نيل المرام من تفسير آيات الأحكام

أبي الطيّب صدّيق بن علي الحسيني القنوجي البخاري

نيل المرام من تفسير آيات الأحكام

المؤلف:

أبي الطيّب صدّيق بن علي الحسيني القنوجي البخاري


المحقق: محمّد حسن محمّد حسن إسماعيل وأحمد فريد المزيدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٢

الحجاج والعمار (١).

وروي عن أحمد وإسحاق أنهما جعلا الحج من سبيل الله (٢).

وقال أبو حنيفة وصاحباه : لا يعطى الغازي إلا إذا كان فقيرا منقطعا به.

(وَابْنِ السَّبِيلِ) : هو المسافر (٣).

والسبيل : الطريق ؛ ونسب إليها المسافر لملازمته إياها.

والمراد الذي انقطعت به الأسباب في سفره عن بلده ومستقره ، فإنه يعطى منها وإن كان غنيا في بلده ، وإن وجد من يسلفه.

وقال مالك : إذا وجد من يسلفه فلا يعطى (٤).

قوله : (فَرِيضَةً مِنَ اللهِ) : يعني كون الصدقات مقصورة على هذه الأصناف هو حكم لازم فرضا لله على عباده نهاهم عن مجاوزته (٥).

[الآية التاسعة عشرة]

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٧٣)).

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ) : الأمر بهذا الجهاد أمر لأمته من بعده ؛ وجهاد الكفار يكون بمقاتلهم حتى يسلموا ، وجهاد المنافقين يكون بإقامة الحجة عليهم حتى يخرجوا عنه ويؤمنوا بالله (٦).

__________________

(١) انظر : جامع ابن الحاجب (ص ١٦٥) ، وشرح عبادات الكلوذاني لليعقوبي (ص ١٩٨) ، وكفاية الأخيار (١٩٤).

(٢) قال الجراعي : وعنه الحجج ليس من السبيل والعكس المذهب (غاية المطلب ص ١٠٥) وقال اليعقوبي : هم الغزاة (شرح العبادات للكلوذاني (ص ١٩٨).

(٣) انظر : غاية المطلب (ص ١٠٥) ، الروض المربع (ص ١٢٠) ط ـ السّفلية.

(٤) مذهب المالكية إن وجد مسلفا وهو مليء ببلده ، فقولان (ابن الحاجب في الجامع ص ١٦٦).

(٥) وقال اليعقوبي : «فالمستحب أن يجمع بين الأصناف المذكورة في العطية ، فإن دفعها إلى صنف واحد أجزأه وكان تاركا للاستحباب» (ص ١٩٨).

وقد ذكرنا قول أهل العلم في هذه المسألة عند أول الكلام على آيات الصدقات.

(٦) انظر : الرّوضة الندية للمصنف (ص ٣٣١).

٣٤١

وقال الحسن : إن جهاد المنافقين بإقامة الحدود عليهم. واختاره قتادة (١).

قيل في توجيهه : إن المنافقين كانوا أكثر من يفعل موجبات الحدود.

وقال ابن العربي : إن هذه دعوى لا برهان عليها ، وليس العاصي بمنافق ، إنما المنافق بما يكون في قلبه من النفاق بما لا تتلبس به الجوارح ظاهرا ، وأخبار المحدودين تشهد بسياقها أنهم لم يكونوا منافقين.

(وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) الغلظ : نقيض الرأفة ، وهو شدة القلب ، وخشونة الجانب.

قيل : وهذه الآية نسخت كل شيء من العفو والصبر والصفح ، وفي «التحريم» (٢) مثلها.

[الآية العشرون]

(فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ (٨٣)).

(فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ) : الرجع : متعد كالرد ، والرجوع : لازم ، والفاء لتفريغ ما بعدها على ما قبلها ؛ وإنما قال : (إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ) : لأن جميع من أقام بالمدينة لم يكونوا منافقين ، بل كان فيهم غيرهم من المؤمنين لهم أعذار صحيحة ، وفيهم من المؤمنين من لا عذر له ، ثم عفا عنهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتاب الله عليهم كالثلاثة الذين خلفوا (٣).

وقيل : إنما قال إلى طائفة لأن منهم من تاب عن النفاق وندم على التخلف.

(فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ) معك في غزوة أخرى بعد غزوتك هذه.

__________________

(١) انظر : الطبري (١٠ / ١٢٦) ، والنكت (٢ / ١٥٢) ، وزاد المسير (٣ / ٤٦٩) ، والقرطبي (٨ / ٢٠٤) ، وابن كثير (٢ / ٣٧١) ، الدر المنثور (٣ / ٢٥٨).

(٢) آية رقم (٩).

(٣) هم : كعب بن مالك ، ومرارة بن الربيع العمري ، وهلال بن أمية الواقفي ، وتخلفهم كان عن غزوة تبوك من غير عذر.

وانظر : البخاري (٨ / ١١٣ ، ١١٦ ، ٣٤٣ ، ٣٤٤) ، ومسلم (١٧ / ٨٧ ، ٩٩) ، عن كعب بن مالك.

٣٤٢

(فَقُلْ) لهم : (لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا) : أي قل لهم ذلك عقوبة لهم ، ولما في استصحابهم من المفاسد.

(إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) : للتعليل أي لن تخرجوا معي ، ولن تقاتلوا ؛ لأنكم رضيتم بالقعود والتخلف أول مرة ، وهي غزوة تبوك.

(فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ (٨٣)) : جمع خالف ، والمراد بهم من تخلف عن الخروج.

وقيل : المعنى فاقعدوا مع الفاسدين ، من قولهم : (فلان خالف أهل بيته) إذا كان فاسدا فيهم.

[الآية الحادية والعشرون]

(وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ (٨٤)).

(وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ) : صفة لأحد.

و (أَبَداً) ظرف لتأييد النفي.

قال الزجاج : معنى قوله : (وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ) : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا دفن الميت وقف على قبره ودعا له (١) ، فمنع هاهنا منه.

وقيل : معناه لا تقم بمهمات إصلاح قبره.

وجملة : (إِنَّهُمْ كَفَرُوا) إلخ. تعليل للنهي عن صلاة الجنازة ، والقيام على قبور هؤلاء المنافقين (٢).

[الآيات : الثانية والثالثة والرابعة والعشرون]

(لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ

__________________

(١) حديث صحيح : رواه أبو داود (٣٢٢١) ، والحاكم في «المستدرك» (١ / ٣٧٠) وصححه ووافقه الذّهبي.

(٢) حديث صحيح : رواه البخاري (٣ / ١٣٨) ، ومسلم (١٥ / ١٦٧) ، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

٣٤٣

مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩١) وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ (٩٢) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٩٣)).

(لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ) : وهم أرباب الزمانة والهرم والعرج ونحو ذلك (١) ، ثم ذكر العذر العارض فقال :

(وَلا عَلَى الْمَرْضى) : والمراد بالمرض : كل ما يصدق عليه اسم المرض لغة أو شرعا.

وقيل : إنه يدخل في المرضى الأعمى والأعرج ونحوهما ، ثم ذكر العذر الراجع إلى المال لا إلى البدن قائلا :

(وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ) : أي ليست لهم أموال ينفقونها فيما يحتاجون إليه من التجهيز للجهاد ، فنفى سبحانه عنهم أن يكون عليهم (حَرَجٌ) : وأبان أن الجهاد مع هذه الأعذار ساقط عنهم ، غير واجب عليهم مقيدا بقوله :

(إِذا نَصَحُوا) : أصل النصح إخلاص العمل ، ونصح له القول : أي أخلصه له. والنصح (لِلَّهِ) الإيمان به ، والعمل بشريعته ، وترك ما يخالفها كائنا ما كان ، ويدخل تحته دخولا أوليا نصح عباده ، ومحبة المجاهدين في سبيله ، وبذل النصيحة لهم في أمر الجهاد ، وترك المعاونة لأعدائهم بوجه من الوجوه.

ونصيحة (رَسُولِهِ) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التصديق بنبوّته وبما جاء به ، وطاعته في كل ما يأمر به أو ينهى عنه ، وموالاة من والاه ، ومعاداة من عاداه ، ومحبته ، وتعظيم سنته ، وإحياءها بعد موته بما تبلغ إليه القدرة.

وقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «الدين النصيحة» ثلاثا ، قالوا : لمن؟ قال : «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» (٢).

__________________

(١) انظر : النكت (٢ / ١٥٨) ، زاد المسير (٣ / ٤٨٥).

(٢) حديث صحيح : رواه مسلم (٥٥).

٣٤٤

وجملة : (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) : مقررة لمضمون سبق ؛ أي ليس على المعذورين الناصحين طريق عقاب ومؤاخذة.

(وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩١)) وفي معنى هذه الآية قوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) [البقرة : ٢٨٦] ، وقوله : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) [النور : ٦١] ، وإسقاط التكليف عن هؤلاء المعذورين لا يستلزم عدم ثبوت ثواب الغزو لهم الذي عذرهم الله عنه مع رغبتهم إليه لو لا أن حبسهم العذر عنه.

ومنه حديث أنس عن أبي داود وأحمد ـ وأصله في «الصحيحين» ـ أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «لقد تركتم بعدكم قوما ما سرتم من مسير ، ولا أنفقتم من نفقة ولا قطعتم واديا إلا وهم معكم : قالوا : يا رسول الله وكيف يكونون معنا وهم بالمدينة؟ فقال : حبسهم العذر» (١).

وأخرجه أحمد ومسلم من حديث جابر (٢).

ثم ذكر الله سبحانه من جملة المعذورين من تضمنه قوله :

(وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ) : على ما يركبون عليه في الغزو.

(قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ) : أي حال كونهم باكين.

(حَزَناً) : منصوب على المصدرية أو على الحالية.

(أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ (٩٢)) لا عند أنفسهم ولا عندك.

(إِنَّمَا السَّبِيلُ) : أي طريق العقوبة والمؤاخذة.

(عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ) : في التخلف عن الغزو ، والحال أن (وَهُمْ أَغْنِياءُ) : أي يجدون ما يحملهم وما يتجهزون به.

__________________

(١) حديث صحيح : رواه أبو داود (٢٥٠٨) ، وأحمد في «المسند» (٣ / ١٦٠ ، ٢١٤) عن أنس مرفوعا. والبخاري معلقا (٦ / ٤٧) عن أنس.

وأصله في «الصحيحين» عند البخاري (٦ / ٤٦ ، ٤٧) (٨ / ١٢٦) ، عن أنس ، ومسلم (١٣ / ٥٦ ، ٥٧) عن جابر مرفوعا.

(٢) حديث صحيح : رواه مسلم (١٣ / ٥٦ ، ٥٧) ، وابن ماجة (٢٧٦٥) ، وأحمد في «المسند» (٣ / ٣٣٠) (٣٤) عن جابر مرفوعا.

٣٤٥

(رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) : أي أن سبب الاستئذان مع الغنى أمران :

أحدهما : الرضا بالصفقة الخاسرة ؛ وهي أن يكونوا مع الخوالف.

والثاني : الطبع من الله على قلوبهم.

(فَهُمْ) : بسبب هذا الطبع.

(لا يَعْلَمُونَ (٩٣)) : ما فيه الربح لهم حتى يختاروه على ما فيه الخسر.

[الآية الخامسة والعشرون]

(خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٠٣)).

(خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً) : قد اختلف أهل العلم في هذه الصدقة المأمور بها؟

فقيل : هي صدقة الفرض.

وقيل : هي مخصوصة لهذه الطائفة المعترفين بذنوبهم ؛ لأنهم بعد التوبة عليهم عرضوا أموالهم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنزلت هذه الآية. و (من) للتبعيض على التفسيرين.

قال السيوطي : فأخذ ثلث أموالهم فتصدق بذلك للكفارة ؛ فإن كل من أتى ذنبا يسن له أن يتصدق ، والآية مطلقة مبينة بالسنة المطهرة ، والصدقة مأخوذة من الصدق ، إذ هي دليل على صدق مخرجها في إيمانه.

(تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها) : الضمير في الفعلين للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وقيل : للصدقة : أي تطهرهم هذه الصدقة المأخوذة منهم ، والأول أولى.

ومعنى التطهير : إذهاب ما يتعلق بهم من أثر الذنوب ، ومعنى التزكية : المبالغة في التطهير (١).

(وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) : أي ادع لهم بعد أخذك لتلك الصدقة من أموالهم.

__________________

(١) انظر : الطبري (١١ / ١٣) ، النكت (٢ / ١٦٣) ، زاد المسير (٣ / ٤٩٥) ، القرطبي (٨ / ٢٤٤) ، وابن كثير (٢ / ٣٨٥).

٣٤٦

قال النحاس : وحكى أهل اللغة جميعا ـ فيما علمنا ـ أن الصلاة في كلام العرب : الدعاء.

(إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) أي ما تسكن إليه النفس ، وتطمئن به.

[الآية السادسة والعشرون]

(ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (١١٣)).

(ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى) : ذكر أهل التفسير أن (ما كان) في القرآن يأتي على وجهين :

الأول : على النفي نحو : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) [آل عمران : ١٤٥].

والآخر : على معنى النهي نحو : (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ) [الأحزاب : ٥٣] ، و (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) الآية ، فإن القرابة في مثل هذا الحكم لا تأثير لها ، وهذه الآية متضمنة لقطع الموالاة للكفار ، وتحريم الاستغفار لهم والدعاء بما لا يجوز لمن كان كافرا (١).

ولا ينافي هذا ما ثبت عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الصحيح أنه قال يوم أحد حين كسر المشركون رباعيته وشجوا وجهه : «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون» (٢) ، لأنه يمكن أن يكون ذلك قبل أن يبلغه تحريم الاستغفار للمشركين.

وعلى فرض أنه كان قد بلغه ـ كما يفيده سبب النزول (٣) ـ فإنه قبل يوم أحد بمدة طويلة ، فصدور هذا الاستغفار منه لقومه إنما كان على سبيل الحكاية عمن تقدم من الأنبياء ، كما في «صحيح مسلم» عن عبد الله قال : «كأني أنظر إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحكي نبيا

__________________

(١) انظر : الفتح الرّباني (١٨ / ١٦٤) ، الطبري (١١ / ٣٠) ، النكت (٢ / ١٧٠) ، زاد المسير (٣ / ٥٠٧) ، القرطبي (٣ / ٥٠٩) ، ابن كثير (٢ / ٣٩٣) ، اللباب (١٢٦) ، الدر المنثور (٣ / ١٨٢).

(٢) انظر تخريجه فيما بعده.

(٣) حديث صحيح : رواه البخاري (٨ / ٣٤١) ، ومسلم (٢٤) ، وابن أبي حاتم (٤ / ١٠٢) ، والأسماء والصفات (ص ٩٧ ، ٩٨) ، والطبري (١١ / ٤١) عن سعيد بن المسيّب عن أبيه فذكر الحديث.

٣٤٧

من الأنبياء ضربه قومه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول : رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون» (١).

وفي البخاري : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكر نبيا قبله شجه قومه ، فجعل يخبر عنه بأنه قال : «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون» (٢).

(مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (١١٣)) : هذه الجملة تتضمن التعليل للنهي عن الاستغفار.

والمعنى أن هذا التبين موجب لقطع الموالاة لمن كان هكذا وعدم الاعتداد بالقرابة ، لأنهم ماتوا على الشرك ، وقد قال سبحانه (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) [النساء : ٤٨] ؛ فطلب المغفرة لهم في حكم المخالفة لوعد الله ووعيده.

[الآية السابعة والعشرون]

(وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (١٢٢)).

(وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) : اختلف المفسرون في معناها؟ فذهب جماعة إلى أنه من بقية أحكام الجهاد ، لأنه سبحانه لما بالغ في الأمر بالجهاد والانتداب إلى الغزو كان المسلمون إذا بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سرية إلى الكفار ، ينفرون جميعا ويتركون المدينة خالية ، فأخبرهم سبحانه بأنه ما كان لهم ذلك ، أي ما صح لهم ولا استقام أن ينفروا جميعا.

(فَلَوْ لا) : بمعنى هلا ، فهي تحضيضية على معنى الطلب.

(نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ) : ويبقى من عدا هذه الطائفة النافرة ، ويكون الضمير في قوله : (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) : عائدا إلى الفرقة الباقية (٣).

والمعنى أن طائفة من هذه الفرقة تخرج إلى الغزو ، ومن بقي من الفرقة يقفون

__________________

(١) صحيح : رواه مسلم (١٢ / ١٤٩ ، ١٥٠).

(٢) حديث صحيح : رواه البخاري (٦ / ٥١٤).

(٣) انظر : الطبري (١١ / ٥٥) ، الزجاج (٢ / ٥٢٩).

٣٤٨

لطلب العلم ويعلمون الغزاة إذا رجعوا إليهم من الغزو ، أو يذهبون في طلبه إلى المكان الذي يجدون فيه من يتعلمون منه ليأخذوا عنه الفقه في الدين (١).

(وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ) : عطف علة ، ففيه إشارة إلى أنه ينبغي أن يكون غرض المتعلم الاستقامة وتبليغ الشريعة ، لا الترفع على العباد والتبسط في البلاد.

وذهب آخرون إلى أن هذه الآية ليست من بقية أحكام الجهاد ، بل هي حكم مستقل بنفسه في مشروعية الخروج لطلب العلم والتفقه في الدين ، جعله الله سبحانه متصلا بما دل على إيجاب الخروج إلى الجهاد ، فيكون السفر نوعين :

الأول : سفر الجهاد.

والثاني : السفر لطلب العلم.

ولا شك أن وجوب الخروج لطلب العلم إنما يكون إذا لم يجد الطالب من يتعلم منه في الحضر من غير سفر.

والفقه : هو العلم بالأحكام الشرعية ، وبما يتوصل به إلى العلم بها ، من لغة ونحو وصرف وبيان وأصول. وقد جعل الله سبحانه الغرض من هذا هو التفقه في الدين ، وإنذار من لم يتفقه ، فجمع بين المقصدين الصالحين ، والمطلبين الصحيحين ، وهما : تعلّم العلم وتعليمه ، فمن كان غرضه بطلب العلم غير هذين فهو طالب لغرض دنيوي لا لغرض ديني (٢).

[الآية الثامنة والعشرون]

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٢٣)).

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً) : أمر سبحانه المؤمنين بأن يجتهدوا في مقاتلة من يليهم من الكفار في الدار والبلاد والنسب ، وأن يأخذوا في حربهم بالغلظة والشدة.

والجهاد واجب لكل الكفار ، وإن كان الابتداء بمن يلي المجاهدين منهم أهم وأقدم ، ثم الأقرب فالأقرب.

__________________

(١) انظر : زاد المسير (٣ / ٥٢٠) ، القرطبي (٨ / ٢٩٩).

(٢) انظر : الفقيه والمتفقه للخطيب (ص ١١) ط ـ دار الوطن.

٣٤٩

سورة هود

مكيّة في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر وغيرهم (١).

قال ابن عباس وقتادة : إلا آية (٢) ، وهي قوله : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ).

وآياتها مائة وثلاث وعشرون آية

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اقرؤوا [هود] (٣) يوم الجمعة».

أخرجه الدارمي وأبو داود في «مراسيله» وأبو الشيخ وابن مردويه وابن عساكر والبيهقي في «الشعب» عن كعب (٤).

[الآية الأولى]

(وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (١١٣)).

(وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) : فسّر الأئمة من رواة اللغة الركون : بمطلق الميل والسكون من غير تقييد بما قيد به صاحب «الكشاف» حيث قال : إن الركون هو الميل اليسير ، وهكذا فسّره المفسرون بمطلق الميل والسكون من غير تقييد ، إلا من كان من المتقيدين بما ينقله صاحب «الكشاف».

ومن المفسرين من ذكر في تفسيره للركون قيودا لم يذكرها أئمة اللغة.

__________________

(١) انظر : الطبري (١١ / ١٢٢) ، وزاد المسير (٤ / ٧٤).

(٢) انظر : الطبري (١١ / ١٢٣) ، زاد المسير (٤ / ٧٥).

(٣) ما بين [] حرّف لهود وهو خطأ واضح.

(٤) إسناده ضعيف : رواه الدارمي (٣٤٠٤) ، وأبو داود في «مراسيله» (٥٩) عن كعب بن ماتع مرفوعا.

وعلته : إرسال كعب الأحبار فروايته للحديث مرسلا ، وانظر : التهذيب (٨ / ١٩٣).

٣٥٠

قال القرطبي في «تفسيره» (١) : الركون حقيقة الاستناد والاعتماد والسكون إلى الشيء والرضا به ، ومن أئمة التابعين من فسّر الركون بما هو بعض من معناه اللغوي :

فروي عن قتادة وعكرمة في تفسير الآية : إن معناها لا تودوهم ولا تطيعوهم.

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في تفسير الآية : الركون هنا الإدهان ، وذلك أن لا ينكر عليهم كفرهم.

وقال أبو العالية : معناه لا ترضوا أعمالهم (٢).

وقد اختلف أيضا الأئمة من المفسرين في هذه الآية : هل هي خاصة بالمشركين؟ وأنهم المرادون بالذين ظلموا؟ وقد روي ذلك عن ابن عباس.

وقيل : إنها عامة في الظلمة من غير فرق بين كافر ومسلم ، وهذا هو الظاهر من الآية. ولو فرضنا أن سبب النزول هم المشركون لكان الاعتبار لعموم اللفظ لا لخصوص السبب.

فإن قلت : قد وردت الأدلة الصحيحة البالغة عدد التواتر ، الثابتة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثبوتا لا يخفى على من له أدنى تمسك بالسنة المطهرة ، بوجوب طاعة الأئمة والسلاطين والأمراء ؛ حتى ورد في بعض ألفاظ الصحيح : «أطيعوا السلطان وإن كان عبدا حبشيا رأسه كالزبيبة» (٣).

وورد وجوب طاعتهم ما أقاموا الصلاة (٤) ، وما لم يظهر منهم الكفر البواح (٥) ، وما لم يأمروا بمعصية الله (٦).

__________________

(١) انظره في (٩ / ١٠٨).

(٢) انظر : الطبري (١٢ / ١٢٨) ، الدر المنثور (٣ / ٣٥١).

(٣) حديث صحيح : رواه البخاري (٢ / ١٨٤ ، ١٨٨) ، (١٣ / ١٢١) ، ومسلم (١٢ / ٢٢٥) ، عن أنس مرفوعا.

(٤) حديث صحيح : رواه مسلم (١٢ / ٢٤٤) عن عوف بن مالك مرفوعا ، وفيه : «لا ما أقاموا الصلاة».

(٥) حديث صحيح : رواه البخاري (١٣ / ٥) ، ومسلم (١٢ / ٢٢٨) ، عن عبادة مرفوعا وفيه : «إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان».

(٦) حديث صحيح : رواه البخاري (١٣ / ١٢١ ، ١٢٢) ، ومسلم (١٢ / ٢٢٦) ، عن عبد الله بن عمر مرفوعا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية ، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة».

٣٥١

وظاهر ذلك أنهم وإن بلغوا في الظلم إلى أعلى مرتبة ، وفعلوا أعظم أنواعه مما لم يخرجوا به إلى الكفر البواح ، فإن طاعتهم واجبة ، حيث لم يكن ما أمروا به من معصية الله.

ومن جملة ما يأمرون به تولي الأعمال لهم والدخول في المناصب الدينية التي ليس الدخول فيها من معصية الله.

ومن جملة ما يأمرون به الجهاد وأخذ الحقوق الواجبة من الرعايا وإقامة الشريعة بين المتخاصمين منهم وإقامة الحدود على من وجبت عليه.

وبالجملة فطاعتهم واجبة على كل من صار تحت أمرهم ونهيهم ، فكل ما يأمرون به مما لم يكن من معصية الله ، ولا بد في مثل هذا من المخالطة لهم والدخول عليهم ونحو ذلك مما لا بد منه ، ولا محيص عن هذا الذي ذكرناه من وجوب طاعتهم بالقيود المذكورة لتواتر الأدلة الواردة به ؛ بل وقد ورد به الكتاب العزيز : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء : ٥٩] ، بل ورد أنهم يعطون الذي لهم من الإطاعة وإن منعوا ما هو عليهم للرعايا ، كما في بعض الأحاديث الصحيحة : «أعطوهم الذي لهم واسألوا الله الذي لكم» (١).

بل ورد الأمر بطاعة السلطان وبالغ في ذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى قال : «وإن أخذ مالك وضرب ظهرك» (٢).

وإن اعتبرنا مطلق الميل والسكون ، فمجرد هذه الطاعة المأمور بها مع ما يستلزمه من المخالطة عن ميل وسكون ، وإن اعتبرنا الميل والسكون ظاهرا وباطنا ، فلا يتناول النهي في هذه الآية من مال إليهم في الظاهر بأمر يقتضي ذلك شرعا ، كالطاعة أو للتقيّة مخافة الضرر منهم ، أو لجلب مصلحة عامة أو خاصة ، أو لدفع مفسدة عامة أو خاصة ، إذا لم يكن له ميل إليهم في الباطن ولا محبة ولا رضا بأفعالهم.

قلت : أما الطاعة على عمومها لجميع أقسامها ـ حيث لم تكن في معصية الله ـ فهي على فرض صدق مسمى الركون عليها مخصّصة لعموم النهي عنه ، ولا شك في هذا

__________________

(١) حديث صحيح : رواه الباري (٦ / ٦١٢) ، (١٣ / ٥) ، ومسلم (١٢ / ٢٣١ ، ٢٣٢) عن ابن مسعود مرفوعا نحوه.

(٢) حديث صحيح : رواه مسلم (١٢ / ٢٣٧ ، ٢٣٨) ، عن حذيفة مرفوعا.

٣٥٢

ولا ريب ، فكل من أمروه ابتداء أن يدخل في شيء من الأعمال التي أمرها إليهم ـ مما لم يكن من معصية الله كالمناصب الدينية ونحوها ـ إذا وثق من نفسه بالقيام إلى ما وكل إليه فذلك واجب عليه ، فضلا عن أن يقال جائز له.

وأما ما ورد من النهي عن الدخول في الإمارة ، فذلك مقيد بعدم وقوع الأمر ممن تجب طاعته من الأئمة والسلاطين والأمراء ، جمعا بين الأدلة أو مع ضعف المأمور عن القيام بما أمر به ، كما ورد تعليل النهي عن الدخول في الإمارة بذلك في بعض الأحاديث الصحيحة (١).

وأما مخالطتهم والدخول عليهم لجلب مصلحة عامة أو خاصة ، أو دفع مفسدة عامة أو خاصة ، مع كراهة ما هم عليه من الظلم وعدم ميل النفس إليها ، ومحبتها لهم ، وكراهة الموصلة لهم ـ لو لا جلب تلك المصلحة ، أو دفع تلك المفسدة ـ فعلى فرض صدق مسمى الركون على هذا فهو مخصص بالأدلة الدالة على مشروعية جلب المصالح ودفع المفاسد ، والأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ، ولا تخفى على الله خافية.

وبالجملة : فمن ابتلي بمخالطة من فيه ظلم ، فعليه أن يزن أقواله وأفعاله وما يأتي وما يذر بميزان الشرع ، فإن زاغ عن ذلك فعلى نفسها براقش تجني ، ومن قدر على الفرار منهم ، قبل أن يؤمر من جهتهم بأمر يجب عليه طاعته ؛ فهو الأولى والأليق به.

يا مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين ، اجعلنا من عبادك الصالحين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، الذين لا يخافون فيك لومة لائم وقوّنا على ذلك ، ويسره لنا ، وأعنا عليه.

قال القرطبي في «تفسيره» (٢) : وصحبة الظالم على التقيّة مستثناه من النهي بحال الاضطرار. انتهى.

وقال النيسابوري في «تفسيره» (٣) : قال المحققون : الركون المنهي عنه هو الرضا بما عليه الظلمة ، أو تحسين الطريقة وتزيينها عند غيرهم ومشاركتهم في شيء من تلك

__________________

(١) حديث صحيح : ما رواه مسلم (١٢ / ٢١٠) عن أبي ذر مرفوعا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تأمرن اثنين ، ولا تولين مال يتيم».

(٢) انظره في (٩ / ١٠٨).

(٣) المسمّى بالتيسير في عالم «التفسير» لعبد الملك بن هوازن ـ طبع بدار الغرب ـ بيروت ٣ مجلدات.

٣٥٣

الأبواب. فأما مداخلتهم لدفع ضرر أو اجتلاب مصلحة عاجلة فغير داخلة في الركون.

قال : وأقول : هذا من طريق المعاش والرخصة ، ومقتضى التقوى هو الاجتناب عنهم بالكلية. (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ) [الزمر : ٣٦] انتهى.

(فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) : بسبب الركون إليهم ؛ وفيه إشارة إلى أن الظلمة أهل النار أو كالنار ، ومصاحبة النار توجب لا محالة مس النار.

٣٥٤

سورة النحل

هي مكيّة كلها في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر.

وروي عن ابن عباس وأبي الزبير : أنها نزلت بمكة سوى ثلاث آيات من آخرها ؛ فإنهن نزلن بين مكة والمدينة في منصرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أحد (١).

وآياتها مائة وثمان وعشرون

وتسمى هذه السورة بسورة النعم ، بسبب ما عدد الله فيها.

[الآية الأولى]

(وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٦٧)).

(وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً) : هو ما يسكر من الخمر.

(وَرِزْقاً حَسَناً) : هو جميع ما يؤكل من هاتين الشجرتين كالتمر والزبيب والخل ، وكان نزول هذه الآية قبل تحريم الخمر.

وقيل : إن السّكر : الخل بلغة الحبشة.

والرزق الحسن : الطعام من الشجرتين.

وقيل : السّكر ؛ العصير الحلو الحلال. وسمي سكرا لأنه قد يصير مسكرا إذا بقي ، فإذا بلغ الإسكار حرم. والقول الأول أولى ، وعليه الجمهور.

وقد صرّح أهل اللغة بأن السّكر اسم للخمر ؛ ولم يخالف في ذلك إلا أبو عبيدة فإنه قال : السّكر الطعم. ومما يدل على ما قاله الجمهور قول الشاعر :

__________________

(١) انظر : الطبري (١٤ / ٥٢) ، زاد المسير (٤ / ٤٢٤) ، والقرطبي (١٠ / ٦٥).

٣٥٥

بئس [الصّحاة] (١) وبئس الشّرب شربهم

إذا جرى [فيهم المزّاء] (٢) والسّكر

ومما يدل على ما قاله أبو عبيدة ما أنشده :

جعلت عيب الأكرمين سكرا

أي جعلت ذمهم طعما.

ورجح هذا ابن جرير فقال (٣) : إن السّكر ما يطعم من الطعام ، ويحب شربه من ثمار النخيل والأعناب ، وهو الرزق الحسن ، واللفظ مختلف والمعنى واحد ، مثل : (إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ) [يوسف : ٨٦].

قال الزجاج : قول أبي عبيدة هذا لا يعرف ، وأهل التفسير على خلافه ، ولا حجة له في البيت الذي أنشده ، لأن معناه عند غيره أنه يصف أنها تتخمر بعيوب الناس.

وقد حمل السّكر جماعة من الحنفية على ما يسكر من الأنبذة وعلى ما ذهب ثلثاه بالطبخ. قالوا : وإنما يمتن الله على عباده بما أحله لهم لا بما حرمه عليهم ، وهذا مردود بالأحاديث الصحيحة المتواترة على فرض تأخره عن آية تحريم الخمر (٤).

__________________

(١) صحّفت في «المطبوعة» إلى (الصحاب) وهو خطأ ، والصواب ما أثبتناه كما في «القرطبي» (١٠ / ١٢٨).

(٢) حرّفت إلى (منهم الهذر) وهو خطأ ، والتصوير من القرطبي (١٠ / ١٢٨).

(٣) انظره في تفسيره (١٤ / ٨٧ ، ٨٩).

(٤) فبالجملة : هذه الآية نسختها آية المائدة (فَاجْتَنِبُوهُ) [آية : ٩] وهذا على الراجح.

وعقّب القاضي ابن العربي بقوله : هذا بناء على أن السكر الخمر وقد اختلف العلماء في تأويله على خمسة أقوال :

الأول : أن معناه تتخذون من ما حرّم الله قاله ابن عباس والحسن.

الثاني : أنه الخلّ قاله الحسن أيضا.

الثالث : أنه كل ما يتطعم منه.

الرابع : أنه خمور الأعاجم.

الخامس : أنه ما يسدّ الجوع.

وأما الرزق الحسن ففيه ثلاثة أقوال :

الأول : أنه ما أحل الله.

الثاني : الأول بعينه ـ قاله ابن عباس والحسن وغيرهما.

الثالث : أنه النبيذ الحلو ـ قاله قتادة.

فإذا لم يقل إن السكر الخمر لم يتصور في الآية نسخ ، وإذا قلنا أن المراد به الخمر وتقدير : تتخذون منه ما حرم الله ، فيكون معناه التوبيخ تقديره : أنعم الله عليكم بثمرات النخيل والأعناب

٣٥٦

[الآية الثانية]

(وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٩٤)).

(وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ) : وهي أيمان البيعة.

قال الواحدي : قال المفسرون : وهذا في نهي الذين بايعوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن نقض العهد على الإسلام ونصرة الدين ، واستدلوا على هذا التخصيص بما في قوله :

(فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها) : من المبالغة ، وبما في قوله :

(وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٩٤)) لأنهم إذا نقضوا العهد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صدوا غيرهم عن الدخول في الإسلام ، وعلى تسليم أن هذه الأيمان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هي سبب نزول هذه الآية ، فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

وقال جماعة من المفسرين : إن هذا تكرير لما قبله لقصد التأكيد والتقرير ، أعني قوله : (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها) [النحل : ٩١] إلى قوله : (تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ) [النحل : ٩٢] الآية.

والمراد بالتوكيد التشديد والتغليظ والتوثيق ، وليس المراد اختصاص النهي عن النقض بالإيمان المؤكدة ، ولا يغيرها مما لا تأكيد فيه ، فإن تحريم النقض يتناول الجميع ، ولكن في نقض اليمين المؤكدة من الإثم فوق الإثم الذي في نقض ما لم يؤكد

__________________

فاتخذتم منه الخمر التي حرّم الله ، وإذا قلنا : أن المنة وقعت بالخمر ، فحينئذ يكون النسخ ، ولا أقول به ولا أصوبه لقائله فإنه لو أراد الخمر لصرّح باسمها ، وكان أولى من أن يقول ذلك بلفظ السكر المذموم ، والمنّة لا تقع بمكروه ، وما يذهب العقل لا يقع فيه مدح ولم يكن السكر محللا في ملة وسكت الله عنه مدة في صدر الإسلام لفساد جميعه ودعاء قليله إلى كثيرة فسكت عنه إلى أن رأوا فساده واستدعوا تحريمه ، فجاء كما أرادوا مع هذا كله ، فقد تهافتوا عليه تهافت الفراش وسقطوا فيه سقوط الذّباب اه.

وانظر فيما يتعلق بهذه الآية من أقوال أهل العلم والتفسير : «الناسخ والمنسوخ لابن العربي (٢ / ٢٨٠ ، ٢٨١) ، والأحكام له (٣ / ١١٤١) ، والنحاس (١٧٩) ، وزاد المسير (١٠ / ٤٦٤) ، والمصفّى (٢٠٨) ، والقرطبي (١٠ / ١٢٨) ، وابن البارزي (٢٩٦) ، والبصائر (١ / ٢٨٠).

٣٥٧

منها ، وهذا العموم مخصوص بما ثبت في الأحاديث الصحيحة من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفّر عن يمينه» (١) ، حتى بالغ في ذلك فقال : «والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها ، إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني» ، وهذه الألفاظ ثابتة في الصحيح وغيره.

ويخص أيضا من هذا العموم يمين اللغو لقوله تعالى : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ) [البقرة : ٢٢٥] ويمكن أن يكون التقييد بالتوكيد هاهنا لإخراج أيمان اللغو ، وقد تقدم بسط الكلام على الإيمان في البقرة.

وقيل : توكيد اليمين هو حلف الإنسان على الشيء الواحد مرارا.

وحكى القرطبي (٢) عن ابن عمر : أنّ التوكيد هو أن يحلف مرتين فإن حلف واحدة فلا كفارة عليه.

قال أبو عبيدة : كل أمر لم يكن صحيحا فهو دخل.

وقيل : الدخل ما أدخل في الشيء على فساده.

وقال الزجاج : غشا.

[الآية الثالثة]

(فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (٩٨)).

(فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ) : الفاء لترتيب الاستعاذة على العمل الصالح.

وقيل : هذه الآية متصلة بقوله : (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) ، والتقدير فإذا أخذت في قراءته (فَاسْتَعِذْ).

قال الزجاج وغيره من أئمة اللغة : معناه إذا أردت أن تقرأ القرآن فاستعذ ؛ وليس معناه استعذ بعد أن تقرأ القرآن. ومثله : إذا أكلت فقل : بسم الله.

قال الواحدي : وهذا إجماع الفقهاء أن الاستعاذة قبل القراءة إلا ما روي عن أبي هريرة وابن سيرين وداود ومالك وحمزة من القراء فإنهم قالوا : الاستعاذة بعد القراءة ،

__________________

(١) حديث صحيح : رواه البخاري (١١ / ٥١٦ ، ٥١٧) ، ومسلم (١١ / ١١٤ ، ١١٦) عن أبي هريرة وعبد الرحمن بن سمرة مرفوعا بنحوه.

(٢) انظره في «تفسيره» (١٠ / ١٧٠).

٣٥٨

وقد ذهبوا إلى ظاهر الآية.

ومعنى (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) اسأله سبحانه أن يعيذك.

(مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (٩٨)) : أي من وساوسه ، وتخصيص قراءة القرآن من بين الأعمال الصالحة بالاستعاذة عند إرادتها للتنبيه على أنها كسائر الأعمال الصالحة عند إرادتها لهم ؛ لأنه إذا وقع الأمر بها عند قراءة القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، كانت عند إرادة غيرها أوفى ، كذا قيل.

وكذا توجيه الخطاب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للإشعار بأن غيره أولى منه بفعل الاستعاذة ، لأنه إذا أمر بها لدفع وساوس الشيطان ـ مع عصمته ـ فكيف بسائر أمته.

وقد ذهب الجمهور إلى أن الأمر في الآية للندب ، وروي عن عطاء الوجوب أخذا بظاهر الأمر.

[الآية الرابعة]

(مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠٦)).

(مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) : قال القرطبي (١) : أجمع أهل العلم أن من أنكره على الكفر ، حتى خشي على نفسه القتل ، أنه لا إثم عليه [إن] (٢) كفر وقلبه مطمئن بالإيمان ، ولا تبين منه زوجته ، ولا يحكم عليه بحكم الكفر.

وحكي عن محمد بن الحسن أنه إذا أظهر الكفر كان مرتدا في الظاهر ، وفيما بينه وبين الله على الإسلام ، وتبين منه امرأته ولا يصلى عليه إن مات ، ولا يرث أباه إن مات مسلما. وهذا القول مردود على قائله مدفوع بالكتاب والسنة.

وذهب الحسن البصري والأوزاعي والشافعي وسحنون إلى أن هذه الرخصة مثل

__________________

(١) انظره في «تفسيره» (١٠ / ١٨٢).

(٢) ما بين [معقوفين] زيادة اقتضاها السياق.

٣٥٩

أن يكره على السجود لغير الله. ويدفعه ظاهر الآية فإنها عامة في من أكره ، من غير فرق بين القول والفعل ، ولا دليل للقاصرين للآية على القول ، وخصوص السبب لا اعتبار به مع عموم اللفظ كما تقرر في علم الأصول.

(وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً) : أي اختاره وطابت به نفسه.

(فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ) : ليس بعد هذا الوعيد العظيم ـ وهو الجمع للمرتدين بين غضب الله وعظم عذابه بقوله : (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠٦)) وعيد (١).

[الآية الخامسة]

(وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (١١٦)).

(وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ) : قال الكسائي والزجاج : (ما) هنا مصدرية ، وانتصاب الكذب بلا تقولوا ، أي لا تقولوا الكذب لأجل وصف ألسنتكم. ومعناه لا تحللوا ولا تحرموا لأجل قول تنطق به ألسنتكم من غير حجة.

ويجوز أن تكون (ما) موصولة والكذب منتصبا بتصف ، أي لا تقولوا للذي تصف

__________________

(١) تكلم ابن العربي على هذه الآية في «الأحكام» (٣ / ١١٦٥ ، ١١٧٠) ما ملخصه : أنها نزلت في المرتدين ، واختلفوا في التهديد هل هو إكراه أم لا؟ والصحيح أنه إكراه.

واختلفوا في الزنا؟ والصحيح أنه يجوز له الإقدام عليه ولا حدّ عليه خلافا لابن الماجشون ، وأما الكفر بالله فذلك جائز له بدون خلاف على شرط أن يلفظ بلسانه ، وقلبه منشرح بالإيمان ، بل قال المحققون من علمائنا : إنه إذا تلفّظ بالكفر أنه لا يجوز له أن يجري على لسانه إلا جريان المعاريض. مثاله : أن يقال له : اكفر بالله؟ فيقول : أنا كافر بالله ـ يريد باللاهي ويحذف الياء.

والكفر وإن كان بالإكراه جائزا عند العلماء فإن من صبر على البلاء ولم يفتتن حتى قتل فإنه شهيد.

والمكره على القتل إذا قتل يقتل لأنه قتل من يكافئه ظلما استيفاء لنفسه فقتل كما لو قتله الجماعة.

وفي سبب نزول هذه الآية المكيّة ثلاث روايات : الأولى أنها نزلت في عمار بن ياسر وأمه سميّة حباب بن الإرث وسلمة بن هشام والوليد بن الوليد وعياش بن أبي ربيعة والمقداد بن الأسود وقوم أسلموا ففتنهم المشركون عن دينهم فثبت بعضهم على الإسلام وصبر بعضهم على البلاء ولم يصبر بعض فقتلت سمية وافتتن عمار في ظاهره دون باطنه وسأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنزلت الآية ... اه.

٣٦٠