مختصر الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - ج ٢

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

مختصر الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - ج ٢

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 964-533-049-1
ISBN الدورة:
964-533-53-X

الصفحات: ٥٧١

عقل لها ولا شعور فإنّ الكلام عن لسان حالها ، وتتحدث عن طريق انعكاس آثار العمل.

ففي ذلك اليوم وذلك المكان وذلك الحال ـ كما يتحدث القرآن في آخر آية من آيات البحث ـ فإنّ كل إنسان سيختبر كل أعماله التي عملها سابقاً ويرى نتيجتها ، بل نفس أعماله ، سواء العابدون والمعبودون المضلون الذين كانوا يدعون الناس إلى عبادتهم ، وسواء المشركون والمؤمنون من أيّ قوم ومن أيّ قبيل : (هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ). وفي ذلك اليوم سيرجع الجميع إلى الله مولاهم الحقيقي ، ومحكمة المحشر تبيّن أن الحكم لايتم إلّا بأمره (وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلهُمُ الْحَقّ).

وأخيراً فإنّ جميع هذه الأصنام والمعبودات المختلقة التي جعلها هؤلاء شريكة لله كذباً ستفنى وتمحى : (وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ) فإنّ القيامة ساحة ظهور كل الأسرار الخفية للعباد ، ولا تبقى أية حقيقة إلّاوتُظهر نفسها.

(قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (٣١) فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَا ذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٣٢) كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) (٣٣)

الحديث في هذه الآيات عن علامات ودلائل وجود الله سبحانه وأهليته للعبادة ، وتعقب أبحاث الآيات السابقة حول هذا الموضوع. ففي البداية تقول : قل لهؤلاء المشركين وعبدة الأوثان الحائرين التائهين عن طريق الحق : من يرزقكم من السماء والأرض؟ (قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ).

«الرزق» : يعني العطاء والبذل المستمر ، ولما كان الواهب لكل المواهب هو الله سبحانه ، فإنّ «الرازق» و «الرزّاق» بمعناهما الحقيقي لا يستعملان إلّافيه فقط ، وإذا استعملت هذه الكلمة في حق غيره فلا شك أنّها من باب المجاز.

والأرض وحدها هي التي تغذي جذور النباتات بواسطة موادها الغذائية ، وربّما كان هذا هو السبب في أن تتحدث الآية أوّلاً عن أرزاق السماء ، ثم عن أرزاق الأرض حسب تفاوت درجة الأهمية.

٣٤١

ثم تشير الآية إلى حاستين من أهم حواس الإنسان ، واللتان لايمكن كسب العلم وتحصيله بدونهما ، فقالت : (أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ).

فإنّ هذه الآية أشارت إلى النعم المادية أوّلاً ، ثمّ إلى المواهب والأرزاق المعنوية التي تصبح النعم المادية بدونها فاقدة للهدف والمحتوى.

ثم تطرقت الآية إلى ظاهرتي الموت والحياة اللتين هما أعجب ظواهر عالم الخلقة ، فتقول : (وَمَن يُخْرِجُ الْحَىَّ مِنَ الْمَيّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيّتَ مِنَ الْحَىّ).

وهذا هو نفس الموضوع الذي حيّر عقول علماء الطبيعة وعلماء الاحياء ، وهو كيف أتى الموجود الحي إلى الوجود من موجود ميت؟

هذه الآية تشمل الموت والحياة المعنويين إضافة إلى الموت والحياة الماديين ، لأنّنا نرى أناساً عقلاء طاهرين ورعين مؤمنين يولدون أحياناً من أبوين ملوثين منحرفين لا إيمان لهما ، ويلاحظ أيضاً عكس ذلك.

ثم تضيف الآية : (وَمَن يُدَبّرُ الْأَمْرَ). والكلام في الواقع بدأ عن خلق المواهب ، ثم عن حافظها وحارسها ومدبرها ، وبعد أن يطرح القرآن الكريم هذه الأسئلة الثلاثة يقول مباشرة بأنّ هؤلاء سيجيبون بسرعة : (فَسَيَقُولُونَ اللهُ).

يستفاد من هذه الجملة جيداً أنّه حتى مشركي وعبدة الأصنام في الجاهلية كانوا يعلمون أنّ الخالق والرازق والمحيي ومدبر أمور عالم الوجود هو الله سبحانه.

وفي آخر الآية يأمر الله نبيّه : (فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ).

وبعد أن عرضت الآية السابقة نماذج من آثار عظمة وتدبير الله في السماء والأرض ، وأيقظت وجدان وعقل المخالفين ودعتهم للحكم في أمر الخالق ، واعترف هؤلاء بذلك ، خاطبتهم الآية التالية بلهجة قاطعة وقالت : (فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ). لا الأصنام ، ولا سائر الموجودات التي جعلتموها شريكة للباري عزوجل ، والتي تسجدون أمامها وتعظمونها.

ثم تنتهي إلى ذكر النتيجة : (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقّ إِلَّا الْضَّللُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ). وأنّى تولوا وجوهكم عن عبادة الله وأنتم تعلمون ألّا خالق ولا معبود حقّاً سواه؟

إنّ هذه الآية تطرح طريقاً منطقياً واضحاً لمعرفة الباطل وتركه ، وهو أن يخطو الإنسان أوّلاً في سبيل معرفة الحق بآليات الوجدان والعقل ، فإذا عرف الحق فإنّ كل ما خالفه باطل وضلال ، ويجب أن يضرب عرض الحائط.

٣٤٢

وتقول آخر آية في بيان العلة في عدم اتباع هؤلاء للحق رغم وضوح الأمر وظهور الحق : (كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَايُؤْمِنُونَ). وفي الواقع فإنّ هذه خاصية الأعمال السيئة المستمرة لهؤلاء بحيث تُظلم قلوبهم وتلوث أرواحهم إلى درجة لا يرون معها الحق رغم وضوحه وتجلّيه ، ويسلكون نتيجة لذلك طريق الضلال.

(قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٣٤) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٥) وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنّاً إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ) (٣٦)

واحدة من علامات الحق والباطل : تعقب هذه الآيات أيضاً الإستدلالات المرتبطة بالمبدأ والمعاد ، وتأمر الآية الاولى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن (قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ). ثمّ تضيف : (قُلِ اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ). ولماذا تصرفون وجوهكم عن الحق وتتجهون نحو الضلال؟

ثم تأمر الآية الاخرى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مرّة اخرى : (قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهْدِى إِلَى الْحَقّ). لأنّ المعبود يجب أن يكون هادياً ومرشداً لعباده ، خاصة وأنّها هداية نحو الحق ، في حين أنّ آلهة المشركين ، أعم من الجمادات أو الأحياء ، غير قادرة أن تهدي أحداً إلى الحق بدون الهداية الالهية ، لأنّ الهداية إلى الحق تحتاج إلى منزلة العصمة والصيانة من الخطأ والاشتباه ، وهذا لايمكن من دون هداية الله سبحانه وتسديده ، ولذلك فإنّها تضيف مباشرة : (قُلِ اللهُ يَهْدِى لِلْحَقّ). وإذا كان الحال كذلك (أَفَمَنْ يَهْدِى إِلَى الْحَقّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّايَهْدِى إِلَّا أَن يُهْدَى).

وتقول الآية في النهاية بلهجة التوبيخ والتقريع والملامة : (فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ).

وفي آخر آية إشارة إلى المصدر الأساس والعامل الأصل لهذه الانحرافات وهو الأوهام والظنون (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَايُغْنِى مِنَ الْحَقّ شَيًا).

وفي النهاية تخاطب الآية ـ باسلوب التهديد ـ مثل هؤلاء الأفراد الذين لا يتبعون أي منطق سليم وتقول : (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ).

٣٤٣

إنّ الآيات أعلاه تبيّن أنّ من برامج الله الأصلية لعباده أن يهديهم إلى الحق ، ويتمّ ذلك عن طريق منح العقل ، وإعطاء الدروس المختلفة عن طريق الفطرة ، وإرادة وإظهار آياته في عالم الخلقة ، وكذلك عن طريق إرسال الأنبياء والكتب السماوية.

(وَمَا كَانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٣٧) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٣٨) بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٣٩) وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ) (٤٠)

عظمة دعوة القرآن وحقانيته : تتطرق هذه الآيات إلى الإجابة عن قسم آخر من كلمات المشركين السقيمة ، فإنّ هؤلاء لم يجانبوا الصواب في معرفة المبدأ وحسب ، بل كانوا يفترون على نبي الخاتم صلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّه هو الذي اختلق القرآن ونسبه إلى الله ، فالآية الاولى تقول : (وَمَا كَانَ هذَا الْقُرْءَانُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللهِ).

ثم تتطرق الآية إلى ذكر الدليل على أصالة القرآن وكونه وحياً سماوياً : فتقول (وَلكِن تَصْدِيقَ الَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ). أي إنّ كل البشارات والدلالات الحقة التي جاءت في الكتب السماوية السابقة تنطبق على القرآن ومن جاء به تماماً ، وهذا بنفسه يثبت أنّه ليس افتراءً على الله بل هو حق.

ثم تذكر الآية دليلاً آخر على أصالة هذا الوحي السماوي وهو : إنّ في هذا القرآن شرح كتب الأنبياء السابقين الأصيلة ، وبيان أحكامهم الأساسية وعقائدهم الأصولية ، ولهذا فلاشك في كونه من الله تعالى ، فتقول : (وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَارَيْبَ فِيهِ مِن رَّبّ الْعَالَمِينَ). وبتعبير آخر : لايوجد فيه أي تضاد وتناقض مع برامج وأهداف الأنبياء السابقين ، بل يلاحظ فيه تكامل تلك التعليمات والبرامج ، وإذا كان هذا القرآن مختلقاً فلابد أن يخالفها ويناقضها.

وذكر في الآية التالية دليل ثالث على أصالة القرآن ، وخاطبت الذين يدعون أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد افترى هذا القرآن على الله ، بأنّكم إن كنتم صادقين في دعواكم فأتوا بسورة من

٣٤٤

مثله ، واستعينوا في ذلك بمن شئتم غير الله ، ولكنكم لاتستطيعون فعل ذلك أبداً ، وبهذا الدليل يثبت أنّ القرآن من وحي السماء (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَيهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مّثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ).

إنّ هذه الآيات من جملة الآيات التي تبيّن إعجاز القرآن بصراحة ، لا إعجاز كل القرآن فحسب ، بل حتى إعجاز السورة الواحدة ، وقد خاطبت كل العالمين ـ بدون استثناء ـ بأنّكم إن كنتم معتقدين بأنّ هذه الآيات ليست من الله فأتوا بمثله ، أو بسورة منه على الأقل.

وفي الآية التالية إشارة إلى واحدة من العلل الأساسية لمخالفة المشركين ، فتقول : إنّ هؤلاء لم ينكروا القرآن بسبب الإشكالات والإيرادات ، بل إنّ تكذيبهم وإنكارهم إنّما كان بسبب عدم اطلاعهم وعلمهم به : (بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ).

في الحقيقة لم يكن لهؤلاء أيّ دليل على نفي المبدأ والمعاد ، وكان الجهل والتخلف الناشىء من الخرافات والتعود على مذهب الأجداد هو السد الوحيد في طريقهم.

أو الجهل بأسرار الأحكام.

أو الجهل بمفهوم بعض الآيات المتشابهة.

أو الجهل بمعنى الحروف المقطعة.

أو الجهل بالدروس والعبر التي هي الهدف النهائي من ذكر تاريخ الماضين.

إنّ مجموع هذه الجهالات والضلالات كانت تحملهم على الإنكار والتكذيب ، في حين أنّ تأويل وتفسير وتحقق المسائل المجهولة بالنسبة لهؤلاء لم يبيّن بعد (وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ). «التأويل» : في أصل اللغة بمعنى إرجاع الشيء وعلى هذا فإنّ كل عمل أو قول يصل إلى هدفه النهائي نقول عنه : إنّ تأويله قد حان وقته.

ثم يضيف القرآن مبيناً أن هذا المنهج الزائف لاينحصر بمشركي عصر الجاهلية ، بل إنّ الأقوام السابقين كانوا مبتلين أيضاً بهذه المسألة ، فإنّهم كانوا يكذبون الحقائق وينكرونها دون السعي لمعرفة الواقع ، أو إنتظار تحققه : (كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ).

في حين أنّ العقل والمنطق يحكمان بأنّه لا ينبغي للانسان انكار ما يجهله مطلقاً ، بل يبدأ بالبحث والتحقيق.

وفي النهاية وجهت الآية الخطاب إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقالت : (فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ). أي إنّ هؤلاء سيلاقون أيضاً نفس المصير.

٣٤٥

وأشارت الآية الأخيرة من آيات البحث إلى فئتين عظيمتين من المشركين ، فتقول : إنّ هؤلاء لايبقون جميعاً على هذا الحال ، بل إنّ جماعة منهم لم تخمد فيهم روح البحث عن الحق وطلبه وسيؤمنون بالقرآن في النهاية. في حين أن الفئة الاخرى ستبقى في عنادها وإصرارها وجهلها ، وسوف لا تؤمن أبداً : (وَمِنْهُم مَّن يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُم مَّن لَّايُؤْمِنُ بِهِ).

ومن الواضح أنّ أفراد الفئة الثّانية فاسدون ومفسدون ، ولذلك قالت الآية في النهاية : (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ). وهي إشارة إلى أنّ الذين لا يذعنون للحق ، هم أفراد يسعون لحل عرى المجتمع ، ولهم دور مهم في إفساده.

(وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٤١) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ (٤٢) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ (٤٣) إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (٤٤)

تتابع هذه الآيات البحث الذي مرّ في الآيات السابقة حول إنكار وتكذيب المشركين ، وإصرارهم على ذلك ، فقد علّمت الآية الاولى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله طريقة جديدة في المواجهة ، فقالت : (وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُلْ لّى عَمَلِى وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُم بَرِيُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِىءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ).

إنّ لإعلان الترفع وعدم الاهتمام هذا ، والمقترن بالاعتماد والإيمان القاطع بالمذهب ، أثراً نفسياً خاصاً ، وبالذات على المنكرين المعاندين ، فهو يفهمهم بعدم وجود أي إجبار وإصرار على قبولهم الدعوة الإسلامية ، بل إنّهم بعدم تسليمهم أمام الحق سيحرمون أنفسهم ، ولا يضرون إلّاأنفسهم.

وتشير الآيتان التاليتان إلى سبب انحراف هؤلاء وعدم إذعانهم للحق ، وتبيّن أنّ التعليمات الصحيحة ، والآيات المعجزة التي تهزّ الوجدان والدلالات الاخرى الواضحة لا تكفي بمفردها لهداية الإنسان ، بل إنّ إستعداد التقبل ولياقة قبول الحق لازمة أيضاً ، كما أنّ البذر لوحده ليس كافياً لإنبات النبات والأوراد ، بل إنّ الأرض بدورها يجب أن تكون مستعدة. ولهذا قالت الآية : (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ).

٣٤٦

وهناك فئة ثانية يشخصون بأبصارهم إليك ، وينظرون إلى أعمالك المتضمنة أحقيتك وصدق قولك ، إلّاأنّهم عمي لايبصرون : (وَمِنْهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تَهْدِى الْعُمْىَ وَلَوْ كَانُوا لَايُبْصِرُونَ).

ولكن إعلم وليعلم هؤلاء أنّ قصور الفكر هذا ، وعدم البصيرة والعمى عن رؤية وجه الحق ، والصمم عن سماع كلام الله ليس شيئاً ذاتياً لهم نشؤوا عليه منذ ولادتهم ، وإنّ الله تعالى قد ظلمهم ، بل إنّهم هم الذين ظلموا أنفسهم بأعمالهم السيئة وعدائهم وعصيانهم للحق ، وعطلوا بذلك عين بصيرتهم وأذن أفئدتهم عن سماع الحق وإتّباعه ، ف (إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيًا وَلكِنَّ النَّاسُ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).

(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (٤٥) وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ (٤٦) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) (٤٧)

بعد بيان بعض صفات المشركين في الآيات السابقة ، أشير هنا إلى وضعهم المؤلم في القيامة. تقول الآية : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ).

الاحساس بقلة مقدار الإقامة في دار الدنيا وقصره ، إمّا لأنّه بالنسبة للحياة الاخروية لا يبلغ سوى ساعة واحدة ، أو لأنّ هذه الدنيا الفانية انقضت بسرعة بحيث كأنّها لم تكن أكثر من ساعة ، أو لأنّهم لما لم يستفيدوا من عمرهم الاستفادة الصحيحة ، فيتصورون أنّها لا تساوي أكثر من قيمة ساعة.

يستفاد من الآيتان (٥٥ و ٥٦) من سورة الروم ، أنّ مجموعة من المجرمين يُقسمون في القيامة أنّ فترة برزخهم لم تكن أكثر من ساعة ، إلّاأنّ المؤمنين يقولون لهم : إنّ المدّة كانت طويلة ، والآن قد قامت القيامة وأنتم لاتعلمون ، ونحن نعلم أن البرزخ ليس متساوياً بالنسبة للجميع ، وسنذكر تفصيل ذلك في ذيل الآيات المناسبة.

ثم تضيف الآية أنّه سيثبت لكل هؤلاء في ذلك اليوم : (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ

٣٤٧

اللهِ). وأنفقوا كل ملكاتهم وطاقاتهم الحيوية دون جدوى (وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) بسبب هذا التكذيب والإنكار والإصرار على الذنب ، ولأنّ قلوبهم وأرواحهم كانت مظلمة.

وتقول الآية التالية تهديداً للكفّار ، وتسلية لخاطر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : (وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِى نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ).

وتبيّن الآية الأخيرة من الآيات مورد البحث قانوناً كلياً في شأن كل الأنبياء ، ومن جملتهم نبي الخاتم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكل الامم ومن جملتها الامة التي كانت تحيا في عصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فتقول : (وَلِكُلّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ). فإذا جاء رسولها وبلغ رسالته ، وآمن قسم منهم وكفر آخرون ، فإنّ الله سبحانه يقضي بينهم بعدله ، ولا يظلم ربّك أحداً ، فيبقى المؤمنون والصالحون يتمتعون بالحياة ، أمّا الكافرون فمصيرهم الفناء او الهزيمة : (فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِىَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَايُظْلَمُونَ).

وهذا ما حصل لنبي الخاتم صلى‌الله‌عليه‌وآله وامته المعاصرة له ، وبناء على هذا فإنّ القضاء والحكم الذي ورد في هذه الآية هو القضاء التكويني في هذه الدنيا.

(وَيَقُولُونَ مَتَى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٤٨) قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلَا نَفْعاً إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (٤٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً مَا ذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (٥٠) أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (٥١) ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) (٥٢)

العذاب الإلهي واختيارات الرسول : بعد التهديدات التي ذكرت في الآيات السابقة المتعلقة بعذاب وعقاب منكري الحق ، فإنّ هذه الآيات تنقل أوّلاً استهزاء هؤلاء بالعذاب الإلهي وسخريتهم وانكارهم. فتقول : (وَيَقُولُونَ مَتَى هذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ).

فإنّ هؤلاء أرادوا بهذه الكلمات أن يظهروا عدم اهتمامهم بتهديدات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وفي مقابل هذا السؤال ، فإنّ الله سبحانه أمر نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يجيبهم بعدّة طرق :

فيقول أوّلاً : (قُلْ لَّاأَمْلِكُ لِنَفْسِى ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ). فإنّي لست إلّارسوله ونبيّه ، وإنّ تعيين موعد نزول العذاب بيده فقط.

٣٤٨

إنّ هذه الجملة إشارة إلى توحيد الأفعال حيث يرتبط كل شيء في هذا العالم بالله سبحانه ، وكل الحركات والأفعال معلولة لإرادته ومشيئته ، فهو الذي ينصر المؤمنين بحكمته ، وهو الذي يجازي المنحرفين بعدالته.

من البديهي أنّ ذلك لا ينافي أنّ الله قد أعطانا قوى وطاقات نملك بواسطتها جلب النفع ودفع الضرر ، ونستطيع أن نختار ما يتعلق بمصيرنا.

ثم يتطرق القرآن إلى جواب آخر ويقول : (لِكُلّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ).

إنّ القرآن الكريم يحذر المشركين الذين كانوا يتعجلون العذاب الإلهي بأن لا يعجلوا ، فعندما يحل موعدهم فإنّ هذا العذاب سوف لن يتأخر أو يتقدم لحظة.

وتطرح الآية الاخرى الجواب الثالث ، فتقول : (قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِنْ أَتكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا). فهل تستطيعون أن تدفعوا عن أنفسكم هذا العذاب المفاجىء غير المرتقب؟ وإذا كان الحال كذلك ف (مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ).

وفي الآية التالية ورد جواب رابع لهؤلاء ، فهي تقول : إذا كنتم تفكرون أن تؤمنوا حين نزول العذاب ، وأنّ إيمانكم سيقبل منكم ، فإنّ ظنّكم هذا باطل لا صحّة له : (أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَءَامَنتُم بِهِ). لأنّ أبواب التوبة ستغلق بوجوهكم بعد نزول العذاب ، وليس للإيمان حينئذ أدنى أثر ، بل يقال لكم : (ءَالنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ).

هذا بالنسبة لعقاب هؤلاء الدنيوي ، وفي الآخرة : (ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ). فإنّ أعمالكم هي التي أخذت بأطرافكم ، وهي التي تتجسد أمامكم وتؤذيكم على الدوام.

(وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٥٣) وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (٥٤) أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٥٥) هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٥٦)

لا معنى للشك في العذاب الإلهي : كان البحث في الآيات السابقة عن جزاء وعقاب

٣٤٩

المجرمين في هذه الدنيا والعالم الآخر ، وتكمل هذه الآيات هذا البحث أيضاً. فالآية الاولى تقول : إنّ هؤلاء يسألونك بتعجب واستفهام عن حقيقة هذا الوعيد بالعذاب الإلهي في هذا العالم والعالم الآخر : (وَيَسْتَنْبُونَكَ أَحَقُّ هُوَ).

ويأمر الله سبحانه نبيّه أن يجيبهم على هذا السؤال بما أوتي من التأكيد : (قُلْ إِى وَرَبّى إِنَّهُ لَحَقٌّ). وإذا ظننتم أنّكم تستطيعون أن تفلتوا من قبضة العقاب الإلهي فأنتم على خطأ كبير : (وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ).

وتؤكّد الآية الاخرى على عظمة هذه العقوبة ، وخاصة في القيامة ، فتقول : (وَلَوْ أَنَّ لِكُلّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِى الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ).

إنّ هؤلاء مستعدون لأن يدفعوا أكبر رشوة يمكن تصورها من أجل الخلاص من قبضة العذاب الإلهي ، لكن لا أحد يقبل من هؤلاء شيئاً ، ولا ينقص من عذابهم مقدار رأس ابرة ، خاصة وأنّ لبعض هذه العقوبات صبغة معنوية ، وهي أنّهم : يرون العذاب والفضيحة في مقابل أتباعهم مما يوجب لهم اظهار الندم مزيداً من الخزي والعذاب النفسي فلذلك يحاولون عدم ابراز الندم : (وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ).

ثم تؤكّد الآية على أنّه بالرغم من كل ذلك ، فإنّ الحكم بين هؤلاء يجري بالعدل ، ولا يظلم أحد منهم : (وَقُضِىَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَايُظْلَمُونَ).

ثم ، ومن أجل أن لا يأخذ الناس هذه الوعود والتهديدات الإلهية مأخذ الهزل ، ولكي لايظنوا أنّ الله عاجز عن تنفيذ هذه الوعود ، تضيف الآية : (أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِى السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَايَعْلَمُونَ). لأنّ جهلهم قد حجب بصيرتهم وجعل عليها غشاوة فلم يعوا الحقيقة.

وتؤكّد آخر آية على هذه المسألة الحياتية مرّة اخرى ، حيث تقول : (هُوَ يُحْىِ وَيُمِيتُ). وبناء على ذلك فإنّ له القدرة على إماتة العباد ، كما أنّ له القدرة على إحيائهم لمحكمة الآخرة ، وفي النهاية : (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) وستلاقون جزاء كل أعمالكم هناك.

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٥٧) قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (٥٨)

٣٥٠

 القرآن رحمة إلهية كبرى : لقد جاءت في بعض الآيات السابقة بحوث في شأن القرآن عكست جوانب من مخالفات المشركين. وفي هذه الآيات تجدد الكلام عن القرآن بهذه المناسبة أيضاً ، ففي البداية تخاطب جميع البشرية خطاباً عالمياً وشمولياً وتقول : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مّن رَّبّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِى الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ).

لقد بيّنت هذه الآية أربع صفات للقرآن وتشرح وتبيّن أربع مراحل من مراحل تربية وتكامل الإنسان في ظل القرآن :

المرحلة الاولى : مرحلة الموعظة والنصيحة.

المرحلة الثانية : مرحلة تطهير روح الإنسان من مختلف أنواع الرذائل الأخلاقية.

المرحلة الثالثه : مرحلة الهداية التي تجري بعد مرحلة التطهير.

المرحلة الرابعة : هي المرحلة التي يصل فيها الإنسان إلى أن يكون لائقاً لأن تشمله رحمة الله ونعمته.

وتقول الآية الاخرى من أجل تكميل هذا البحث والتأكيد على هذه النعمة الإلهية الكبرى ـ أي القرآن المجيد ـ : (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) ولا يفرحوا بمقدار الثروات ، وعظم المراكز ، وعزة القوم والقبيلة ، لأنّ رأس المال الحقيقي والأساس للسعادة الحقيقية هو هذا القرآن ، فهو أفضل من كل ما جمعوه ، ولا يمكن قياسه بذلك المجموع ، إذاً (هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ).

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلَالاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ (٥٩) وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (٦٠) وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (٦١)

هو الشاهد في كل مكان : كان الحديث في الآيات السابقة عن القرآن ، والموعظة الإلهية والهداية والرحمة في هذا الكتاب السماوي ، وتتحدث هذه الآيات عن قوانين المشركين

٣٥١

المبتدعة والخرافية وأحكامهم الكاذبة. الآية الاولى وجهت الخطاب إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقالت : (قُلْ أَرَءَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَللاً). إذ أنّهم طبقاً لسننهم الخرافية حرموا قسماً من الدواب وكذلك حرّموا جزءاً من محاصيلهم الزراعية.

ثم تقول : (قُلْءَآللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ).

الآن وقد أصبح من المسلم أنّ هؤلاء بهذه الأحكام الخرافية المبتدعة ، إضافةً إلى أنّهم حُرموا من النعم الإلهية ، فإنّهم قد افتروا على الساحة الإلهية المقدسة ، ولذلك تضيف الآية : (وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيمَةِ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) ولذلك فإنّه لسعة رحمته لا يعاقب هؤلاء فوراً على أعمالهم القبيحة.

إلّا أنّ هؤلاء بدل أن يستغلوا هذه الفرصة الإلهية ويشكروا الله على ذلك وينيبوا إليه ، فإنّ أكثرهم غافلون : (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَايَشْكُرُونَ).

وحتى لا يتصور أحد أنّ هذه المهلة الإلهية دليل على عدم إحاطة علم الله سبحانه بكل أعمال هؤلاء ، فإنّ آخر آية من آيات البحث تبيّن هذه الحقيقة بأبلغ عبارة وتوضح أنّ الله مطّلع على كل ذرات الموجودات في خفايا السماء والأرض ، ومطّلع على دقائق أعمال العباد ، فتقول : (وَمَا تَكُونُ فِى شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِن قُرْءَانٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ).

ثم تعقب الآية على مسألة اطلاع الله على كل شيء بتأكيد أكبر ، فتقول : (وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِى الْأَرْضِ وَلَا فِى السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِن ذلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ).

«يعزب» : مأخوذة من العزوب ، وهو في الأصل بمعنى الإبتعاد عن البيت والأهل في سبيل إيجاد وتهيئة المراتع للأغنام والحيوانات ، ثمّ استعملت بمعنى الغيبة والإختفاء بصورة مطلقة.

و «الذّرة» : بمعنى الجسم الصغير جدّاً ، ولذلك يقال للنمل الصغير : ذرة ، ولمزيد التوضيح راجع تفسير الآية (٤٠) من سورة النساء.

«الكتاب المبين» إشارة إلى علم الله الواسع ، والذي يعبر عنه أحياناً باللوح المحفوظ ، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع في تفسير الآية (٥٩) من سورة الأنعام.

لقد بيّنت آخر هذه الآيات درساً كبيراً لكلّ المسلمين ... درس يستطيع أن يسلك بهم طريق الحق ويصرفهم عن الإنحرافات والطرق الملتوية ... درس فيه صلاح المجتمع مع

٣٥٢

التوجّه اليه ، وهو : إنّنا يجب أن نعي هذه الحقيقة ، وهي أنّ كل خطوة نخطوها ، وكل كلام نقوله ، وكل فكرة تخطر في أذهاننا ، ولأي جهة ننظر ، وعلى أيّ حال نكون ، فليس الله سبحانه وحده يراقبنا ونحن على هذه الأحوال والأفعال ، بل إنّ ملائكته تراقبنا أيضاً ، وينظرون إلينا بكل دقّة وانتباه.

في المجمع عن الإمام الصادق عليه‌السلام : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا قرأ هذه الآية بكى بكاءً شديداً».

فإذا كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مع كل ذلك الإخلاص والعبودية ، ومع كل تلك الخدمة للخلق والعبادة للخالق خائفاً من عمله في مقابل علم الله ، فإنّ حالنا وحال الآخرين معلوم.

(أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (٦٣) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٤) وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (٦٥)

طمأنينة الروح في ظل الإيمان : لمّا شرحت الآيات السابقة بعضاً من حالات المشركين والأفراد غير المؤمنين ، بيّنت هذه الآيات حال المؤمنين المخلصين المجاهدين المتقين الذين يقعون في الطرف المقابل لُاولئك تماماً ، تقول الآية أوّلاً : (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَاخَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ). إنّ المقصود من الغموم هي الغموم المادية والأخاويف الدنيوية ، وإلّا فإنّ وجود أولياء الله مملوء بالخوف والخشية ... الخوف من عدم أداء الواجبات والمسؤولية. والأسف والحسرة على أن يكون قد فاتهم شيء من الموفقية ، ولهذا الخوف والحسرة صفة معنوية ، فهما أساس تكامل وجود الإنسان ورقيّه ، بعكس الخوف والحزن الدنيويين فهما أساس الإنحطاط والتسافل.

إنّ أولياء الله هم الذين لا يوجد حاجب وحائل بينهم وبين الله ، فقد زالت الحجب عن قلوبهم ويتقلبون في نور المعرفة والإيمان والعمل الخالص ، ويرون الله بعيون قلوبهم بحيث لا يجد الشك أي طريق إلى تلك القلوب الوالهة ، وبالنظر لهذه المعرفة بالله الأزلي والقدرة اللامحدودة والكمال المطلق ، فإنّ كل شيء سوى الله حقير في نظرهم ولا قيمة له ، وفانٍ لا أهمية له.

٣٥٣

إنّ الآية الثانية وضحت المقصود من «أولياء الله» فهي تقول : (الَّذِينَءَامَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ).

وتؤكّد الآية الثالثه على مسألة عدم وجود الخوف والغم والوحشة في شخصية وقلوب أولياء الحق بهذه العبارة : (لَهُمُ الْبُشْرَى فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَفِى الْأَخِرَةِ).

ثم تضيف من أجل التأكيد أيضاً : (لَاتَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ). بل هي ثابتة حقّة ، وأنّ الله سبحانه سيفي بما وعد به أولياءه ، و (ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

وحولت الآية الخطاب إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي يمثل رأس سلسلة أولياء الله وأحبائه مخاطبةً له بلحن المواساة وتسلية الخاطر : (وَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ العِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا). ولا يمكن أن يقوم العدو بعمل مقابل إرادة الحق ، فإنّه تعالى عالم بكل خططهم ودسائسهم. ف (هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).

(أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (٦٦) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) (٦٧)

جانب من آيات عظمته : تعود الآيات أعلاه مرّة اخرى إلى مسألة التوحيد والشرك والتي تعتبر واحدة من أهم مباحث الإسلام ، وبحوث هذه السورة ، وتجرّ المشركين إلى المحاكمة وتثبت عجزهم. فتقول أوّلاً : (أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَن فِى السَّموَاتِ وَمَن فِى الْأَرْضِ). وإذا كان الأشخاص ملكه ومنه ، فمن الاولى أن تكون الأشياء الموجودة في هذا العالم ملكه ومنه ، وبناءً على هذه فإنّه مالك كل عالم الوجود.

ثمّ تضيف الآية : (وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ شُرَكَاءَ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ). إذ لا دليل ولا برهان لهم على كلامهم (وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ).

وأساساً ، فإنّ إتباع الظن والحدس الذي لا يستند إلى أساس ثابت يجرّ الإنسان في النهاية إلى وادي الكذب عادة.

ثمّ ومن أجل إكمال هذا البحث ، وتبيّن طرق معرفة الله ، والإبتعاد عن الشرك وعبادة

٣٥٤

الأوثان ، أشارت الآية الثانية إلى جانب من المواهب الإلهية التي أودعت في نظام الخلقة والدالة على عظمة وقدرة وحكمة الله عزوجل ، فقالت : (هُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا).

نعم (إِنَّ فِى ذلِكَ لَأَيتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ). اولئك الذين يسمعون ويدركون ، وبعد إدراك الحقيقة يتبعونها ويسيرون على نهجها.

(قَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٦٨) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (٦٩) مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ) (٧٠)

تستمر هذه الآيات ـ أيضاً ـ في بحثها مع المشركين ، وتذكر واحدة من أكاذيب واتهامات هؤلاء لساحة الله المقدسة ، فتقول أوّلاً : (قَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا).

إنّ هذا الكلام قاله المسيحيون في حق المسيح عليه‌السلام ثمّ عبدة الأوثان في عصر الجاهلية في حق الملائكة ، حيث كانوا يظنون أنّها بنات الله ، وقاله اليهود في شأن عزير. ويجيبهم القرآن بطريقين :

الأوّل : إنّ الله سبحانه منزّه عن كل عيب ونقص ، وهو مستغن عن كل شيء : (سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِىُّ). وهذا إشارة إلى أنّ الحاجة إلى الولد ، إمّا للحاجة الجسمية إلى قوته ومساعدته ، أو للحاجة الروحية والعاطفية ، ولما كان الله سبحانه منزّه عن كل عيب ونقص وحاجة ، فلا يمكن أن يتخذ لنفسه ولداً.

(لَهُ مَا فِى السَّموَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ). ومع هذا الحال فأي معنى لأن يتخذ لنفسه ولداً ليطمئنه ويهدئه ، أو يعينه ويساعده.

والجواب الثاني الذي يذكره القرآن لهؤلاء هو : إنّ من يدعي شيئاً يجب عليه أن يقيم دليلاً على مدعاه : (إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطنٍ بِهذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لَاتَعْلَمُونَ).

وتعيد الآية التالية عاقبة الإفتراء على الله المشؤومة ، فتوجه الخطاب إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وتقول : (قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لَايُفْلِحُونَ).

٣٥٥

وعلى فرض أنّ هؤلاء يستطيعون بافتراءاتهم وأكاذيبهم أن ينالوا المال والمقام لعدّة أيام ، فإنّ ذلك (مَتعٌ فِى الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ).

إنّ التعبير ب «نذيقهم» يشير إلى أنّ هذا العذاب الذي سينال هؤلاء بدرجة من الشدّة بحيث كأنّهم يذوقونه بألسنتهم وأفواههم ، وهذا التعبير أبلغ جداً من المشاهدة ، بل وحتى من لمس العذاب.

(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ (٧١) فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٧٢) فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ) (٧٣)

جانب من جهاد نوح : الآيات أعلاه بداية لبيان قسم من تأريخ الأنبياء ، فيأمر الله نبيّه أن يتابع حديثه السابق مع المشركين بشرح تاريخ الماضين ليكون عبرة لهم. في البداية تطرقت إلى قصة نوح ، فقالت : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِى وَتَذْكِيرِى بَايتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ). ولهذا فإنّي لا أخاف غيره.

ثم تضيف : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ). أي ادعوا أصنامكم أيضاً لتعينكم في المشورة ، حتى لا يبقى شيء خافياً على أحد ولا يتعرض منكم إلى الهم والغم أحد (ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً). بل اتّخذوا قراركم في شأني بكل وضوح.

ثم يقول : (ثُمَّ اقْضُوا إِلَىَّ وَلَا تُنظِرُونَ).

وإذا علمنا أنّ هذه الآيات نزلت في مكة في الوقت الذي كان يعيش فيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ظروفاً تشبه ظروف نوح ، وكان المؤمنون قلّة ، سيتّضح أنّ القرآن يريد أن يعطي للنبي ـ أيضاً ـ نفس هذا الدرس بأن لا يهتم بقدرة العدو ، بل يسير ويتقدم بكلّ حزم وجرأة وشجاعة ، لأنّ الله يسنده وينصره.

٣٥٦

وهذا درس كبير لكل القادة الإسلاميين بأن لا يخافوا ولا ينهاروا أمام عظمة الأعداء وكثرتهم ، بل إنّهم باتكالهم على الله كانوا يدعون هؤلاء إلى الميدان بكل حزم واقتدار ويستصغرون قوتهم ، فكان هذا عاملاً مهماً في تقوية معنويات الأتباع والمؤيدين ، وتدمير معنويات العدو وانهيارها.

وذكرت الآية التالية بياناً آخر عن نوح من أجل إثبات أحقيّته ، هناك حيث تقول : (فَإِن تَوَّلَيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلَّا عَلَى اللهِ) ، فإنّي أعمل له ، ولا أريد الأجر إلّا منه (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ).

إنّ مقولة نوح هذه درس آخر للقادة الإلهيين بأن لا يتوقعوا أي جزاء مادي ومعنوي من الناس لقاء دعوتهم وتبليغهم ، لأنّ هذا التوقع يوجد نوعاً من التعلق النفسي الذي يؤدّي إلى عرقلة أساليب الدعوة الصريحة والنشاطات الحرة.

وتبيّن الآية الأخيرة عاقبة ومصير أعداء نوح ، وصدق توقعه وقوله السابق بهذه الصورة : (فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنهُ وَمَن مَّعَهُ فِى الْفُلْكِ). ولم ننقذهم وحسب ، بل (وَجَعَلْنَاهُمْ خَلِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بَايتِنَا).

وفي النهاية توجه الخطاب إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وتقول : (فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ).

(ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ) (٧٤)

الرسل بعد نوح : بعد انتهاء البحث الإجمالي حول قصّة نوح ، أشارت هذه الآية إلى الأنبياء الآخرين الذين جاؤوا بعد نوح وقبل موسى عليهما‌السلام لهداية الناس كإبراهيم وهود وصالح ولوط ويوسف عليهم‌السلام فقالت : (ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيّنَاتِ). فقد كانوا مسلّحين كنوح بسلاح المنطق والإعجاز والبرامج البناءة ، إلّاأنّ الذين سلكوا طريق العناد وكذّبوا الأنبياء السابقين ، كذّبوا هؤلاء الأنبياء أيضاً ولم يؤمنوا بهم (فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِن قَبْلُ). وكان ذلك نتيجة للعصيان والتمرّد وعداء الحق الذي أوصد تلك القلوب (كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ).

٣٥٧

(ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ (٧٥) فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ ٧٦ قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (٧٧) قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ) (٧٨)

جانب من جهاد موسى وهارون : لقد جرى ذكر قصص الأنبياء والامم السابقة كنماذج حيّة ، وبدأ الحديث أوّلاً عن نوح عليه‌السلام ثمّ عن الأنبياء بعد نوح ، ووصل الدور في هذه الآيات إلى موسى وهارون عليهما‌السلام ومواجهاتهم المستمرة مع فرعون وأتباعه ، فتقول الآية الاولى : (ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وَهرُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَإِيهِ بَايَاتِنَا).

إلّا أنّ فرعون وأتباعه امتنعوا عن قبول دعوة موسى ، وعن التسليم في مقابل الحق : (فَاسْتَكْبَرُوا). ونظراً للتكبر والاستعلاء وعدم امتلاكهم لروح التواضع فإنّهم لم يلتفتوا إلى الحقائق الواضحة في دعوة موسى ، وأصرّوا واستمروا في إجرامهم : (وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ).

وتتحدث الآية التالية عن مراحل مواجهة الفراعنة لموسى وأخيه هارون ، وأوّل تلك المراحل هي مرحلة الإنكار والتكذيب والإفتراء واتهامهما بسوء النية ، وابطال سنن الأجداد ، والإخلال بالنظام الاجتماعي ، كما يقول القرآن : (فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا إِنَّ هذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ).

إلّا أنّ موسى عليه‌السلام نهض للدفاع عن نفسه ، فأزاح الستار وأوضح كذب هؤلاء وأبطل تهمتهم ، ففي البداية : (قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذَا).

صحيح أنّ لكل من السحر والمعجزة نفوذاً وتأثيراً ، وأنّ من الممكن أن يؤثر الحق والباطل على ادراكات الناس ونفسياتهم ، إلّاأنّ السحر الذي هو أمر باطل يتميز تماماً عن المعجزة التي هي حق ، إذاً لايمكن المقارنة بين نفوذ الأنبياء ونفوذ السحرة ، فإنّ أعمال السحرة تفتقد إلى الهدفية ومحدودة ولا قيمة لها ، ومعجزات الأنبياء لها أهداف إصلاحية وتغييرية وتربوية واضحة ، وتعرض بشكل واسع وغير محدود.

٣٥٨

إضافة إلى أنّه : (وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ). وهذا التعبير دليل آخر على امتياز عمل الأنبياء عن السحر.

إنّ السحرة لا يرون وجه الفلاح مطلقاً ، ولا يعملون إلّامن أجل المال والثروة والمنصب والمنافع الشخصية ، في حين أنّ هدف الأنبياء هداية خلق الله وإصلاح المجتمع الإنساني من جميع جوانبه المادية والمعنوية.

ثمّ يستمر فرعون وملئه في رمي موسى عليه‌السلام بسيل الإتهامات الصريحة ، حيث (قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِءَابَاءَنَا).

الواقع ، أنّهم قدموا صنم «سنة الآباء» وعظمتهم الخيالية والأسطورية حتى يوجهوا الرأي العام ضد موسى وهارون ، بأنّهما يريدان أن يعبثا بمقدّسات مجتمعكم وبلادكم.

ثمّ استمروا في هذا التشويه ، وقالوا بأنّ دعوتكم إلى دين الله ما هي إلّاكذب محض ، وكل هذه مصائد وخطط خيانية بهدف التسلط على الناس : (وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِى الْأَرْضِ).

إنّ هؤلاء لما كانوا يسعون دائماً من أجل الحكم الظالم على الناس كانوا يظنون أنّ الآخرين مثلهم ، وهكذا كانوا يفسرون مساعي المصلحين والأنبياء.

(وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ) لأنّا على علم بنواياكم وخططكم الهدامة.

وكانت هذه هي المرحلة الاولى من المواجهة السلبية مع موسى.

(وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (٧٩) فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (٨٠) فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (٨١) وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) (٨٢)

المرحلة الثّانية : فعندما لاحظ فرعون قسماً من معجزات موسى ، كاليد البيضاء والحية العظيمة ، ورأى أنّ ادّعاء موسى ليس واهياً بدون دليل وبرهان ، وأنّ هذا الدليل سيؤثر في جميع أنصاره أو الآخرين قليلاً أو كثيراً ، فكّر بجواب عملي كما يقول القرآن : (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِى بِكُلّ سحِرٍ عَلِيمٍ).

(فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُوا مَا أَنتُم مُّلْقُونَ). فإنّ هؤلاء قد عبؤوا كل ما يملكون من قدرة ، وألقوا كل ما أتوا به معهم في وسط الحلبة : (فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم

٣٥٩

بِهِ السّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ). فأنتم أفراد فاسدون ومفسدون لأنّكم تخدمون حكومة جبارة وظالمة وتعملون على تقوية دعائم هذه الحكومة الغاشمة الدكتاتورية وهذا بنفسه أقوى دليل على كونكم مفسدين ، و (إِنَّ اللهَ لَايُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ).

وفي الآية الأخيرة ، إنّ موسى قال لهؤلاء : إنّ النصر والغلب لنا في هذه المبارزة حتماً ، لأنّ الله سبحانه قد وعد أن يظهر الحق بواسطة المنطق القاطع ، ومعجزات أنبيائه القاهرة ، ويفضح ويخزي المفسدين وأهل الباطل وإن كره المجرمون ذلك : (وَيُحِقُّ اللهَ الْحَقَّ بِكَلِمتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ).

(فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (٨٣) وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (٨٤) فَقَالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٨٥) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (٨٦)

المرحلة الثالثه : عكست هذه الآيات مرحلة اخرى من المواجهة الثورية بين موسى وفرعون ، ففي البداية تبيّن وضع المؤمنين فتقول : (فَمَاءَامَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ).

إنّ هذه المجموعة الصغيرة القليلة ، والتي كان الشباب والأشبال يشكّلون أكثريتها بمقتضى ظاهر كلمة ذريّة ، كانت تواجه ضغوطا شديدة من فرعون وأتباعه إلى درجة أنّهم خافوا أن يصل بهم الأمر إلى ترك دين موسى نتيجة هذه الضغوط الشديدة : (عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَإِيهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِى الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ).

فقد حدّث موسى هؤلاء بلسان المحبّة والمودة من أجل تهدئة خواطرهم وتسكين قلوبهم : (وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْءَامَنتُم بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ).

إنّ حقيقة التوكل هي إلقاء العمل والتصرف في الامور على كاهل الوكيل ، وليس معنى التوكل أن يترك الإنسان الجد والسعي ، بل معناه أن يبذل قصارى جهده ، فإذا لم يستطع أن يحل المشكلة فلا يدع للخوف طريقاً إلى نفسه ، بل يصمد أمامها بالتوكل والإعتماد على لطف الله والاستعانة بذاته المقدسة وقدرته اللامتناهية ، ويستمر في جهاده المتواصل.

إنّ هؤلاء المؤمنين المخلصين أجابوا دعوة موسى بالتوكل : (فَقَالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا). ثمّ

٣٦٠