دروس في علم الأصول - ج ٢

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر

دروس في علم الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر


المحقق: الشيخ ناجي طالب آل فقيه العاملي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٢

وأما الوجه الثاني فلا يمكن الاخذ به (١) الّا مع قيام برهان على التخصيص المذكور بتعذّر أيّ حلّ آخر للمشكلة.

وامّا الوجه الثالث فهو المتعيّن ، وذلك بان يقال : ان المقدّمة من ناحية انقسامها الى فرد مباح وفرد محرّم على أقسام :

احدها : ان تكون منقسمة الى فردين من هذا القبيل فعلا ، وفي هذه الحالة يتّجه الوجوب الغيري نحو غير المحرّم خاصّة (٢) ، لأنّ الملازمة التي يدركها العقل لا تقتضي اكثر من ذلك (٣).

__________________

(١) للشمول في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «فانه لا يحلّ دم امرئ مسلم ولا ماله الا بطيبة نفس منه».

(٢) فالسير الى الحج مثلا واجب ، لكن الفرد المحرّم منه غير واجب بل منهي عنه وإن كان يكتفى به.

(٣) بمعنى ان العقل لا يحكم بوجوب طبيعي السير الى الحج ولو كان.

__________________

المقدّمة كالوضوء بالنسبة الى الصلاة. اطلاق مجازي ، وإن كان هذا الاطلاق حقيقيا إن اريد بالوجوب هنا «الوجوب التزاحمي» اي الذي يحكم به العقل في حال تزاحم الاشدّ محذورية مع اقلّهما.

(والنتيجة) انه حتى في هذه الحالة لا يجتمع امر. بمعنى ما يكون فيه مصلحة الزامية كالصلاة. ونهي على نفس المتعلّق ، وانما يوجد نهي فقط ، وهو نهي ـ كما عرفت ـ فعلي لا فاعلي محرّك ، فافهم ، فان الاشتباهات قد تحصل من عدم التدقيق في المصطلحات ، فان غيّرت فيها تغيّرت النتيجة وذلك كما لو قلت ان دفع الاشد محذورية باقلهما واجب بالوجوب التزاحمي فيكون الخروج واجبا بالوجوب الغيري الفعلي والفاعلي وحراما بالحرمة الفعلية دون الفاعلية ، والنتيجة انه ح سيجتمع الامر والنهي في هذه الحالة ، والأساس في هذا الاختلاف هو الاختلاف في المراد من الواجب في المقام وإلا فالبحث اسهل مما يتصوّر.

٣٠١

ثانيها : ان تكون منحصرة أساسا ـ وبدون دخل للمكلف في ذلك ـ في الفرد المحرّم (١) ، وفي هذه الحالة يتّجه الوجوب الغيري نحو الفرد المحرّم اذا كان الوجوب النفسي اهم من حرمته (٢) وتسقط الحرمة حينئذ (٣).

ثالثها : ان تكون منقسمة أساسا الى فرد مباح وفرد محرّم (٤) ، غير ان المكلف عجّز نفسه بسوء اختياره عن الفرد المباح ، وفي هذه الحالة يدرك العقل ان الانحصار في الفرد المحرّم غير مسوّغ لتوجه الوجوب الغيري نحوه (٥) ما دام بسوء الاختيار ، فالفرد المحرّم يظلّ على ما هو عليه من الحرمة ويكون تعجيز المكلف نفسه عن الفرد المباح من المقدّمة مع بقاء الفرد المحرّم على حرمته تعجيزا له شرعا عن الاتيان بذي المقدمة (٦) ، لان المنع شرعا عن مقدّمة الواجب تعجيز شرعي عن الواجب ، ولما كان هذا التعجيز حاصلا بسوء اختيار المكلف فيسقط

__________________

بالفرد المحرم ، وانما يحكم بوجوب ما عدا المحرم من المقدمة ، واما المحرم فيبقى على حرمته ولا يتصف بالوجوب.

(١) كما فيما لو انحصر الانقاذ بدخول الارض المغصوبة.

(٢) اي حرمة الدخول الى الارض المغصوبة مثلا.

(٣) دون المبغوضية الذاتية للتصرّف في ارض الغير ، لكن ـ كما تعلم ـ لا يلام الممتثل للانقاذ ولا يستحق العقاب.

(٤) كما لو اراد شخص ان يختبئ من قطّاع الطرق فاختار التخبئة في الارض المغصوبة مع امكانه على ذلك في الارض المباحة.

(٥) اي نحو الخروج.

(٦) وهو التخلّص من الارض المغصوبة ، ولك ان تمثّل بالانقاذ.

٣٠٢

الخطاب (١) المتكفّل للامر بذي المقدّمة على القول المشهور دون العقاب والادانة ، غير ان العقل يحكم بلزوم تحصيل ذي المقدّمة ولو بارتكاب المقدمة المحرّمة ، لان ذلك اهون الامرين ، وهذا يؤدّي الى اضطراره الى ارتكاب الفرد المحرّم من المقدّمة ، غير انه لما كان منشأ هذا الاضطرار

__________________

(١) أي تخلّص ، او قل يسقط الوجوب فعلية فضلا عن سقوط فاعليّته. وفي الواقع ـ كما يقول السيد الشهيد ـ حينما ادّعى المشهور سقوط الحكم لم يفصّلوا بين مرحلة الفعلية ومرحلة الفاعلية والتحريك والمنجزيّة

(ولك) ان تذكر «ثالثها» على ضوء مثال من اختار الدخول الى ارض مغصوبة لانقاذ غريق مع وجود طريق مباحة للوصول الى الغريق ، فيقول : ثالثها : ان تكون المقدّمة منقسمة الى مقدمة مباحة ومقدّمة محرّمة ، غير ان المكلف عجّز نفسه بسوء اختياره عن المقدمة المباحة وذهب عبر الارض المغصوبة لانقاذ الغريق ، في هذه الحالة يدرك العقل ان الانحصار في المقدّمة المحرّمة بسوء اختياره غير مسوّغ لتوجه الوجوب نحو هذه المقدمة المحرمة ، وانما يكون وجوده في الارض المغصوبة محرّما ، هذه الحرمة تكون تعجيزا للمكلف نحو الانقاذ ، لانه اذا حرّم المولى مقدّمة الانقاذ فانه بالتالي لا يوجب الانقاذ ، لكنه يستحق عقلا العقاب على عدم الانقاذ. (نعم) يلزم عليه الانقاذ عقلا لانه اهون مبغوضية من دخول الارض المغصوبة. والنتيجة :

١) ان السير للانقاذ لن يكون واجبا وانما يبقى على حرمته.

٢) ان الامر بالانقاذ ايضا لن يكون واجبا.

٣) رغم عدم وجوب السير للانقاذ ونفس الانقاذ يحكم العقل بلزوم الانقاذ ولو عبر هذه المقدمة المحرّمة المنحصرة لانه اهون الامرين.

٤) مع عدم الانقاذ يستحق المكلف العقاب.

٣٠٣

أساسا سوء الاختيار فيسقط الخطاب (بالتحريم) على القول المشهور دون العقاب ، وينتج (١) عن ذلك ان الخطابات كلها ساقطة فعلا وان روحها بما تستتبعه من ادانة ومسئولية ثابت.

وفي كل حالة يثبت فيها امتناع اجتماع الامر والنهي لا يختلف الحال في ذلك بين الامر والنهي النفسيّين (٢) او الغيريّين (٣) او الغيري مع النفسي (٤) لان ملاك الامتناع مشترك ، فكما لا يمكن ان يكون شيء واحد محبوبا ومبغوضا لنفسه كذلك لا يمكن ان يكون محبوبا لغيره ومبغوضا لنفسه مثلا لان الحبّ والبغض متنافيان بسائر أنحائهما ، ونحن وان كنا ذهبنا الى انكار الوجوب الغيري (الشرعي) في مرحلة الجعل والحكم (*) ، ولكنا اعترفنا به في مرحلة المبادئ ، وهذا كاف في تحقيق

__________________

(١) أي والنتيجة ان خروجه هذا لن يكون واجبا ولا محرّما.

(٢) كالصلاة في المغصوب.

(٣) كالدخول الى ارض الغير لطرد الدواب عن ارض الغير المزروعة.

(٤) كالسفر الى الحج بلباس مغصوب.

__________________

(*) وان كان الصحيح هو وجود ملازمة بين الاحكام العقلية والاحكام الشرعية الارتكازية ـ كما ذكرنا في مسألة «تحقيق حال الملازمة بين الوجوب العقلي للمقدّمة والوجوب الشرعي لها» ـ وذلك لان الاحكام الشرعية إمّا مجعولة فعلا او لا ، لعدم الحاجة الى جعلها وانما تكون ارتكازية في علم المولى جلّ وعلا ... نعم يستثنى فقط حكم واحد وهو حكم العقل بلزوم اطاعة المولى ، فانه ليس شرعيا ، فانه لا معنى ان يأمرنا المولى امرا تكليفيا بلزوم اطاعته الّا ان يحكم العقل بلزوم اطاعة المولى ، وإلّا فلو لا حكم العقل بذلك لا يبقى لدينا دليل على لزوم اطاعة «امر المولى باطاعته» فافهم.

٣٠٤

ملاك الامتناع ، لان نكتة الامتناع تنشأ من ناحية المبادئ وليست قائمة بالوجود الجعلي للحكمين (١).

وأمّا ثمرة البحث في مسألة الاجتماع فهي انه على الامتناع يدخل الدليلان المتكفلان للأمر والنهي في باب التعارض (٢) ويقدّم دليل النهي على دليل الامر ، لان دليل النهي اطلاقه شمولي (٣) ودليل الامر اطلاقه بدلي والاطلاق الشمولي اقوى (٤).

وامّا على القول بالجواز فلا تعارض بين الدليلين ، وحينئذ فان لم ينحصر امتثال الواجب بالفعل المشتمل على الحرام (٥) وكانت

__________________

(١) وذلك لان الجعل ما هو الّا معلول لمبادئه ، فان قلنا بالامتناع في مرحلة الجعل فهذا يكشف عن وجود امتناع في مرحلة المبادئ.

(٢) غير المستقرّ ، اي القابل للجمع العرفي ، بقرينة قوله بعد هذه الكلمة مباشرة «ويقدّم دليل النهي ...».

(٣) دائما ، حتّى في الحالات التي قد يتوهم كون النهي فيها غير شمولي كرفع الصوت في حال التخبئة من العدو ، فقد يتصور انه غير شمولي لانه محدود باطلاع العدو عليهم ، فبعد اطلاعهم يجوز رفع الصوت ، وهذا التوهّم باطل وذلك لان المراد من الشمولية هو شمولية النهي عن كل رفع للصوت قبل اطلاع العدو ، فهو شمولي ، امّا بعد اطلاعهم فان الموضوع ـ وهو عدم اطلاع العدو ـ قد انتفى.

(٤) ففي المثال المعروف «صلّ» و «لا تغصب» بناء على امتناع اجتماع الامر والنهي على متعلق واحد ترى العرف يرون لزوم كون الصلاة في غير المغصوب ، ووجهه واضح.

(٥) كأن كان يمكن له الصلاة خارج الارض المغصوبة.

٣٠٥

للمكلف مندوحة في مقام الامتثال فلا تزاحم أيضا ، وإلا وقع التزاحم بين الواجب والحرام (١).

وامّا صحّة امتثال الواجب بالفعل المشتمل على الحرام فترتبط بما ذكرنا من التعارض والتزاحم بان يقال : انه (اذا بني) على التعارض بين الدليلين وقدّم دليل النهي فلا يصح امتثال الواجب بالفعل المذكور سواء كان واجبا توصليا (٢) أو عباديا ، لان مقتضى تقديم دليل النهي سقوط اطلاق الامر وعدم شموله له ، فلا يكون مصداقا للواجب ، واجزاء غير الواجب عن الواجب على خلاف القاعدة كما تقدّم (*).

(واذا بني) على عدم التعارض (٣) فينبغي التفصيل بين ان يكون

__________________

(١) فتجري قواعد التزاحم من تقديم الاهم ونحو ذلك.

(٢) مثال التوصّلي ما لو امر المولى عبده بشراء لباس ونهاه عن المعاملة مع الفاسقين ، فانه لو اشترى ثوبا من الفاسقين فانه ـ بناء على التعارض وعدم اجتماع الامر والنهي ـ لم يمتثل واجبا وعليه الاعادة.

(٣) ولو بدعوى الاكتفاء بتعدّد العناوين وتعلّق الاحكام بها.

__________________

(*) ملاحظة : لا شك في صحّة كلام السيد الماتن رحمه‌الله في كلا فرعي التوصلي والتعبّدي وذلك لعدم وجود امر في محل النهي ... إلّا ان هذا لا يعني انه يقول بعدم صحّة الأعمال التوصلية مطلقا كما في التطهير ونحوه ، فلو قيل «طهّر ثيابك ولا تغصب» وطهّرها الشخص بماء مغصوب فحتى على رأي الماتن (قدس‌سره) يصحّ التطهير للعلم بحصول الملاك حتّى وان لم يوجد أمر بهذا التطهير. (المهم) ان نظر السيد الشهيد الى القاعدة الاوّلية ، وامّا اذا علم بتحقق الملاك فهذه مسألة ثانية خارجة عن القاعدة الاوّلية.

٣٠٦

الواجب توصليا او عباديا (فان كان توصليا) صحّ وأجزأ سواء وقع التزاحم لعدم وجود المندوحة (١) أو لا ، لانه مصداق للواجب والامر ثابت به على وجه الترتّب في حالة التزاحم ، وعلى الاطلاق (٢) في حالة عدم التزاحم ووجود المندوحة ، (وان كان عباديا) صحّ وأجزأ ، كذلك اذا كان مبنى عدم التعارض هو القول بالجواز بملاك تعدّد المعنون ، وأمّا اذا كان مبناه القول بالجواز بملاك الاكتفاء بتعدّد العنوان مع وحدة المعنون فقد يستشكل في الصّحة والاجزاء ، لان المفروض حينئذ ان الوجود الخارجي واحد وانه

__________________

(١) هذا التعليل من باب العطف التفسيري وذلك لانه ان وجدت مندوحة كأن أمكن الشراء من العدول فلا تزاحم ولا مشكلة في مرحلة الامتثال ، وان لم توجد مندوحة ـ كأن كان محبوسا في بلد الفاسقين ـ فسيقع التزاحم بين مراعاة حرمة الشراء منهم ووجوب شراء لباس وتجري ح قواعد التزاحم.

(٢) أي وفي فرض وجود مندوحة وامكان الشراء من العدول فلا يحصل تزاحم في مجال الامتثال والمفروض انه لا يوجد تعارض أيضا وانما يمكن اتصاف عمل ما ـ كالشراء ـ بالوجوب والحرمة فبناء على هذا يكون الشراء واجبا ايضا فيصحّ ويجزي. فصار الفرق بين الحالة الاولى (حالة عدم وجود مندوحة) وهذه الحالة انه (في الحالة الاولى) لعدم وجود مندوحة سنقع في التزاحم فيقدّم الاهم وهو مثلا حرمة المعاملة مع الفاسقين ، ومع عدم مراعاة الاهم يصحّ الشراء للامر به بنحو الترتب ، فقد عرفت في بحث الترتب ان الامر بالمهم يبقى ثابتا بنحو الفعلية ـ لا بنحو الفاعلية والتنجيز. وذلك لوجود مانع من تنجّزه وهو وجود الاهم ـ ، (وامّا في حالة وجود مندوحة) فلا موضوع للتزاحم والترتّب ويكون الشراء واجبا على الاطلاق ـ بتعبير الماتن ـ وليس فقط واجبا بنحو الترتّب فافهم.

٣٠٧

حرام ومع حرمته لا يمكن التقرّب به نحو المولى فتقع العبادة باطلة لاجل عدم تأتّي قصد القربة (*) لا لمحذور في إطلاق دليل الامر.

وفي كل حالة حكمنا فيها بعدم صحّة العمل من اجل افتراض التعارض فلا يختلف الحال في ذلك بين الجاهل والعالم بها ، لانّ التعارض تابع للتنافي بين الوجوب والحرمة ، وهذا التنافي قائم بين وجوديهما الواقعيّين بقطع النظر عن علم المكلف وجهله ، وفي كل حالة حكمنا فيها بعدم صحّة العمل من اجل كونه عبادة وتعذّر قصد التقرب به فينبغي ان يخصّص البطلان بصورة تنجّز الحرمة (١) ، وامّا مع الجهل بها وعدم تنجّزها فالتقرّب بالفعل ممكن فيقع عبادة ولا موجب للبطلان حينئذ.

__________________

(١) او قل بصورة التوجه والالتفات الى ملازمة العبادة للمحرّم ، ففي حال التوجّه الى ملازمة هذه الصلاة للتصرّف في المغصوب المحرّم شرعا كيف يمكن التقرّب بها؟!

__________________

(*) هذا الاشكال قد يرد ايضا على مبنى تعدد المعنون (أي الوجود الخارجي) وذلك بتقريب انه كيف يمكن للعالم الملتفت ان ينوي التقرب بهكذا فعل يلازمه فعل محرّم كالغصب؟!

٣٠٨

(اقتضاء وجوب الشيء لحرمة ضدّه)

وقع البحث في ان وجوب شيء هل يقتضي حرمة ضدّه او لا ، ويراد بالضد المنافي (١) على نحو يشمل الضد العام والضدّ الخاص ، ويراد بالاقتضاء استحالة ثبوت وجوب الشيء مع انتفاء حرمة ضدّه سواء كانت هذه الاستحالة ناشئة من ان احدهما عين الآخر او من ان احدهما جزء الآخر او من الملازمة بينهما.

والمشهور في الضد العام هو القول بالاقتضاء وإن اختلف في وجهه ، فقال البعض انه بملاك العينيّة ، وهو غريب ، لان الوجوب غير التحريم فكيف يقال بالعينية! وقد يوجّه ذلك (تارة) بان وجوب الشيء عين حرمة الضدّ العام في مقام التأثير لا عينه في عالم الحكم والارادة ، فكما ان حرمة الضد العام تبعّد عنه كذلك وجوب الشيء يبعّد عن ضدّه العام بنفس مقربيّته نحو الفعل ومحركيّته إليه ، (وتارة اخرى) بان النهي عن الشيء عبارة عن طلب نقيضه ، فالنهي عن الترك عبارة عن طلب نقيضه (٢) وهو الفعل ، فصحّ ان يقال ان الامر بالفعل عين النهي عن الضدّ

__________________

(١) اي يراد بالضدّ معنى «المنافي» ـ لا المعنى المنطقي للضد وهو الضد الخاص والذي قد يعبّر عنه ايضا بالضدّ الوجودي ـ.

(٢) ان النهي عن شيء امر بتركه ، وعليه فالنهي عن «ترك الصلاة» يعني الامر بترك «ترك الصلاة» وهو يعني الامر بالصلاة اي الامر بنقيض الترك.

٣٠٩

العام. ويرد على التوجيه الاوّل انه لا يفي باثبات حرمة الضد حقيقة (١) ، وعلى التوجيه الثاني بانه يرجع الى مجرّد التسمية (* ١) ، هذا مضافا الى ان النهي عن شيء معناه الزجر عنه لا طلب نقيضه.

وقال البعض انه بملاك الجزئية والتضمّن ، لان الوجوب مركب من طلب الفعل والمنع عن الترك. وقد تقدّم في بحث دلالة الامر على الوجوب ابطال دعوى التركب في الوجوب على هذا النحو (٢).

وقال البعض انه بملاك الملازمة ، وذلك لان المولى بعد امره بالفعل يستحيل ان يرخّص في الترك ، وعدم الترخيص يساوق التحريم. والجواب ان عدم الترخيص في الترك يساوق ثبوت حكم إلزامي ، وهو كما يلائم تحريم الترك كذلك يلائم ايجاب الفعل ، فلا موجب

__________________

(١) أي حتى لو آمنّا بان وجوب الصلاة مثلا يستلزم عقلا المبعّدية عن تركها ولكن هذه المبعدية لا تستلزم مبغوضية تركها وحرمة تركها بالمعنى المصطلح للحرمة بحيث يصير تركها بمثابة شرب الخمر مثلا.

(٢) وتقدّم قوله ان الوجوب أمر بسيط لصدوره من علّة واحدة وهي المصلحة الالزامية ، اضافة الى ان المنع من الترك لكونه امرا سلبيا غريب عن الوجوب.

__________________

(* ١) في هذا الرد نظر واضح ولو جعله ردّا على التوجيه الاوّل لكان أنسب ، لان اصحاب التوجيه الاوّل حاولوا تفسير التحريم بالممنوعية في مرحلة الامتثال ، نعم قوله الآتي «هذا مضافا الى ان النهي ...» صحيح بلا شبهة ، اذ ان كون النهي هو طلب الترك هو اول الكلام ، على انه مخالف للوجدان لان النهي غير الطلب.

٣١٠

لاستكشاف التحريم [اي تحريم ترك الصلاة] (* ٢).

__________________

(* ٢) نظرة الى مسألة اقتضاء وجوب الشيء لحرمة ضدّه العام :

الظاهر ان الاختلاف في هذه المسألة ناشئ من الاختلاف في المراد من كلمتي «وجوب» و «حرمة» ، فمن قال بان المراد منهما هو الالزام بالفعل او الترك مطلقا ـ اي حتّى ولو كان هذا الالزام ناشئا من ملازمة وجوب الشيء لممنوعية تركه لا من ملاك الحكم ـ قال بالاقتضاء ، ومن قال بان المراد منهما هو الالزام الناشئ من الملاك ـ اي من المصلحة او المفسدة الالزاميتين في متعلقيهما ـ قال بعدم الاقتضاء وإن أمن بممنوعية ترك الواجب.

(وكلا النظرين صحيح) إن عرفنا مراد اصحاب النظريتين ، فالمراد من النظرية الاولى ان وجوب شيء يقتضي ممنوعية تركه ، والمراد من النظرية الثانية ان وجوب شيء لا يقتضي حرمة تركه ، وكلاهما صحيح.

(امّا) دليل النظرية الاولى فهو ان وجوب شيء كالصلاة يقتضي ممنوعية تركها عقلا ولو في مرحلة الامتثال ، إذ لا معنى للالزام الا ممنوعية المخالفة وهذا واضح عند جميع العقلاء. (فان قلت) لا ملازمة بين وجوب الشيء وممنوعية تركه ، او قل بين وجوب الشيء وبين المفسدة في تركه ، فالتاجر الغني إذا علم انه سيربح ربحا عظيما من التجارة الفلانية بحيث كانت تجارته هذه في غاية الرجحان لا يعني ان تركه لها يستلزم تضرره ، فوجود منفعة في الفعل لا يعني ان عدم جلبها يساوق المفسدة ، وكذا الحال في الصلاة وغيرها ، فان منفعة الصلاة لا تعني ان تركها يلازم وجود مفسدة في تركها وانما يعني عدم زيادة الحسنات ، وعدم زيادة الحسنات ليس مفسدة كما هو واضح (قلت) صحيح ما ذكرت من عدم استلزام ترتب مفسدة على ترك الواجب ، ولكن هذا لا ينفي صحة كلامنا وهو ان وجوب شيء يستلزم ممنوعية تركه عقلا ولو في مرحلة الامتثال ولا ندّعي وجود مفسدة في ترك الواجب او حرمة تركه شرعا. وفرق بين الحرمة الشرعية الناشئة من المفسدة في متعلقها وبين ممنوعية الترك الناظرة الى مرحلة الامتثال فقط.

(وامّا) دليل النظرية الثانية فقد اتّضح ممّا سبق ، وهو ان وجوب شيء انما يعني وجود مصلحة الزامية فيه ولا يعني وجود مفسدة فى تركه كما مرّ ، فان لم يستلزم وجود مفسدة في الترك فلا يستلزم التحريم الشرعي لهذا الترك ، إذ ان التحريم الشرعي انما يكون اذا وجد مفسدة في المتعلق.

٣١١

وأمّا الضد الخاص فقد يقال باقتضاء وجوب الشيء لحرمته (١) باحد دليلين :

الدليل الاوّل : وهو مكوّن من مقدّمات :

الاولى : ان الضدّ العام للواجب (٢) حرام ،

الثانية : ان الضدّ الخاص ملازم للضد العام ،

الثالثة : ان كل ما هو ملازم للحرام فهو حرام.

ويبطل هذا الدليل بانكار مقدّمته الاولى كما تقدّم (٣) ، وبانكار المقدّمة الثالثة اذ لا دليل عليها (٤).

__________________

(١) اي فقد يقال باقتضاء وجوب الانقاذ ـ مثلا ـ لحرمة الصلاة*.

(٢) بيان هذه المقدمات الثلاثة : ان ترك الانقاذ ـ مثلا ـ حرام ، والصلاة ملازمة لترك الانقاذ لانه اذا صلّى سيترك الانقاذ لا محالة ، وبما ان ترك الانقاذ محرّم فالصلاة التي تلازم ترك الانقاذ او قل التي تنتج ترك الانقاذ محرّمة أيضا.

(٣) إذ انه اذا وجب الانقاذ فان ذلك لا يعني حرمة تركه ، نعم ان ذلك يعنى ممنوعية تركه في مرحلة الامتثال ، ولكن هناك فرق بين الحرمة التشريعية والممنوعية.

(٤) مراده (قده) اذ لا دليل على هذا العموم ، نعم هذه المقدّمة صحيحة في

__________________

(*) لعلّك التفت الى قوّة الربط بين هذه النقطة من البحث وبحث الترتب ، اذ اننا هنا سننكر حرمة الضد الخاص ، وهناك ترفّعنا اكثر إذ قلنا بوجود امر بالضدّ الخاص ـ كالصلاة اذا وجب الانقاذ ولا يمكن الجمع بينهما لا في نفس الوقت ولا بتقديم الصلاة والّا يغرق من في الماء ـ لكن بنحو الترتب.

٣١٢

الدليل الثاني : وهو مكوّن من مقدّمات أيضا :

الاولى : ان ترك احد الضدين (١) مقدمة لضدّه ،

الثانية : ان مقدّمة الواجب واجبة ، وعليه فترك الضدّ الخاص للواجب واجب ،

الثالثة : اذا وجب ترك الضدّ الخاص حرم نقيضه وهو ايقاع الضد الخاص ، وبذلك يثبت المطلوب.

وقد نستغني عن المقدّمة الثالثة ونكتفي باثبات وجوب ترك الضد الخاص لان هذا يحقق الثمرة المطلوبة من القول بالاقتضاء وهي عدم امكان الامر بالضد الخاص ولو على وجه الترتب. ومن الواضح انه كما لا يمكن الامر به مع حرمته ، كذلك مع الامر بنقيضه لاستحالة ثبوت الامر بالنقيضين (٢) معا.

كما ان المقدمة الثانية لا نريد بها اثبات الوجوب الغيري للمقدمة

__________________

بعض الموارد وذلك كما فيما اذا كان هذا اللازم مقدمة اخيرة للحرام فيحرم. وليس الامر كذلك فيما نحن فيه اذ ان الصلاة ليست مقدمة توليدية لترك الانقاذ ، والذي هو مقدمة توليدية لعدم الانقاذ هو عدم ارادة الانقاذ من الاصل سواء صلّى او لم يصلّ.

(١) بيان هذه المقدمات الثلاثة : إن ترك الصلاة مقدّمة للانقاذ ، وبما ان مقدمة الواجب واجبة فترك الصلاة اذن واجب ، فنفس الصلاة اذن محرّمة. (إذن) وجوب الشيء ـ كالانقاذ ـ يقتضي تحريم ضدّه الخاص ـ كالصلاة ـ.

(٢) اي الامر بالصلاة والامر بتركها.

٣١٣

في كل مراحل الحكم بما فيها عالم الجعل ، بل يكفي ثبوته بلحاظ عالم المبادئ ، وعليه فهذه المقدمة ثابتة.

فالمهم اذن تحقيق حال المقدمة الاولى ، وقد برهن عليها بأن احد الضدّين مانع عن وجود ضدّه (١) ، وعدم المانع أحد أجزاء العلّة فتثبت مقدّمية عدم احد الضّدين بهذا البيان.

ونجيب على هذا البرهان بجوابين :

الجواب الاوّل (٢) : يتكفّل حلّ الشبهة التي صيغ بها البرهان وبيانه : ان العلّة مركّبة من المقتضي والشرط وعدم المانع ، فالمقتضي هو السبب الذي يترشّح منه الأثر (٣) ، والشرط دخيل في ترشّح الأثر من مقتضيه ، والمانع هو الذي يمنع المقتضي من التأثير ، ومن هنا يتوقف وجود الاثر على المقتضي والشرط وعدم المانع ، وينشأ عدم الاثر من عدم المقتضي أو عدم الشرط او وجود المانع ، (ولكنه) (٤) لا ينشأ من وجود المانع الّا

__________________

(١) اي ان الصلاة مانعة عن وجود الانقاذ.

(٢) هذا الجواب هو للمحقق النائينى (قده) ذكره السيد الخوئي رحمه‌الله بشكل مبسوط جدّا في محاضراته ج ٣ ص ١٠ ـ ١٤ متبنّيا اياه.

(٣) كالنار التي تقتضي الاحتراق ، والشرط هو قرب المسافة بين الورقة مثلا والنار ، والرطوبة على الورقة او الحديدة الموجودة بين النار والورقة هما المانعان من الاحتراق.

(٤) هنا يريد (قده) ان يبيّن ان الصلاة مع عدم ارادة الانقاذ ليست مانعا عن الانقاذ وذلك لانه لا ارادة للانقاذ من الاصل سواء صلّى او لم يصلّ ، فاصل المقتضي غير موجود أى الخطوة الاولى من خطوات العلّة وهي

٣١٤

في حالة وجود المقتضي ، لان تأثير المانع انما هو بمنعه للمقتضي عن التأثير ، ومع عدم وجود المقتضي لا معنى لهذا المنع ، وهذا يعني ان المانع انما يكون مانعا اذا امكن ان يعاصر المقتضي لكي يمنعه عن التأثير ، وامّا اذا استحال ان يعاصره (١) استحالت مانعيّته له وبالتالي لا يكون عدمه من اجزاء العلّة. وعلى هذا الاساس اذا لاحظنا الصلاة بوصفها ضدّا لازالة النجاسة عن المسجد (٢) نجد ان المقتضي لها (اي للصلاة) هو ارادة المكلف ، ويستحيل ان تجتمع الازالة مع ارادة المكلف للصلاة وهذا معناه ان مانعية الازالة عن الصلاة مستحيلة فلا يمكن ان يكون عدمها (٣) احد اجزاء العلّة ، وإن شئت قلت : انه مع وجود

__________________

ارادة الانقاذ غير موجودة فكيف يصحّ ان ننسب عدم تمامية العلّة الى عدم الخطوة الثالثة؟! (فاذن) لا يصحّ ان نقول ان الصلاة مانع من الانقاذ. (مثال آخر) افرض ان شخصا ما لا يريد ان يذهب الى الحج لفسقه مثلا حتى ولو كانت جميع المقدمات مهيّأة فانه لا يحقّ ان يقول لله يوم القيامة انه لم يذهب الى الحج لوجود قطّاع طرق في الدرب.

وهذا هو معنى قولهم من لا بدّية تعاصر المانع ـ كوجود قطاع طرق ـ مع المقتضي ـ وهو ارادة الحج ـ ، اذ لا معنى لتسمية وجود قطاع الطرق مانعا له من الحج في حال عدم ارادة الحج من الاصل.

(١) اي وامّا اذا استحال ان يعاصر المانع المقتضي ، كأن يوجد مانع ولا يوجد مقتضي.

(٢) والفرض أنّ وقت الصلاة مضيّق ووقت الازالة موسّع فعلمنا من خلال ذلك اهمية الصلاة على الازالة في هذه الحالة.

(٣) أي عدم الازالة.

٣١٥

الارادة للصلاة لا حالة منتظرة (١) ومع عدمها لا مقتضي للصلاة ليفرض كون الازالة مانعة عن تأثيره.

فان قيل كيف تنكرون ان الازالة مانعة مع انها لو لم تكن مانعة لاجتمعت مع الصلاة ، والمفروض عدم امكان ذلك.

كان الجواب ان المانعية التي تجعل المانع علة لعدم الاثر وتجعل عدم المانع احد اجزاء العلّة للأثر انما هي مانعية الشيء عن تأثير المقتضي في توليد الأثر ، وقد عرفت ان هذه المانعية انما تثبت لشيء بالامكان معاصرته للمقتضي (٢) ، وأمّا المانعية بمعنى مجرّد التمانع وعدم امكان الاجتماع في الوجود كما في الضدين (٣) فلا دخل لها في التأثير ، إذ متى ما تمّ المقتضي (٤) لاحد المتمانعين بهذا المعنى مع الشرط (٥) وانتفى المانع عن تأثير المقتضي أثّر (المقتضي) أثره لا محالة في وجود احد المتمانعين ونفي الآخر ، ونتيجة ذلك ان وجود احد الضدّين مع عدم ضدّه في رتبة واحدة ولا مقدّمية بينهما.

الجواب الثاني : ان افتراض المقدّمية يستلزم الدور كما اشرنا إليه

__________________

(١) اي لا نتوقّع صدور الازالة منه.

(٢) كالرطوبة على الورقة او الحديدة المانعة من وصول النار (المقتضي) الى الورقة.

(٣) كبياض الحائط واسوداده.

(٤) وهي ارادة تبييض الحائط.

(٥) وهو مثلا الصاق اللون بالحائط.

٣١٦

في الحلقة السابقة فلاحظ (١).

وعليه فالصحيح ان وجوب شيء لا يقتضي حرمة ضدّه الخاص.

وامّا ثمرة هذا البحث فهي ـ كما اشرنا في الحلقة السابقة ـ تشخيص حكم الصلاة المضادّة لواجب اهم اذا اشتغل بها المكلف وترك

__________________

(١) الرسم التالي :

Y نمايش تصويرE

اما التوقف الاوّل فهو المقدّمة الاولى التي يدّعيها صاحب الدليل الثاني ، وامّا التوقف الثاني فواضح وذلك لكون نقيض العلّة علّة لنقيض المعلول ، فاذا كانت النار علّة للاحتراق ، فعدم النار علّة لعدم الاحتراق ، وهنا الامر كذلك ، فاذا كان ترك الصلاة علة للازالة فالصلاة علة لترك الازالة ، فتمّ بذلك التوقف الثانى. (وكذلك) الامر تماما بالنسبة الى توقف ترك الصلاة على تركها.

(وعلى اي حال) فما يريد تبنيه هنا سيدنا الشهيد (قدس‌سره) هو ان ترك الضد ليس مقدمة لضده وانما هو في رتبته ، فعدم الصلاة في رتبة الازالة وكلاهما يحصلان عند ارادة الازالة ، ولعلّ هذا هو مراد صاحب الكفاية رحمه‌الله.

٣١٧

الاهم ، وكذلك اي واجب آخر مزاحم من هذا القبيل ، فاذا قلنا بالاقتضاء تعذّر ثبوت الامر بالصلاة ولو على وجه الترتب (١) فلا تصحّ (٢) ، واذا لم نقل بالاقتضاء صحّت بالامر الترتّبي (٣). وبصيغة أشمل في صياغة هذه الثمرة انه على القول بالاقتضاء (*) يقع التعارض بين دليلي الواجبين المتزاحمين (٤) لان كلّا من الدليلين يدلّ بالالتزام على تحريم مورد الآخر ، فيكون التنافي في اصل الجعل ، وهذا ملاك التعارض كما مرّ بنا ، وامّا على القول بعدم الاقتضاء فلا تعارض ، لان مفاد كل من الدليلين ليس الّا وجوب مورده وهو وجوب مشروط بالقدرة وعدم الاشتغال بالمزاحم كما تقدّم ، ولا تنافي بين وجوبين من هذا القبيل في عالم الجعل.

__________________

(١) لتعذّر الامر بشيء منهي عنه.

(٢) الّا على مبنى من يصحّحها بتحقق الملاك كصاحب الكفاية رحمه‌الله.

(٣) بالدليل الذي مرّ في بحث «شرطية القدرة بالمعنى الاعمّ» من انه يتعيّن تقييد المطلقات بالقدر الواضح من التقييدات ونرجع في الباقي المشكوك ـ كما في حالة عصيان الامر بالاهم ـ الى اطلاق الامر بالصلاة.

(٤) كوجوب الصلاة ووجوب الازالة

__________________

(*) كان الاولى ان يقول هكذا : انه على القول بالاقتضاء ـ اي باقتضاء الامر للنهي عن ضدّه ـ يقع التعارض بين الامر بالصلاة مثلا ولو بالامر الترتّبي. ان قلنا بوجود هكذا امر. والنهي عنها ، وامّا مع الاعتقاد بعدم وجود أمر بها فلا تعارض ، وامّا على القول بعدم الاقتضاء فلا نهي عن الصلاة فلا تعارض ايضا فتصل النوبة الى بحث الترتب وهل انه يمكن اثبات وجود امر بالصلاة في هذه الحالة ولو بدليل الاطلاق او لا. فالوجوه اذن اربعة :

١. الاعتقاد بوجود امر بالصلاة ونهي عنها ، وفي هذه الحالة فقط يقع التعارض ،

٢ و٣. الاعتقاد بوجود امر او نهي ،

٤. الاعتقاد بعدم وجود امر ولا نهي.

٣١٨

(اقتضاء الحرمة البطلان)

لا شك في ان النهي المتعلّق بالعبادة او بالمعاملة ارشادا الى شرط أو مانع (١) يكشف عن البطلان بفقد الشرط او وجود المانع ، وانما الكلام في الحرمة التكليفية (٢) واقتضائها لبطلان العبادة بمعنى عدم جواز الاكتفاء بها في مقام الامتثال ، وبطلان المعاملة بمعنى عدم ترتب الاثر عليها ، فهنا مبحثان :

اقتضاء الحرمة لبطلان العبادة

والمعروف بينهم ان الحرمة تقتضي بطلان العبادة ، ويمكن ان

__________________

(١) كقول المولى مثلا «طهّر ثوبك للصلاة» أو «لا تضحك في الصلاة.

(٢) كما في نهي الحائض عن الصلاة وكالنهي عن صوم العيدين ، وكالنهي عن البيع والقرض الربويّين وبيع المنابذة والملامسة كما ورد في الروايات والبيع اذا نودي لصلاة الجمعة وان كان في تمثيلهم الاخير نظر (*).

__________________

(*) حاصله ان النهي عن البيع عند النداء ما هو الّا لدفع الناس الى الصلاة لا لحرمة البيع في نفسه ، بمعنى ان البيع عند النداء لم يصر كشرب الخمر ، وعليه فبما ان الامر بشيء ـ كالأمر بالسعي الى صلاة الجمعة ـ لا يقتضي النهي عن ضدّه الخاص ـ كالبيع ـ فلم يثبت النهي عن البيع ، إن هذا النهي إلا غيرى وتاكيد لوجوب حضور صلاة الجمعة ، فلا يصحّ تمثيلهم هذا ، والله العالم.

٣١٩

يكون ذلك لاحد الملاكات التالية :

الاوّل : انها تمنع عن اطلاق الامر خطابا ودليلا لمتعلّقها (١) لامتناع الاجتماع ، ومع خروجه عن كونه مصداقا للواجب لا يجزي عنه وهو معنى البطلان.

الثاني : انها تكشف عن كون العبادة مبغوضة للمولى ، ومع كونها مبغوضة يستحيل التقرّب بها.

الثالث : انها تستوجب حكم العقل بقبح الاتيان بمتعلّقها لكونه معصية مبعّدة عن المولى ، ومعه يستحيل التقرّب بالعبادة (٢).

وهذه الملاكات على تقدير تماميّتها تختلف نتائجها ، فنتيجة الملاك الاوّل لا تختصّ بالعبادة بل تشمل الواجب التوصلي أيضا ، ولا تختصّ بالعالم بالحرمة بل تشمل حالة الجهل ايضا ، ولا تختص بالحرمة النفسية بل تشمل الغيرية أيضا (٣).

__________________

(١) أي لمتعلّق الحرمة. (والمراد) ان حرمة الصلاة على الحائض تمنع عن شمول خطاب «صلّ» لصلاة الحائض ، وذلك لعدم امكان اجتماع الامر والنهي على صلاة الحائض ، ومع عدم تعلّق الامر بها لا تكون مصداقا للواجب ولا تجزى عن جامع الصلاة وهو معنى البطلان.

(٢) هو البرهان السادس في تقريرات السيد الهاشمي ج ٣ ص ١١٨ ، واورد عليه فيه انه ان كانت المشكلة ناشئة من عدم امكان التقرب بما هو معصية مبعّدة فليكن التقرّب ممكنا لمحبوبية الجامع.

(٣) كل ذلك لانه لا إطلاق للصلاة في «أقيموا الصلاة» لصلاة الحائض ولا للصيام في «كتب عليكم الصيام» لصيام يومي العيدين ، اي لا أمر بصلاتها ولا بصيام يومي العيدين.

٣٢٠