نيل المرام من تفسير آيات الأحكام

أبي الطيّب صدّيق بن علي الحسيني القنوجي البخاري

نيل المرام من تفسير آيات الأحكام

المؤلف:

أبي الطيّب صدّيق بن علي الحسيني القنوجي البخاري


المحقق: محمّد حسن محمّد حسن إسماعيل وأحمد فريد المزيدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٢

[الآية الثالثة]

(قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٣)).

(قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ) جمع فاحشة ، وهي كل معصية.

(ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) : أي ما أعلن منها وما أستر ، وقيل هي خاصة بفواحش الزنا! ولا وجه لذلك.

(وَالْإِثْمَ) : يتناول كل معصية يتسبب عنها الإثم ، وقيل : هو الخمر خاصة ، ومنه قول الشاعر :

شربت الإثم حتى ضل عقلي

كذاك الإثم يذهب بالعقول

وقد أنكر التخصيص جماعة من أهل العلم ، وحقيقته أنه جميع المعاصي.

وقال الفراء : الإثم ما دون الحق والاستطالة على الناس (١). انتهى.

وليس في إطلاق الإثم على الخمر ما يدل على اختصاصه به.

(وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِ) : أي الظلم المجاوز للحد ، وإفراده بالذكر بعد دخوله فيما قبله لكونه ذنبا عظيما كقوله : (وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ) [النحل : ٩٠].

(وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) أي وأن تجعلوا لله شريكا ، لم ينزل عليكم به حجة ، والمراد التهكم بالمشركين ؛ لأن الله لا ينزل برهانا بأن يكون غيره شريكا.

(وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٣)) : بحقيقته ، وأن الله قاله ، وهذا مثل ما كانوا ينسبون إلى الله سبحانه من التحليلات والتحريمات التي لم يأذن بها.

[الآية الرابعة]

(وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٢٠٤))

__________________

(١) انظر : معاني الفرّاء (١ / ٣٧٧ ، ٣٨) ، وتفسير ابن عطية (٥ / ٤٨٤ ، ٤٨٥) ، وزاد المسير (٣ / ١٩٠) ، والطبري (٨ / ١٢٣) ، والنكت والعيون (٢ / ٢٥).

٣٠١

(وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) أمرهم الله سبحانه بالاستماع للقرآن ، والإنصات له عند قراءته ، لينتفعوا به ، ويتدبروا ما فيه من الحكم والمصالح.

قيل : هذا الأمر خاص بوقت الصلاة عند قراءة الإمام ؛ وقيل : هذا خاص بقراءة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للقرآن دون غيره! ولا وجه لذلك ، مع أن اللفظ أوسع من هذا ، والعام لا يقصر على سببه ؛ فيكون الاستماع والإنصات عند قراءة القرآن في كل حالة ، وعلى أي صفة ، مما يجب على السامع ، إلا ما استثنى الذي أنزل عليه القرآن صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كقراءة المأموم الفاتحة خلف إمامه سرا وجهرا ، فإنه قد صح في ذلك أخبار شهيرة واضحة ، وآثار كثيرة فائحة ، توجب تأكد قراءة فاتحة الكتاب ، ولزومها للمقتدي ، بل صرح غير واحد من أئمة الفقه والحديث المعتبرين بكون ذلك مذهب أكثر الصحابة والتابعين رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.

ولم يصح أثر ، فضلا عن خبر ، صريح في النهي عن الفاتحة خاصة ، وإن استدل جماعة من أهل العلم بالعمومات الواردة فلينصف.

ولقد فصلت المرام بعون الله في «مسك الختام» و «الروضة الندية» (١) و «هداية السائل إلى أدلة المسائل» وفيه «إعلام الأعلام بقراءة الفاتحة خلف الإمام» لبعض الأحباب لنا ، وهي مختصر نفيس (٢).

(لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٢٠٤)) : أي تنالون الرحمة ، وتفوزون بها ، بامتثال أمر الله سبحانه وتعالى.

[الآية الخامسة]

(وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (٢٠٥)).

(وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ) : أمره الله سبحانه أن يذكره في نفسه ، فإن الإخفاء أدخل في الإخلاص ، وأدعى للقبول.

__________________

(١) انظر تفصيل كلامه رحمه‌الله في «الروضة الندية» ، (١ / ٨٧ ، ٨٩) ونقل قول ابن قيم في أعلام الموقعين : «وردت النصوص المحكمة الصريحة الصحيحة في تعيين قراءة الفاتحة ...».

(٢) انظر : الطبري (٩ / ١٦٤) ، ابن كثير (٣ / ٥٤١) ، الدر المنثور (٣ / ١٥٦) ، وتفسير ابن عطية (٦ / ١٩٦).

٣٠٢

وقيل : المراد بالذكر هنا ما هو أعم من القرآن وغيره من الأذكار التي يذكر الله بها.

وقال النحاس : لم يختلف في معنى : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ) أنه الدعاء (١).

وقيل : هو خاص بالقرآن ، أي اقرأ القرآن بتأمل وتدبر.

و (تَضَرُّعاً وَخِيفَةً) : تنتصبان على الحال.

(وَدُونَ الْجَهْرِ) : أي المجهور به معطوف على ما قبله ، أي اذكره حال كونك متضرعا وخائفا ومتكلما بكلام هو دون الجهر.

(مِنَ الْقَوْلِ) ، وفوق السر يعني قصدا بينهما.

(بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) : متعلق ب (اذكر) ، أي : أوقات الغدوات والأصائل.

والغدو : جمع غدوة.

والآصال : جمع أصيل ، قاله الزجاج والأخفش ، مثل يمين وأيمان ، وقيل : الآصال جمع [أصل ، والأصل] (٢) جميع أصيل ، فهو على هذا جمع الجمع. قاله الفرّاء (٣).

قال الجوهري (٤) : الأصيل من بعد العصر إلى المغرب ، وجمعه أصل وآصال وأصائل كأنه جمع أصلية ، وخص هذين الوقتين لشرفهما ، والمراد دوام الذكر لله ؛ كما قال تعالى : (وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (٢٠٥)) أي عن ذكر الله عزوجل.

__________________

(١) انظر : معاني النحاس (٢ / ١٢٣).

(٢) ما بين [المعقوفين] سقط من المطبوعة واستدرك من فتح القدير (٢ / ٢٨١).

(٣) انظر : معاني الفراء (١ / ٤١٠) ، والزجاج (٢ / ٤٤٨).

(٤) انظر : الصحاح (أصل).

٣٠٣

سورة الأنفال

صرح كثير من المفسرين بأنها مدنية ولم يستثنوا منها شيئا ، وبه قال الحسن وعكرمة وجابر بن زيد وعطاء. وقد روي مثل هذا عن ابن عباس أخرجه النحاس في «ناسخه» ، وأبو الشيخ وابن مردويه عنه.

وفي لفظ تلك سورة بدر ، أي نزلت في بدر.

وجملة آياتها خمس أو ست أو سبع وسبعون آية

وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرؤوها في صلاة المغرب ، كما أخرجه الطبراني بسند صحيح عن أبي أيوب (١).

[الآية الأولى]

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١)).

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ) : جمع نفل محركا ، وهو الغنيمة.

وأصل النفل : الزيادة وسميت الغنيمة نفلا لأنها زيادة فيما أحل الله لهذه الأمة مما كان محرما على غيرهم ، أو لأنها زيادة على ما يحصل للمجاهدين من أجر الجهاد.

ويطلق النفل على معان أخر منها : اليمين ، والابتغاء ، ونبت معروف.

والنافلة : التطوع لكونها زائدة على الواجب.

والنافلة : ولد الولد لأنها زيادة على الولد.

__________________

(١) حديث صحيح : رواه الطبراني في «الكبير» (٢٧٠٢) وأورده الهيثمي في «المجمع» (٢ / ١١٨) وقال : رجاله رجال الصحيح.

وكذلك رواه الطبراني أيضا في «الكبير» (٢٨٢٤) ، عن زيد بن ثابت مرفوعا.

وقال الهيثمي (٢ / ١١٨) : رجاله رجال الصحيح.

٣٠٤

وكان سبب نزول الآية اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في يوم بدر ، بأن قال الشبان : هي لنا لأنا باشرنا القتال ، وقال الشيوخ : كنا ردءا لكم تحت الرايات ، فنزع الله ما غنموه من أيديهم ، وجعله الله والرسول ، فقال : (قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) أي حكمها مختص بهما ، يقتسمها بينكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أمر الله سبحانه ، فقسمها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بينهم على السواء.

رواه الحاكم في «المستدرك» (١) ، وليس لكم حكم في ذلك.

وقد ذهب جماعة من الصحابة والتابعين إلى أن الأنفال كانت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاصة ، ليس لأحد فيها شيء حتى نزول قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) [الأنفال : ٤١] الآية ، فهي على هذا منسوخة ؛ وبه قال مجاهد وعكرمة والسدي.

وقال ابن زيد : محكمة مجملة ، قد بين الله مصارفها في آية الخمس ولا نسخ! (٢).

__________________

(١) حديث صحيح : رواه الحاكم في «المستدرك» (٢ / ١٣١ ، ١٣٢ ، ٢٢١ ، ٢٢٢ ، ٣٢٦ ، ٣٢٧). وصححه ، ووافقه الذهبي.

وكذلك رواه أبو داود (٢٧٣٧) ، (٢٧٣٨) (٢٧٣٩) ، والنسائي في «تفسيره» (٢١٧) ، وابن أبي شيبة في «المصنف» (٨ / ٤٦٩).

قلت : ورجال إسناده كلهم ثقات.

قلت : وهناك سبب آخر في نزول قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ ...) روى الترمذي (٤ / ١١٠) بسنده عن مصعب بن سعد عن أبيه قال : لما كان يوم بدر جئت بسيف فقلت : يا رسول الله إن الله قد شفى صدرك من المشركين أو نحو هذا ، هب لي السيف؟ فقال : هذا ليس لي ولا لك ، فقلت : عسى أن يعطى هذا من لا يبلي بلائي فجاءني الرسول فقال : إنك سألتني وليس لي ، وإنه قد صار لي وهو لك ، قال : فنزلت : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ) الآية. وقال : حديث حسن صحيح. وقد رواه سماك عن مصعب بن سعد أيضا.

والحديث رواه مسلم مطولا ومختصرا (١٢ / ٥٣ ، ٥٤ نووي) وأبو داود (٣ / ٣٠ ، ٣١) ، والطيالسي (١ / ٢٣٩) ، وابن أبي حاتم (٣ / ٢٢٢) ، والحاكم (٢ / ١٣٢) ، وصححه وأقرّه الذهبي ، والبيهقي (٦ / ٢٢٩) ، وابن جرير (٩ / ١٧٣) ، وأبو نعيم (٨ / ٣١٢).

(٢) قال ابن العربي المعافري : «والصحيح أن هذه الآية ناسخة لما سبق من حكم الله في تحريم الغنائم على الخلق ، فأحلها الله على هذه الأمة لما رأى من ضعفها وعجزها ، وفي الصحيح [البخاري تيمم ، صلاة ٥٦ ، خمس ٨ / مسلم مساجد ٣ ، ٥ ، أبو داود جهاد ١٢١ ، الدارمي صلاة ١٧١ ، أحمد (١ / ٣٠١) ، (٣ / ٣٠٤) ، (٥ / ٣٢٦) عن جابر بن عبد الله وغيره : أحلت لي الغنائم ، وثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من طرق عديدة ، واللفظ للبخاري (غرض الخمس ٨ ، نكاح ٥٨ ، مسلم جهاد ٣٢) .. وهذا صحيح لا طعن فيه ، وبيّن لا غبار عليه وانظر كلامه في

٣٠٥

(فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١)) : أمرهم بالتقوى ، وإصلاح ذات البين ، وطاعة الله ورسوله بالتسليم لأمرهما ، وترك الاختلاف الذي وقع بينهما.

[الآيتان : الثانية والثالثة]

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (١٥) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦)).

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً) : الزحف : الدنو قليلا قليلا ، وأصله الاندفاع على الألية ، ثم سمى كل ماش في الحرب إلى آخر زاحفا.

والتزاحف : التداني والتقارب. تقول زحف إلى العدو زحفا ، وازدحف القوم : أي مشى بعضهم إلى بعض.

وانتصاب زحفا ، إما على أنه مصدر لفعل محذوف ، أي : يزحفون زحفا ، أو على أنه حال من المؤمنين ، أي : حال كونكم زاحفين إلى الكفار ، أو حال من الذين كفروا ، أي حال كون الكفار زاحفين إليكم ، أو حال من الفريقين ، أي : متزاحفين.

(فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (١٥)) : نهى الله المؤمنين أن ينهزموا عن الكفار إذا لقوهم ، وقد دب بعضهم إلى بعض للقتال. وظاهر هذه الآية العموم لكل المؤمنين في كل زمن ، وعلى كل حال إلا حالة : التحرف والتحيز.

وقد روي عن عمر وابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد وأبي [نضرة] (١).

وعكرمة ونافع والحسن وقتادة و [يزيد] (٢) بن أبي حبيب والضحاك : أن تحريم الفرار من الزحف في هذه الآية مختص بيوم بدر ، وأن أهل بدر لم يكن لهم أن ينحازوا ؛

__________________

(الناسخ والمنسوخ ٢ / ٢٢٥ ، ٢٢٦).

(١) وقع في المخطوط (نصر) وهو خطأ ، والتصويب من فتح القدير (٢ / ٢٩٣).

وأبو نضرة هو المنذر بن قطعة العبدي ثقة من رجال البخاري ومسلم.

(٢) وقع في «المطبوعة» زيد وهو خطأ ، والتصويب من جامع الطبري (١٥٨١١) ، وهو أبو جابر المصري أخرج له الستة في كتبهم وهو من الثقات.

٣٠٦

ولو انحازوا لا نحازوا إلى المشركين ، إذ لم يكن في الأرض يومئذ مسلمون غيرهم ولا لهم فئة إلا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ فأما بعد ذلك فإن بعضهم فئة لبعض. وبه قال أبو حنيفة.

قالوا : ويؤيده قوله : (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ) فإنه إشارة إلى يوم بدر.

وقيل : إن هذه الآية منسوخة بآية الضعف (١).

وذهب جمهور العلماء إلى أن هذه الآية محكمة عامة غير خاصة ، وأن الفرار من الزحف محرم ؛ ويؤيد هذا أن هذه الآية نزلت بعد انقضاء الحرب في يوم بدر.

فأجيب عن قول الأولين : إن الإشارة في يومئذ إلى يوم بدر بأن الإشارة إلى يوم الزحف ، كما يفيده السياق ، ولا منافاة بين هذه الآية وآية الضعف ، بل هذه الآية مقيدة بها ، ويكون الفرار من الزحف محرما بشرط بينه الله في آية الضعف.

ولا وجه لما ذكروه من أنه لم يكن في الأرض يوم بدر مسلمون غير من حضرها ، فقد كان بالمدينة إذ ذاك خلق كثير ، لم يأمرهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالخروج ؛ لأنه عليه الصلاة والسلام ومن خرج معه لم يكونوا يرون ـ في الابتداء ـ أنه سيكون قتال.

ويؤيد هذا ما ورد من الأحاديث الصحيحة المصرحة بأن الفرار من الزحف من جملة الكبائر كما في حديث : «اجتنبوا السبع الموبقات» (٢) وفيه التولي يوم الزحف ، ونحوه من الأحاديث.

وهذا البحث تطول ذيوله وتتشعب طرقه وهو مبين في مواطنه.

قال ابن عطية : والأدبار : جمع دبر ؛ والعبارة بالدبر في هذه الآية متمكنة في

__________________

(١) قال القاضي ابن العربي : «قال بعضهم : والنسخ في هذا لا يجوز لأنه وعيد ، والوعيد لا ينسخ لأنه خبر.

واختلف الناس في المراد بهذه الآية على قولين أحدهما : أنها في يوم بدر خاصّة ، وهو اختيار الحسن ، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وقيل : هي عامة في الأزمنة مخصوصة في العدد ، لقوله تعالى : (فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ) والصحيح عمومها لوجهين :

أحدهما : أنه ظاهر القرآن ، لقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (١٥) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ) يعني يوم الزحف.

وثبت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه عدّ الكبائر فقال : والفرار من الزحف وهذا نص لا غبار عليه.

وانظر : الناسخ والمنسوخ (٢ / ٢٢٨ ، ٢٢٩) ، والأحكام (٢ / ٨٣٢).

(٢) حديث صحيح : رواه البخاري (٥ / ٣٩٣) ، (١٢ / ١٨١) ، ومسلم (٢ / ٨٢ ، ٨٣).

٣٠٧

الفصاحة لما في ذلك من الشناعة على الفار والذم له.

(إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ) : التحرف : الزوال عن جهة الاستواء ؛ والمراد به هنا التحرف من جانب إلى جانب في المعركة ، طلبا لمكايد الحرب ، وخدعا للعدو ، كمن يوهم أنه منهزم ليتبعه العدو فيكر عليه ويتمكن منه ، ونحو ذلك من مكايد الحرب ؛ فإن «الحرب خدعة» (١) كما في الحديث.

(أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ) : أي إلى جماعة من المسلمين ، غير الجماعة المقابلة للعدو ، وانتصاب متحرفا أو متحيزا على الاستثناء من المولين ، أي : ومن يولهم دبره إلا رجلا منهم متحرفا أو متحيزا ، ويجوز انتصابهما على الحال ، ويكون حرف الاستثناء لغوا لا عمل له.

(فَقَدْ باءَ) : جزاء الشرط.

والمعنى : من ينهزم ويفر من الزحف فقد رجع (بِغَضَبٍ) كائن ، (مِنَ اللهِ) : إلا المتحرف والمتحيز.

[الآية الرابعة]

(قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (٣٨)).

(قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا) : أمر الله سبحانه رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقول للكفار هذا المعنى ؛ سواء قاله بهذه العبارة أو غيرها.

قال ابن عطية : ولو كان كما قال الكسائي إنه في مصحف عبد الله بن مسعود : قل للذين كفروا إن تنتهوا ـ يعني بالفوقية ـ لما تأدت الرسالة إلا بتلك الألفاظ بعينها.

قال في «الكشاف» (٢) : أي قل لأجلهم هذا القول ، وهو : إن ينتهوا. ولو كان بمعنى خاطبهم به لقيل : إن تنتهوا يغفر لكم ؛ وهي قراءة ابن مسعود ونحوه.

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ) [الأحقاف : ١١] خاطبوا به

__________________

(١) حديث صحيح : رواه البخاري (٦ / ١٥٨) ، ومسلم (١٢ / ٤٤ ، ٤٥) عن أبي هريرة وجابر مرفوعا.

(٢) انظر : تفسير الكشاف للزمخشري (٢ / ٢١٩).

٣٠٨

غيرهم لأجلهم ليسمعوه.

أي : إن ينتهوا عما هم عليه من عداوة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقتاله ، بالدخول في الإسلام (يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) لهم من العداوة. انتهى.

وقيل : معناه : إن ينتهوا عن الكفر.

قال ابن عطية : والحامل على ذلك ، جواب الشرط فيغفر لهم ما قد سلف ؛ ومغفرة ما قد سلف لا تكون إلا لمنته عن الكفر ؛ وفي هذه الآية دليل على أن الإسلام يحبّ ما قبله.

[الآية الخامسة]

(وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣٩)).

(وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) : أي كفر وشرك.

(وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) : تحريض للمؤمنين على قتال الكفار. وقد تقدم تفسير ذلك في البقرة مستوفى.

[الآية السادسة]

(وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤١)).

(وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ) : قال القرطبي (١) : اتفقوا على أن المراد بالغنيمة ، في هذه الآية ، مال الكفار إذا ظفر بهم المسلمون على وجه الغلبة والقهر.

قال : ولا تقتضي اللغة هذا التخصيص ، ولكن عرف الشرع قيّد اللفظ بهذا النوع.

وقد ادعى ابن عبد البر الإجماع على أن هذه الآية بعد قوله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ

__________________

(١) انظره في «تفسيره» (٨ / ١ ـ ٣).

٣٠٩

الْأَنْفالِ) ، وأن أربعة أخماس الغنيمة مقسومة على الغانمين ، وأن قوله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ) نزلت حين تشاجر أهل بدر في غنائم بدر ـ على ما تقدمت الإشارة إليه (١).

وقيل : إنها ـ أعني (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ) ـ محكمة غير منسوخة ، وأن الغنيمة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وليست مقسومة بين الغانمين ؛ وكذلك لمن بعده من الأئمة. حكاه [المازري] (٢) عن كثير من المالكية.

قالوا : وللإمام أن يخرجها عنهم ، واحتجوا بفتح مكة وقصة حنين. وكان أبو [عبيد] (٣) يقول : افتتح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكة عنوة ، ومنّ على أهلها فردها عليهم ، ولم يقسمها ، ولم يجعلها فيئا.

وقد حكى الإجماع جماعة من أهل العلم (٤) ، على أن أربعة أخماس الغنيمة للغانمين ، وممن حكى ذلك : ابن المنذر وابن عبد البر والداودي والمازري والقاضي عياض وابن العربي ، والأحاديث الواردة في قسمة الغنيمة من الغانمين وكيفيتها كثيرة جدا.

قال القرطبي (٥) : ولم يقل أحد ـ فيما أعلم ـ إن قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ) الآية ناسخ لقوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) الآية ؛ بل قال الجمهور : إن قوله : (أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ) ، ناسخ ، وهم الذين لا يجوز عليهم التحريف ولا التبديل لكتاب الله.

وأما قصة فتح مكة فلا حجة فيها لاختلاف العلماء في فتحها.

وأما قصة حنين ، فقد عوض الأنصار لما قالوا : يعطي المغانم قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم نفسه؟! فقال لهم : «أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا وترجعون برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى بيوتكم؟» كما في مسلم وغيره (٦). وليس لغيره أن يقول. هذا القول ؛ بل ذلك خاص به.

__________________

(١) وذلك عن تفسيره للآية (١) من هذه السورة الكريمة.

(٢) وقع في المطبوعة (الماوردي) وهو خطأ ، والتصويب من «تفسير القرطبي» (٨ / ٢).

(٣) في المطبوعة (أبو عبيدة) وهو خطأ ، وصوبناه من تفسير القرطبي (٨ / ٢).

(٤) انظر : مراتب الإجماع للعلامة ابن حزم (ص ١٣٣) ط. دار الآفاق بيروت.

(٥) انظره في «تفسيره» (٨ / ٤٢٣).

(٦) حديث صحيح : رواه البخاري (٨ / ٥٣) ، ومسلم (٧ / ١٥١ ، ١٥٢) عن أنس مرفوعا.

٣١٠

وقوله (أَنَّما غَنِمْتُمْ) يشمل كل شىء يصدق عليه اسم الغنيمة ، إذ كان أصلها إصابة الغنم من العدو.

و (مِنْ شَيْءٍ) بيان لما الموصولة ، وقد خصص الإجماع ، ومن عموم الآية ، الأسارى فإن الخيرة فيها إلى الإمام بلا خلاف. وكذلك سلب المقتول إذا نادى به الإمام.

قيل : وكذلك الأرض المغنومة. وردّ بأنه لا إجماع على الأرض.

(فَأَنَ) : أي فحق أو واجب أن :

(لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) : قد اختلف العلماء في كيفية قسمة الخمس على أقوال ستة :

الأول : قالت طائفة : يقسم الخمس على ستة ، فيجعل السدس : للكعبة ؛ وهو الذي لله ؛ والثاني : لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والثالث : لذوي القربى ، والرابع : لليتامى ، والخامس : للمساكين ، والسادس : لابن السبيل.

القول الثاني : قال أبو العالية والربيع : إنها تقسم أي الغنيمة على خمسة ، فيعزل منها سهم واحد ، ويقسم أربعة على الغانمين ، ثم يضرب يده في السهم الذي عزله ، فما قبضه من شىء جعله للكعبة ؛ ويقسم بقية السهم الذي عزله على خمسة ، للرسول ومن بعده في الآية.

القول الثالث : عن زين العابدين علي بن الحسين أنه قال : إن الخمس لنا ؛ فقيل له : إن الله يقول : واليتامى والمساكين وابن السبيل؟ فقال : يتامانا ومساكيننا وأبناء سبيلنا.

القول الرابع : قول الشافعي : إن الخمس يقسم على خمسة ؛ وإن سهم الله وسهم رسوله واحد ، يصرف في مصالح المؤمنين ، والأربعة الأخماس على الأصناف الأربعة المذكورة في الآية.

القول الخامس : قول أبي حنيفة : إنه يقسم الخمس على ثلاثة : اليتامى ، والمساكين ، وابن السبيل. وقد ارتفع حكم قرابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بموته ، كما ارتفع حكم سهمه. قال : ويبدأ من الخمس بإصلاح القناطر ، وبناء المساجد ، وأرزاق القضاة

٣١١

والجند. وروي نحو هذا عن الشافعي.

القول السادس : قول مالك : أنه موكول إلى نظر الإمام واجتهاده ، فيأخذ منه بغير تقدير ، ويعطي منه الغزاة باجتهاده ، ويصرف الباقي في مصالح المسلمين.

قال القرطبي (١) : وبه قال الخلفاء الأربعة وبه عملوا ، وعليه يدل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «مالي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس ، والخمس مردود عليكم» (٢) فإنه لم يقسمه أخماسا ولا أثلاثا ، وإنما ذكر ما في الآية من ذكره على وجه التنبيه عليهم ، لأنهم من أهم من يدفع إليه.

قال الزجاج محتجا لهذا القول : قال الله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ) [البقرة : ٢١٥] وجائز ، بالإجماع ، أن ينفق في غير هذه الأصناف إذا رأى ذلك (٣).

(وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) : قيل : إعادة اللام في ذي القربى ؛ دون من بعدهم ؛ يدفع توهم اشتراكهم في سهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمعنى أن سهما من خمس الخمس لأقاربه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وقد اختلف العلماء فيهم على أقوال :

الأول : أنهم قريش كلها ، روي ذلك عن بعض السلف واستدل بما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه لما صعد الصفا جعل يهتف ببطون قريش كلها قائلا : «يا بني فلان! يا بني فلان!» (٤).

[الثاني] : وقال الشافعي وأحمد وأبو ثور ومجاهد وقتادة وابن جريج ومسلم بن خالد : هم بنو هاشم وبنو المطلب ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء

__________________

(١) انظره في تفسيره (٨ / ١١).

(٢) حديث حسن : في إسناده عمرو بن شعيب ، وهو ووالده صدوقان وحديثهما حسن.

رواه أبو داود (٢٦٩٤) ، وأحمد في «المسند» (٢ / ١٨٤ ، ٢١٨ ، ٢١٩) ، والنسائي (٦ / ٢٦٢ ، ٢٦٤) ، (٧ / ١٣١ ، ١٣٢) والبيهقي في «الكبرى» (٦ / ٣٣٦ ، ٣٣٧).

ورواه عمرو بن عبسة ، وعبادة بن الصامت وغيرهما مرفوعا.

(٣) انظر : الإجماع لابن حزم (ص ١٣٣ ، ١٣٦) ، كفاية الأخيار (ص ٥٠٧ ، ٥٠٨) ، غاية المطلب (ص ٤٧٠) ، وشرح البرنسي والغروي على أبي زيد (٢ / ٨).

(٤) حديث صحيح : رواه مسلم (٣ / ٨٢ ، ٨٣) ، (٣ / ٧٩ ، ٨٢) ، من حديث عبد الله بن عباس ، وعائشة وأبي هريرة وقبيصة بن المخارق وزهير بن عمرو جميعهم مرفوعا.

٣١٢

واحد ؛ وشبك بين أصابعه» وهو في «الصحيح» (١).

[الثالث] : وقيل : هم بنو هاشم خاصة ، وبه قال مالك والثوري والأوزاعي وغيرهم ؛ وهو مروي عن علي بن الحسين ومجاهد.

وكذا اختلف أهل العلم هل ثبت وبقي سهمهم اليوم ، أم سقط بوفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وصار الكل مصروفا إلى الثلاثة الباقية؟ فذهب الجمهور ـ ومنهم مالك والشافعي ـ إلى الثبوت واستواء الفقراء والأغنياء (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) [النساء : ١١].

وقال أبو حنيفة وأهل الرأي بسقوط ذلك ، والتفصيل يطلب من مواطنه (٢).

[الآية السابعة]

(وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (٤٦)).

(وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا) : فيه النهي عن التنازع ، وهو الاختلاف في الرأي ، فإن ذلك يتسبب عنه الفشل ؛ وهو الجبن في الحرب.

وأما المنازعة بالحجة لإظهار الحق فجائزة كما قال : (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل : ١٢٥] ، بل هي مأمور بها بشروط مقررة ، والفاء جواب النهي ، والفعل منصوب بإضمار أن. ويجوز أن يكون الفعل معطوفا على تنازعوا مجزوما. بجازمه.

(وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) قرىء بنصب الفعل وجزمه عطفا على تفشلوا على الوجهين.

والريح : القوة والنصر ؛ كما يقال : الريح لفلان ، إذا كان غالبا في الأمر. وقيل : الريح الدولة ، شبهت في نفوذ أمرها بالريح في هبوبها. ومنه قول الشاعر :

إذا هبت رياحك فاغتنمها

فعقبى كل خافقة سكون

وقيل : المراد بالريح ريح الصبا ؛ لأن بها كان ينصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

__________________

(١) حديث صحيح : رواه البخاري (٦ / ٢٤٤ ، ٥٣٣) ، (٧ / ٤٨٤) ، وأبو داود (٢٩٨٠) ، عن جبير بن مطعم مرفوعا.

(٢) انظر : الروضة الندية للمصنف (٣٤١ ، ٣٤٣).

٣١٣

[الآية الثامنة]

(وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (٥٨)).

(وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ) : من المعاهدين وهم قريظة وبنو النضير.

(خِيانَةً) أي غشا ونقضا للعهد.

(فَانْبِذْ) : أي فاطرح.

(إِلَيْهِمْ) : العهد الذي بينك وبينهم.

(عَلى سَواءٍ) : أي على طريق مستوية ، والمعنى أنه يخبرهم إخبارا ظاهرا مكشوفا بالنقض ، ولا تناجزهم الحرب بغتة.

وقيل : معنى (عَلى سَواءٍ) على وجه يستوي في العلم بالنقض أقصاهم وأدناهم ، أو تستوي أنت ؛ لئلا يتهموك بالغدر وهم فيه.

قال الكسائي : السواء : العدل ؛ وقد يكون بمعنى الوسط. ومنه قوله تعالى : (فِي سَواءِ الْجَحِيمِ (٥٥)) [الصافات : ٥٥] ؛ وقيل : معناه على جهر ، لا على سر.

والظاهر أن هذه الآية عامة في كل معاهد يخاف من وقوع النقض منه.

قال ابن عطية : والذي يظهر من ألفاظ القرآن أن أمر بني قريظة انقضى عند قوله (فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ) ، [الأنفال : ٥٧] ثم ابتدأ تبارك وتعالى في هذه الآية يأمره بما يصنعه في المستقبل مع من يخاف منه خيانة.

(إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (٥٨)) : تعليل لما قبلها ، يحتمل أن يكون تحذيرا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المناجزة قبل أن ينبذ إليهم على سواء ، ويحتمل أن تكون عائدة إلى القوم الذين يخاف منهم الخيانة.

[الآية التاسعة]

(وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (٦٠)).

٣١٤

(وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) : أمر الله سبحانه بإعداد القوة : كل ما يتقوى به في الحرب ، ومن ذلك السلاح والقسي.

وقد ثبت في «صحيح مسلم» (١) وغيره من حديث عقبة بن عامر قال : «سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو على المنبر ، يقول : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) ؛ إلا أن القوة : الرمي! قالها ثلاث مرات».

وقيل : هي الحصون والمعاقل. والمصير إلى التفسير الثابت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متعين.

(وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ) : قال أبو حاتم : الرباط من الخيل الخمس فما فوقها ، وهي الخيل التي تربط بإزاء العدو ، ومنه قول الشاعر :

أمر الإله بربطها لعدوه

في الحرب إن الله خير موفق

قال في «الكشاف» (٢) : والرباط اسم للخيل التي تربط في سبيل الله ، ويجوز أن يسمى بالرباط الذي هو بمعنى المرابطة ، ويجوز أن يكون جمع ربيط كفصيل وفصال. انتهى.

وقد فسّر القوة بكل ما يتقوى به في الحرب ، جعل عطف الخيل عليها من عطف الخاص على العام.

(تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ) : في محل نصب على الحال.

والترهيب : التخويف ، والضمير في (به) عائد إلى (ما) في (مَا اسْتَطَعْتُمْ) أو إلى المصدر المفهوم من (وَأَعِدُّوا) ، وهو الإعداد ، والمراد بعدو الله وعدوهم : هم المشركون من أهل مكة وغيرهم من مشركي العرب.

__________________

(١) حديث صحيح : رواه مسلم (١٣ / ٦٤) ، وأبو داود (٢٥١٤) ، وأحمد في «المسند» (٤ / ١٥٦) ، وابن ماجة (٢٨١٣) عن عقبة بن عامر مرفوعا.

(٢) انظره في «تفسير الزمخشري» (٢ / ٢٣٢).

٣١٥

[الآية العاشرة]

(وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦١)).

(وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها) : الجنوح : الميل.

والسلم : الصلح.

وقد اختلف أهل العلم : هل هذه الآية منسوخة أم محكمة (١)؟ فقيل : هي منسوخة بقوله تعالى : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) [التوبة : ٥] قاله ابن عباس.

وقيل : ليست بمنسوخة ؛ لأن المراد بها قبول الجزية ، وقد قبلها منهم الصحابة فمن بعدهم ، فتكون خاصة بأهل الكتاب. قاله مجاهد.

وقيل : إن المشركين إن دعوا إلى الصلح جاز أن يجابوا إليه ، وتمسك المانعون من مصالحة المشركين بقوله تعالى : (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ) [محمد : ٣٥] ، وقيدوا عدم الجواز بما إذا كان المسلمون في عزة وقوة ؛ لا إذا لم يكونوا كذلك فهو جائز ؛ كما وقع منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مهادنة قريش ، وما زالت الخلفاء والصحابة على ذلك ، وكلام أهل العلم في هذه المسألة معروف مقرر في مواطنه.

[الآية الحادية عشرة]

(الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٦٦)).

(الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ) أوجب على الواحد أن يثبت لإثنين من الكفار.

قيل : في التنصيص على غلب المائة للمائتين ، والألف للألفين ، إنه بشارة للمسلمين بأن عساكر الإسلام سيجاوز عددها العشرات والمئات إلى الألوف.

__________________

(١) انظر : الناسخ والمنسوخ لابن العربي (٢ / ٢٣٢).

٣١٦

وقد اختلف أهل العلم : هل هذا التخفيف نسخ أم لا؟ ولا يتعلق بذكر ذلك كثير فائدة (١).

أخرج البخاري والنحاس في «ناسخه» وابن مردويه والبيهقي في «سننه» (٢) عن ابن عباس قال : «نزلت (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) [الأنفال : ٦٥] شق ذلك على المسلمين حين فرض عليهم أن لا يفر واحد من عشرة فجاء التخفيف بقوله : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ) الآية. قال : فلما خفف الله عنهم من العدة نقص من الصبر بقدر ما خفف عنهم».

[الآية الثانية عشرة]

(ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧)).

(ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) : هذا حكم آخر من أحكام الجهاد.

ومعنى ما كان لنبي : ما صح له وما استقام.

والأسرى جمع أسير. ويقال في جمع أسير أيضا : أسارى بضم الهمزة وبفتحها ، وهو مأخوذ من الأسر ، وهو القد (٣) ، لأنهم كانوا يشدون به الأسير.

وقال أبو عمرو بن العلاء : الأسرى هم غير الموثقين عند ما يؤخذون ، والأسارى هم الموثقون ربطا.

والإثخان ؛ كثرة القتل والمبالغة فيه ، يقال : أثخن فلان في هذا الأمر ، أي بالغ فيه.

__________________

(١) انظر : الناسخ والمنسوخ لابن العربي (٢ / ٢٢٩ ، ٢٣١).

وانظر في سبب نزول هذه الآية (البخاري ٩ / ٣٠٢) ، والمطالب العالية (٣ / ٣٣٦) ، وعزاه لابن راهويه ، ورواه أيضا ابن الجارود في «المنتقى» (ص ٣٥٠) وابن إسحاق (٨٢ / ق) وسيرة ابن هشام (١ / ٦٧٦) ، وأبو داود (٢ / ٣٤٩) ، وابن جرير (١٠ / ٤٠).

(٢) حديث صحيح : رواه البخاري (٨ / ٣١٢) ، والطبري في «تفسيره» (٩ / ٧٦).

(٣) القدّ : هو الشقّ الممتد الطويل. [صحاح : قد].

٣١٧

فالمعنى ما كان لنبي أن يكون له أسرى ، حتى يبالغ في قتل الكافرين ، ويستكثر من ذلك.

وقيل : معنى الإثخان التمكن.

وقيل : هو القوة. أخبر الله سبحانه أن قتل المشركين يوم بدر كان أولى من أسرهم وفداهم ، ثم لما كثر المسلمون رخّص الله في ذلك فقال : (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) [محمد : ٤] (١).

[الآية الثالثة عشرة]

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٧٢)).

(وَالَّذِينَ آمَنُوا) : من المقيمين بمكة المكرمة.

(وَلَمْ يُهاجِرُوا) : منها مبتدأ خبره.

(ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ) : أي من نصرتهم وإعانتهم أو من ميراثهم ، ولو كانوا من قراباتكم.

(مِنْ شَيْءٍ) لعدم وقوع الهجرة منهم.

(مِنْ شَيْءٍ) لعدم وقوع الهجرة منهم.

(حَتَّى يُهاجِرُوا) : فيكون لهم ما كان للطائفة الأولى ، الجامعين بين الإيمان والهجرة.

(وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ) : أي هؤلاء الذين آمنوا ولا يهاجروا إذا طلبوا منكم النصرة لهم على المشركين.

(فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) : أي فواجب عليكم ، (إِلَّا) أن يستنصروكم ، (عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ

__________________

(١) انظر : الناسخ والمنسوخ (٢ / ٢٣٤ ، ٢٣٥) ابن العربي ، ومعاني الزجاج (٢ / ٤٧٠) ، وزاد المسير (٣ / ٣٧١) وابن كثير (٢ / ٣٢٥) ، واللباب (١١٤) ، والطبري (١٠ / ٣٠) ، والنكت (٢ / ١١٢).

٣١٨

وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ) : فلا تنصروهم ، ولا تنقضوا العهد الذي بينكم وبين أولئك القوم حتى تنقضي مدته ، وهي عشر سنين.

[الآية الرابعة عشرة]

(وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٧٥)).

(وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) : من غيرهم ممن لم يكن بينه وبينهم رحم في الميراث ، والمراد بهم القرابات ، فيتناول كل قرابة.

وقيل : المراد بهم هنا العصبات ، كقول العرب : صلتك رحم ؛ فإنهم لا يريدون قرابة الأم ، ولا يخفى عليك أنه ليس في هذا ما يمنع من إطلاقه على غير العصبات.

وقد استدل بهذه الآية من أثبت الميراث لذوي الأرحام ، وهم من ليس بعصبته ولا ذي سهم على حسب اصطلاح أهل علم المواريث ، والخلاف في ذلك معروف مقرر في مواطنه (١).

وقد قيل ؛ إن هذه الآية ناسخة للميراث بالموالاة والنصرة عند من فسّر ما تقدم ، من قوله : (بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) [الأنفال : ٧٢]. وما بعده ، بالتوارث.

وأما من فسّرها بالنصرة والمعونة ، فيجعل هذه الآية إخبارا منه سبحانه وتعالى بأن القرابات بعضهم أولى ببعض.

(فِي كِتابِ اللهِ) : أي في حكمه ؛ أو في اللوح المحفوظ ، أو في القرآن ، ويدخل في هذه الأولوية في الميراث دخولا أوليا ، لوجود سببه ؛ أعني القرابة (٢).

__________________

(١) انظر في ذلك : الرّوض المربع (٢٥٩). وغاية المطلب (٣٠٦) ، الروضة الندية (٣٢٥) ، والمحلى (٩ / ٢٥٢).

(٢) قال القاضي ابن العربي : «لا خلاف ولا إشكال في أن الميراث كان في صدر الإسلام بالولاية ثم صار في آخره بالقرابة ، إلا أن هذه الآية محتملة أن يكون المراد بنفي الولاية نفي النصرة ، ويحتمل أن يكون المراد بها نفي الميراث فتكون منسوخة والأول أظهر .. انظر : الناسخ والمنسوخ (٢ / ٢٣٨ ، ٢٣٩).

٣١٩

سورة براءة

آيها مائة وثلاثون أو سبع وعشرون آية

ولها أسماء منها : سورة التوبة ؛ لأن فيها التوبة على المؤمنين.

وتسمى : الفاضحة ؛ لأنه ما زال ينزل فيها : ومنهم ، ومنهم ، حتى كادت أن لا تدع أحدا.

وتسمى : البحوث ؛ لأنها تبحث عن أسرار المنافقين إلى غير ذلك. وهي مدنيّة.

قال القرطبي (١) : باتفاق.

أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال : نزلت (براءة) بعد فتح مكة بالمدينة (٢).

[الآيات : الأولى والثانية والثالثة والرابعة والخامسة]

(بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ (٢) وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣) إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٤) فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ

__________________

(١) انظر في «تفسيره» (٨ / ٦١).

(٢) انظر : زاد المسير (٣ / ٣٩٣) ، وابن كثير (٢ / ٣٣٢).

٣٢٠