دروس في علم الأصول - ج ٢

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر

دروس في علم الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر


المحقق: الشيخ ناجي طالب آل فقيه العاملي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٢

مقدّمات غير الواجب

كما تتصف مقدمات الواجب بالوجوب الغيري عند القائلين بالملازمة كذلك تتصف مقدمات المستحب بالاستحباب الغيري لنفس السبب.

وأمّا مقدمات الحرام فهي على قسمين :

احدهما : ما لا ينفك عنه الحرام ويعتبر بمثابة العلّة التامّة او الجزء الاخير من العلّة التامّة له كإلقاء الورقة في النار الذي يترتب عليه الاحتراق.

والقسم الآخر : ما ينفك عنه الحرام وبالامكان ان لا يوجد ومع هذا لا (١) يترك الحرام.

فالقسم الاوّل من المقدّمات يتصف بالحرمة الغيرية دون القسم الثاني ، لان المطلوب في المحرّمات ترك الحرام وهو يتوقف على ترك القسم الاوّل من المقدمات ، ولا يتوقف على ترك القسم الثاني (٢).

ومقدّمات المكروه كمقدمات الحرام

__________________

(١) في النسخة الاصلية هكذا «وبالامكان ان يوجد ومع هذا يترك الحرام» والاولى اضافة «لا» الاولى ، والمتعيّن اضافة «لا» الثانية ، لان البحث عمّا اذا ترتب فعل الحرام ، والّا فلا يعتبر المشي لارتكاب المحرّم مع عدم فعله له مقدمة لحرام وإن كان فيه تجرّي على المولى لان الكلام انما هو في حرمة مقدمة الحرام ـ اي على فرض وقوع الحرام ـ لا في التجرّي.

(٢) ولك ان تعبّر بتعبير آخر فتقول : لان الحرام هو القسم الاوّل من المقدّمات دون الثاني ، وذلك لامكان ترك الحرام طالما لم يرتكب.

٢٦١

الثمرة الفقهية للنزاع في الوجوب الغيري

ومسألة الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته على الرّغم من كونها من المسائل الاصولية العريقة في علم الاصول قد وقع شيء من التحيّر لدى باحثيها في ثمرتها الفقهية. وقد يبدو لاوّل نظرة ان ثمرتها اثبات الوجوب الغيري وهو حكم شرعي نستنبطه من الملازمة المذكورة. ولكن الصحيح عدم صواب هذه النظرة ، لان الحكم الشرعي الذي يبحثه علم الفقه ـ ويطلب من علم الاصول ذكر القواعد التي يستنبط منها ـ انما هو الحكم القابل للتحريك المولوي الذي تقع مخالفته موضوعا لاستحقاق العقاب ، وقد عرفت ان الوجوب الغيري ـ على تقدير ثبوته ـ ليس كذلك فهو (١) لا يصلح ان يكون بنفسه ثمرة لهذه المسألة الاصولية (٢). وافضل ما يمكن ان يقال بهذا الصدد تصوير الثمرة كما يلي :

__________________

المقدّمة الاخيرة (التوليدية) ولعدم وجود دليل عقلي ولا نقلي على حرمة سائر المقدمات ولا سيّما وان محط نظر المولى في الحرام هو نفس الحرام لا مقدماته حتى وان كان متجرّئا فيها على الله سبحانه وتعالى. (نعم) لا يبعد انه يستحق العقاب عليها لتجرّئه بنيته وهمّه بما يؤدي الى الحرام لا لكونها مقدمة حرام فافهم.

(١) اي اثبات كون وجوب المقدمة شرعيا.

(٢) لانّ الوجوب الغيري تبعي لوجوب ذي المقدّمة ، فالوجوب الغيري ـ لو لا الوجوب النفسي ـ غير قابل للتحريك ، ولذلك لو لم ـ يحجّ الانسان فانه يعاقب على عدم الحج لا على عدم ذهابه الى الحج ايضا.

٢٦٢

اوّلا : انه اذا اتّفق ان اصبح واجب علّة تامّة لحرام (١) وكان الواجب اهم ملاكا من الحرام ، فتارة ننكر الملازمة واخرى نقبلها ، فعلى الاوّل (٢) يكون الفرض من حالات التزاحم بين ترك الحرام وفعل الواجب فنرجع الى قانون باب التزاحم وهو تقديم الاهم ملاكا ، ولا يسوغ تطبيق قواعد باب التعارض كما عرفنا سابقا ، وعلى الثاني يكون دليل الحرمة ودليل الوجوب متعارضين ، لان الحرمة تقتضي تعلق الحرمة الغيرية (الشرعية) بنفس الواجب ويستحيل ثبوت الوجوب والحرمة على فعل واحد ، وهذا يعني ان التنافي بين الجعلين (٣) ، وكلما كان التنافي بين الجعلين دخل

__________________

(١) كما في اكل طعام الغير بغير اذنه عند الحاجة الضرورية فانه علّة تامّة في اتلاف هذا الطعام ، واتلافه حرام بالعنوان الاوّلي كما هو واضح.

(ملاحظة في بيان العلاقة والنسبة بين العلّة التامّة ومعلولها) : ان النسبة بين العلّة ومعلولها كالنسبة بين الايجاد والوجود ، ولذلك يكون المعلول ـ بتعبير المحققين ـ مظهرا من مظاهر العلة ووجودا نازلا بالنسبة لها فحركة اليد علة لحركة المفتاح الموجود في اليد ، ولذلك قالوا بان التقدم والتاخر بينهما تقدم وتاخر رتبي لا زماني وان العلّة التامّة تكون دائما مقدمة توليدية للمعلول.

(٢) وهو انكار الملازمة بين الوجوب العقلي للمقدمة والوجوب الشرعي لها.

او قل : ... فعلى كون وجوب المقدمة عقليا فقط ـ لا شرعيا ـ ..

(٣) أي بين الوجوب الشرعي للاكل ـ للابقاء على حياته ـ وبين الحرمة الغيرية الشرعية له ـ لكونه مقدمة او قل علة لاكل اموال الناس بغير اذنهم ـ فيصير من قبيل «صلّ» و «لا تصلّ» تماما فيدخل في باب التعارض.

٢٦٣

الدليلان في باب التعارض وطبقت عليه قواعده بدلا عن قانون باب التزاحم (*).

ثانيا : انه اذا اتفق عكس ما تقدم في الثمرة السابقة فاصبح الواجب صدفة متوقفا على مقدمة محرّمة كانقاذ الغريق إذا توقف على اجتياز الارض المغصوبة (١) فلا شك في ان المكلف اذا اجتاز الارض المغصوبة وانقذ الغريق لم يرتكب حراما ، لان الحرمة تسقط في هذه الحالة رعاية للواجب الاهم (٢) ، وامّا اذا اجتاز الارض المغصوبة ولم ينقذ الغريق فقد ارتكب حراما إذا انكرنا الملازمة (٣) ، وكذلك اذا قلنا بان الوجوب الغيري

__________________

(١) ذكرها في تقريرات السيد الهاشمي ج ٢ أسفل ص ٢٦٦.

(٢) امّا للكسر والانكسار في عالم الملاكات ، وامّا لاشتراط عدم وجود ضرورة للتصرف في موضوع الحكم ـ بالبيان السابق ـ فلا تكون الحرمة فعلية ، وإمّا ان هذه الحرمة لا تكون منجّزة بناء على عدم تقييد الحرمة بشيء ـ بالبيان السابق أيضا ـ.

(٣) أي اذا انكرنا الوجوب الشرعي للمقدّمة غير الموصلة الى الواجب ، ولم ينو من الذهاب الانقاذ. وامّا إن نوى الانقاذ واتفق عدم حصوله.

____________________________________

(*) الحقّ انه لا تعارض بينهما وذلك لكون وجوب اكله منه واجبا وجوبا تنجيزيا بخلاف حرمته فانها إمّا ليست فعلية من الاصل وامّا انها فعلية الّا انها غير منجّزة. بيان ذلك : ان الحكم بحرمة التصرف في اموال المسلمين امّا ان يكون بنحو «اذا لا يوجد ضرورة للتصرف فيها فحينئذ يحرم التصرف» وإمّا بنحو «يحرم التصرف باموال المسلمين» مطلقا ، فعلى الاوّل لا يحرم التصرف اصلا لعدم تمامية موضوع الحرمة ، وعلى الثاني يحرم التصرف الّا أن هذه الحرمة غير منجزة لوجود الاهم في مرحلة الامتثال فتجري هنا قاعدة التزاحم.

٢٦٤

يختص بالحصّة الموصلة من المقدمة (١). ولم يرتكب حراما اذا قلنا بالملازمة وان الوجوب الغيري لا يختص بالحصّة الموصلة (٢). امّا انه ارتكب حراما على الاوّلين (٣) فلأنّ اجتياز الارض المغصوبة حرام في نفسه ولا يوجد ما يحول دون اتصافه ـ في حالة عدم التوصل به الى الانقاذ ـ بالحرمة ، وامّا انه لم يرتكب حراما على الاخير فلأن الوجوب الغيري يحول دون اتصافه بالحرمة.

شمول الوجوب الغيري

قام القائلون بالملازمة بعدّة تقسيمات للمقدمة ، وبحثوا في ان الوجوب الغيري هل يشمل كل تلك الاقسام أو لا؟ ونذكر فيما يلي اهمّ تلك التقسيمات :

التقسيم الاول : تقسيم المقدمة الى داخلية وخارجية ، ويراد

__________________

فهو منقاد ، اي فعمله حسن بالحسن الفاعلي حتى وإن قلنا بانه قبيح بالقبح الفعلي اي حرام ذاتا.

(١) أي واذا انكرنا اصل الوجوب عن غير الموصلة وقلنا باختصاص الوجوب بالمقدّمة الموصلة فقد ارتكب محرّما ان لم ينقذ لعدم وجوبه فتبقى الحرمة بلا منازع وإن كان عمله حسنا بالحسن الفاعلي إن قصد الانقاذ.

(٢) لعدم اجتماع الوجوب الشرعي لطبيعي المقدمة ـ أي حتى غير الموصلة ـ مع حرمتها الشرعية.

(٣) الاول هو قوله «وأمّا إذا ....» والثاني هو قوله «اذا قلنا بان ...» والثالث هو قوله «اذا قلنا بالملازمة».

٢٦٥

بالداخلية جزء الواجب [وشرطه] ، وبالخارجية ما يتوقف عليه الواجب من أشياء سوى اجزائه.

وقد وقع البحث بينهم في ان الوجوب الغيري هل يعم المقدّمات الداخلية او يختص بالمقدّمات الخارجية؟

فقد يقال بالتعميم ، لان ملاكه التوقف ، والواجب كما يتوقف على المقدمة الخارجية يتوقف ايضا على وجود جزئه ، إذ لا يوجد مركب الا اذا وجدت اجزاؤه.

ويقال في مقابل ذلك بالاختصاص ونفي الوجوب الغيري عن الجزء ، إمّا لعدم المقتضي له او لوجود المانع (١). وبيان عدم المقتضي ان يقال : ان التوقف والمقدمية يستبطن المغايرة بين المتوقف والمتوقّف عليه لاستحالة توقف الشيء على نفسه ، والجزء ليس مغايرا للمركب في الوجود الخارجي ، فلا معنى لاتصافه بالوجوب الغيري. وبيان المانع بعد افتراض المقتضي ان يقال ان الجزء متصف بالوجوب النفسي الضمني ،

__________________

(١) نذكّر بالفرق بين المقتضي والمانع ، فان وجود النار هو مقتض لاحراق الورقة ، واقتراب الورقة من النار مسافة معينة شرط في الاحتراق والمانع هو كوجود رطوبة على الورقة او حديدة مانعة بينها وبين النار. مثال آخر حينما يرد مثلا اكرم العلماء الا الفساق منهم ، فالعالمية مقتضية لوجوب الاكرام والفسق مانع عنه. مثال ثالث سفرك الى دولة اجنبية يتوقف على ارادتك الى السفر (وهو مقتض) وعلى جواز سفر واذن بالدخول (وهما الشرط) وعدم وجود مانع على الطريق كقطاع طرق مثلا ...

٢٦٦

فلو اتصف بالوجوب الغيري لزم اجتماع المثلين. فان قيل يمكن ان يفترض تأكدهما وتوحدهما من خلال ذلك (١) في وجوب واحد فلا يلزم محذور ، كان الجواب ان التأكّد والتوحّد هنا مستحيل ، لانّ الوجوب الغيري اذا كان معلولا للوجوب النفسي كما يقال فيستحيل ان يتحد معه (٢) وجودا لاستحالة الوحدة بين العلة والمعلول في الوجود.

التقسيم الثاني : تقسيم المقدمة الى مقدمة واجب ومقدمة وجوب ، ولا شك في ان المقدمة الوجوبية [كالاستطاعة بالنسبة إلى وجوب الحج] كما لا يكون المكلف مسئولا عنها من قبل ذلك الوجوب على ما تقدم ، كذلك لا يتعلّق الوجوب الغيري بها (٣) لانه إمّا ان يكون الوجوب الغيري (٤)

__________________

(١) أي من خلال اجتماع الوجوبين الضمني والغيري.

(٢) اي مع الوجوب النفسي.

(٣) اي كذلك لا يتعلّق الوجوب الغيري بالاستطاعة فلا يجب تحصيل الاستطاعة ليذهب الى الحج.

(٤) في النسخة الاصلية اشتباه فقد ورد فيها «... لانه من معلول للوجوب النفسي او معه ...» فاثبتناها كما ترى مع مراعاة كون التصليح باقل قدر ممكن.

والمراد انه لا يمكن ان يتعلق الوجوب الغيري بالمقدّمة الوجوبية كالاستطاعة فهل رأيت فقيها يفتي بلزوم تحصيل الاستطاعة ليستطيع الانسان على الحج؟! فانّ الوجوب الغيري ـ ان فرضنا انه متعلق بالاستطاعة ـ إمّا ان يكون معلولا للوجوب النفسي للحج ـ مثلا ـ كما كان وجوب السير الى الحج معلولا لوجوب الحج وهو واضح البطلان وإمّا ان يكون هو مع الوجوب النفسي معلولين لعلة واحدة وهي المصلحة من الحج على ما مرّ معنا في اوّل بحث «تعريف الواجب الغيري» وهو ايضا واضح البطلان ، وعلى كلا

٢٦٧

معلولا للوجوب النفسي او أن يكون الوجوب الغيري مع الوجوب النفسي معلولين لعلّة واحدة فلا يعقل ثبوته الا في فرض ثبوت الوجوب النفسي ، وفرض ثبوت الوجوب النفسي يعني ان مقدمات الوجوب قد تمّت ووجدت فلا معنى لايجابها.

التقسيم الثالث : تقسيم المقدمة الى شرعية وعقلية وعلمية ، والمقدمة الشرعية ما اخذها الشارع قيدا في الواجب (١) ، والمقدمة العقلية ما يتوقف عليها ذات الواجب تكوينا (٢) ، والمقدمة العلمية هي ما يتوقف عليها تحصيل العلم بالاتيان بالواجب ، كالجمع بين اطراف العلم الاجمالي (٣).

__________________

الفرضين يلزم ان يكون وجوب الحج فعليا قبل حصول الاستطاعة.

امّا على الفرض الاول فلمعلولية وجوب الاستطاعة عن وجوب نفس الحج ، وهو باطل بالبداهة ، وأمّا على الثاني فلفعلية مصلحة الحج وترشّح هذه الفعلية على وجوب الحج بالذات ووجوب الاستطاعة بالتبع وجعلهما فعليّين. وهو أيضا باطل بالبداهة ، لانه إذا لزم ان يكون وجوب الحج فعليا لزم ان تكون الاستطاعة حاصلة قبل ذلك ـ ولو بالقبلية الترتبيّة ـ فلا معنى لايجاب تحصيل الاستطاعة بالوجوب الغيري لانه سيكون من باب تحصيل الحاصل ، (أقول) هذه من البديهيات التي اظلمها التعقيد ، وإلّا فمن الواضح انه اذا حصلت الاستطاعة صار الحج فعليا ، لا انه يجب تحصيل الاستطاعة لجعل الحج واجبا.

(١) كالطهارة بالنسبة الى الصلاة.

(٢) كالسير الى الحج.

(٣) وكالزيادة في الغسل على المقدار الواجب في الوضوء مثلا ليعلم بغسل الاعضاء الثلاثة.

٢٦٨

ولا شك في ان الوجوب الغيري لا يتعلق بالمقدمة العلمية لانها مما لا يتوقف عليها نفس الواجب ، بل احرازه (١) ، كما لا شك في تعلقه بالمقدمة العقلية اذا ثبتت الملازمة.

وانما الكلام في تعلقه بالمقدمة الشرعية (٢) إذ ذهب بعض الاعلام كالمحقق النائيني رحمه‌الله الى ان المقدّمة الشرعية [كالطهارة هي] كالجزء تتصف بالوجوب النفسي الضمني (٣) ، وعلى هذا الاساس انكر وجوبها الغيري وادّعى أن (٤) الوجوب النفسي للمقدمة الشرعية تقوم على افتراض ان مقدميّتها [انما هي] بأخذ الشارع لها في الواجب النفسي ومع اخذها في الواجب ينبسط عليها الوجوب [النفسي الضمني]. ونردّ على هذه الدعوى بما تقدّم (٥) من ان اخذها قيدا يعني تحصيص الواجب بها وجعل الامر متعلقا بالتقيد (٦) فيكون تقيد الفعل بمقدمته الشرعية واجبا نفسيا ضمنيا لا القيد نفسه (٧) [واجبا نفسيا ضمنيا].

__________________

(١) أي بل الذي يتوقف على المقدّمة العلمية هو احراز انجاز الواجب.

(٢) أي وانما الكلام في تعلّق الوجوب الغيري الشرعي بالمقدمة الشرعية كالطهارة.

(٣) فالطهارة ـ التي هي مقدّمة شرعية ـ شرط ، والشرط كالجزء يتصف بالوجوب النفسي الضمني ، فكما ان الركوع واجب فكذلك الطهارة والستر والاستقبال واجبات ضمنية.

(٤) قال في النسخة الاصلية بدل «وادّعى أنّ» قال «ودعوى». هذا وجه القول بالوجوب النفسي للمقدمة الشرعية.

(٥) في بحث «المسئولية تجاه القيود والمقدمات».

(٦) اي بكون الصلاة عن طهارة.

(٧) وذلك لان القيد ـ والتي هي الطهارة ـ يكون مقدمة عقلية كالسير الى

٢٦٩

فان قيل (١) : ان التقيد منتزع عن القيد ، فالامر به امر بالقيد ،

كان الجواب : ان القيد وان كان دخيلا في حصول التقيد لانه طرف له ، لكن هذا لا يعني كونه عينه ، بل التقيد بما هو معنى حرفي له حظ من الوجود والواقعية مغاير لوجود طرفيه ، وذلك (٢) هو متعلق الامر النفسي ضمنا ، فالمقدّمة الشرعية [كالطهارة] اذن تتصف بالوجوب الغيري (٣) كالمقدمة العقلية اذا تمّت الملازمة (٤).

تحقيق حال الملازمة

والصحيح انكار الوجوب الغيري (الشرعي) في مرحلة الجعل والايجاب مع التسليم بالشوق الغيري في مرحلة الارادة.

__________________

الحج وانما سميناها شرعية لتحديد الشارع لها ، فالواجب الضمني هو كون الصلاة عن طهارة ، والواجب الغيري هو الوضوء ، فالله تعالى لم يأمرنا بالوضوء لنفسه وانما امرنا بالصلاة عن طهارة ، فالواجب الضمني هو كون الصلاة عن طهارة فافهم.

(١) اي فان قيل : ان تقيد الصلاة بالطهارة منتزع عن الطهارة ، فالأمر بالكون على الطهارة أمر بالطهارة ، إذن ينبسط الوجوب النفسي الضمني على الطهارة أيضا ، لعدم الفرق في الحكم بين كون الصلاة عن طهارة ونفس الطهارة.

(٢) اي التقيد بالطهارة.

(٣) العقلي والشرعي دون الوجوب النفسي الضمني.

(٤) بين وجوب الشىء والوجوب لمقدمته. (والخلاصة) أنّ الطهارة وامثالها واجبات غيرية بالوجوب العقلي والشرعي او بالوجوب العقلي فقط ، لا واجبات ضمنية.

٢٧٠

امّا الاوّل فلأن الوجوب الغيري ان اريد به الوجوب المترشّح بصورة قهرية من قبل الوجوب النفسي فهذا غير معقول ، لانّ الوجوب جعل واعتبار ، والجعل فعل اختياري للجاعل ولا يمكن ترشحه بصورة قهرية ، وإن اريد به وجوب يجعل بصورة اختيارية من قبل المولى فهذا يحتاج الى مبرّر ومصحّح لجعله ، مع ان الوجوب الغيري لا مصحّح لجعله ، لان المصحّح للجعل ـ كما تقدم في محلّه ـ امّا ابراز الملاك بهذا اللسان التشريعي وامّا تحديد مركز حق الطاعة والادانة ، وكلا الامرين لا معنى له في المقام ، لانّ الملاك مبرز بنفس الوجوب النفسي ، والوجوب الغيري لا يستتبع إدانة ولا يصلح للتحريك كما مرّ بنا فيلغو جعله.

وامّا الثاني فمن اجل التلازم بين حب شيء وحب مقدمته وهو تلازم لا برهان عليه وانما نؤمن به لشهادة الوجدان (١) ، وبذلك صحّ افتراض الحب في جلّ الواجبات النفسية التي تكون محبوبة بما هي مقدمات لمصالحها وفوائدها المترتبة عليها (٢). ولو انكرنا الملازمة بين

__________________

(١) والشاهد على حبّ الله تعالى لمقدّمة الواجب كالسير الى الحج هو محبّة الله تعالى للصلاة والصيام والحج وغيرها التي نسمّيها واجبات نفسية مع انها واجبات غيرية فانّ هذه العبادات واجبة ليتقرّب الانسان الى الله ويرتبط به ويتذكر الفقراء فيساعدهم وليقوّي ارادته ونحو ذلك.

(٢) تعرّض لبعض جوانب هذه المسألة في بحث «تعريف الواجب الغيري».

(بيان ذلك) إنّ حبّ الشيء يلازم حبّ مقدّمته من حيث كونها مقدّمة وإن كانت مبغوضة في ذاتها ، فدخول ارض الغير بلا اذنه للانقاذ رغم قبحه الذاتي محبوب من حيثية مقدّميته للانقاذ الأهم.

٢٧١

حب الشيء وحب مقدمته لما امكن التسليم بمحبوبية هذه الواجبات النفسية.

حدود الواجب الغيري

وفي حالة التسليم بالوجوب الغيري [الشرعي] في مرحلتي الجعل والحب معا او في احدى المرحلتين على الاقل يقع الكلام في ان متعلق الوجوب الغيري هل هو الحصة الموصلة من المقدمة او طبيعي المقدمة (١)؟

قد يقال بان المسألة مبنية على تعيين الملاك والغرض من الواجب الغيري ، فان كان الغرض هو التمكن من الواجب النفسي فمن الواضح ان هذا الغرض يحصل بطبيعي المقدمة ولا يختص بالحصة الموصلة ، فيتعين ان يكون الوجوب الغيري تبعا لغرضه متعلقا بالطبيعي ايضا ، وان كان الغرض حصول الواجب النفسي فهو يختص بالمقدمة الموصلة ويثبت حينئذ اختصاص الوجوب بها ايضا تبعا للغرض. وفي المسألة قولان : فقد ذهب صاحب الكفاية وجماعة الى الاوّل ، وذهب صاحب الفصول وجماعة الى الثاني.

__________________

(١) لم يتعرض هنا لاحتمال كون الواجب من المقدمة خصوص ما قصد به التوصل الى الواجب ، وسيتعرّض لذلك في المسألة الآتية «مشاكل تطبيقية». وستعرف ان «قصد التوصل وعدمه» ليسا مؤثرين في وجوب المقدمة وعدمه ، ولذلك فان دخل الارض المغصوبة بقصد الانقاذ ولم يترتب الانقاذ لسبب ما فانه ينكشف ان المقدمة لم تكن واجبة عليه وان لم يستحق العقاب على الدخول ...

٢٧٢

ويمكن ان يبرهن على الأوّل بان الوجوب الغيري لو كان متعلقا بالحصة الموصلة الى الواجب النفسي خاصة لزم ان يكون الواجب النفسي قيدا في متعلق الوجوب الغيري والقيد مقدمة للمقيد ، وهذا يؤدّي الى ان يصبح الواجب النفسي مقدمة للواجب الغيري (١).

ويمكن ان يبرهن على الثاني بانّ غرض الوجوب الغيري ليس هو التمكن بل نفس حصول الواجب النفسي ، لان دعوى ان الغرض هو التمكن (إن) اريد بها ان التمكن غرض نفسي فهو باطل بداهة (٢) وخلف ايضا لانه (٣) يجعل المقدمة موصلة دائما لعدم انفكاكها عن التمكن الذي هو غرض نفسي مع اننا نتكلّم عن المقدمة التي تنفك خارجا عن الغرض النفسي ، (وإن) اريد بها ان التمكن غرض غيري فهو بدوره طريق الى غرض نفسي لا محالة ، إذ وراء كل غرض غيري غرض نفسي ، فان كان الغرض النفسي منه حصول الواجب النفسي ثبت ان هذا هو الغرض الاساسي من الواجبات الغيرية وإلا تسلسل الكلام حتى يعود اليه لا محالة ، فالصحيح اذن اختصاص الوجوب بالحصة الموصلة ، ولكن لا بمعنى اخذ الواجب النفسي قيدا في متعلق الوجوب الغيري كما توهم في

__________________

(١) بمعنى ان الوجوب الغيري لو كان مفاده هكذا «اذا حصل الواجب النفسي فقد وجبت مقدمته» لصار حصول الواجب النفسي مقدمة وجوبية لوجوب. مقدمته وهو خلاف البديهة. (ولذلك) لا يمكن ان يقال بان المقدمة الواجبة هي خصوص الحصة الموصلة. (وسيأتيك) الجواب بعد أسطر عند قوله «ولكن لا بمعنى ...».

(٢) لان الغرض النفسي هو نفس الانقاذ لا التمكن منه فقط.

(٣) بيان للخلف.

٢٧٣

البرهان على القول الاوّل ، بل بمعنى ان الوجوب الغيري متعلق بمجموعة المقدمات التي متى ما وجدت كان وجود الواجب بعدها مضمونا (١).

مشاكل تطبيقية

استعرضنا فيما سبق (٢) اربع خصائص وحالات للوجوب الغيري ، وتنصّ الثانية منها على أنّ امتثال الوجوب الغيري لا يستتبع ثوابا ، وتنصّ الرابعة منها على ان الواجب الغيري توصلي.

وقد لوحظ ان ما ثبت من ترتب الثواب على جملة من المقدمات كما دلّت عليه الروايات (٣) ينافي الحالة الثانية للوجوب الغيري ، وان ما ثبت من عبادية الوضوء والغسل والتيمم واعتبار قصد القربة فيها ينافي الحالة الرابعة له.

__________________

(١) والنتيجة انه ان قطع الشخص الارض المغصوبة للانقاذ وصادف انه لم يستطع على الانقاذ فانه يستكشف عدم وجوب هذا الذهاب شرعا وإن كان منقادا بنيّته.

(٢) في بحث «خصائص الوجوب الغيري».

(٣) كما ورد في المشي الى الحج والى المسجد وفي قضاء حاجة المؤمن ... من قبيل ما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «من مشى الى مسجد من مساجد الله فله بكل خطوة خطاها حتى يرجع الى منزله عشر حسنات ومحي عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات» (الوسائل ٣ باب ٤ من احكام المساجد ح ٣ ص ٤٨٣) ، وما ورد عن الباقر عليه‌السلام «اوحى الله عزوجل الى موسى عليه‌السلام : ان من عبادي من يتقرّب اليّ بالحسنة فاحكمه في الجنة ، فقال موسى : يا رب وما تلك الحسنة؟ قال : يمشي مع اخيه المؤمن في قضاء حاجته قضيت او لم تقض» (الحياة ٥ ص ١٠٤).

٢٧٤

والجواب : أما فيما يتصل بالحالة الثانية فهو انها تنفي استتباع امتثال الوجوب الغيري بما هو امتثال له (١) للثواب ، ولا تنفي ترتب الثواب على المقدمة بما هي شروع في امتثال الوجوب النفسي وذلك فيما اذا اتى بها بقصد التوصل بها الى امتثاله ، وما ثبت بالروايات من الثواب على المقدمات يمكن تطبيقه على ذلك.

وامّا فيما يتصل بالحالة الرابعة فانها في الحقيقة انما تنفي دخول اي شيء في دائرة الواجب الغيري زائدا على ذات المقدّمة التي يتوقف عليها الواجب النفسي ، فاذا كان الواجب النفسي متوقفا على ذات الفعل (٢) امتنع (*) اخذ قصد القربة في متعلق الوجوب الغيري لعدم توقف الواجب النفسي عليه ، واذا كان الواجب النفسي متوقفا على الفعل مع قصد القربة تعين تعلق الوجوب الغيري بهما معا ، لان قصد القربة في هذه الحالة يعتبر جزء من المقدمة ، وفي كل مورد يقوم فيه الدليل على عبادية المقدمة نستكشف انطباق هذه الحالة عليها.

فان قيل : أليس قصد القربة معناه التحرّك عن محرك مولوي لايجاد

__________________

(١) أي للوجوب الغيري.

(والمراد) ان الشخص الذي سار الى الحج لا بقصد الحج او مردّدا في نيته فقد يحج او لا يحج ، هذا الانسان لا يستحق على سيره ثوابا ، وهذا هو مرادهم من قولهم بعدم ترتب الثواب على المقدّمات ، وامّا لو ذهب قاصدا الحج فانه يترتب عليه الثواب ، وهذا هو مراد الروايات.

(٢) اي المجرّد عن قصد القربة كالسير الى الحج.

__________________

(*) لعل قوله «امتنع» سهو والصحيح «لم يجب».

٢٧٥

الفعل وقد فرضنا ان الامر الغيري لا يصلح للتحريك المولوي ، كما نصّت عليه الحالة الاولى من الحالات الاربع المتقدمة للوجوب الغيري ، فما هو المحرّك المولوي نحو المقدمة؟

كان الجواب : ان المحرّك المولوي نحوها هو الوجوب النفسي المتعلق بذيها ، وهذا التحريك يتمثل في قصد التوصل (١) ، هذا اضافة الى امكان افتراض وجود امر نفسي متعلق بالمقدمة احيانا بقطع النظر عن مقدميتها كما هو الحال في الوضوء على القول باستحبابه النفسي (٢).

__________________

(١) وبتعبير آخر : إنّ المحرّك المولوي نحو الوضوء هو نفس وجوب الصلاة ، وتحريك وجوب الصلاة يتمثّل في لزوم قصد التوصّل الى الصلاة المطلوبة ، وبما انّ الصلاة المطلوبة هي المقيّدة بالوضوء العبادي فلا بدّ من تحصيله للتوصل الى الصلاة المطلوبة

(٢) ولو بدليل قوله تعالى (ويحبّ المتطهّرين) وما ورد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «يا انس اكثر من الطهور يزد الله تعالى في عمرك ، وإن استطعت ان تكون بالليل والنهار على الطهارة فافعل فانك تكون اذا متّ على طهارة شهيدا» وما ورد في مرسل الفقيه «الوضوء على وضوء نور على نور» وما جاء في الحديث القدسي الذي رواه الديلمي في الارشاد «من احدث ولم يتوضأ فقد جفاني» ، وادّعي على استحبابه النفسي ـ أي على استحباب الكون على طهارة ـ الاجماع ...

٢٧٦

(دلالة الأوامر الاضطرارية والظاهرية على)

(الاجزاء)

لا شك في ان الاصل اللفظي ـ في كل واجب لدليله اطلاق (١) ـ انه لا يجزي عنه شيء آخر ، لان اجزاءه عنه معناه كونه مسقطا ، ومرجع مسقطية غير الواجب للواجب اخذ عدمه قيدا في الوجوب (٢) ، وهذا التقييد منفي باطلاق دليل الواجب ، وهذا ما قد يسمّى بقاعدة عدم الاجزاء.

ولكن يدّعى الخروج عن هذه القاعدة في بعض الحالات استنادا

__________________

(١) كما في «صلّ» فان وجوب الصلاة فيه مطلق لم يقيّد بعدم بديل آخر ، أي لم يقال «إن لم تطعم فصلّ» ، وانما قال «صلّ» من دون أيّ قيد ، فبالاطلاق ـ وهو الاصل اللفظي في المقام ـ نثبت ان الوجوب تعييني لا تخييري اي لا يجزي عنه شيء آخر ، ومرجع مسقطية الاطعام للصلاة أخذ عدم الاطعام قيدا في وجوب الصلاة ، وهذا التقييد منفي باطلاق دليل وجوب الصلاة ، وهذا ما يسمّى بقاعدة عدم الاجزاء.

(٢) كما في قولنا «إن لم تطعم فصلّ» ، فمرجع ضمير «عدمه» الى بديله المدّعى بدليته كالاطعام في المثال ، والمراد من الوجوب كوجوب الصلاة المعلوم الوجوب ، وبما ان عدم البديل المتوهّم غير مأخوذ في موضوع وجوب الصلاة ـ لان الوارد فعلا «صلّ» بنحو مطلق ـ فوجوب الصلاة اذن مطلق ولا يجزي عنه شيء.

٢٧٧

الى ملازمة عقلية ، كما في حالة الاتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري او الاتيان بالمامور به بالامر الظاهري ، إذ قد يقال بان الامر الاضطراري او الظاهري يدلّ دلالة التزامية عقلية على إجزاء متعلقه عن الواجب الواقعي على اساس وجود ملازمة بين جعله وبين نكتة تقتضي الاجزاء ، والتفصيل كما يلي :

دلالة الاوامر الاضطرارية على الإجزاء عقلا

اذا تعذّر الواجب الاصلي على المكلف فامر بالميسور اضطرارا كالعاجز عن القيام تشرّع في حقّة الصلاة من جلوس ، فتارة يكون الامر الاضطراري مقيدا باستمرار العذر في تمام الوقت ، واخرى يكون ثابتا بمجرّد عدم التمكن في اوّل الوقت (١).

ولنبدأ بالثاني فنقول : اذا بادر المريض فصلّى جالسا في اوّل الوقت ثم ارتفع العذر في اثناء الوقت فلا تجب عليه الإعادة ، والبرهان على ذلك ان المفروض ان الصلاة من جلوس التي وقعت منه في اول الوقت كانت

__________________

(١) كأن يرد مثلا «لا يجب على العاجز ان ينتظر الى آخر الوقت ليصلي صلاة المختار» فهذا التجويز يعني عدم وجوب الاعادة آخر الوقت لانه ح سيكون من باب التخيير بين الصلاتين والصلاة الاضطرارية فقط وهو مستحيل لانّ الزائد (وهي الصلاة الاختيارية) سيكون بلا مقابل ، أي سيكون الشك في الزائد شكا بدويا في أصل وجوبه وهو مجري للبراءة.

(وبتعبير آخر) لو كان الشارع المقدّس مهتمّا بالاتيان بالصلاة الاختيارية ـ اي مع القيام مثلا ـ لاوجب علينا الانتظار الى آخر الوقت ، فعدم ذلك يكشف عن مسامحته لنا بالصلاة الاضطرارية

٢٧٨

مصداقا للواجب بالامر الاضطراري. وحينئذ نتساءل ان وجوبها هل هو تعييني او تخييري؟ والجواب هو انه تخييري ولا يحتمل ان يكون تعيينيا لوضوح ان هذا المريض كان بامكانه ان يؤخّر صلاته الى آخر الوقت فيصلّي عن قيام ، واذا كان وجوبها تخييريا فهذا يعني وجود عدلين وبديلين يخيّر المكلّف بينهما ، فان كان هذان العدلان هما الصلاة الاضطرارية والصلاة الاختيارية فقد ثبت المطلوب ، لان معنى ذلك ان الواجب هو الجامع بين الصلاتين وقد حصل فلا موجب للاعادة ، وإن كان هذان العدلان هما مجموع الصلاتين من ناحية والصلاة الاختيارية من ناحية اخرى ـ بمعنى ان المكلّف مخيّر بين أن يصلي من جلوس اولا ومن قيام اخيرا وبين ان يقتصر على الصلاة من قيام في آخر الوقت ـ فهذا تخيير بين الاقل والاكثر وهو مستحيل ، وبهذا يتبرهن الإجزاء.

وأما اذا كان الامر الاضطراري مقيدا باستيعاب العذر لتمام الوقت (١) فتارة يصلي المريض في اوّل الوقت ثم يرتفع عذره في الاثناء ، واخرى يصلي في جزء من الوقت ويكون عذره مستوعبا للوقت حقا ، ففي الحالة الاولى لا يقع ما أتى به مصداقا للواجب الاضطراري ، إذ لا امر اضطراري في هذه الحالة ليبحث عن دلالته على الإجزاء. وفي الحالة الثانية لا مجال للاعادة (٢) ، ولكن يقع الكلام عن وجوب القضاء (٣) ، فقد يقال

__________________

(١) كما لو ورد «اذا كنت عاجزا كل الوقت فصلّ» أي فصلّ في آخره ، فان صلّى في اوله ـ أي قبل ارتفاع العذر ـ فقد خالف الشرط وعليه الاعادة ، وهي الحالة الاولى هنا.

(٢) لبقاء عذره الى نهاية الوقت.

(٣) لارتفاع عذره بعد خروج الوقت.

٢٧٩

بعدم وجوب القضاء لان الامر الاضطراري يكشف عقلا عن وفاء متعلقه بملاك الواجب الاختياري ، إذ لو لا ذلك لما امر به ، ومع الوفاء لا فوت ليجب القضاء.

ولكن يرد على ذلك ان الامر الاضطراري يصحّ جعله في هذه الحالة اذا كانت الوظيفة الاضطرارية وافية بجزء من ملاك الواقع (١) مع بقاء جزء آخر مهم لا بد من استيفائه ، إذ في حالة من هذا القبيل يمكن للمولى ان يأمر بالوظيفة الاضطرارية في الوقت ادراكا لذلك الجزء من الملاك في وقته الاصلي ثم يأمر بعد ذلك بالقضاء استيفاء للباقي (٢) ، فلا دلالة للامر الاضطراري عقلا على الاجزاء في هذه الحالة ، بل يبقى على الفقيه استظهار الحال من لسان دليل الامر الاضطراري واطلاقه (٣) ، فقد يستظهر منه الاجزاء لظهور لسانه في وفاء البدل بتمام مصلحة المبدل او ظهور حاله في انه في مقام بيان تمام ما يجب ابتداء وانتهاء فان سكوته عن وجوب القضاء حينئذ يدل على عدمه (*).

__________________

(١) وهي مصلحة كون الصلاة ـ ولو الاضطرارية ـ في الوقت الاصلي.

(٢) وهي مثلا مصلحة كون الصلاة عن قيام.

(٣) مراده من الاطلاق هنا الاطلاق المقامي ، أي انه حينما يسأل المكلف العاجز عن حكم القيام في الصلاة فيجيبه الامام بان الواجب عليك او يجوز لك ان تصلي من جلوس ، فان ظاهر حال الامام انه في مقام بيان تمام الواجب عليه ، فعدم بيان وجوب القضاء مع وجوبه واقعا إغراء له بمخالفة الواقع وهي خلاف غرض الامام عليه‌السلام.

__________________

(*) ويمكن لك الاستفادة من البراءة ـ مع عدم جريان الاصل اللفظي اي الاطلاق ـ عن وجوب القضاء ، إمّا من باب ان وجوب القضاء هو بأمر جديد (استقلالي) فيكون الشك

٢٨٠