تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٢

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٢

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٩٧

له ، لو كنت أنا لبادرت الباب (١). حين بعث إليه الملك يدعوه. (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ) يعنى وهكذا مكنا ليوسف الملك (فِي الْأَرْضِ) فى أرض مصر ل (يَتَبَوَّأُ) يقول ينزل (مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا) يعنى سعتنا (مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) ـ ٥٦ ـ يعنى نوفيه جزاءه ، فجزاه الله بالصبر على البلاء والصبر عن المعصية بأن ملكه على مصر ، ثم قال : (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ) يعنى أكبر يعنى جزاء الآخرة أفضل مما أعطى فى الدنيا من الملك (لِلَّذِينَ آمَنُوا) يعنى صدقوا بالتوحيد (وَكانُوا يَتَّقُونَ) ـ ٥٧ ـ الشرك مثل الذي اتقى يوسف ـ عليه‌السلام ـ (وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ) من أرض كنعان (فَدَخَلُوا عَلَيْهِ) أى على يوسف بمصر (٢) (فَعَرَفَهُمْ) يوسف (وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) ـ ٥٨ ـ يقول وهم لا يعرفون يوسف. فقال : من أنتم؟ قالوا : نحن بنو يعقوب ، نحن من أهل كنعان : قال : كم أنتم؟ قالوا : نحن أحد عشر. قال : ما لي لا أرى الأحد عشر : قالوا واحد منا عند أبينا. قال : ولم ذلك؟ قالوا : إن أخاه لأمه أكله الذئب ، فلذلك تركناه عند أبينا فهو يستريح إليه (٣) (وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ) يوسف (بِجَهازِهِمْ) يعنى فى أمر الطعام (قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ) يعنى بنيامين وكان أخاهم من أبيهم وكان أخا يوسف (٤) [١٨٣ ب] لأبيه وأمه (أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي) يعنى أوفى لكم

__________________

(١) هذا جزءا من حديث فى صحيح البخاري.

(٢) فى أ ، ل : (فدخلوا على) يوسف بمصر.

(٣) فى أ ، ل : «قالوا : إن أخاه أكله الذئب لأم الذي تركناه عند أبينا فلذلك تركناه عنده فهو يستريح إليه.

(٤) فى أ : وكان أخوهم من أبيهم ، وكان أخو يوسف. وفى ل : بالنصب.

٣٤١

(الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) ـ ٥٩ ـ وأنا أفضل من يضيف بمصر (فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ) يعنى فلا بيع لكم (عِنْدِي) من الطعام (وَلا تَقْرَبُونِ) ـ ٦٠ ـ بلادي (قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ) يعقوب (وَإِنَّا لَفاعِلُونَ) ـ ٦١ ـ ذلك بأبيه (وَقالَ) يوسف : (لِفِتْيانِهِ) يعنى لخدامه وهم يكيلون لهم الطعام (اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ) يعنى دراهمهم (فِي رِحالِهِمْ) يعنى فى أوعيتهم «(لَعَلَّهُمْ) يعنى لكي (يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ) (١)» يعنى لكي (يَرْجِعُونَ) ـ ٦٢ ـ إلينا فلا يحبسهم عنا حبس الدراهم إذا ردت إليهم (٢) ، لأنهم كانوا أهل ماشية (فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ) يعنى منع كيل الطعام فيه إضمار فيما يستأنف (فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا) بنيامين (نَكْتَلْ) الطعام بثمن (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) ـ ٦٣ ـ من الضيعة (قالَ) أبوهم : (هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ) فى قراءة ابن مسعود : «هل تحفظونه إلا كما حفظتم أخاه يوسف من قبل» بنيامين (فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً) يعنى فالله خير حفظا منكم (وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) ـ ٦٤ ـ يعنى أفضل الراحمين (وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ) يعنى حلوا أوعيتهم (وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ) يعنى دراهمهم فيها إضمار (رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي) بعد (هذِهِ) إضمار فإنهم قد ردوا علينا الدراهم. هذه (بِضاعَتُنا) يعنى دراهمنا (رُدَّتْ إِلَيْنا وَنَمِيرُ أَهْلَنا) الطعام (وَنَحْفَظُ أَخانا) بنيامين من الضيعة (٣) (وَنَزْدادُ) من أجله (كَيْلَ بَعِيرٍ)

__________________

(١) (لَعَلَّهُمْ ... إلى ... لَعَلَّهُمْ» : ساقطة من : أ. وهي من : ل.

(٢) هكذا فى : أ ، ل.

(٣) مكررة مرتين فى : أ.

٣٤٢

وكان أهل مصر يبيعون الطعام على عدة الرجال ولا يبيعون على عدة الدواب وكان الطعام عزيزا (١) فذلك قوله (وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ) من أجله (ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ) ـ ٦٥ ـ سريع لا حبس فيه (قالَ) أبوهم : (لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ) يعنى تعطوني عهدا من الله (لَتَأْتُنَّنِي بِهِ) يعنى بنيامين ولا تضيعوه كما ضيعتم أخاه يوسف (إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ) يعنى يحيط بكم الهلاك فتهلكوا جميعا (فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ) يعنى عهدهم (قالَ) يعقوب : (اللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ) ـ ٦٦ ـ يعنى شهيدا بيني وبينكم نظيرها فى القصص «والله على ما نقول وكيل» (٢) فلما سرح بنيامين معهم خشي عليهم العين وكان بنوه لهم جمال وحسن (وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا) مصر (مِنْ بابٍ واحِدٍ) يعنى من طريق واحد (وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ) من طرق شتى ثم قال : (وَما أُغْنِي عَنْكُمْ) إذا جاء قضاء الله (مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) يعنى ما القضاء إلا لله (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) يقول به أثق (وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) ـ ٦٧ ـ يعنى به فليثق الواثقون (وَلَمَّا دَخَلُوا) مصر (مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ) من طرق شتى أخذ كل واحد منهم فى طريق على حدة (٣). يقول الله تعالى : (ما كانَ) يعقوب (يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها) [١٨٤ ا] كقوله «ولا يجدون في صدورهم

__________________

(١) فى الأصل : عزيز.

(٢) سورة القصص : ٢٨ وتمامها (قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ).

(٣) على حدة : فى أ ، وليست فى ل.

٣٤٣

حاجة» (١) وهذا من كلام العرب يعنى إلا أمرا شجر فى نفس يعقوب (وَإِنَّهُ) يعنى أباهم (لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ) لأن الله ـ تعالى ـ علمه أنه لا يصيب بنيه إلا ما قضى الله عليهم (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) ـ ٦٨ ـ (وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخاهُ) يعنى ضم إليه أخاه (قالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) ـ ٦٩ ـ يقول فلا تحزن بما سرقوك ، وجاءوا بالدراهم التي كانت فى أوعيتهم فردوها إلى يوسف ـ عليه‌السلام ـ (فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ) يقول فلما قضى فى أمر الطعام حاجتهم (جَعَلَ السِّقايَةَ) وهي الإناء الذي يشرب به الملك (فِي رَحْلِ أَخِيهِ) بنيامين (ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ) يعنى نادى مناد ، اسمه بعرايم بن بربرى ، من فتيان يوسف : (أَيَّتُهَا الْعِيرُ) يعنى الرفقة (إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) ـ ٧٠ ـ فانقطعت ظهورهم وساء ظنهم ف (قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ) فيها تقديم (٢) يقول وأقبلوا على المنادى ثم قالوا : (ما ذا تَفْقِدُونَ) ـ ٧١ ـ (قالُوا) (٣) المنادى «ومن معه» لإخوة يوسف : (نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ) يعنى إناء الملك وكان يكال به كفعل أهل العساكر (وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ) يعنى وقر بعير (وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) ـ ٧٢ ـ يعنى به كفيل ، فرد الإخوة القول على المنادى (قالُوا تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ) يعنى أرض مصر بالمعاصي (وَما كُنَّا سارِقِينَ)

__________________

(١) سورة الحشر : ٩ وتمامها (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

(٢) أى أن الإقبال على المنادى كان مقدما على القول ، وهذا معنى فيها تقديم.

(٣) فى أ : «قال» المنادى. وفى حاشية أ : قالوا. وفى ل. قال. ثم صلحت إلى «قالوا» المنادى.

٣٤٤

ـ ٧٣ ـ وقد رددنا (١) عليكم الدراهم التي كانت فى أوعيتنا ولو كنا سارقين ما رددناها عليكم (قالُوا) (٢) أى المنادى «ومن معه» : (فَما جَزاؤُهُ) أى السارق (إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ) ـ ٧٤ ـ (قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ) يعنى فى وعائه يعنى المتاع (فَهُوَ جَزاؤُهُ) يعنى هو مكان سرقته (كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) ـ ٧٥ ـ يعنى هكذا نجزى السارقين كقوله فى المائدة «فمن تاب من بعد ظلمه» (٣) يعنى بعد سرقته وكان الحكم بأرض مصر أن يغرم السارق عبدا يستخدم على قدر ضعف ما سرق ويترك (٤) ، وكان الحكم بأرض كنعان أن يتخذ السارق عبدا يستخدم على قدر سرقته ثم يخلى سبيله فيذهب حيث شاء فحكموا بأرض مصر بقضاء أرضهم.

(فَبَدَأَ) المنادى (بِأَوْعِيَتِهِمْ) فنظر فيها فلم ير شيئا (قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ) ثم انصرف ولم ينظر فى وعاء بنيامين فقال : ما كان هذا الغلام ليأخذ الإناء قال إخوته لا ندعك حتى تنظر فى وعائه فيكون أطيب لنفسك فنظر فإذا هو بالإناء ثُمَّ «اسْتَخْرَجَها (٥)» (مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ) يعنى من متاع أخيه وهو أخو يوسف لأبيه وأمه (كَذلِكَ كِدْنا) يعنى هكذا صنعنا (لِيُوسُفَ) أن يأخذ أخاه خادما بسرقته فى دين الملك يعنى فى سلطان الملك ، فذلك قوله :

__________________

(١) فى أ : ردنا ، وعليها علامة تمريض. وفى ل : رددنا.

(٢) فى أ : «قال» المنادى ، وفى حاشية أ ، الآية : «قالوا».

(٣) سورة المائدة : ٣٩.

(٤) فى ل : أن يغرم السارق ضعف ما سرك ويترك.

وفى البيضاوي (فِي دِينِ الْمَلِكِ) ملك مصر لأن عينه الضرب وتغريم ضعف ما أخذ دون الاسترقاق وهو بيان للكيد : ٣٢٠.

(٥) فى أ ، ل : فاستخرجها.

٣٤٥

(ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ) يعنى ليحبس أخاه (فِي دِينِ الْمَلِكِ) يعنى حكم الملك ، لأن حكم الملك أن يغرم السارق ضعف ما سرق [١٨٤ ب] ثم يترك (١) (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) ذلك ليوسف (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) يعنى فضائل يوسف حين أخذ أخاه ، ثم قال : (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) ـ ٧٦ ـ يقول الرب ـ تعالى ـ عالم (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) يقول يوسف أعلم إخوته. ثم قال إخوة يوسف : (قالُوا) (٢) (إِنْ يَسْرِقْ) بنيامين (فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ) بنيامين يعنون يوسف ـ عليه‌السلام ـ وذلك أن جد يوسف أبا أمه كان اسمه لاتان كان يعبد الأصنام ، فقالت راحيل لابنها يوسف ـ عليه‌السلام ـ : خذ الصنم ففر به من البيت لعله يترك عبادة الأوثان وكان من ذهب ففعل ذلك يوسف ـ عليه‌السلام ـ فتلك سرقة يوسف التي قالوا. فلما سمع يوسف مقالتهم (٣) (فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ) ولم يظهرها لهم (قالَ) فى نفسه (أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً) ولم يسمعهم قال أنتم أسوأ صنعا فيما صنعتم بيوسف (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ) ـ ٧٧ ـ يعنى بما تقولون من الكذب أن يوسف سرق ، فعندها قالوا : ما لقينا من ابني راحيل يوسف وأخيه؟ فقال بنيامين : ما لقى ابنا راحيل منكم؟ أما يوسف فقد فعلتم به ما فعلتم ، وأما أنا فسرّقتمونى. قالوا : فمن جعل الإناء فى متاعك؟ قال : جعله فى متاعي الذي جعل الدراهم فى أمتعتكم. فلما ذكر الدراهم شتموه وقالوا : لا تذكر الدراهم مخافة أن يؤخذوا (٤) بها.

__________________

(١) من ل. وفى أ : ثم يبرأ.

(٢) «قالوا» : ساقطة من ا. وهي فى ل : قال.

(٣) فى أ ، ل : قولهم ، ثم تغير فى ترتيب الآية وتفسير للجزء الأخير قبل الوسط. ففسرها هكذا ـ (قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً). (فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ).

(٤) فى ل : يأخذوا ، أ : يأخذ.

٣٤٦

(قالُوا) (١) أى إخوة يوسف ليوسف (يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ) وذلك أن أرض مصر صارت إليه وهو خازن الملك (إِنَّ لَهُ) يعنى لبنيامين (أَباً شَيْخاً كَبِيراً) حزينا على ابن مفقود (فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) ـ ٧٨ ـ إلينا إن فعلت بنا ذلك (قالَ) يوسف : (مَعاذَ اللهِ) يقول نعوذ بالله (أَنْ نَأْخُذَ) يعنى أن نحبس بالسرقة (إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ) ـ ٧٩ ـ أن نأخذ البريء مكان السقيم (٢) (فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ) يقول يئسوا من بنيامين (خَلَصُوا نَجِيًّا) يعنى خلوا يتناجون بينهم على حدة وقال بعضهم لبعض : (قالَ كَبِيرُهُمْ) يعنى عظيمهم فى أنفسهم وأعلمهم ، وهو يهوذا ، ولم يكن أكبرهم فى السن (أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ) يعنى فى أمر بنيامين لتأتينه به (وَمِنْ قَبْلُ) بنيامين (ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ) يعنى ضيعتم (فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ) يعنى أرض مصر (حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي) فى الرجعة (أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي) فيرد على بنيامين (وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) ـ ٨٠ ـ يعنى أفضل القاضين (ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ) يعنى بنيامين (وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا) يعنى رأينا ، الصواع حين أخرج من متاعه (٣).

(وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ) ـ ٨١ ـ يعنى وما كنا نرى أنه يسرق [١٨٥ ا] ولو علمنا ما ذهبنا به معنا (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) يعنى مصر (الَّتِي كُنَّا فِيها) أنه سرق (وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ) ـ ٨٢ ـ

__________________

(١) فى أ ، ل : «وقال».

(٢) هكذا فى : أ ، ل ، والمراد : المذنب.

(٣) من ل. وفى أ : لما رأينا ، الصواع أخرج من متاعه.

٣٤٧

فيما نقول. قال لهم يعقوب كلما ذهبتم نقص منكم واحد وكان يوسف ـ عليه‌السلام ـ حبس بنيامين وأقام شمعون ويهوذا فاتهمهم يعقوب ـ عليه‌السلام ـ ف (قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ) يعنى ولكن زينت لكم (أَنْفُسُكُمْ أَمْراً) كان هو منكم هذا (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) يعنى صبرا حسنا لا جزع فيه (عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً) يعنى بنيه الأربعة (إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ) بخلقه (الْحَكِيمُ) ـ ٨٣ ـ يعنى الحاكم فيهم ولم يخبر الله يعقوب بأمر يوسف ليختبر صبره (وَتَوَلَّى عَنْهُمْ) يعنى وأعرض يعقوب عن بنيه ثم أقبل على نفسه (وَقالَ يا أَسَفى) يعنى يا حزناه (عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ) ست سنين لم يبصر بهما (مِنَ الْحُزْنِ) على يوسف (فَهُوَ كَظِيمٌ) ـ ٨٤ ـ يعنى مكروب يتردد الحزن فى قلبه (قالُوا) أى قال بنوه يعيرونه (تَاللهِ تَفْتَؤُا) يعنى والله ما تزال (تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً) يعنى الدنف (أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ) ـ ٨٥ ـ يعنى الميتين (قالَ) لهم أبوهم : (إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي) يعنى ما بثه فى الناس (وَحُزْنِي) يعنى ما بطن (إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ) يعنى من تحقيق رؤيا يوسف أنه كائن (ما لا تَعْلَمُونَ) ـ ٨٦ ـ (يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ) يعنى فابحثوا عن (يُوسُفَ وَأَخِيهِ) بنيامين (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ) يعنى من رحمة الله (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ) يعنى من رحمة الله (إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) ـ ٨٧ ـ وذلك أن يعقوب ـ عليه‌السلام ـ رأى ملك الموت فى المنام فقال له : هل قبضت روح يوسف؟ قال : لا ، وبشره. فلما أصبح قال : «يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا» (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ) يوسف (قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ) يعنى الشدة والبلاء من الجوع

٣٤٨

(وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ) يعنى دراهم (١) نفاية فجوزها (٢) عنا (فَأَوْفِ) يعنى فوفر (لَنَا الْكَيْلَ) بسعر (٣) الجياد (وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا) يقول : تكون هذه صدقة منك يعنون معروفا أن تأخذ النفاية وتكيل لنا الطعام بسعر الجياد (إِنَّ اللهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ) ـ ٨٨ ـ لمن كان على ديننا إضمار ولو علموا أنه مسلم لقالوا : إن الله يجزيك بصدقتك فلما سمع ما ذكروا من الضر (قالَ) لهم : (هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ) يعنى بى وبأخى بنيامين (إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ) ـ ٨٩ ـ يعنى مذنبين (قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا) يقول قد أنعم الله علينا (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ) الزنا (وَيَصْبِرْ) على الأذى (فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) ـ ٩٠ ـ يعنى جزاء من أحسن حتى يوفيه جزاءه (قالُوا تَاللهِ) يعنى والله (لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا) يعنى اختارك كقوله فى طه : «لن نؤثرك» (٤) [١٨٥ ب] يعنى لن نختارك ، علينا عند يعقوب وأعطاك وملكك الملك (وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ) ـ ٩١ ـ فى أمرك فأقروا بخطيئتهم (قالَ) يوسف : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) يقول لا تعيير عليكم ، لم يثرب عليهم بفعلهم القبيح (يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ) ما فعلتم (وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) ـ ٩٢ ـ من غيره (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً) بعد البياض (وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ) ـ ٩٣ ـ فلا يبقى منكم أحد (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ) من مصر إلى كنعان ثمانين فرسخا

__________________

(١) فى ل : جزاهم ، أ : دراهم.

(٢) فى أ : تجوزها ، ل : فجوزها.

(٣) فى أ : سعر ، ل : بسعر.

(٤) سورة طه : ٧٢.

٣٤٩

(قالَ أَبُوهُمْ) يعقوب لبنى بنيه : (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ) ـ ٩٤ ـ يعنى لو لا أن تجهلون (قالُوا) بنو بنيه : (تَاللهِ) والله (إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ) ـ ٩٥ ـ مثل قوله (إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) (١) يقول فى شقاء (٢) وعناء ، يعنى فى شقاء من حب يوسف وذكره فما تنساه وقد أتى عليه أربعون سنة (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ) (٣) فلما أتاه البشير وهو الذي ذهب بالقميص الأول الذي كان عليه الدم ، وألقى القميص على وجه يعقوب (فَارْتَدَّ) يعنى فرجع (بَصِيراً) بعد البياض (قالَ) يعقوب : يا بنى (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) ـ ٩٦ ـ وذلك أن يعقوب قال لهم : «إنما أشكو بئي وحزنى إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون» (٤) من تحقيق رؤيا يوسف (قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ) ـ ٩٧ ـ فى أمر يوسف (قالَ) أبوهم : إنى (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) سحرا من الليل (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ) للذنوب (الرَّحِيمُ) ـ ٩٨ ـ بالمؤمنين (فَلَمَّا دَخَلُوا) (٥) يعنى يعقوب وأهله أرض مصر (عَلى يُوسُفَ آوى) يعنى ضم (إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقالَ) لهم : (ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) ـ ٩٩ ـ من الخوف فدخل منهم اثنان وسبعون إنسانا من ذكر وأنثى (وَرَفَعَ) يوسف (أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ) يعنى على السرير وجعل أحدهما عن يمينه ،

__________________

(١) سورة القمر : ٢٤.

(٢) فى أ : شقاق ، ل : شقاء.

(٣) ما بين القوسين «...» : ساقط من أ ، ل ، ومكثوبة بالمعنى وليس بنص الآية.

(٤) سورة يوسف : ٨٦.

(٥) فى أزيادة : عليه ، وليست فى ل.

٣٥٠

والآخر عن يساره ، وكانت أمه راحيل قد ماتت وخالته تحت يعقوب (١) ـ عليه‌السلام ـ وهي التي رفعها على السرير (وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً) أبوه ، وخالته ، وإخوته قبل أن يرفعهما على السرير فى التقديم (٢). قال أبو صالح : هذه سجدة التحية لا سجدة العبادة ، (وَقالَ) يوسف : (يا أَبَتِ هذا) السجود (تَأْوِيلُ) يعنى تحقيق (رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا) يعنى صدقا وكان بين رؤيا يوسف وبين تصديقها أربعون (٣) سنة (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ) كانوا أهل عمود ومواشى (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ) (٤) يعنى أزاغ (الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ) حين أخرجه من السجن ومن البئر وجمع بينه وبين أهل بيته [١٨٦ ا] بعد التفريق فنزع من قلبه نزع الشيطان على أخوته بلطفه (إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) ـ ١٠٠ ـ مات يعقوب قبل يوسف بسنتين ، ودفن يعقوب والعيص بن إسحاق فى قبر واحد وخرجا من بطن واحد فى ساعة واحدة ، فلما جمع الله ليوسف شمله فأقر بعينه وهو مغموس فى الملك والنعمة اشتاق إلى الله وإلى آياته فتمنى الموت.

حدثنا عبيد الله قال : حدثني أبى قال : سمعت أبا صالح قال (٥) : قال مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس قال (٦) : لم يتمن الموت نبى قط غير يوسف ـ

__________________

(١) فى حاشية ل : لا حاجة إلى هذه الرواية لأن النصوص الظاهرة تدل على أن أمه حية مثل قوله : (آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ) ، (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ) والرؤيا تدل عليه وحمله على التغليب إنما يمكن بدليل قوى يدل على أن أمه ماتت فلم يوجد ، والله أعلم. ظهر لي.

(٢) أى : أن معنى الجملة مقدم على التي قبلها : فقد سجد له أبواه قبل أن يرفعهما على السرير.

(٣) فى ل : أربعين سنة ، ا : أربعون سنة.

(٤) فى أ ، ل : أزاغوا.

(٥) السند السابق : ساقط من ل. ويبدأ فى ل : قال مقاتل.

(٦) قال : ساقطة من أ ، وهي من ل.

٣٥١

عليه‌السلام ـ قال : (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي) يعنى قد أعطيتنى (مِنَ الْمُلْكِ) على أهل مصر ثمانين سنة (وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) من (١) هاهنا صلة ، يعنى تعبير الرؤيا (فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يعنى خالق السموات والأرض كن (أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً) يعنى مخلصا بتوحيدك (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) ـ ١٠١ ـ يعنى أباه يعقوب ، وإسحاق ، وإبراهيم ، (ذلِكَ) الخبر (مِنْ أَنْباءِ) يعنى من أحاديث (الْغَيْبِ) غاب يا محمد أمر يوسف ، ويعقوب ، وبنيه ، عنك حتى أعلمناك (نُوحِيهِ إِلَيْكَ) لم تشهده ولم تعلمه (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ) يعنى عند إخوة يوسف (إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ) ـ ١٠٢ ـ بيوسف ـ عليه‌السلام ـ (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ) يعنى كفار مكة (وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) ـ ١٠٣ ـ يعنى بمصدقين. فيها تقديم. (وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) يعنى على الإيمان من جعل (إِنْ هُوَ) يعنى القرآن (إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) ـ ١٠٤ ـ (وَكَأَيِّنْ) يعنى وكم (مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ) الشمس ، والقمر ، والنجوم ، والسحاب ، والرياح ، والمطر ، (وَالْأَرْضِ) الجبال (٢) ، والبحور ، والشجر ، والنبات ، عاما بعد عام (يَمُرُّونَ عَلَيْها) يعنى يرونها (وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ) ـ ١٠٥ ـ أفلا يتفكرون فيما يرون من صنع الله فيوحدونه (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ) أى أكثر (٣) أهل مكة (بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) ـ ١٠٦ ـ فى إيمانهم فإذا سئلوا : من خلقهم وخلق الأشياء كلها؟ قالوا : الله. وهم فى ذلك يعبدون الأصنام فخوفهم فقال : (أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ)

__________________

(١) فى أ ، ل : المن.

(٢) فى ل : الجبال ، ا : والجبال.

(٣) فى أ ، ل : أكثر.

٣٥٢

يعنى أن تغشاهم عقوبة (مِنْ عَذابِ اللهِ) فى الدنيا (أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً) يعنى فجأة (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) ـ ١٠٧ ـ بإتيانها هذا وعيد (قُلْ هذِهِ) ملة الإسلام (سَبِيلِي) يعنى سنتي (أَدْعُوا إِلَى اللهِ) يعنى إلى معرفة الله وهو التوحيد (عَلى بَصِيرَةٍ) يعنى على بيان (أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) على ديني (١) (وَسُبْحانَ اللهِ) نزه الرب نفسه عن شركهم (وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ـ ١٠٨ ـ (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى) لأن أهل الريف أعقل وأعلم من أهل العمود (٢) وذلك [١٨٦ ب] حين قال كفار مكة بألا بعث الله ملكا رسولا (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) يعنى من قبل أهل مكة كان عاقبتهم الهلاك فى الدنيا يعنى قوم عاد ، وثمود ، والأمم الخالية (وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ) يعنى أفضل من الدنيا (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا) الشرك (أَفَلا تَعْقِلُونَ) ـ ١٠٩ ـ أن الآخرة أفضل من الدنيا (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ) من إيمان (٣) قومهم ، أوعدتهم رسلهم العذاب فى الدنيا ، بأنه (٤) نازل بهم (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) حسب قوم الرسل قد كذبوهم العذاب فى الدنيا بأنه نازل بهم يقول : (جاءَهُمْ) يعنى الرسل (نَصْرُنا فَنُجِّيَ) (٥) (مَنْ نَشاءُ)

__________________

(١) فى أ ، ل : «أنا ومن اتبعنى على بصيرة» فقدم جزءا من الآية على مكانه.

(٢) هكذا فى : أ ، ل. والمراد : أهل الحضر.

(٣) فى أ : إيمان إيمان.

(٤) فى أ : أنه ، ل : بأنه.

(٥) فى أ : فننجى.

تفسير مقاتل ـ ٢٣

٣٥٣

من المؤمنين من العذاب مع رسلهم فهذه مشيئته (وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا) يقول لا يقدر أحد أن يرد عذابنا (عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) ـ ١١٠ ـ (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ) يعنى فى خبرهم يعنى نصر الرسل وهلاك قومهم حين خبر الله عنهم فى كتابه فى ـ طسم ـ الشعراء (١) ، وفى ـ اقتربت الساعة (٢) ـ ، وفى سورة هود (٣) ، وفى الأعراف (٤) ، ماذا لقوا من الهلاك (عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ) يعنى لأهل اللب والعقل (ما كانَ) هذا القرآن (حَدِيثاً يُفْتَرى) يعنى يتقول لقول كفار مكة إن محمدا تقوله من تلقاء نفسه (وَلكِنْ تَصْدِيقَ) الكتاب (الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) يقول : يصدق (٥) القرآن الذي أنزل على محمد (٦) الكتب التي قبله كلها أنها من الله (وَتَفْصِيلَ) يقول فيه بيان (كُلِّ شَيْءٍ وَ) هو (هُدىً) من الضلالة (وَرَحْمَةً) من العذاب (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) ـ ١١١ ـ يعنى يصدقون بالقرآن أنه من الله ـ عزوجل.

* * *

__________________

(١) اشتملت سورة الشعراء على : قصة موسى من الآية ١٠ ـ ٦٨ ، وقصة إبراهيم من الآية ٦٩ ـ ١٠٤ ، وقصة نوح ١٠٥ ـ ١٢٢ ، وقصة عاد ١٢٣ ـ ١٤٠ ، وقصة ثمود ١٤١ ـ ١٥٩ ، وقصة لوط ١٦٠ ـ ١٧٥ ، وقصة شعيب ١٧٦ ـ ١٩١.

(٢) انظر سورة القمر وفيها حديث عن : نوح ، وعاد قوم هود ، وثمود قوم صالح ، وعن قوم لوط.

(٣) تحدثت سورة هود عن قصة نوح من الآية ٢٥ : ٤٩ ، وعن قصة عاد قوم هود من الآية ٥٠ ـ ٦٠ ، وعن قصة ثمود قوم صالح من الآية ٦١ : ٦٨ ، وعن قصة إبراهيم خليل الله من الآية ٦٩ ـ ٧٦ ، وعن لوط من الآية ٧٧ ـ ٨٢ ، وعن قصة مدين قوم شعيب من الآية ٨٤ ـ ٩٥ ، وعن قصة موسى وفرعون من الآية ٩٦ ـ ١٠٠.

(٤) فى سورة الأعراف : قصة آدم من الآية ١٩ ـ ٢٥ ، وقصة هود مع قومه من الآية ٦٥ ـ ٧٢ ، وقصة صالح من الآية ٧٣ ـ ٧٩ ، وقصة لوط من الآية ٨٠ ـ ٨٤ ، وقصة شعيب من الآية ٨٥ ـ ١٠٢ ، وقصة موسى من الآية ١٠٣ ـ ١٧١.

(٥) ا : الصدق ، ل : يصدق.

(٦) فى أ ، ل زيادة : يعنى.

٣٥٤

سورة الرّعد

٣٥٥
٣٥٦

(١٣) سورة الرّعد مدنيّة

وآياتها ثلاث وأربعون

٣٥٧

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(المر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (١) اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (٢) وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٣) وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٤) وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٥) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ (٦)

٣٥٨

وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (٧) اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ (٨) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ (٩) سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ (١٠) لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ (١١) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (١٢) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (١٣) لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (١٤) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (١٥) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ

٣٥٩

لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (١٦) أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ (١٧) لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٨) أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (١٩) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ (٢٠) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ (٢١) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (٢٢) جَنَّاتُ عَدْنٍ

٣٦٠