تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٢

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٢

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٩٧

(بِكُمْ رَحِيماً) ـ ٦٦ ـ (وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ) يقول إذا أصابكم (١) (فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ) يعنى بطل مثل قوله ـ عزوجل : (أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) (٢) يعنى أبطل ، من تدعون من الآلهة يعنى تعبدون فلا تدعونهم إنما تدعون الله ـ عزوجل ـ ، فذلك قوله سبحانه : (إِلَّا إِيَّاهُ) يعنى نفسه ـ عزوجل ـ (فَلَمَّا نَجَّاكُمْ) الرب ـ جل جلاله ـ من البحر (إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ) عن الدعاء فى الرخاء فلا تدعون الله ـ عزوجل ـ (وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً) ـ ٦٧ ـ للنعم حين أنجاه الله ـ تعالى ـ من أهوال البحر إلى البر فلم يعبده ، ثم خوفهم فقال سبحانه : (أَفَأَمِنْتُمْ) إذ أخرجتم من البحر إلى الساحل (أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ) يعنى ناحية من البر (أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ) فى البر (حاصِباً) يعنى الحجارة (ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً) ـ ٦٨ ـ يقول ثم لا تجدوا مانعا يمنعكم من الله ـ عزوجل ـ ، ثم قال سبحانه : (أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ) فى البحر (تارَةً أُخْرى) يعنى مرة أخرى نظيرها فى طه : (وَفِيها) (٣) (نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى) (٤) (فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً) يعنى عاصفا (مِنَ الرِّيحِ) وهي الشدة (فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ) النعم حين أنجاكم [٢١٨ ا] من الغرق ونقضتم العهد وأنتم فى البر (ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً) ـ ٦٩ ـ يقول لا تجدوا علينا به تبعة مما أصبناكم به من العذاب ، ثم ذكرهم النعم فقال ـ سبحانه : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) يقول فضلناهم على غيرهم من الحيوان غير الملائكة حين أكلوا

__________________

(١) فى أ : أصابكم ، ل : أصابتكم.

(٢) سورة محمد : ١.

(٣) فى أ ، ل : فيها.

(٤) سورة طه : ٥٥.

٥٤١

وشربوا بأيديهم وسائر الطير والدواب يأكلون بأفواههم ، ثم قال ـ عزوجل ـ : (وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ) على الرطب (١) يعنى الدواب (وَ) حملناهم فى (الْبَحْرِ) على اليابس يعنى السفن (وَرَزَقْناهُمْ) من غير رزق الدواب (مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا) من الحيوان (تَفْضِيلاً) ـ ٧٠ ـ يعنى بالتفضيل أكلهم بأيديهم (٢) (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) (٣) يعنى كل أمة بكتابهم الذي عملوا فى الدنيا من الخير والشر ، مثل قوله ـ عزوجل ـ فى يس : (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) (٤) وهو اللوح المحفوظ (فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ) الذي عملوه فى الدنيا (وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) ـ ٧١ ـ يعنى بالفتيل القشر الذي يكون فى شق النواة (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ) النعم (أَعْمى) يعنى الكافر ، عمى عنها وهو معاينها فلم يعرف أنها من الله ـ عزوجل ـ فيشكو ربها فيعرفه فيوحده ـ تبارك وتعالى ـ (فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى) يقول فهو عما غاب عنه من أمر الآخرة من البعث والحساب والجنة والنار أعمى (وَأَضَلُّ سَبِيلاً) ـ ٧٢ ـ يعنى وأخطأ طريقا.

(وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ) يعنى ثقيفا يقول وقد كادوا أن يفتنوك يعنى قد هموا أن يصدوك (عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) كقوله ـ سبحانه ـ فى المائدة

__________________

(١) فى أ : الركب ثم أصلحها الرطب ، وفى ل : الرطب ، وفى م : الرطب.

(٢) فى أ ، ل : فسر هذه الآية بعد أن خالف ترتيبها فقدم آخرها على وسطها هكذا : «ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم فى البر والبحر وفضلناهم على كثير مما خلقنا تفضيلا ، ورزقناهم» وقد أعدت ترتيب الآية كما وردت فى المصحف.

(٣) فى أ ، ل : فسر الآية اللاحقة قيل هذه الآية أى فسر آية ٧٢ من سورة الإسراء قبل الآية ٧١. وقد أعدت ترتيب الآيات والتفسير.

(٤) سورة يس : ١٢.

٥٤٢

(وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ) يعنى يصدوك (عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ) (١) وذلك أن ثقيفا أتوا النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقالوا : نحن إخوانك ، وأصهارك ، وجيرانك ونحن خير أهل نجد لك سلما ، وأضره عليك حربا فإن نسلم تسلم نجد كلها وإن نحاربك يحاربك من وراءنا ، فأعطنا الذي نريد. فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : وما تريدون؟ قالوا : نسلم على ألا نجش (٢) ولا نعش (٣) ولا نحنى. يقولون : على ألا نصلى ، ولا نكسر أصنامنا (٤) بأيدينا ، وكل ربا لنا على الناس فهو لنا ، وكل ربا للناس فهو عنا موضوع ومن وجدناه فى وادي وج يقطع شجرها انتزعنا عنه ثيابه ، وضربنا ظهره وبطنه ، وحرمته كحرمة مكة وصيد ، وطيره وشجره ، وتستعمل على بنى مالك رجلا وعلى الأحلاف (٥) رجلا وأن تمتعنا باللات ، والعزى سنة ولا نكسرها بأيدينا من غير أن نعبدها ليعرف الناس كرامتنا عليك وفضلنا عليهم. فقال لهم رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : أما قولكم لا تجشى ولا نعشى والربا فلكم [٢١٨ ب] ، وأما قولكم لا نحنى فإنه لا خير فى دين ليس فيه ركوع ولا سجود. قالوا : نفعل ذلك وإن كان علينا فيه دناءة. وأما قولكم لا نكسر أصنامنا بأيدينا فإنا سنأمر من يكسرها غيركم. ثم سكت النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقالوا تمتعنا باللات سنة فأعرض عنهم وجعل يكره أن يقول لا فيأبون الإسلام. فقالت ثقيف للنبي ـ صلى الله عليه

__________________

(١) سورة المائدة الآية ٤٩ ، وقد وردت هكذا : «واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أوحينا إليك».

(٢) فى ل : على ألا نحمس ، ا : نجش.

(٣) فى ل : ولا نعشر ، ا : نعش.

(٤) فى أ : أصناما ، ل : أصنامنا.

(٥) فى أ : الأحلاف ، ل : الأخلاف.

٥٤٣

وسلم ـ : إن كان بك ملامة العرب فى كسر أصنامهم وترك أصنامنا ، فقل لهم : إن ربى أمرنى أن أقر (١) اللات بأرضهم سنة. فقال عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ عند ذلك أحرقتم قلب النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بذكر اللات أحرق الله أكبادكم ، لا ، ولا نعمة ، غير أن الله ـ عزوجل ـ لا يدع الشرك فى أرض يعبد الله ـ تعالى ـ فيها ، فإما أن تسلموا كما يسلم الناس وإما أن تلحقوا بأرضكم فأنزل الله ـ عزوجل ـ : (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ) يقول وإن كادوا ليصدونك (عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ) يقول سبحانه لتقول علينا غيره ما لم نقل لقولهم للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قل : إن الله أمرنى أن أقرها. (وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً) ـ ٧٣ ـ يعنى محبا نظيرها فى الفرقان (فُلاناً خَلِيلاً) (٢) يعنى محبا «لطواعيتكم إياهم على ما أرادوك عليه ، إذا لأحبوك» (٣) (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ) يا محمد بالسكوت ، فأمرت بكسر (٤) الآلهة إذا لركنت إلى المعصية (لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ) يقول لقد هممت سويعة أن تميل (إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) ـ ٧٤ ـ يعنى أمرا يسيرا ، يقول : لقد هممت سويعة كقوله (٥) (فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ) (٦) يعنى بميله أمرا يسيرا يقول لقد هممت سويعة أن تميل إليهم ولو أطعتهم فيما سألوك (إِذاً لَأَذَقْناكَ) العذاب فى الدنيا والآخرة

__________________

(١) هكذا فى أ ، ل ، أى اترك.

(٢) سورة الفرقان : ٢٨.

(٣) من : ل ، وفى أ : لو أطعتهم على ما أرادوا عليه لأحبوك.

(٤) هكذا فى أ ، ل ، وقد يكون أصلها بعدم كسر.

(٥) كقوله : ساقطة من أ ، وهي من ل.

(٦) سورة الذاريات : ٣٩.

٥٤٤

فذلك قوله ـ سبحانه : (إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ) يقول سبحانه : إذا لأذقناك ضعف (١) العذاب فى الدنيا فى حياتك ، وفى مماتك بعد (٢) (ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً) ـ ٧٥ ـ يعنى مانعا يمنعك منا (وَإِنْ) يعنى وقد (كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ) يعنى ليستزلونك (مِنَ الْأَرْضِ) يعنى أرض المدينة نزلت فى حيى بن أخطب واليهود وذلك أنهم كرهوا قدوم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ المدينة وحسدوه وقالوا : يا محمد إنك لتعلم أن هذه الأرض ليست بأرض الأنبياء إنما أرض الأنبياء والرسل أرض المحشر أرض الشام ومتى رأيت الله بعث (٣) الأنبياء فى أرض تهامة فإن كنت نبيا فاخرج إليها فإنما يمنعك منها مخافة أن يغلبك الروم ، فإن كنت نبيا فسيمنعك الله كما منع الأنبياء قبلك فخرج النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ متوجها إلى الشام فعسكر على رأس ثلاثة أميال بذي الحليفة لتنضم (٤) إليه أصحابه فأتاه جبريل [٢١٩ ا] ـ عليه‌السلام ـ بهذه الآية (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلاً) ـ ٧٦ ـ يقول ـ سبحانه ـ لو فعلوا ذلك لم ينظروا من بعدك إلا يسيرا حتى يعذبوا فى الدنيا فرجع النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا) يقول الله ـ سبحانه ـ كذلك سنة الله ـ عزوجل ـ فى أهل المعاصي يعنى الأمم الخالية إن كذبوا رسلهم أن يعذبوا (وَلا) (٥) (تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً) ـ ٧٧ ـ إن قوله حق فى أمر العذاب يقول السنة واحدة فيما مضى

__________________

(١) ضعف : ساقطة أ ، وهي من ل.

(٢) هكذا فى : ا ، ل ، والمراد وفى مماتك بعد حياتك.

(٣) من ل ، وفى أ : ومتى رأيت بعث الله ـ عزوجل ـ.

(٤) فى ل : لينام ، ا : لتعلم.

(٥) فى حاشية أ : فى الأصل : ولن ، وفى ل : ولن.

تفسير مقاتل ـ ٣٥

٥٤٥

وفيما بقي (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) يعنى إذا زالث الشمس عن بطن السماء يعنى عند صلاة الأولى والعصر (إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) يعنى ظلمة الليل إذا ذهب الشفق يعنى صلاة المغرب والعشاء (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) يعنى قرآن صلاة الغداة (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) ـ ٧٨ ـ تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار ، جمع صلاة (١) الخمس فى هذه الآية كلها (٢). ثم قال ـ عزوجل ـ : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ) بعد المغفرة لأن الله ـ عزوجل ـ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فما كان من عمل فهو نافلة ، مثل قوله سبحانه : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ) حين سأل الولد (وَيَعْقُوبَ نافِلَةً) (٣) يعنى فضلا على مسألته (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) ـ ٧٩ ـ يعنى مقام الشفاعة فى أصحاب الأعراف يحمده الخلق كلهم والعسى من الله ـ عزوجل ـ واجب. فرجع النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وقال له جبريل ـ عليه‌السلام ـ : (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي) المدينة (مُدْخَلَ صِدْقٍ) يعنى آمنا على رغم أنف اليهود (وَأَخْرِجْنِي) من المدينة إلى مكة (مُخْرَجَ صِدْقٍ) يعنى آمنا على رغم أنف كفار مكة ظاهرا عليهم (وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ) يعنى من عندك (سُلْطاناً نَصِيراً) ـ ٨٠ ـ يعنى النصر على أهل مكة ففعل الله ـ تعالى ـ ذلك به فافتتحها فلما افتتحها رأى ثلاثمائة وستين صنما حول الكعبة وأساف ، ونائلة ، أحدهما عند الركن ، والآخر عند الحجر الأسود وفى يدي النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قضيب فجعل

__________________

(١) فى أ ، ل : صلاة والأنسب الصلوات.

(٢) كلها راجعة إلى الصلاة : أى جمع الصلوات الخمس كلها فى هذه.

(٣) سورة الأنبياء : ٧٣.

٥٤٦

النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يضرب رؤوسهم ويقول : (وَقُلْ) (١) (جاءَ الْحَقُ) يعنى الإسلام (وَزَهَقَ الْباطِلُ) يعنى وذهب عبادة الشيطان يعنى الأوثان (إِنَّ الْباطِلَ) يعنى إن عبادة الشيطان يعنى عبادة الأصنام (كانَ زَهُوقاً) ـ ٨١ ـ يعنى ذاهبا مثل قوله سبحانه : (فَإِذا هُوَ زاهِقٌ) (٢) يعنى ذاهب (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ) للقلوب يعنى بيانا (٣) للحلال والحرام (وَرَحْمَةٌ) من العذاب لمن آمن بالقرآن ، قوله (٤) ـ سبحانه ـ : «ورحمة» (لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ) القرآن (الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً) ـ ٨٢ ـ يعنى خسرانا (وَإِذا أَنْعَمْنا) [٢١٩ ب](عَلَى الْإِنْسانِ) يعنى الكافر بالخير يعنى الرزق (أَعْرَضَ) عن الدعاء (وَنَأى بِجانِبِهِ) يقول وتباعد بجانبه (وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ) يعنى وإذا أصابه الفقر (كانَ يَؤُساً) ـ ٨٣ ـ يعنى آيسا من الخير (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) المحسن والمسيء على شاكلته على جديلته التي هو عليها (فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً) ـ ٨٤ ـ (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) نزلت فى أبى جهل وأصحابه (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) وهو ملك عظيم على صورة إنسان أعظم من كل مخلوق غير العرش فهو حافظ على الملائكة وجهه كوجه الإنسان ، ثم قال سبحانه : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) ـ ٨٥ ـ عندي كثيرا عندكم وذلك أن اليهود قالوا للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إن فى التوراة علم كل شيء وقال الله ـ تبارك وتعالى ـ للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قل لليهود

__________________

(١) ليست فى أ ، ولا فى ل.

(٢) سورة الأنبياء : ١٨.

(٣) فى أ : بيان ، ل : بيانا.

(٤) فى أ ، ل : قوله ، والأنسب : فذاك قوله.

٥٤٧

(وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) عندي كثيرا عندكم وعلم التوراة عندكم كثير ، فقالوا للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : من قال هذا؟ فو الله ما قاله لك إلا عدو لنا يعنون جبريل ـ عليه‌السلام ـ ، ثم قالوا للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : خاصة لنا إنا لم نؤت من العلم إلا قليلا. فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : بل الناس كلهم عامة. فقالوا للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : ولا أنت ولا أصحابك. فقال : نعم. فقالوا : كيف تجمع بين هاتين؟ تزعم أنك أوتيت الحكمة ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا وتزعم أنك لم نؤت من العلم إلا قليلا. فنزلت (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ ...) إلى آخر الآية (١) ، ونزلت (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً ...) إلى آخر الآية (٢). ثم قال سبحانه : (وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) من القرآن وذلك حين دعى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إلى دين آبائه (ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً) ـ ٨٦ ـ يعنى مانعا يمنعك منا فاستثنى ـ عزوجل ـ (إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) يعنى القرآن كان رحمة من ربك اختصك بها (إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً) ـ ٨٧ ـ يعنى عظيما حين اختصك بذلك (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُ) وذلك أن الله ـ عزوجل ـ أنزل فى سورة هود : (قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ) (٣) فلم يطيقوا ذلك. فقال الله ـ تبارك وتعالى ـ لهم فى سورة يونس (فَأْتُوا بِسُورَةٍ) (٤)

__________________

(١) سورة لقمان ؛ ٢٧.

(٢) سورة الكهف : ١٠٩.

(٣) سورة هود : ١٣.

(٤) سورة يونس ٣٨ ، والنص فيها (.. قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ ..).

٥٤٨

واحدة مثله ، فلم يطيقوا ذلك ، وأخبر الله ـ تبارك وتعالى ـ النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقال : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُ) فعان بعضهم بعضا (عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ) يقول لا يقدرون على أن يأتوا بمثله (وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) ـ ٨٨ ـ يعنى معينا (وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ) يعنى ضربنا (فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) يعنى من كل شبه فى أمور شتى (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) ـ ٨٩ ـ يعنى إلا كفرا بالقرآن (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) [٢٢٠ أ] ـ ٩٠ ـ يعنى من أرض مكة ينبوعا يعنى عينا تجرى وذلك أن أبا جهل قال للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : سير (١) لنا الجبال ، أو ابعث لنا الموتى فنكلمهم ، أو سخر لنا الريح ، فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ـ لا أطيق ذلك ، فقال عبد الله بن أبى أمية (٢) بن المغيرة المخزومي ، وهو ابن عم أبى جهل ، والحارث بن هشام ، وهما ابنا عم فقالا : يا محمد ، إن كنت لست (٣) فاعلا لقومك شيئا مما سألوك فأرنا كرامتك على الله بأمر تعرفه (٤) فجر لبنى أبيك ، ينبوعا بمكة مكان زمزم فقد شق علينا الميح (أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ) يعنى بستانا (مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً) ـ ٩١ ـ يقول تجرى العيون فى وسط النخيل والأعناب والشجر (أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً) ـ ٩٢ ـ (أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ)

__________________

(١) فى أ : تسير ، ل : سير.

(٢) فى أ : بن أمية ، ل : بن أبى أمية.

(٣) لست : من ل ، وليست فى ا.

(٤) فى ل : بأمر نعرفه ، ا : بأمر نعرفه.

٥٤٩

يعنى من ذهب فإن لم تستطع شيئا من هذا فأسقط السماء كما زعمت (١) علينا كسفا يعنى جانبا من السماء كما زعمت فى سورة سبأ : (إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً) يعنى جانبا (مِنَ السَّماءِ) (٢) ، ثم قال : والذي يحلف به عبد الله لا أصدقك ولا أؤمن بك حتى تسند سلما فترقى فيها (٣) إلى السماء وأنا أنظر إليك فتأتى بكتاب من عند الله ـ عزوجل ـ بأنك رسوله أو يأمرنا باتباعك وتجيء الملائكة يشهدون أن الله كتبه (٤). ثم قال : والله ما أدرى إن فعلت ذلك أؤمن بك أم لا (٥). فذلك قوله سبحانه : (أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ) معاينة فيخبرنا أنك نبى رسول أو تأتى (وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً) يعنى كفيلا يشهدون بأنك رسول الله ـ عزوجل ـ ، فذلك قوله : (أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى) (٦) (تُنَزِّلَ) (٧) (عَلَيْنا) يعنى من السماء (كِتاباً نَقْرَؤُهُ) من الله ـ عزوجل ـ بأنك رسوله خاصة ، فأنزل الله ـ تعالى (قُلْ) لكفار مكة (سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) ـ ٩٣ ـ نزه نفسه ـ جل جلاله ـ عن تكذيبهم إياه لقولهم لم يبعث محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ رسولا ، يقول ما أنا إلا رسول من البشر (وَما مَنَعَ النَّاسَ) يعنى رءوس كفار مكة (أَنْ يُؤْمِنُوا) يعنى أن يصدقوا بالقرآن (إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى)

__________________

(١) كما زعمت : من ل ، وليست : فى ا.

(٢) سورة سبأ : ٩.

(٣) فى أ ، ل : فيها ، والأنسب : فيه.

(٤) من ل ، وفى ا : أن كتبه الله.

(٥) أم لا : ساقطة من أ ، وهي من ل.

(٦) ما بين القوسين «...» : ساقط من : ا ، ل ، وترتيب الآيات مضطرب فيهما فكلاهما قدمت جزءا من ٩٣ على ٩٢.

(٧) فى أ : «أو تنزل علينا».

٥٥٠

يعنى البيان وهو القرآن لأن القرآن هدى من الضلالة (إِلَّا أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً) ـ ٩٤ ـ نزلت فى المستهزئين والمطعمين ببدر فأنزل ـ تبارك وتعالى ـ (قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ) يعنى مقيمين بها ، مثل قوله ـ سبحانه ـ فى النساء : (فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ) يقول فإذا أقمتم (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) (١). (لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً) ـ ٩٥ ـ (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) يقول فلا أحد أفضل من الله شاهدا بأنى رسول الله إليكم (إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) ـ ٩٦ ـ حين اختص محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بالرسالة (وَمَنْ يَهْدِ اللهُ) لدينه (فَهُوَ الْمُهْتَدِ) (٢) (وَمَنْ يُضْلِلْ) عن دينه (فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ) يعنى أصحابا من دون الله [٢٢٠ ب] يهدونهم إلى الإسلام من الضلالة (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) بعد الحساب (عَلى وُجُوهِهِمْ) قالوا للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «كيف يمشون على وجوههم؟ قال لهم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : من أمشاهم على أقدامهم؟ قالوا : الله أمشاهم. قال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : فإن الذي أمشاهم على أقدامهم هو الذي يمشيهم على وجوههم ، ثم قال ـ سبحانه : (عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا) وذلك إذا قيل لهم (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) (٣) فصاروا فيها (٤) عميا لا يبصرون أبدا ، وصما لا يسمعون أبدا ، ثم قال : (مَأْواهُمْ) يعنى مصيرهم (جَهَنَّمُ) ، قوله سبحانه :

__________________

(١) سورة النساء : ١٠٣

(٢) فى أ : المهتدى.

(٣) سورة المؤمنون : ١٠٨.

(٤) فى أ : فيه ، ل : فيها.

٥٥١

(كُلَّما خَبَتْ) وذلك إذا أكلتهم النار فلم يبق منهم غير العظام وصاروا فحما سكنت النار هو الخبت (١) (زِدْناهُمْ سَعِيراً) ـ ٩٧ ـ وذلك أن النار إذا أكلتهم بدلوا جلودا غيرها جددا «فى (٢)» النار ، فتسعر عليهم ، فذلك قوله ـ سبحانه ـ : (زِدْناهُمْ سَعِيراً) يعنى وقودا فهذا أمرهم أبدا ، و (ذلِكَ) العذاب والنار (جَزاؤُهُمْ) (٣) (بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا) يعنى بآيات القرآن (وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً) يعنى ترابا (أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً) ـ ٩٨ ـ يعنون البعث سيرة الخلق الأول (٤) منهم أبى بن خلف ، وأبو الأشدين ، يقول الله ليعتبروا : (أَوَلَمْ يَرَوْا) يقول أو لم يعلموا (أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) يعنى مثل خلقهم فى الآخرة. يقول لأنهم مقرون بأن الله خلقهم (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) (٥). ولا يقدرون أن يقولوا غير ذلك وهم مع (٦) ذلك يعبدون غير الله ـ عزوجل ـ كما خلقهم فى الدنيا ، فخلق السموات والأرض أعظم وأكبر من خلق الإنسان ؛ لأنهم مقرون بأن الله خلقهم وخلق السموات والأرض (وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً) مسمى يبعثون فيه (لا رَيْبَ فِيهِ) يعنى لا شك فيه فى البعث أنه كائن (فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً) ـ ٩٩ ـ يعنى إلا كفرا بالبعث يعنى مشركي

__________________

(١) الأنسب : وهو الخبت.

(٢) فى أ ، ل : جدد النار ، فجعلتها جددا فى النار.

(٣) جزاؤهم : ساقطة من أ ، ل.

(٤) هكذا فى أ ، ل.

(٥) سورة لقمان : ٢٥.

(٦) فى أ ، ل : فى ، وقد جعلتها : مع.

٥٥٢

مكة (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي) يعنى مفاتيح الرزق يعنى مقاليد السموات يقول لو كان الرزق بأيديكم وكنتم تقسمونه (إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ) لأمسكتموه مخافة الفقر والفاقة (وَكانَ الْإِنْسانُ) يعنى الكافر (قَتُوراً) ـ ١٠٠ ـ يعنى بخيلا ممسكا عن نفسه (وَلَقَدْ آتَيْنا) يعنى أعطينا (مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ) يعنى واضحات اليد ، والعصا بالأرض المقدسة وسبع آيات بأرض مصر الطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، والسنين والطمس على الدنانير ، والدراهم ، أولها العصا وآخرها الطمس (فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ) عن ذلك (إِذْ جاءَهُمْ) موسى بالهدى (فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ) [٢٢١ أ] يقول إنى لأحسبك (يا مُوسى مَسْحُوراً) ـ ١٠١ ـ يعنى مغلوبا على عقله (قالَ) موسى لفرعون : (لَقَدْ عَلِمْتَ) يا فرعون (ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ) هؤلاء الآيات التسع (إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ) يعنى تبصرة وتذكرة ولن يقدر أحد على أن يأتى أحد باية واحدة مثل هذه (وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ) يعنى لأحسبك (يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً) ـ ١٠٢ ـ يعنى ملعونا اسمه فيطوس (فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ) يعنى أن يخرجهم من أرض مصر مثل قوله سبحانه : (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها) (١) يعنى أرض المدينة (فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً) ـ ١٠٣ ـ من الجنود (وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ) يعنى من بعد فرعون (لِبَنِي إِسْرائِيلَ) وهم سبعون ألفا من وراء نهر الصين معهم التوراة (اسْكُنُوا الْأَرْضَ) وذلك من بعد موسى ومن بعد (٢) يوشع

__________________

(١) سورة الإسراء : ٧٦.

(٢) فى ل : ومن بعد ، ا : وبعد.

٥٥٣

ابن نون (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ) يعنى ميقات الآخرة يعنى يوم القيامة (جِئْنا بِكُمْ) وبقوم موسى (لَفِيفاً) ـ ١٠٤ ـ يعنى جميعا فهم وراء الصين (١) فساروا من بيت المقدس فى سنة ونصف سنة ستة آلاف فرسخ وبينهم وبين الناس نهر من رمل يجرى اسمه أردف ، يجمد كل سبت وذلك أن بنى إسرائيل قتلوا الأنبياء وعبدوا الأوثان ، فقال المؤمنون منهم : اللهم (٢) فرق بيننا وبينهم فضرب الله ـ عزوجل ـ سربا فى الأرض من بيت المقدس إلى وراء (٣) الصين فجعلوا يسيرون فيه يفتح أمامهم ويسد خلفهم وجعل لهم عمودا من نار فأنزل الله ـ عزوجل ـ عليهم المن والسلوى كل ذلك فى المسير وهم الذين ذكرهم (٤) الله ـ عزوجل ـ فى الأعراف : (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) (٥) فلما أسرى بالنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ تلك الليلة أتاهم فعلمهم الأذان والصلاة وسورا من القرآن فأسلموا فهم القوم المؤمنون ليست لهم ذنوب وهم يجامعون نساءهم بالليل وأتاهم جبريل ـ عليه‌السلام ـ مع النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فسلموا عليه قبل أن يسلم عليهم ، فقالوا للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : لولا الخطايا التي فى أمتك لصافحتهم الملائكة (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ) لما كذب كفار مكة يقول الله ـ تبارك وتعالى ـ : (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ) من اللوح المحفوظ يعنى القرآن على محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) به جبريل ـ عليه‌السلام ـ لم ينزله باطلا لغير شيء (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً) بالجنة (وَنَذِيراً)

__________________

(١) فى أ ، ل : الصين.

(٢) فى أ : الله ، ل : اللهم.

(٣) فى أ ، ل : وراء ، والأنسب : ما وراء.

(٤) فى أ : ذكر.

(٥) سورة الأعراف : ١٥٩.

٥٥٤

ـ ١٠٥ ـ من النار (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ) يعنى قطعناه يعنى فرقناه بين أوله وآخره عشرون سنة تترى (١) لم ننزله جملة واحدة مثلها فى الفرقان [٢٢١ ب](لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً) (٢) ل كى (لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ) يعنى على ترتيل للحفظة (وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً) ـ ١٠٦ ـ فى ترسل آيات ثم بعد آيات (٣) يعنى القرآن (قُلْ) لكفار مكة : (آمِنُوا بِهِ) يعنى القرآن (أَوْ لا تُؤْمِنُوا) يقول صدقوا بالقرآن أو لا تصدقوا به (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) بالتوراة (مِنْ قَبْلِهِ) يعنى من قبل هذا القرآن (إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ) يعنى القرآن يعنى عبد الله بن سلام وأصحابه (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ) يعنى يقعون لوجوههم (سُجَّداً) ـ ١٠٧ ـ (وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا) الذي أنزله يعنى القرآن إنه من الله ـ عزوجل ـ (إِنْ كانَ) يعنى لقد كان (٤) (وَعْدُ رَبِّنا) فى التوراة (لَمَفْعُولاً) ـ ١٠٨ ـ أنه (٥) منزله على محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فكان فاعلا (٦) (وَيَخِرُّونَ) يعنى ويقعون (لِلْأَذْقانِ) (٧) لوجوههم سجدا (يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً) ـ ١٠٩ ـ يقول يزيدهم القرآن تواضعا ، لما فى القرآن من الوعد والوعيد (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) وذلك أن رجلا من المسلمين دعا الله ـ عزوجل ـ ودعا الرحمن فى صلاته فقال أبو جهل بن هشام : أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون ربا واحدا فما بال هذا يدعو ربين اثنين أو لستم تعلمون أن الله اسم ، والرحمن اسم. قالوا : بلى ، فأنزل الله ـ تبارك وتعالى (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) فدعا النبي ـ

__________________

(١) فى أ : تعرى ، ل تترى.

(٢) سورة الفرقان : ٣٢.

(٣) من ل ، وفى أ : آيات ثم آيات.

(٤) من أ ، وفى ل : لو كان.

(٥) من ا ، وفى ل : أنه له.

(٦) السطور السابقة مضطربة فى : ل ، وهي من ا وحدها.

(٧) «للأذقان» : ساقطة من أ ، ل ، وهي فى حاشية ا.

٥٥٥

صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ الرجل فقال : يا فلان ادع الله أو ادع الرحمن ورغم لآناف (١) المشركين (أَيًّا) (٢) (ما تَدْعُوا) يقول فأيهما تدعو (فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) يعنى الأسماء الحسنى التي فى آخر الحشر وسائر ما فى القرآن (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ) وذلك أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كان بمكة يصلى إلى جانب دار أبى سفيان (٣) عند الصفا فجهر بالقرآن فى صلاة الغداة فقال أبو جهل : لم تفترى على الله ، فإذا سمع ذلك منه خفض صوته فلا يسمع أصحابه القرآن. فقال أبو جهل : ألم تروا يا معشر قريش ، ما فعلت بابن أبى كبشة حتى خفض صوته فأنزل الله ـ تعالى ذكره ـ : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ) يعنى بقراءتك فى صلاتك فيسمع المشركون فيؤذوك (٤) (وَلا تُخافِتْ بِها) يقول ولا تسر بها يعنى بالقرآن فلا يسمع أصحابك (وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) ـ ١١٠ ـ يعنى مسلكا يعنى بين الخفض والرفع (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) وذلك أن اليهود قالوا عزير ابن الله ، وقالت النصارى المسيح ابن الله ، وقالت العرب إن لله ـ عزوجل ـ شريكا من الملائكة فأكذبهم الله ـ عزوجل ـ فيها فنزه نفسه ـ تبارك وتعالى ـ مما قالوا فأنزل الله جل جلاله : (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) الذي علمك هذه الآية (الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً) عزيرا وعيسى (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ) من الملائكة (فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌ) يعنى صاحبا ينتصر به (مِنَ الذُّلِ) كما يلتمس الناس النصر إن فاجأهم أمر يكرهونه (وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً) ـ ١١١ ـ يقول وعظمه يا محمد تعظيما فإنه من قال إن لله ـ عزوجل ـ ولدا أو شريكا لم يعظمه. يقول : نزهة عن هذه الخصال التي قالت النصارى واليهود والعرب (٥).

__________________

(١) فى أ : لأنف ، ل : لآناف.

(٢) فى أ : «فأيما».

(٣) هكذا فى : أ ، ل.

(٤) فى أ : فيؤذوك ، ل : فيؤذونك.

(٥) النصارى واليهود والعرب : ساقطة من أ ، وهي من ل.

٥٥٦

سورة الكهف

٥٥٧
٥٥٨

(١٨) سورة الكهف مكية

وآياتها عشر ومائة

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (١) قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (٢) ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً (٣) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً (٤) ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً (٥) فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ

٥٥٩

عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (٦) إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (٧) وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً (٨) أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (٩) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (١٠) فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (١١) ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً (١٢) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً (١٣) وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً (١٤) هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً (١٥) وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً (١٦) * وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ

٥٦٠