دروس في علم الأصول - ج ٢

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر

دروس في علم الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر


المحقق: الشيخ ناجي طالب آل فقيه العاملي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٢

واذا كان فعليا كذلك فتبدأ محرّكيّته نحو مقدّمات الواجب قبل مجيء ظرف الواجب. ومن هنا كان امتناع الوجوب المشروط (١) يعني من الناحية العملية الزام المكلّف بالمقدّمات المفوّتة للواجب من قبل (٢) ذلك الوجوب (٣). وهذه هي ثمرة البحث في امكان الوجوب المشروط وامتناعه ، وقد تقدّم ان الصحيح امكان الوجوب المشروط (٤) خلافا لما

__________________

مثال «اذا استطعت فحجّ» يكون الشرط فيها راجعا الى مادّة الجزاء أي الى نفس الحجّ ، امّا مفاد هيئة «حج» اي الوجوب فمطلق وفعلي وغير مقيد بالاستطاعة ، فلا وجود للوجوب المشروط من الاصل ، وانما الشروط تكون راجعة الى متعلق الحكم ، ويكون الحكم مطلقا اي فعليا ويكون قيد الاستطاعة راجعا الى الحج ، وهذه النتيجة نسبت الى الشيخ الانصاري رحمه‌الله.

(١) القول بامتناع الوجوب المشروط يساوق القول بفعلية الاحكام قبل تحقق الشروط وتعبير آخر عنه

(٢) الجار والمجرور ـ أي «من قبل» ـ متعلقان ب «الزام»

(٣) مراده اننا اذا قلنا بفعلية الاحكام قبل تحقق الشروط كالاستطاعة مثلا فان هذه الفعلية تدعو المكلف الى السير الى الحجّ بحيث يصل في الوقت المناسب.

(ولا يرد) على صاحب هذه المقولة انه ح يلزم على المكلف تحصيل الاستطاعة ونحوها ، لوضوح عدم وجوب تحصيلها لكونها دخيلة في اصل موضوع الحكم ، فان الوجوب الفعلي منصبّ على «المكلّف المستطيع».

(٤) وذلك لأن الظاهر من شرائط الاحكام انها راجعة الى مفاد هيئة الجزاء في القضايا الشرطية ، وانها ـ كما مرّ معنا في «الثمرة» من بحث المعاني الحرفية ـ قابلة للتقييد وان كانت معنى حرفيا جزئيا لان مرادنا من الجزئية هناك الجزئية الاضافية فهي كلية في ذاتها تقبل التقييد ، فلا مانع

٢٢١

في تقريرات الشيخ الانصاري (١) الذي تقدّم بالتفسير المذكور.

التفسير الثاني : وهو يعترف بامكان الوجوب المشروط ولكن يقول بامكان الوجوب المعلّق ايضا (٢) ، ويفترض انه في كل مورد يقوم فيه الدليل على لزوم المقدّمة المفوّتة من قبل وجوب ذيها نستكشف ان الوجوب معلّق ، اي انه سابق على زمان الواجب ، وفي كل مورد يقوم فيه الدليل على ان الوجوب معلّق نحكم فيه بمسئولية المكلّف تجاه المقدّمات المفوّتة ، وهذه هي ثمرة البحث (٣) عن امكان الواجب المعلّق وامتناعه.

التفسير الثالث : ان القدرة المأخوذة قيدا في الوجوب ان كانت عقلية (٤) ـ بمعنى انها غير دخيلة في ملاكه ـ فهذا يعني ان المكلّف بتركه للمقدّمة المفوّتة يعجّز نفسه عن تحصيل الملاك مع فعليّته في ظرفه ، و

__________________

من الرجوع الى الظهور.

وعلى اىّ حال الظاهر من الاحكام الشرعية المشروطة ان الشروط فيها هي من قبيل شروط الاتصاف بمعنى ان الحكم لا يصير فعليا ومتصفا بالمصلحة حتى تتحقق هذه الشروط ، وقد مرّ بيان هذه المسألة تحت عنوان «قاعدة امكان الوجوب المشروط».

(١) قال «خلافا لما في تقريرات الشيخ الانصاري» ولم يقل خلافا للشيخ الانصاري لوجود شك في نسبة هذه المقالة للشيخ الانصاري رحمه‌الله فقد نفاها عنه المحقق النائيني. راجع منتهى الاصول ج ١ ص ١٦٦.

(٢) بينّا هذا المطلب في تعليقة ١ ص ٢١٦ فراجع.

(٣) التي وعدنا بها السيد المصنف (قده) ص ٢١٧.

(٤) كما في القدرة الماخوذة في وجوب الانقاذ ، فان الانقاذ محبوب جدّا وبنحو الالزام حتى من العاجز ، إلّا انّ هذا الحكم لا يكون منجّزا على العاجز لعجزه ، ولكن هذا العجز لا يخرج هذا الحكم عن الفعلية ، فافهم.

٢٢٢

هذا لا يجوز عقلا ، لان تفويت الملاك بالتعجيز كتفويت التكليف بالتعجيز (١) ، وإن كانت القدرة شرعية (٢) بمعنى انها دخيلة في الملاك أيضا فلا ملاك في فرض ترك المكلّف للمقدّمة المفوّتة المؤدّي الى عجزه في ظرف الواجب ، وفي هذه الحالة لا مانع من ترك المقدّمة المفوّتة. وعلى هذا ففي كل حالة يثبت فيها كون المكلّف مسئولا عن المقدّمات المفوّتة (٣) نستكشف من ذلك ان القدرة في زمان الواجب غير دخيلة في الملاك ، كما انه في كل حالة يدلّ فيها الدليل على ان القدرة كذلك (٤) يثبت لزوم المقدّمات المفوّتة. غير ان هذا المعنى (٥) يحتاج الى دليل خاص ولا يكفيه دليل الواجب العام (٦) لان دليل الواجب (٧) له مدلول مطابقي وهو الوجوب ومدلول التزامي وهو الملاك ، ولا شك في ان

__________________

(١) لان الملاك هو روح التكليف وعمقه.

(٢) كالحضر بالنسبة الى الصيام وصلاة الجمعة ، وكالاستطاعة بالنسبة الى وجوب الحج.

(٣) كما في مثال الانقاذ ، فان المقدّمات المفوّتة فيه وهي السير الى الغريق واجبة عقلا ، فاذا ثبتت مسئولية المكلّف عن هذه المقدمات فاننا نستكشف ان القدرة على الانقاذ عقلية اي غير دخيلة في ملاك الانقاذ ، وبالتالي ان وجوب الانقاذ فعلي حتّى على العاجز ، إلا انه غير منجّز ، وهذه امور واضحة.

(٤) اي غير دخيلة في الملاك (اي ان القدرة عقلية).

(٥) الاخير ، وهي الحالة التي يدلّ فيها الدليل على ان القدرة عقلية.

(٦) لاثبات كون دليل «صم» مثلا كدليل «انقذ» بحيث يستفاد منه وجوب الحضر تمهيدا للاقتدار على الصيام كما كان الذهاب للانقاذ واجبا.

(٧) كدليل (كتب عليكم الصّيام) مثلا.

٢٢٣

المدلول المطابقي مقيد بالقدرة (١) ومع سقوط الاطلاق في الدلالة المطابقية (٢) يسقط في الدلالة الالتزامية ايضا للتبعية ، فلا يمكن ان نثبت به كون الملاك ثابتا في حالتي القدرة (٣) والعجز معا (٤).

__________________

(١) ولكن لا نعلم ـ بحسب الفرض ـ انها عقلية او شرعية.

(٢) لعدم ورود شرطية القدرة في لسان الدليل ولعدم كون الدليل في مقام بيان شرطية القدرة شرعا او لا ، ففي هذه الحالة لا يوجد اطلاق في البين كي نتمسّك به.

(٣) كما في ثبوت الملاك والمصلحة في الحج على خصوص المستطيع وفي الصيام على خصوص السليم ـ دون المريض ـ ، وهذا يعني ان القدرة هنا شرعية.

(٤) كما في قوله تعالى (إنّ الله يأمر بالعدل ... ،) فهنا لم تؤخذ القدرة في لسان الدليل مما يعني أنها عقلية. وبتعبير آخر انما يكون الملاك ثابتا في حالتي القدرة والعجز اذا لم تكن القدرة داخلة في الملاك كما في المثال السابق (وجوب العدل) ، فان اقامة العدل وحفظ نظام الناس وتشكيل دولة اسلامية عالمية امور محبوبة جدّا عند المولى جلّ وعلا حتّى في حال العجز عن تحقيق ذلك.

(ولك) ان تضيف بعد قوله «... في حالتي القدرة والعجز معا» جملة «وبالتالي فلا يمكن ان نثبت كون هذه القدرة عقلية ، وانما نحتاج لاثبات ذلك الى دليل خاص». وبناء على هذا فلو شككنا في وجوب البقاء على الحاضر بعد غروب الشمس لعدم علمنا بتمامية ملاك وجوب الصيام قبل طلوع الفجر مثلا او بوجوب الحفاظ على الماء قبل مجيء وقت الواجب ـ للاقتدار على الصلاة عن طهارة ـ بخلاف قضية وجوب الحج الذي علمنا بتمامية ملاكه قبل مجيء زمانه ـ ففي هذه الحالة يرجع الى البراءة فيجوز الفرار من الصيام بالسفر مثلا وباراقة الماء بعد فرض عدم وجود اطلاق في البين يرجع إليه.

٢٢٤

(أخذ القطع بالحكم في موضوع الحكم)

قد يفترض تارة اخذ القطع بالحكم في موضوع نفس ذلك الحكم (١) ، واخرى اخذه في موضوع حكم مضادّ له ، وثالثة اخذه في موضوع مثله ، ورابعة اخذه في موضوع حكم مخالف.

ولا شك في امكان الاخير ، وانما وقع الكلام في الافتراضات الثلاثة الاولى.

اخذ العلم بالحكم في موضوع نفسه

امّا الافتراض الاوّل فقد يبرهن على استحالته بأدائه للدور ، اذ يتوقّف كل من الحكم والعلم به على الآخر (٢).

__________________

(١) مثل «اذا قطعت بوجوب الصلاة فقد صار هذا الوجوب المقطوع ثابتا في ذمّتك» ، والاخرى مثل «اذا قطعت بوجوب الصلاة فلا تصلّ» ، والثلاثة مثل «اذا قطعت بوجوب الصلاة فانه تجب عليك الصلاة بوجوب آخر» ، والرابعة مثل «اذا قطعت بوجوب الصلاة فانه ح يجب عليك التصدّق شكرا لله».

(٢) ومثاله : «اذا علمت بوجوب الصلاة فحينئذ تجب عليك الصلاة بنفس ذلك الوجوب السابق (اي متعلّق العلم)». وبيان الدور بالشكل التسلسلي

٢٢٥

وقد يجاب بأنه لا دور ، لان الحكم وان كان متوقّفا على القطع لانه مأخوذ في موضوعه ، إلا ان القطع بالحكم لا يتوقّف على ثبوت الحكم (١).

وتحقيق الحال في ذلك ان القطع بالحكم اذا اخذ في موضوع شخص ذلك الحكم ، فإمّا ان يكون الحكم المقطوع دخيلا في الموضوع ايضا وذلك بأن يؤخذ القطع بالحكم بما هو مصيب في الموضوع (٢) ،

__________________

يظهر في الرسم التالي :

جوب الصلاة

العلم بهذا الوجوب

وجوب الصلاة

بدقة اكثر يلزم ان يكون الرسم كالتالي :

وجوب الصلاة

العلم بهذا الوجوب

(١) وانما هو متوقّف على اعتقاد ثبوته.

(٢) وقد يعبّر عن هذا القطع المصيب للواقع بالعلم والكشف ، فيقال اذا علمت بوجوب الصلاة واقعا فستصير واجبة واقعا.

٢٢٦

وإمّا ان لا يكون لثبوت ذات المقطوع (١) دخل في الموضوع (٢) ، ففي الحالة الاولى تعتبر الاستحالة واضحة لوضوح الدور وتوقف الحكم على نفسه عندئذ (٣).

وامّا في الحالة الثانية فلا يجري الدور بالتقريب المذكور ، ولكن الافتراض مع هذا مستحيل (٤) ، وقد برهن على استحالته بوجوه :

منها : ان الافتراض المذكور يجعل الحكم المقطوع منوطا بنفس القطع ، وهذا امر يستحيل ان يسلّم به القاطع لانه يخالف طبيعة الكاشفية في القطع التي تجعل القاطع دائما يرى ان مقطوعه ثابت بقطع النظر عن قطعه. (٥)

__________________

(١) في الواقع ، مثال ذلك أن يقال : اذا اعتقدت بوجوب الصلاة فانها ستصير عليك واجبة.

(٢) وقد يعبّر عنه بالاعتقاد ـ في مقابل العلم ـ ، ومراده هنا ان القطع الماخوذ في الموضوع اعم من كونه مصيبا للواقع او مخطئا.

(٣) وقد اوضحناه في الرسم السابق.

(٤) اي يستحيل ان يحكم المولى بالحكم التالي : «اذا اعتقدت بوجوب الصلاة فانه ح تجب عليك بنفس الوجوب السابق (الذي هو متعلّق الاعتقاد)» ، (وهذا) يخالف طبيعة القطع وكاشفيته في نظر القاطع عن ثبوت المقطوع به في الواقع قبل تعلّق قطعه به ، كما سيأتي في الوجه الاوّل ، اضافة الى وجوه اخرى.

(٥) وبالتالي يكون الحكم الثاني لغويا لانّ العبد سيعمل بناء على علمه الاوّل ولن يكون أيّ اثر للحكم الثاني المترتّب على اعتقاده.

٢٢٧

ومنها : انه يلزم الدور في مرحلة وصول التكليف لان العلم (١) بكل تكليف يتوقف على العلم بتحقق موضوعه ، وموضوعه بحسب الفرض هو العلم به ، فيكون العلم بالتكليف متوقّفا على العلم بالعلم بالتكليف ، والعلم بالعلم نفس العلم ، لان العلم لا يعلم بعلم زائد بل هو معلوم بالعلم الحضوري لحضوره لدى النفس مباشرة ، وهذا ينتج توقّف العلم على نفسه (*).

__________________

(١) بيان ذلك من خلال الرسم :

العلم بوجوب الصلاة

العلم بتحقق موضوع الوجوب

العلم بالعلم وبالوجوب

وهو (العلم بالوجوب)

__________________

(*) لم يظهر لنا وجه الدور المدّعى لان وجوب الصلاة الواقعي متوقّف على الاعتقاد بوجوبها ـ ولو لم يكن هذا الاعتقاد مصيبا ـ وهذا الاعتقاد ليس متوقّفا على الاعتقاد بوجود اعتقاد بوجوب الصلاة لان الاعتقاد هو الكاشفية عند المعتقد فلا يحتاج بعد اعتقاده الى اعتقاد آخر فليس وراء عبّادان من قرية ، (ومع هذا) فهذا الاعتقاد الآخر لا يضرّ ولا ينتج الدور ، وذلك لانك حين تعتقد ان الكتاب الفلاني امامك ثم اعتقدت انك معتقد بذلك فايّ دور يحصل؟!

(نعم) مع هذا لا يصحّ هذا القول ، لانّ المعتقد إمّا ان يكون مصيبا للواقع وإمّا لا ، فعلى الاوّل فهو الدور الواضح الذي ذكره السيد الماتن رحمه‌الله ورأيته في الرسم ، وامّا ان لا يكون مصيبا ـ أي ان المعتقد توهّم ـ اي انه لا حكم في الواقع فهو خارج عن فرضنا ، لان

٢٢٨

(الّا) ان كل هذا انما يرد اذا اخذ العلم بالمجعول في موضوعه ، ولا يتّجه اذا اخذ العلم بالجعل في موضوع المجعول. فبامكان المولى ان يتوصّل الى المقصود بتقييد المجعول بالعلم بالجعل (١).

(وأمّا) من لم يأخذ هذا المخلص بعين الاعتبار كالمحقق النائيني رحمه‌الله (٢) فقد وقع في حيرة من ناحيتين :

__________________

(١) سبق ذكره اكثر من مرّة ، ومثاله قول الامام الباقر عليه‌السلام في رجل صلّى في السفر اربعا أيعيد ام لا؟ قال عليه‌السلام «إن كان قرئت عليه آية التقصير وفسّرت له فصلّى اربعا اعاد ، وإن لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا اعادة عليه» وسائل ٥ باب ١٧ من ابواب صلاة المسافر ح ٤ ص ٥٣١ ، صحيحة السند.

(٢) توضيحا لكلام المحقق النائيني نذكر ما ذكره في اجود التقريرات وهو انه لا يتعقّل تقييد الموضوع ـ كالمكلف ـ بالعلم بالحكم للزوم الدور حيث ان فعلية الحكم تتوقف على العلم بالحكم ـ لكونه من شرائط الفعلية كالبلوغ والزوال ـ ، والعلم بشخص الحكم يتوقّف على وجود الحكم خارجا. راجع أجود التقريرات ج ١ ص ١٠٥.

(وقال) في الجزء الثاني منه «ان القطع ان كان متعلقا بالحكم فلا محالة يكون طريقا اليه ويستحيل كونه ماخوذا في موضوعه لان اخذه في الموضوع يستلزم تقدّمه على حكمه تقدّم كل موضوع على ما يترتب عليه من الحكم ، وفرض تعلقه به وكونه طريقا اليه كونه متاخرا عنه وهذا يعني تقدّم الشيء على نفسه ، ولكن استحالة تقييد موضوع الحكم بالقطع به لا يعني كونه مطلقا بالاضافة الى

__________________

فرضنا هو ان يكون الحكم في الجزاء عين الحكم المعتقد لا غيره ولا مثله. ولذلك لا يصحّ هذا الفرض

٢٢٩

الاولى : انه كيف يتوصّل الشارع الى تخصيص الحكم بالعالم به اذا كان التقييد المذكور مستحيلا؟

والثانية : انه اذا استحال التقييد استحال الاطلاق بناء على مختاره من ان التقابل بين الاطلاق والتقييد الثبوتيين تقابل العدم والملكة ، وهذا يعني ان الجعل الشرعي يبقى مهملا بلا تقييد ولا إطلاق ، فكيف يرفع هذا الاهمال ويتعيّن في المطلق تارة وفي المقيد اخرى؟

وقد حلّ رحمه‌الله ذلك بافتراض جعل ثان يتكفّل اثبات نفس الحكم للعالم بالجعل الاول خاصّة (١) اذا اريد التقييد ، وللمكلف مطلقا من

__________________

حالتي العلم والجهل لما بيّنّاه في بحث المطلق والمقيد وغيره من ان استحالة التقييد تستلزم استحالة الاطلاق ايضا ، فكل تكليف بالاضافة الى الانقسامات الثانوية الناشئة من نفس الخطاب لا يعقل فيه الّا الاهمال ولا يمكن اتصافه لا بالتقييد ولا بالاطلاق اللحاظيين ، وانما المتصوّر هو نتيجة الاطلاق او التقييد المستفادة من دليل آخر متمّم للجعل الاوّل باعتبار تقيد الملاك وعدمه ، وقد علم من أدلة اشتراك التكليف المدّعى تواتر اخبارها في كلمات العلّامة الانصاري (قدس‌سره) عدم اختصاص الاحكام بخصوص العالمين بها بل يعمّ الجاهلين أيضا ، ولكن ثبت من الادلّة الاختصاص في باب القصر والتمام والجهر والاخفات وان الجاهل بوجوب القصر او بوجوب الجهر والاخفات لا يجب في حقّه القصر او الجهر والاخفات ، فيكون المستفاد من الدليل المتمّم للجعل الاوّل هو اشتراط وجوب القصر او الجهر والاخفات بالعلم بالوجوب من باب نتيجة التقييد» انتهى ص ٧ ـ ٨. راجع ان شئت مصباح الاصول ج ٢ ص ٤٤ وتقريرات السيد الهاشمي ج ٤ ص ١٠٥ ـ ١٠٦.

(١) أي للعالم خاصّة

٢٣٠

حيث علمه بالجعل الاوّل وجهله به ان اريد الاطلاق (١) ، وبذلك تتحقّق نتيجة التقييد والاطلاق ، وانما نعبّر بالنتيجة لا بها لان ذلك لم يحصل بالجعل الاوّل المهمل ، وانما عوّض عن اطلاقه وتقييده بجعل ثان على الوجه المذكور ولا يلزم من التعويض المذكور محذور التقييد والاطلاق في نفس الجعل الاوّل ، لان العلم بالحكم الاول اخذ قيدا في الحكم الثاني لا في نفس الحكم الاول فلا دور ، ونظرا الى ان الجعلين قد نشئا من

غرض واحد ولاجل ملاك فارد (٢) كان التقييد في الثاني منهما في قوة التقييد في الاول (٣) ولهذا عبّر عن الثاني بمتمّم الجعل الاوّل.

ويرد عليه انه إن اراد تقييد الحكم في الجعل الثاني بالعلم بالجعل الاوّل فهذا التقييد ممكن في الجعل الاوّل مباشرة كما عرفت (٤) ، وان

__________________

(١) أي فلو اراد شمول الحكم للعالم والجاهل به لأطلق كلامه كما في «أقيموا الصلاة» ، فانه لا يوجد متمّم للجعل ـ كما في «اذا قرئت عليه آية التقصير وجب عليه التقصير في السفر» ـ فسكوته عن متمّم الجعل يفيد الاطلاق اي الشمول للعالم والجاهل بحكم الصلاة والصيام ، اي عدم ايراد متمّم الجعل يفيدنا ـ بالنتيجة ـ الاطلاق وهو ما يعبّر عنه بنتيجة الاطلاق.

(٢) في اللغة : الفارد اسم فاعل ، يقال شيء فارد اي متفرّد ، وشجرة فارد وفاردة اي متنحية لوحدها ، وظبية فارد اي منفردة عن القطيع وكذا ناقة فاردة ، وغنمة فارد اي التي افردتها من الغنم تحلبها في بيتك.

(٣) أي كأنّ الحكمين ـ الجعل الاوّل ومتمّمه ـ حكم واحد مقيّد.

(٤) وذلك بان يقال «اذا علم المكلف بأنّ حكم المسافر هي صلاة القصر فقد صار حكم القصر عليه فعليا» من دون داعي لأن يقول المولى في المرحلة الاولى «حكم المسافر التقصير في صلاته» ثم إذا اراد التقييد

٢٣١

اراد تقييد الحكم في الجعل الثاني بالعلم بفعلية المجعول في الجعل الاوّل المهمل (١) فهذا غير معقول ، لانه يفترض ان فعلية المجعول بالجعل الثاني فرع العلم بفعلية المجعول بالجعل الاوّل المهمل (٢) ، وحينئذ نتساءل ان المجعول بالجعل المهمل (٣) هل ترتبط فعليّته بالعلم به او لا؟ فعلى الاوّل يعود المحذور وهو توقف الشيء على العلم به (٤) ، وعلى الثاني يلزم الخلف وان (٥) يكون الجعل المهمل الذي لا اطلاق فيه

__________________

بخصوص العالم فانه يتمّمه بجعل آخر فيقول «إن علم المكلف بان التقصير هو حكم المسافر فقد صار الحكم عليه فعليا» فانّ هذه الطريقة هي تطويل للمسافة بلا داعي

(١) وذلك بأن يقال بان الجعل الاوّل مفاده «يجب القصر في الصلاة على المسافر» ، ومفاد الجعل الثاني هو «اذا علم المكلف بفعليته حكم القصر على المسافر فقد صار عليه فعليا» ، هذا الجعل الثاني غير معقول فاننا ـ اضافة الى الدور الواضح فيه لتوقف الحكم على العلم به وتوقف العلم على الحكم ـ ننظر الى الجعل الاوّل ونتساءل : هل هو مقيد بالعلم بالحكم او لا؟ فان قيل نعم فهو الدور ، وإن قيل لا ـ بمعنى يجب القصر على المسافر ـ فهو الاطلاق ، وهو خلف فرض الاهمال ، فتأمّل.

(٢) وهذا واضح ، وذلك لتفرّع الحكم على موضوعه.

(٣) أي الاوّل ، وهو غير المقيّد ، وهو قول الشارع مثلا «تجب صلاة القصر على المسافر».

(٤) وهو توقّف الحكم الفعلي الاوّل (المهمل) على العلم بفعليّته وهذا العلم يتوقّف على وجود الحكم الفعلي قبل ذلك وهو دور.

(٥) هذا العطف تفسيري ، ولذلك يمكن لك استبدال هذه الكلمة بقولك «وذلك بأن ...». وعلى ايّ حال فمراده من الثاني هو انه إن لم يكن

٢٣٢

مطلقا ، لان ثبوت مجعوله بدون توقف على القيد هو معنى الاطلاق.

وثمرة هذا البحث تظهر في امكان التمسك باطلاق دليل الحكم لنفي دخل قيد العلم فى موضوعه ، فانه ان بني على امكان التقييد والاطلاق معا (١) امكن ذلك كما هو الحال في نفي سائر القيود المحتملة بالاطلاق ، وان بني على مسلك المحقق النائيني القائل باستحالة التقييد والاطلاق معا فلا يمكن ذلك لان الاطلاق (*) في الحكم مستحيل فكيف يتمسك باطلاق (٢) الدليل اثباتا لاكتشاف امر مستحيل ، وان بني على ان التقييد مستحيل والاطلاق ضروري كما يرى ذلك من يقول بأنّ التقابل بين التقييد والاطلاق تقابل التناقض او تقابل الضدين اللذين لا ثالث لهما فلا يمكن التمسك باطلاق الدليل ، لان اطلاق الدليل انما يكشف عن اطلاق مدلوله وهو الحكم ، وهذا معلوم بالضرورة على هذا المبنى ، وانما الشك في اطلاق الملاك وضيقه ولا يمكن استكشاف اطلاق الملاك لا باطلاق الحكم المدلول للدليل ولا باطلاق نفس الدليل ، امّا الاول

__________________

الجعل الاوّل مشروطا بالعلم به فهو إذن مطلق ـ لا مهمل كما يدّعي المحقق النائيني ـ

(١) كما هو رأي السيد الماتن (قدس‌سره) وهو الحقّ.

(٢) أي فكيف يتمسك بعدم التقييد اثباتا لاكتشاف ارادة الاطلاق والشمول؟!

__________________

(*) هكذا في النسخة الاصلية ويمكن توجيهها بكون التقييد مستحيلا فيستحيل الاطلاق ، (ولكن) كان الاولى استبدال «الاطلاق» بالتقييد في اكثر من موضع كما هو واضح. (وعلى أيّ حال) فيمكن تلخيص هذه الثمرة بأن نقول بانه اذا قلنا باستحالة التقييد فلا يمكن إثبات الاطلاق اي شمول الحكم للعالم والجاهل؟!

٢٣٣

فلأن اطلاق الحكم انما يكشف عن اطلاق الملاك اذا كان بامكان المولى ان يجعله مقيّدا فلم يفعل ، والمفروض في المقام استحالة التقييد وامّا الثاني فلأن الدليل مفاده مباشرة هو الحكم لا الملاك (١).

أخذ العلم بالحكم في موضوع ضدّه أو مثله

وامّا الافتراض الثاني (٢) فهو مستحيل ، لان القاطع سواء كان مصيبا في قطعه او مخطئا يرى في ذلك اجتماع الحكمين المتضادين فيمتنع عليه ان يصدّق بالحكم الثاني ، وما يمتنع تصديق المكلف به لا يمكن جعله (٣) ، وفي حالات اصابة القطع للواقع يستبطن الافتراض المذكور اجتماع الضدين حقيقة.

وهذا الافتراض في حقيقته نحو من الردع عن العمل بالقطع بجعل

__________________

(١) فاذا كان اطلاق الدليل اثباتا لا يكشف عن اطلاق الحكم ثبوتا فكيف يكشف عن اطلاق ملاك هذا الحكم؟! (*).

(٢) مثاله «اذا علمت بوجوب الصلاة فقد حرمت عليك او فقد صار فعلها مستحبا» ونحو ذلك.

(٣) للغويته في نظر المولى والعبد.

__________________

(*) أقول : هذا البحث بهذا التطويل والتعقيد يعقّد الطلبة مع أنه أتفه بحث في علم الاصول ولا ثمرة له أصلا ، إذ لو اراد المولى تعالى تقييد الحكم بخصوص العالمين به كما في الجهر والاخفات والقصر لذكر ذلك ولو في رواية مستقلّة ، وإن اراد شمول الحكم للعالمين والجاهلين به لا يقيّد كما فعل في مثل قوله تعالى «أقيموا الصلاة» و «كتب عليكم الصيام» ، وقد تواترت الروايات واجمع العلماء على انه مع عدم ورود تقييد بخصوص العالمين بالحكم يحمل الحكم على انه شامل للعالمين والجاهلين به ولو للاطلاق المقامي.

٢٣٤

حكم على القاطع مضاد لمقطوعه ، واستحالته (١) ـ بتعبير آخر ـ هي استحالة الردع عن العمل بالقطع.

وامّا الافتراض الثالث فقد يطبق عليه نفس المحذور المتقدم ولكن باستبدال محذور اجتماع الضدين بمحذور اجتماع المثلين.

وقد يجاب على ذلك (٢) بأنّ محذور اجتماع المثلين يرتفع بالتأكّد والتوحّد ، كما هو الحال في «اكرم العادل» و «اكرم الفقير» فانهما يتأكّدان في العادل الفقير. (ولكن) هذا الجواب ليس صحيحا لان التأكّد على نحو التوحّد انما يكون في مثلين لا طولية وترتّب بينهما كما في المثال لا في المقام حيث ان احدهما متاخّر رتبة عن الآخر لترتبه على القطع به فلا يمكن ان يرتفع محذور اجتماع المثلين بالتأكّد.

__________________

(١) اي واستحالة هذا الافتراض او قل «واستحالة جعل حكم على القاطع مضادّ لمقطوعه ناتجة عن استحالة الردع عن العمل بالقطع».

(٢) وهو جواب السيد الخوئي رحمه‌الله ذكره في المصباح ٢ ص ٤٥ فراجع (*).

__________________

(*) (أقول) لا يبعد صحّة ما ذهب اليه السيد الخوئي (رحمه‌الله) ، وهي قضية يشعر الانسان بها بوجدانه ، ففرق بين ان يقطع الانسان بوجوب الصلاة من طريق ما وبين ان يقطع بوجوبها من اكثر من طريق ولو بنحو الطولية كقول المولى مثلا «اذا قطعت بوجوب الصلاة فقد صارت عليك واجبة بوجوب آخر» اي غير الوجوب الاوّل ، ففي الحالة هذه قد وجبت عليه الصلاة بوجوبين. ولا اظن ان لمسألتنا هذه فائدة في علم الفقه.

٢٣٥
٢٣٦

(الواجب التوصّلي والتعبّدي)

لا شك في وجود واجبات لا يخرج المكلف عن عهدتها الا اذا اتى بها بقصد القربة والامتثال ، وفي مقابلها واجبات يتحقق الخروج عن عهدتها بمجرّد الاتيان بالفعل بأيّ داع كان.

والقسم الاوّل يسمّى بالتعبدي والثاني يسمّى بالتوصّلي. والكلام يقع في تحليل الفرق بين القسمين ، فهل الاختلاف بينهما مردّه الى عالم الحكم والوجوب ، بمعنى ان قصد القربة والامتثال يكون مأخوذا قيدا او جزء في متعلق الوجوب التعبّدي ولا يكون كذلك في الواجب التوصّلي ، او ان مردّ الاختلاف الى عالم الملاك دون عالم الحكم بمعنى ان الوجوب في كلّ من القسمين متعلّق بذات الفعل ولكنه في القسم الاول ناشئ عن ملاك لا يستوفى إلا بضمّ قصد القربة ، وفي القسم الثاني ناشئ عن ملاك يستوفى بمجرد الاتيان بالفعل.

ومنشأ هذا الكلام هو احتمال استحالة اخذ قصد امتثال الامر في متعلق الأمر (١) ، فان ثبتت هذه الاستحالة تعين تفسير الاختلاف بين

__________________

(١) اي في مرتبة الجعل. وقد ذهب مشهور المحققين المتاخرين الى استحالة ذلك (تقريرات السيد الهاشمي ج ٢ ص ٧٣).

(ولا يخفى) عليك ان البحث مبني على لزوم ان تكون نية القربة هى خصوص

٢٣٧

التعبدي والتوصّلي بالوجه الثاني (١) ، وإلا تعيّن تفسيره بالوجه الاوّل (٢).

ومن هنا يتّجه البحث الى تحقيق حال هذه الاستحالة ، وقد برهن عليها بوجوه :

* الاوّل (٣) : ان قصد امتثال الامر متاخّر رتبة عن الامر لتفرّعه عليه ، فلو اخذ قيدا (٤) او جزء في متعلق الامر والوجوب لكان داخلا في

__________________

معنى «قصد امتثال الامر» كما يقول صاحب الجواهر ، وإلا فبناء على الاكتفاء ب «قصد القربة» أو «لوجه الله تعالى» ونحو ذلك فلا يرد هذا الكلام واشكال الدور.

(١) وهو ارجاع التقييد الى مرتبة الملاك بعد استحالة تقييد متعلق الحكم (كالصلاة) في مرتبة الجعل.

(٢) وهو ارجاع التقييد الى مرتبة الحكم.

(٣) ذكره في الكفاية ، راجع منتهى الدراية ج ١ ص ٤٥٨ ـ ٤٦٠ ، وفي اصول فقه المظفر ج ١ ص ٧٤. وبيانها من خلال الرسم هو كالتالي :

اما التوقّف الاوّل (الفوقاني

في الرسم) فلكون الصلاة

بقصد امتثال الامر هي متعلّق

الامر ولا بد من تصوّر المتعلّق

من قبل الآمر قبل صبّ الامر

عليه ، بديهة انك لا يمكن لك.

١ ـ (الصلاة) (بقصد امتثال الامر)

٢ ـ الامر بـ (الصلاة) (بقصد امتثال الامر)

٣ ـ (الصلاة) (قصد امتثال الأمر)

ان تأمر بشيء الّا بعد تصوّر ما تريد ان تامر به ، وامّا التوقف الثاني فلضرورة ان يكون قصد امتثال الامر متاخّرا عن نفس الامر في مرحلة الامتثال.

(٤) يقصد هنا بالقيد الشرط لقوله «قيدا أو جزء» مع أنّ القيد ـ كاصطلاح ـ يشمل الجزء والشرط.

٢٣٨

معروض الامر ضمنا ومتقدّما على الامر تقدّم المعروض على عارضه (١) ، فيلزم كون الشيء الواحد متقدّما ومتأخّرا.

والجواب : ان ما هو متأخّر عن الامر ومتفرّع على ثبوته هو قصد الامتثال من المكلف خارجا لا عنوانه وتصور مفهومه في ذهن المولى ، وما يكون متقدّما على الامر تقدم المعروض على عارضه هو عنوان المتعلّق وتصوره في ذهن المولى ، لانه ما لم يتصوّر [المولى] الشيء لا يمكنه ان يأمر به ، واما الوجود الخارجي للمتعلّق فليس متقدّما على الامر بل هو من نتائجه دائما فلا محذور.

وكأن صاحب هذا البرهان اشتبه عليه المتعلّق بالموضوع (٢) ، فقد عرفنا سابقا ان فعلية الوجوب المجعول تابعة لوجود الموضوع خارجا ،

__________________

(١) أي تقدّم متعلّق الامر (كالصلاة) على الأمر (كالوجوب)

(٢) من الواضح ـ عندك كما مرّ معنا ـ ان متعلق الامر هو الوجود الذهني التصوري لما يريد الآمر ان يأمر به كالصلاة مثلا ، فاذا تصوّر أمر ، وكذلك القضية بالنسبة الى موضوع الامر وهو المكلّف وشرائطه والاحوال الطارئة عليه كالاستطاعة والزوال ونحو ذلك ، فان الآمر يتصور الموضوع في ذهنه بخصوصياته ثم يأمر بما يريد ، اذن يكفي في هذه المرتبة تصوّر المتعلق وخصوصياته (كالصلاة عن طهارة واستقبال) والموضوع وخصوصياته ، (امّا) قصد الامتثال المتفرّع عن «الامر بالصلاة بقصد امتثال الامر» فهو في مرحلة الامتثال والخارج ، فاختلف عن «قصد الامتثال» الاوّل (الذهني ، وهو الفوقاني في الرسم السابق) فلا دور.

٢٣٩

وحيث اختلط على هذا المبرهن المتعلّق والموضوع فخيّل له (١) ان قصد الامتثال اذا كان داخلا في المتعلّق فهو داخل في الموضوع ويكون الوجوب الفعلي تابعا لوجوده بينما وجوده متفرّع على الوجوب ، ونحن قد ميّزنا سابقا بين المتعلق والموضوع وميّزنا بين الجعل والمجعول ، وعرفنا ان المجعول تابع في فعليته لوجود الموضوع خارجا (٢) لا لوجود المتعلّق ، وان الجعل منوط بالوجود الذهني لاطرافه من المتعلق والموضوع لا الخارجي ، فلا تنطوي علينا المغالطة المذكورة.

* الثاني : ان قصد امتثال الامر عبارة عن محرّكية الامر (٣) ، والامر

__________________

(١) أي فخيّل له ان قصد الامتثال إذا كان داخلا في المتعلّق ـ في مرحلة الامتثال ـ فهو داخل في الموضوع ـ في مرحلة الجعل ـ وخيّل له ان الوجوب الفعلي تابع لقصد الامتثال في مرحلة الامتثال مع ان العكس هو الصحيح فانّ قصد الامتثال في مرحلة الامتثال هي المتفرّعة عن الوجوب ، إذن تغاير قصد الامتثال في مرحلة التصور والجعل عن قصد الامتثال في مرحلة الامتثال ، إذن حقّ الرسم ان يكون هكذا :

١ ـ (الصلاة) (بقصد امتثال الامر) في مرحلة الثبوت.

٢ ـ الامر ب (الصلاة) (بقصد امتثال الامر) في مرحلة الثبوت أيضا.

٣ ـ (الصلاة) (بقصد امتثال الامر) في مرحلة الامتثال.

(٢) اي اذا وجد مكلّف زالت عليه الشمس وامكنه أن يمتثل متعلّق الامر كالصلاة والانقاذ والحج هذا في المرحلة الاولى فانّ الحكم ـ في المرحلة الثانية ـ سيصير فعليا ، ثم في المرحلة الثالثة ـ اي في مرحلة الامتثال ـ يمتثل. (إذن) خلاصة الوجه الاول أنّ دخالة قصد امتثال الامر في متعلق الامر يورث الدور واجابوهم بعدم الدور.

(٣) لان معنى قصد امتثال الامر هو قصد التحرّك عن داعويته.

٢٤٠