تفسير الصراط المستقيم - ج ١

آية الله السيّد حسين البروجردي

تفسير الصراط المستقيم - ج ١

المؤلف:

آية الله السيّد حسين البروجردي


المحقق: الشيخ غلامرضا بن علي أكبر مولانا البروجردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
المطبعة: الصدر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦٠

الحسن والقبح وشكر المنعم وحسن التكليف ، ووجوب اللّطف وبعث الأنبياء ، وغير ذلك ممّا يتعلّق بمباحث النبوّة ، قيل : وأوّل من زاده الشّيخ ابن سيناء ، وأهل الإيمان ثامنا وهو بحث الإمامة وضرورة الحجّة ، وعدم خلوّ الأرض منها لحظة.

قال الأنطاكي : وأوّل من أدخله ابن نوبخت من الشيعة الإماميّة في الياقوت (١) ثمّ تبعهم أهل السنّة وتوسّعوا فيه وضمّوا إليه مباحث التصوّف والأرزاق والآجال وغيرها. فهذه الفنون الثمانية من أصول الحكمة الإلهيّة وإن كان قد يعدّ بعضها من الفروع كما أنّه قد يعدّ الكلّ فنّا واحدا لانفراده بالتصنيف الّذي لا عبرة به ، ولذا قد تداول بين المتأخّرين منهم ضمّ الطبيعيّ معها بل والمنطق وربما يعدّ من فروعها علوم أخر كعلم الأعداد والحساب والسحر والتّسخير وغيرها ممّا هو أليق بغيرها وإن كان بعضها من العلوم المركّبة المتولّدة من الفنّين نعم قد يقال : إنّ الحقّ إدخال المنطق في الحكمة وجعلها من أقسام النظريّة كما فعله الشّيخ الرئيس كيف ولو اختصّ موضوع الحكمة بالموجودات العينيّة لخرج منها العلم بتقاسيم الوجود من الأمور العامّة.

__________________

(١) ابن نوبخت هو إبراهيم بن إسحاق بن أبي سهل من أكابر المتكلّمين ومن عظماء الشيعة الإماميّة في أواسط القرن الرّابع له كتب منيفة منها كتابه «الياقوت» في علم الكلام وهو كتاب نفيس من أقدم كتب الكلامية ومورد لتوّجه الأعلام حتّى شرحوه بشروح منها كتاب «أنوار الملكوت» في شرح الياقوت للعلّامة الحلّي ـ قدس‌سره قال في ديباجة هذا الشرح : كتاب «الياقوت» حاو لأشرف المسائل الكلاميّة وجامع لأسنى مباحثها ، وشرح السيد عميد الدين ابن أخت العلّامة كتاب خاله المعظّم : «أنوار الملكوت» وحاكم بين الماتن والشارح. ولا يخفى أنّ نسبة كتاب «الياقوت» الى إسماعيل بن إسحاق النوبختي كما عن رياض العلماء وكتاب الشيعة وفنون الإسلام خطاء ـ ريحانة الأدب ج ٤ ص ٢٤٠ ـ.

١٤١

وأمّا ما أجيب عنه من أنّ الأمور العامّة هناك ليست موضوعات بل محمولات تثبت للأعيان فلا يخلو من تكلّف مستغنى عنه ، وكذا في جعلها المشتقّات دون المبادي إذا لا فرق بين الموجود بما هو موجود والوجود والممكن بما هو ممكن والإمكان كما نصّ عليه الشّيخ في الشّفاء (١) وعلى هذا فيحتمل كونه من العلوم الإلهيّة أو الرياضيّة أو من مبادئ الأولى خاصّة أو مطلق الحكمة النظرية ، وإن كانت متعلقة بالأمور المجرّدة عن المادّة في الذهن خاصّة فهو العلم الرّياضي الّذي كانت العلماء يرتاضون به نفوسهم حيث يقدّمون شيئا منه في تعاليمهم على سائر العلوم حتّى المنطق تقويما لأفكار المتعلّمين ، وتأنيسا لطبايعهم بالبراهين كيلا يقبلوا شيئا من المطالب حتى يبلغ درجة الضرورة أو اليقين ، ولذا سمّي تعليميا أيضا لأنّه يبحث في أكثر فنونه عن الأجسام والسطوح والخطوط التعليميّة لأنّ المنشأ في تسميتها أيضا هو الأوّل ، ويسمّى بالعلم الأوسط لتوسّطه بين الإلهي الأعلى ، والطّبيعي الأدنى وإن كان ربما يقدّم عليه الطبيعي لوجوه ضعيفة نشير إليها إن شاء الله وأصوله أربعة :

أحدها : جو مطريا المفسّرة بالهندسة لأنّها بمعنى الأربعة الّتي هي الموضوع في هذا الفن أعني الجسم التعليمي الّذي هو الكميّة السارية في الأبعاد الثلاثة ونهايته

__________________

(١) الشّفاء في المنطق قيل هو من ثمانية عشر مجلدا وشرحه أبو عبد الله محمّد بن أحمد الأديب التيجاني صاحب «تحفة العروس» واختصره شمس الدين الخسروشاهي التبريزي المتوفى سنة ٦٥٢ ق.

كتب الشيخ أبو سعيد أبو الخير معرّضا لابن سيناء :

قطعنا الأخوّة عن معشر

بهم مرض من كتاب الشفا

فماتوا على دين رسطالس

وعشنا على سنّة المصطفى

١٤٢

الّتي هي السطح المنقسم في جهتين ونهايته الّتي هي الخطّ المنقسم في جهتين ونهايته الّتي هي النقطة ، ولا تنقسم أصلا ، وهذه الثلاثة هي الأصل لما يبحث منه في هذا العلم من الخطوط والدوائر والأشكال المسطّحة والمجسّمة والزوايا والنسبة الكلّية بين المقادير كما تصدّى لأصولها «أقليدس» الصوري في كتابه (١) وحرّره النحرير في التحرير (٢) ومن جزئياتها علم الأكر الساكنة والمتحركة والمخروطات والزّوايا وغيرها (٣) ممّا أفردها بالتصنيف ثاوذوسيوس (٤) واوطولوقس (٥) وابن

__________________

(١) أقليدس بضم الهمزة وكسر الدال وبالعكس لفظ يونانيّ مركّب من أقلي بمعنى المفتاح ودس بمعنى المقدار اسم كتاب في الهندسة ألّفه رجل يقال له ابلونيوس النجار ورسمه خمسة عشر قولا من كل وارد عليه فأخبره بعضهم بأنّ في بلدة صور رجلا مبرزا في الهندسة والحساب يقال له : أقليدس فطلبه والتمس منه تهذيب الكتب وترتيبه فرتّبه وهذّبه فاشتهر باسمه بحيث إذا قيل كتاب أقليدس يفهم منه هذا الكتاب. ثم نقل الكتاب من اليونانية الى العربية جماعة منهم حجاج بن يوسف الكوفي فإنّه نقله نقلين : أحدهما يعرف بالهاروني والآخر بالمأموني ومنهم حنين بن إسحاق المطبب المتوفى سنة ٢٦٠ ق ، ومنهم أبو الحسن ثابت بن قرة الحرّاني المتوفى سنة ٢٨٨ ق ، ومنهم أبو عثمان الدمشقي.

(٢) أخذ كثير من العلماء في تحرير كتاب أقليدس متصرّفين فيه إيجازا وضبطا وإيضاحا وبسطا والأشهر ممّا حرّروه تحرير العلّامة النحرير المحقق نصير الدين الطوسي فإنّه حرّره بتحرير موجز غير مخلّ وأضاف إليه ما يليق به ممّا استفاد واستنبط وذكر أنّه حرّره بعد تحرير المجسطي وإنّ الكتاب يشتمل على خمس عشرة مقالا وأربعمائة وثمانية وستون شكلا في نسخة الحجّاج وبزيادة عشرة أشكال في نسخة ثابت ـ كشف الظنون ـ.

(٣) علم الأكر علم يبحث فيه عن الأحوال العارضة للكرة من حيث إنّها كرة من غير نظر إلى كونها بسيطة أو مركبة عنصرية أو فلكية وفيه كتب للأوائل والأواخر منها ما يأتي.

(٤) ثاوذوسيوس مهندس يوناني وكتابه في علم الأكر من أجلّ الكتب المتوسطات بين أقليدس والمجسطي وهو ثلاث مقالات مشتملة على تسعة وخمسين شكلا وعرّب من اليونانية بأمر

١٤٣

الهيثم (٦) وغيرهم من أصحاب الصناعة.

وفرّعوا عليه كثيرا من العلوم أيضا كعلم مركز الأثقال الّذي استنبطوا منه الموازين ، والقبّان ، وغيرها ، وعلم مساحة الدّوائر والسّطوح والأجسام الكروية والمخروطة والمكعّبة وغيرها ، وعلم استنباط الماء وإجراء القنوات ومعرفة ارتفاع المرتفعات وغيرها وعلم الأسطرلاب (٧) الّذي يستعمل منه كثير من أحوال الفلكيات والعنصريّات والزمانيّات ، وعلم الرّبع المجيّب الّذي مبناه على أخذ الظلال والجيوب المستوية والمعكوسة ، ويعلم به أكثر ما يعلم بالأسطرلاب ، وعلم الدوائر والخطوط المرسومة على سطوح الرخامات ، وعلم وضع الآلات المفيدة للمطلوب لا من جهة التناسب ، ولا من محاكات وضع من أوضاع الفلك كالأسطوانة والحلزون والحافر وساق الجرادة والميزان الغزاري ، وعلم عمل الساعات المستوية

__________________

المستعين بالله العبّاسي وتولّى نقله الى العربية قسطا بن لوقا البعلبكي في حدود سنة خمسين ومائتين ثم حرّره العلّامة نصير الدين الطوسي وغيره ـ كشف الظنون ـ.

(٥) اوطولوقس مهندس فاضل يوناني وكتابه في علم الأكر معروف بالأكر المتحركة وقد عرّبوه في زمن المأمون ثم أصلحه يعقوب بن إسحاق الكندي.

(٦) ابن الهيثم محمّد بن الحسن بن الهيثم أبو عليّ الفيلسوف البصري كان عالما بالرياضيات والطب والفلسفة انتقل الى مصر وتوفّي بها في حدود سنة ٤٣٠ ق وصنف في الهندسة وعلم الأكر والطبّ والفلسفة كتبا كثيرة ـ هدية العارفين ج ٦ ص ٦٦ ـ.

(٧) علم الأسطرلاب علم يبحث فيه عن كيفيّة استعمال آلة معهودة يتوصل بها الى معرفة كثير من الأمور النجومية على أسهل طرق وهو من فروع علم الهيئة وكلمته يونانية ومعناها ميزان الشمس ويقال له أيضا اصطرلافون واصطر هو النجم ولافون هو المرآة وقيل أوّل من وضعه لاب بن إدريس فلما وصلت الآلة التي صنعها إلى إدريس قال من سطره قيل له سطره لاب وقيل فارسي أصله استاره ياب.

١٤٤

والمعوجّة في السطوح الموازية لدائرة الأفق أو لنصف النّهار أو للمعدّل أو لأوّل السّماوات أو لغيرها من دوائر السماوات وغيرها ، وعلم وضع الآلات الجيبيّة والكروية والحادثة عن تسطيح الكرة ، وعلم وضع الآلات الرصدية كذات الحلق وذات الثقبتين وذات الشعبتين وغيرها ، وعلم المناظر المتعلّق بالنظر من غير التفات الى الأشعّة ، وعلم المرايا والمحرقة والمتعلّق بالأشعّة من حيث الانعكاس الى غير ذلك من العلوم الكثيرة ، الّتي يستعملها صنّاع الإفرنج ، وغيرهم في صنائعهم العجيبة المبتنية على ملاحظة الحدود والمقادير ، والنسب الهندسيّة بل المتأمّل في صنائع الناس وحرفهم يجد جلّها بل كلّها مبتنية على القواعد المنتهية الى هذا العلم ، بل صنائع أكثر حيوانات العجم من الطيور وغيرها مبنيّة عليه ومن أظهرها الهام النحل لبناء البيوت المسدّسة من غير استعانة بالمسطر والفرجار (١) وغيرهما من الآلات والأدوات.

وذلك انّ البيوت المسدّسة جامعة لخاصيّتين لا يجتمعان معا في غيرها من الأشكال وهما امتلاء الفضاء بها وعدم ضيق الزوايا فتبقى معطّلة ، وذلك ان الأشكال المتماثلة إذا ضمّ بعضها الى بعض فمنها ما لا تملأ العرصة كالمسبّع والمثمّن فصاعدا ، ومنها ما تملأ العرصة لاتّصال بعضها ببعض إلّا انّ زواياه ضيّقة جدّا فتبقى معطّلة كالمثلّث والمربّع ، وأمّا المسدّس فزواياها واسعة لا تتعطّل وإذا ضمّ بعضها الى بعض لا تبقى بينها فرجة زائدة فهي الجامعة لكلتا الخاصيّتين.

وبالجملة فهذه العلوم الإثنى عشر من فروع الهندسة وإن كانت جزئيّاتها لا يمكن استقصائها وجلّها نافعة في جلّ العلوم لو لم ينفع الكلّ في الكلّ سيمّا الفلسفة

__________________

(١) الفرجار بكسر الفاء وسكون الراء البركار والكلمة فارسيّ معرّب.

١٤٥

ولذا كان أفلاطون الإلهي (١) يقول لا يدخل بيوتنا من لا يعرف الهندسة.

ثانيها : اسطرنوميا وهو علم النجوم والهيئة الباحث عن الأجرام المسيطة الفلكيّة ، وبعض العناصر من حيث الكم والكيف والجهة والوضع والحركة بأقسامها والسكون ، وهذا العلم وإن عدّ من فنون الرياضي قسيما للهندسة إلّا أنّ الأظهر كما حقّقناه في «اللوامع النورية» أنّ الهيئة المسطّحة من فنون الهندسة أو من مطلق الرياضي على وجه كما تصدّى له فاضل الصناعة بطلميوس (٢) وأمّا المجسّمة الّتي فرضوا فيها الخطوط والدوائر في الأجسام فوردت عليهم إشكالات لا تنحلّ إلّا بتكلّفات ربما يقطع بفسادها فالظاهر انّها من العلوم المتولّدة من الرياضي والطبيعيّ ، وبالجملة فممّا يتفرّع على هذا العلم علم معرفة التواريخ والحصص ، الزمانية وانقسام الشهور والسنين إلى الشمسيّة والقمرية والحقيقيّة والصناعيّة ، وفيه مداخل سني التوارخ وشهورها وكبائسها واستخراج بعضها من بعض ـ والأيّام المشهورة في كلّ منها ، وعلم الزيج الذي يستخرج منه تقاويم الكواكب في كلّ وقت ونظراتها وتحاويلها وعروضها وأطوالها ، وغير ذلك ممّا جرت العادة بإثباتها في صفحات التقويم ، وعلم الأحكام الباحث على وجه الظن والتخمين لا التحقيق واليقين كما صرّحوا به عن الأحكام المترتّبة على وجه التجربة أو القياس

__________________

(١) أفلاطون الحكيم تلميذ سقراط وأستاذ أرسطاطاليس ولد في جزيرة بيونان سنة ٤٣٠ قبل الميلاد ومات قبل ميلاد المسيح سنة ٣٤٨ وأفلاطون الالهي يقال له في مقابل أفلاطون الطبيب وهو غيره وسابق عليه.

(٢) بطلميوس من علماء الهيئة والتاريخ والجغرافية والقائل بأنّ الأرض ساكنة وأنّ الفلك يدور حولها. ولد في صعيد مصر وتوفى قرب الاسكندرية سنة ١٦٧ من الميلاد وأشهر مؤلفاته المجسطي.

١٤٦

على تلك النظرات والتناظرات والحدود والوجوه الاشراف والبيوت والسّهام والطوالع وأوتاد الزوائج والمستولى عليه والكدخدا والهيلاج والتيسيرات والتحويلات والقواطع ، وما يستدلّ بها عليه من السعادات والأرزاق والاعمار وغيرها ومنه يستخرج أحكام طوالع السنين والمواليد والاجتماع والاستقبال والتحويل ، والسؤال حسب ما فصّلوها في كتب الأحكام الّتي هي أشبه شيء بأضغاث الأحلام ولذا ورد في الشريعة الحقّة النبويّة المصطفوية ـ على صادعها وآله آلاف الف سلام ، وتحيّة ـ المنع عن تعلّم النجوم والاعتقاد بتأثيرها حتى ورد «إنّ المنجم كالكاهن والكاهن كالسّاحر ، والسّاحر كالكافر والكافر في الّنار (١)».

نعم قد حمل ذلك على من يزعم استقلالها بالتأثير وقدمها كما يظهر من خبر الإحتجاج (٢) وغيره ولذا قال الصدوق بعد ذكر الخبر إنّ المنجم الملعون ، هو

__________________

(١) في نهج البلاغة ـ كلام ٧٧ ـ ومن كلام له عليه‌السلام قاله لبعض أصحابه لمّا عزم على المسير إلى الخوارج فقال له : يا أمير المؤمنين إنّ سرت في هذا الوقت خشيت ان لا تظفر بمرادك من طريق علم النجوم فقال عليه‌السلام : أتزعم أنّك تهدي إلى الساعة الّتي من سار فيها صرف عنه السوء؟ وتخوّف من الساعة التي من سار فيها حاق به الضّر؟ فمن صدّق بهذا فقد كذّب القرآن واستغنى عن الاعانة بالله في نيل المحبوب ودفع المكروه وتبتغي في قولك للعامل بأمرك إن يوليك الحمد دون ربّه لانّك بزعمك أنت هديته إلى الساعة التي نال فيها النفع وامن الضّر ثم اقبل عليه‌السلام على الناس فقال : أيها الناس إيّاكم وتعّلم النجوم إلّا ما يهتدى به في بر أو بحر فانها تدعو إلى الكهانة والمنجم كالكاهن والكاهن كالساحر كالكافر والكافر في النار ، سيروا على اسم الله.

(٢) الاحتجاج على أهل اللجاج كتاب في احتجاجات المعصومين عليهم‌السلام تأليف أبو منصور أحمد بن عليّ الطبرسي المتوفى ٦٢٢ ق ويمكن أن يكون المراد من خبر الاحتجاج خبرا طويلا وفيه انه سأل الزنديق عن الصادق عليه‌السلام ما تقول في علم النجوم؟ قال عليه

١٤٧

(٣) الذي يقول بقدم الفلك ولا يقول بمفلكه وخالقه ـ عزوجل ـ.

ومنه يظهر وجه الجمع بين نوع هذه الأخبار على كثرتها والأخبار الكثيرة الدالّة على

أنّ له أصلا وانّه كان علم نبيّ من الأنبياء وأنّه علم بنبوّة نوح بالنجوم ، وإيّاكم والّتكذيب بالنجوم فإنّه علم من علوم النبوّة ، وأنّ من اقتبس علما من علم النجوم من حملة القرآن إزداد به إيمانا ويقينا ثمّ تلا : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) (٤).

وأنّ مولينا أمير المؤمنين عليه‌السلام كان اعلم الّناس به ، وأنّه لا يعلمها إلّا أهل بيت من العرب وأهل بيت من الهند.

وزاد ابن طاووس (٥) في آخر الخبر وأولاد وصىّ إدريس ولعلّ المراد به

__________________

السلام : هو علم قلّت منافعه وكثرت مضارّه لأنّه لا يدفع به المقدور ولا يتقى به المحذور. إنّ خبر المنجم بالبلاء لم ينجه التحرز من القضاء إلخ.

(٣) الصدوق هو محمّد بن عليّ بن حسين بن بابويه القمي شيخ جليل قيل ولد بدعاء صاحب الزمان عجل الله فرجه وصنف كتبا مفيدة كمن لا يحضره الفقيه والامالي والعيون وغيرها وتوفى سنة ٣٨١.

(٤) آل عمران : ١٩٠.

(٥) ابن طاووس هو عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن احمد رضى الدين الطاوسي الحسيني نقيب الطالبين ببغداد ولد سنة ٥٨٩ ق وتوفى سنة ٦٦٤ ق له مصنفات جليلة منها فرج الهموم بمعرفة منهج الحلال والحرام من علم النجوم وجوّز في هذا الكتاب تعليم علم النجوم وتعلمه والنظر فيه والعمل به إذا لم يعتقد إنها مؤثرة وأنكر على السيد المرتضى في تحريمه وحمل أخبار النهى على ما إذا اعتقد الإنسان إنها مؤثرة بالاستقلال ثم ذكر رحمه‌الله تأييدا لما رامه أسماء جماعة من الشيعة كانوا عارفن به كحسن بن موسى النوبختي واحمد بن محمّد بن خالد البرقي ، وابن أبي عمير ، والعياشي ، والمسعودي ، والفضل بن سهل ، وزير المأمون وأخيه حسن بن سهل ، وبوران بنت الحسن بن سهل ، وعضد الدولة ، والشيخ محمود بن عليّ الحمصي

١٤٨

أهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما أنّهم المراد بالأول قطعا إلى غير ذلك من الأخبار الّتي تأتي الإشارة إليها ، وإلى ما يعارضها ، وتحقيق الكلام فيها عند تفسير قوله تعالى : (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ) (١) وغيرها من الآيات بل يستفاد من الأخبار ومن صحيح الاعتبار انّه يترتّب عليها جملة من الآثار كما يترتّب الإحراق على النّار وذلك بإفاضة القادر المختار وانّ خطأ الأحكاميّين إنّما هو لعدم اطلاعهم على تمام تلك القواعد مع اختلاط ما بأيديهم منها بما اختلقوها بأذهانهم القاصرة على انّ تحقّق التأثير وفعليّة الأثر موقوف على الانفعال والقابليّة كتوقّفه على الاقتضاء والفاعليّة.

ولذا قال بطلميوس في ثمرته (٢) في أحكام علم النجوم منك ومنها يريد الاشارة إلى القابل والفاعل لكن على وجه يقول به الموحّدون كما انّ إحراق النار موقوف على قابليّة المحلّ (٣).

وعلم مقادير أجرام الفلكيّة من الأفلاك والكواكب بعض العنصريّة ومعرفة أبعادها من مراكز العلم ، ونسبة أبعاد بعضها ببعض على ما استخرجوه بالأصول

__________________

وغيرهم.

(١) صافات آية : ٨٨.

(٢) الثمرة في أحكام النجوم لبطلميوس واسمها بالرومية انطرومطا أي مائة كلمة وهي تمام الكتب الأربعة التي الفها لسورس تلميذه يعني ثمرة تلك الكتب ولها شروح منها شرح أبو يوسيف الاقليدسي وشرح أبي محمّد الشيباني وشرح أبي سعيد الثمالي وشرح ابن الطيب السرخسي ومنها شرح العلامة نصير الدين الطوسي وهو شرح مفيد بالفارسية ألفه لصاحب ديوان محمّد بن شمس الدين ـ كشف الظنون ـ.

(٣) ومن أراد التفصيل في المبحث فعليه ببحار الأنوار ج ٤٨ ص ١٤٥ وج ٥٧ ص ٣٣٨ وج ٥٨ ص ٨٤ إلى ص ٣٠٨.

١٤٩

الهندسيّة سيمّا بطلميوس بعد مشاهدة بعض الاختلافات الّتي من جملتها مشاهدة تلك الأجرام في بعدي الأقرب والأبعد ، وبعض الكسوفات والخسوفات الواقعة في زمنه وفي عهد أبي حسن (١) وغيره. ولذا يحكى في الحكمة القديمة على نوع من الرمز أنّ بطلميوس كان يعشق علم النجوم فجعل علم الكسوف سلّما يصعد به إلى الفلك بقّوته الروحانيّة فمسح الأفلاك وأبعادها بجملتها والكواكب باعظامها ثمّ دوّنه في المجسطي ، وجعلوا معيارهم نصف قطر الأرض المعلوم بمقايسة المحيط المستعلم بمحاذات الدرجات الفلكيّة الّتي حصّة كلّ درجة من العظيمة الأرضيّة ستّة وستّون وثلثا ميل وبالرصد المأموني (٢) الّذي قيل : إنّه صحيح ممتحن أنقص منه بعشرة أميال وعند حكماء الأندلس على ما اعتبروها بمقايساتهم الصحيحة تسعة وستون ميلا وثلث خمس.

وعلم جغرافيا بأعجام الأوّلين وهو في الأصل كتاب لبطلميوس صنّفه بعد المجسطي في صور الأقاليم والبحار أو في خصوص الثاني غلب على هذا العلم الّذي يبحث فيه عن القدر المكشوف من الأرض وكيفيّة إحاطة الماء بها وصور البحار المحيطة والمحاطة والخليجات والأنهار وعروضها وأطوالها وبعض الجزائر الواقعة فيها ، وتقسيم بسايط الأرض عند القدماء إلى الأقاليم الواقعة في الربع الشمالي الّذي

__________________

(١) ابو حسن كوشيار بن لبان بن باشهري الجيلي بالياء المثناة أو الجبلي بالباء الوحدة من جملة المنجمين الكبار سكن بغداد ومات في حدود ٤٥٠. صنف من الكتب الزيج الجامع. الكيافي النجوم. اللامع في الزيج الجامع. مجمل الأصول في احكام النوم هدية العارفين ج ١ ص ٨٣٨.

(٢) أمر المأمون العباسي في سنة ٢١٤ ه‍ العلماء أن يصنعوا الآلات الرصدية كما صنعها بطلميوس فامتثلوا امر الخليفة واشتغلوا بها ثم قطع بهم من استيفاء غرضهم موت الخليفة في ٢١٨ فقيد وما انتهوا إليه وسموه الرصد المأموني.

١٥٠

هو المعمور منها إذ غيرها أمّا مغمور في الماء أو غير مسكون بزعمهم أصلا ومبدئه عند جمهورهم من خطّ الاستواء أو من حيث نهاره الأطول اثنتا عشرة ساعة ونصف وربع وعرضه اثنتا عشرة درجة وثلثا درجة وقسمة كلّ إقليم من جهة العرض ما يوجب التفاضل نصف ساعة في مقادير النهر الطوال في أوساط الأقاليم ، ولذا اختلفت مقاديرها عرضا مع وقوع الجميع بين ما يجاوز عشر درجات في العرض إلى حدود خمسين كما اختلفت طولا لزيادته فيما يلي خطّ الاستواء على ما يقتضيه النظر التعليمي وعند المتأخّرين من حكماء الإفرنج وغيرهم بعد ما ظفروا في أوائل المائة العاشرة من التاريخ الهجري على الأرض الجديدة المسماّة عندهم بأمريكا الجنوبيّة الّتي لم يظفر عليها قبل الكلمب أحد إلى أقسام اربعة :

أحدها : ممالك يورپ (أوربا) المحدودة من جهة الشمال بالمحيط ـ المنجمد طول السنة لشدّة البرودة ، ومن الجنوب ببحر الروم الفاصل بينه وبين الإفريقيّة ، ومن المشرق بممالك آسيا ، ومن المغرب بالمحيط الفاصل بينه وبين آمريكا ، وفي هذا القسم بعض بلاد الّروم كقسطنطنيّة وغيرها ، وتمام بلاد الافرنج الّتي فيها دول كثيرة أغلبهم جمهورية ، وأمرهم شورى بينهم بل قد رأيت في بعض مسفوراتهم أنّ فيهم في هذه السنين أزيد من أربعين دولة جزئية وكليّة كلّها مستقلّة أعظمها بأسا وبطشا وعدّة مملكة الروس حتّى قيل : إنّ طول مملكهم قريب من ألفي فرسخ وعرضها ثمانمائة وخمسون فرسخا.

ثانيها : ممالك آسيا المحدودة شمالا بالمحيط المنجمد أيضا وجنوبا ببحر الهند وشرقا بالمحيط وغربا بممالك يورپ ، وفيها ممالك إيران وتوران والترك والهند والشام والصين والخطاء وبعض ممالك الروس وغيرها.

ثالثها : الإفريقيّة المحدودة شمالا ببحر الروم الفاصل بينها وبين يورپ

١٥١

وجنوبا بالمحيط ، وغربا بالمحيط الفاصل بينه وبين القسم الثاني ، وشرقا بالمحيط الفاصل بينها وبين ممالك آمريكا ويورپ ، وفيها مصر وبلاد السودان وتمام بلاد المغرب.

رابعها : ممالك آمريكا الجنوبيّة الخارجة عن الربع المكشوف المحدودة شرقا بالمحيط الفاصل بينها وبين الإفريقيّة ويورپ ، وغربا بالمحيط الفاصل بينها وبين آسيا ، جنوبا بالمحيط المنجمد دائما من شدّة البرد ، قيل : ساروا في شمالها إلى ثمانين درجة حتّى وصلوا إلى موضع تنجمد فيه رطوبات أبدان الحيوان فضلا عن غيرها من الرطوبات بل قيل : انّه تنجمد فيه النار وان اجتهدوا في اشتعالها وذلك لشدّة البرودة وحيث أن عرضها قريب من ثمانين درجة فوسعتها قريبة من تمام هذه المعمورة الّتي قسّموها إلى الأقاليم السبعة ، ولذا قيل : أنّهم رصدوها وجدوها كذلك ، ومجمل أحوالهم وأديانهم وشمائلهم وأخلاقهم وكيفيّة الاستيلاء عليهم في مسفورات غيرنا مسطور وعلى ألسنتهم مشهور وبعضها في تحفة العالم (١) مذكور بل فيها أنّ وفور النّعمة وانتظام السلطنة وكثرة العدّة والعدّة والبلاد العامرة في ذلك الربع الجنوبي أزيد منها في هذا الربع الشمالي سيّما في هذه الازمنة إلى غير ذلك ممّا يظهر منه عظمة خلقه ـ سبحانه في أرضه وسمائه وأن الأرض برحبها وسعتها الّتي سمعت شطرا منها لا قدر لها محسوسا في جنب السماء الاولى فضلا عن غيرها.

__________________

(١) تحفة العالم كتاب عجيب في جغرافيا العمومي سيما جغرافيا خوزستان والتستر تأليف السيد عبد اللطيف التستري ولد في التستر سنة ١١٧٢ ه‍ طبع تحفة العالم في بمبئى إلى الآن ثلاث مرات.

١٥٢

بل لعلّك قد سمعت ما في خبر زينب العطارة (١) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أنّ كلّ طبقة من الأرضين السّبع والسموات بما فيها بالنسبة إلى ما فوقها كحلقة ملقاة في فلاة قيّ (٢). فضلا عن غيرها من العرش والكرسي والسرادقات والحجب فسبحانه من مدبّر حكيم ، ربّ العرش العظيم.

ثالثها : الأرثماطيقي المفسّر بالعدد للبحث فيه عن من حيث أقسامه وأحكامه وآثاره وخواصه وتناسبه ، وغير ذلك ممّا يتعلّق به من حيث إنّه عدد مطلق مع قطع النظر عن حصوله في المادة ومن فروعه علم الحساب الّذي يستخرج به كميّات المقادير المجهولة من الأعداد المعلومة الّتي لا ريب في احتياجها إلى المادّة في التحقّق دون التعقل ولذا أعدّ من الرياضي ، وإن تأمل فيه الشيخ في الشفا نظرا إلى أنّ المحاسب يبحث عن العدد المفارق للمادّة في الخارج أيضا لعروضه المجّردات أيضا كالعقول والنفوس وذات الواجب تعالى إن قلنا إنّ الواحد عدد (٣) وأجيب بأنّ

__________________

(١) الخبر بطوله مروي في توحيد الصدوق رواه مسندا عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : جاءت زينب العطارة الحولاء إلى نساء رسول الله وبناته وكانت تبيع منهن العطر فدخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي عندهن فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أتيتنا طابت بيوتنا فقالت بيوتك بريحك أطيب يا رسول الله فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا بعت فاحسني ولا تغشي فانه أتقى وأبقى للمال فقالت ما جئت لشيء من بيعي وانما جئتك أسئلك عن عظمة الله قال : صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جل جلال الله سأحدثك عن بعض ذلك ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ هذه الأرض بمن فيها ومن عليها عند التي تحتها كحلقة ملقاة في فلاة قيّ إلخ. رواه المجلسي في البحار ج ٦ ص ٨٣ عن التوحيد.

(٢) الفلاة هي المغازة والقيّ بكسر القاف وتشديد الياء الأرض القفر الخالية.

(٣) اختلفوا في أن الواحد عدد أم لا بعد تعريفهم العدد بأنه نصف مجموع حاشيتيه كالاثنين مثلا فان حاشية الأعلى ثلاث وحاشيته الأسفل واحد والاثنان نصف مجموع هاتين الحاشيتين فعلى

١٥٣

موضوع الحساب ليس العدد مطلقا بل من حيث حصوله في المادّة والبحث عن العدد ليس على وجه تشمل المجردات لعدم تعلّق الغرض به وتمام البحث في هذا الباب يطلب من شرحنا على «خلاصة الحساب».

نعم من غرائب الأوهام في المقام ما قيل : من أنّه قد تقرّر أنّ مراتب الأعداد غير موجودة في الخارج فلا يظهر وجه جعل الحساب من أقسام الحكمة الباحثة عن أحوال أعيان الموجودات. إذ فيه أنّه ليس المراد بالوجودات العينيّة خصوص الماديّة بل المتقرّرة في عالم الكون سواء أكانت من سرادق الملك أو الملكوت ومن البيّن أنّ مراتب الأعداد وتناسبها وساير أحكامها ولوازمها من الموجودات في المتقرّرة في مراتبها لا بمجرّد الفرض فيتحقّق بالنسبة إليها الصدق والكذب وإن أنكر وجودها العيني كثير ممّن لا دربة له بل أنكروا نصف العالم بل الأكثر.

ثمّ إنّ التعريف المتقدّم يشمل علم الجبر والمقابلة وعلم الأعداد المتناسبة ثلاثة كانت أو أربعة والخطائين بل مع اعتبار عروض العدد المقادير المجهولة يشمل علم المساحة أيضا. ولذا يعدّ الجميع فنّا واحدا وإن أفرد بعض كلّا بالتصنيف بل جعلها علوما متعددة إلّا أنّ الأنسب ما ذكرناه كما أنّه يشتمل نوعيه الّذين هما الهوائي الّذي يستخرج منه المجهولات ، والفلاتي المحتاج فيه إلى استعمالها ويسمّى بالتخت والتراب بل قد يقال : إنّ علم الحساب عمليّ منقسم إليهما ، ونظريّ يبحث فيه عن ثبوت الأعراض اللازمة للعدد وسلبها عنه وهو المسمّى بالأرثماطيقي لكنّه

__________________

هذا يخرج الواحد من الاعداد وان تركبت منه الاعداد لأنه ذو حاشيته واحدة وهو الاثنان فقط وأجيب بأنه أيضا ذو حاشيتين السفلى وهي النصف والعليا وهي واحد ونصف والواحد نصف مجموع هاتين الحاشيتين.

١٥٤

مخالف لما اصطلحوا عليه في الجملة ، وإن أمكن التطبيق مع أنّ الخطب سهل فيه وفي دخول حساب التنجيم فيه انّ مبناه على تعلّق الضرب والتقسيم والجمع والتفريق وغيرهما من الأعمال على الدرجات ـ والدقائق والثواني وغيرها بل وفي عدّ علم حساب اليد من فنونه حيث إنّهم اصطلحوا على وضع عقود الأنامل للأعداد من الواحد إلى عشرة آلاف كما سنشير إليه إنشاء الله في شرح خبر إسلام أبي طالب والعقد بيده ثلثا وسبعين (١).

وعلم الرمل الّذي يبحث فيه عن الأشكال المركّبة من الأفراد والأزواج أو ـ أحدها وإن كان كثير من قواعده مأخوذة من علم النجوم وربما يقال : إنّه راجع إلى علم التخت والّتراب الّذي هو أحد قسمي الحساب وأمّا صحة انتسابه إلى واحد من الأنبياء عليهم‌السلام أو إلى خصوص دانيال ـ على نبيّنا وآله وعليه‌السلام والبحث عن شرائطه وصحته وموانعه يستدعي مجالا أوسع نعم قد يقال : انّ

__________________

(١) في الكافي مسندا عن الصادق عليه‌السلام إنه قال : أسلم ابو طالب بحساب الجمل قال بكل لسان وعقد بيده ثلاثا وستين ، فعلى هذا لفظ سبعين غلط واشتباه. وقد ذكر في توجيه الحديث وجوه :

الاول : ما في معاني الأخبار عن حسين بن روح أنّه قال : معناه اله أحد جواد.

الثاني : أنّه أراد به عقد الخنصر والبنصر والوسطى من اليمين للثلاثة كما هو المعهود بين الناس في عدّ الواحد إلى الثلث ولكن توضع رؤس الأنامل في هذه العقود قريبة من أصولها وأن يوضع للستين ظفر إبهام اليمنى على باطن العقدة اليمنى للسبابة كما يفعله الرماة للحصاة.

الثالث : أنّ أبا طالب علم نبوة نبينا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل بعثته بالجفر.

وذكر في معناه وجوه آخر ومن أراد التفصيل فليراجع إلى التاسع من البحار ص ١٦ ط القديم وج ٤٥ ص ٧٩ ومصابيح الأنوار ج ١ ص ٣٧٦.

١٥٥

التشكلات الرمليّة محصورة في عدد معيّن بحسب اعتبار كلّ شكل في كلّ بيت وهو أقلّ بكثير من الحوادث اليوميّة الّتي لا تكاد تتناهى بخلاف الفلكيّة المعتبرة بحسب أوضاع الكواكب ونسبها المنطبقة على جميع الحوادث سيمّا بعد ملاحظة الأمور الأرضيّة من المطالع والطوالع والمواليد والآفاق والأطوال والعروض وغيرها ممّا لا يتفّق مع اعتبارها اتحاد شكلين منها ولذا قد يقال باعتبار النجوم دون الرّمل.

وفيه أنّه لعلّ مبني إصابة الرّمل على إرائة الصانع العالم الحكيم بعد التوجه والإستخارة منه سبحانه على أنّ لخصوص الطوالع فضلا عن غيره من المتشخّصات تأثيرا غريبا في اختلاف الأحكام فالتشكلات الرمليّة تزيد على التشكّلات الملكيّة بل الّنجومية بالعدد المذكور. فتأمل جدّا كي يظهر ضعف ما ذكره ، الفاضل القزويني في لسان الخواص (١).

وعلم الأعداد الوفقيّة الّذي يبحث فيه عن كيفيّة وضع الأعداد في بيوت سطح المربّع المتساوي الأضلاع بشرط اتحاد كلّ من قطريه وأضلاعه في الكميّة واختلاف بيوته فيها سواء كان الوفق طبيعيا أولا والمربّع زوجا أو فردا بقسميها محلقا أو ملفقا أو ذا الكتابة إلى غير ذلك من اقسامه واحكامه وشرائطه وموانعه وآدابه واختلاف مراتب السير فيه طولا وعرضا وخواصّه الغريبة الّتي علمها فضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

__________________

(١) الفاضل القزويني محمّد بن الحسين عالم جليل وفاضل نبيل من تلامذة العلامة ملا خليل القزويني شارح الكافي بالفارسية. توفى سنة ١٠٩٦ وله مؤلفات منيفه مثل ابطال الرمل. وضيافة الاخوان. وقبلة الآفاق. وكحل الأبصار. وهدية الخلان. ولسان الخواصّ وهو كتاب مفيد في شرح اصطلاحات العلماء وفي حل مشكلات الآيات والاخبار وهو مرتب على ترتيب حروف التهجي.

١٥٦

وعلم الحروف الّذي يبحث فيه من أعداد الحروف وموادّها وصورها وصفاتها ومنسوباتها والرّوحانيات المتعلّقة بها وانقسامها حسبما نشير إلى شطر منها فيما بعد إن شاء الله.

وعلم التكسير الذي يقال له : علم الجفر أيضا وهو من العلوم المكنونة المخزونة عند الأئمّة عليه‌السلام كما ورد عنهم في أخبار كثيرة بل اشتهر عند المخالفين أيضا انتسابه إليهم ، ولذا قال المحقّق الشريف في «شرح المواقف» : الجفر والجامعة كتابان لعليّ عليه‌السلام قد ذكر فيهما على طريقة علم الحروف الحوادث التي تحدث إلى انقراض العالم وكان الأئمّة المعروفون من أولاده يعرفونهما ويحكمون بهما وفي كتاب قبول العهد الذي كتبه عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام إلى المأمون : إنّك قد عرفت من حقوقنا ما لم يعرفه آباؤك فقبلت منك عهدك إلّا أنّ الجفر والجامعة يدلّان على أنّه لا يتمّ.

ولمشايخ المغاربة نصيب من علم الحروف ينتسبون فيه الى أهل البيت عليهم‌السلام. الى آخر ما ذكره صاحب «شرح المواقف».

ولخواصّ شيعتهم حظّ من أشعّة أنوارهم ونصيب من لمعات أسرارهم. ومبناهم على وجوه التكسير والبسط وأقسام الطرح والنظيرة والمستحصلة والمستحضرة وغيرها ممّا يعرفه أهله ولهم في ذلك رموز وإشارات الى كنوز. وأمّا المسطور في الصفحات فعدد كلّ من أجزائه وصفحات كلّ جزء وسطور كلّ صفحة وبيوت كلّ سطر ثمانية وعشرون عدد الحروف.

وقال بعض السادة الأجلّاء (عطّر الله مرقده) : إنّ الجفر اسم بقرة أتى بها جبرئيل حين كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) وأمير المؤمنين (عليه آلاف التحيّة والثناء) على جبل فاران فذبحها أمير المؤمنين (عليه‌السلام) بأمر

١٥٧

رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) فانسلخت وهي مدبوغة فأمر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) عليّا أن يجعلها ثمانية وعشرين جزءا وكلّ جزء ثمانية وعشرين ورقة وكلّ ورقة صفحتين يمنى ويسرى ، وكل صفحة ثمانية وعشرين سطرا ، وكلّ سطر ثمانية وعشرين بيتا ، وكلّ بيت جعل فيه أربعة أحرف.

ففي البيت الأوّل من السطر الأوّل من الصفحة الأولى من الجزء الأوّل أربع ألفات وفي البيت الثاني ثلاث ألفات وباء ، وهكذا الى تمام السطر فيكون آخره ثلاث ألفات وغين ، وهكذا الى آخر الأجزاء. قال : وأسرار هذه الحروف على هذا النحو كثيرة وفوائدها خطيرة.

قلت : لكن في ذكره لكلّ جزء ثمانية وعشرين ورقة ولكلّ ورقة صفحتين نظر لا يخفى إلّا على بعض الوجوه الّتي لا تخلو عن تكلّف ، وهذا الخبر لم أظفر به في غير كلامه (رحمه‌الله) نعم في البصائر (١) والاختصاص (٢) عن الحسن بن راشد قال : سمعت أبا إبراهيم (عليه‌السلام) يقول : إنّ الله تعالى أوحى الى محمّد (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) انّه قد فنيت ايّامك وذهبت دنياك واقترب لقاء ربّك فرفع النبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) يده الى السّماء وقال اللهمّ عدتك الّتي وعدتني إنّك لا تخلف الميعاد. فأوحى الله اليه أن ائت أحدا أنت ومن تثق به فأعاد الدعاء فأوحى الله إليه امض أنت وابن عمّك علي حتى تأتي أحدا ثمّ اصعد على ظهره

__________________

(١) البصائر في فضائل محمّد (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) كتاب نفيس تأليف محمّد بن فروخ الصفار القمي من أكابر الإمامية في القرن الثالث وتوفي سنة ٢٩٠ ق وله غير البصائر كتب أخر مثل الملاحم ، فضائل القرآن ، الأشربة ، التقية ، الجهاد ، الدعاء ، المثالب ، المؤمن.

(٢) الاختصاص من تأليفات محمّد بن محمّد بن نعمان المعروف بالمفيد من محقّقي الاماميّة تقدّم في المقدّمة في المفسّرين المشاهير.

١٥٨

فاجعل القبلة قبالك (١) ثمّ ادع وحش الجبل تجبك فإذا أجابتك فاعمد الى جفرة منهنّ أنثى وهي التي تدعى الجفرة حسن ناهد قرناها للطلوع ، وتشخب أوداجها دما وهي الّتي لك. فمر ابن عمّك ليعمد إليها فيذبحها ويسلخها فإنّه سيجدها مدبوغة وسأنزل عليك الرّوح الأمين وجبريل معه دواة وقلم ومداد ليس هو من مداد الأرض يبقى الجلد لا تأكله الأرض ولا يبليه التّراب لا يزداد كلّ ما ينشر إلّا جدّة (٢) غير أنّه يكون محفوظا مستورا فيأتي وحيي بما كان وتمليه على ابن عمّك وليكتب ويمدّ من ذلك المداد. فمضى (عليه‌السلام) حين انتهى الى الجبل ففعل ما أمره فصادف ما وصف له ربّه فلمّا ابتدأ في سلخ الجفرة نزل جبريل والرّوح الأمين وعدّة من الملائكة لا يحصى عددهم إلّا الله ومن حضر ذلك المجلس ثمّ وضع عليّ (عليه‌السلام) الجلد بين يديه وجائته الدواة والمداد أخضر كهيئة البقل وأشدّ خضرة وأنور ثمّ نزل الوحي على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله فجعل يملي على عليّ ويكتب عليّ (عليه‌السلام) إنّه يصف كلّ زمان وما فيه ، ويخبره بالظهر والبطن وخبره بكلّ ما كان وما هو كائن الى يوم القيامة ، وفسّر له أشياء لا يعلم تفسيرها وتأويلها إلّا الله والرّاسخون في العلم.

فأخبره بالكائنين من أولياء الله من ذرّيته أبدا الى يوم القيامة وأخبره بكلّ عدوّ يكون لهم في كلّ زمان من الأزمنة حتّى فهم ذلك كلّه وكتبه ثمّ أخبره بأمر ما يحدث عليه وعليهم من بعده فسئله عنها فقال الصّبر الصّبر وأوصى الى الأولياء وأشياعهم بالصّبر والتسليم حتّى يخرج الفرج وأخبره بأشراط أوانه وأشراط تولّده

__________________

(١) في بحار الأنوار ج ١٧ ص ١٣٧ روى الخبر وفيه مكان كلمة «قبالك» كلمة «ظهرك».

(٢) الجدة كأنه مصدر جد يجد : أي صار جديدا ـ بحار الأنوار ـ ج ٧ ص ٢٨١.

١٥٩

وعلامات تكون في ملك بني هاشم فمن هذا الكتاب استخرجت أحاديث الملاحم كلّها وصار الوصي إذا أفضى إليه الأمر تكلّم بالعجب.

رابعها : علم الموسيقى الّذي يقال له الموسيقار بمعنى النغم والألحان ولذا قيل : إنّ موضوعه الصوت المشتمل على الألحان المخصوصة. والمشهور أنّ مخترع هذه الصناعة هو الفارابي (١) وبه سمّي معلّما ثانيا.

وما يقال : إنّه وقع في تراجم فرفوريوس (٢) انّه قال للمعلم يعني أرسطاطاليس (٣) حين فرغ من المنطق : هل أبقيت شيئا؟ قال : نعم ما دوّنته نصف مادّة الألفاظ وبقي في النفس شيء لا يدخل تحت الألفاظ بل هو مجرّد الهواء.

ففيه أنّه قد يقال : إنّه إشارة إلى الهندسة الّتي هي أيضا كالمنطق من البراهين على انّهم أجمعوا على أنّ المعلّم الثاني هو الّذي الّف وأبدع ، وقسّم ونّوع ورتّب

__________________

(١) محمّد بن محمّد بن طرخان أبو نصر الفارابي المعلم الثاني أكبر فلاسفة المسلمين تركي الأصل مستعرب. ولد في فاراب على نهر جيحون سنة ٢٦٠ ق وانتقل الى بغداد وألّف بها أكثر كتبه ورحل الى مصر والشام. واتصل بسيف الدولة بن حمدان. وتوفي بدمشق سنة ٣٣٩ ق ، قيل كان زاهدا في الزخارف. يميل الى الانفراد بنفسه ، ولم يكن يوجد غالبا في مدة إقامته بدمشق إلّا عند مجتمع ماء أو مشتبك رياض ، له نحو مائة كتاب منها المدخل صناعة الموسيقى.

 ـ وفيات الأعيان ج ٢ ص ٧٦ ـ الأعلام للزركلي ج ٧ ص ٢٤٢.

(٢) فرفوريوس من أهل مدينة صور من ساحل الشام وله التقدم في معرفة كلام أرسطو واتحاد العاقل والمعقول في الفلسفة منسوب اليه وكذا ايساغوجي في المنطق (الكلّيات الخمسة) ولد في صور وتوفي سنة ٢٠٤ ق. م.

(٣) أرسطاطاليس أو أرسطو هو المعلّم الأول تلميذ أفلاطون واليه انتهيت فلسفة اليونانيين وينسب اليه الحكمة المشاء وله تصانيف كثيرة ووثيقة ، نقل كثير منها الى العربية في زمن المأمون العباسي ولد سنة ٣٨٤ قبل الميلاد وتوفي سنة ٣٢٢ ق. م.

١٦٠