دروس في علم الأصول - ج ٢

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر

دروس في علم الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر


المحقق: الشيخ ناجي طالب آل فقيه العاملي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٢

ايجادها ، وانما يكون محرّكا نحو المقدمات الوجودية بكلا قسميها لانه فعلي قبل وجودها فيحرّك لا محالة نحو ايجادها تبعا لتحريكه نحو متعلقه ، بمعنى ان المكلّف مسئول عقلا من قبل ذلك التكليف عن ايجاد تلك المقدّمات. وهذا التحريك يبدأ من حين فعلية التكليف المجعول ، فقبل ان يصبح التكليف فعليا لا محرّكية له نحو المقدمات (١) تبعا لعدم محركيته نحو متعلقه لان المحرّكية من شئون الفعلية (*). (واذا) اتفق ان قيدا ما كان مقدمة وجوبية ووجودية معا (٢) امتنع تحريك التكليف نحوه لتفرّعه على وجوده ، وانما يكون محرّكا ـ بعد وجود ذلك القيد ـ نحو التقيّد وايقاع الفعل مقيّدا به.

وامّا تحديد الضابط الذي يسير عليه المولى فهو ان كل ما كان من شروط الاتصاف في مرحلة الملاك يأخذه قيدا للوجوب لا للواجب فيصبح مقدمة وجوبية ، والوجه في ذلك واضح لانه لما كان شرطا في الاتصاف فلا يهتم المولى بتحصيله ، بينما لو جعله قيدا للواجب وكان (٣)

__________________

(١) الوجودية كالوضوء والسير الى الحج وذلك لعدم محرّكية هذا الوجوب نحو الصلاة قبل الزوال والحج قبل الاستطاعة.

(٢) كالاستطاعة والعقل بالنسبة الى الحج ، فانهما مقدّمتان وجوبيّتان بالنسبة الى الحج ، (وبما) انه يجب اداء الحج عن استطاعة وقدرة وعقل ، فهما اذن مقدمتان وجوديتان ايضا لانه يجب الحفاظ على الاستطاعة ونحوها لكي يقع الحج عن استطاعة.

__________________

(*) ذكرنا اكثر من مرّة ان المحرّكية من شئون تنجيز الحكم لا من شئون الفعلية فراجع مثلا بداية مسألة «شرطية القدرة ومحلها».

٢٠١

الوجوب فعليا قبله لا صبح مقدمة وجودية ولكان التكليف محرّكا نحو تحصيله فيتعين جعله مقدمة وجودية.

وامّا ما كان من شروط الترتب (١) فهو على نحوين :

احدهما : ان يكون اختياريا للمكلّف ، وفي هذه الحالة يأخذه المولى قيدا للواجب لانه يهتمّ بتحصيله.

والآخر : ان يكون غير اختياري (٢) ، وفي هذه الحالة يتعين اخذه قيدا للوجوب اضافة الى اخذه قيدا للواجب ، ولا يمكن الاقتصار على تقييد الواجب به ، إذ مع الاقتصار كذلك يكون التكليف محرّكا نحوه ومدينا للمكلف به وهو غير معقول لعدم كونه اختياريا.

وبهذا يتّضح أن الضابط في جعل شيء قيدا للوجوب احد أمرين : إما كونه شرط الاتصاف وامّا كونه شرط الترتب مع عدم كونه مقدورا.

__________________

(١) وهو التقيد ، ككون الصلاة عن طهارة مثلا والدواء بعد الطعام.

(٢) أي قد لا يكون التقيد دائما اختياريا ككون الصلاة عن طهارة وذلك كما لو كان المكلف في مكان لا ماء فيه للوضوء ففي هذه الحالة لا يكون الامر بكونها عن طهارة مطلقا وانما يكون مقيدا بالامكان فيقول المولى تعالى مثلا «اذا تمكّنت من الصلاة عن طهارة فافعل» فصار «التمكن من كون الصلاة عن طهارة» مقدمة وجوبية لانه صار شرط الحكم ، ويكون مقدّمة واجب لانه يجب المحافظة على الطهارة بعد دخول الوقت لتقع الصلاة عن طهارة.

٢٠٢

(القيود المتأخّرة زمانا عن المقيّد)

القيد سواء كان قيدا للحكم المجعول (١) او للواجب الذي تعلق به الحكم (٢) قد يكون سابقا زمانا على المقيد به (٣) وقد يكون مقارنا (٤). فالقيد المتقدّم للحكم من قبيل هلال شهر رمضان الذي هو قيد لوجوب الصيام مع ان هذا الوجوب يبدأ عند طلوع الفجر ، والقيد المقارن للحكم من قبيل الزوال بالنسبة الى الصلاة ، والقيد المتقدّم للواجب من قبيل الوضوء بناء على كون الصلاة مقيدة بالوضوء لا بحالة مسبّبة عنه مستمرة [وهي الطهارة](*) والقيد المقارن له من قبيل الاستقبال بالنسبة الى الصلاة.

__________________

(١) كالاستطاعة بالنسبة الى الحج لقول المولى مثلا «اذا استطعت فحج» فان الاستطاعة قيد لفعلية الحج

(٢) ككون الصلاة عن طهارة

(٣) كمثال الاستطاعة الى الحج ، مع العلم بتأخّر وقت الحج الى موسمه

(٤) كالزوال بالنسبة الى فعلية وجوب الصلاة مع العلم بتقارن زمان وجوب الصلاة مع زمان وقتها

__________________

(*) الصحيح هو كون الصلاة مقيدة بالطهارة كتقيدها بالاستقبال وهذا امر بيّن ، من اللغو الاستدلال عليه

٢٠٣

وقد افترض في الفقه احيانا كون القيد متأخّرا زمانا عن المقيد ، ومثاله في قيود الحكم قيدية الاجازة لنفوذ عقد الفضولي بناء على القول بالكشف (١) ، ومثاله في قيود الواجب غسل المستحاضة في

__________________

(١) بيان ذلك : انه قد ورد في صحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه‌السلام قال : قضى امير المؤمنين عليه‌السلام في وليدة باعها ابن سيّدها وابوه غائب فاستولدها الذي اشتراها فولدت منه غلاما ثم جاء سيدها الاوّل فخاصم سيدها الآخر فقال : وليدتي باعها ابني بغير اذني ، فقال : «الحكم ان يأخذوا وليدته وابنها» ، فناشده الذي اشتراها ، فقال عليه‌السلام له : «خذ ابنه الذي باعك الوليدة حتى ينفذ لك ، فلما اخذه قال له ابوه : ارسل ابني ، قال : لا والله لا ارسل اليك ابنك حتّى ترسل ابني ، فلما رأى ذلك سيد الوليدة اجاز بيع ابنه» الكافي ج ٥ ، كتاب المعيشة باب شراء الرقيق ، ح ١٢ ، ص ٢١١ ، وتجدها في التهذيب ، ج ٢ ، ص ١٣٨ و٢٥٠ والاستبصار ، ج ٣ (ط النجف) ص ٨٥ والفقيه ج ٣ (ط النجف) باب البيوع (رقمه ٦٩) ، ح ٥٦ ، ص ١٤٠.

(ولعلّ) هذه الرواية احسن الروايات سندا ودلالة على وجود الشرط المتاخّر في الشريعة ، ومن عمدة ما استدلّ به القائلون بالكشف في باب اجازة بيع الفضولي. (وذلك) بتقريب ان الامام الباقر حين يروي قصة ما حصل مع امير المؤمنين قال «... اجاز بيع ابنه» ويعني بذلك انه باجازته هذه ترتّبت الآثار من ملكية الأمة وابنها من حين شراء المالك الثاني للامة ، وهو القول بالكشف. (ومن المعلوم) ان الامام الباقر في مقام تعليم الامّة وتبليغها الاحكام الشرعية ، فلو لم تكن الاجازة تصحّح البيع الفضولي شرعا بنحو الكشف وترتّب الملكيّة من زمان العقد لما قال الامام عليه‌السلام «أجاز بيع ابنه» ، وبتعبير آخر : لو اراد الامام الباقر ان البيع حصل حين الاجازة

٢٠٤

__________________

على نحو بيع ابنه له ـ اي بنفس القيمة ـ لقال عليه‌السلام «فباعه اياهما بنفس السعر الذي باعه ابنه له» أي لم يأخذ قيمة المولود الجديد. (المهم) انّ قوله عليه‌السلام «... أجاز بيع ابنه» لا يمكن ان يراد به الّا حصول الملكية من زمان العقد والّا لوقع الفصل بين البيع المجاز (الاوّل) وبين الملكية وهو فصل بين العلّة الشرعية ومعلولها وهو محال شرعا ولو من باب لغويّة شرعية البيع الاوّل. (فان قلت) ان القول بان المبيع كان في هذه الفترة السابقة ملكا للمالك الاوّل ثم بالاجازة صار ـ في نفس هذه الفترة ـ ملكا للمالك الثاني (المشتري) يورث التضاد ، (قلنا) لا تضادّ في البين وانما كان قبل الاجازة للمالك الاوّل وبعدها صار للمالك الثاني ، ولم يجتمع مالكان على ملك واحد في زمان واحد(*).

__________________

(*) (اقول) لكن حتى لو سلّمنا بهذا وبالظهور في الكشف لكن ألا يوقعنا هذا التناقض من ناحية اخرى وهي حصول المعلول (وهي الملكية من زمان العقد) قبل تمامية العلّة؟! لان معنى حصول المعلول (الملكية) ان العلّة كانت تامّة قبل الاجازة (بالقبيلة الترتبية لا القبلية الزمانية) مع انك اعتبرت ان العلّة كانت ناقصة قبل الاجازة ولذلك كانت الاجازة. ومن هنا قالوا باستحالة الشرط المتأخّر عقلا فيستحيل شرعا لانه لا يوجد في الشرع احكام مستحيلة عقلا وتورث التناقض ، فيبطل القول بالكشف لاستحالته ثبوتا. (وأمّا جوابهم) بأنّ هذا الشرط المتأخّر (وهو الاجازة) بناء على القول بالكشف ممكن عقلا لكن باخراجه عن التأخّر وتحويله مقارنا. كما قال صاحب الكفاية. وذلك بأن نقول ان العقد الفضولي الملحوق بالاجازة ينتج الملكية من زمان العقد وحصول الملكية امر اعتباري سهل المئونة فعلتها امر اعتباري ايضا لا تكويني كي نقع في التناقض (فضعفه واضح) ، وذلك لان اعتبار الشرط المتاخّر. حقيقة وواقعا. مقارنا أمر لا يخرج الشرط المتاخّر عن واقعية تأخّره ، وكون الملكية من الامور الاعتبارية لا يخرجها عن كونها معلولة حقيقة وواقعا لعلّتها من «العقد والاجازة» فكيف يحصل المعلول (الملكية) قبل تمامية العلّة الحقيقية والواقعية في نظر الشارع المقدّس. (وبتعبير آخر) ان الامر الاعتباري هنا لا يوجّه الّا

٢٠٥

الليل (١) الدخيل في صحّة صيام النهار المتقدّم على قول بعض الفقهاء.

__________________

(١) بيان ذلك : ورد في صحيحة علي بن مهزيار قال : كتبت اليه عليه‌السلام : امرأة طهرت من حيضها او دم نفاسها في اوّل يوم من شهر رمضان ثم استحاضت فصلّت وصامت شهر رمضان كله من غير ان تعمل ما تعمل المستحاضة من الغسل لكلّ صلاتين هل يجوز (يصحّ) صومها وصلاتها ام لا؟ فكتب عليه‌السلام : «تقضي صومها ولا تقضي صلاتها ، لان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يأمر (فاطمة و) المؤمنات من نسائه بذلك». وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «ولا تقضي صلاتها» مخالف لما هو معروف عندنا من وجوب قضاء صلاتها ايضا لعدم تمام طهارتها (راجع وسائل باب ١ ، ابواب الاستحاضة) ولكن عدم صحّة بعض كلام الثقة لا يسقط سائر كلامه عن الحجية كما هو محقّق في محلّه. (وعليه) فنقول : ان قوله عليه‌السلام «تقضي صومها» لانها لم تغتسل لكل صلاتين قد يراد به.

١ ـ جميع الاغسال المحتمل دخالتها في صحّة الصوم من غسل الليلة السابقة وغسل الفجر وغسل النهار وغسل الليلة المقبلة ،

٢ ـ وقد يراد به الثلاثة الاول ،

٣ ـ وقد يراد به الثلاثة الاخيرة ، على ان يسبق غسل الفجر طلوع الفجر بقليل ليقع الصيام عن غسل

__________________

بتوجيه انّ المولى يلاحظ هذا العقد ـ في عالم الذهن ـ انه ملحوق بالاجازة ، ونتيجة ذلك ترتّب الملكية في عالم الذهن لا خارجا وواقعا وقبل حصول الاجازة ، ولذلك يكون المتعيّن والصحيح هو القول بالنقل ، أي بحصول الملكية من حين الاجازة والله العالم.

هذا بيان وجه استحالة الشرط المتأخّر والمنشأ الفقهي لذلك من خلال احدى الامثلة الفقهية وهي مسألة كيفية تخريج كلام الامام الباقر عليه‌السلام عقليا بناء على ظهور كلامه في الكشف والردّ على هذا التخريج ، وهي من مشكلات الروايات.

٢٠٦

__________________

٤ ـ وقد يراد به الغسلين الاوسطين على ان يسبق غسل الفجر طلوع الفجر كما قلنا بدعوى انّ هذا هو ما يفهمه المتشرّعة ، إذ لا ضرورة لغسل الليلة السابقة مع غسل الفجر هذا ولا ضرورة متشرّعيا لغسل الليلة الآتية بعد فوات وقت الصيام ،

ولا يحتمل عدم وجوب غسل الفجر لكونه القدر المتيقّن أوّلا ولورود وجوبه في صحيحة معاوية بن عمّار وغيرها ثانيا(*).

__________________

(*) والصحيح ـ طبقا لتحقيقنا العاجل ـ هو الاحتمال الاخير ، ولا يجب غسل الليلة الماضية ولا الآتية ، فانّ اقصى ما يمكن ان يوجّه به وجوبهما هو أنّ قوله عليه‌السلام «من الغسل لكل صلاتين» ظاهر في ارادة لزوم غسلين لصلاتي الظهرين والعشاءين ، امّا ايّ عشاءين منهما لا ندري وقد يكون كلا الغسلين لليلتين السابقة واللاحقة ، لكننا ننفي كلا الاحتمالين ـ اي ارادة احد الغسلين للعشاءين او كليهما لكلتا الليلتين ـ لوجود انصراف عرفي عن كون المراد من بعض الاغسال هو الغسل لليلة الآتية ، إذ يرون ان الصوم قد انتهى فكيف يكون مشروطا بلحوقه بالغسل بعد الغروب؟! (وامّا) الليلة الماضية فقد يستدل على لزوم الغسل لليلة السابقة بادّعاء معلومية ان المناط في وجوب هذه الاغسال هو لرفع الحدث ، كي لا تدخل في الصيام وهي بهذا الشكل. وكيفما كان فانه يمكنها الغسل آخر السحر لتصحيح صيامها وتشتغل بمقدمات العبادة بحيث لا ينافي ذلك المبادرة الى صلاة الصبح ، (وقد) يكفينا التشكيك في واقعية هذا المناط حتى ننفيه بالبراءة ، وعلى فرض صحّته لا يعلم باشتراطه لوضوح ان تسامح الشارع المقدّس مع المرأة وعدم الزامها بالغسل آخر السحر او في اول الفجر رغم استمرار الحدث حسب الفرض يكشف عن عدم شرطية غسل الليلة السابقة في صحّة الصيام ، ولا أقل مع وجود هكذا شك ننفي اشتراط صحّة الصيام بغسل الليلة السابقة بالبراءة ، وبهذا المقالة قال جماعة من اصحابنا ، راجع العروة الوثقى في احكام الاستحاضة مسألة ١٢ ، وفي احكام المفطرات مسألة ٤٩ ، (ومن المفيد) مراجعة تنقيح السيد الخوئي (رحمه‌الله) ، ج ٧ ، ص ١٣٩ ، ومستنده. كتاب الصوم ، ج ١ في المفطرات مسألة ٤٩ ، ص ١٩٤.

٢٠٧

ومن هنا وقع البحث في امكان الشرط المتأخّر وعدمه ، ومنشأ الاستشكال هو ان الشرط والقيد بمثابة العلّة او جزء العلّة للمشروط والمقيد ، ولا يعقل ان تتأخّر العلّة او شيء من أجزائها زمانا عن المعلول والا يلزم تاثير المعدوم في الموجود (١) ، لان المتاخّر معدوم في الزمان السابق فكيف يؤثّر في وقت سابق على وجوده؟!

وقد اجيب على هذا البرهان : امّا فيما يتعلّق بالشرط المتاخّر للواجب (٢) فبأن كون شيء قيدا للواجب مرجعه الى تحصيص الفعل بحصّة خاصّة وليس القيد علّة او جزء علّة للفعل (٣) ، والتحصيص كما يمكن ان يكون باضافته الى امر مقارن او متقدم (٤) كذلك يمكن أن يكون بامر

__________________

(١) بمعنى يلزم تأثير العلّة الناقصة في المعلول ، والعلّة الناقصة بمثابة «عدم العلّة» كما هو واضح.

(٢) كما في مثال شرطية غسل الليلة الآتية في صحّة صيام المستحاضة الكبرى ، وذلك بأن يقال بأن الواجب المطلوب هو الصيام الملحوق بالغسل ، وهو حصّة خاصّة من الصيام ، وليس الغسل الآتي شرطا في صحّة الصيام ، (وهذا) الجواب هو لصاحب الكفاية (قده).

(٣) بيانه ان الغسل اللاحق ليس شرطا لصحة الصوم كي يقال باستحالة هذا الشرط المتأخّر عن المعلول ، وانما الغسل هو صفة تتبع الصيام ليصير هذا الصيام محبوبا.

(٤) الامر المقارن كالطهارة والاستقبال في الصلاة ، والامر المتقدم كالوصية بكتاب ما مثلا فانه بالموت يملكه الموصى له ، وكالعقد في بيع السلم وفي الصرف فانّ المبيع لا يملّك فيهما إلّا بالقبض ـ على ما هو معروف ـ وكعقد الفضولي بناء على القول بالنقل ، فان الوصية والعقود المذكورة امور متقدمة على الملكية.

٢٠٨

متأخر. وامّا فيما يتعلق بالشرط المتاخّر للحكم (١) فبأن الحكم تارة يراد به الجعل واخرى يراد به المجعول ، امّا الجعل فهو منوط بقيود الحكم بوجودها التقديري اللحاظي لا بوجودها الخارجي كما تقدّم ، ووجودها اللحاظي مقارن للجعل (٢) ، وامّا المجعول فهو وإن كان منوطا بالوجود الخارجي لقيود الحكم ولكنه مجرّد افتراض وليس وجودا حقيقيا خارجيا فلا محذور في اناطته بأمر متأخّر (٣).

__________________

(١) كالاجازة في بيع الفضولي ، والمراد بالحكم هنا «وجوب الوفاء بعقد الفضولي».

(٢) يريد بهذا الكلام أن يقول انّ للمولى في مرحلة الجعل ان يحدّد ظرف الشرط المتاخّر ، وتسميته بالشرط تساهل والا فهو في الحقيقة ليس شرطا وانما امر يلحظه المولى بنحو ان من صام مثلا يوم السبت فان عليه ان يغتسل لليلة القادمة لكي يكون هذا الصيام محبوبا عنده. ولعلّ اوّل القائلين بهذا الكلام هو المحقق الخراساني وتبعه من بعده كالمحقق النائينى والسيد الشهيد (رحمهما‌الله).

(٣) وهنا يريد (قدس‌سره) ان يقول ان المجعول (وهو الحكم الفعلي بوجوب الوفاء بالعقد) وان كان منوطا بحصول الاجازة خارجا ولكن هذا الحكم المجعول هو مجرّد افتراض وفي عالم التصوّر لا اكثر ، ولا يوجد في الواقع حكم مجعول يغاير الجعل ، (وذلك) لان الحكم المجعول ليس الّا نفس الجعل قد تحققت شرائط فعليته ولو لم يطّلع المولى على تحققها ، ففعلية الحكم امر مربوط بالعبد لا بالمولى اي ان المولى لا يجعل حكما آخر ـ بعد ما تتحقق شرائط فعلية الجعل ـ اسمه حكم مجعول او فعلي ، بل هو عين الجعل ، وانما يزيد عليه انه ـ لتحقق شرائط فعليته ـ يصير فعليا ، لا ان المولى يجعل هذا الحكم المجعول (الفعلي) ايضا. (وهذا) المعنى متبنّى السيد المصنف (قده)

٢٠٩

والتحقيق ان هذا الجواب وحده ليس كافيا ، وذلك لان كون شرط قيدا للحكم والوجوب (١) او للواجب ليس جزافا وانما هو تابع للضابط المتقدّم وحاصله ان ما كان دخيلا وشرطا في اتصاف الفعل بكونه ذا مصلحة يؤخذ قيدا للوجوب ، وما كان دخيلا وشرطا في ترتّب المصلحة على الفعل يؤخذ قيدا للواجب.

والجواب المذكور انما نظر الى دخل الشرط بحسب عالم الجعل في تحصيص الواجب او في الوجوب المجعول واغفل (٢) ما يكشف عنه ذلك من دخل قيد الواجب في ترتّب المصلحة ووجودها ، ودخل قيد الوجوب في اتصاف الفعل بكونه ذا مصلحة. وترتب المصلحة امر تكويني ، واتصاف الفعل بكونه ذا مصلحة امر تكويني أيضا فكيف يعقل ان يكون الامر المتأخّر كغسل المستحاضة في ليلة الأحد مؤثّرا في ترتّب المصلحة على الصوم في نهار السبت السابق اذا اخذ قيدا للواجب؟ وكيف يعقل ان يكون الامر المتأخّر كالغسل المذكور مؤثرا في اتصاف

__________________

في ابحاث خارجه وان كان قد يتوهم من خلال قوله فيما بعد «والتحقيق ...» انه ليس مقبولا.

(١) هذا العطف هو عطف الخاص على العام كما هو واضح ، فانّ البحث هو عن امكان تقيّد الحكم ـ وجوبا كان او حرمة او استحبابا او كراهة او اباحة ـ بشرط متأخّر ، ولكن ركّزوا البحث على خصوص الوجوب والواجب لانهما من ابرز المصاديق ومن ابرز ما ورد الاشكال عليهما في الفقه كما رايت في الامثلة السابقة.

(٢) هذا لب التحقيق والجواب ، وهو ضرورة حلّ المشكلة من أساسها وفي مرحلة الملاك.

٢١٠

الصوم في يوم السبت بكونه ذا مصلحة اذا اخذ قيدا للوجوب؟ (١)

ومن هنا قد يقال باستحالة الشرط المتأخّر ويلتزم بتأويل الموارد التي توهم ذلك بتحويل الشرطية من أمر متأخّر الى امر مقارن ، فيقال مثلا : ان الشرط في نفوذ عقد الفضولي على الكشف ليس هو الاجازة المتأخّرة بل كون العقد ملحوقا بالاجازة ، والشرط في صوم المستحاضة يوم السبت كونه ملحوقا بالغسل وهذه صفة فعلية قائمة بالامر المتقدّم.

وثمرة البحث في الشرط المتأخر إمكانا وامتناعا تظهر من ناحية في امكان الواجب المعلّق وامتناعه ، فقد تقدّم في الحلقة السابقة ان امكان الواجب المعلّق يرتبط بامكان الشرط المتأخر (٢) ، وتظهر من ناحية اخرى

__________________

(١) لم يذكر السيد المصنف رحمه‌الله رأيه هنا وذكره في بحوث خارجه فنختصره ممّا قرّره السيد الهاشمي حفظه الله في ج ٢ ص ١٨٣ وهو : انه قد يتخيّل البعض ان الشرط كان متأخّرا عن المقتضي ، وهذا التوهّم غير صحيح وانما اثر المقتضي لا بدّ وان يكون له وجود في زمان الشرط كي تجتمع العلّة وتتمّ وإلّا لا يمكن تصوّر حصول المعلول من دون تمامية العلّة. فالشرط المتأخّر اذن غير ممكن.

(٢) بمعنى انه إذا أمكن الشرط المتأخّر امكن الواجب المعلّق لان الواجب المعلّق هو الواجب الذي إذا جاء وقته انكشف ان وجوبه الفعلي كان من الزمان السابق ، كالحج فانه ـ على قول ـ اذا جاء وقته ينكشف ان الوجوب الفعلي للحج قد كان فعليا من حين الاستطاعة ، فالشرط المتأخّر هنا هو حلول أشهر الحج ، فان بقي المستطيع حيّا الى وقت الحج ينكشف لديه ان الوجوب كان فعليا من حين الاستطاعة ، وان لم يبق حيّا الى موسم الحج فانه ينكشف لدينا ان الوجوب لم يكن عليه فعليا.

(وامّا) اذا قلنا باستحالة الشرط المتاخّر ـ كما يقول السيد المصنف بحقّ ـ فان

٢١١

فيما اذا دلّ الدليل على شرطية شيء كرضا المالك الذي دلّ الدليل على شرطيّته في نفوذ البيع وتردّد الامر بين كونه شرطا مقارنا (١) او متأخّرا ، فانه على القول بامتناع الشرط المتأخّر يتعيّن الالتزام بكونه شرطا مقارنا ، فيقال في المثال بصحّة عقد الفضولي على نحو النقل ، لان الحمل على الشرط المتأخّر إن كان بالمعنى الحقيقي للشرط المتأخّر فهو غير معقول ، وإن كان بالتأويل فهو خلاف ظاهر الدليل ، لان ظاهره شرطية تقارن الرضا (٢) مع العقد لا كون العقد ملحوقا به ، واما على الثاني (٣) فلا بدّ من اتّباع ما يقتضيه ظاهر الادلة اي شيء كان.

__________________

الواجب المعلّق مستحيل ، ووجهه واضح ، فاننا اذا قلنا باستحالة الشرط المتأخّر فان ذلك يعني لزوم تقارن فعلية الحكم مع وقت الواجب امّا من حين الاستطاعة يصير وجوب الحج فعليا ولو بلحاظ مقدّمات السفر وامّا عند دخول وقت الواجب. راجع الحلقة الثانية مسألة «زمان الوجوب والواجب».

(١) في النسخة الاصلية «متقدما» وهو من سهو القلم ، والصحيح «مقارنا».

(٢) في النسخة قال «نفس الرضا» بدل «تقارن الرضا مع العقد» ، والصحيح ما اثبتناه.

وإنّ ذكر الرضا هنا لعله إشارة الى قوله تعالى (إلّآ أن تكون تجرة عن تراض مّنكم)

(٣) وهو على القول بامكان الشرط المتأخّر.

ولا بأس بمراجعة بحث الكشف والنقل في المستمسك ج ١٤ ص ٤٩٤.

٢١٢

(زمان الوجوب والواجب)

(الواجب المعلّق)

لا شك في ان زمان الوجوب لا يمكن ان يتقدّم بكامله على زمان الواجب ، ولكن وقع الكلام في انه هل يمكن ان يبدأ قبله او لا؟ ومثاله ان يفترض ان وجوب صيام شهر رمضان يبدأ من حين طلوع هلاله غير ان زمان الواجب يبدأ بعد ذلك عند طلوع الفجر (١).

وقد ذهب جملة من الاصوليين كصاحب الفصول (٢) الى امكان ذلك وسمّى هذا النحو من الوجوب (٣) بالمعلّق ، تمييزا له عن الوجوب

__________________

(١) من المهم مطالعة ما ذكره السيد الخوئى رحمه‌الله في محاضراته ج ٢ ص ٣٤٧ قبل البدء بالبحث ، هذا اوّلا ، وثانيا كان الاولى جعل هذا البحث ضمن المسألة التالية لكون القول بالواجب المعلّق انما هو لاثبات وجوب المقدمات المفوّتة.

(٢) الظاهر انه اصل القول بالواجب المعلّق وتبعه جمع من الاعلام كصاحب الكفاية والسيد الخوئي وغيرهم ، وخالفهم البعض الآخر كالنائيني والسيد الشهيد. (راجع المحاضرات ج ٢ ص ٣٥٣ وج ٣ ص ٢٥٠ ، ومنتهى الاصول ج ١ ص ١٦٩).

(٣) قال «الوجوب» دون «الواجب» عمدا بدليل تكرارها مرات في هذا البحث وغيره ، وجه ذلك هو رجوع القيد الى الوجوب بنحو

٢١٣

المشروط ، فكلّ منهما ليس ناجزا بتمام المعنى غير ان ذلك في المشروط ينشأ من اناطة الوجوب بشرط ، وفي المعلّق من عدم مجيء زمان الواجب.

فان قيل اذا كان زمان الواجب متأخّرا ولا يبدأ إلا عند طلوع الفجر فما الداعي للمولى الى جعل الوجوب يبدأ من حين طلوع الهلال ما دام وجوبا معطلا عن الامتثال أوليس ذلك لغوا؟

كان الجواب ان فعلية الوجوب تابعة لفعلية الملاك ، اي لاتصاف الفعل بكونه ذا مصلحة ، فمتى اتصف الفعل بذلك استحقّ الوجوب الفعلي فاذا افترضنا ان طلوع الفجر ليس من شروط الاتصاف بل من شروط الترتّب ، وان ما هو من شروط الاتصاف طلوع هلال الشهر فقط ، فهذا يعني انه حين طلوع الهلال يتصف صوم النهار بكونه ذا مصلحة فيكون الوجوب فعليا وإن (١) كان زمان الواجب مرهونا بطلوع الفجر ، لان طلوع الفجر دخيل في ترتّب المصلحة. ولفعلية الوجوب عند طلوع الهلال آثار عمليّة على الرّغم من عدم امكان امتثاله ، وذلك لأنّه من حين يصبح فعليا تبدأ محرّكيّته نحو المقدّمات وتبدأ مسئولية المكلف عن

__________________

الشرط المتأخّر. مثال ذلك انه إذا استطاع المكلف الى الحج فان وجوب الحج يكون فعليا عليه لكن بشرط بقاء قدرته عليه في وقته ، وإلا فانه ينكشف انه لم يكن فعليا عليه. فعلى هذا سيرجع القيد الى الوجوب حتّى ولو ادّعى صاحب الفصول بانه راجع الى الواجب بتقريب ان الوجوب فعلي من حين الاستطاعة ولكن وقت الواجب استقبالي.

(١) وصلية

٢١٤

تهيئة مقدّمات الواجب (١).

وقد اعترض على امكان الواجب المعلّق باعتراضين :

الاوّل (٢) : ان الوجوب حقيقته البعث والتحريك نحو متعلّقه ، ولكن لا بمعنى البعث الفعلي وإلّا لكان الانبعاث والامتثال ملازما له لان البعث ملازم للانبعاث ، بل بمعنى البعث الشأني أي انه حكم قابل للباعثية ، وقابلية البعث تلازم قابلية الانبعاث فحيث لا قابلية للانبعاث لا قابلية للبعث فلا وجوب. ومن الواضح انه في الفترة السابقة على زمان الواجب لا قابلية للانبعاث فلا بعث شأني وبالتالي لا وجوب.

ويرد عليه ان الوجوب حقيقته في عالم الحكم امر اعتباري وليس متقوّما بالبعث ـ الفعلي او الشأني ـ ، وانما المستظهر من دليل جعل الوجوب انه قد جعل بداعي البعث والتحريك (٣) ، والمقدار المستظهر من الدليل ليس بأزيد من ان المقصود من جعل الحكم اعداده لكي يكون محرّكا شأنيا خلال ثبوته (٤) ولا دليل على ان المقصود جعله كذلك من بداية ثبوته.

الثاني : ان طلوع الفجر امّا ان يؤخذ قيدا في الواجب فقط (٥) او

__________________

(١) كغسل الجنابة مثلا.

(٢) هذا الاعتراض للمحقق الاصفهاني (قده) ذكره في نهاية الدراية. (راجع مباحث السيد الهاشمي ج ٢ ص ٢٠١).

(٣) وإن بعد حين.

(٤) اي ثبوت الحكم الفعلي.

(٥) وهذا هو مراد صاحب الفصول.

٢١٥

يؤخذ قيدا في الوجوب أيضا. فعلى الاوّل يلزم كون الوجوب محرّكا نحوه لما تقدّم من ان كل قيد يؤخذ في الواجب دون الوجوب يشمله التحريك المولوي الناشئ من ذلك الوجوب وهذا غير معقول لان طلوع الفجر غير اختياري (١) ، وعلى الثاني يصبح طلوع الفجر شرطا للوجوب ، فان كان شرطا مقارنا فهذا معناه عدم تقدم الوجوب على زمان الواجب (٢) ، وان كان شرطا متاخّرا يلزم محذور الشرط المتأخّر ، والشيء

__________________

(١) فكيف يمكن ان نصحّح امكانية طلب امر لا يقع الا في المستقبل مع كون المستقبل امرا غير اختياري ولا يمكن للمكلف الآن ان يأتي بهكذا فعل مستقبلي(*).

(٢) وبتعبير آخر هذا خلاف فرض صاحب الفصول بان وقت الواجب يحصل بعد فعلية الوجوب.

__________________

(*) (ويمكن) الدفاع عن صاحب الفصول بان يقال انه يكفينا فائدة وجوب تهيئة المقدمات كالسفر الى الحج وغسل الجنابة قبل طلوع الفجر. قال السيد البجنوردي في منتهى اصوله ج ١ ص ١٦٩ «... المشهور في معنى الواجب المعلّق هو ان يكون الواجب ظرفه في الزمان المتأخّر ويكون وجوبه فعليا ، بمعنى ان الوجوب الفعلي والارادة الحالية تعلقت بجميع اجزاء الواجب الذي يكون ظرف وجوده متاخّرا وتكون مقدّمات الواجب مشمولة للبعث والتحريك كالسفر الى الحج وغسل الجنابة قبل طلوع الفجر ...» انتهى بتصرّف وتوضيح منا.

(فاذا) كان هذا هو مراد صاحب الفصول فلن يقع في مشكلة الشرط المتأخّر ، لان الوقوع في مشكلة الشرط المتأخّر يقتضي ان يقصد ان الوجوب مطلق وفعلي لكن لا يصير فعليا في السابق الّا إن بقيت القدرة الى الغد!

٢١٦

نفسه نقوله عن القدرة على الصيام عند طلوع الفجر فانها كطلوع الفجر في الشقوق المذكورة (١) ، ومن هنا كنا نقول في الحلقة السابقة ان امكان الوجوب المعلّق يتوقف على افتراض امكان الشرط المتأخّر وذلك باختيار الشقّ الاخير.

وامّا ثمرة البحث في امكان الواجب المعلّق فتأتي الاشارة اليها ان شاء الله تعالى (٢).

__________________

(١) أي كما ان طلوع الفجر يمكن ان يؤخذ قيدا في الواجب او في الوجوب مقارنا او بنحو الشرط المتأخّر فكذلك القدرة على الصيام عند طلوع الفجر تماما ، وذلك لان كليهما غير اختياريين ، فكما انه لا يمكن ان يؤخذ طلوع الفجر قيدا في الواجب ولا في الوجوب فكذلك القدرة على الصيام عند الفجر ووجود العقل عند الفجر والطهر من الحيض عند الفجر ، فانها كلها امور ليست اختيارية.

(٢) آخر التفسير الثاني من البحث التالي.

٢١٧
٢١٨

(المسئولية عن المقدّمات قبل الوقت)

(المقدّمة المفوّتة)

اتضح ممّا تقدّم ان المسئولية تجاه مقدمات الواجب (١) انما تبدأ ببداية فعلية الوجوب (*) ، ويترتب على ذلك ان الواجب اذا كان له زمن متأخّر وكان يتوقف على مقدمة ولم يكن بالامكان توفيرها في حينها ولكن كان بالامكان ايجادها قبل الوقت فلا يجب على المكلّف ايجادها قبل الوقت ، إذ لا مسئولية تجاه مقدّمات الواجب إلا بعد فعلية الوجوب ، وفعلية الوجوب منوطة بالوقت وتسمّى المقدّمة في هذه الحالة بالمقدّمة المفوّتة.

ومثال ذلك ان يعلم المكلف قبل الزوال بانه اذا لم يتوضّأ الآن فلن يتاح له الوضوء بعد الزوال فيمكنه ان لا يتوضّأ ولا يكون بذلك مخالفا للتكليف بالصلاة بوضوء ، لان هذا التكليف ليس فعليا الآن وانما يصبح فعليا عند الزوال ، وفعليّته وقتئذ منوطة بالقدرة على متعلقه في ذلك الظرف لاستحالة تكليف العاجز ، والقدرة في ذلك الظرف على الصلاة

__________________

(١) اي : تجب مقدّمات الواجب ـ كالوضوء ـ عند فعلية الوجوب ، اي عند تحقق البلوغ والعقل والزوال.

__________________

(*) قال في النسخة الاصلية «... مقدمات الواجب من قبل الوجوب انما تبدأ ببداية فعلية هذا الوجوب» والاولى حذف ما حذفناه.

٢١٩

بوضوء متوقفة بحسب الفرض على ان يكون المكلّف قد توضّأ قبل الزوال. فالوضوء قبل الزوال اذن يكون من مقدّمات الوجوب ، وبترك المكلف له يحول دون تحقق الوجوب وفعليّته في حينه ، لا انه يتورط في مخالفته (١).

ولكن يلاحظ احيانا ان الواجب قد يتوقف على مقدّمة تكون دائما من هذا القبيل ، ومثالها وجوب الحجّ الموقوت بيوم عرفة ، ووجوب الصيام الموقوت بطلوع الفجر ، مع ان الحجّ يتوقّف على السفر الى الميقات قبل ذلك ، والصيام من الجنب يتوقف على الاغتسال قبل طلوع الفجر ، ولا شك في ان المكلّف مسئول عن طيّ المسافة من قبل وجوب الحجّ ، وعن الاغتسال قبل الطلوع من قبل وجوب الصيام. ومن هنا وقع البحث في تفسير ذلك وفي تحديد الضوابط التي يلزم المكلّف فيها بايجاد المقدّمات المفوّتة.

وقد ذكرت في المقام عدّة تفسيرات :

التفسير الاوّل : إنكار الوجوب المشروط رأسا وافتراض ان كل وجوب فعلي قبل تحقّق الشروط والقيود المحدّدة له في لسان الدليل (٢) ،

__________________

(١) ولذلك يجوز الفرار من الصيام وصلاة الجمعة ونحوهما قبل دخول الوقت المحدّد وفعلية الحكم.

(٢) اي انّ الله تعالى يحب ويريد الحج من حيث الاستطاعة ، ولذلك يوجب الحفاظ على الاستطاعة ويوجب تهيئة مقدمات الحج قبل وقت الحج ، هذا من حيث إمكان هذا التفسير ، وامّا من حيث البرهنة على صحته فانه يقال بعدم امكان تقييد الهيئة امّا لكونها معنى حرفيا جزئيا والجزئي لا يقبل التقييد واما لكون الهيئة معنى رابطا مغفولا عنه ـ وهو ما يعبّر عنه بالآلي في مقابل الاستقلالي ـ فلا يقبل التقييد ، ولذلك ففي

٢٢٠