دروس في علم الأصول - ج ٢

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر

دروس في علم الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر


المحقق: الشيخ ناجي طالب آل فقيه العاملي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٢

(قاعدة استحالة التكليف بغير المقدور)

شرطية القدرة (١) ومحلّها

في التكليف مراتب متعددة وهي الملاك (٢) والارادة والجعل

__________________

(١) لا يخفى عليك ان مرادهم من «القدرة» ـ سواء كانت عقلية او شرعية ـ هي القدرة العرفية ، بمعنى ان من كان عليه عسر وحرج غير قادر ، وذلك لقوله تعالى (وما جعل عليكم فى الدّين من حرج)

(٢) بمعنى ان الملاك مرتبة من مراتب التكليف لكونه روح التكليف وإن لم يحكم على اساسه المولى لسبب ما ، فلو اطّلع العبد على عطش مولاه فان العقل يحكم بلزوم اتيانه بالماء. وعلى هذا الاساس يحكم بعض علمائنا بصحّة العبادة ولو لم يوجد بها امر كما في حالة تزاحمها مع ضدّ اهم منها ـ على القول بذلك ـ. مرادنا ان نقول انك اذا نظرت الى التكليف لوجدت فيه اربع مراتب مترتبة على بعضها ، المرتبة الاساسية فيه هي الملاك ، وليس الجعل الا مظهرا كاشفا عن وجود الملاك ، ثم تأتي المراتب الثلاثة المذكورة في المتن ... (*)

__________________

(*) الصحيح ما ذهب اليه المشهور من كون الفعلية أيضا من مراتب التكليف ، لكن لا بمعنى ان المولى يجعل حكما آخر ـ بعد تمامية قيود الحكم ـ اسمه حكم فعلي ، فهذا ليس من شئون المولى كما قال السيد الشهيد (قده) بحقّ ، بل بمعنى تمامية ملاك الفعلية وتحقق شرائطه الدخيلة في فعليته ، فاذا علم المكلّف بتحققها وكان قادرا على الامتثال

١٦١

__________________

فقد صار منجّزا وفاعلا ومحرّكا.

(اضافة) الى انّ المناط الذي جعل السيد الشهيد رحمه‌الله يعتبر الادانة من مراتب التكليف موجود في الفعلية ايضا.

فاذا عرفت هذا تعرف ان مراحل الحكم. مع غض النظر عن مبادئه. ثلاثة :

أ ـ الجعل والانشاء ، وله مرحلتان : مرحلة وجوده الازلي في علم الباري عزوجل ، ومرحلة انزاله على قلب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بداعي التحريك ـ عند تمامية الشروط ـ والارشاد.

ب ـ الفعلية ، وهي تتوقّف على تحقق شرائط الحكم الدخيلة في الملاك ، وسيذكر هذه الكلمة هو بنفسه في بحث «زمان الوجوب والواجب» عند قوله «كان الجواب : ان فعلية الوجوب تابعة لفعلية الملاك ...» فالقدرة الشرعية كالقدرة على الحج دخيلة في ملاك وجوب الحج بدليل ورودها في لسان الآية الكريمة ، ومثلها الزوال بالنسبة الى وجوب صلاة الظهر ، وغيرهما من الشرائط الخاصّة (كما في المثالين المتقدمين) والعامّة (كالبلوغ والعقل) ، فقول المولى مثلا «اذا نجح زيد فاكرمه» يكون نجاحه شرطا خاصا في وجوب اكرامه وهكذا ... وقد يكون العلم الذي هو غالبا شرط عام في مرحلة التنجّز شرطا خاصّا في بعض الاحكام. اي دخيلا في الملاك. كما في القصر والتمام.

ج ـ التنجّز ، وقد يعبّر عنه بمرحلة فاعلية التكليف ومحرّكيته كما يعبّر السيد الشهيد في المتن وهي المرتبة التي ترفعها اصالة البراءة ، إذ انها ترفع الحكم الظاهري اي التنجّز لا الواقعي اي الفعلية. وعلى اي حال فهذه المرتبة تتوقف على العلم بالحكم والعلم بتحقّق شرائطه والقدرة العقلية وهي القدرة الغير واردة في لسان الدليل او قل الغير دخيلة في ملاك الحكم ، والتي منها عدم وجود المزاحم المساوي في الاهمية او الاهم. فان الحكم قد يصير فعليا اي تامّ الشرائط الدخيلة في الملاك كنجاح زيد والاستطاعة الى الحج اي تام المصلحة او المفسدة كما في «اذا غلا العصير العنبي ولم يذهب ثلثاه فقد حرم» ، لكن ان لم يعلم الشخص بغليانه مثلا فان الحرمة الفعلية ـ التي هي معلولة للمفسدة التامّة

١٦٢

__________________

الالزامية ـ وان ترتّبت لتحقق شرائط الحكم لكن لا يتنجّز هذا الحكم الفعلي على المكلّف فلا يدان ولا يستحق العقاب كما هو واضح.

وعلى هذا الاساس اذا حجّ المستطيع برجاء المطلوبية مع عدم علمه بحصول الاستطاعة فان حجّه سيكون صحيحا لانه كان فعليا في حقّه لكنه غير منجّز لجهله بذلك ـ بمعنى الجهل القصوري ـ ، فاذا علم فيما بعد انه كان مستطيعا لكن حسابه كان خطأ مثلا فانه لا يجب عليه اعادته.

(فاذا) عرفت ما نقول (تعرف) ان العلم بالحكم والموضوع ـ عادة ـ بمثابة المرآة الخارجة عن الملاك ولا دخل لها به ، وان قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «رفع عن امّتي ما لا يعلمون» ناظر الى رفع هذه المرتبة من مراتب الحكم ولا يرفع ملاكات الاحكام ـ كالمفاسد المترتبة على شرب العصير العنبي المغلي ـ فضلا عن الاحكام المعلولة عنها ـ.

و (تعرف) ايضا الفرق ـ بوضوح ـ بين مرتبة الفعلية ومرتبة التنجّز ، فان مرتبة الفعلية معلولة لتمامية الملاك (او قل المصالح والمفاسد) ومرتبة التنجّز معلولة للعلم بها والقدرة العقلية على الامتثال.

وبأدنى تامّل (تعرف) ايضا عدم دخالة القدرة العقلية (اي الغير ماخوذة في لسان الدليل والتي نستكشف منه عدم دخالتها في الملاك ايضا) في مرتبة الفعلية ، ودخالتها في مرتبة التنجّز ، فلربما تمّت المصلحة في الفعل او المفسدة فيه لكن لم يستطع المكلف على الامتثال ، فيكون الحكم ح فعليا لتمامية شرائط الملاك والحكم ، لا منجّزا لعدم القدرة العقلية عليه.

والجدير ذكره ان الجهل القصوري سبب من اسباب العجز كما هو واضح ، فانت حينما تكون ماشيا في طريق ما مطمئنا ولا تحتمل او انك غافل عن وجود خطر ما امامك فانت غير قادر على امتثال الحكم بالرجوع للجهل بالموضوع مثلا.

(ومن المفيد) مطالعة ما كتبه مراجعنا زاد الله في عزّهم من تعليقات على مسألة ٢٥ من فصل شرائط وجوب الحج من العروة الوثقى فانك سترى ان جميع مراجعنا العشرة

١٦٣

والادانة (١). فالملاك هو المصلحة الداعية الى الايجاب (*) ، والارادة هي

__________________

(١) قال «... والجعل والادانة» ولم يقل «الجعل والفعلية والتنجّز» كغيره مما هو مشهور على السنة الاصوليين ، وذلك لعدم وجود حكم عند المولى باسم الحكم الفعلي او المجعول ، وانما فعلية الحكم من شئون العبد لا من شئون المولى ، بحيث لو فرضنا ان المولى ـ بعد ما جعل حكما ما على عبده وقيّده ببعض الشروط ـ لم يعلم بتحقق هذه الشروط فقد صار فعليا رغم جهله بتحققها ، ممّا يعني ان فعلية الحكم ليست من مراتب التكليف ، او قل : ليس الامر كما قد يتصوّره البعض من انه اذا تحققت شرائط الحكم فان المولى سيجعل حكما آخر هو الحكم الفعلي ، فافهم. (راجع ان شئت مباحث السيد الهاشمي ج ٢ في الشرط المتاخّر ص ١٨١).

(ومراده) بالادانة مرحلة تنجّز الحكم ، وهي تحصل اذا تمّت شرائط الفاعلية والمحرّكية.

__________________

(اصحاب التعليقات) وكذلك السيد الحكيم في مستمسكه ج ١٠ ص ١١١ لم يعلقوا على التفصيل بين مرتبة التنجّز ومرتبة الفعلية عند قول الماتن رحمه‌الله بانه «اذا وصل ماله الى حد الاستطاعة لكنه كان جاهلا به او كان غافلا عن وجوب الحج عليه ثم تذكر بعد ان تلف ذلك المال فالظاهر استقرار وجوب الحج عليه اذا كان واجدا لسائر الشرائط حين وجوده ، والجهل والغفلة لا يمنعان عن الاستطاعة ، غاية الامر انه معذور في ترك ما وجب عليه ... وعدم التمكن من جهة الجهل والغفلة لا ينافي الوجوب الواقعي ، والقدرة التي هي شرط في التكاليف القدرة من حيث هي وهي موجودة ، والعلم شرط في التنجّز لا في اصل التكليف» انتهى ، وهو عين ما ذكرناه.

(*) هنا تساهل سيدنا الشهيد في العبارة ، وتمام العبارة كما تعلم هكذا «فالملاك هو المصلحة او المفسدة الدّاعيتان الى الحكم» وكذا الكلام في تعريف الارادة.

١٦٤

الشوق الناشئ من ادراك تلك المصلحة ، والجعل هو اعتبار الوجوب مثلا ، وهذا الاعتبار تارة يكون لمجرّد ابراز الملاك (١) والارادة (٢) ، واخرى يكون بداعي البعث والتحريك (٣) كما هو ظاهر الدليل الذي يتكفّل باثبات الجعل ، والادانة هي مرحلة المسئولية والتنجّز واستحقاق العقاب (٤).

ولا شك في أن القدرة [العقلية] شرط في مرحلة الادانة ، لان الفعل اذا لم يكن مقدورا فلا يدخل في حقّ الطاعة للمولى عقلا ، كما ان مرتبتي الملاك والشوق غير آبيتين عن دخالة القدرة كشرط فيهما (٥) ـ بحيث لا ملاك في الفعل ولا شوق الى صدوره من العاجز ـ وعن عدم دخالتها كذلك ـ بحيث يكون الفعل واجدا للمصلحة ومحطا للشوق حتى من العاجز ـ وقد تسمّى القدرة في الحالة الاولى بالقدرة الشرعية ، وفي الحالة الثانية بالقدرة العقلية.

وأمّا في مرتبة جعل الحكم فاذا لوحظت هذه المرتبة بصورة مجرّدة

__________________

(١) كما ورد في الخمر والميسر انه (فيهما إثم كبير ومنفع للنّاس وإثمهمآ أكبر من نّفعهما.).

(٢) كقوله تعالى (ولله على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا) بناء على تفسيرها بان الله تعالى يريد من الناس الحج.

(٣) كقوله تعالى (أقيموا الصّلوة.).

(٤) يقصد مرتبة التنجز التي ذكرناها في التعليقة.

(٥) وهي القدرة الشرعية اي القدرة الدخيلة في الملاك كالاستطاعة بالنسبة الى الحج.

١٦٥

لم نجد مانعا عقليا عن شمولها للعاجز لانها اعتبار للوجوب والاعتبار سهل المئونة (* ١) ، وقد يوجّه (١) الى المكلّف على الاطلاق لابراز ان المبادئ ثابتة في حقّ الجميع (* ٢) ، ولكن قد نفترض جعل الحكم بداعي البعث والتحريك المولوي ومن الواضح هنا ان التحريك المولوي انما هو بسبب الادانة وحكم العقل بالمسئولية ، ومع العجز لا ادانة ولا مسئولية كما تقدّم فيستحيل التحريك المولوي ، وبهذا يمتنع جعل الحكم [على العاجز] بداعي التحريك المولوي. وحيث ان مفاد الدليل عرفا هو جعل الحكم بهذا الداعي فيختص لا محالة بالقادر ، وتكون القدرة شرطا في الحكم المجعول بهذا الداعي ، والقدرة انما تتحقق في مورد يكون الفعل فيه تحت اختيار المكلّف ، فاذا كان خارجا عن اختياره فلا يمكن التكليف به لا ايجابا ولا تحريما سواء كان ضروري الوقوع تكوينا او ضروري الترك كذلك او كان مما قد يقع ولا يقع ولكن بدون

__________________

(١) هذا بيان وجه امكان توجيه التكليف بنحو الاطلاق على الناس بما يشمل العاجزين ، والمراد بقوله «في حقّ الجميع» اي في حق القادرين والعاجزين.

__________________

(* ١) يحتمل قويا انه يريد حالة ما لو كان لهذا الاعتبار فائدة ما كابراز شدّة اهمية هذا الحكم في نظر المولى تعالى ... وإلّا فان لم يكن لهذا الاعتبار ايّة فائدة كان صدوره من المولى الحكيم محالا للغويته ح.

(* ٢) لم نجد مثالا لاعتبار الوجوب لا بداعي البعث والتحريك ، وما قد يتصوّر من أمثلة ظاهر في انه بداعي البعث والتحريك هذا اولا ، وثانيا ينصرف الذهن من المكلفين الى خصوص القادرين منهم ، لعلمنا من الشرع والعقل ان العاجز غير مكلّف وغير مراد من الاطلاق او العموم.

١٦٦

دخالة لاختيار المكلّف في ذلك كنبع الماء في جوف الارض فانه في كل ذلك لا تكون القدرة محقّقة.

وثمرة دخل القدرة في الادانة واضحة (١) ، وأمّا ثمرة دخلها في جعل الحكم الذي هو مفاد الدليل فتظهر بلحاظ وجوب القضاء وذلك في حالتين :

الاولى : ان يعجز المكلف عن أداء الواجب في وقته ونفترض ان وجوب القضاء يدور اثباتا ونفيا مدار كون هذا العجز (٢) مفوّتا للملاك على المكلّف (٣) وعدم كونه كذلك (٤) ، فانه اذا لم نقل باشتراط (*) القدرة في مرتبة جعل الحكم (٥) الذي هو مفاد الدليل امكن التمسك باطلاق الدليل لاثبات الوجوب (٦) على العاجز ـ وان لم تكن هناك ادانة ـ ونثبت

__________________

(١) وهي انه حيث لا قدرة لا ادانة.

(٢) او قل ... مدار كون هذا العجز عقليا او شرعيا.

(٣) كالصلاة وكل ما لم يرد قيد القدرة في لسان دليله ، ولذلك نستفيد من هذا تمامية ملاك الصلاة حتى على العاجز عن ادائها ولذلك يجب قضاؤها.

(٤) مثالها الحج وكل ما ثبت في الشرع المقدّس دخالة القدرة في ملاكها ، ولذلك لم يوجب الشارع قضاءها على من كان عاجزا عنها.

(٥) كما في مثال الصلاة.

(٦) اي وجوب القضاء.

__________________

(*) كان الاولى ان يقول هكذا «فانه إذا لم تشترط القدرة ... (وبعد خمسة أسطر) وأمّا إذا كانت القدرة شرطا ...».

١٦٧

حينئذ بالدلالة الالتزامية شمول الملاك ومبادئ الحكم له (١) ، وبهذا تعرف ان العاجز قد فوّت العجز عليه الملاك فيجب عليه القضاء (* ١) ، وخلافا لذلك ما اذا قلنا بالاشتراط (٢) فانّ الدليل حينئذ يسقط اطلاقه عن الصلاحية لاثبات الوجوب على العاجز ، وتبعا لذلك تسقط دلالته الالتزامية على المبادئ فلا يبقى كاشف عن الفوت المستتبع لوجوب القضاء.

الثانية : ان يكون الفعل خارجا عن اختيار المكلّف ولكنه صدر منه بدون اختيار على سبيل الصدفة ، ففي هذه الحالة اذا قيل بعدم الاشتراط (٣) تمسّكنا باطلاق الدليل لاثبات الوجوب بمبادئه على هذا المكلّف ، ويعتبر ما صدر منه صدفة حينئذ مصداقا للواجب فلا معنى لوجوب القضاء عليه لحصول الاستيفاء ، وخلافا لذلك ما اذا قلنا بالاشتراط فان ما اتى به لا يتعيّن بدليل انه كان عاجزا فلم يكن الحكم عليه فعليا (* ٢) ، بل لا بدّ من

__________________

(١) اي للعاجز.

(٢) اي وامّا إذا كانت القدرة شرطا في الحكم كالاستطاعة المأخوذة شرطا في وجوب الحج فلا يجب القضاء عن العاجز عن الحج كما هو واضح.

(٣) اي بعدم دخالة القدرة في موضوع الحكم كما هو الحال في الصلاة.

__________________

(* ١) في اثبات وجوب القضاء في الواجبات المؤقّتة بالدلالة الالتزامية لاطلاق «اقيموا الصلاة» مثلا نظر ، إذ حينما يكون مؤقّتا ما يدرينا بوجود ملاك الزامي يقتضي وجوب القضاء؟! اذ لعلّه من قبيل ما لا قضاء له كصلاة الجمعة وغسلها.

(* ٢) قال في النسخة الاصلية بدل «بدليل انه كان عاجزا فلم يكن الحكم عليه فعليا» «بدليل انه مسقط لوجوب القضاء وناف له» ، ولم نفهم من كلامه هذا معنى ملائما مع

١٦٨

طلب حاله (١) من قاعدة اخرى من دليل او أصل.

حالات ارتفاع القدرة

ثمّ ان القدرة التي هي شرط في الادانة (٢) وفي التكليف (٣) قد تكون موجودة حين توجّه التكليف ثم تزول بعد ذلك ، وزوالها يرجع الى احد اسباب :

الاوّل : العصيان ، فانّ الانسان (٤) قد يعصي ويؤخّر الصلاة حتّى لا يبقى من الوقت ما يتاح له ان يصلي فيه.

الثاني : التعجيز ، وذلك بان يعجّز المكلّف نفسه عن أداء الواجب ، بان يكلّفه المولى بالوضوء والماء موجود امامه فيريقه ويصبح عاجزا.

الثالث : العجز الطارئ لسبب خارج عن اختيار المكلّف.

وواضح ان الادانة ثابتة في حالات السببين الاوّل والثاني ، لان

__________________

(١) وانه هل يجب القضاء او لا يجب. (والقاعدة) في هذه الحالة هو وجوب الاعادة لعدم تمامية ملاك الحكم في حال عجزه ، فلم يوجد حكم فعلي بالحج ـ مثلا ـ في حقه وذلك كمن صلّى قبل الوقت فانه يجب عليه الاعادة

(٢) كما في مثال الصلاة ، فانّ هذه القدرة هي قدرة عقلية

(٣) كما في مثال الحج ، والقدرة هنا شرعية

(٤) هذا التوضيح يفيد لشرح معنى «العصيان» أيضا ، فان معناه هو عدم امتثال التكليف المحدّد بوقت الى ان يخرج وقته

__________________

سياق كلامه (قدس‌سره) ، فانّ اصل الكلام في انه هل هذا الفعل يسقط وجوب القضاء او لا يسقطه.

١٦٩

القدرة حدوثا على الامتثال كافية لادخال التكليف في دائرة حقّ الطاعة ، وامّا في الحالة الثالثة فالمكلّف اذا فوجئ بالسبب المعجّز فلا ادانة ، واذا كان عالما بانه سيطرأ وتماهل في الامتثال حتّى طرأ فهو مدان أيضا (*).

وعلى ضوء ما تقدّم يقال عادة : ان الاضطرار بسوء الاختيار لا ينافي الاختيار عقابا (١) ، أي أنه (٢) لا ينافي القدرة (٣) بالقدر المعتبر شرطا في الادانة (٤) والعقاب. ويراد بالاضطرار بسوء الاختيار ما نشأ عن العصيان او التعجيز.

وأما التكليف فقد يقال انه يسقط بطروّ العجز مطلقا (أي) سواء كان هذا العجز منافيا للعقاب والادانة (٥) او لا (٦) ، لانه على أيّ حال تكليف

__________________

(١) اي انه لا ينافي استحقاق العقاب

(٢) اي ان العقاب ... وبدقّة اكثر اي ان استحقاق العقاب ..

(٣) ولذلك ترى العقل يحكم بقبح من يلقي بنفسه من شاهق ويراه يستحقّ العقاب ، وحتى لو صار في الهواء يحكم العقل باستحقاقه للعقاب ، وهذا لا ينافي شرطية القدرة ، وذلك لكفاية وجود القدرة حدوثا في استحقاق العقاب حتّى بعد زوال القدرة بسوء اختياره

(٤) معنى «الادانة» جعل الشيء في الذمّة ، لكن مراده هنا من الادانة استحقاق العقاب

(٥) كما في الحالة الثالثة وهي حالة العجز الطارئ لا باختياره

(٦) كما في الحالتين الاوليين (العصيان والتعجيز)

__________________

(*) المناسب ادخال هذه الحالة الاخيرة «واذا كان عالما ...» في السبب الثاني كما في من يعلم انه ان ترك الماء القليل الموجود معه معرّضا للشمس والريح فانه سيجفّ لا محالة.

١٧٠

بغير المقدور وهو مستحيل. ومن هنا يكون العجز الناشئ من العصيان والتعجيز مسقطا للتكليف وإن كان لا يسقط العقاب. وعلى هذا الاساس يردف ما تقدّم من «ان الاضطرار بسوء الاختيار لا ينافي الاختيار عقابا» بقولهم «انه ينافيه خطابا» ، ومقصودهم بذلك سقوط التكليف.

والصحيح انهم إن قصدوا بسقوط التكليف سقوط فاعليّته ومحرّكيّته فهو واضح ، إذ لا يعقل محركيّته مع العجز الفعلي ولو كان هذا العجز ناشئا من العصيان ، وإن قصدوا سقوط فعليّته فيرد عليهم ان الوجوب المجعول انما يرتفع اذا كان مشروطا بالقدرة ما دام (١) ثابتا ، فحيث لا قدرة بقاء لا وجوب كذلك. وأمّا اذا كان مشروطا بالقدرة بالقدر الذي يحقق الادانة والمسئولية (٢) فهذا حاصل بنفس حدوث القدرة في اوّل الامر فلا يكون الوجوب (٣) في بقائه منوطا ببقائها.

__________________

(١) شرط القدرة. اي تارة تكون القدرة حدوثا وبقاء ماخوذة في موضوع التكليف كقول المولى لعبده «ابق احرث الارض وازرعها واسقها اليوم ما دام عندك قدرة» ومعنى هذا انه اذا تعب لا تكليف عليه ، وتارة يقول اذا استطعت أن تحافظ على حياتك فافعل فهذا الذي كان مستطيعا على الحفاظ على حياته ثم القى بنفسه يبقى التكليف عليه فعليا لان شرط التكليف وجود القدرة حدوثا فاذا القى بنفسه فان التكليف سيبقى عليه فعليا لتحقق شرط الفعلية. (ومراده) هنا الحالة الاولى وهي ما اذا كان الوجوب المجعول مشروطا بالقدرة حدوثا وبقاء ـ كالصيام ـ فانه بارتفاع القدرة بقاء يرتفع الوجوب الفعلي ، (ولعلّ) نظر المشهور الى هذه الحالة الاخيرة.

(٢) كما في مثال القاء النفس من شاهق.

(٣) كوجوب الحفاظ على النفس.

١٧١

والبرهان على انّ اشتراط القدرة في التكليف (١) لا يقتضي اكثر من ذلك هو ان التكليف قد جعل بداعي التحريك المولوي ، ولا تحريك مولوي إلا مع الادانة (٢) ، ولا إدانة الّا مع القدرة حدوثا فما هو شرط التكليف اذن بموجب هذا البرهان هو القدرة حدوثا.

ومن هنا صحّ ان يقال ان الاضطرار بسوء الاختيار لا ينافي اطلاق الخطاب (٣) والوجوب المجعول ايضا (٤) تبعا لعدم منافاته للعقاب والادانة. نعم لا اثر عمليا لهذا الاطلاق اذ سواء قلنا به او لا فروح التكليف محفوظة على كل حال ، وفاعليّته ساقطة على كل حال ، والادانة مسجّلة على المكلّف عقلا بلا اشكال.

الجامع بين المقدور وغيره

ما تقدّم حتى الآن كان يعني ان التكليف مشروط بالقدرة على متعلقه ، فاذا كان متعلّقه بكل حصصه غير مقدور انطبقت عليه قاعدة استحالة التكليف بغير المقدور ، وامّا اذا كان متعلّقه جامعا بين حصّتين احداهما مقدورة والاخرى غير مقدورة فلا شك ايضا في استحالة تعلّق

__________________

(١) يقصد منه النوع الثاني من التكاليف كمثال «إلقاء النفس» السابق

(٢) اي الا مع الوصول الى مرتبة تنجّز الحكم

(٣) لحالتي بقاء القدرة وزوالها

(٤) اي لا ينافي فعلية التكليف بدليل عدم منافاة الاضطرار بسوء الاختيار للعقاب ، فانّ استحقاق العقاب كاشف عن فعلية التكليف. (والعطف) في قوله «والوجوب» عطف تفسيري.

١٧٢

التكليف بالجامع على نحو الاطلاق الشمولي (١).

وأمّا تعلّقه بالجامع على نحو الاطلاق البدلي (٢) ففي انطباق القاعدة المذكورة عليه كلام بين الأعلام. وقد ذهب المحقق النائيني رحمه‌الله الى ان التكليف اذا تعلّق بهذا الجامع فيختصّ لا محالة بالحصّة المقدورة منه ، ولا يمكن ان يكون للمتعلق اطلاق للحصّة الاخرى ، لان التكليف (إنّما يكون) بداعي البعث والتحريك وهو لا يمكن الّا بالنسبة الى الحصّة المقدورة خاصّة ، فنفس كونه بهذا الداعي يوجب اختصاص التكليف بتلك الحصّة. وذهب المحقق الثاني (٣) ووافقه جماعة من الأعلام الى امكان تعلق التكليف بالجامع بين المقدور وغيره على نحو يكون للواجب اطلاق بدلي يشمل الحصّة غير المقدورة ، وذلك لان الجامع بين المقدور وغير المقدور مقدور ويكفي ذلك في امكان التحريك نحوه (٤) ، وهذا هو الصحيح.

__________________

(١) كقول المولى لعبده «اكرم الفقير» ويريد به جميع فقراء العالم.

(٢) كقوله «اكرم فقيرا».

(٣) علي بن عبد العالي الكركي ، والكركي نسبة الى بلدة «كرك نوح» قرب مدينة «زحلة» وسط محافظة البقاع في لبنان. شيخ الطائفة في عصره وعلّامة وقته ، كثير العلم ، جيد التصانيف ، كان من علماء الشاه طهماسب الصفوي ، وقد جعل امور المملكة بيده ، وكتب رسائل الى انحاء البلاد بامتثال ما يأمر به الشيخ المذكور ، وان اصل الملك انما هو له لانه نائب الامام (عج) ، توفي سنة ٩٤٠ ه‍ تقريبا وقد زاد عمره على السبعين.

(٤) اي نحو الجامع.

١٧٣

وثمرة هذا البحث تظهر فيما اذا وقعت الحصّة غير المقدورة من الفعل الواجب صدفة وبدون اختيار المكلّف فانه على قول المحقق النائيني يحكم بعدم إجزائها ووجوب اتيان الجامع في ضمن حصّة اخرى ، لانه يفترض اختصاص الوجوب بالحصّة المقدورة فما وقع ليس مصداقا للواجب ، وإجزاء غير الواجب عن الواجب يحتاج الى دليل.

وعلى قول المحقق الثاني نتمسّك باطلاق دليل الواجب لاثبات ان الوجوب متعلق بالجامع بين الحصّتين فيكون المأتيّ به فردا من الواجب فيحكم باجزائه وعدم وجوب الاعادة (*).

__________________

(*) لا يخفى عليك ان في المقام تفصيلا ، ـ فانه تارة يعلم بتحقق الغرض كما في تطهير الثوب ، فانه لو تحقق صدفة ـ بعد امر المولى بتطهيره ـ فانه لا يجب اعادة تطهيره ، ولا كلام في هذا القسم بين الاعلام.

ـ وتارة لا يعلم بتحقق الغرض كما في العبادات وبعض التوصليات ، فلو امر المولى عبده باكرام فقير ما ونهى عن اكرام الفسّاق ، فهو غير قادر شرعا على اكرام الفقير الفاسق ، فلو اكرمه هل يجزي عن «اكرام فقير ما» ام لا؟ ولعلّ نظر المحقّق النائيني الى هكذا عجز لعدم تصوّر حصول عجز تكويني بعد تحقق الفعل ، فانّ مجرّد حصول الفعل ولو صدفة كاشف عن حصول مقدّمات الاقتدار عليه ، (وما نراه) في هكذا حالة عدم وجوب الاعادة ، لان هذا المكلف قد حقق واجبا وحراما في نفس الفعل ، او قل قد حقّق الغرض وهو اكرام فقير بهذا المصداق المحرّم ، على ما سنذكره في بحث امتناع اجتماع الامر والنهي.

ونظر المحقق الكركي الى تصوّر حصول عجز تكويني ومع ذلك تحقق الفعل صدفة ، فبما ان الاوامر متعلّقة بالجامع لا بالافراد ، فالمعتبر ان يكون الجامع مقدورا لا الافراد. فالمسالة إذن فيها تفصيل والبحث فيها صغروي وكبروي

١٧٤

(شرطية القدرة بالمعنى الاعمّ)

تقدّم ان العقل يحكم بتقيّد التكليف واشتراطه بالقدرة على متعلّقه لاستحالة التحريك المولوي نحو غير المقدور ، ولكن هل يكفي هذا المقدار من التقيد او لا بد من تعميقه؟

ومن اجل الجواب على هذا السؤال نلاحظ ان المكلّف اذا كان قادرا على الصلاة تكوينا ولكنه مأمور فعلا بانقاذ غريق تفوت بانقاذه الصلاة للتضاد بين عمليتي الانقاذ والصلاة وعدم قدرة المكلّف على الجمع بينهما ، فهل يمكن ان يؤمر هذا المكلّف بالصلاة والحالة هذه فيجتمع عليه تكليفان بكلا الفعلين؟

والجواب بالنفي ، لان المكلّف وان كان قادرا على الصلاة فعلا قدرة تكوينية ولكنه غير قادر على الجمع بينها وبين انقاذ الغريق فلا يمكن ان يكلّف بالجمع. ولا فرق في استحالة تكليفه بالجمع بين ان يكون ذلك بايجاب واحد (١) او بايجابين (٢) يستدعيان بمجموعهما الجمع بين الضدّين ، وعلى هذا فلا يمكن ان يؤمر بالصلاة من هو مكلف فعلا بالانقاذ في هذا المثال وان كان قادرا عليها تكوينا ، وذلك يعني وجود

__________________

(١) كما في «قم بالصلاة والانقاذ» بأمر واحد.

(٢) كما في الامر بالصلاة والامر ـ بأمر آخر منفصل ـ بالانقاذ.

١٧٥

قيد آخر للأمر بالصلاة ـ ولكلّ أمر ـ اضافة الى القدرة التكوينية وهو : ان لا يكون مبتلى بالامر بالضدّ فعلا ، فالقيد اذن مجموع امرين : القدرة التكوينية وعدم الابتلاء بالامر بالضد ، وهذا ما نسميه بالقدرة التكوينية بالمعنى الاعمّ ، ولا اشكال في ذلك ، وانما الاشكال في معنى «عدم الابتلاء» الذي يتعيّن عقلا اخذه شرطا في التكليف فهل هو بمعنى ان لا يكون مأمورا بالضدّ [كالانقاذ] أو بمعنى ان لا يكون مشغولا بامتثال الامر بالضدّ ، والاوّل يعني ان كل مكلّف باحد الضدّين [كالانقاذ] لا يكون مأمورا بضدّه [كالصلاة] سواء كان بصدد امتثال ذلك التكليف او لا ، والثاني يعني سقوط الامر بالصلاة عمّن كلّف بالانقاذ لكن لا بمجرّد التكليف بل باشتغاله بامتثاله ، فمع بنائه على العصيان وعدم الانقاذ يتوجّه إليه الامر بالصلاة ، وهذا ما يسمّى بثبوت الامرين بالضدّين على نحو الترتب.

وقد ذهب صاحب الكفاية رحمه‌الله الى الاوّل مدّعيا استحالة الوجه الثاني لانه يستلزم في حالة كون المكلّف بصدد عصيان التكليف بالانقاذ ان يكون كلا التكليفين فعليا بالنسبة إليه ، امّا التكليف بالانقاذ فواضح لان مجرّد كونه بصدد عصيانه لا يعني سقوطه (١) ، وامّا الامر بالصلاة

__________________

(١) بل تبقى فعليّته وفاعليته وهو صحيح بلا شك ، أمّا بقاء فعليّته فلتمامية ملاكه او قل لتماميّة شرائط فعليته ، وامّا بقاء فاعليته (اي منجزيته) فلانه ـ اضافة الى عدم وجود مانع يمنع عن بقاء فاعليته ومحركيّته اذ ان مجرّد البناء على العصيان لا يرفع فاعلية التكليف كما عرفت في مسألة «حالات ارتفاع القدرة» ـ معلول لشرائط فعلية التكليف والعلم بها والقدرة على الامتثال وكلها متحقّقة.

١٧٦

فلأنّ قيده محقّق بكلا جزأيه لتوفّر القدرة التكوينية وعدم الابتلاء بالضد بالمعنى الذي يفترضه الوجه الثاني (١) ، وفعلية الامر بالضدّين معا مستحيلة فلا بد اذن من الالتزام بالوجه الاوّل فيكون التكليف باحد الضدين بنفس ثبوته نافيا للتكليف بالضد الآخر.

وذهب المحقق النائيني رحمه‌الله الى الثاني ، وهذا هو الصحيح ، وتوضيحه ضمن النقاط الثلاث التالية :

النقطة الاولى : ان الامرين بالضدّين ليسا متضادين بلحاظ عالم المبادئ ، إذ لا محذور في افتراض مصلحة ملزمة في كل منهما وشوق اكيد لهما معا ولا بلحاظ عالم الجعل كما هو واضح ، وانما ينشأ التضاد بينهما بلحاظ التنافي والتزاحم بينهما في عالم الامتثال ، لانّ كلّا منهما بقدر ما يحرّك نحو امتثال نفسه يبعّد عن امتثال الآخر.

النقطة الثانية : ان وجوب احد الضدّين (٢) اذا كان مقيّدا بعدم امتثال التكليف بالضد الآخر او بالبناء على عصيانه فهو وجوب مشروط على هذا النحو (٣) ويستحيل ان يكون هذا الوجوب المشروط منافيا في

__________________

(١) اي وعدم الاشتغال بالضد الاهمّ أو المساوي.

(٢) كالصلاة ، و «الضدّ الآخر» في كل هذه النقطة وفي النقطة الثالثة مثاله الانقاذ. (ملاحظة) هذه النقطة ناظرة الى احد الضدّين والنقطة الثالثة ناظرة الى الضدّ الآخر.

(٣) فيكون وجوب جعل الصلاة ـ مثلا ـ هكذا : إن لم تمتثل الضد ـ سواء كان اهم (كالانقاذ) او مساويا (كما في الانقاذين لشخصين بنفس الاهميّة عند الله سبحانه وتعالى) ـ فصل.

١٧٧

فاعليّته ومحركيّته (١) للتكليف بالضدّ الآخر ، إذ يمتنع ان يستند اليه عدم امتثال التكليف بالضدّ الآخر ، لان هذا العدم (٢) مقدّمة وجوب بالنسبة إليه (٣) ، وكل وجوب مشروط بمقدمة وجوبية لا يمكن ان يكون محركا نحوها وداعيا اليها كما تقدم مبرهنا في الحلقة السابقة ، واذا امتنع استناد عدم امتثال التكليف بالضدّ الآخر الى هذا الوجوب المشروط تبرهن ان هذا الوجوب (للصلاة) لا يصلح للمانعية والمزاحمة في عالم التحريك والامتثال (٤).

النقطة الثالثة (٥) : ان التكليف بالضدّ الآخر إمّا ان يكون مشروطا بدوره ايضا بعدم امتثال هذا الوجوب المشروط (٦) ، وامّا ان يكون مطلقا من هذه الناحية (٧) ، فعلى الاوّل (٨) يستحيل ان يكون منافيا للوجوب

__________________

(١) المراد بالفاعلية والمحركيّة نفس التنجيز.

(٢) وهو شرط «إن لم تمتثل الضدّ الاهم».

(٣) اي بالنسبة الى الصلاة.

(٤) والخلاصة : ان بين الصلاة والانقاذ ترتب وطولية في مرحلة الجعل ، فلا يكون وجوب الصلاة ـ في حال عدم ارادة امتثال الانقاذ الاهم ـ مانعا عن امتثال وجوب الاهم.

(٥) يريد (قده) في هذه النقطة ان يبرهن على ان الكلام الذي ذكره في النقطة الثانية عن انّ الضد لا يمنع عن امتثال الضدّ الآخر الاهم او المساوي يجري بعينه بالنسبة الى الضد الآخر.

(٦) كما في حال التساوي في الاهميّة.

(٧) كما لو كان هذا الواجب أهمّ من الآخر.

(٨) اي فعلى الاوّل ـ وهو فرض التساوي في الأهميّة ـ يستحيل ان يكون هذا التكليف بالضدّ الآخر منافيا للوجوب المشروط (الاوّل) في مقام

١٧٨

المشروط في مقام التحريك بنفس البيان السابق. وعلى الثاني (١) يستحيل ذلك أيضا ، لان التكليف بالضدّ الآخر (٢) مع فرض اطلاقه وان كان يبعّد عن امتثال الوجوب المشروط [للصلاة] ويصلح ان يستند اليه عدم وقوع الواجب بذلك الوجوب المشروط ، ولكنه انما يبعّد عن امتثال الوجوب المشروط بتقريب المكلّف نحو امتثال نفسه الذي يساوق افناء شرط الوجوب المشروط ونفي موضوعه ، وهذا يعني انه يقتضي نفي امتثال الوجوب المشروط بنفي اصل الوجوب المشروط واعدام شرطه ، لا نفيه مع حفظ الوجوب المشروط وحفظ شرطه ، والوجوب المشروط انما يأبى عن نفي امتثال نفسه مع حفظ ذاته وشرطه ولا يأبى عن نفي ذلك (٣) بنفي ذاته وشرطه رأسا ، إذ يستحيل ان يكون حافظا لشرطه ومقتضيا لوجوده (٤).

__________________

الامتثال لوجود تخيير في المقام أو قل لكون كل وجوب منهما مشروطا عقلا «بعدم امتثال التكليف بالضدّ الآخر او بالبناء على عصيانه».

(١) وهو فرض التفاوت في الأهميّة.

(٢) كالانقاذ ، والفرض ان الضد الاوّل كالصلاة.

(٣) أي ولا يأبى عن نفي امتثال نفسه ...

(٤) أي اذ يستحيل أن يكون وجوب الصلاة مشروطا هكذا «إذا بنيت على عصيان الامر بالاهم فصلّ» ومع ذلك يطلب ايجاد شرطه وهو البناء على العصيان ، فان الامر لا يطلب مقدّمته الوجوبية ، كما ان وجوب الحج المشروط بالاستطاعة يستحيل ان يطلب ايجاد الاستطاعة.

ولذلك يمكن لك تبديل العبارة بان تقول «اذ يستحيل ان يكون الامر مشروطا ويطلب شرطه».

١٧٩

وبهذا يتبرهن ان الامرين بالضدّين اذا كان احدهما على الاقلّ مشروطا بعدم امتثال الآخر كفى ذلك في امكان ثبوتهما معا بدون تناف بينهما.

وهكذا نعرف ان العقل يحكم بان كل وجوب مشروط ـ اضافة الى القدرة التكوينية ـ بعدم الابتلاء بالتكليف بالضدّ الآخر بمعنى عدم الاشتغال بامتثاله (١) ، ولكن لا اي تكليف آخر بل التكليف الذي لا يقلّ في ملاكه اهمية عن ذلك الوجوب ـ سواء ساواه او كان اهم منه ـ ، وامّا اذا كان التكليف الآخر أقلّ اهمية من ناحية الملاك فلا يكون الاشتغال بامتثاله مبرّرا شرعا لرفع اليد عن الوجوب الاهمّ ، بل يكون الوجوب الاهمّ مطلقا من هذه الناحية كما تفرضه اهميّته (*).

__________________

(١) والبناء على عصيانه

__________________

(*) ما ذكره (قدس‌سره) في هذه النقاط الثلاثة يفيد عدم وجود مزاحمة بين التكاليف الالهية وذلك لانه لا يخلو الامر امّا ان يكون بين المتعلّقين تفاوت في الأهميّة او تساوي ، فعلى الاوّل الاقلّ اهمية ـ لكونه مشروطا بعدم الاشتغال بالاهم ـ لا يزاحم الاهم ، وعلى الثاني يوجد تخيير لانهما وجوبان مشروطان. (ولا يفيد) اثبات وجود هكذا تقييد في وجوب الأقلّ أهمية ، نعم البحث في وجود تقييدات في التكاليف التي متعلقاتها متساوية الاهمية لغو لوضوحه وعدم الخلاف فيه عند الجميع. ولذلك علينا ان نضيف نقطة رابعة في المقام فنقول :

انه في حال وجود تفاوت في الاهمية بين المتعلقين يدور حكم العقل لا محالة بين امرين : (بين) تقييد اطلاق الامر بالصلاة في مرحلة الجعل بعدم وجود مزاحم أهم ، بمعنى انه إن لم يوجد مزاحم أهم كالانقاذ فصلّ ، وذلك يعني ان عدم وجود «مزاحم اهم» من شرائط

١٨٠