تفسير الصراط المستقيم - ج ١

آية الله السيّد حسين البروجردي

تفسير الصراط المستقيم - ج ١

المؤلف:

آية الله السيّد حسين البروجردي


المحقق: الشيخ غلامرضا بن علي أكبر مولانا البروجردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
المطبعة: الصدر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦٠

الباب الثاني

وفيه فصول

٢٢١

٢٢٢

الفصل الاول

في شرفه وفضله وتمثله يوم القيامة وشفاعته لأهله

الشواهد العقلية والنقلية من الكتاب والسنّة على ذلك كثيرة فإنّه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ، ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، وقد نزل به الروح الأمين على قلب خاتم النبيين (صلى‌الله‌عليه‌وآله أجمعين) ، وهو الحبل المتين ، والكتاب المبين ، والنسخة التدوينية المطابقة لعالم التكوين ، ولذا قال سبحانه : (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) (١) ، (وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (٢).

قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) على ما في تفسير الإمام عليه الصلاة والسلام : إنّ هذا القرآن هو النور المبين ، والحبل المتين ، والعروة الوثقى ، والدرجة العليا ، ـ والشفاء الأشفى والفضيلة الكبرى ، والسعادة العظمى ، من استضاء به نورّه الله ومن عقد به أموره عصمه الله ، ومن تمسك به أنقذه الله ، ومن لم يفارق أحكامه رفعه الله ، ومن استشفى به شفاه الله ، ومن آثره على ما سواه هداه الله ، ومن طلب الهدى في غيره أضلّه الله ، ومن جعله شعاره ودثاره أسعده الله ، ومن جعله إمامه الذي يقتدى به ومعوّله الذي ينتهى اليه أدّاه الله الى جنات النعيم ،

__________________

(١) يس ـ ١٢.

(٢) الانعام ـ ٥٩.

٢٢٣

والعيش السليم (١).

وفي «الكافي» ، «وتفسير العياشي» عن مولينا الصادق عليه‌السلام : قال : قال ـ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم): القرآن هدى من الضلالة وتبيان من العمى ، واستقالة من العثرة ، ونور من الظلمة ، وضياء من الأجداث (الأحزان خ ل ، وعصمة من الهلكة ، ورشد من الغواية ، وبيان من الفتن ، وبلاغ من الدنيا إلى الآخرة وفيه كمال دينكم ، وما عدل أحد من القرآن إلّا إلى النار (٢).

أقول : الأجداث بالمعجمة جمع الجدث محرّكة بمعنى القبر والمراد من ظلمة القبور على تقدير المضاف ، ويحتمل أن يكون بالحاء المهملة ، فان أحداث الدهر نوائبه ، وإن كان لا يخلو عن تكلف.

وفيهما بالإسناد عن مولينا الصادق عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام ، قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم): أيها الناس إنكم في دار هدنة ، وأنتم على ظهر سفر ، والسير بكم سريع ، وقد رأيتم الليل والنهار ، والشمس والقمر يبليان كل جديد ، يقرّبان كل بعيد ، ويأتيان بكلّ موعود ، فأعدّوا الجهاز لبعد المجاز ، قال : فقام المقداد بن الأسود وقال : يا رسول الله ما دار الهدنة؟ قال (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) : دار بلاغ وانقطاع فاذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فإنّه شافع مشفع ، وما حل مصدق ، ومن جعله أمامه قاده إلى الجنة ، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار ، وهو الدليل يدل على خير سبيل ، وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل ، وهو الفصل ليس بالهزل ، وله ظهر وبطن فظاهره حكم وباطنه علم ، ظاهره أنيق ـ وباطنه عميق ، له تخوم وعلى تخومه تخوم لا تحصى

__________________

(١) بحار الأنوار ج ٩٢ ص ٣٠٢.

(٢) تفسير العياشي ج ١ ص ٥.

٢٢٤

عجائبه ، ولا تبلى غرائبه ، فيه مصابيح الهدى ، ومنار الحكمة ، ودليل على المعرفة لمن عرف الصفة (١) ، وزاد في الكافي : فليجل جال بصره ، وليبلغ الصفة نظره ينج من عطب ويخلص من نشب ، فإنّ التفكر حياة قلب البصير كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور فعليكم بحسن التخلّص وقلّة التربص (٢).

قلت : إنّما عبّر (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) عن الدنيا بدار الهدنة وهي المصالحة والدعة والسكون إذ فيها اختلاط الحق والباطل مع عدم الفصل والتميز التام والتباس كل منهما بالآخر فلا يقصد فيها الاقامة بل السير على وجه السلامة ، ونيل الكرامة ، وهي ما أشار اليه بقوله : إنّه بلاغ إلى الآخرة وانقطاع عن الدنيا ، وما حل مصدّق أي قويّ شديد يصدّق من اتّبعه أو يصدّقه الله تعالى فيمن يشهد له ويشفعه فيمن يشفع فيه ، أو أنه يسعى بصاحبه إلى الله ، أو أنّه خصم مجادل لأعدائه ، مصدّق موافق لأوليائه ، ومن جعله خلفه ، يعني بالمخالفة والإهانه والتكذيب ، والتخوم كالنجوم جمع تخم بفتح المثناة وسكون الخاء المعجمة كفلس وفلوس.

وعن ابن الأعرابي وابن السكّيت أن الواحد تخوم كرسول والجمع تخم كرسل ، وعلى كلّ حال فهو حدّ الأرض وفي القاموس : إنه الفصل بين الأرضين من المعالم والحدود.

وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم): لمن عرف الصفة : أي صفه التعرّف وكيفية الاستنباط ، كما قيل ، أو أنّه دليل على معرفة الذات لمن عرف الصفات فإنّه لا يمكن معرفته سبحانه إلّا بالصفات التي هي نفس فعله وهو مقام المشيئة وهو الأعراف الذين لا يعرفون الله إلّا بسبيل ولا يتهم ومحبتهم وذلك لأنّ القرآن إنما نزل فيهم وفي

__________________

(١) تفسير العياشي ج ١ ص ٢.

(٢) الأصول من الكافي ج ٢ ص ٥٩٩.

٢٢٥

شيعتهم وفي أعدائهم كما تأتي الاشارة اليه.

وروي العياشي بالإسناد عن الحارث الأعور قال : دخلت على أمير المؤمنين عليه‌السلام فقلت : يا أمير المؤمنين إنّا إذا كنّا عندك سمعنا الذي نسدّد به ديننا وإذا خرجنا من عندك سمعنا أشياء مختلفة مغموسة ، ولا ندري ما هي؟ قال أو قد فعلوها؟ قال : قلت نعم قال عليه‌السلام : سمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) يقول : أتاني جبرئيل فقال : يا محمد ستكون في أمتك فتنة قلت : فما المخرج منها؟ فقال : كتاب الله فيه بيان ما قبلكم من خبر وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم ، وهو الفصل ليس بالهزل ، ومن وليه من جبّار وعمل بغيره قصمه الله ، ومن التمس الهدى في غيره أضلّه الله ، وهو حبل الله المتين ، وهو الذكر الحكيم ، وهو الصراط المستقيم ، لا تزيغه الأهوية ولا تلبسه الألسنة ، ولا يخلق على الردّ ، ولا ينقضي عجائبه ، ولا يشبع منه العلماء ، هو الذي لم تلبث الجن إذا سمعته أن قالوا : (إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ) (١) من قال به صدق ، ومن عمل به أجر ، ومن اعتصم به فقد هدي صراط مستقيم ، هو الكتاب العزيز الذي ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد (٢).

وفي «الكافي» عن أبي جعفر (عليه‌السلام) قال : يجيء القرآن يوم القيامة في أحسن منظور اليه صورة إلى ان قال عليه‌السلام : حتى ينتهي إلى رب العزة فيقول : يا ربّ فلان بن فلان أظمأت هواجره (٣) وأسهرت ليله في دار الدنيا ، وفلان بن فلان لم أظمئ هو اجره لم اسهر ليله فيقول ـ تبارك وتعالى ـ أدخلهم الجنة

__________________

(١) الجن : ١.

(٢) تفسير العياشي ج ١ ص ٣.

(٣) الهواجر جمع الهاجرة وهي شدة حر النهار.

٢٢٦

على قدر منازلهم فيقوم فيتبعونه فيقول للمؤمن اقرأ وارق قال : فيقرأ ويرقى حتى يبلغ كلّ منهم منزلته التي هي له فينزلها (١).

وفيه عن مولينا الصادق عليه‌السلام في حديث يدعى ابن آدم فيقدم القرآن أمامه في أحسن صورة فيقول : يا ربّ أنا القرآن وهذا عبدك المؤمن قد كان يتعب نفسه بتلاوتي ويطيل ليله بترتيلي ، وتفيض عيناه إذا تهجّد فأرضه كما أرضاني قال : فيقول العزيز الجبار : عبدي أبسط يمينك فيملأها من رضوان الله ويملأ شماله من رحمة الله ثم يقال هذه الجنة مباحة لك فاقرء واصعد فإذا قرء آية صعد درجة (٢).

أقول : رضوان الله تعالى إشارة إلى فضله ورحمته عدله ، (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) (٣) أو أنّهما للإشارة إلى قسمي الرحمة ، وهي الواسعة والمكتوبة.

ولذا ورد في تفسير الآية عن مولينا الباقر عليه‌السلام : إنّ فضل الله رسول الله ، ورحمته علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

بل عنه عن النبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) فضل الله نبّوة نبيّكم ورحمته ولاية علي بن أبي طالب عليه‌السلام فبذلك قال (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم): بالنبوة والولاية فليفرحوا يعني الشيعة هو خير مما يجمعون يعني مخالفيهم من الأهل والمال والولد ، واختصاص اليمين بالرضوان والشمال بالرحمة لا يخفى وجهه بعد ما سمعت ولذلك قال : ورضوان من الله أكبر كما أنّ امتلاء الكفّين منهما إشارة إلى عموم فيضه وشمول فضله وأنه إنّما يختلف فيهما الناس باختلاف استعداداتهم

__________________

(١) الأصول من الكافي ج ٢ ص ٦٠١.

(٢) الأصول من الكافي ج ٢ ص ٦٠٢.

(٣) يونس : ٥٨.

٢٢٧

وقبولهم واختيارهم ، كما قال سبحانه : (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها) (١) وأما قوله عليه‌السلام : اقرأ واصعد فكانّ الأمر فيه تكويني وإن كان مستفادا من التشريع بل مقارنا له لتطابق العوالم فالتحقق بحقيقة كلّ آية من الآيات الفرقانية ، أو القرآنية يوجب تجوهر تلك الحقيقة على قدر التحقق بها في المراتب الغير المتناهية إذ به تبلى السرائر وتكشف الضمائر وتجلو الغطاء من البصائر.

وفي «الكافي» بالإسناد عن سعد الخفّاف عن مولينا أبي جعفر (عليه‌السلام) أنه قال : يا سعد تعلموا القرآن فإنّ القرآن يأتي يوم القيامة في أحسن صورة نظر اليه الخلق والناس صفوف عشرون ومأة ألف صف ثمانون ألف صفّ أمة محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) وأربعون الف صفّ من ساير الأمم فيأتي على صفّ المسلمين في صورة رجل فيسلم فينظرون اليه ثم يقولون : لا إله إلّا الله الحليم الكريم إنّ هذا الرجل من المسلمين نعرفه بنعته وصفته غير أنه كان أشد اجتهادا منّا في القرآن فمن هناك أعطى من البهاء والجمال والنور ما لم نعطه ثم يجاوز حتى يأتي على صفّ الشهداء فينظر إليه الشهداء ثم يقولون : لا إله إلّا الله الرب الرحيم إنّ هذا الرجل من الشهداء نعرفه بسمته وصفته غير أنّه من شهداء البحر في صورة شهيد فينظر اليه شهداء البحر فيكثر تعجبهم ويقولون : إنّ هذا من شهداء البحر نعرفه بسمته وصفته غير ان الجزيرة التي أصيب فيها كان أعظم هولا من الجزيرة التي أصبنا فيها فمن هناك أعطى من البهاء والجمال والنور ما لم نعطه ، ثم يجاوز حتى يأتي صف النبيين والمرسلين في صورة نبي مرسل فينظر النبيون والمرسلون إليه فيشتدّ لذلك تعجبهم

__________________

(١) الرعد : ١٧.

٢٢٨

ويقولون : لا إله إلا الله الحليم الكريم إنّ هذا النبيّ مرسل نعرفه بصفته وسمته غير أنه أعطي فضلا كثيرا قال : فيجتمعون فيأتون رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) فيسألونه ويقولون : يا محمد من هذا فيقول (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) : أو ما تعرفونه فيقولون : ما نعرفه هذا مما لم يغضب الله عليه ، فيقول رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) : هذا حجّة الله على خلقه فيسلّم ثم يجاوز حتى صفّ الملائكة في صورة ملك مقرّب فينظر اليه الملائكة فيشتدّ تعجبهم ويكبر ذلك عليهم لما رأو من فضله ويقولون : تعالى ربنا وتقدس إنّ هذا العبد من الملائكة نعرفه بسمته وصفته غير أنّه كان أقرب الملائكة من الله ـ عزوجل ـ مقاما من هناك البس من النور والجمال ما لم نلبس ، ثم يجاوز حتى ينتهي إلى رب العزة تبارك وتعالى : فيخرّ تحت العرش فيناديه تبارك وتعالى يا حجتي في الأرض وكلامي الصادق الناطق ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع فيرفع رأسه فيقول الله تبارك وتعالى : كيف رأيت عبادي ، فيقول : يا رب منهم من صانني وحافظ علي ولم يضيّع شيئا ومنهم من ضيّعني واستخفّ بحقي وكذّب بي وأنا حجتك على جميع خلقك ، فيقول الله تبارك وتعالى : وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لاثيبنّ عليك اليوم أحسن الثواب ولأعاقبنّ عليك اليوم أليم العقاب قال فيرفع القرآن رأسه في صورة اخرى.

قال : فقلت له : يا أبا جعفر في أي صورة يرجع؟ قال عليه‌السلام : في صورة رجل شاحب متغيّر ينكره أهل الجمع فيأتي الرجل من شيعتنا الذي كان يعرفه ويجادل به أهل الخلاف ، فيقول : ما تعرفني؟ فينظر اليه الرجل فيقول : ما أعرفك يا عبد الله قال : فيرجع في صورته التي كانت في الخلق الأول فيقول : ما تعرفني؟ فقال : نعم ، فيقول القرآن : أنا الذي أسهرت ليلك ، وأنصبت عيشك وسمعت الأذى ورجمت بالقول فيّ ألا وإنّ كل تاجر قد استوفى تجارته ، وأنا ورائك اليوم ، قال :

٢٢٩

فينطلق به إلى رب العزة ـ تبارك وتعالى ـ فيقول : يا رب عبدك وأنت أعلم به قد كان نصبا بي مواظبا عليّ يعادي بسبي ويحب في فيقول الله ـ عزوجل ـ أدخلوا عبدي جنّتي وأكسوه حلّة من حلل الجنة وتوجوه بتاج ، فاذا فعل به ذلك عرض على القرآن فيقال له : هل رضيت بما صنع بوليك؟ فيقول : يا رب أستقلّ هذا له فزده مزيد الخير كله فيقول : وعزّتي وجلالي وعلوي وارتفاع مكاني لأنحلنّ له اليوم خمسة أشياء مع المزيد له ولمن كان بمنزلته الا إنّهم شباب لا يهرمون ، وأصحاء لا يسقمون وأغنياء لا يفتقرون ، وفرحون لا يحزنون ، واحياء لا يموتون ، ثمّ تلا هذه الآية (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) (١) قلت : جعلت فداك يا أبا جعفر وهل يتكلّم القرآن؟ فتبسم ثمّ قال : رحم الله الضعفاء من شيعتنا إنّهم أهل تسليم ، ثم قال : نعم يا سعد والصلاة تتكلّم ولها صوره وخلق تأمر وتنهي ، قال وتغير لذلك لوني وقلت : هذا شيء لا أستطيع أتكلم به في الناس ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : وهل الناس إلّا شيعتنا فمن لم يعرف بالصلاة فقد أنكر حقنا ثم قال عليه‌السلام : يا سعد أسمعك كلام القرآن؟ قال سعد : فقلت : بلى صلّى الله عليك فقال عليه‌السلام إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر فالنهى كلام ، والفحشاء والمنكر رجال ونحن ذكر الله ونحن أكبر (٢).

اعلم ان التعلم المأمور به في هذا الخبر وغيره من الأخبار يشمل تعلم ألفاظه ونقوشه ومعانيه ، وظواهره وبطونه ، والتحقق بحقايقه ، والتخلّق بأخلاقه ، وامتثال أوامره ونواهيه ، فان جميع ذلك داخل تحت صدق التعلم الذي له عرض عريض وان كانت أفراده مختلفة بحسب المراتب والدرجات التي يترتب عليها نيل

__________________

(١) الدخان : ٥٦.

(٢) الأصول من الكافي ج ٢ ص ٥٩٦.

٢٣٠

الكرامات ورفع الدرجات حسبما نشير اليه ، وأمّا تمثّله يوم القيامة ومجيئه في أحسن صورة نظر اليه الخلق فلتجوهر الحقائق وتجّسم الأعمال ولذا يتجلى بأحسن صورة غير أنّ الخلايق لا يقدرون على رؤيته على الصورة التي له في نفسه لقصور أنظارهم وكلال أبصارهم وإنّما يراه كل أحد بأحسن ما هو عنده من نظره واعتقاده على حسبما كانوا يتعلّمونه ويتلونه في الدنيا ، ولذا يترائي لكل من مأة الناس والشهداء والأنبياء والملائكة على صوره أحسنهم وأشرفهم وأفضلهم فإنّهم لما آنسوا به أظمئوا هواجرهم وأسهروا لياليهم بتلاوته بل تخلّقوا بأخلاقه وتحقّقوا ببعض حقائقه عرفوه بنعته وصفته فهم لأنسهم بما يناسبه من المعارف والحقائق يعرفونه ويأنسون به ويستبشرون برؤيته وإن كانوا لا يعرفونه حقّ معرفته لقصورهم عن إدراك درجته ومرتبته لأنّهم لم يتلوه حق تلاوته وقد يقال : إنه لما كان المؤمن في نيته أن يعبد الله حقّ عبادته ويتلو كتابه حقّ تلاوته إلّا أنه لا يتيسر له ذلك كما يريد.

وبالجملة لا يوافق عمله ما في نيته ، كما ورد في الحديث : نيّة المؤمن خير من عمله (١) فالقرآن يتجلّى لكل طائفة بصورة من جنسهم إلّا انه أحسن في الجمال والبهاء وهي الصورة التي لو كانوا يأتون بما في نيتهم من العمل بالقرآن لكان لهم تلك الصورة ، وإنّما لا يعرفونه بنعته ووصفه ، لأنّهم كانوا يتلونه ، وإنّما وصفوا الله بالحلم والكرم والرحمة حين رؤيتهم لما رأو في أنفسهم في جنبه من النقص والقصور الناشيين من تقصيرهم ، ولذا يرجون من الله العفو والكرم والرحمة.

__________________

(١) مشهور بين الفريقين وقيل في معناه وجوه واحتمالات كما في أمالي السيد المرتضى ومشكلات العلوم للنراقي وغيرهما.

٢٣١

وأمّا إنّه سبحانه يثيب عليه. أحسن الثواب ويعاقب عليه أليم العقاب فلأنه مشتمل على جميع شرايع الإسلام وكليات الأحكام من الأصول والفروع ، ومسائل الحلال والحرام فهو الميزان الذي يعرف به قدر طاعة المطيعين ومعصية العاصين ، وظهوره في صورة رجل شاحب : اي متغير من شحب جسمه إذا تغيّر قيل : لعله للغضب على المخالفين أو للاهتمام بشفاعة المؤمنين ، كما ورد أنّ السقط يقوم محبنطا على باب الجنة أو لإسماعه الوعد الشديد على من خالفه ، وهو وان كان لمستخفّيه إلّا أن لا يخلو من تأثير لمن يطلع عليه وهو بعيد ، بل الأول أيضا ، ولعل الأقرب رجوعه إلى صورته التي هو عليها في نفسه ، ولذا ينكره أهل الجمع إذ لم يعرفه أحد حقّ معرفته ، ولم يتله حق تلاوته فلا يعرفونه حتى يرجع الى صورته التي كانت في الخلق الاول ، وأمّا انّ الضعفاء من شيعتهم أهل تسليم فإنّهم وإن لم يعرفوا الحقائق الغامضة الكلية على ما هي عليها بالكشف والشهود واليقين إلّا أنّهم لوصولهم إلى مقام اليقين يقبلون كلّما سمعوا من الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين فيؤمنون بالغيب ولا يحصل لهم الشك والريب ، وذكر شيخنا المجلسي (١).

__________________

(١) المولى محمد باقر بن محمد تقي المجلسي ولد في اصفهان سنة ١٠٢٧ وتوفي فيها سنة ١١١٠ كان شيخ الإسلام من قبل السلاطين في اصفهان ويباشر جميع المرافعات بنفسه ولا تفوته صلاة الأموات والجماعات والضيافات والعبادات ، وكان يباشر أمور معاشه وحوائج دنياه بغاية الضبط ومع ذلك بلغت مؤلفاته ما بلغت ، وخرج من مجلس درسه جماعة كثيرة من الفضلاء بلغوا ألف ويقال تصانيفه تبلغ ١٤٠٢٧٠٠ بيتا والبيت عبارة عن خمسين حرفا أشهر تصانيفه وأكبرها بحار الأنوار ٢٥ مجلدا.

قال مؤلّف الكتاب في رجاله (نخبة المقال) في ترجمة المجلسي :

والمجلسي ابن تقي باقر

له بحار كلها جواهر

٢٣٢

 ـ رحمه‌الله تعالى – في قوله (عليه‌السلام) أسمعك كلام القرآن وجوها على وجه الاحتمال : الأول أن تكلم القرآن عبارة من إلقائه إلى السمع ما يفهم منه المعنى وهذا هو معنى حقيقة الكلام فإنّه لا يشترط فيه أن يصدر من لسان لحمي ، وكذا تكلم الصلاة فإنّ من أتى بالصلاة بحقّها وحقيقتها نهته الصلاة من متابعة أعداء الدين وغاصبي حقوق الأئمة الراشدين الذين من عرفهم عرف الله ، ومن ذكرهم ذكر الله ، الثاني أن لكل عبادة صورة ومثالا تترتب عليها آثار تلك العبادة وهذه الصورة تظهر للناس في القيامة ، فالمراد بقولهم عليهم‌السلام في موضع آخر : الصلاة رجل ، أنّها في القيامة تتشكل بإزائها رجل يشفع لمن ترعيها حق رعايتها ، وفي الدنيا أيضا لا يبعد أن يخلق الله بإزائها ملكا أو خلقا آخر من الروحانيين يسدّد من أتى بالصلاة حق إتيانها ويهديه إلى مراشده وكذا في القرآن وسائر العبادات ، الثالث ما أفيض عليّ ، ببركات الأئمة الطاهرين ، وبه ينحلّ كثير من غوامض أخبار الأئمة المعصومين (صلوات الله عليهم أجمعين) وهو أنّه كما أنّ الجسد الانساني له حياة ظاهرية من جهة الروح الحيوانية المنبعثة من القلب الظاهري وبها يسمع ويبصر ويمشي وينطق ويحسّ فكذا له حياة معنوية من جهة العلم والإيمان ، والطاعات فالإيمان ينبعث من القلب المعنوي ويسري في سائر الأعضاء فينوّر العين بنور آخر كما قال (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم): المؤمن ينظر بنور الله ويسمع بسمع آخر.

وبالجملة يتصرف الايمان في بدنه وعقله ونفسه ويملكه بأسره فلا يرى إلّا الحقّ ولا يسمع شيئا من الحق إلّا فهمه وصدّقه ولا ينطق إلّا بالحق ولا يمشي إلّا

__________________

مجدد المذهب بالوجه الأتم

و ـ عد ـ عمر أقبضه ـ حزن وغم ـ

٢٣٣

للحق فالإيمان روح لذلك الجسد ، ولذا قال تعالى في وصف الكفار : (أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ) (١) وقال : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) (٢) وما ذلك إلّا لذهاب نور الإيمان من قلوبهم وجوارحهم وكذا الصلاة إذا كملت في شخص وأتى بها كما هو حقّها تصرفت في بدنه ونوّرت قلبه وسمعه وبصره ولسانه ومنعته عن إتباع الشهوات وحثّته على الطاعات ، وكذا ساير العبادات.

ثم إنّ القرآن ليس تلك النقوش بل هو ما يدل عليه تلك النقوش ، وإنما صار الخط وما ينقش عليه محترما لدلالته على ذلك الكلام ، والكلام إنما صار محترما مكرما لدلالته على المعاني التي أرادها الملك العلّام ، فمن انتقش في قواه ألفاظ القرآن وفي عقله معناه واتصف بصفاته الحسنة على ما هي فيه ، واحترز عمّا نهى الله عنه فيه واتعظ بمواعظه ، وصيّر القرآن خلقه ، وداوى به أدواءه ، فهو أولى بالتعظيم والإكرام ، ولذا ورد «انّ المؤمن أعظم حرمة من الكعبة والقرآن».

فاذا عرفت ذلك فاعلم أنه كما يطلق على الجسد لتعلّق الروح والنفس به الإنسان ، فكذا يجوز أن يطلق على البدن الذي إذا كمل فيه الإيمان ، وتصرّف فيه وصار روحه أنّه إيمان ، وكذا الصلاة والزكاة وسائر الطاعات ، وهذا في القرآن أظهر لأنه قد انتقش بلفظه ومعناه واتصف بصفاته ومؤدّاه واحتوى عليه ، وتصرّف في بدنه وقواه فبالحرّي أن يطلق عليه القرآن ، فاذا عرفت ذلك ظهر لك سرّ الإخبار الواردة في أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام هو كلام الله ، وهو الايمان والإسلام والصلاة والزكاة ، وقس على ذلك حال أعدائه ، وما ورد أنّهم الكفر والفسوق والعصيان ، وشرب الخمر والزنا وسائر المحارم لاستقرار تلك الصفات فيهم ، بحيث

__________________

(١) النحل : ٢١.

(٢) البقرة : ١٨.

٢٣٤

صارت أرواحهم الخبيثة ، فلا يبعد أن يكون المرد بالصورة التي يأتي في القيامة هو أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فيشفع لمن قرء القرآن لأنه روحه ، ولا يعمل بالقرآن إلّا من يتولّاه ، وينادي القرآن بلعن من عاداه. ثم ذكر عليه‌السلام لرفع الاستبعاد أنّ الصلاة رجل وهو أمير المؤمنين فهو ينهي الناس عن متابعة من كمل فيه الفحشاء والمنكر يعني الرجلين.

وعلى هذا لا يبعد أن يكون قوله عليه‌السلام : «أسمعك كلام القرآن» أشار به الى أنّه عليه‌السلام أيضا القرآن وكلامه كلام القرآن (١) ، انتهى كلامه ـ زيد في الخلد مقامه ـ.

وإنّما ذكرناه بطوله لحسن مفاده وجودة محصوله مع أنّ في كلامه كسرا لسوره إنكار أهل العناد الذين ينسبون أهل الحقّ إلى الإلحاد ، وأنّ الله لهم بالمرصاد ، وهو الهادي إلى سبيل الرشاد.

__________________

(١) بحار الأنوار طبع الاخوندي ج ٧ ص ٣٢٢ الى ص ٣٢٤.

٢٣٥

الفصل الثاني

في الحث والترغيب على تعلم القرآن وتعليمه والعمل به وإكرامه وحفظه وحمله

وقراءته وتعظيم أهله

أمّا وجوب تعلمه كفاية لتوقف استنباط الأحكام عليه ، ولبقاء العلم به وعدم اندراسه سيما مع كونه معجزة باقيه على مرّ الدهور ، فممّا لا ريب فيه بل ولا في وجوبه عينا في الجملة من جهة توقّف صحة الصلاة الواجبة على الأعيان عليه ، وامّا وجوب تعلّمه مطلقا على كل أحد ، فهو وإن كان ربما يترائى من ظواهر الأوامر المتقدمة ، والتي تأتي إليها الإشارة الظاهرة بإطلاقها في الوجوب إلّا أنّها محمولة على تأكّد الاستحباب لاستقرار المذهب عليه ، وعدم القول بوجوبه على الأعيان ، وظهور الأخبار الكثيرة في شدّة الترغيب المحمولة لذلك ، ولوجوه أخر على تأكّد الاستحباب الذي لا ريب فيه أصلا بل لعلّه من ضروري المذهب سيّما بعد ملاحظة العلوم الحقيقية واشتماله عليها مضافا إلى خصوص الأخبار الكثيرة.

ففي «الكافي» عن الصادق عليه‌السلام : «ينبغي للمؤمن أن لا يموت حتى يتعلّم القرآن أو يكون في تعلّمه» وفي بعض النسخ «في تعليمه» (١).

وفيه عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) «تعلّموا القرآن فإنّه يأتي يوم

__________________

(١) الأصول من الكافي ج ٢ ص ٦٠٧ طبع دار الكتب الاسلامية.

٢٣٦

القيامة صاحبه في صورة شابّ جميل شاحب اللون ، فيقول له : أنا القرآن الذي كنت أسهرت ليلك ، وأظمأت هو أجرك ، وأجففت ريقك ، وأسبلت دمعتك ، إلى ان قال فأبشر فيؤتى بتاج فيوضع على رأسه ، ويعطى الأمان بيمينه ، والخلد في الجنان بيساره ، ويكسى حلّتين ثم يقال له : اقرء وارق ، فكلما قرء آية صعد درجة ، ويكسى أبواه حلّتين إن كانا مؤمنين ، ثم يقال لهما هذا لما علّمتماه القرآن» (١).

وروى الصدوق بالإسناد عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) قال : «من قرء القرآن ابتغاء وجه الله ، وتفقّها في الدين كان له من الثواب مثل جميع ما أعطي الملائكة والأنبياء والمرسلون ، ومن تعلّم القرآن وتواضع في العلم ، وعلّم عباد الله وهو يريد ما عند الله لم يكن في الجنة أعظم ثوابا منه ، ولا أعظم منزلة منه ولم يكن في الجنة منزل ، ولا درجة رفيعة ، ولا نفيسة إلّا وكان له فيها أوفر النصيب وأشرف المنازل» (٢).

وروى الطبرسي في «المجمع» عن رجاء بن حياة قال : «كنّا أنا وأبي عند معاذ بن جبل ، فقال : من هذا يا حياة؟ قال : هذا ابني رجاء ، فقال معاذ : هل علّمته القرآن؟ قال : لا ، قال : فعلّمه القرآن ، فإنّي سمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) يقول : ما من رجل علّم ولده القرآن إلّا توج أبواه يوم القيامة بتاج الملك ، كسيا حلّتين لم ير الناس مثلهما ثم ضرب بيده على كتفي فقال : يا بني إن استطعت أن تكسي أبويك يوم القيامة حلّتين فافعل» (٣).

وفي «ثواب الأعمال» و «الفقيه» و «العلل» عن الأصبغ بن نباتة قال : قال

__________________

(١) الأصول من الكافي ج ٢ ص ٦٠٣.

(٢) وسائل الشيعة طبع بيروت ج ٤ ص ٨٣٨.

(٣) مقدمة مجمع البيان طبع صيدا ص ٩.

٢٣٧

أمير المؤمنين عليه‌السلام ، : «إنّ الله ليهمّ بعذاب أهل الأرض جميعا حتى لا يحاشي (١) منهم أحدا إذا عملوا بالمعاصي واجترحوا السيّئات ، فاذا نظر إلى الشيّب (٢) ناقلي أقدامهم إلى الصلاة ، والولدان يتعلّمون القرآن رحمهم فأخّر ذلك عنهم» (٣).

وفي «المجمع» عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم): «إذا قال المعلّم للصبي : قل : بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال الصبي : بسم الله الرحمن الرحيم كتب الله برائة للصبي ، وبرائة لأبويه ، وبرائة للمعلّم من النار» (٤).

وعنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) من قرء القرآن حتى يستظهره ويحفظه أدخله الله الجنة وشفّعه في عشرة من أهل بيته كلّهم قد وجبت لهم النار (٥).

وفي «الخصال» و «المجمع» عن مولينا أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال : من دخل في الإسلام طائعا ، وقرء القرآن ظاهرا فله في كلّ سنة مائتا دينار في بيت مال المسلمين ، وإن منع في الدنيا أخذها يوم القيامة وافية أحوج ما يكون إليها (٦).

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الدالّة على فضل تعلّمه وتعليمه بشرط خلوص القصد والنية واقترانه بالعمل به ، وإلّا فالعقوبة على العالم التارك للعمل به أشدّ وأعظم وهو في الآخرة أندم وألوم.

ففي عقاب الأعمال عن مولينا الصادق عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام

__________________

(١) في النسخة علل الشرائع هكذا : حتى لا يريد ان يحاشي إلخ.

(٢) الشيب بضم الشين وفتح الياء المشددة جمع الشائب وهو من ابيض رأسه.

(٣) علل الشرائع ج ٢ ص ٢٠٩.

(٤) مجمع البيان ج ١ ص ١٩.

(٥) مجمع البيان ج ١ ص ١٧.

(٦) مجمع البيان ج ١ ص ١٦ ، الخصال ج ٢ ص ١٥٠.

٢٣٨

قال : من قرء القرآن يأكل به الناس جاء يوم القيامة ووجهه عظم ليس عليه لحم (١).

وفيه عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) قال : «من تعلّم القرآن فلم يعمل به وآثر عليه حبّ الدنيا وزينتها استوجب سخط الله ، وكان في الدرجة مع اليهود والنصارى الذين ينبذون كتاب الله وراء ظهورهم ، ومن قرء القرآن يريد به سمعة والتماس الدنيا لقي الله يوم القيامة ووجهه عظم ليس عليه لحم ، وزجّ القرآن في قفاه حتى يدخله النار ، ويهوي فيها مع من هوى ، ومن قرء القرآن ، ولم يعمل به حشره الله تعالى يوم القيامة أعمى فيقول : يا رب لم حشرتني أعمى ، وقد كنت بصيرا قال : كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى فيؤمر به إلى النار ، ومن تعلّم القرآن يريد به رياء وسمعة ليماري به السفهاء ، ويباهي به العلماء ، ويطلب به الدنيا بدّد الله عظامه يوم القيامة ولم يكن في النار أشدّ عذابا منه ، وليس له نوع من العذاب إلّا سيعذّب به من شدّة غضب الله عليه وسخطه» (٢).

وروي عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) قال : «إنّ في جهنم واديا يستغيث أهل النار كلّ يوم سبعين ألف مرة منه ، إلى ان قال : فقيل له : لمن يكون هذا العذاب؟ قال : لشارب الخمر من أهل القرآن ، وتارك الصلاة» (٣).

وفي «الكافي» و «الأمالي» و «الخصال» عن الباقر عليه‌السلام قال : «قراّء القرآن ثلاثة رجل قرء القرآن فاتّخذه بضاعة واستدر به الملوك واستطال به على الناس ، ورجل قرء القرآن فحفظ حروفه وضيّع حدوده وأقامه إقامة القدح فلا كثّر الله

__________________

(١) ثواب الأعمال ص ٤٤.

(٢) عقاب الأعمال ص ٤٥ و ٤٧ و ٥٢.

(٣) بحار الأنوار طبع الاخوندي ج ٧٩ ص ١٤٨.

٢٣٩

هؤلاء من حملة القرآن ، ورجل قرء القرآن فوضع دواء القرآن على داء قلبه فأسهر به ليله وأظمأ به نهاره ، وقام به في مساجده وتجافى به عن فراشه ، فبأولئك يدفع البلاء ، وبأولئك يديل الله من الأعداء ، وبأولئك ينزل الله الغيث من السماء فو الله لهؤلاء في قراّء القرآن أعزّ من الكبريت الأحمر» (١).

ومن جميع ما مرّ يظهر فضل إكرامه بل وجوبه في الجملة وحرمة إهانته مضافا إلى ما رواه.

وفي «الكافي» عن الصّادق عليه‌السلام قال : إذا جمع الله ـ عزوجل ـ الأولين والآخرين إذا همّ بشخص قد أقبل لم ير قطّ أحسن صورة منه فإذا نظر اليه المؤمنون وهو القرآن قالوا : هذا منّا هذا أحسن شيء رأينا ، فاذا انتهى إليهم جازهم».

إلى ان قال : «حتى يقف عن يمين العرش فيقول الجبّار ـ عزوجل ـ وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لأكرمنّ من أكرمك ولأهيننّ من أهانك» (٢).

إلى غير ذلك من الأخبار الآتية بل الاستخفاف به كغيره من شعائر الله التي يجب على المسلمين تعظيمها يوجب الكفر والارتداد.

وأمّا حفظه ، وحمله فالأخبار بهما كثيرة جدا.

ففي «الأمالي» عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم): «لا يعذّب الله تعالى قلبا وعى القرآن (٣).

وعنه عليه‌السلام : «أشرف أمّتي حملة القرآن وأصحاب اللّيل» (٤).

__________________

(١) أمالي الصدوق ص ١٢٢.

(٢) الأصول من الكافي ج ٢ ص ٦٠٢.

(٣) أمالي الطوسي ج ١ ص ٥.

(٤) أمالي الصدوق ص ١٤١.

٢٤٠