تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٢

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٢

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٩٧

يعنى القمص تقيكم (الْحَرَّ) يعنى من الكتان ، والقطن (١) ، والصوف (وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ) من القتل والجراحات يعنى درع الحديد بإذن الله ـ عزوجل ـ (كَذلِكَ) يعنى هكذا (يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) ـ ٨١ ـ يعنى لكي تسلموا نظيرها فى سبأ (٢) ، والأنبياء (وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ) (٣) يعنى فهل أنتم مخلصون لكي تخلصوا إليه بالتوحيد (فَإِنْ تَوَلَّوْا) يقول فإن أعرضوا عن التوحيد (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ) ـ ٨٢ ـ يقول عليك يا محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أن تبلغ وتبين لهم أن الله ـ عزوجل ـ واحد لا شريك له.

(يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ) التي ذكرهم فى هؤلاء الآيات من قوله ـ عزوجل ـ : (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً ...) إلى أن قال (... لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) (٤) فتعرفون هذه النعم أنها كلها من الله ـ عزوجل ـ وذلك أن كفار مكة كانوا إذا سئلوا من أعطاكم هذا الخير ، قالوا : الله أعطانا. فإن دعوا إلى التوحيد

__________________

(١) فى حاشية أما يأتى : فى القطن ثلاث لغات ضم الطاء وإسكانها وتشديد النون مع الضم للطاء أيضا وشبهه الجبن والبدن.

(٢) يشير إلى الآيات : ١٥ ، ١٦ ، ١٧ ، ١٨ ، ١٩ من سورة سبأ.

(٣) سورة الأنبياء الآية : ٨٠. وليس فى سورة سبأ ما يماثل هذه الآية فى اللفظ. وإن كانت الآيات ١٥ ـ ١٩ تقرب منها فى المعنى.

(٤) الآيتان ٨٠ ، ٨١ من سورة النحل وهما :

(وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً ، وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ. وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ).

تفسير مقاتل ـ ٣١

٤٨١

للذي أعطاهم ، قالوا إنما ورثناه عن آبائنا ، فذلك قوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ) ـ ٨٣ ـ بتوحيد رب هذه النعم ـ تعالى ذكره ـ ثم قال ـ جل اسمه : (وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً) يعنى نبيها شاهدا على أمته بالرسالة أنه بلغهم (١) (ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) فى الاعتذار (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) ـ ٨٤ ـ نظيرها (يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ) (٢) (وَإِذا رَأَى) يعنى وإذا عاين (الَّذِينَ ظَلَمُوا) يعنى كفروا (الْعَذابَ) يعنى النار (فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ) يعنى العذاب (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) ـ ٨٥ ـ يعنى ولا يناظر بهم فذلك قوله ـ سبحانه : (يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ) «(٣)» (وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ) من الأصنام اللات ، والعزى ، ومناة ، (قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ) يعنى نعبد من دونك (فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ) فردت شركاؤهم عليهم القول (إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ) ـ ٨٦ ـ ما كنا لكم آلهة (وَأَلْقَوْا إِلَى اللهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ) يعنى كفار مكة استسلموا له وخضعوا له (وَضَلَّ عَنْهُمْ) فى الآخرة (ما كانُوا يَفْتَرُونَ) ـ ٨٧ ـ يعنى يشركون من الكذب فى الدنيا بأن مع الله شريكا (الَّذِينَ كَفَرُوا) بتوحيد الله (وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) يعنى منعوا الناس من دين الله الإسلام وهم القادة فى الكفر يعنى كفار مكة (زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ) ـ ٨٨ ـ يعنى يعملون فى الأرض بالمعاصي وذلك أنه يجرى من تحت العرش على رءوس أهل النار خمسة أنهار من نحاس ذائب. ولهب من نار.

__________________

(١) فى أ : ثم قال.

(٢ ـ ٣) سورة غافر الآية ٥٢ وتمامها : (يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ).

٤٨٢

نهران يجريان على مقدار نهار الدنيا وثلاثة أنهار على مقدار ليل الدنيا فتلك الزيادة [٢٠٧ أ] فذلك قوله سبحانه : (يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ) (١) (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) يعنى نبيهم وهو شاهد على أمته أنه بلغهم الرسالة (وَجِئْنا بِكَ) يا محمد (شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ) يعنى أمة محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه بلغهم الرسالة (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) من أمره ، ونهيه ، ووعده ، ووعيده ، وخبر الأمم الخالية وهذا القرآن (وَهُدىً) (٢) من الضلالة (وَرَحْمَةً) من العذاب لمن عمل به (وَبُشْرى) يعنى ما فيه من الثواب (لِلْمُسْلِمِينَ) ـ ٨٩ ـ يعنى المخلصين. (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) بالتوحيد (وَالْإِحْسانِ) يعنى العفو عن الناس (وَإِيتاءِ) يعنى وإعطاء (ذِي الْقُرْبى) المال يعنى صلة (٣) قرابة الرجل كقوله : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) (٤) يعنى صلته ، ثم قال سبحانه : (وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ) يعنى المعاصي (وَالْمُنْكَرِ) يعنى الشرك وما لا يعرف من القول (وَالْبَغْيِ) يعنى ظلم الناس (يَعِظُكُمْ) يعنى يؤدبكم (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ـ ٩٠ ـ يعنى لكي تذكروا فتتأدبوا (٥). لما نزلت هذه الآية بمكة قال أبو طالب ابن عبد المطلب : يا آل غالب (٦) اتبعوا محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ تفلحوا

__________________

(١) سورة الرحمن : ٣٥.

(٢) فى أ : «هدى».

(٣) فى أ : صلته.

(٤) سورة الإسراء : ٢٦.

(٥) فى أ : فيتأدبوا.

(٦) فى أ ، ل : غالب. ولعلها محرفة عن طالب.

٤٨٣

وترشدوا والله إن ابن أخى ليأمر بمكارم الأخلاق ، وبالأمر الحسن ، ولا يأمر إلا بحسن الأخلاق ، والله لئن كان محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ صادقا أو كاذبا ما يدعوكم إلا إلى الخير ، فبلغ ذلك الوليد بن المغيرة فقال : إن كان محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قاله ، فنعم ما قال ، وإن إلهه قاله ، فنعم ما قال ، فأتنا بلسانه ولم يصدق محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بما جاء به ولم يتبعه ، فنزلت (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى وَأَعْطى قَلِيلاً) بلسانه (وَأَكْدى) (١) يعنى وقطع ذلك ، ثم قال ـ عزوجل ـ : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها) يقول لا تنقضوا الأيمان بعد تشديدها وتغليظها (وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً) يعنى شهيدا فى وفاء العهد (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) ـ ٩١ ـ فى الوفاء والنقض ، ثم ضرب مثلا لمن ينقض العهد ، فقال سبحانه : (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها) يعنى امرأة من قريش حمقاء مصاحبة (٢) أسلمت بمكة تسمى ريطة بنت عمرو بن كعب بن سعد بن تيم ابن مرة ، وسميت جعرانة لحماقتها ، وكانت إذا غزلت الشعر أو الكتان نقضته قال الله ـ عزوجل ـ : لا تنقضوا العهود بعد توكيدها كما نقضت المرأة الحمقاء غزلها (مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ) من بعد ما أبرمته (أَنْكاثاً) يعنى نقضا ، فلا هي تركت الغزل فينتفع به ، ولا هي كفت عن العمل. فذلك الذي يعطى العهد ، ثم ينقضه ، لا هو حين أعطى العهد وفى به ، ولا هو ترك العهد فلم يعطه ـ من بعد قوة ـ يعنى [٢٠٧ ب] من بعد جده ولم يأثم بربه ، ثم قال سبحانه : (تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ)

__________________

(١) سورة النجم : ٣٣ ـ ٣٤.

(٢) ورد فى لباب النقول للسيوطي : ١٣٤. أنها كانت مجنونة تجمع الشعر والليف ، فنزلت هذه ، وفى أ ، ل : مصاحبة.

٤٨٤

يعنى العهد (دَخَلاً بَيْنَكُمْ) يعنى مكرا وخديعة يستحل به نقض (١) العهد (أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ) يعنى إنما يبتليكم الله بالكثرة (وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ) يعنى من لا يفي منكم بالعهد يعنى وليحكمن بينكم (يَوْمَ الْقِيامَةِ «ما كُنْتُمْ») (٢) (فِيهِ) من الدين (تَخْتَلِفُونَ) ـ ٩٢ ـ ثم قال سبحانه : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) يعنى على ملة الإسلام (وَلكِنْ يُضِلُ) عن الإسلام (مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي) إلى الإسلام (مَنْ يَشاءُ وَلَتُسْئَلُنَ) يوم القيامة (عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ـ ٩٣ ـ فى الدنيا ، ثم قال سبحانه : (وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ) يعنى العهد (دَخَلاً بَيْنَكُمْ) بالمكر والخديعة (فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها) يقول إن ناقض العهد يزل فى دينه كما تزل قدم الرجل بعد الاستقامة (وَتَذُوقُوا السُّوءَ) يعنى العقوبة (بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) يعنى بما منعتم الناس عن دين الله الإسلام (وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) ـ ٩٤ ـ فى الآخرة. ثم وعظهم فقال سبحانه : (وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً) يقول ولا تبيعوا الوفاء بالعهد فتنقضونه بعرض يسير من الدنيا (إِنَّما عِنْدَ اللهِ) من الثواب لمن وفى منكم بالعهد (هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) من العاجل (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ـ ٩٥ ـ ثم زهدهم فى الأموال فقال سبحانه : (ما عِنْدَكُمْ) من الأموال إضمار (يَنْفَدُ) يعنى يفنى (وَما عِنْدَ اللهِ) فى الآخرة من الثواب (باقٍ) يعنى دائم لا يزول عن أهله (وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا) على أمر الله ـ عزوجل ـ فى وفاء العهد فى الآخرة (أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا) يعنى بأحسن الذي كانوا (يَعْمَلُونَ)

__________________

(١) فى أ : بعض.

(٢) فى أ : (فيما كنتم)

٤٨٥

ـ ٩٦ ـ فى الدنيا ويعفو عن سيئاتهم فلا يجزيهم بها أبدا. نزلت فى امرئ القيس بن عباس الكندي ، حين حكم عبدان بن أشرع الحضرمي فى أرضه وراده على حقه. ثم قال تعالى : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ) يعنى مصدق بتوحيد الله ـ عزوجل ـ (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً) يعنى حياة حسنة فى الدنيا (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ) يعنى جزاءهم فى (١) الآخرة بأحسن (ما كانُوا) بأحسن الذي كانوا (يَعْمَلُونَ) ـ ٩٧ ـ فى الدنيا ، ولهم مساوئ لا يجزيهم بها أبدا ، (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ) فى الصلاة (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) ـ ٩٨ ـ يعنى إبليس الملعون (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ) يعنى ملك (عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا) فى علم الله فى الشرك فيضلهم عن الهدى (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) ـ ٩٩ ـ يقول بالله يتقون (إِنَّما سُلْطانُهُ) يعنى ملكه (عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ) يعنى يتبعونه على أمره فيضلهم عن دينهم الإسلام (وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ) يعنى بالله (مُشْرِكُونَ) ـ ١٠٠ ـ كقوله سبحانه : (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) (٢) [٢٠٨ أ] من ملك يعنى إبليس على أمره. قوله ـ عزوجل : (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ) يعنى وإذا حولنا آية فيها شدة (٣) فنسخناها وجئنا مكانها بغيرها ألين منها (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ) من التبديل من غيره (قالُوا) (٤) قال كفار مكة للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : (إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ) يعنى متقول على الله الكذب من تلقاء نفسك قلت

__________________

(١) فى أ : يعنى جزاؤهم.

(٢) سورة إبراهيم : ٢٢.

(٣) فى أ : تقديم ، ل : شدة.

(٤) فى أ ، ل : (قال)

٤٨٦

كذا وكذا ثم نقضته وجئت بغيره (١) (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ـ ١٠١ ـ أن الله أنزله فإنك لا تقول إلا ما قد قيل لك (قُلْ) يا محمد لكفار مكة هذا القرآن (نَزَّلَهُ) على (رُوحُ الْقُدُسِ) يعنى جبريل ـ عليه‌السلام ـ (مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِ) لم ينزله باطلا (لِيُثَبِّتَ) يعنى ليستيقن (٢) (الَّذِينَ آمَنُوا) يعنى صدقوا بما فى القرآن من الثواب (وَهُدىً) من الضلالة (وَبُشْرى) لما فيه من الرحمة (لِلْمُسْلِمِينَ) ـ ١٠٢ ـ يعنى المخلصين بالتوحيد وأنزل الله ـ عزوجل (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ) من القرآن (وَيُثْبِتُ) فينسخه ويثبت الناسخ (وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) (٣) (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) وذلك أن غلاما لعامر بن الحضرمي القرشي يهوديا أعجميا كان يتكلم بالرومية يسمى يسار ويكنى أبا فكيهة كان كفار مكة إذا رأوا النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يحدثه قالوا : إنما يعلمه يسار ، أبو فكيهة (٤) ، فأنزل الله ـ تعالى (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) ، ثم أخبر عن كذبهم فقال سبحانه : (لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ) يعنى يميلون كقوله ـ سبحانه : (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ) (٥) يعنى يميل (أَعْجَمِيٌ) رومي يعنى أبا فكيهة (وَهذا) القرآن (لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) ـ ١٠٣ ـ يعنى بين يعقلونه نظيرها فى «حم السجدة» قوله ـ سبحانه : (وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌ) (٦) لقالوا محمد

__________________

(١) فى أ ، ل زيادة : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ) من التبديل وغيره. وليس هذا مكانها ، فأرجعتها إلى مكانها.

(٢) فى أ : ليستعين.

(٣) سورة الرعد : ٣٩.

(٤) هكذا فى أ ، ل.

(٥) سورة الحج : ٢٥.

(٦) سورة فصلت : ٤٤.

٤٨٧

ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عربي والقرآن أعجمى فذلك قوله سبحانه : (قُرْآناً أَعْجَمِيًّا ...) إلى آخر الآية. فضربه سيده فقال : إنك تعلم محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقال أبو فكيهة : بل هو يعلمني. فأنزل الله ـ عزوجل ـ فى قولهم : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) (١) لقولهم إنما يعلم محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يسار أبو فكيهة. ثم قال : (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ «بِآياتِ اللهِ») (٢) يعنى لا يصدقون بالقرآن أنه جاء من الله ـ عزوجل ـ ويزعمون أن محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يتعلم من أبى فكيهة (لا يَهْدِيهِمُ اللهُ) لدينه (وَلَهُمْ) فى الآخرة (عَذابٌ أَلِيمٌ) ـ ١٠٤ ـ يعنى وجيع ، ثم رجع إلى قول المشركين حين قالوا للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إنما أنت مفتر تقول هذا القرآن من تلقاء نفسك ، فأنزل الله تعالى : (إِنَّما يَفْتَرِي) يعنى يتقول (الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ) يعنى لا يصدقون بالقرآن أنه جاء من الله ـ عزوجل ـ (وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ) ـ ١٠٥ ـ [٢٠٨ ب] فى قولهم للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إنه مفتر (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ) نزلت فى عبد الله بن سعد بن أبى سرح القرشي ، ومقيس ابن ضبابة الليثي ، وعبد الله بن أنس بن حنظل من بنى تميم بن مرة ، وطعمة بن أبيرق الأنصارى من بنى ظفر بن الحارث ، وقيس بن الوليد بن المغيرة المخزومي ، وقيس بن الفاكه بن المغيرة المخزومي ، قتلا ببدر ، ثم استثنى فقال : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ) على الكفر (وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌ) يعنى راض (بِالْإِيمانِ) كقوله ـ

__________________

(١) سورة الشعراء : ١٩٢ ، ١٩٣.

(٢) ساقطة من أ ، ل.

٤٨٨

عزوجل ـ : (فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ) (١) نزلت فى جبر غلام عامر بن الحضرمي كان يهوديا فأسلم حين سمع أمر يوسف وإخوته فضربه سيده حتى يرجع إلى اليهودية ، ثم قال ـ عزوجل ـ : (وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ) من وسع (بِالْكُفْرِ صَدْراً) إلى أربع آيات يعنى عبد الله بن سعد بن أبى سرح وهؤلاء المسلمين (فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) ـ ١٠٦ ـ فى الآخرة (ذلِكَ) الغضب والعذاب (بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا) يعنى اختاروا (الْحَياةَ الدُّنْيا) الفانية ، (عَلَى الْآخِرَةِ) الباقية (وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي) إلى دينه (الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) ـ ١٠٧ ـ ثم أخبر عنهم فقال سبحانه : (أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ) يعنى ختم الله (عَلى قُلُوبِهِمْ) بالكفر (وَ) على (سَمْعِهِمْ وَ) على (أَبْصارِهِمْ) فهم لا يسمعون الهدى ولا يبصرونه (وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) ـ ١٠٨ ـ عن الآخرة ، (لا جَرَمَ) قسما حقا (أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ) ـ ١٠٩ ـ (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا) من مكة إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بالمدينة (مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا) يعنى من بعد ما عذبوا على الإيمان بمكة (ثُمَّ جاهَدُوا) مع النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها) يعنى من بعد الفتنة (لَغَفُورٌ) لما سلف من ذنوبهم (رَحِيمٌ) ـ ١١٠ ـ بهم فيها. نزلت فى عياش بن أبى ربيعة المخزومي ، وأبى جندل بن سهيل بن عمرو القرشي من بنى عامر بن لؤي ، وسلمة بن هشام ابن المغيرة ، والوليد بن المغيرة المخزومي ، وعبد الله بن أسيد الثقفي ، (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ) يعنى تخاصم (عَنْ نَفْسِها وَتُوَفَّى) يعنى وتوفر (٢) (كُلُّ نَفْسٍ)

__________________

(١) سورة الحج : ١١

(٢) فى أ : وتوفر وتنبا ، ل : وتوفى.

٤٨٩

بر وفاجر (ما عَمِلَتْ) فى الدنيا من خير أو شر (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) ـ ١١١ ـ فى أعمالهم ولا تسأل الرجعة كل نفس فى القرآن إلا كافرة (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً) يعنى وصف الله شبها (قَرْيَةً) يعنى مكة (كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً) أهلها من القتل والسبي (يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً) يعنى ما شاءوا (١) (مِنْ كُلِّ مَكانٍ) يعنى من كل النواحي من اليمن ، والشام ، والحبش ثم بعث فيهم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ رسولا يدعوهم إلى معرفة رب هذه النعم وتوحيده ـ جل ثناؤه ـ فإنه من لم يوحده لا يعرفه (فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ) حين لم يوحدوه [٢٠٩ أ] وقد جعل الله لهم (٢) الرزق ، والأمن فى الجاهلية نظيرها فى القصص والعنكبوت قوله سبحانه : (يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ) (٣) وقوله ـ عزوجل ـ فى العنكبوت (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) (٤) (فَأَذاقَهَا اللهُ) فى الإسلام ما كان دفع عنها فى الجاهلية (لِباسَ الْجُوعِ) سبع سنين (وَالْخَوْفِ) يعنى القتل (بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) ـ ١١٢ ـ يعنى بما كانوا يعملون من الكفر والتكذيب (وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ) يعنى محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (مِنْهُمْ) يعرفونه ولا ينكرونه (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ) يعنى الجوع سبع سنين (وَهُمْ ظالِمُونَ) ـ ١١٣ ـ (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) يا معشر المسلمين ما حرمت (٥) قريش ، وثقيف ، وخزاعة ، وبنو مدلج ، «وعامر بن

__________________

(١) فى أ : ما يشاءوا ، ل : ما شاءوا.

(٢) فى أ : لكم ، ل : لهم.

(٣) سورة القصص : ٥٧.

(٤) سورة العنكبوت : ٦٧.

(٥) فى أ ، ل : ما حرمت.

٤٩٠

صعصعة ، والحارث ، وعامر بن عبد مناة ، للآلهة من الحرث» (١) والأنعام (حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ) فيما رزقكم من تحليل الحرث والأنعام (إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) ـ ١١٤ ـ ولا تحرموا ما أحل الله لكم من الحرث والأنعام ثم بين ما حرم قال ـ عزوجل ـ : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَ) يعنى وما ذبح (لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) من الآلهة (فَمَنِ اضْطُرَّ) إلى شيء مما حرم الله ـ عزوجل ـ فى هذه الآية (غَيْرَ باغٍ) يستحلها فى دينه (وَلا عادٍ) يعنى ولا معتد (٢) لم يضطر إليه فأكله (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ) لما أصاب من الحرام (رَحِيمٌ) ـ ١١٥ ـ بهم حين أحل لهم عند الاضطرار ثم عاب من حرم ما أحل الله ـ عزوجل ـ فقال سبحانه : (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ) يعنى لما تقول (أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ) يعنى ما حرموا للآلهة من الحرث والأنعام وما أحلوا منها (لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) يعنى يزعمون أن الله ـ عزوجل ـ أمرهم بتحريم الحرث والأنعام ، ثم خوفهم فقال سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) بأنه أمر بتحريمه (لا يُفْلِحُونَ) ـ ١١٦ ـ فى الآخرة يعنى لا يفوزون ثم استأنف فقال سبحانه : (مَتاعٌ قَلِيلٌ) يتمتعون فى الدنيا (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) ـ ١١٧ ـ يقول فى الآخرة يصيرون إلى عذاب وجيع ، ثم بين ما حرم على اليهود فقال سبحانه : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ) فى سورة الأنعام قبل سورة النحل قال سبحانه ـ

__________________

(١) ما بين الأقواس من ل. وهو ساقط من : أ.

(٢) فى أ ، ل : ولا معتدى.

٤٩١

«وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَ (١) ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا» يعنى المبعر (أَوْ مَا اخْتَلَطَ) من الشحم (بِعَظْمٍ) (٢) فهو لهم حلال من قبل سورة النحل (وَما ظَلَمْناهُمْ) بتحريمنا عليهم الشحوم واللحوم وكل ذى ظفر (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) ـ ١١٨ ـ بقتلهم الأنبياء واستحلال الربا والأموال وبصدهم الناس عن دين الله ـ عزوجل ـ (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ) نزلت [٢٠٩ ب] فى جبر غلام ابن الحضرمي أكره على الكفر بعد إسلامه وقلبه مطمئن بالإيمان يقول راض بالإيمان فعمد النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فاشتراه وحل وثاقه. وتاب من الكفر وزوجه مولاة لبنى عبد الدار فأنزل الله ـ عزوجل ـ فيه (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ) فكل ذنب من المؤمن فهو جهل منه (ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) السوء (وَأَصْلَحُوا) العمل (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ) يعنى من بعد الفتنة لغفور لما سلف من ذنوبهم (رَحِيمٌ) ـ ١١٩ ـ بهم فيما بقي (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً) يعنى معلما يعنى إماما يقتدى به فى الخير (قانِتاً) مطيعا (لِلَّهِ حَنِيفاً) يعنى مخلصا (وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ـ ١٢٠ ـ يهوديا ولا نصرانيا (شاكِراً لِأَنْعُمِهِ) يعنى لأنعم الله ـ عزوجل ـ (اجْتَباهُ) يعنى استخلصه للرسالة والنبوة (وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ـ ١٢١ ـ يعنى إلى دين مستقيم وهو الإسلام (وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً)

__________________

(١) فى أ : على.

(٢) سورة الأنعام الآية ١٤٦ وتمامها : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ).

٤٩٢

يقول وأعطينا إبراهيم فى الدنيا مقالة حسنة بمضيته وصبره على رضا ربه (١) ـ عزوجل ـ حين ألقى فى النار وكسر الأصنام وأراد ذبح ابنه إسحاق ، والثناء الحسن (٢) من أهل الأديان كلهم يتولونه جميعا «ولا يتبرأ منه أحد منهم» (٣) (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) ـ ١٢٢ ـ (ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) يا محمد (أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) يعنى الإسلام حنيفا يعنى مخلصا (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ـ ١٢٣ ـ (إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ) يوم السبت وذلك أن موسى ـ عليه‌السلام ـ أمر بنى إسرائيل أن يتفرغوا كل سبعة أيام للعبادة ، يعنى يوم الجمعة ، وأن يتركوا فيه عمل دنياهم. فقالوا لموسى ـ عليه‌السلام ـ : نتفرغ يوم السبت ، فإن الله ـ تعالى ـ لم يخلق يوم السبت شيئا فاجعل لنا السبت عيدا نتعبد فيه. فقال موسى ـ عليه‌السلام ـ : إنما أمرت بيوم الجمعة. فقال أحبارهم : انظروا إلى ما يأمركم به نبيكم فانتهوا (٤) إليه ، وخذوا به. فأبوا إلا يوم السبت فلما رأى موسى ـ عليه‌السلام ـ حرصهم على يوم السبت واجتماعهم عليه أمرهم به ، فاستحلوا فيه المعاصي ، فذلك قوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ) يقول إنما أمر بالسبت على الذين كان اختلافهم فيه حين قال بعضهم : يوم السبت. وقال بعضهم : اتبعوا أمر نبيكم فى الجمعة. ثم قال ـ سبحانه ـ : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ) يعنى ليقضى (بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ) يعنى فى السبت (يَخْتَلِفُونَ)

__________________

(١) فى أ : رضا به ، ل : رضا ربه.

(٢) فى أ : فى ، ل : من.

(٣) من ل ، وفى أ : ولا يبرأ منه أحد.

(٤) فانتهوا : ساقطة من ل.

٤٩٣

ـ ١٢٤ ـ ثم إن الله ـ عزوجل ـ قال للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ) يعنى دين ربك وهو الإسلام (بِالْحِكْمَةِ) يعنى بالقرآن (وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) يعنى بما فيه من الأمر والنهى [٢١٠ أ](وَجادِلْهُمْ) يعنى أهل الكتاب (بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) بما فى القرآن من الأمر والنهى (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ) يعنى دينه الإسلام (وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) ـ ١٢٥ ـ يعنى بمن قدر الله له الهدى من غيره (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ) وذلك أن كفار مكة قتلوا يوم أحد طائفة من المؤمنين ومثلوا بهم منهم حمزة بن عبد المطلب ، عم رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بقروا بطنه وقطعوا مذاكيره وأدخلوها فى فيه ، وحنظلة ابن أبى عامر غسيل الملائكة فحلف المسلمون للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «لئن دالنا الله ـ عزوجل ـ منهم (١)» لنمثان بهم أحياء فأنزل الله ـ عزوجل : (فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ) يقول مثلوا هم بموتاكم لا تمثلوا بالأحياء منهم (وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ) عن المثلة (لَهُوَ) (٢) (خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) ـ ١٢٦ ـ من المثلة نزلت فى الأنصار ثم قال للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : وكانوا مثلوا بعمه حمزة ابن عبد المطلب ـ عليه‌السلام ـ (وَاصْبِرْ) على المثلة البتة (وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ) يقول أنا ألهمك حتى تصبر فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ للأنصار : إنى قد أمرت بالصبر البتة أفتصبرون؟ قالوا : يا رسول الله ، أما إذ صبرت وأمرت بالصبر فإنا نصبر يقول الله تعالى : (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) إن تولوا عنك

__________________

(١) فى ل : لئن أدالنا الله عزوجل عليهم. أ : دالنا الله عزوجل.

(٢) فى أ : فهو.

٤٩٤

فلم يجيبوك إلى الإيمان (وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) ـ ١٢٧ ـ يقول لا يضيقن صدرك مما يمكرون يعنى مما يقولون يعنى كفار مكة حين قالوا للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : أيام الموسم هذا دأبنا ودأبك وهم الخراصون وهم المستهزءون. فضاق صدر النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بما قالوا. يقول الله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا) الشرك فى العون والنصر لهم (وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) ـ ١٢٨ ـ يعنى فى إيمانهم.

* * *

٤٩٥
٤٩٦

سورة الإسراء

٤٩٧
٤٩٨

(١٧) سورة الاسراء مكية

وأياتها إحدي عشرة ومائة

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١) وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً (٢) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً (٣) وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً (٤) فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً (٥) ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (٦) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ

٤٩٩

وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً (٧) عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً (٨) إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (٩) وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٠) وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً (١١) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً (١٢) وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً (١٣) اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (١٤) مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (١٥) وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً (١٦) وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ

٥٠٠