشرط في القوانين والتشريعات امر تقديري يفرضه المشرّع ويبني فعلية احكامه على فرض تحقق هذه الشروط وهو امر معروف جدا بين العقلاء.

١٩٨

(المسئوليّة تجاه القيود والمقدّمات)

تنقسم المقدّمات الدخيلة في الواجب الشرعي الى ثلاثة اقسام :

الاوّل : المقدمات التي تتوقف عليها فعلية الوجوب ، وهي انما تكون كذلك بالتقييد الشرعي واخذها مقدّرة الوجود في مقام جعل الحكم على نهج القضية الحقيقية ، لان الوجوب (١) حكم مجعول تابع لجعله فما لم يقيد (الوجوب) ـ جعلا ـ بشيء لا يكون ذلك الشيء دخيلا في فعليته ، وتسمّى هذه المقدمات بالمقدّمات الوجوبية (٢) ، كالاستطاعة بالنسبة الى وجوب الحج.

الثاني : المقدمات التي يتوقف عليها امتثال الامر الشرعي بسبب اخذ الشارع لها قيدا في الواجب ، وتسمّى بالمقدّمات الشرعية الوجودية (٣) ، كالوضوء بالنسبة الى الصلاة.

الثالث : المقدّمات التي يتوقف عليها امتثال الامر الشرعي بدون

__________________

(١) اي لان الوجوب ـ كوجوب الحج ـ حكم فعلي تابع في تقيده وعدم تقيده لجعل الحكم ، فقد يكون مطلقا كوجوب الحج بالنسبة الى الزوال ، فانه غير مقيد بالزوال ، وقد يكون مشروطا كوجوب الحج ايضا بالنسبة الى الاستطاعة.

(٢) او شروط الاتصاف.

(٣) أو شروط الترتب.

١٩٩

اخذها قيدا من قبل الشارع ، كقطع المسافة الى الميقات بالنسبة الى الحج الواجب على البعيد ، ونصب السّلّم بالنسبة الى من وجب عليه المكث في الطابق الاعلى ، وتسمّى بالمقدّمات العقلية الوجودية.

وبالمقارنة بين هذين القسمين من المقدّمات الوجودية نلاحظ انه في مورد المقدّمة الشرعية الوجودية قد تعلّق الامر بالمقيّد (١) ، والمقيّد عبارة عن ذات المقيّد والتقيّد ، وان المقدّمة المذكورة (٢) مقدمة عقلية للتقيد ، بينما نجد ان المقدّمة العقلية الوجودية (٣) هي مقدّمة لذات الفعل.

والكلام تارة يقع في تحديد مسئولية المكلّف تجاه هذه الاقسام من المقدمات ، واخرى في تحديد الضابط الذي يسير عليه المولى في جعل المقدّمة من هذا القسم أو ذاك.

امّا تحديد مسئولية المكلف تجاه المقدّمات فحاصله ان الوجوب ـ وكذلك كل طلب (٤) ـ لا يكون محرّكا نحو المقدّمات الوجوبية ولا مدينا للمكلف بها لانه لا يوجد (٥) إلا بعد تحققها فكيف يكون باعثا على

__________________

(١) كالصلاة المقيّدة بالطهارة ، فهنا اذن «ذات المقيّد» وهي في المثال الصلاة ، و «التقيد» وهو تقيّدها بالطهارة.

(٢) كالطهارة ، فانه مقدّمة عقلية لتحصيل تقيد الصلاة بالطهارة ، فالطهارة اذن من قبيل السفر الى الحج مقدمة عقلية لا شرعية فانتبه.

(٣) كالسير الى الحج ونصب السّلّم في المثالين السابقين.

(٤) مقصوده ان يقول : وكذلك كل تكليف ، كالاستحباب والحرمة والكراهة ، فان التحريم لا يحرّك حتى يكون المائع خمرا ...

(٥) اي لانه لا يوجد الوجوب الفعلي الا بعد تحقق شروطه.

٢٠٠