تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٢

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٢

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٩٧

يعنى إلى الرسل (لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ) ـ ١٣ ـ يعنى المشركين فى الدنيا ولننصرنكم يعنى (وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ) يعنى هلاكهم (ذلِكَ) الإنسان فى الدنيا (لِمَنْ خافَ مَقامِي) يعنى مقام ربه ـ عزوجل ـ فى الآخرة (وَ) لمن (خافَ وَعِيدِ) ـ ١٤ ـ فى الآخرة. (وَاسْتَفْتَحُوا) يعنى دعوا ربهم واستنصروا وذلك أن الرسل أنذروا قومهم العذاب فى الدنيا فردوا عليهم أنكم كذبة. ثم قالوا : اللهم إن كانت رسلنا صادقين فعذبنا ، فذلك قوله تعالى : «فائننا بما تعدنا إن كنت من الصادقين» (١) فذلك قوله سبحانه : «واستفتحوا» يعنى مشركي مكة وفيهم أبو جهل يعنى ودعوا ربهم يقول الله ـ تعالى ـ لنبيه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) ـ ١٥ ـ يعنى وخسر عند نزول العذاب كل متكبر عن توحيد الله ـ عزوجل ـ نزلت فى أبى جهل «عنيد» يعنى معرض عن الإيمان مجانبا له. ثم قال لهذا الجبار وهو فى الدنيا : (مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ) من بعدهم يعنى من بعد موته (وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ) ـ ١٦ ـ يعنى خليطة القيح والدم الذي يخرج من أجداث الكفار يسقى الأشقياء (٢) (يَتَجَرَّعُهُ) تجرعا (وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ) البتة نظيرها «إذا أخرج يده لم يكد يراه» (٣) يقول لا يراها البتة (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ) فى النار (مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ) هذا يعنى ومن بعد إحدى وعشرين ألف سنة يفتح عليهم باب يقال له الهيهات فتأكل ناره نار جهنم ، وأهلها ، كما تأكل نار الدنيا القطن المندوف ويأتيه الموت فى النار من كل

__________________

(١) سورة الأعراف : ٧٠ ، وسورة هود : ٣٢ ، وسورة الأحقاف : ٢٢.

(٢) هكذا فى أ ، ل.

(٣) سورة النور : ٤٠.

تفسير مقاتل ـ ٢٦

٤٠١

مكان وما هو بميت. ومن ورائه (عَذابٌ غَلِيظٌ) ـ ١٧ ـ يعنى شديد لا يفتر عنهم (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ) يعنى بتوحيد ربهم مثل (أَعْمالُهُمْ) الخبيثة فى غير إيمان (كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ) فى يوم [١٩٣ أ] شديد الريح فلم ير منه شيء فكذلك أعمال الكفار (لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ) يقول لا يقدرون على ثواب شيء مما عملوا فى الدنيا ولا تنفعهم أعمالهم لأنها لم تكن فى إيمان. ثم قال : (ذلِكَ) الكفر (هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) ـ ١٨ ـ يعنى الطويل (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) لم يخلقهما باطلا لغير شيء ولكن خلقهما لأمر هو كائن ، ثم قال ـ سبحانه ـ لكفار هذه الأمة : (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) بالهلاك إن عصيتموه (وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) ـ ١٩ ـ يعنى بخلق غيركم أمثل وأطوع لله منكم (وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ) ـ ٢٠ ـ يقول هذا على الله هين يسير (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) نظيرها فى الملائكة (١) ، ثم قال ـ سبحانه ـ : (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً) يقول وخرجوا من قبورهم إلى الله جميعا يعنى بالجميع أنه لم يغادر منهم أحد إلا بعث بعد موته (فَقالَ الضُّعَفاءُ) وهم الأتباع من كفار بنى آدم (لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) يعنى للذين تكبروا عن الإيمان بالله ـ عزوجل ـ وهو التوحيد وهم الكبراء فى الشرف والغنى القادة (إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً) لدينكم فى الدنيا (فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا) معشر الكبراء (مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) باتباعنا إياكم (قالُوا) يعنى قالت الكبراء للضعفاء : (لَوْ هَدانَا اللهُ) لدينه (لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا) ذلك أن أهل النار قال بعضهم لبعض : تعالوا نجزع

__________________

(١) سورة فاطر الآيات : ١٥ ، ١٦ ، ١٧ وهي : (يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ، إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ، وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ).

٤٠٢

من العذاب لعل ربنا يرحمنا ، فجزعوا مقدار خمسمائة عام فلم يغن عنهم الجزع شيئا. ثم قالوا : تعالوا نصبر لعل الله يرحمنا فصبروا مقدار خمسمائة عام فلم يغن عنهم الصبر شيئا. فقالوا عند ذلك : «سَواءٌ عَلَيْنا» (أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ) ـ ٢١ ـ من مهرب عنها (وَقالَ الشَّيْطانُ) يعنى إبليس (لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ) يعنى حين قضى العذاب وذلك أن إبليس لما دخل هو ومن معه على أثره (١) النار (٢). قام خطيبا فى النار فقال : يا أهل النار : (إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ) على ألسنة الرسل (وَعْدَ الْحَقِ) يعنى وعد الصدق أن هذا اليوم كائن (وَوَعَدْتُكُمْ) أنه ليس بكائن (فَأَخْلَفْتُكُمْ) الوعد (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) يعنى من ملك فى الشرك فأكرهكم على متابعتي يعنى على ديني إلا فى الدعاء فذلك قوله ـ عزوجل ـ : (إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ) يعنى إلا أن زينت لكم (فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) بالطاعة وتركتم طاعة ربكم (فَلا تَلُومُونِي) باتباعكم إياى (وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ) بترككم أمر ربكم (ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَ) يقول ما أنا بمغيثكم وما أنتم بمغيثي (إِنِّي كَفَرْتُ) يقول تبرأت اليوم (بِما أَشْرَكْتُمُونِ) مع الله فى الطاعة (مِنْ قَبْلُ) فى الدنيا (إِنَّ الظَّالِمِينَ) يعنى إن المشركين (لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) ـ ٢٢ ـ يعنى وجيع (وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا) [١٩٣ ب] يعنى صدقوا بتوحيد الله ـ عزوجل ـ (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) وأدوا الفرائض (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) يعنى تجرى العيون من تحت بساتينها (خالِدِينَ فِيها) لا يموتون (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) يعنى بأمر ربهم ادخلوا الجنة (تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) ـ ٢٣ ـ يقول تسلم الملائكة عليهم فى الجنة

__________________

(١) فى أ : على أثر ، ل : على أثره.

(٢) النار : ساقطة من ل.

٤٠٣

(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً) يعنى حسنة يعنى كلمة الإخلاص وهي التوحيد (كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ) يعنى بالطيبة الحسنة كما أنه ليس فى الكلام شيء أحسن ولا أطيب من الإخلاص قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له (١) فكذلك ليس فى الثمار شيء أحلى ولا أطيب من الرطبة وهي النخلة (أَصْلُها ثابِتٌ) فى الأرض (وَفَرْعُها) يعنى رأسها (فِي السَّماءِ) ـ ٢٤ ـ يقول هكذا الإخلاص ينبت (٢) فى قلب المؤمن كما تنبت النخلة فى الأرض إذا تكلم بها المؤمن فإنها تصعد إلى السماء كما أن النخلة رأسها فى السماء ، كما أن النخلة لها فضل على الشجرة فى الطول ، والطيب ، والحلاوة ، فكذلك كلمة الإخلاص لها فضل على سائر الكلام (تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ) يقول إن النخلة تؤتى ثمرها كل ستة أشهر (بِإِذْنِ رَبِّها) يعنى بأمر ربها فهكذا المؤمن يتكلم (٣) بالتوحيد ويعمل الخير ليلا ، ونهارا ، غدوة ، وعشيا بمنزلة النخلة وهذا مثل المؤمن ثم قال ـ سبحانه ـ : (وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ) يعنى ويصف الله الأشياء للناس (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) ـ ٢٥ ـ أى يتفكرون فى أمثال الله ـ تعالى ـ فيوحدونه ثم ضرب مثلا آخر للكافرين فقال ـ سبحانه ـ : (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ) يعنى دعوة الشرك (كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ) فى المرارة يعنى الحنظل (اجْتُثَّتْ) يعنى انتزعت (مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ) ـ ٢٦ ـ يقول ما لها من أصل فهكذا كلمة الكافر ليس لها أصل كما أن الحنظل أخبث الطعام فكذلك كلمة الكفر أخبث

__________________

(١) ما بين القوسين «...» : ساقط من : ل ، وهي من : أ.

(٢) فى ل : ينبت ، أ : يثبت.

(٣) المؤمن يتكلم : فى ل. وفى حاشية : أ.

٤٠٤

الدعوة وكما أن الحنظل ليس فيه ثمر وليس لها بركة ولا منفعة فكذلك الكافر لا خير فيه ، ولا فرع له فى السماء يصعد فيه عمله ، ولا أصل له فى الأرض ، بمنزلة الحنظلة يذهب بها (١) الريح ، وكذلك الكافر ، فذلك قوله ـ سبحانه ـ : «كرماد اشتدت به الريح» (٢) هاجت يمينا وشمالا مرة هاهنا ومرة هاهنا. ثم ذكر المؤمنين بالتوحيد فى حياتهم وبعد موتهم فقال ـ سبحانه ـ : (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ) وهو التوحيد (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) ثم قال : (وَ) يثبتهم (فِي الْآخِرَةِ) يعنى فى قبره (٣) فى أمر منكر ونكير بالتوحيد وذلك أن المؤمن يدخل عليه ملكان أحدهما منكر والآخر نكير فيجلسانه فى القبر فيسألانه (٤) : من ربك؟ وما دينك؟ ومن رسولك؟ [١٩٤ أ] فيقول : ربى الله ـ عزوجل ـ ، وديني الإسلام ، ومحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ رسولي ، فيقولان له : وقيت وهديت. ثم يقولان : اللهم إن عبدك أرضاك فأرضه ، فذلك قوله ـ سبحانه ـ : (وَفِي الْآخِرَةِ) أى (٥) يثبت الله قول الذين آمنوا ، ثم ذكر الكافر فى قبره حين يدخل عليه منكر ونكير يطئان (٦) فى أشعارهما ويحفران الأرض بأنيابهما وينالان الأرض بأيديهما ، أعينهما كالبرق الخاطف وأصواتهما كالرعد القاصف ، ومعهما مرزبة من حديد لو اجتمع عليها أهل منى أن يقلوها ما أقلوها ، فيقولان

__________________

(١) فى ل : بها ، أ : به.

(٢) سورة إبراهيم : ١٨.

(٣) هكذا فى أ ، ل.

(٤) فى أ : فيسلانه.

(٥) أى : ليست فى أ ، ولا فى ل.

(٦) فى أ : يطيان ، ل : يطيران.

٤٠٥

له : من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيقول : لا أدرى. فيقولان له : لا دريت ولا تليت. ثم يقولان : اللهم إن عبدك قد أسخطك فأسخط عليه ، فيضربانه بتلك المرزبة ضربة ينهشم كل عضو فى جسده ، ويلتهب قبره نارا ، ويصيح صيحة يسمعها كل شيء غير الثقلين ، فيلعنونه ، فذلك قوله ـ عزوجل ـ : «ويلعنهم اللاعنون» (١) حتى إن شاة القصاب والشفرة على حلقها لا يهمها ما بها ، فتقول : لعن الله هذا ، كان يحبس عنا الرزق بسببه ، هذا لمن يضله الله ـ عزوجل ـ عن التوحيد. فذلك قوله : (وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ) يعنى المشركين حيث لا يوفق لهم ذلك حين يسأل فى قبره من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ (وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ) ـ ٢٧ ـ فيهما فمشيئته أن يثيب المؤمنين ويضل الكافرين (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً) هذه مدنية إلى آخر الآيتين وبقية السورة مكية (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً) وهم بنو أمية ، وبنو المغيرة المخزومي ، وكانت النعمة أن الله أطعمهم من جوع (٢) ، وآمنهم من خوف ، يعنى القتل والسبي ، ثم بعث فيهم رسولا يدعوهم إلى معرفة رب هذه النعمة ـ عزوجل ـ ، فكفروا بهذه النعمة ، وبدّلوها ، ثم قال الله ـ عزوجل ـ : (وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ) ـ ٢٨ ـ يعنى دار الهلاك بلغة عمان ، فأهلكوا قومهم ببدر ، ثم يصيرون بعد القتل إلى جهنم يوم القيامة ، فذلك قوله ـ عزوجل ـ : (جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ) ـ ٢٩ ـ يعنى وبئس المستقر ، ثم ذكر كفار قريش فقال ـ تعالى ـ : (وَجَعَلُوا)

__________________

(١) سورة البقرة : ١٥٩.

(٢) من جوع : من ل ، وليست فى أ.

٤٠٦

يعنى ووصفوا (لِلَّهِ أَنْداداً) يعنى شركاء (لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ) يعنى ليستنزلوا عن دينه الإسلام (قُلْ تَمَتَّعُوا) فى داركم قليلا (فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ) ـ ٣٠ ـ (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ) من الأموال (سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ) يعنى لا فداء (١) (وَلا خِلالٌ) ـ ٣١ ـ يعنى ولا خلة ، لأن الرجل إذا نزل به ما يكره فى الدنيا قبل موته قبل منه الفداء أو يشفع له خليله ، والخليل المحب. وليس فى الآخرة من ذلك شيء وإنما هي أعمالهم [١٩٤ ب] يثابون عليها ، (اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) يعنى المطر (فَأَخْرَجَ بِهِ) يعنى بالمطر (مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ) يعنى السفن (لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ) ـ ٣٢ ـ (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ) إلى يوم القيامة (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) ـ ٣٣ ـ فى هذه (٢) منفعة لبنى آدم (وَآتاكُمْ) يقول وأعطاكم (مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ) يعنى ما لم تسألوه ولا طلبتموه ولكن أعطيتكم من رحمتي يعنى ما ذكر مما سخر للناس فى هؤلاء الآيات فهذا كله من النعم ، ثم قال ـ سبحانه ـ : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ) لنفسه فى خطيئته (كَفَّارٌ) ـ ٣٤ ـ يعنى كافر فى نعمته التي ذكر فلم يعبده.

__________________

(١) فى أ : فداء ، ل : لا فداء.

(٢) هكذا فى أ ، ل. والأنسب : وفى هذه.

٤٠٧

«حدثنا (١) عبيد الله ، قال : حدثني أبى ، قال : سمعت أبا صالح فى قوله ـ عزوجل ـ : (مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ) قال أعطاكم (٢) ما لم تسألوه. ومن قراءة (كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ) بدون من يقول استجاب لكم فأعطاكم ما سألتموه. والله أعلم (٣)».

(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً) يعنى مكة فكان أمنا لهم فى الجاهلية (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَ) يعنى وولدي (أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) ـ ٣٥ ـ وقد (٤) علم أن ذريته مختلفون فى التوحيد قال : (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ) يعنى الأصنام (كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) يعنى أضللن بعبادتهن كثيرا من الناس (فَمَنْ تَبِعَنِي) على ديني (فَإِنَّهُ مِنِّي) على ملتي (وَمَنْ عَصانِي) فكفر (فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ـ ٣٦ ـ أن تتوب عليه فتهديه إلى التوحيد نظيرها ـ فى الأحزاب «يعذب المنافقين غن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان ففورا رحيما» (٥) (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي) يعنى إسماعيل ابني خاصة (بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ) يعنى لا حرث فيها ولا ماء يعنى مكة (عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ) حرمه لئلا يستحل فيه ما لا يحل ، فيها تقديم (رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ) يعنى اجنبني وبنى أن نعبد الأصنام لكي يصلوا لك عند بيتك المحرم ويعبدونك (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) يقول اجعل قوما من الناس تهوى إليهم يعنى إلى إسماعيل وذريته (وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) ـ ٣٧ ـ

__________________

(١) «حدثنا ...» وما بعدها ساقط من : ل ، وهو من : أ

(٢) فى أ : ما أعطاكم.

(٣) وفى القرطبي : أى أعطاكم من غير سؤال أى كلما سألتموه أعطاكم سؤلكم واستجاب لكم.

(٤) فى ل : وقد ، أ : قد.

(٥) سورة الأحزاب : ٢٤.

٤٠٨

ولو قال اجعل أفئدة الناس تهوى إليهم لازدحم عليهم الحرز (١) والديلم ولكنه قال : اجعل أفئدة من الناس (رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي) يعنى ما نسر من أمر إسماعيل فى نفسي من الجزع عليه أنه فى غير معيشة ، ولا ماء فى أرض غربة ، ثم قال : (وَما نُعْلِنُ) يعنى من قوله : «ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع» (٢) يعنى مكة فهذى الذي أعلن (وَما يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) ـ ٣٨ ـ (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ) بالأرض (٣) المقدسة بعد ما هاجر إليها (إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ) ووهب لي إسماعيل من هاجر جاريته وإبراهيم يومئذ [١٩٥ أ] ابن ستين سنة ووهب له إسحاق وهو ابن سبعين سنة فالأنبياء كلهم من إسحاق غير نبينا محمد (٤) ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فإنه من ذرية إسماعيل (٥) ، ثم قال إبراهيم : (إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ) ـ ٣٩ ـ (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) فاجعلهم أيضا مقيمين الصلاة (رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ) ـ ٤٠ ـ يقول ربنا واستجب دعائي فى إقامة الصلاة لنفسه ولذريته (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَ) يعنى أبويه (وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ) ـ ٤١ ـ (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ) يا محمد (٦) (غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ) (٧) (الظَّالِمُونَ) يعنى مشركي مكة (إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ) عن

__________________

(١) فى ل : الحزر ، أ : الخزر.

(٢) سورة إبراهيم : ٣٧.

(٣) فى الأصل : بأرض.

(٤) فى ل : غير محمد ، أ : غير نبينا محمد.

(٥) فى أ : إسماعيل ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ل : إسماعيل.

(٦) فى أ : يا محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ل : يا محمد.

(٧) فى أ : يقول ، وفى حاشية أ : الآية «بعمل». وفى ل : يعمل.

٤٠٩

العذاب فى الدنيا (لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ) ـ ٤٢ ـ يعنى فاتحة شاخصة أعينهم وذلك أنهم إذا عاينوا النار فيها تقديم فى الآخرة شخصت أبصارهم فى يطرفون. فيها تقديم ، وذلك قوله ـ سبحانه : (لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ) يعنى لا يطرفون ، ثم قال : (مُهْطِعِينَ) يعنى مقبلين إلى النار ينظرون إليها ، ينظرون فى غير طرف (مُقْنِعِي) يعنى رافعي (رُؤُسِهِمْ) إليها (لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ) (١) وأفئدتهم هواء ـ ٤٣ ـ وذلك أن الكفار إذا عاينوا النار شهقوا شهقة زالت منها قلوبهم عن أماكنها فتنشب فى حلوقهم ، فصارت قلوبهم «هواء» (٢) بين الصدور والحناجر فلا تخرج من أفواههم ولا ترجع إلى أماكنها فذلك قوله ـ سبحانه ـ : فى «حم» المؤمن (إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ) (٣) يعنى مكروبين فلما بلغت القلوب الحناجر ونشبت فى حلوقهم انقطعت أصواتهم وغصت (٤) ألسنتهم (وَأَنْذِرِ) يا محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (النَّاسَ) يعنى كفار مكة (يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ) فى الآخرة (فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا) يعنى مشركي مكة فيسألون الرجعة إلى الدنيا فيقولون فى الآخرة (رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) لأن الخروج من الدنيا إلى قريب (٥) (نُجِبْ دَعْوَتَكَ) إلى التوحيد (وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ) يعنى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقال لهم : (أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ) يعنى حلفتم (مِنْ قَبْلُ) فى الدنيا إذا

__________________

(١) ما بين القوسين «...» ساقطة من : أ ، ل. اعتمادا على ذكرها قبل. الآية.

(٢) من ل ، وليست فى : ا.

(٣) سورة غافر : ١٨.

(٤) فى ل : وعصت ، أ : وغصت.

(٥) هكذا فى أ ، ل.

٤١٠

متم (ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ) ـ ٤٤ ـ إلى البعث بعد الموت وذلك قوله ـ سبحانه ـ فى النحل : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ) (١) (وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) يعنى ضروا بأنفسهم يعنى الأمم الخالية الذين عذبوا فى الدنيا يعنى قوم هود وغيرهم (وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ) يقول كيف عذبناهم (وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ) ـ ٤٥ ـ يعنى ووصفنا لكم الأشياء يقول وبينا لكم العذاب لتوحدوا ربكم ـ عزوجل ـ يخوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية لئلا يكذبوا بمحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ثم أخبر عن فعل نمروذ بن كنعان الجبار فقال : (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ) [١٩٥ ب] يقول فعلهم. يعنى التابوت فيها الرجلان اللذان كانا فى التابوت والنسور الأربعة (وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ) (٢) يقول عند الله مكرهم يعنى فعلهم (وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ) ـ ٤٦ ـ نظيرها فى بنى إسرائيل (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ) (٣) يعنى وقد كادوا. وقد كان (٤) نمروذ بن كنعان الذي حاج إبراهيم فى ربه وهو أول من ملك الأرض كلها وذلك أنه بنى صرحا ببابل زعم ليتناول إله السماء فخر عليهم السقف وهو البناء من فوقهم.

حدثنا عبيد الله (٥) ، قال : حدثني أبى ، قال : حدثنا الهذيل عن مقاتل عن ابن إسحاق عن عبد الرحمن بن دانيال عن على بن أبى طالب ـ رضى الله عنه ـ

__________________

(١) سورة النحل : ٣٨.

(٢) فى أ : (وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ).

(٣) سورة الإسراء : ٧٣.

(٤) فى ل : يعنى وقد كان نمروذ ، أ : يعنى وقد كادوا وهو نمروذ.

(٥) فى ل : عبد الله.

٤١١

فى قوله ـ سبحانه ـ : (وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ) قال : أمر (١) نمروذ بن كنعان عدو الله فنحت التابوت وجعل له بابا من أعلاه وبابا من أسفله ثم صعد إلى أربع نسور ثم أوثق (٢) كل نسر بقائمة التابوت ثم جعل فى أعلى التابوت لحما شديد الحمرة فى «أربعة نواحي التابوت» (٣) حيال النسور ثم جعل رجلين فى التابوت فنهضت النسور تريد اللحم فارتفع التابوت إلى السماء ، فلما ارتفع ما شاء الله ، قال : أحد الرجلين لصاحبه : افتح باب التابوت الأسفل ، فانظر ، كيف ترى الأرض؟ نفتح فنظر. قال : أراها كالعروة البيضاء. ثم قال له : افتح الباب الأعلى فانظر إلى السماء ، هل ازددنا منها قربا؟ قال : ففتح الباب الأعلى ، فإذا هي كهيئتها ، وارتفعت النسور تريد اللحم ، فلما ارتفعا جدا لم تدعهما الريح أن يصعدا. فقال أحدهما لصاحبه : افتح الباب الأسفل فانظر ، كيف ترى الأرض؟ قال ففتح قال : إنها سوداء مظلمة ، ولا أرى منها شيئا. قال : اردد الباب الأسفل ، وافتح الباب الأعلى ، فانظر إلى السماء ، هل ازددنا منها قربا؟ ففتح الباب الأعلى فقال (٤) : أراها كهيئتها قال لصاحبه : نكس التابوت فنكسه فتصوب (٥) اللحم وصارت النسور فوق التابوت واللحم أسفل ثم هوت النسور منصبة تريد اللحم فسمعت الجبال حفيف التابوت وحفيف أجنحة النسور ففزعت وظنت أنه أمر نزل من السماء فكادت أن تزول من أماكنها من مخافة الله ـ عزوجل ـ

__________________

(١) أمر : ساقطة من أ ، وهي من : ل.

(٢) فى أ : وثق.

(٣) الأنسب : فى نواحي التابوت الأربعة.

(٤) هكذا فى أ ، ل. والأنسب : فقال.

(٥) فى ل : فتصوب ، أ ، فصوب. أهو المراد صار اللحم صوب الأرض أى إلى أسفل.

٤١٢

فذلك قوله : (وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ) ثم خوف كفار مكة ، فقال ـ سبحانه ـ : (فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ) يا محمد (مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ) فى نزول العذاب بكفار مكة فى الدنيا (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) يعنى منيع فى مكة (ذُو انتِقامٍ) ـ ٤٧ ـ من أهل معصيته (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ) يقول تبدل صورة الأرض التي عليها بنو آدم بأرض بيضاء نقية [١٩٦ أ] لم يسفك عليها دم ولم يعمل عليها معصية وهي أرض الصراط وعمق الصراط خمسمائة عام (وَ) تبدل (السَّماواتُ) فلا تكون (١) شيئا (وَبَرَزُوا لِلَّهِ) يقول وخرجوا من قبورهم ، ولا يستترون من الله بشيء فى أرض مستوية مثل الأدم ممدودة ليس عليها جبل ، ولا بناء ، ولا نبت ولا شيء (الْواحِدِ) لا شريك له (الْقَهَّارِ) ـ ٤٨ ـ يعنى القاهر لخلقه (وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ) يعنى كفار مكة (يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ) ـ ٤٩ ـ يعنى موثقين فى السلاسل والأغلال صفدت أيديهم إلى أعناقهم فى الحديد (سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ) يعنى قمصهم من نحاس ذائب (٢) (وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ) ـ ٥٠ ـ لأنهم يتقون النار بوجوههم (لِيَجْزِيَ) (٣) أى ليجزيهم (اللهُ) فيها تقديم يقول وبرزوا من قبورهم لكي يجزى الله (كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ) يقول كل نفس بر وفاجر ما كسبت يعنى ما عملت من خير أو شر (إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) ـ ٥١ ـ يقول كأنه قد جاء الحساب يخوفهم فإذا أخذ الله ـ عزوجل ـ فى حسابهم فرغ من حساب

__________________

(١) فى أ : فلا تكن ، ل : فلا تكون.

(٢) هكذا فى : أ : ل ، وفى حاشية أ : الظاهر والله أعلم أن قوله من نحاس ذائب إنما هو على قراءة من قرأ «قطر» أى من نحاس آن ، ظهر للكاتب.

(٣) فى أ ، ل : «ليجزيهم».

٤١٣

الخلائق على مقدار نصف يوم من أيام الدنيا (هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ) يعنى كفار مكة (وَلِيُنْذَرُوا بِهِ) يعنى لينذروا بما فى القرآن. (وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) (١) لا شريك له (٢) (وَلِيَذَّكَّرَ) فيما يسمع من مواعظ القرآن (أُولُوا الْأَلْبابِ) ـ ٥٢ ـ يعنى أهل اللب والعقل.

__________________

(١) ساقطة من : أ.

(٢) ساقطة من : أ.

٤١٤

سورة الحجر

٤١٥
٤١٦

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (١) رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ (٢) ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٣) وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ (٤) ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (٥) وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (٦) لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧) ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ (٨) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٩) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (١٠) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (١١) كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (١٢) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ

٤١٧

فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤) لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (١٥) وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ (١٦) وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (١٧) إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ (١٨) وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (١٩) وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ (٢٠) وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢١) وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ (٢٢) وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ (٢٣) وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (٢٤) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٢٥) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٦) وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ (٢٧) وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٨) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (٢٩) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٣٠) إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣١)

٤١٨

قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣٢) قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٣٣) قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٣٤) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ (٣٥) قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٣٦) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٣٧) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٣٨) قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩) إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٤٠) قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (٤١) إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ (٤٢) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٣) لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (٤٤) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٤٥) ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ (٤٦) وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (٤٧) لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ (٤٨) * نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩) وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ (٥٠) وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ (٥١) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (٥٢) قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (٥٣)

٤١٩

قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (٥٤) قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ (٥٥) قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ (٥٦) قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٥٧) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٥٨) إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٩) إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ (٦٠) فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (٦١) قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٦٢) قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (٦٣) وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٦٤) فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (٦٥) وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (٦٦) وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (٦٧) قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ (٦٨) وَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ (٦٩) قالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ (٧٠) قالَ هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (٧١) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (٧٢) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (٧٣) فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (٧٤) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (٧٥) وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (٧٦)

٤٢٠